قراءة تحليلية للانتخابات الرئاسية في جمهورية الرأس الأخضر 2021م

في يوم الجمعة الموافق 22 أكتوبر 2021م أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في جمهورية الرأس الأخضر، عن النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية التي أُجريت في البلاد في 17 أكتوبر الماضي، والتي أكَّدت فيها فوز المرشح خوسيه ماريا نيفيس مرشح حزب المعارضة بمنصب الرئيس؛ حيث حصل على نسبة 51.75% من الأصوات، وهو ما يؤهله للفوز من الجولة الأولى في الانتخابات، والتي كانت أكثر انتخابات تنافسية شهدتها البلاد التي تُعد نموذجًا للديمقراطية في إفريقيا، وخاصة في إقليم غرب إفريقيا الذي يشهد تراجعًا في عملية التناوب السلمي للسلطة؛ حيث شهدت أكثر من دولة في الإقليم مؤخرًا انقلابات عسكرية ناجحة، والعديد من محاولات الانقلاب العسكري الفاشلة، بينما مازالت تسير جمهورية الرأس الأخضر على طريق الديمقراطية وتلتزم بإجراء انتخابات دورية.

وهذه الانتخابات الأخيرة تعد علامة على ترسخ الحياة الديمقراطية في البلاد؛ وذلك لكونها شهدت تنافس سبعة مرشحين في الانتخابات، بينهم مرشح الحزب الحاكم والذي خسر في الانتخابات أمام مرشح حزب المعارضة، كما أن الرئيس خورخي كارلوس فونسيكا المنتهية ولايته لم يسعَ إلى البقاء في السلطة من خلال التلاعب بالدستور، وكسر قيد المدد الرئاسية مثلما فعل غيره من الحكام الأفارقة، بل على العكس من ذلك قام بالإشراف على العملية الانتخابية ولم يتلاعب في مسارها، والتي جاءت برئيسٍ لا ينتمي للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس المنتهية ولايته.

ومن خلال هذه الدراسة سوف نُلقي الضوء على هذه الانتخابات من خلال المحاور التالية:

المحور الأول:

النظام الانتخابي لاختيار رئيس الجمهورية وشروط الترشح

 أولاً: النظام الانتخابي لاختيار رئيس جمهورية الرأس الأخضر:

1- فيما يتعلق بمدة ولاية الرئيس: فقد نص الدستور على أن تكون مدة ولاية الرئيس محددة بخمس سنوات، وذلك طبقًا لنص المادة 126 من دستور الرأس الأخضر. كما حظر الدستور على الرئيس الذي حصل على ولايتين رئاسيتين الترشح لولاية ثالثة خلال السنوات الخمس التالية لانتهاء مدة ولايته الثانية على التوالي، وذلك طبقا للمادة 134 من الدستور. وهو ما يعني إمكانية ترشح الرئيس المنتهية ولايته مرة ثالثة لكن بشرط مرور خمس سنوات على تركه للسلطة، وتولي شخص آخر لمنصب الرئيس مكانه.^([1])

2- فيما يخصّ النظام الانتخابي: فقد نص الدستور على إجراء العملية الانتخابية طبقًا لنظام الجولتين، وذلك بالاقتراع العام السريّ المباشر مِن قِبَل الناخبين المسجَّلين بالسجل الانتخابي في داخل وخارج البلاد، وذلك وفقًا للمادة 109 من الدستور.

3- فيما يخص طريقة الفوز: فقد نصَّ الدستور على ضرورة حصول المرشح على الأغلبية المطلقة أي (50% +1) من الأصوات الصحيحة التي شاركت في العملية الانتخابية، وفي حالة عدم حصول أي مرشح على هذه النسبة يتم عقد جولة ثانية تقتصر على المرشحَيْنِ اللَّذَيْنِ حصلا على أكبر عددٍ من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات.^([2])

ثانيًا: شروط الترشح:

 حدَّدت المادة 110 من دستور جمهورية الرأس الأخضر شروط الترشح للرئاسة، والتي تتمثل فيما يلي:

1- أن يحمل راغب الترشح جنسية جمهورية الرأس الأخضر بصورة أصلية، ولا يحمل جنسية أخرى غيرها.

2- أن يكون عمر راغب الترشح تجاوز 35 عامًا في تاريخ الترشح للانتخابات.

3- أن يكون مقيمًا بشكل دائم في التراب الوطني للبلاد خلال الثلاث سنوات السابقة على الترشح للانتخابات.

4- أن يحصل راغب الترشح على توقيعات تزكية مِن قِبَل الناخبين؛ بحيث لا يقل عدد مانحي هذه التوقيعات عن ألف ناخب على الأقل، وأربعة آلاف ناخب على الأكثر.

المحور الثاني:

خريطة الانتخابات الرئاسية 2021م، وقائمة المرشحين، والحملة الانتخابية

أ- المواعيد الانتخابية:

1- موعد إجراء الانتخابات: في يوم 27 يوليو 2021م أصدر الرئيس المنتهية ولايته خورخي كارلوس فونسيكا مرسومًا يُحدِّد موعد العملية الانتخابية؛ حيث نصَّ المرسوم على تحديد موعد الجولة الأولى من الانتخابات في 17 أكتوبر 2021م، كما حدد المرسوم يوم 31 أكتوبر 2021م كموعد للجولة الثانية في حال الحاجة إلى ذلك.^([3])

2- موعد تقديم أوراق الترشح: في 30 يوليو 2021م أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات أنه تم تحديد موعد تقديم أوراق الراغبين في الترشح للانتخابات، على أن تبدأ قبل 60 يومًا من موعد إجراء الانتخابات، وبالتالي تم تحديد 18 أغسطس 2021م ليكون آخر موعد لتقديم طلبات الترشح، كما تمنح المحكمة الدستورية لممثلي المرشح 48 ساعة لتصحيح الأوراق المخالفة بعد انتهاء موعد التقديم، كما حددت كذلك أنها ستعلن عن قرار قبول أوراق المرشحين في 24 أغسطس 2021م، أي بعد خمسة أيام من الموعد النهائي لتقديم طلبات الترشح.^([4])

3- موعد الحملة الانتخابية: تم تحديد موعد الحملة الانتخابية لتبدأ من تاريخ 30 سبتمبر 2021م، حتى 15 أكتوبر 2021م.

ب- قائمة المرشحين:

1- المرشحون المقبولون: ترشح للتنافس على منصب الرئيس في جمهورية الرأس الأخضر ثمانية مرشحين، منهم اثنان مدعومان حزبيًّا، وباقي المرشحين مستقلون، كما أن المحكمة الدستورية العليا قامت برفض أوراق مرشح واحد، واستبعدته من السباق الانتخابي؛ لتقتصر المنافسة على سبعة مرشحين فقط. وقد كانت المنافسة تتمثل بصورة أساسية بين المرشحين المنتمين للأحزاب؛ حيث إن النظام الحزبي في الرأس الأخضر يغلب عليه نظام الحزبين المهيمنين منذ التعدد الحزبي حتى الآن، أحدهما يمثل الحزب الحاكم، والآخر يمثل حزب المعارضة، وهم يتبادلون المناصب فيما بينهما، بل أحيانًا يكون الرئيس ينتمي إلى المعارضة، بينما رئيس الحكومة ينتمي إلى الحزب الحاكم الذي فاز بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية، وبالتالي يقوم بتشكيل الحكومة، كما أن رئيس الحكومة صلاحياته التنفيذية أكبر من صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي يكاد يكون منصب رئيس الجمهورية ذا صلاحيات محدودة، وهو ما جعل بعض الراغبين في الترشح للسباق الانتخابي يطالبون بتعديل الدستور لتحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي؛ بحيث يحصل رئيس الجمهورية على صلاحيات كاملة.

وفي هذه الانتخابات كان التنافس محصورًا بين خوسيه ماريا نيفيس مرشح الحزب الإفريقي لاستقلال الرأس الأخضر(PAICV)، والذي يمثل حزب المعارضة الآن بعد فوز حزب الحركة من أجل الديمقراطية (MPD) في انتخابات الجمعية الوطنية الماضية التي جرت في 18 أبريل 2021م؛ حيث حصل على 38 مقعدًا من أصل 72 مقعدًا، وبذلك أصبح حزب الأغلبية، وقام بتشكيل الحكومة برئاسة يوليسيس كوريا إي سيلفا، للمرة الثانية على التوالي بعد أن فاز حزب الحركة من أجل الديمقراطية (MPD) في انتخابات الجمعية الوطنية في 2016م كذلك وقام بتشكيل الحكومة، بينما الحزب الإفريقي لاستقلال الرأس الأخضر حصل على 30 مقعدًا، وأصبح يمثل حزب المعارضة للمرة الثانية على التوالي كذلك. كما يذكر أن مرشح الحزب الحاكم كان مدعومًا من حزب اتحاد الرأس الأخضر الديمقراطي والمستقل (UCID). وفيما يتعلق بباقي المرشحين الخمسة فسوف نوضحهم من خلال الإشارة إليهم في جدول نتيجة الانتخابات.^([5])

2- المرشح المستبعَد: قامت المحكمة الدستورية باستبعاد مرشح واحد من المنافسة الانتخابية، وهو بيريكليس تافاريس، وهو يحمل جنسية الرأس الأخضر، وحاصل على شهادة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وكذلك حاصل على درجة الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية. وقد قامت المحكمة باستبعاد أوراقه من المنافسة في الانتخابات بسبب كونه مزدوج الجنسية؛ حيث إنه يحمل الجنسية البرتغالية، وهو ما يخالف شروط الترشح للانتخابات وفقًا لنصوص الدستور.

وقد أعلن بيركليس تافاريس أن إعلان المحكمة الدستورية رفض أوراق ترشحه للانتخابات هو أمر متسرع اتخذه قضاة المحكمة، كما طالب قضاة المحكمة بإجراء تحقيق في شأن ازدواج جنسية رئيس الجمهورية المنقضية ولايته خورخي كارلوس فونسيكا الذي خدم فترتين رئاسيتين رغم كونه مزدوج الجنسية، كما قدم طعنًا أمام المحكمة الدستورية ضد ترشح كلّ من كارلوس فيجا، وخوسيه نيفيس، وجواكيم مونتيرو، مدعيًا أنهم يحملون الجنسية البرتغالية كذلك. وبعد إعلان بيركليس تافاريس اتهامه للرئيس خورخي كارلوس بأنه يحمل جنسية مزدوجة، فقد قام الرئيس كارلوس بتقديم شكوي جنائية ضده بتهمة الإهانة والافتراء عليه؛ حيث قامت المحامية ليجيا فونسيكا زوجة الرئيس خورخي كارلوس بتقديم الشكوى الجنائية ضد بيركليس تافاريس، ووصفت اتهاماته لزوجها بأنها كاذبة ومسيئة للبلاد، كما قال الرئيس كارلوس: إن أقوال بيركليس خاطئة وغير حقيقية تمامًا، وإنه سيتحمل المسؤولية عنها. كما نفى ممثلو المرشحين الثلاثة الذين اتهمهم بيركليس تافاريس بحمل جنسية مزدوجة ذلك الأمر.^([6])

3- المرشح المنسحب: كان أستاذ الجامعة دانيال ميدينا أعلن عن نيته للترشح في الانتخابات الرئاسية، غير أنه أعلن في منتصف أغسطس أنه لن يشارك في السباق الانتخابي، وذلك بدعوى أن الدولة لن تضمن له الحياد، كما انتقد عدم وجود ضمانات تمنع عملية شراء أصوات الناخبين، وتوفير شفافية في الانتخابات، كما أشار إلى وجود صعوبات مالية أثَّرت على قراره في المشاركة.^([7])

4- مرشحون آخرون: يوجد عدة أشخاص كانوا قد أعلنوا عن نيّتهم في الترشح للانتخابات، غير أنهم لم يتقدموا بأوراقهم للترشح، ومن بينهم: خوسيه روي أليم، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي (PSD)، ورجل الأعمال ماركوس رودريجيز وهو مقيم خارج البلاد ومزدوج الجنسية، وكان قد طلب إلغاء شرط الانفراد بجنسية الرأس الأخضر، وهو ما لم يحدث، وبالتالي لم يستطع الترشح. كما أعلن المواطن الشاب أوزفالدو باربوسا في مؤتمر صحفي عن نيته للترشح للانتخابات غير أنه لم يتقدّم بأوراق ترشحه للانتخابات في النهاية.^([8])

ج- الحملة الانتخابية: (الصعوبات وبرامج المرشحين):

1- صعوبات الحملة الانتخابية: بدأت الحملة الانتخابية في 30 سبتمبر 2021م، واستمرت حتى 15 أكتوبر 2021م، وقد قام كل مرشح بحملته الانتخابية في حالة من الهدوء دون ارتكاب مخالفات تُذْكَر، غير أن الحملة الانتخابية واجهتها مجموعة من الصعوبات، أهمها القيود الاحترازية المفروضة بسبب مواجهة جائحة كورونا، وهو ما جعل المرشحين يعجزون عن عمل تجمعات انتخابية كبيرة مع الناخبين.

كما أن الأمطار كانت أيضًا عاملاً معيقًا للحملة الانتخابية؛ حيث إن الناس ينتقلون إلى مزارعهم في فصل الشتاء من أجل الزراعة، ورغم تلك الصعوبات فقد قام المرشحون بالدعاية الانتخابية؛ حيث ذهب البعض إلى الشواطئ للحديث مع الصيادين لطلب دعمهم، بينما قام آخرون بحملة دعائية من خلال طرق الأبواب والتواصل مع الناخبين في منازلهم. كما قام بعض المرشحين بالسفر خارج البلاد للقاء أبناء الرأس الأخضر المقيمين في الشتات؛ للحصول على أصواتهم في الانتخابات؛ حيث قام المرشح كارلوس فيجا بزيارة لغينيا بيساو؛ حيث التقى بمجتمع الرأس الأخضر في غينيا بيساو، وطلب دعمهم في الانتخابات.^([9])

2- برامج المرشحين الانتخابية: إذا أشرنا إلى البرامج الانتخابية للمرشحين بصورة سريعة فنجد أن كل مرشح ركَّز على مجموعة من الوعود الانتخابية التي لها أولوية لديه، فمثلاً نجد أن المرشح خوسيه ماريا ركَّز في حملته الانتخابية على قطاع الصحة والاقتصاد؛ حيث أعلن عن الحاجة إلى تحصين كل السكان باللقاح المضاد لفيروس كورونا، كما أشار إلى الحاجة إلى جَذْب الاستثمارات لتمويل الشركات واستئناف قطاع السياحة وتنويع اقتصاد البلاد.

 بينما ركَّز المرشح كارلوس فيجا على ترسيخ العدالة في البلاد، بالإضافة لمعالجة القطاع الاقتصادي والصحي. بينما ركز المرشح فرناندو ديلجادو في حملته على إصلاح القوات المسلحة والقطاع البحري في البلاد. بينما ركز المرشح جيلسون ألفيس في حملته على فكرة تغيير نظام الحكم ليكون نظامًا رئاسيًّا؛ حيث يرى أن البلاد تحتاج إلى وجود رئيس قويّ له صلاحيات كاملة. بينما ركَّز المرشح هيليو سانشيز على إصلاح قطاع الأمن والعدالة. وقد ركَّز المرشح جواكيم مونتيرو على قطاعات التعليم والزراعة والصحة، ويرى أنها في حاجة إلى تطوير وذات أولوية لتنمية البلاد. وأخيرًا فقد أشار المرشح كاسيميرو دي بينا أنه ليس لديه وعود للناخبين؛ لأن الرئيس لا يَحكم، وأن دور الرئيس هو حماية الدستور على حد قوله.^([10])

3- المناظرة التلفزيونية بين المرشحين: تحت رعاية الإذاعة والتلفزيون الرسميّ أُقيمت اثنتان من المناظرات التلفزيونية بين المرشحين في الانتخابات، وقد أُجريت “المناظرة الأولى” يوم 30 سبتمبر 2021م؛ حيث استغرقت نحو ساعتين ونصف من النقاش بينهم؛ حيث تبادل المرشحون وجهات نظرهم حول عدة موضوعات مختلفة، من بينها العدالة، وعدم التحيز في الإدارة العامة، والاستقلال في ممارسة منصب الرئيس، وقد شارك في هذه المناظرة 6 مرشحين من السبعة؛ حيث لم يشارك المرشح جواكيم مونتيرو مبررًا غيابه بانشغاله بموعد مع أنصاره.^([11])

 بينما أجريت “المناظرة الثانية” يوم 10 أكتوبر 2021م، وقد ركَّزت المناظرة بين المرشحين على مسائل الانتعاش الاقتصادي، والعلاقات الدبلوماسية للبلاد، ودور رئيس الجمهورية في التواصل مع أبناء الرأس الأخضر في الشتات، كما أُثيرت مسألة مراجعة الدستور وخاصة المادة 110؛ وذلك للسماح بترشح أبناء الرأس الأخضر المقيمين في خارج البلاد للرئاسة، وكذلك السماح بترشح مزدوجي الجنسية. كما ركَّزت المناظرة على المواجهة بين المرشحين الرئيسيين المدعومين حزبيًّا، وبلغت في بعض الأحيان بعض التوتر, حيث كان كارلوس فيجا هدفًا للعديد من الانتقادات مِن قِبَل خوسيه ماريا نيفيس في المناظرة؛ حيث حاول خوسيه نيفيس من وراء تلك الانتقادات تعزيز فرصته في الفوز من الجولة الأولى، والهروب من جولة الإعادة؛ حيث قد يضطر إلى مواجهة تجمع الخاسرين ضده الذين سيصوّتون لصالح كارلوس فيجا.^([12])

المحور الثالث:

إجراء الانتخابات وتحليل النتائج

أ- إجراء الانتخابات:

أُجريت العملية الانتخابية في يوم 17 أكتوبر 2021م؛ حيث فتحت اللجان الانتخابية بدءًا من الساعة 7 صباحًا، وأُغلقت في 6 مساءً بالتوقيت المحلي، وبحسب السجل الانتخابي الذي نشرته المديرية العامة لدعم العملية الانتخابية، فقد تم تسجيل (398،864) ناخبًا يحقهم لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية، وهم ينقسمون إلى (342،777) ناخبًا موجودين داخل البلاد ومخصص لهم 22 دائرة انتخابية، بينما يبلغ عدد الناخبين المسجلين خارج البلاد في الشتات (56،087) ومخصص لهم 16 دائرة انتخابية. كما يذكر أنه أثناء إدلاء الناخبين بأصواتهم تم تطبيق إجراءات الحماية الصحية عند مداخل مراكز الاقتراع؛ حيث تم استخدام الكمامة مِن قِبَل الناخبين، بالإضافة إلى التطهير الإجباري منعًا للإصابة بوباء فيروس كورونا، مع تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي.^([13])

ب- تحليل نتائج الانتخابات:                                                                           

في مساء الأحد 17 أكتوبر 2021م، وبعد انتهاء عملية الاقتراع، أعلنت المديرية العامة لدعم العملية الانتخابية (DGAPE) والمفوضية الوطنية للانتخابات (CNE) في التاسعة مساءً بالتوقيت المحلي للرأس الأخضر عن النتائج الأولية للانتخابات بعد فرز 97% من صناديق الاقتراع، والتي أفادت بفوز مرشح حزب المعارضة الدكتور خوسيه ماريا نيفيس من الجولة الأولى بنسبة 51.5%، وتلاه مرشح الحزب الحاكم كارلوس فيجا، والذي حصل على نسبة 42.4%. ونظرًا لكون هذه النتائج كانت مؤقتة، فقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات، وذلك يوم الجمعة 22 أكتوبر 2021م، والتي أفادت نفس النتائج المؤقتة مع تغيُّر طفيف في النِّسب التي حصل عليها المرشحون.^([14])

ويمكن توضيح النتائج النهائية من خلال الجدول التالي:

وتحليلاً للجدول السابق نجد أن مرشح الحزب الإفريقي لاستقلال الرأس الأخضر “حزب المعارضة”؛ خوسيه ماريا نيفيس استطاع الفوز بمنصب الرئيس من الجولة الأولي، وذلك بعد غياب الحزب عن تولي هذا المنصب منذ انتهاء فترة ولاية الرئيس بيدرو بيريس المنتمي إلى الحزب في سبتمبر 2011م، بينما جاء مرشح حزب الحركة من أجل الديمقراطية “الحزب الحاكم” كارلوس فيجا في المرحلة الثانية؛ حيث خسر الانتخابات، وهذه هي المرة الثالثة الذي يترشح فيها لمنصب الرئيس ويخسر؛ حيث كان قد ترشح من قبل في انتخابات 2001م، 2006م. كما نلاحظ أن المرشح جواكيم مونتيرو قد جاء في المرتبة الأخيرة من بين المرشحين، حيث حصل على 0.7%، وذلك رغم ترشحه للانتخابات مرتين من قبل في انتخابات 2016م، 2011م، كما نلاحظ أخيرًا أن كل مرشح من المرشحين الخمسة المستقلين لم يستطع الحصول على 2% حتى من أصوات الناخبين، وهو ما يدل على هيمنة نظام الحزبين على الحياة السياسية في البلاد.

المحور الرابع:

الموقف الداخلية والدولية من الانتخابات

فيما يخص المواقف المختلفة من العملية الانتخابية في الرأس الأخضر فقد كانت مواقف إيجابية في مجملها، وذلك لكونها تمت في جو سلمي وهادئ دون أي عمليات عنف أو مخالفات جسيمة، ويمكن تناول تلك المواقف من خلال ما يلي:

أولاً: المواقف الداخلية من الانتخابات:

1- موقف مرشح الحزب الحاكم كارلوس فيجا: بعد إعلان النتائج الأولية التي أفادت بفوز مرشح المعارضة بالانتخابات وخسارة كارلوس فيجا، قام كارلوس فيجا في أول بيان له بالاعتراف بهزيمته في الانتخابات، كما أعلن أنه قد قام بتهنئة مرشح المعارضة عبر الهاتف لفوزه بالمنصب، كما قال أيضًا: “لقد تحدث الشعب وانتصرت الديمقراطية”، كما دعا كارلوس فيجا في خطابه الذي ألقاه من فندق في مدينة برايا إلى اتحاد الجميع حول وضع ميثاق وطني يمكن من خلاله المساهمة في القضاء على الفقر في البلاد، والتطلع إلى فرص جديدة، لتواكب البلاد تحديات القرن الحادي والعشرين لضمان مستقبل أكثر ازدهارًا للبلاد.^([15])

2- موقف مرشّح المعارضة الفائز خوسيه ماريا نيفيس: بعد فوزه بالانتخابات ألقى خوسيه ماريا نيفيس خطاب النصر من مقر حملته الانتخابية في مدينة برايا، وقد سلط فيه الضوء على أن مهمته الأولى هي توحيد البلاد، كما أعلن أنه سيجري حوارًا مع الجميع، كما دعا إلى بذل جهود مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني من أجل تعافي الاقتصاد في البلاد، كما قال: إنه سيكون رئيسًا لجميع سكان الرأس الأخضر، وحَكمًا نزيهًا، ومشرفًا على عمل الحكومة، ورئيسًا يتعاون مع الحكومة والسلطات المحلية، كما وجَّه التهنئة لشعب الرأس الأخضر واصفًا إياهم بأنهم قدموا مثالاً رائعًا للديمقراطية.^([16])

3- موقف رئيس الحكومة الحالي يوليسيس كوريا إي سيلفا: أعلن رئيس حكومة الرأس الأخضر بعد فوز مرشح المعارضة أنه سيبذل قصارى جهده حتى يعمل رئيس الجمهورية الجديد مع الحكومة من خلال الشراكة والتعاون بينهما، وذلك من أجل مصلحة سكان الرأس الأخضر.

4- الموقف الشعبي: فيما يخص الموقف الشعبي؛ فقد عبَّر أنصار الرئيس الجديد خوسيه نيفيس عن فرحتهم بفوزه؛ حيث تجمع المئات من أنصاره في مقر حملته الانتخابية في منطقة فازيندا للاحتفال بفوزه، كما انتشرت الاحتفالات القوية في شوارع العاصمة طوال الليل واستمرت حتى الفجر، كما نزل بعض قيادات الحزب الإفريقي لاستقلال الرأس الأخضر إلى الشوارع لمشاركة الجماهير في احتفالاتهم، قائلين الجميع يحب خوسيه نيفيس، ونحن سعداء بتحقيق هذا النصر وانتخاب الرئيس الخامس للبلاد.

وفيما يتعلق بنسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات فقد كانت ضعيفة نوعًا ما؛ حيث أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات أن نحو 52% من الناخبين امتنعوا عن المشاركة في التصويت، وهو ما يعني أن نصف الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات، وقد صرَّح رئيس الوزراء بأن هذه النسبة انعكاس للحالة التي تسبَّب فيها وباء كورونا في البلاد، كما يذكر أن عدد بطاقات الاقتراع الفارغة قدرت بحوالي (4266) صوت أي ما يعادل 2.2%.^([17])

ثانيًا: المواقف الدولية من الانتخابات:

1- موقف البرتغال: لكون الرأس الأخضر كانت إحدى المستعمرات البرتغالية الخمس في إفريقيا؛ فإن الانتخابات فيها تحظى باهتمام البرتغال، وعقب الإعلان عن فوز المرشح خوسيه نيفيس بمنصب الرئيس، فقد قام الرئيس البرتغالي مارسيلو دي سوزا بتهنئة الرئيس خوسيه نيفيس هاتفيًّا، كما أعرب عن ثقته في استمرار العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين. ومن جانبه دعا خوسيه نيفيس الرئيس البرتغالي لحضور حفل تنصيبه كرئيس جديد لجمهورية الرأس الأخضر. وفي ذات السياق قام رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا بتهنئة الرئيس خوسيه نيفيس، وذلك عبر حسابه الرسمي على تويتر، مشيدًا باستقرار وقوة الديمقراطية في الرأس الأخضر.^([18])

2- موقف غينيا بيساو: بوصفها إحدى الدول الإفريقية الناطقة بالبرتغالية؛ فقد قام رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو بتهنئة رئيس الرأس الأخضر الجديد، كما شدَّد على أهمية روابط الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين.

ثالثا: موقف المنظمات الدولية من الانتخابات:

1- موقف الأمم المتحدة (UN): أصدر مكتب الأمم المتحدة في الرأس الأخضر بيانًا أشاد فيه بالعملية الانتخابية التي تمت في الرأس الأخضر، كما أكَّد على النضج الديمقراطي في البلاد، ووصفها بأنها مثال يَحتذي به العالم، كما أضاف البيان أن الأمم المتحدة تهنئ شعب الرأس الأخضر وجميع المعنيين على إتمام الانتخابات التي تنقل اسم البلد إلى أركان العالم في صورة مشرفة وكريمة.

2- موقف مجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية (CPLP): قام السكرتير التنفيذي لمجموعة البلدان الناطقة باللغة البرتغالية، بإصدار بيان عبَّر فيه عن تهانيه الصادقة للرئيس الجديد للرأس الأخضر، كما أشار إلى أن الانتخابات كانت دليلاً واضحًا على حيوية الديمقراطية في البلاد، كما أضاف أنه سيعمل على تعزيز الروابط بين مجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية وجمهورية الرأس الأخضر.^([19])

رابعًا: موقف بعثات مراقبة الانتخابات من العملية الانتخابية:

لقد أشرف على العملية الانتخابية ومراقبتها في جميع أنحاء البلاد، عدد من البعثات الدولية والتي ضمت 104 مراقبين دوليين، وتتمثل تلك البعثات فيما يلي:

1- بعثة الاتحاد الإفريقي: أرسل الاتحاد الإفريقي بعثة مكونة من 30 مراقبًا، تحت قيادة الدبلوماسي والوزير الأنجولي السابق إسماعيل مارتينز، وقد زار المراقبون مراكز الاقتراع الموجودة في الجزر التسعة المأهولة بالسكان في الرأس الأخضر؛ حيث توزعت البعثة إلى 17 فريقًا، قامت بزيارة 178 مركز اقتراع، كما أصدرت البعثة تقريرًا بعد انتهاء الانتخابات أفادت من خلاله بأن العملية الانتخابية كانت إيجابية، مشيرة إلى حضارة السكان، كما أفادت البعثة أنها لم تلاحظ أيّ أفعال انحراف أو عدم التزام بالقواعد, غير أنها أشارت إلى استخدام بعض المرشحين لغة قاسية وتغيير نبرتهم في الخطاب السياسي، وحذرت من استخدام ذلك لاحقًا؛ لأن استخدام اللغة القاسية يمكن أن يؤدي إلى ردود قاسية، وأوصت البعثة بتعزيز قدر أكبر من الود بين الجميع، كما أوصت البعثة بمراجعة قانون الانتخابات وخاصة ما يتعلق بنقطة تمويل الحملات الانتخابية وإدخال قيود تمنع استخدام الموارد الحكومية لأغراض الحملات الانتخابية، وقد جاءت هذه التوصية بعد قيام بعض المرشحين بانتقاد الحكومة وادعاء أنها تقدم الدعم لمرشح الحزب الحاكم من موارد الدولة، وهو ما نفت وقوعه بعثة الاتحاد الإفريقي. وفي ختام التقرير تم إصدار توصية بضرورة العمل على توعية الناخبين بأهمية المشاركة في الانتخابات للتغلب على مشكلة الامتناع الكبير عن التصويت من قبل الناخبين.^([20])

2- بعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس): قامت الإيكواس بإرسال 71 مراقبًا دوليًّا للإشراف على الانتخابات في الرأس الأخضر برئاسة الجنرال سالو دجيبو الرئيس المؤقت السابق للنيجر، وأشار رئيس البعثة أن المراقبين تابعوا 550 مركز اقتراع في 3 جزر في البلاد، وبعد انتهاء الانتخابات قامت البعثة بعقد مؤتمر صحفي أشادت فيه بالعملية الانتخابية، كما قالت بأنها جرت في ظروف جيدة وتتمتع بالشفافية والمصداقية، كما أشاد رئيس البعثة بموقف الخاسرين من احترامهم للنتائج والموافقة عليها دون أي مشاكل.

3- بعثة السفارة الأمريكية في الرأس الأخضر: قامت السفارة الأمريكية في الرأس الأخضر بإرسال بعثة مكونة من 3 أشخاص للمشاركة في الإشراف على الانتخابات، وكغيرها من البعثات أشادت بالعملية الانتخابية، كما أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد بريس، خطابًا عبَّر فيه عن تهانيه للرئيس الجديد للرأس الأخضر، وذلك نيابةً عن الولايات المتحدة، كما وجَّه التهنئة لشعب الرأس الأخضر، واصفًا العملية الانتخابية بأنها حُرَّة وشفافة وعادلة.

خاتمة:

في ختام هذه الدراسة يتضح أن جمهورية الرأس الأخضر تمثل أحد النماذج الإفريقية التي تلتزم بقواعد العملية الديمقراطية بشفافية، فهي على الجانب السياسي تمثل تجربة ناجحة لولا هيمنة نظام الحزبين على الحياة السياسية، وعلى الصعيد الاقتصادي فهناك مجموعة من التحديات التي تواجه البلاد؛ أهمها: ارتفاع معدلات التضخم نتيجة لحالة الركود السياحي الناجم عن تفشي جائحة كورونا؛ حيث إن السياحة تمثل ربع اقتصاد الدولة، وقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي بنسبة 14.8%، كما أغلقت العديد من الفنادق والمطاعم، كما ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه بنسبة 37%، بعد تراجع السياحة في البلاد بسبب إغلاق الحدود بعد تفشي الوباء عالميًّا. ولعل تلك التحديات الاقتصادية السابقة هي ما ستواجه الرئيس الجديد في بداية ولايته والذي أعلن عن نيته في التصدي لها بالشراكة مع الحكومة لكونها هي صاحبة السلطة التنفيذية في البلاد.

الإحالات والهوامش: