روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
تتجهَّز القارة السمراء لاستقبال أعظم شهور السنة، وتتزين البلدان الإفريقية بالفرح، وتمتلئ القلوب بالإيمان، ويستعد الأفارقة للقاء شهر رمضان، وكأنَّ لسان حالهم يقول قول الشاعر:
ضيفنا الغالي أطَلا …. عائدًا من بعد عامِ
جئتنا أهلًا وسهلًا …. فيكَ يا شهر الصيامِ
فيقول الباحث النيجيري المتخصص في الشأن الإفريقي، حكيم نجم الدين: إنه يمكن تصوُّر العلاقة بين شهر رمضان والأفارقة جنوب الصحراء، من خلال الثقافات والعادات بالمجتمعات الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة، ولهذه العلاقة تاريخ طويل مع وصول الإسلام إلى المنطقة.
حيث يَعتَبِر الأفارقة المسلمون شهر رمضان وقتًا للعبادة، وتنقية الروح، والتأمل والإخاء، مع اختلاف تواريخ حلوله وأوقات الإفطار، وتوجد ملاحم تاريخية وقصص وعظية تخصّ كل مجتمع إفريقي حول شهر رمضان.
في إفريقيا السمراء يتميز رمضان بطقوس وعادات وتقاليد الأفارقة؛ التي تعطي رمضان مذاقًا مختلفًا عن باقي شعوب العالم، من التجمُّعات والطقوس الإيمانية والروحانية، والأكلات والمشروبات الشعبية المفضلة، تستقبل الشعوب الشهر المبارك بفرحةٍ عارمةٍ وقلوبٍ عطشى وأرواح مشتاقة..
ومن هنا انطلقت “قراءات إفريقية” في جولة في أنحاء القارة؛ ترصد أبرز العادات الرمضانية خلال الشهر المبارك.
ضرب الدفوف قبل موعد الإفطار:
نبدأ من شرق القارة الإفريقية؛ حيث يتمتع الإسلام بقاعدةٍ واسعةٍ في تنزانيا، وينتشر المسلمون في مناطق عديدة؛ فالأغلبية العظمى من سكان جزيرتي بمبا وزنجبار، وفي ولاية طابورة في الداخل، وكذلك في ميناء تنجا. ولدى المسلمين العادات والتقاليد الخاصة بهم، ولهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم، ويصطبغ شهر رمضان في هذه البلاد بصبغة إفريقية إسلامية.
ويهتم المسلمون التنزانيون بالصوم؛ حتى إنَّ الصيام يبدأ مِن سن الـ12 عامًا، ويعتبرون الجهر بالإفطار في نهار رمضان من أكبر الذنوب؛ ولذلك تُغلق المطاعم أبوابها خلال أوقات الصيام ولا تُفتح إلا بعد صلاة المغرب وحلول موعد الإفطار.
وهناك عادة تنزانية عديدة، مثل: الاحتفال باقتراب وقت الإفطار، في الولايات ذات الأغلبية المسلمة؛ حيث يتطوّع الشباب ويسيرون في الطرقات لضرب الدفوف، والإعلان عن قرب أذان المغرب. وعن الوجبات الرمضانية التي تتميز بها المائدة التنزانية؛ فالتمر هو الأساس لاتباع سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إضافةً إلى الماء المحلَّى بالسُّكَّر، أما الوجبة الرئيسية فهي الأرز بجوز الهند مع الخضروات والأسماك، ولا يمكن الاستغناء عن الشاي والفواكه الاستوائية، وبعد تناول الإفطار تجتمع العائلة حتى صلاة العشاء والتراويح، ثم يعودون إلى المنزل لتناول السحور وصلاة قيام الليل.
حلق الرأس لاستقبال الشهر:
وننطلق إلى الغرب؛ حيث تتميز دول غرب إفريقيا بالاحتفال بالشهر الفضيل، ويستقبل “الموريتانيون” شهر رمضان بفرحٍ وحبورٍ، ويَكْثُر روّاد المساجد، ويكثر طلاب “المحاظر”؛ وهي مدارس تقليدية يُدرّس فيها كافة العلوم الشرعية واللغوية؛ التي عادة ما تكون في البوادي ويُدرّس فيها علماء كبار، وتكون الدراسة مجانية، وفي بعض الأحيان يُوفّر الشيخ لطلابه المسكن والمأكل.
قبل الشهر الفضيل بأيام، يبحثُ تلاميذ المحاظر عن المساجد التي سيُصلّون بها التراويح؛ وتكون صلاة التراويح اثنتي عشرة ركعة، يُقرأ فيها جزءٌ من القرآن كلّ ليلة من ليالي الشهر الكريم، والرواية التي يقرأ بها أغلب الحُفّاظ هيَ رواية ورش عن نافع. ويُصلّي الرجال في المسجد، والنساء في الساحة، أو في منازلهن إذا وصلهن صوتُ الإمام عبر المُكَبِّر.
يقول المواطن الموريتاني، مصطفى انجيه: قُبيل رمضان بفترة وجيزة، يبدأ الفتيان والرجال بحلق رؤوسهم لأخذ ما يسمّى بـ “زغب رمضان” أي شَعرِه، والمقصود أن ينبت شعر الرأس في هذا الشهر تبركًا به، وتُقام الدروس الدينية حول أحكام الصيام، والعلاقة مع القرآن، والسيرة النبوية، وتبدأ كذلك الاستعدادات المنزلية للضيف الكريم، والمساعدة بين الجيران في تجهيز الفطور، كما يشيع التزاور بين الأقرباء والأصدقاء.
ويشير انجيه أنه عادةً ما تتكوّن المشروبات على المائدة الرمضانية الموريتانية من أكواب الماء، ثم نخلط اللّبن الرائب والطازج بالماء وبعض السكر، فيتكوّن منه مشروب نسميه في اللهجة الحسانية بـ “الزَّرِيك”، وأيضًا هناك حساء مكوّن من بعض الخضروات المطحونة مثل الجزر والطماطم والبصل، ومشروبٌ حلوُ المذاق معروف محليًّا باسم “بِصَامْ”، وهو الكركديه، كما يبدأ إعداد الأتاي عند اقتراب أذان المغرب، وهو عبارة عن الشاي الأخضر والسكر.
أما المأكولات فهناك التمر والفواكه؛ التفاح والموز والبطيخ والعنب والمانجو، والوجبات باللهجة الحسانيّة: اكريب، البطبوطة، بنيه، السمبوسة، ويكون الطحين هو المكوّن الأساسيّ لهذه الوجبات، وبعد صلاة التراويح تُقدم وجبة الأطاجين المكوّنة من اللحم والبمدتير والبصل؛ وفي وقت السحور تُقدّم وجبة الكُسكس.
أطباق رمضان هدايا بين المسلمين وغير المسلمين:
وفي القرن الإفريقي شرقًا نجد الإثيوبيين يقدّسون شهر رمضان، ويستعدون له، فالتُّجّار يجهّزون بضائعهم، ويتمّ تزيين المحلات التجارية والدكاكين، ويتم الإعلان عن رؤية الهلال في المساجد وكذلك في التلفزيون والإذاعة؛ ليصل إلى كل الناس في أقاليم إثيوبيا، وتجد العاصمة أديس أبابا أكثر رونقًا وجمالًا، وتضيء سماء إثيوبيا فرحًا، وتكتظّ الشوارع بالمشاة لشراء أغراض الشهر.
ويفيدنا الصحفي الإثيوبي، حسن بعقاي من أديس أبابا، قائلًا: يواظب الإثيوبيون على الإفطار في المسجد بتمرات، ويصلّون المغرب بالمسجد، وبعدها يفطرون في البيت، ويتم الإفطار مع الجيران، ويتم دعوة المسحيين الإثيوبيين ليأكلوا مع جيرانهم المسلمين وجبة الإفطار، ومن العادات أن يتم إهداء المسيحيين التمر وبعض المأكولات والأطباق المتنوعة ليشاركوا فرحة قدوم رمضان.
ويقول “بعقاي”: من العادات لبس اللباس العربي خلال شهر رمضان، مثل العبايات والحجاب، والأثواب والعمامات والكوفيات، وكذلك تنتشر العادات والتقاليد العربية؛ مثل الجلوس على المجلس العربي، وإعداد المائدة بطابع عربي إثيوبي، ممَّا يُضْفِي علينا الأجواء الرمضانية.
ويضيف “بعقاي”: من العادات التي تكثر في بلادنا عمل منظومات وأناشيد في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الناس يحبُّون المدائح النبوية، ويجتمعون من بعد صلاة التراويح حتى وقت السحور في حلقات حول قائل المنظومات، ويردِّدون تلك المدائح والأناشيد، كما يتخللها بعض الأذكار والدعاء، وتقدم القهوة الإثيوبية حسب تقاليدنا، ويعطر المجلس بالبخور الإثيوبي، وهناك “الحمباشا”؛ وهي عبارة عن كعكة كبيرة، يقطّعها الشيخ وتُقَدَّم للحاضرين.
ويردف “بعقاي”: من العادات كذلك بعد وجبة السحور في الساعة الرابعة فجرًا، يُصلّي الناس في المسجد، ويجلسون حتى وقت الشروق، وبعدها يذهبون مباشرة إلى العمل أو الدراسة، وتجد الأسواق في نهار رمضان مزدحمة بالباعة والزبائن، والحركة لا تهدأ، ويسعد الناس برمضان؛ لأنه يعطيهم البركة في بيعهم وشرائهم، وقبيل الإفطار تجد الشوارع مزدحمة والأجواء الرمضانية مفعمة بالحيوية والنشاط، وكل الصائمين متعجلين للوصول إلى بيوتهم واللحاق بمائدة الإفطار والجلوس مع الأسرة والأولاد.
الامتناع عن تناول الأسماك:
وإلى طرف القرن الإفريقي؛ حيث يبلغ عدد المسلمين 94%، في جيبوتي يعتمد الناس على مجمع الفقهاء لتحرّي رؤية هلال رمضان، فإذا ثبتت رؤية الهلال يتم إخبار الناس بأول أيام الشهر الكريم، وإذا لم يتم التحرّي تعتمد على المملكة العربية السعودية. وتتزين مساجد جيبوتي بالمصلين للاستماع إلي شرح وتفسير القرآن الكريم، وتنقل الإذاعة أذان المغرب من مسجد الحمودي أكبر مساجد جمهورية جيبوتي.
يتميز المطبخ الجيبوتي بوجود أكلة رئيسية على مائدة الإفطار هي السمبوسة، وهي عبارة عن دقيق يُعجَن ويتم حَشْوه باللحم، وهناك وجبة العشاء تتناولها الأسرة بعد الانتهاء من صلاة التراويح؛ عبارة عن الأرز واللحم والشعرية والمكرونة، وهناك المرق، وهو عبارة عن شوربة خضار من البطاطس والطماطم. ويُعتبر الحليب عنصرًا أساسيًّا في وجبة السحور، ويتم إعداد نوعين من الشوربة؛ شوربة الذرة، وكذلك شوربة الشعير، كما يُؤكَل الأرز أيضًا مخلوطًا باللبن. كما أن الجيبوتيين يقلعون عن تناول الأسماك طيلة شهر رمضان؛ لاعتقادهم أنها تسبّب العطش أثناء الصيام، ويتناولونها بكثرة في الأعياد.
الأطفال يبنون مساجد خاصَّة بهم:
وإلى وسط القارة الإفريقية، تبدأ الاستعدادات في دولة تشاد قبل دخول شهر رمضان بعشرة أيام، حيث يقوم الناس بتسجيل العديد من الزيارات لتحقيق التسامح وصفاء القلوب؛ لاستقبال شهر رمضان متسامحين ومتحابين، ويقومون بتنظيف المساجد وتزيينها وزخرفتها، إضافة إلى الشوارع المتاخمة لكل مسجد. ثم يقوم الناس بتجهيز وشراء أدوات الإفطار؛ من قمح، وأرز، وبصل، وثوم، وزنجبيل، وسكر، وشاي، إضافة إلى العصائر، ويجمعونها بكمية تكفي لشهر كامل؛ لأن الناس في شهر رمضان لا تعمل كثيرًا، بل تتجرد من الأعمال وتتفرغ للعبادة فقط.
ويقول الكاتب الصحفي التشادي، أنور سليمان: من الأشياء التي يواظب عليها المجتمع التشادي؛ صلاة التراويح وصلاة التهجُّد، وعند الصباح يقرؤون القرآن، ويذهبون إلى المساجد للاستماع إلى التفسير، وبعد صلاة العصر يتدارسون الحديث الشريف والسيرة النبوية، ويداومون في هذا النمط حتى نهاية شهر رمضان، ومن أهم العادات تجد الأطفال يبنون مساجد خاصة بهم من الطين ويزخرفونها ويصلون فيها كل الأوقات على مقربة من بيوتهم، حيث يقلدون الكبار في جميع العبادات والمعاملات.
ويضيف سليمان: عندنا في تشاد تُعِدّ الأُسَر مائدة كبيرة تحتوي على العديد من المأكولات، من بينها “الشربة”، وهي الشيء الأساسي؛ حيث يتم إعدادها من لحم الغنم، وكذلك “المديدة” هي أيضًا شربة من الغلال، والسلطة من الخضراوات المقطعة، إضافة لـ”الفن قاسو”، وتسمى زلابية، وكذلك المليل والعصيدة والخبز، واللوبيا والعدس والفواكه المختلفة.
وأثناء الإفطار نتناول حبات من التمر، إضافة إلى مياه العطرون المخلوطة بالغلال أو الدخن (حب صغير كحب السمسم)، وهناك أيضًا مياه التمر، وعصير الكاكاو والمانجو والبرتقال، علمًا بأنَّ كل أسرة تقوم بإخراج مائدة الإفطار أمام المنزل حتى يتسنَّى للمارة الحضور في تناول وجبات الإفطار، خاصة الذين تبعد بيوتهم عن أماكن العمل.
وجبات مجانية للصائمين، وإفطار جماعي:
وإلى أقصى غرب القارة، حيث يمثل المسلمون في السنغال 97% من السكان، ومكّنها موقعها الجغرافي من أن تكون داخل النطاق الحضاري الغربي في إفريقيا، بعيدًا عن تيارات وصول الإسلام، إلا أن المجهودات الجبارة التي قام بها الأجداد الأوائل رسَّخت جذور الإسلامية في قلوب السنغاليين، كما يتجلى ذلك بطقوس خاصة في الاحتفاء بشهر رمضان.
ويقول الصحفي السنغالي ومدير النشر لدكار نيوز، محمد الأمين: يتميز المسلمون السنغاليون بترحيبهم الخاص بالشهر الكريم، الذي يغيِّر من عاداتهم اليومية، وتتزين المنازل وتوضع الزخارف عليها، وكذلك الشوارع التي تُرْفَع فيها بعض اللافتات بشعارات دينية، وصولاً إلى العناية بالمساجد على نحو خاصّ، كما تقدّم وجبات الإفطار المجانية للصائمين في الطرق والأماكن العامة.
وبمجرد قدوم رمضان، تزداد القنوات الفضائية المحلية برامجها وتركّزها على الدين والوعظ في نهار رمضان وأثناء وقت الإفطار، ويتغيّر أوقات عمل الموظفين، أما التجار فتتضاعف أعمال يومهم نظرًا لتزايد الزبائن الذين يشترون كل أنواع الألبسة الشرعية، والمأكولات والمشروبات وما شابه ذلك.
ويشير “الأمين” إلى أنه من أشهر عادات مسلمي السنغال في رمضان؛ أن يتجمعوا في المساجد قبل أذان المغرب لتناول طعام الإفطار، وتُوضَع الأطعمة على الأرض، بعد أن يتم نقلها من المنازل، ويجلس الجميع قبل الأذان جنبًا إلى جنب، الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار سواسية، ولا تخلو الطاولة السنغالية من القهوة والشاي، يتناوله الصائمون مع شربة ماء بارد، وبضع حبات تمر قبل أداء صلاة المغرب، ليعودوا عقب الصلاة لتناول الوجبة المجهزة من الخبز وأنواع اللحوم المشوية والسمك والميونيز.
ومن أبرز الأكلات على مائدة العشاء عقب الانتهاء من صلاة التراويح أو في نصف الليل؛ الطبخ التقليدي “جيبو جن”، وهو الأرز والسمك، وأحيانًا “سُوسْ”، وهو صنفٌ يجمع فيه اللحم والبصل والبطاطا، من أشهر الأطعمة الرمضانية التي يتناولها الصائمون عند السحور، طعام يسمى “جَاكْرِي”، وهو نوع أكلة مزدوجة بين الكسكس واللبن أو الحليب مع تخليطه بالسكر.
ويضيف “الأمين”؛ أن بعض الأسر الميسورة الحال تحرص على الذهاب إلى ملاجئ الأيتام لتناول طعام الإفطار مع قاطنيها، وتوزيع الهدايا عليهم وعلى المسجونين، وذلك من قِيَم التضامن والتآزر. وفي المدارس الخاصة بالتعليم العربي والشريعة الإسلامية يتمّ خلال شهر رمضان اعتماد برنامج خاص لفائدة التلاميذ، إلى جانب إفطار جماعيّ يجتمع فيه التلاميذ مع المدرس، وتنظم بعض المساجد تجمعات للشباب لترديد الأناشيد والابتهالات الدينية بعد صلاة العشاء والتراويح.
مسحراتية يجوبون الشوارع بالأناشيد:
ونبقى في الغرب حيث نيجيريا؛ حيث يُنظر إلى فترة الصيام على أنها شبه إجازات للعاملين في القطاع العام، وغالبًا ما تقوم حكومات الولايات الشمالية بقصر ساعات العمل، وذلك بسبب الطقس الحار.
ويقول الباحث النيجيري، حكيم نجم الدين: في نيجيريا تُسرّع بعض المجتمعات إتمام إجراءات الزواج قبل قدوم رمضان، خاصة في الشمال، وهناك ثقافة رمضانية في نيجيريا لتعزيز التعايش السلمي وتقوية روابط المجتمعية، سواء بين المسلمين وغيرهم. ويهدف كل بيت مسلم إلى تنشيط الشباب والأطفال والجمع بين السكان لتنظيم برامج مختلفة، والإفطار في الساحات المفتوحة التي تتسع لمئات الأشخاص. وغالبًا ما يتم وضع أطعمة في العديد من المساجد لتلبية احتياجات الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الإفطار.
ويضيف “نجم الدين”: هناك ثقافات تقليدية ذات قيمة رمضانية، مثل ولاية “تاشي” في الشمال، التي يقوم فيها الأطفال بالاجتماع لغناء أناشيد التسبيح للمارين بعد مرور عدة أيام من رمضان. وفي الجنوب يبدأ المسلمون أيضًا صيامهم بأناشيد المسحراتية؛ حيث يقوم بها الأطفال والمراهقون، فيتجولون في الشوارع لإيقاظ المسلمين على السحور، وهناك أنشطة ترفيهية أخرى بعد التراويح إلى وقت السحر. إضافة إلى تهاني وتحيات مختلفة أثناء الصيام مثل قول “يورويا” قبل مجيء رمضان وأثناء الاستعداد له، وتعني “نِعْم الاستعداد للصيام”، وفي نهار رمضان “نِعْم العطش”.
أجواء رمضانية رغم الأقلية المسلمة:
وإلى أقصى الجنوب؛ حيث دولة جنوب إفريقيا التي بها أقلية مسلمة، تصل إلى 2% فقط، منتشرين في ثلاث مدن رئيسية: مدينة كيب تاون، ومدينة جوهانسبيرج، ومدينة ديربان، ولكنهم يتمتعون بحرية مطلقة في ممارسة شعائرهم والدعوة لدينهم، وتُعتبر من أقوى الأقليات الموجودة، وبسبب جهودهم المبذولة أصبحت هويتهم ظاهرة في المجتمع، ولديهم مساجد وجمعيات ومؤسسات ومراكز إسلامية يبرز دورها خلال شهر رمضان لتحافظ على تجمعهم وتآزرهم.
يقول الداعية ورجل الأعمال في جنوب إفريقيا، أ. محمد هلال: يحرص المسلمون في جنوب إفريقيا على تحفيظ أولادهم القرآن، ويفتخرون بمَن يُتِمّ حفظ القرآن من أولادهم، وقد يجعل الأب ابنه يتفرغ سنة أو اثنتين لحفظ القرآن فقط، ورغم التحديات التي تواجههم في المجتمع إلا أنهم نجحوا في الكثير، ويهتمون بمواسم وليالي الطاعات، فتجد المساجد ممتلئة جدًّا في ليلة النصف من شعبان، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة القدر، ولهم احتفاء خاص بشهر رمضان، كما أن المساجد منظمة ومهيَّأة للاعتكاف، ويتم الاعتناء بالمساجد بجهود ذاتية من أصحاب سكان الحي.
ويضيف المحاضر والداعية الإسلامي في جنوب إفريقيا، أشرف نصار؛ أن مسلمي جنوب إفريقيا ينحدرون من عدة أعراق؛ فمنهم هنود وماليزيون وإندونيسيون وأفارقة، مما يؤدي إلى تنوع في طقوس شهر رمضان، ومن أبرز العادات أن الجيران يتبادلون أطباق الطعام خلال الشهر المبارك، وغالبًا يتم الإفطار في المسجد، ثم يؤدون صلاة المغرب، ويفطرون على السمبوسة وشراب الشعير، والوجبة الأساسية يتناولونها بعد صلاة التراويح، أما السحور فيتناولون الموز لاعتقادهم أنه يمكث في المعدة لفترة طويلة.
في صلاة التراويح يصلون 23 ركعة، ويوميًّا يكون هناك دروس في المساجد، ويستضيفون بها الدعاة من أماكن مختلفة، ويهتمون بقراءة القرآن وحفظه، وهناك عدد كبير جدًّا من حُفَّاظ القرآن في جنوب إفريقيا، لدرجة أن الشهر لا يكفي لتدريب الحُفَّاظ الجُدُد على الإمامة والصلاة بالناس، فتلجأ بعض الأسر إلى فتح الطابق الأرضي من البيت لصلاة التهجُّد، ولتدريب ابنهم الحافظ ليراجع القرآن.
ولازالت القارة الإفريقية تحوي الكثير من العادات الطقوس الرمضانية، وما هذا إلا غيضٌ من فَيْض، إلا أن الثابت والمشترك هو أن الأفارقة يجدون في رمضان ملاذًا من ضغوط الحياة ومتاعبها، ويتلقونه بنفوسٍ مشتاقة من العام للعام، ويصنعون أجواءهم الخاصة الفريدة التي تجعل من رمضان شهرًا مميزًا بنكهةٍ إفريقيةٍ إسلاميَّةٍ.