ينشغل العالم في الأسبوع الحالي بأعمال قمة المناخ “COP27” في مدينة شرم الشيخ المصرية ومخرجاتها المرتقبة؛ من أجل إبعاد العالم عن حافة فوضى مناخية شاملة يُحذّر خبراء من أنها ستكون أقسى من المتوقع، وأن التغيرات الحالية ستتضاءل بشكل مخيف أمامها حال عدم إنفاذ خطط عاجلة خلال العوام القليلة المقبلة.
وجاءت إفريقيا على هوامش أجندة COP27؛ لاعتبارات عدة، من أهمها: أن القارة هي المتضرر الأكبر من أزمة تغيُّر المناخ حتى الآن، رغم أن دُوَل القارة تأتي مجتمعة في ذيل الدول المسببة للتلوث البيئي في العالم، وأن القارة تملك مُقدّرات حقيقية على إحداث توازن بيئي على المدى البعيد، عوضًا عن استضافة أرض إفريقية لأعمال القمة.
يثير المقال الأول سؤالًا مهمًّا عن مدى استجابة مداولات القمة لمخاوف الشباب الإفريقي والقضايا التي تأتي في سُلّم أولوياته أم لا، ويأتي المقال متَّسقًا تمامًا مع تيار رئيس من أدبيات تناول مثل هذه القضايا بقَدْرٍ من التسطيح وتقديم تصوُّرات غير عميقة عن هذه الأزمات (مثل هجرة الشباب الإفريقي)، وقيود مسارات الهجرة، وأحيانًا الموت الجماعي للأفارقة المهاجرين سواء في حوادث أو على يد جماعات مسلحة.
أما المقال الثاني فإنه يتناول بشكل عابر أهمية المؤتمر لدولة إفريقية وهي سيراليون.
وجاء المقال الثالث والأخير لشخصية إفريقية بارزة وهي النيجيرية أمينة محمد نائب الأمين العام للأمم المتحدة؛ تناول المقال المسألة بقدر من التعميم يتضح منه أن مؤشرات التناول الإعلامي العام لوضع إفريقيا في قضايا المناخ وأزمته الحالية يسير وَفْق مسار محدد وضيق للغاية، مع الإشارة إلى أهمية دعم إفريقيا عبر المعونات والمِنَح للتغلب على أزمة المناخ.
هل سنستمع لشباب إفريقيا في “كوب27″؟([1])
تواجه إفريقيا حزمة ثلاثية من القضايا التي تزيد من سرعة هجرة شبابها، وهي تضخم نسبة سكان إفريقيا من الشباب؛ ومعدل البطالة المرتفع، وتصاعد الآثار المناخية. إن قدرة الشباب على الانتقال بمثابة استجابة تكيفية مهمة للمشكلات الثلاثة. ويمكن لهجرة الشباب أن تساعد إفريقيا في التكيف مع التغير المناخي وتلبية أهداف تنميتها؛ إذا أُديرت هذه الهجرة على نحو جيد. لكن حال إدارة الهجرة على نحو رديء فإنها ستفرض تهديدات عدة من بينها استمرار البطالة والاضطراب وعدم الاستقرار الأهلي. وسيُواجه الأطفال المولودون في العام 2020م على الأقل ضعف حوادث حرائق الغابات أو تلف المحاصيل وموجات الجفاف والفيضانات وموجات حرارية heatwaves التي واجهها مواليد العام 1960م. وتقريبًا فإنه سيكون هناك بليون نسمة -أو نصف بليون- من أطفال العالم يعيشون في دول تُصنّف بأنها مرتفعة المخاطر للغاية بالنسبة لآثار التغير المناخي. وهناك حوالي 820 مليون نسمة عُرضة للموجات الحرارية و920 مليون نسمة لنُدْرة المياه و870 مليون نسمة للفيضانات أو الأعاصير.
ولإفريقيا النصيب الأكبر عالميًّا في شباب المهاجرين: كما أن 25% من المهاجرين من إفريقيا دون سنّ 18 عامًا، و16% في المرحلة 15-24 عامًا. وفي الوقت نفسه ينمو أطفال إفريقيا (0-14 عامًا) وشبابها (16-29 عامًا) على نحو ملحوظ. وحاليًا فإن 60% الأفارقة دون 25 عامًا. ولتضخم نسبة شباب إفريقيا من سكان القارة مُقدّرات تنموية كبيرة. ويمكن لزيادة الأفراد الأفارقة في سنّ العمل قياسًا للمعيلين (الأطفال وكبار السن) أن يحرر الموارد المخصصة لخلق نمو اقتصادي. إن هذا العائد الديمغرافي سيتحقق عندما يكون لدولة ما 1.7 فرد في سن العمل لكل مَعيل، وفي حالة إن كان لقوة العمل الحالة الصحية والتعليمية والمهارية لتكوين سوق عمل منتج. إن الفشل في الاستفادة من هذا العائد يمكن أن يُسْفِر عن مزيد من الفقر والبطالة.
ورغم أن الشباب الإفريقي الحالي أكثر تعليمًا وصحةً وترابطًا من الأجيال السابقة؛ فإن هذا الشباب يُواجِه حاليًا تصاعد الآثار المناخية والمعدلات المرتفعة من البطالة أو التوظيف دون المستوى. ويواجه نحو 16 مليون شابّ في إفريقيا شبح البطالة، ويعتبر 40% منهم أن ظروف معيشتهم بالغة السوء. ويرون على نحو متزايد أن حالة عدم توظيف joblessness مشكلتهم الأكبر، ويشعرون أن قادة القارة كبار السن لا يكترثون بحاجاتهم.
ويمكن أن تكون الهجرة خيارًا ضروريًّا بين الأفارقة الشباب الذين يواجهون صدمات مضاعفة في ظل حماية اجتماعية منخفضة أو منعدمة، بما في ذلك الشباب. إن التغيُّر المناخي مُحرّك مباشر وغير مباشر للهجرة والنزوح. وفي المقابل توفّر الهجرة استراتيجية تكيُّف مهمة تسمح للأسر والأفراد بتنويع مهاراتهم وسُبُل معيشتهم، ومن الصعب عزلهم عن عوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية أخرى، كما أن الأثر المتراكم للتغير المناخي، وندرة الوظائف، والتوتر السياسي والاضطراب الاجتماعي من بين أهم العوامل الدافعة للهجرة.
ولقد كان الهدف العالمي للتكيف Global Goal on Adaptation نتيجة هامة لـ COP26، وأحد الأهداف الأربعة لرئاسة COP27. وسيراقب شباب إفريقيا القمة ليرى إن كانت الدول الثرية ستفي بالتزاماتها بتمويل ووضع أولوية لدعم المجتمعات الأكثر هشاشة في العالم أم لا. عمومًا فإنه يجب أن تشمل إجراءات التكيف حلولًا دينامية تَحُول دون أو تقلل النزوح القسري وتيسير هجرة آمنة ومرتبة ومنتظمة أمام الشباب الإفريقي. وتشمل تلك الإجراءات مهارات التنمية المستدامة، وفتح سبل العيش، ودعم البنية الأساسية، وإطلاق الخدمات التي تَخْلُق فرص العمل أمام الشباب. ويتطلب ذلك حوارًا بين الأجيال واعترافًا بأن الشباب يُطوّرون بالفعل حلولًا بغرض التكيف. إن أولويات ورؤى الشباب تختلف عن تلك التي لكبار السن كما أنهم يقدمون وجهات نظر مبتكرة حول المشكلات قديمها وجديدها.
إن COP27 -والأفعال التي ستليه- ستكون بدرجة كافية من الحكمة إن سعت لتقوية مشاركة الشباب الإفريقي وصنع آليات ونصوص أكثر وصولًا للشباب وتقوم بتعظيم أصواتهم وسماعها.
ما أهمية كوب27 لسيراليون؟([2])
إن أنماط الطقس غير القابلة للتوقع، والفيضانات العنيفة، وانهيارات التربة، وما يتعلق بها من تلف المحاصيل أصبحت أكثر تكرارًا، مع ما تشهده البلاد من قَطع أشجار أسرع من المعدل المخطط لزراعتها. ويخبرنا علماء المناخ أنه إن لم يُحقِّق العالَم انخفاضًا حادًّا في الاحترار العالميّ في الأعوام الثمانية المقبلة فإن التقلبات الطبيعية التي نشهدها في الأعوام الأخيرة في أرجاء العالم ستكون لعب أطفال مقارنةً بما سيحدث مستقبلاً. إن “كوب27” في شرم الشيخ بمصر هو التجمع السنوي الذي تَعقده حكومات الأمم المتحدة وعلماء ومعنيون آخرون من كافة أرجاء العالم لمراجعة التقدم المُنْجَز في جهودهم للحيلولة دون كارثة بيئية، وعلى خلفية الالتزامات المتضمنة في اتفاقات التحرك المناخي العالمي.
إن إفريقيا هي الإقليم الأقل إسهامًا بين أقاليم العالم في الأزمة المناخية الحالية، وقد مرت ببعض أسوأ الخسائر بسبب التغير المناخي الذي أحدثه الإنسان. وهكذا فإنه مع استضافة القارة مؤتمر COP هذا العام فإن التصور الأكثر شيوعًا سيكون عمل المؤتمر على وضع خريطة طريق لتطبيق الوعود التي تم الحنث بها من مؤتمرات COP الفائتة. ويرتبط ذلك بالأساس بالتعهدات المالية المؤجلة التي قدّمتها الدول الغنية لدعم دول نامية مثل سيراليون لتقليل أثر التغير المناخي والتكيف معه. ويجب أن تكون النقطة المثارة هي مسألة تلبية التزامات تمويل المناخ من قبل الدول ذات الدخل المرتفع للدول النامية.
وتواجه سيراليون حاليًا، مثل الكثير من الدول النامية، أزمات متعددة الأوجه؛ مثل عدم الأمن الغذائي، والتعثر في سداد الديون، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعجز الطاقة الذي قد يعوق الاهتمام بالطاقة النظيفة والخطر الحالي الذي تفرضه أزمة المناخ على البشرية. لكن في ضوء أن التحديات الماثلة لا يمكن معالجتها بتمويل التنمية المتاح حاليًا، والطريقة المعتادة للقيام بالأمور، فإنه قد حان الوقت الآن لكل دولة أن تُعظّم من استغلال فرصها للاستفادة من تمويل المناخ المبتكر وحلول الاستدامة.
كما يجب أن يكون هناك تغيير في ذهنية السياسات نحو مقاربات متكاملة تعالج في وقت واحد مشكلتين أو أكثر متعلقة بسبل العيش، وخلق فرص العمل، وتطوير رأس المال البشري والصحة العامة والحماية البيئية والمساواة الجندرية، والأمن الغذائي، والوصول للطاقة. وثمة مثال بسيط يتمثل في تدخلات الطاقة الشمسية التي ترتبط على نحو مباشر بعمليات التصنيع الزراعي المحسنة، وموارد المياه النظيفة، وتقديم الرعاية الصحية، وتوصيل الإنترنت للمدارس الثانوية في المناطق المستهدفة.
وكما الحال في بقية أرجاء العالم فإن تغيُّر المناخ سيؤثر على جميع أوجه الاقتصاد والمجتمع في سيراليون. ومن ثم فإن COP27 سيعمل على أن يبرز للجميع حقيقة أن العمل المناخي العاجل ليس مسؤولية الحكومة وحدها. لذا فإننا نشجع وفود COP27 ليس من الحكومة (السيراليونية) فحسب، لكن أيضًا من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الإعلام وهيئات التنمية الدولية ومؤسسات التعليم العالي على العودة إلى البلاد بالتزام متجدِّد وطموح للعمل الجماعي من أجل تحرُّك مناخي عاجل، والانخراط الكامل في تمويل المناخ. وهذا الطريق وحده الذي يمكن للبلاد من خلاله معالجة أزمة المناخ بطريقة تُؤمّن الموارد البيئية الوطنية وتبني صمود الدولة في مواجهة الصدمات المتعلقة بالمناخ وتعمق التنمية المستدامة التي لا تخلف أحدًا وراءها.
الأزمة المناخية تدمر إفريقيا، على “كوب27” المساعدة([3])
تجوّلت مؤخرًا في أراضي جرداء في شمال شرق كينيا، وسمعت روايات ينفطر لها القلب؛ لأسر تغرق مجددًا في الفقر. وفي أرجاء إفريقيا يتوقع أن يؤدي نقص المياه إلى تشريد ما يصل إلى 700 مليون نسمة في العقد الحالي. ويشهد القرن الإفريقي أسوأ موجة جفاف يمر بها منذ 40 عامًا، مع معاناة 50 مليون نسمة من الجوع، وعدم تيقنهم من توفر الوجبة التالية لهم. وفيما تواجه بعض أجزاء القارة الجفاف فإن أماكن مثل جنوب السودان ونيجيريا تواجهان فيضانات كاسحة مدمرة تجرف أمامها المنازل والشركات وأسباب المعيشة.
كما سيواجه ما يصل إلى 116 مليون نسمة مخاطر جمة من ارتفاع مستويات البحر في العقد الحالي. ومع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي Cop27 في مصر؛ فإننا لا نملك رفاهية الوقت. إن الانبعاثات العالمية في مستويات قياسية وتتصاعد باستمرار، فيما تضرب فوضى المناخ الآخذ في السوء أرجاء قارتنا الإفريقية.
وفي مناسبة سابقة على Cop27 شاركتُ بها في أكتوبر في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ تم التركيز على الهشاشة المناخية الخاصة بإفريقيا. لكنَّ المندوبين ركزوا أيضًا على الفرص الهائلة التي يمكن للعمل المناخي المشترك أن يُنْجِزها لقيادة التقدم عبر أهداف التنمية المستدامة. ويجب أن يحدث ذلك. إن جمهورية الكونغو الديمقراطية دولة غنية للغاية بإمكانات الحلول المناخية، فهي موطن ثاني أكبر الغابات المطيرة في العالم، وبها احتياطات هائلة من الكوبالت والنحاس والألومنيوم، وهي المعادن الرئيسة المطلوبة لتحولاتنا الرئيسة التي نحتاجها وللطاقة المتجددة والاقتصادات الرقمية. ولحوض الكونغو القدرة على استيعاب نحو 1.2 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا أو 4% من الانبعاثات العالمية.
على أي حال فإن الدول الإفريقية لا يمكنها محاربة الأزمة المناخية وحماية غاباتها الثرية وتأمين تنوعها الحيوي بمفردها. وعلى المجتمع الدولي الوقوف متضامنًا مع إفريقيا، والمساعدة في تقديم الموارد الكبيرة المطلوبة. وتحتاج إفريقيا 2.8 تريليون دولار بحلول العام 2030م للعب دورها في خفض الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ومعالجة آثار تغير المناخ. ولم تتلقَّ القارة بأكملها في العام 2020م سوى 30 بليون دولار لمواجهة هذه الآثار.
إنَّ فشل الدول المتقدمة في احترام التزاماتها ليس مجرد ظلم وفشل في التضامن العالمي. بل إنه يُسْهم في توترات وانقسامات خطيرة تَعُوق التحرك العالمي حول مجموعة من القضايا الأخرى، من السلام والأمن إلى حقوق الإنسان. وتحتاج الدول الإفريقية إلى الدعم من موارد التمويل العامة والخاصة، ولا سيما من بنوك التنمية متعددة الجنسيات؛ إذ لا يمكن للدُّوَل الهشَّة أن تصنع التغيير إلى استخدام الطاقة المتجددة، وتوفير وصول للطاقة للجميع؛ إلا بمساعدة مثل هذه البنوك.
والحكومات هي المساهمة في هذه البنوك، وعليها استخدام نفوذهم لوقوف البنوك إلى جوار الدول النامية. وتتوجه الكثير من الدول النامية، بما فيها 15 دولة في إفريقيا، نحو أزمة تكاليف المعيشة الحالية فيما تُواجه أزمةً أو عجزًا عن تسديد الديون. وتحتاج إلى دعم ماليّ للاستثمار في العمل المناخي وتعزيز أهداف التنمية المستدامة. بينما تحتاج بعض الدول إلى مساعدات شاملة لإعادة هيكلة ديونها، وعلى المجتمع الدولي أيضًا النظر في حلول مبتكرة بما في ذلك الديون مقابل التكيف المناخي debt-for-climate adaptation والدين مقابل المبادلات الطبيعية debt- for- nature swaps.
وستفشل ثورة الطاقات المتجددة في إفريقيا حال عدم توسُّع الوصول للطاقة؛ إذ لا يزال هناك نحو 600 مليون إفريقي يفتقرون للوصول إلى الكهرباء. إن تحقيق وصول شامل سيتطلب استثمارات ضخمة في الطاقات المتجددة، ويخلق ملايين الوظائف، ويقود التنمية الاقتصادية والازدهار. لكن لا يمكن أن يضيف ذلك إلى عبء ديون الدول الإفريقية.
كما تحتاج الدول الإفريقية إلى جيل جديد من الشراكات مع المانحين، وبنوك تنمية متعددة الجنسيات وممولين أفراد. وتُعدّ شراكات انتقال الطاقة العادلة Just Energy Transition Partnerships – التي تركّز على إنهاء استخدام الفحم والإسراع في نشر الطاقات المتجددة- نموذجًا مبتكرًا. باختصار فإنَّ ثورة الطاقات المتجددة ليست رفاهية أو خيارات أمام القارة الإفريقية، بل إنها عمليات لا تنفصم عن بناء السلام والأمن والاستقرار والازدهار.
[1] Aimee-Noel Mbiyozo, Will we hear Africa’s youth at COP27?, Institute for Security Studies, November 3, 2022 Will we hear Africa’s youth at COP27? – ISS Africa
[2] Babatunde Ahonsi, Why COP27 matters to Sierra Leone, Africa Renewal, November 3, 2022 Why COP27 matters to Sierra Leone | Africa Renewal (un.org)
[3] Amina Mohammed, Africa is being devastated by a climate crisis it didn’t cause. Cop27 must help, The guardian, November 5, 2022 Africa is being devastated by a climate crisis it didn’t cause. Cop27 must help | Amina J Mohammed | The Guardian