جاك أمينا([1])
ذي كونفرسيشن([2])
ترجمة:قراءات إفريقية
تُعدّ الملامح الديموغرافية لبلدٍ ما مهمة للغاية؛ لأنها تُحدِّد وتيرة التنمية؛ فهي تخلق الفرص، وتحدد المخاطر في الوقت ذاته، فبالنسبة للعديد من البلدان النامية يتمثل التحدي في إدارة الملف الديموغرافي بصورة صحيحة.
والكونغو الديموقراطية واحدة من تلك الدول التي تُواجه ذلك التحدي. ففي ذلك البلد الإفريقي يعيش 102 مليون شخص، بحسب تعداد 2023م، وهي رابع أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة السمراء، بعد كلٍّ من نيجيريا وإثيوبيا ومصر، كما أنها الخامسة عشرة على مستوى العالم من حيث عدد السكان.
وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050م سيعيش في ذلك البلد 215 مليون نسمة؛ حيث من المتوقع أن تنضم إلى الدول العشرة الأكثر اكتظاظًا بالسكان على ظهر كوكب الأرض. وقد لا يُعدّ ذلك مفاجئًا لا سيما لمساحة الدولة الشاسعة، فهي ثاني دولة من حيث المساحة في إفريقيا بعد الجزائر بمليوني و300 ألف كيلو متر مربع.
أما فيما يتعلق بالنمو السكاني؛ فإن الكونغو تعد من بين الدول الأكثر تسارعًا في ذلك الملف الديموغرافي المُهمّ؛ فقد نما عدد سكانها في عام 2022م بنسبة 3,3%، في حين كان متوسط النمو السكاني بإفريقيا 2,5%، أما على مستوى العالم فقد كان 0,8% في العام ذاته.
وعلى الرغم من أن السكان يعدون قوة بشرية يجب العمل على استثمارها؛ إلا أن النمو السكاني في الدول النامية يُعد ضغطًا زائدًا على الجوانب الاقتصادية وعلى مستوى رفاهية الشعب، فبدون وَضْع سياسات تأخذ في الاعتبار الوضع الديموغرافي المتنامي للبلاد، ورعاية الشباب ومن هم في سنّ العمل وبحاجة إلى وظائف وتوفير فرص العمل لهم؛ فإن الظروف الاجتماعية سوف تزداد سوءًا، وينتشر الفقر والجوع؛ ما لم تكن هناك أجندات تنموية متوازية تراعي هذه الأبعاد.
وبصورة عامة؛ هناك سببان رئيسيان للنمو السكاني المرتفع: انخفاض عدد الوفيات، وارتفاع عدد المواليد. فعلى مدى العقود الماضية شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية انخفاضًا ثابتًا في معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة؛ على الرغم من أن معدل الوفيات لا يزال مرتفعًا نسبيًّا مقارنة بالمتوسط العالمي، وفي عام 1995م قُدِّرت وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنحو 175 حالة وفاة لكل 1000 ولادة، في حين انخفض هذا إلى 87 حالة وفاة لكل 1000 ولادة في عام 2018م. وفي نفس العام بلغ معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة 40 حالة وفاة لكل 1000 ولادة. كما زاد متوسط العمر المتوقع في جمهورية الكونغو الديمقراطية من 49 عامًا في عام 1995م إلى 62 عامًا في عام 2023م. ويبلغ متوسط العمر المتوقع العالمي الحالي 73 عامًا. أما عن عدد المواليد فإنه يبلغ متوسط عدد المواليد لدى النساء الكونغوليات 6,2 طفل في حياتهن، ويعد هذا بمثابة أربعة مواليد أكثر من المتوسط العالمي البالغ 2,3 طفل.
وفي المجمل، فإن معدّل الخصوبة في جمهورية الكونغو الديمقراطية مدفوع بأربعة عوامل رئيسة: أولاً: القيم الثقافية تشجّع الناس على إنجاب الأطفال؛ حيث يتم الاحتفاء بالعائلات الكبيرة باعتبارها مصدر فخر، فقد وجد أحدث مسح ديموغرافي وصحي في البلاد أن النساء الكونغوليات في المتوسط يرغبن في إنجاب ستة أطفال؛ في حين أراد الرجال سبعة!
ثانيًا: تعني البداية المبكرة للإنجاب مزيدًا من سنوات الولادة، فأكثر من 30٪ من الفتيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتزوجن قبل بلوغهن 18 عامًا، وحوالي ربع الفتيات يلدن قبل بلوغهن سن 18 عامًا مقارنة بـ 14٪ في جميع أنحاء العالم. و27٪ من المراهقات الكونغوليات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا لديهن أطفال بالفعل.
ثالثًا: عدد قليل جدًّا من النساء يستخدمن وسائل منع الحمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث قدرت نسبة النساء في سن الإنجاب اللواتي يستخدمن وسيلة فعَّالة من وسائل منع الحمل الحديثة بحوالي 7٪ في عام 2018م. وكان هذا ارتفاعًا من 4٪ في عام 2007م.
العامل الرابع: الذي يقود النمو السكاني هو عدم وجود سياسة سكانية وطنية؛ حيث يتضمن هذا عادةً مجموعة من التدابير المصمَّمة للتأثير على ديناميكيات السكان.
ما تأثير هذا الواقع الديمغرافي في الكونغو؟
الديمغرافية المتسارعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لها آثار عديدة:
الأول: هو نسبة التبعية العالية؛ يحدث هذا عندما يكون عدد الأشخاص المعتمدين اقتصاديًّا أكثر بكثير من الأشخاص النشطين اقتصاديًّا؛ بسبب ملف العمر الديموغرافي للبلد؛ حيث يواجه السكان النشطون اقتصاديًّا عبئًا أكبر لدعم الأشخاص المحتاجين للدعم اقتصاديًّا، وخاصة الأطفال. ويمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا: 41,6٪ من إجمالي سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهذا يشير إلى أن الأشخاص العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا يتحمَّلون عبئًا ثقيلًا وسط انخفاض الدخل.
كما تُواجه الدولة أيضًا تحدّيات تخطيطية كبيرة؛ فقد ارتفعت معدلات الالتحاق بالمدارس من 52٪ في عام 2001م إلى 78٪ في عام 2018م. ومع ذلك لا يزال 7,6 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا خارج المدرسة.
بل إن جمهورية الكونغو الديمقراطية متخلفة في مؤشرات التنمية البشرية الرئيسية الأخرى؛ حيث:
-إنها من بين أفقر خمس دول في العالم، ففي عام 2022م كان 62٪ من الكونغوليين (60 مليون شخص) يعيشون تحت خط الفقر (أقل من 2,15 دولار أمريكي في اليوم)، في حين يعيش حوالي واحد من كل ستة أشخاص في فقر مدقع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
– واجهت البلاد اضطرابات سياسية ونزاعات مسلحة على مدى ستة عقود. ولذا يُدرج مؤشر السلام العالمي لعام 2023م -الذي يقيس السِّلْم النسبي للدول والمناطق- جمهورية الكونغو الديمقراطية كواحدة من أقل البلدان سِلْمًا في العالم بعد أفغانستان واليمن وسوريا وجنوب السودان.
– تتمتع البلاد بواحد من أعلى معدلات وفيات الأمهات في العالم؛ حيث تبلغ 547 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة على قيد الحياة، في حين أن المتوسط العالمي هو 223 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة على قيد الحياة.
– إنها واحدة من أكثر دول العالم جوعًا؛ ولذا فإن مؤشر الجوع العالمي -الذي يقيس ويتتبع مستويات الجوع على مستوى العالم- صنَّف مستوى الجوع في الكونغو عند 37,8 نقطة، وهو مستوى يُوصَف بأنه “ينذر بالخطر”.
ما التدخلات المطلوبة من الحكومة الكونغولية؟
يمكن أن يوفر الملف السكاني لبلدٍ ما فرصًا أو ما يُعرَف بالعائد الديموغرافي. ويحدث هذا عندما تكون هناك نسبة عالية من الشباب، وفي الوقت ذاته توجد وظائف ملائمة لهم، لكن جمهورية الكونغو الديمقراطية تُفوِّت هذه الفرصة، وستواصل القيام بذلك ما لم تقم بما يلي:
– الاستثمار في رأس المال البشري؛ من خلال تحسين أنظمتها التعليمية والصحية؛ حيث يدفع معظم الكونغوليين من أموالهم الخاصة للرعاية الصحية، والتعليم الرسمي مجاني، لكنَّ النظام ضعيف بسبب انخفاض مخصصات الميزانية.
– تصميم سياسة سكانية لتوجيه الديناميات السكانية، على أن يشمل ذلك السياسات المتعلقة بالولادة والهجرة، والمكان الذي يعيش فيه الناس. وينبغي ربط هذه السياسات الإنمائية الوطنية المتكاملة.
– تحقيق تقدم في المساواة بين الجنسين. وينبغي أن يشمل ذلك زيادة التحاق الفتيات بالمدارس الثانوية، وتأخير زواج الأطفال.
- تحسين الحوكمة، والتصدي للفساد، وتشجيع الاستثمار في التعليم والصحة والتوظيف.
- إنشاء أنظمة بيانات يمكن أن تدعم السياسات القائمة على الأدلة.
[1]– أستاذ دراسات السكان والتنمية بجامعة كينشاسا.
[2]– نشر في 11 يوليو 2023، على الرابط التالي: https://theconversation.com/drc-has-one-of-the-fastest-growing-populations-in-the-world-why-this-isnt-good-news-209420