تمهيد:
في الوقت الذي تُشكّل فيه المعلومات المضللة قلقًا عالميًّا؛ يركز الجزء الأكبر من الأبحاث حولها على الشمال العالمي. على الرغم من أن هذه الظاهرة أكثر انتشارًا في الجنوب، وخاصةً في إفريقيا جنوب الصحراء.
وتتطور وتتشكل تلك الظاهرة مع تطور وسائل وأدوات نشر المعلومة، والمزاج السياسي العام كصعود السياسة الشعبوية، والرأسمالية الرقمية، ونقاط الضعف الهيكلية في وسائل الإعلام السائدة([1]). وهي تُمثّل تحديات هائلة في مواجهة البلدان الإفريقية التي تعاني أصلاً من فجوة رقمية. ومِن ثَمَّ تكون لها انعكاسات سلبية خطيرة على كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما سوف نحاول تغطيته بشكل موجز من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: المعلومات المضللة: النشأة والمفهوم والوسيلة.
- المحور الثاني: المعلومات المضللة في إفريقيا جنوب الصحراء: الحجم والانتشار.
- المحور الثالث: آثار نشر المعلومات المضللة وسبل مكافحتها.
المحور الأول
المعلومات المضللة: النشأة والمفهوم والوسيلة
أولاً: النشأة والمفهوم
إن المعلومات المضللة في إفريقيا جنوب الصحراء موجودة منذ زمن بعيد. فخلال الحقبة الاستعمارية، كانت الصحافة خاضعة لقوى الاستعمار، فأنشأت المجتمعات قنوات اتصال موازية كالحكم والموسيقى الشعبية والفكاهة والهجاء، لتقويض السرد المُضلل، ودعم النضالات السياسية. وحتى ما بعد الاستعمار، حافظت الدول على إحكام قبضتها على المعلومات، التي تحرَّرت نسبيًّا في التسعينيات، لكن انعدام الشفافية والقمع المعلوماتي ظل شائعًا. وفي الوقت الذي يتمتع فيه الغرب بالوصول الواسع إلى الإنترنت ووسائل الإعلام، تضاءل هذا الوصول في إفريقيا جنوب الصحراء. كما أنتج الاستعمار “نظامين بيئيين” مختلفين للتضليل: غرب إفريقيا الفرنسية، وشرق إفريقيا الإنجليزية([2]).
وتُعرّف دائرة العمل الخارجي الأوروبية ((EEAS التلاعب بالمعلومات Foreign Information Manipulation and Interference (FIMI) بأنه “نمط من السلوك يهدّد، أو لديه القدرة على التأثير سلبًا على القِيَم والإجراءات والعمليات السياسية. ويتم إجراؤه بطريقة مقصودة ومُنسَّقة. ويمكن أن تكون الجهات الفاعلة فيه حكومية أو غير حكومية، بما في ذلك وكلاؤها في الداخل أو الخارج”([3]).
وتعني المعلومات المضللة disinformation “المعلومات الكاذبة، المتعلقة بالقوة أو الخطط العسكرية لبلد ما، والتي تنشرها حكومة أو وكالة استخبارات في عمل عدائي من التخريب السياسي التكتيكي”. ويعني المصطلح في اللغة وصف “المعلومات بـأنها مضللة أو متحيزة عن عمد؛ السرد أو الحقائق التي تم التلاعب بها”. بالمقارنة مع المعلومات الخاطئة، تُعدّ المعلومات المضللة كلمة جديدة نسبيًّا، تم استخدامها لأول مرة عام 1965م، وهي ترجمة للكلمة الروسية dezinformátsiya، أو الفرنسية désinformer “التضليل”([4]).
أيضًا هي “التزييف المتعمّد وتلفيق المعلومات الإخبارية بهدف إيذاء الناس وخداعهم”. أما المعلومات الخاطئة فهي “مشاركة معلومات غير دقيقة ومضللة بطريقة غير مقصودة”([5]).
ثانيًا: أشكال وأساليب نشر المعلومات المضللة في إفريقيا جنوب الصحراء
تتخذ المعلومات المضللة أشكالًا عديدة؛ منها: قيام الأحزاب السياسية بتوظيف المتصيدين وشركات الاستهداف الرقمي لمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات، وبث الكراهية ضد مجموعات عرقية معينة([6]).
ويتم نشرها من خلال أساليب مختلفة؛ مثل: استغلال الظروف المالية، ونقص الموارد لدى الكثير من وسائل الإعلام في إفريقيا، أو الانخراط في اتفاقيات مشاركة المحتوى، مما يسمح بانتشار المحتوى الذي تنتجه الدولة الأجنبية. ومن الأمثلة على ذلك: وكالة أنباء شينهوا الصينية وقناة آر تي الروسية؛ حيث استحوذت وسائل الإعلام الصينية على معظم الاتفاقيات مع وكالات الأنباء الإفريقية بواقع 17 اتفاقية، تليها الروسية بـ15 اتفاقية، والتركية باثنتين؛ حيث سيطرت وكالة شينهوا على ربع المحتوى المنشور لوكالة الأنباء في جنوب إفريقيا في الفترة من 31 أكتوبر 2022م إلى 31 أكتوبر 2023م.
وفي كينيا، تتيح اتفاقية مشاركة المحتوى التي أبرمتها الحكومة مع مجموعة نيشن ميديا جروب إمكانية الوصول إلى ثماني محطات إذاعية وتلفزيونية في أربع دول في شرق ووسط إفريقيا، و28 مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، و11.3 مليون مشاهد شهريًّا، وتوزيع صحيفة يومية يصل إلى 90 ألف نسخة.
وهناك طرق أخرى مثل السيطرة على البنية التحتية لوسائل الإعلام. وفي كينيا مثلاً توفر شبكة البث StarTimes التابعة لجمهورية الصين تلفزيونًا رقميًّا مجانيًّا وأجهزة عرض تعمل بالطاقة الشمسية؛ لعرض المحتوى في الساحات العامة لعشرة آلاف قرية في جميع أنحاء إفريقيا، كما خلقت وسائل الإعلام الصينية نحو 500 وظيفة إعلامية محلية، مع تشغيل مئات الصحفيين الآخرين([7]).
ونظرًا لأن تقنيات الويب 2.0 حوَّلت الإنترنت إلى وسيلة تفاعلية؛ فقد سيطر المستخدمون على هذا المجال. مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى النقيض من وسائل الإعلام التقليدية، فإن افتقار وسائل التواصل الاجتماعي إلى آليات الرقابة يجعل دقة نشر الأخبار موضع شك([8]).
لقد أصبح التطور الرقمي في إفريقيا ساحة معركة لاستخدام المعلومات كسلاح. وتستفيد الجهات الفاعلة الخبيثة من المشهد الاجتماعي والسياسي المعقّد في القارة، مما يُشكِّل تهديدًا للديمقراطية. وتتلاعب حملات التضليل التي ترعاها الدولة بالانتخابات، كما في نيجيريا وكينيا. وتستغل هذه الجهات الفاعلة منصات التواصل الاجتماعي لنشر التوترات العرقية، على غرار الأزمة في الكاميرون([9]).
وهناك سمة إفريقية أخرى، وهي الشعبية الواسعة لمراسلة واتساب؛ حيث ينتشر المحتوى من فرد إلى آخر أو ضمن مجموعات مناقشة مغلقة. فلا يمكن للنظام الأساسي الإشراف على المحتوى أو المستخدمين الذين يثيرون المشكلات أو حظرهم. لذلك، يترك أعضاء المجموعة تعليقات مهينة أو خرافات حول هذا المجتمع. كما أن الطبيعة اللامركزية لاتصالات واتساب تؤدي أيضًا إلى تعقيد دور “المراقبة” للصحفيين ومنظمات التحقق من الحقائق. ولأن هذه الجهات الفاعلة لا تعرف دائمًا ما يتم نشره من خطابات الكراهية أو الأخبار المزيفة([10]).
وقد وجدت دراسة أجرتها الشبكة الإفريقية للحقوق الرقمية (ADRN)، ركزت على 10 دول أن الحكومات استخدمت عددًا كبيرًا من التدابير على مدى العقدين الماضيين لخنق قدرة الناس على التنظيم والتعبير عن الآراء والمشاركة في الحكم عبر الإنترنت. ووجدت أن الأساليب الأكثر شيوعًا التي تستخدمها الحكومات هي المراقبة الرقمية، والتضليل، وإغلاق الإنترنت، وإدخال قوانين تقلل من الحقوق الرقمية، والاعتقالات بسبب التعبير عبر الإنترنت. وأن الإستراتيجيات الأخرى تشمل حظر الرسائل النصية القصيرة الجماعية، والتسجيل الإلزامي للمدونين، وارتفاع أسعار وضرائب وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديد الهوية الإلزامية لتسجيل بطاقة SIM المحمولة، واستخدام مقهى الإنترنت([11]).
المحور الثاني
المعلومات المضللة في إفريقيا جنوب الصحراء الحجم والانتشار
أولاً: حجم المعلومات المضللة وخارطة انتشارها في إفريقيا جنوب الصحراء
وصلت حملات التضليل الموثقة -البالغ عددها ١٨٩ في إفريقيا- إلى ما يقرب من أربعة أضعاف العدد المبلغ عنه في عام ٢٠٢٢م([12]).
سلَّط مؤشر حرية الصحافة لعام 2023م الضوء على التأثير المدمر الذي تُحدثه المعلومات المضللة، أو “صناعة المحتوى المزيف في النظام البيئي الرقمي”، وخلص إلى أن الجهات الفاعلة السياسية في إفريقيا كانت في كثير من الأحيان أو بشكل منهجي متورطة في حملات تضليل أو دعاية واسعة النطاق. وأشار التقرير إلى أن القدرة غير المسبوقة على التلاعب بالمحتوى تُستخدم لتقويض أولئك الذين يُجسّدون المعلومة الصحيحة. وحتى لو شهدت إفريقيا بعض الارتفاعات الكبيرة في المؤشر، مثل بوتسوانا (65)، التي صعدت 35 مركزًا، فقد أصبحت الصحافة بشكل عام أكثر صعوبة، ويصنف الوضع الآن على أنه “سيئ” وفق رأي ما يقرب من 40٪ من السكان عام 2023م. (مقابل 33% في 2022م). ففي بوركينا فاسو (58) مثلاً، تم حظر إعادة البث المحلي لمحطات البث الدولية، وتم ترحيل الصحفيين. ومنطقة الساحل بشكل عام، هي في طور التحول إلى “منطقة بلا أخبار”. كما قُتِلَ العديد من الصحفيين في إفريقيا، بما في ذلك مارتينيز زونغو في الكاميرون (المرتبة 138). وفي إريتريا (174)، لا تزال وسائل الإعلام تحت قبضة الدولة([13]).
كما كشف تقرير الأخبار الرقمية لعام 2023م الصادر عن معهد رويترز للصحافة أنه عبر المناطق التي يغطيها التقرير، قال 56%: إنهم قلقون بشأن تحديد الفرق بين ما كان حقيقيًّا ومزيفًا على الإنترنت عندما يتعلق الأمر بالأخبار، بزيادة نقطتين مئويتين عن عام 2022م([14]).
ثانيًا: المسؤولون عن نشر المعلومات المضللة في إفريقيا جنوب الصحراء
وجدت دراسة أجراها مركز “بيو للأبحاث” في الولايات المتحدة عام 2016م بمشاركة 755 شخصًا؛ أن الأفارقة لديهم مستويات منخفضة من الثقة في وسائل الإعلام، ويتعرضون لدرجة عالية من التضليل، وأنهم يسهمون في كثير من الأحيان في انتشارها. ويرى الناس في كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا أنهم يتعرَّضون “لأخبار مزيفة” حول السياسة بشكل منتظم إلى حد ما. كما أن ما يقرب من نصف المشاركين الكينيين يرون أنهم غالبًا ما يواجهون قصصًا إخبارية عن السياسة يعتقدون أنها مُختلَقَة بالكامل. وأن نسبة صغيرة فقط (تتراوح من 1 إلى 3٪) لم يصادفوا أبدًا أخبارًا مزيفة، مقارنةً بـ 12% في الولايات المتحدة. كما أنهم شاركوا “أخبارًا مزيفة” أعلى بكثير مما يفعله الأمريكيون (16%): 38% من الكينيين، و28% من النيجيريين، و35% من جنوب إفريقيا. وقال أكثر من ثلثي المشاركين في البلدان الثلاثة: إن الجمهور يتحمل قدرًا كبيرًا من المسؤولية في وقف المعلومات المزيفة. وبعد ذلك شركات وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المركز الأخير الحكومة([15]).
وتعتبر روسيا والصين الأكثر نشرًا للمعلومات المضللة في القارة؛ إلا أنهما ليسا اللاعبين الوحيدين. في عام 2020م، مثلاً، أعلن موقع فيسبوك أنه أزال ثلاث شبكات منفصلة كانت تعرض علامات “سلوك منسق غير أصيل”، استهدف المجتمعات الإفريقية، واستهدفت إحداهما جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وكانت مرتبطة بالجيش الفرنسي، بينما ركزت الأخريان على جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا. وكانا مرتبطين برئيس مجموعة المرتزقة الروسية آنذاك فاغنر. ولم تكن تلك إلا اشتباك معلوماتي من أجل التأثير على دولة ثالثة. ووفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية، فإن روسيا هي المزود الرئيسي للمعلومات المضللة في إفريقيا؛ حيث تستهدف أكثر من 22 دولة من خلال 80 حملة موثقة، وتمثل ما يقرب من 40٪ من جميع حملات التضليل. وتأتي الصين في المركز الثاني كثاني أكبر راعي للمعلومات المضللة على مستوى إفريقيا، مع خمس حملات في مناطق مختلفة([16]).
خارطة التضليل المتعمد في إفريقيا
المصدر: مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية، خريطة موجة المعلومات المضللة في إفريقيا، ٣ أبريل ٢٠٢٤م
حيث تواصل روسيا الاستفادة من المشاعر المعادية لفرنسا وعدم الاستقرار؛ بإطلاق حملات تهدف إلى زيادة نفوذها. وكانت بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان -ومؤخرًا الجابون والنيجر- من بين الدول التي شهدت انقلابات عسكرية على مدى العامين ونصف العام الماضيين، من بين دول الساحل الثلاث المدرجة في هذه القائمة (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، استغل قادة الانقلاب الغضب تجاه النشاط السياسي والعسكري الفرنسي في المنطقة لتبرير استيلائهم السياسي على الحكم (من بين أسباب أخرى)، واتخذوا خطوات لتعليق مواقع وسائل الإعلام الفرنسية، مثل راديو فرنسا الدولي، وفرانس 24 من العمل. وسط الفراغ المعلوماتي الناتج عن ذلك، وتمكَّنت الجهات التهديدية المتحالفة مع روسيا من إطلاق حملات تضليل معلوماتية بسرعة وفعالية([17]).
كما أن إفريقيا الوسطى هي بالفعل إلى حد كبير تابعة لروسيا. خاصةً بعد موافقة مجلس على “التدريب” العسكري الروسي لتحقيق الاستقرار في الدولة عام 2017م. والآن يعمل الروس بشكل علني في موزمبيق والكونغو الديمقراطية، وأنشأوا بنًى تحتية مادية للتضليل في إفريقيا الوسطى، ويدعمون كلا طرفي الصراع الحالي في السودان([18]).
المحور الثالث
آثار نشر المعلومات المضللة
هناك صلة قوية بين التضليل وعدم الاستقرار؛ فقد أدت حملات التضليل الإعلامي بشكل مباشر إلى العنف المميت، وشجَّعت الانقلابات العسكرية ووافقت عليها، وأرغمت المجتمع المدني على الصمت، وعملت كستار للفساد والاستغلال. وكان لهذا عواقب على تقليص حقوق الأفارقة وحرياتهم وأمنهم. وتأتي هذه الهجمة من التشويش المتعمد مع دخول ٣٠٠ مليون إفريقي إلى وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية؛ حيث يوجد أكثر من ٤٠٠ مليون مستخدم نَشِط لوسائل التواصل الاجتماعي و٦٠٠ مليون مستخدم للإنترنت في القارة، كانت ٣٩ دولة إفريقية على الأقل هدفًا لحملة تضليل محددة. وما يقرب من ٦٠% من حملات التضليل في القارة ترعاها دول أجنبية([19]).
أولاً: بعض القطاعات المستهدفة
يصنّف تقرير المخاطر العالمية لعام 2024م المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة (الأخبار الكاذبة) باعتبارها أشد المخاطر العالمية على المدى القصير. وتتجلى آثارها الخبيثة في زيادة الخلاف الاجتماعي، وتقويض المؤسسات والعمليات العامة، والتلاعب العام، وفي العنف والتطرف. كما تؤثر على قطاعات مختلفة بما في ذلك الانتخابات والسلام والأمن والسياسة العامة والصحة والمناخ والتعليم. فلديها القدرة على تعطيل الانتخابات، وقمع التصويت، والتأثير على نتائج الانتخابات، وتشويه سمعة العمليات والمؤسسات الانتخابية، والتشهير بشكل خاطئ بالأحزاب السياسية والمرشحين، وإثارة العنف الانتخابي([20]). فقد تستهدف مرشحًا رئاسيًّا؛ حيث تم الكشف عن حملة استهدفت مرشحًا في الكونغو الديمقراطية على أساس ميوله الجنسية. كم تم استخدام الدين كسلاح لتقويض المرشح الرئاسي دينيس موكويجي([21]).
وتقدم جائحة كوفيد-19 حالة جيدة للآثار الضارة للأخبار الكاذبة. حتى أثرت على فعالية اللقاحات والتدابير الوقائية والعلاجات، وعلى إدارة الوباء. ودفع الحجم الهائل للمعلومات الخاطئة المتعلقة بالصحة منظمة الصحة العالمية إلى وصف الوضع بأنه وباء معلوماتي([22]).
وفي دراسة صدرت في عام 2020م قامت بتحليل قاعدة بيانات تضم 38 مليون قطعة من المحتوى باللغة الإنجليزية نُشرت في الفترة ما بين 1 يناير و26 مايو 2020م حول فيروس كورونا، وجدت أن ما يزيد قليلاً عن مليون مقال إخباري إما تم نشره أو أبلغ عن معلومات مضللة تتعلق بالوباء([23]).
وتوصلت دراسة أخرى عن إفريقيا جنوب الصحراء، من اخلال استطلاع لنحو 1969 مشاركًا من خلال منصات التواصل الاجتماعي وشبكات البريد الإلكتروني. تم تضمين أربعة بيانات كاذبة -مستنيرة بنتائج دراسة تجريبية- في الاستطلاع. ويعتقد 19.3% أن فيروس كورونا تم تصميمه لتقليل عدد سكان العالم، ويعتقد 22.2% أن القدرة على حبس أنفاسك لمدة 10 ثوانٍ تعني عدم إصابتك بكوفيد-19، ويعتقد 27.8% أن شرب الماء الساخن يطرد الفيروس، ويعتقد 13.9% أن تأثير كوفيد-19 كان ضئيلًا على السود مقارنة بالبيض. وكان 33.7% في المتوسط غير متأكدين مما إذا كانت العبارات الأربعة الكاذبة صحيحة([24]).
أو قد تُستخدم لكسب المال عن طريق جذب المرور على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، من خلال إثارة عناوين لجذب القراء للنقر والولوج إليها. ويرى بعض الخبراء أن هناك مكاسب كبيرة تُجنَى بواسطة الأخبار الكاذبة، كالبيع والإعلان الأيديولوجي؛ حيث تحقق الوسائط الرقمية مكاسب هائلة من عائدات الإعلانات؛ إذ تستفيد شركات فيسبوك وجوجل وياهو وتويتر (X) من خلال دمج الأخبار في عروضها. وبما أن هذه المنصات تزدهر بفضل السرعة في تقديم الأخبار؛ فإنهم يفضلون انتشار الأخبار المزيفة في المجال العام. كما يستفيد بعض الأفراد من وسائل التواصل لكسب العيش من خلال الإعلانات السلوكية الرقمية عن طريق الاستفادة من الأخبار المزيفة من خلال ما يُعرف بطعم النقرة Clickbaits، وذلك من خلال إنشاء محتوى ويب لجذب عائدات الإعلانات، بالاعتماد على العناوين المثيرة والصور الجذابة للحصول على نسبة من النقرات والمشاركات والتي كلما زاد عددها زادت الأموال التي يكسبونها من المعلنين. ويحقق هؤلاء المثيرون ذلك على حساب الحقيقة والدقة، مما يزيد من نشر الأخبار المزيفة في المجال العام. وفي غانا، يقوم المدونون بهذا الدافع الاقتصادي، وهو ما يتناسب مع حجة فوكس القائلة بوجود نية رأسمالية في إنتاج ونشر الأخبار المزيفة ([25]).
ثانيًا: المكافحة والاستبداد الرقمي
قد تستخدم الحكومات وسائل لمكافحة المعلومات المضللة، ويكون ذلك مبررًا لقمع الصحافة والوصول إلى المعلومات. وذلك من خلال تنفيذ عمليات قطع الإنترنت لأسباب تتعلق بالأمن السيبراني. فوفقًا لتقرير إفريقيا “بين عامي 2020 و2023م، نفذت 22 دولة إفريقية على الأقل عمليات إغلاق كاملة أو جزئية للإنترنت. ولكن في حين أن عمليات الإغلاق هذه والأضرار الاقتصادية التي تُسبّبها لها تأثير ضارّ على حريات الصحافة، فإن الأمر الأكثر تهديدًا هو ميل بعض الحكومات إلى استخدام تهديد المعلومات المضللة لتمرير قوانين جديدة للأمن السيبراني تقيد حرية التعبير، من خلال الاستفادة من ثغرات تلك القوانين لتوسيع السلطات التنفيذية لاعتقال الناشطين وإضعاف حرية الصحافة (حالة تنزانيا). وكذلك يمكن أن يؤدي النشر المتزايد للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى زيادة تأثير التضليل فهو منخفض التكلفة، ويبسط إنشاء المعلومات المضللة بتنسيقات النصوص والصوت والفيديو، مما يسمح بتوسيع نطاق الحملات الدعائية([26]).
وتنتشر المعلومات المضللة والخاطئة في أعقاب الأحداث المزعزعة للاستقرار مثل الأزمات الاجتماعية والسياسية والانقلابات والصراعات عندما يكون الجمهور في حاجة متزايدة إلى معلومات حول التطورات. وتستهدف حملات التضليل الفئات الضعيفة والمحرومة والأقليات، مما يهدّد حقهم في المشاركة العامة والسياسية، وحرية التعبير، والأمن الشخصي، وحتى الحق في الحياة. وتقدم كينيا ونيجيريا وزيمبابوي حالات جيدة حول المعلومات المضللة التي ترعاها محليًّا. وفي البلدان المتضررة من الانقلابات في غرب إفريقيا، كانت الجهات الأجنبية هي المحرك الرئيسي لحملات التضليل([27]).
خاتمة:
عملت حملات التضليل في إفريقيا جنوب الصحراء على إثارة عدم الاستقرار الاجتماعي، ودفع العنف ضد الأقليات أو جماعات المعارضة، وتمكين الانقلابات العسكرية. وتشمل الظروف التي يخلقها التضليل تآكل الثقة في السلطة والرقابة على وسائل الإعلام والمبلغين عن المخالفات، وهي أرض خصبة للفساد والإجرام.
والتدابير المتخذة في مواجهة التضليل غير كافية، وقد تُستخدَم لقمع المعلومة، لذلك تحتاج البلدان الإفريقية إلى وسائل قائمة على الحقوق بالتشارك مع جميع أصحاب المصلحة للقيام بواجباتهم تجاه تعزيز نهج حقوق الإنسان لمعالجة المعلومات الخاطئة والتضليل.
وتوفر أُطُر القانون الدولي، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، أساسًا معياريًّا حاسمًا لحماية هذه الحقوق. والدول مُلزَمَة باحترام هذه الحقوق وحمايتها وإعمالها، ويجب على الجهات الفاعلة من غير الدول أن تحترم حقوق الإنسان على الأقل.
………………………………….
[1] ) Admire Mare, Hayes Mawindi Mabweazara & Dumisani Moyo (2019) “Fake News” and Cyber-Propaganda in Sub-Saharan Africa: Recentering the Research Agenda, African Journalism Studies, 40:4, 1-12, DOI: 10.1080/23743670.2020.1788295
[2] ) Raphaëlle Derome, Disinformation in Africa: Lessons for the West,2024.at: https://idrc-crdi.ca/en/stories/disinformation-africa-lessons-west
[3]) Chris Roper, Africa’s disinformation crisis fuels instability.at: https://africainfact.com/africas-disinformation-crisis-fuels-instability/
[4] ) dictionary, “Misinformation” vs. “Disinformation”: Get Informed On The Difference.at: https://www.dictionary.com/e/misinformation-vs-disinformation-get-informed-on-the-difference/
[5] ) https://library.csi.cuny.edu/misinformationhttps://www.dictionary.com/e/misinformation-vs-disinformation-get-informed-on-the-difference/
[6] ) Raphaëlle Derome, Op.cit.
[7]) Chris Roper, Africa’s disinformation crisis fuels instability.at: https://africainfact.com/africas-disinformation-crisis-fuels-instability/
[8] ) Esra Bozkanat, what is Misleading Information, Detecting Fake News on Social Media: The Case of Turkey, 2021.at: https://www.igi-global.com/dictionary/detecting-fake-news-on-social-media/92709
[9] ) African Digital Democracy Observatory, Combating disinfo: Expert cites Code for Africa’s work, May 21, 2024.at: https://disinfo.africa/combating-disinfo-expert-cites-code-for-africas-work-01fba684f86c
[10] ) Raphaëlle Derome, Op.cit.
[11] ) Nita Bhalla, ‘Digital authoritarianism’ threatening basic rights in Africa, study says.at: https://www.reuters.com/article/world/digital-authoritarianism-threatening-basic-rights-in-africa-study-says-idUSKBN2AW0YR/
[12] ) the Africa Center for Strategic Studies, Mapping Disinformation in Africa, April 26, 2022.at: https://africacenter.org/spotlight/mapping-disinformation-in-africa/
[13])https://rsf.org/en/2023-world-press-freedom-index-journalism-threatened-fake-content-industry
[14] ) Nic Newman, Reuters Institute Digital News Report 2023.p.18.at: https://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk/sites/default/files/2023-06/Digital_News_Report_2023.pdf
[15] ) theconversation, Study sheds light on scourge of “fake” news in Africa.at: https://theconversation.com/study-sheds-light-on-scourge-of-fake-news-in-africa-106946
[16] ) Chris Roper, Op.cit.
[17] ) worldview, Africa’s Instability Creates Fertile Ground for Russian Disinformation.at: https://worldview.stratfor.com/article/africas-instability-creates-fertile-ground-russian-disinformation
[18] ) Dan Whitman, Russian Disinformation in Africa: No Door on this Barn,at: https://www.fpri.org/article/2023/08/russian-disinformation-in-africa-no-door-on-this-barn/
[19] ) مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية، خريطة موجة المعلومات المضللة في إفريقيا، ٣ أبريل ٢٠٢٤م. متاح على الموقع: https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-mapping-a-surge-of-disinformation-in-africa/
[20] ) The Centre for Human Rights, Call for Papers Democracy versus mis- and disinformation in Africa. 30 June 2024.at: https://www.chr.up.ac.za/latest-news/3759-call-for-papers-democracy-versus-mis-and-disinformation-in-africa
[21] ) African Digital Democracy Observatory, DRC battles disinformation as it prepares for elections.at: https://disinfo.africa/drc-battles-disinformation-during-2023-elections-6f3c7e4b8a42
[22] ) The Centre for Human Rights, Call for …, Op.cit.
[23] ) Sarah Evanega, CORONAVIRUS MISINFORMATION: Quantifying sources and themes in the COVID-19 ‘infodemic’, https://allianceforscience.org/wp-content/uploads/2020/09/Evanega-et-al-Coronavirus-misinformationFINAL.pdf
[24] ) Uchechukwu L. Osuagwu and etal, Misinformation About COVID-19 in Sub-Saharan Africa: Evidence from a Cross-Sectional Survey, Health SecurityVol. 19, No. 1, 2021.at: https://www.liebertpub.com/doi/10.1089/HS.2020.0202
[25] ) Paul Achonga Kabah Kwode1 and Nkosinathi Leonard Selekane, Fake news and the political economy of the media: A perspective of Ghanaian journalists.at: https://journals.co.za/doi/10.36615/jcsa.v42i2.1500
[26]) Chris Roper, Op.cit.
[27] ) The Centre for Human Rights,Op.cit.