لدى قارة إفريقيا تاريخٌ طويل من الصراعات العِرْقِيَّة والقَبَلِيَّة التي تسبب في اندلاعها عوامل عدة مختلفة، وكان لها تأثيرها الملحوظ على مسار عملية التحول الديمقراطي في بلدانها، وعلى الاستقرار السياسي والاقتصادي للنظم السياسية الحاكمة، وعلى السلام الاجتماعي في مجتمعاتها. وتتعدد نماذج الدول في إفريقيا التي تورطت خلال حِقَب مختلفة من تاريخها في براثن الصراعات والنزاعات على أساس قَبَلِيّ وإثني، في ظل التعدُّدية الإثنية والدينية والقَبَلِيَّة التي تتمتع بها معظم دول القارة الإفريقية، بما انعكس حتمًا على العملية السياسية في هذه الدول.
أولاً: إشكالية الصراعات القَبَلِيَّة في إفريقيا
تُعَدُّ الصراعات القَبَلِيَّة بمثابة أحداث متكررة في تاريخ البشرية الحديث، بالرغم من تكلفتها الباهظة بالنسبة للمجتمعات، فوفقًا لبرنامج The Uppsala Conflict Data Program هناك أكثر من 200 صراع أهلي اندلع منذ عام 1945م على مستوى العالم، ثلث هذا العدد قد شهدته قارة إفريقيا، وانضوت معظمها ضمن النزاعات القَبَلِيَّة (1).
وخلال القرن العشرين، تجاوزت الحروب الأهلية التي شهدها العالم الحروب الدولية في هذه الفترة الزمنية، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن هناك أكثر من 50 حربًا أهلية قد اندلعت خلال عقد التسعينيات، في حين اندلع نزاعان مسلحان دوليين فقط. ومع اختلاف تصنيف تلك الصراعات أو الصراعات بشكل عام إلا أن حوالي نصف الحروب الأهلية وغيرها من النزاعات المسلحة الداخلية هي صراعات إثنية وقَبَلِيَّة؛ حيث تُعَدُّ تلك الصراعات واحدةً من المصادر الرئيسة لانعدام الأمن ليس في قارة إفريقيا فحسب، بل العالم كله(2).
ويعرف كارل كورديل وستيفان وولف Karl Cordell& Stefan Wolff الصراع العِرْقِي على أنه وَضْعٌ تسعى فيه مجموعتان عرقيتان أو أكثر من الفاعلين داخل المجتمع إلى تحقيق أهداف غير متناسقة(3) ، أو بمعنى آخر هو عبارة عن نزاعات تقوم بين الأفراد أو الجماعات؛ وذلك على أساس التمايز الإثني أو الثقافي أو الديني أو الهوية الوطنية.. وقد أثبتت التجربة التاريخية أنه في بعض الأحيان يكون من الصعوبة بالنسبة للدولة التي تتمتع بتعددية إثنية وقَبَلِيَّة تحقيق الاستقرار والأمن فيها؛ حيث تسعى الدولة بكل قوتها من أجل بسط هيمنتها وسيطرتها على كافة القبائل، إلا أنها تجد مقاومة منها، وهو ما يتسبب في اندلاع الصراعات القَبَلِيَّة والإثنية(4).
وتوجد في إفريقيا مجموعات عِرْقِيَّة متعدِّدة تختلف فيما بينها من حيث اللغة والدين، إلى جانب الثقافة والعادات والتقاليد(5) ؛ حيث تذخر قارة إفريقيا بوجود أكثر من 2000 لغة، كما أن هناك تعددًا في الأديان والمعتقدات، فإلى جانب الأديان السماوية كالإسلام والمسيحية، هناك الديانات التقليدية(6) ، إلا أن التعدُّد الإثني هو أحد أكثر الأنماط أهميةً ضمن أنماط التعدُّدية التي تتمتع بها القارة، كونه يُعَدُّ سلاحًا ذا حدين؛ ففي حالة الإدارة الرشيدة للتعدُّد الإثني؛ يسهم ذلك في مزيد من الاستقرار على الصعيد السياسي، وينعكس على المستوى الإقليمي في ظل التداخل الإثني بين معظم دول القارة، وعلى العكس في حالة الفشل في إدارة التعدُّد الإثني، يُفضي ذلك إلى اندلاع واستمرار الصراعات الإثنية، وما يمكن أن يُمثله ذلك من تهديد حقيقي ووجودي للدولة في إفريقيا، والأمن والاستقرار الإقليمي، ينعكس على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن ثَمَّ، فليس من المستغرَب أن تكون إفريقيا قد شهدت عددًا هائلاً من الحروب الأهلية وعمليات الإبادة الجماعية.
وتتعدد الدول الإفريقية التي تتمتع بالتعدُّدية والتنوع على المستوى القاري، من أبرزها؛ جمهورية الكونغو (250 مجموعة عِرْقِيَّة)، ونيجيريا (250 مجموعة عِرْقِيَّة)، وتنزانيا (130 مجموعة عِرْقِيَّة)، وتشاد (100 لغة)، وإثيوبيا (أكثر من 77 مجموعة عِرْقِيَّة)، وكينيا (أكثر من 70 مجموعة عِرْقِيَّة)(7).
هذا، وقد مرت إفريقيا بموجات ثلاث من الحروب والصراعات خلال العقود السبعة الماضية؛ حيث ظهرت الموجة الأولى عقب انتهاء أحداث الحرب العالمية الثانية 1945م، فقد شهدت أنحاء القارة حروب التحرير التي قادتها حركات التحرير الإفريقية من نَيْر الاستعمار الغربي، وامتدت تلك الموجة حتى سبعينيات القرن الماضي. ثم بدأت الموجة الثانية مع ظهور عدد من الصراعات التي اندلعت بين الدول الإفريقية، إضافة إلى عدد من الصراعات والحروب الأهلية التي شهدتها مناطق عدة داخل القارة، مثل الحرب الصومالية الإثيوبية بين عامي 1977-1978م (حرب أوجادين)، والحرب التنزانية الأوغندية في الفترة بين 1978-1979م.
بينما شهدت القارة الإفريقية الموجة الثالثة من الصراعات والحروب في أعقاب انتهاء الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ حيث تصاعدت الحروب الأهلية والصراعات الإثنية والقَبَلِيَّة، بحيث أضحت النمط الأكثر شيوعًا في القارة الإفريقية، من بين الأنماط الأخرى للصراع، ففي تقرير للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في عام 1996م حول أسباب الصراعات الأهلية، وُجِدَ أن هناك 14 دولة إفريقية من إجمالي 53 دولة تعاني من النزاعات المسلحة(8). وهو ما عطَّل مسار عملية التحوُّل الديمقراطي التي شرعت فيه بعض الدول الإفريقية؛ نتيجة التأثير السلبي لتلك الصراعات في تهديد الأمن والاستقرار داخل الدول.
وبرغم تباين الآراء حول محورية الصراع القَبَلِيّ أو الإثني في كونه أحد المسبِّبات الرئيسة والمباشرة أو الثانوية في اندلاع الصراعات، إلا أن هناك إجماعًا على أنَّ الصراعات القَبَلِيَّة هي واحدة من أبرز الأسباب التي تؤدِّي إلى نشوب الحروب الأهلية في قارة إفريقيا.
فيما يرى البعض أن الصراع القبلي في القارة الإفريقية هو أمر حتمي، كونه نتيجة طبيعية للتعددية الإثنية التي تتميز بها معظم الدول الإفريقية، في حين يرى فريق آخر أن النخبة السياسية هي السبب الرئيس في استغلال البُعْد القَبَلِيّ لتحقيق مصالح ومكاسب سياسية ضيِّقة على حساب المصلحة العامة، وهو ما أعطى انطباعًا عامًّا بأن معظم الصراعات التي تنشأ في دول إفريقيا إنما هي صراعات بين النُّخَب السياسية بسبب المصالح المادية والسياسية(9).
وتتميز الصراعات الإثنية/ القَبَلِيّة بحماس الأطراف المنخرطة فيه من ناحية تمسُّك كل طرف بموقفه، علاوة على أنها تمتد لفترات طويلة، مثل الصراع بين شمال السودان وجنوبه الذي استمر منذ عام 1983م حتى عام 2005م. وفي أحيان كثيرة، يتم استدعاء تلك الصراعات في الصراعات السياسية والاقتصادية عند مرحلة معينة منها لتصبح إحدى أدواته، بهدف الحشد والتعبئة، ويلاحظ أنها تَطْغَى على السبب الرئيس للصراع(10) ، بما يُشَكِّل تهديدًا صريحًا لأمن واستقرار الدولة في إفريقيا، بالإضافة إلى السِّلْم المجتمعي في المجتمعات الإفريقية، فقد بدأ الصراع في جنوب السودان في منتصف ديسمبر 2013م كصراع سياسي بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، وسرعان ما تم استدعاء البُعْد الإثني ليتحول هذا الصراع السياسي إلى صراع قَبَلِيّ وإثني بامتياز؛ طرفاه قبيلتا الدينكا والنوير اللتان ينحدر منهما الرئيس ونائبه الأسبق.
كما تذخر الذاكرة التاريخية للقارة بالعديد من الصراعات الإثنية مثل حرب كاتانغا في دولة الكونغو الديمقراطية، خلال الفترة من 1966-1977م، و”حرب بيافرا” في دولة نيجيريا في الفترة من 1967 – 1970م، التي شردت أكثر من مليون شخص، وحرب الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي في عام 1994م(11).
وفي يونيو 1967م، أدَّت مجازر قبائل الإيبو في نيجيريا إلى إعلان استقلالهم كأمة بيافرا، مما أدَّى إلى بدء الحرب الأهلية، وراح ضحيتها من 1-3 ملايين شخص جرَّاء العمليات العسكرية، وانتشار المرض والجوع (12). إضافةً إلى الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى بين العِرْقِيَّتَيْن “سيليكا” المسلمة و”بالاكا” المسيحية، الذي اندلع قبل خمس سنوات في 2013م، والصراع في إقليم دارفور السوداني، علاوةً على النزاع في دولة الصومال على السلطة بين ست عشائر صومالية رئيسة، إلى جانب حركة الشباب المجاهدين، وهو ما أدَّى إلى سقوط الدولة الصومالية في براثن الانقسام والتفتت منذ عام 1991م (13).
هذه الصراعات القَبَلِيّة ليست سببًا في تحويل الدولة في إفريقيا إلى ساحة حرب فحسب، وإنما إلى مصدر اضطراب وانعدام للاستقرار، ويتمدد تأثيرها إلى دول الجوار، بما يجعلها أحد الدوافع –أو الذرائع- للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية التي تعاني من الصراعات القَبَلِيّة والإثنية.
وتعاني إفريقيا بشكل عام من آثار الصراعات العِرْقِية والقَبَلِيّة على مسار التحول الديمقراطي في دولها؛ حيث تُمثِّل عائقًا كبيرًا في الحيلولة دون انتقال معظم الدول الإفريقية إلى حالة الاستقرار، التي تنعكس بدورها بشكل إيجابي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، شريطة أن تنجح الدول الإفريقية في أزمة إدارة التعدُّدية الإثنية بها.
ثانيًا: أسباب الصراع العِرْقِي وأثره على التحول الديمقراطي
غالبًا ما تقود الصراعات القَبَلِيّة إلى نشوب حرب أهلية، علاوةً على تصدُّع السِّلْم المجتمعي، ويظل التنافس قائمًا وكامنًا حتى ينفجر عند لحظةٍ معينةٍ. وتتعدَّد الأسباب المؤدية للصراعات القَبَلِيّة والإثنية في القارة الإفريقية، وتتمثل أبرزها في الفوارق المجتمعية التي تُعَدُّ عاملاً حاسمًا في اندلاع الصراعات القَبَلِيّة، والتي ترتبط بتوزيع الموارد الاقتصادية؛ الأمر الذي أفضى إلى ارتفاع أعداد الفقراء في كثير من المناطق، وتهميش القبائل الصغيرة التي يتضاءل تأثيرها السياسي والاقتصادي، ومن ثَمَّ، تسود حالة من الفقر والبؤس الاجتماعي في ظل تلك الفوارق الطبقية والاقتصادية الشاسعة بين القبائل المختلفة، علاوةً على احتكار الأغنياء للثروات (14).
ويُمَثِّل الفساد أحد العوامل المرتبطة بالصراعات في إفريقيا، في ظل غياب الإرادة السياسية لدى النُّخَب السياسية في مكافحته، فضلاً عن استغلال المحسوبية وتوظيفها على أُسُس عِرْقِيَّة، دون أيّ مراعاة للمعايير الأخرى كالكفاءة(15) ، وهو ما دفَع بقارة إفريقيا إلى مرتبة متأخرة في مؤشرات الفساد التي تصدرها العديد من المؤسسات الدولية.
كما يبدو الصراع على الموارد الطبيعية هو النمط السائد للصراعات القَبَلِيّة بين المجتمعات الرعوية في الدول الإفريقية؛ حيث تبرز النزاعات بشكل أكبر في المناطق الغنية بالموارد مثل منطقة توركانا وميرتي في كينيا والغنية بالنفط، والولايات النفطية في جنوب السودان، فالمنافسة والصراع على الموارد المشتركة مثل الأراضي والمياه والثروة الحيوانية، والأنشطة والموارد الاقتصادية، مثل النفط والفحم والمعادن، والجبس والرمل، والأخشاب تسهم بشكل ملحوظ في دفع الصراع القَبَلِيّ إلى التنامي؛ حيث تختلف إدارة توزيع تلك الموارد من مجتمع لآخر، وهو ما يُفْضِي إلى تناقضات متأصلة، وإلى الاستغلال والتمييز، الأمر الذي يتسبب في نشوب المزيد من الصراعات الإثنية والقَبَلِيّة.
وتأتي المشاركة السياسية في دول القارة مثل تقاسم السلطة والانتخابات بمثابة المحرِّك الأساس للصراعات القَبَلِيّة في القارة، فهناك مصالح راسخة لدى الساسة والأحزاب السياسية تُفضِي مكاسبها إلى مجموعة عِرْقِيَّة معينة على حساب جماعات أخرى(16).
كما أن ضعف الانتماء الوطني، نتيجة للنظام القَبَلِيّ السائد في معظم دول القارة، الذي جعل السواد الأعظم من أفراد المجتمع ينظرون لأنفسهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ نظرًا للتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بسبب استئثار قبيلة للسلطة والثروة بمفردها(17) ، بما أفضى إلى أن يكون الولاء للقبيلة أعلى وأقوى من الولاء للوطن، كل ذلك يُعتبر دافعًا إلى اندلاع المزيد من الصراعات القَبَلِيّة في البلدان الإفريقية، بما يُعيق عملية التحول الديمقراطي، ويهدِّد استقرار النظم السياسية الحاكمة في القارة.
ومن ثَمَّ، تتمحور أغلب الصراعات القَبَلِيّة في إفريقيا في التنافس على الموارد الطبيعية والاقتصادية، والنخب السياسية ودورها في تجاوز الولاء القَبَلِيّ الولاء للوطن، كون أن من يمتلكهما يمتلك القوة والسيطرة على مفاصل الدولة، بحيث تؤول معظم المكاسب لصالح القبيلة التي ينتمون إليها في مقابل تهميش القبائل الأخرى.
من ناحية أخرى، تعزى الكثير من الأزمات والصراعات القَبَلِيّة والإثنية في دول القارة إلى سياسات الاستعمار الأجنبي التي تبنَّاها على مدار القرنين الماضيين، ودورها في تفجير الصراع القَبَلِيّ في مناطق عدة؛ حيث أسهم ذلك في بروز الصراعات العِرْقِية والإثنية على السطح، والتي استمدت شرعيتها من أسباب دينية أو إثنية، بما يعكس ضعف دولة ما بعد الاستقلال في إفريقيا؛ الأمر الذي أوصَل الأوضاع إلى نشوب الحروب الأهلية(18) ، فبعض الدول الإفريقية ما لبثت أن استقلت عن الاستعمار الغربي، حتى اندلعت بها صراعات إثنية وقَبَلِيّة، مثل حرب بيافرا في نيجيريا في ستينيات القرن الماضي، والتي تورطت فيها قبائل الإجبو Igbo والهوسا Hausa في جنوب البلاد، بعد فترة زمنية قصيرة من الاستقلال عن الاستعمار البريطاني(19).
وبالرغم من الدور الذي لعبته الدول الاستعمارية خلال فترة الاستعمار في إفريقيا بخصوص ترسيخ فكرة القَبَلِيّة من خلال سياسات وإجراءات عدة مثل ترسيم الحدود الاصطناعية بين الدول الإفريقية دون مراعاة التموضع الجغرافي للقبائل، بحيث أفرزت تلك الحدود تداخلاً إثنيًّا بين دول القارة، أسهم في تفجُّر الأوضاع والصراعات القَبَلِيّة في معظم المناطق في إفريقيا، وما له من تأثير ملحوظ في عرقلة عملية التحول الديمقراطي في القارة، يُلاحظ أنه عقب نَيْل الاستقلال الإفريقي، وتحديدًا في التسعينيات من القرن الماضي، اشترطت دول أوروبا تقديم المساعدات إلى دول إفريقيا بتحقيق خطوات متقدمة في التحول الديمقراطي، الذي يعرقله مخاطر الصراعات القَبَلِيّة التي تشهدها القارة، التي تسببت فيها سياسات الاستعمار الغربي إلى حد غير قليل، ومن ثَمَّ، فأوروبا شريكةٌ رئيسةٌ في تعثُّر خطوات التحول الديمقراطي في إفريقيا؛ نظرًا لدورها السلبي في فترة الاستعمار ضد إفريقيا. هذا بالرغم من أن الانقسامات والصراعات العِرْقِية كانت قائمة قبل الاستعمار، إلا أنها كانت جزءًا من عملية بناء الدولة في إفريقيا(20).
يبدو القلق بالغًا من السياسة القَبَلِيّة في إفريقيا، لما لها من دور كبير في اختطاف العملية الديمقراطية في معظم الدول الإفريقية، في ظل أن التحدِّي الأكبر الذي يواجه عملية التحول الديمقراطي في إفريقيا هو إقحام سياسات الهوية واستغلالها بهدف تعزيز المصالح القَبَلِيّة الضيقة(21).
كما أن هناك استغلالاً واضحًا مِن قِبَل النخبة السياسية في دول إفريقيا للولاء القَبَلِيّ، بُغية تحقيق مصالح ومكاسب شخصية على حساب الولاء للوطن، بدلاً من تحقيق العدالة في توزيع الموارد والمناصب على جميع الكيانات المكونة للمجتمع في الدول الإفريقية.
ويعتبر التنافس القَبَلِيّ في إفريقيا بمثابة مباراة صفرية، يغيب عنه مبدأ العدالة التوزيعية للموارد في البلاد، وسوء إدارة التعدُّدية الإثنية في الدول الإفريقية بشكل أساسي، مما يؤدِّي بالضرورة إلى تعارض المصالح القَبَلِيّة، التي تُفضي بدورها إلى اندلاع الصراعات المسلحة والحروب الأهلية. وهنا تبرز معاداة القبائل الإفريقية بالأساس للديمقراطية والتحول الديمقراطي، في ظل الرغبة الدائمة في الاستئثار بكافة الموارد من جانب فئة قليلة على حساب الجميع.
ثالثًا: النموذج الكيني
تُعَدُّ كينيا إحدى الديمقراطيات الراسخة في قارة إفريقيا، وفي منطقة شرق إفريقيا بشكل خاص، فضلاً عن الثقل الاقتصادي في الشرق الإفريقي، إلا أنَّ الأزمات السياسية فيها تُهدِّد هذه المكتسبات والتقدُّم الذي أحرزته كينيا خلال السنوات الماضية؛ حيث تُعَدُّ أعمال العنف على أساس قَبَلِيّ وإثني من أبرز المسائل والقضايا الرئيسة في البلاد، وتعود جذور الصراعات العِرْقِية فيها إلى فترة الاستعمار الغربي.
ويبلغ عدد السكان في كينيا نحو 41 مليون نسمة، وتتوزع قبائل كينيا إلى أربع مجموعات لغوية؛ هي: البانتو Banto، والنيلية Nilotic، والحامية Nile-Hamitic، والكوشيتية Cushitic، فضلاً عن جماعات إثنية وافدة إلى كينيا منها العرب والإنجليز والهنود(22).
وتشكل قبيلة كيكويو 17.2% من إجمالي السكان، وتُعَدُّ القبيلة الأكبر في البلاد، وينتمي إليها الرئيس أوهورو كينياتا، علاوةً على أنها أكثر القبائل تعليمًا وذات خبرة وقابلة للتكيف والتحديث في كينيا، وتحتفظ بجميع المواقع التي يشغلونها في مؤسسات الدولة(23).
فيما تمثل قبيلة كالينجين Kalenjen نحو 13% من إجمالي السكان، في حين تمثل قبيلة لوهيا Luhya نحو 14% من السكان، وهي حليفة لقبيلة لوو Luo، التي تمثل نحو 10% من إجمالي السكان، والتي ينتمي إليها زعيم المعارضة، رايلا أودينجا. وتأتي قبيلة كامبا Kamba بنسبة 10% من إجمالي السكان.
وتتحالف قبيلتا كيكويو وكالينجين في السلطة منذ ستينيات القرن الماضي، بينما تسعى قبيلة لوو إلى إنهاء هيمنة تلك القبائل على السلطة(24).
كما أن هناك صراعًا تاريخيًّا بين قبيلتي “كيكويو” و”لوو” يعود إلى اعتقاد القبيلة الثانية بأن جماعة كيكويو هي من قامت بقتل “مبويا” زعيم قبيلة “لوو”، وهو ما دفَعهم إلى الاحتشاد خلف زعيم قَبَلِيّ جديد من أجل السيطرة على الحكم وهو رايلا أودينجا.
وتسيطر كيكويو على السلطة وجُلّ المناصب الحكومية، مثل الوزارات والسكرتارية والمفوضين المحليين الذين يديرون المحافظات، كما تسيطر على الأمن والاقتصاد، وكذلك على جزء كبير من القطاع الخاص في البلاد. في حين تحصل القبائل الأخرى على بعض المناصب في الدولة مثل قبيلة كامبا(25).
وتسببت حالة النزاع الداخلي في كينيا في منع الحفاظ على السلام في البلاد منذ الاستقلال في 1963م؛ حيث شهدت البلاد أزمات وتوترات سياسية، ما أدَّى إلى غياب السلام المجتمعي، ولكونها بلدًا متعدِّد العِرْقِيات والإثنيات، انعكس ذلك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها البلاد، التي غلب عليها النزعات القَبَلِيّة والإثنية، فمنذ الأخذ بالتعدُّدية الحزبية في البلاد في عام 1991م، شهدت البلاد صراعات انتخابية متعددة، في أعوام 1992، 1997، 2007، 2013، و2017م؛ حيث تسبب العنف الانتخابي في حالة من الصراع القَبَلِيّ والعِرْقِي أسفر عن مقتل المئات من الأشخاص وتشريد الآلاف، وتعمل النخبة السياسية في البلاد على توفير الدعم العِرْقِي لها من أجل الوصول إلى السلطة، وقد لعب تكوين الأحزاب السياسية في كينيا على أساس إثني وقَبَلِيّ دورًا في ترسيخ الاعتماد على القَبَلِيّة والإثنية بهدف تحقيق مكاسب شخصية(26).
وقد تسبب الاستعمار البريطاني بشكل ملحوظ في خلق الصراعات الإثنية في البلاد، مع عدم إغفال العوامل الأخرى، بالرغم من كونها امتدادًا للسياسات الاستعمارية، في الوقت الذي لم تشهد فيه كينيا أية حروب على أساس عرقي؛ حيث لعب مبدأ “فرِّق تَسُدْ” الذي اتبعته بريطانيا إلى تكريس الانقسام في المجتمع الكيني بين القبائل والعِرْقِيات بهدف السيطرة والتحكم في البلاد.
ولم تستطع النُّخَب الحاكمة في حقبة ما بعد الاستقلال معالجة هذه المسألة؛ حيث تأسست أحزاب سياسية قائمة على أساس إثني وقَبَلِيّ، على رأسها حزب الاتحاد الوطني الكيني الإفريقي (كانو) ويسيطر عليه قبيلتي كيكويو ولوو، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكيني الإفريقي (كادو) ويسيطر عليه تحالف من القبائل الصغيرة في كينيا.
وقد شهد حزب كانو خلافات بين قادته، وتحديدًا بين جومو كينياتا، الرئيس الأول لكينيا، وجيراموجي أودينجا؛ حيث وجهت الاتهامات لكينياتا بإدارة البلاد لصالح قبيلة كيكويو من خلال الإنفاق الحكومي بشكل كبير في البنية التحتية والاجتماعية في مناطق قبيلة كيكويو، وفي المقابل واجهت المناطق الأخرى تهميشًا ملحوظًا، ومن ثَمَّ، لجأ كينياتا الأب إلى عمليات الاغتيال بحق القادة الذين دعوا إلى توزيع الثروة، بمن فيهم حلفائه في قبيلة لوو، التي اعتبرها مصدر تهديد لحكمه، كونها تُعَدُّ من أكثر القبائل تعليمًا في البلاد.
واستقطب حلفاء له من حزب كادو المعارض، من أبرزهم دانيال أراب موي الذي ينتمي إلى قبيلة كالينجين، والذي أصبح نائبًا له، وفيما بعد أصبح رئيس البلاد عقب وفاة جومو كينياتا في عام 1978م(27).
وجاءت انتخابات 2007م نقطة فارقة في المشهد السياسي الكيني؛ حيث شهدت انقسامًا في المجتمع على نتائج الانتخابات، بعد اتهام النظام الحاكم بتزوير الانتخاب؛ حيث اندلعت أزمة جديدة في البلاد، بعدما تسبب إعلان نتيجة الاستحقاقات الرئاسية التي شهدتها كينيا بفوز الرئيس السابق كيباكي بحصوله على 4.584.721 صوتًا من إجمالي أصوات الناخبين، على منافسه رايلا أودينجا الذي حصل على 4.352.993 صوتًا من إجمالي الأصوات، في أزمة سياسية عميقة في البلاد؛ حيث إن التصويت في الانتخابات الكينية يقوم على أساس عرقي وإثني(28).
وتُعَدُّ الانتخابات في كينيا كاشفة للوزن القَبَلِيّ بين القبائل المكونة للمجتمع الكيني؛ كونها ترتكز على الولاء القَبَلِيّ في حَسْم وتحديد السلوك الانتخابي للناخبين في الانتخابات. ففي استطلاع رأي أجراه المعهد الدولي الجمهوري، اتضح أن 38.4% من الكينيين (العينة التي تم استجوابها) يعتبرون أن الانتماء القَبَلِيّ للمرشح هو العامل الحاسم في اختيارهم قبل النظر إلى شخصية وبرنامج المرشح (29).
وأدَّت تلك الأزمة إلى اندلاع المزيد من العنف؛ حيث أعلنت المعارضة رفضها لنتائج الانتخابات، واتهمت النظام الحاكم بالتزوير؛ مما أدَّى إلى قيام مناصري المرشح الخاسر بأعمال شَغَب وعنف، أدت إلى أزمة شديدة في البلاد لم يسبق لها مثيل(30) ، وقد أسفرت أعمال العنف عن مقتل 1300 شخص في أنحاء البلاد، كما تركزت الاحتجاجات في معاقل المعارضة السياسية، وأحياء الصفيح في المدن الرئيسة من ممباسا إلى العاصمة نيروبي إلى كيسومو المدينة الساحلية الغربية على ضفاف بحيرة فيكتوريا؛ الأمر الذي دفع إلى فرض حظر التجول، وحظر البث التليفزيوني والإذاعي في البلاد. ومن ثَمَّ تصاعد الحذر في البلاد التي ينظر إليها واحة للاستقرار وسط منطقة مضطربة أمنيًّا.
كما أثارت بعض المجموعات المسلَّحة الرُّعْب لدى الكثير من المواطنين، وهي ميليشيات مسلحة مدعومة من قِبَل السياسيين، بهدف المشاركة في أعمال العنف في البلاد لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية ضيقة(31).
وتواجه السلطات الأمنية الكينية صعوبة في منع حوادث العنف بين القبائل في أنحاء البلاد؛ حيث تعاني البلاد من تحديات أمنية خاصة في المنطقة الساحلية، التي تتزايد فيها نشاط الحركات الإسلامية الإقليمية المتشددة، وامتدادات الصراعات في دول الجوار للداخل الكيني مثل الوضع في دولة الصومال(32).
ومع اشتداد الأزمة تدخل عدد من الفواعل الإقليمية والدولية من أجل الضغط على أطراف الأزمة من أجل تقاسم السلطة، والوصول إلى تسوية للأزمة بشكل سلمي للقضاء على العنف في البلاد، وهو ما توصلت إليه الوساطة الإقليمية والدولية بشأن تقاسم السلطة، فيما أطلق عليه قانون الاتفاق والمصالحة الوطنية، الذي لاقَى استحسان كافة الأطراف(33).
إلا أنه يُلاحظ عدم وجود رغبة لدى الحكومة الكينية في إجراء عددٍ من الإصلاحات الداخلية لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف الذي شهدته البلاد إبَّانَ انتخابات الرئاسة في 2007/2008م، مثل إصلاح الشرطة، ومعالجة الفساد، ومواجهة الإرهاب، وإعادة توطين المواطنين النازحين، ومحاسبة المتهمين المتورطين في أعمال العنف، ومع غياب المحاكمات المحلية، وجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهام إلى أربعة مسؤولين كينيين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية على خلفية أعمال العنف في انتخابات 2007م، ومنهم الرئيس الحالي كينياتا، ونائبه ويليام روتو(34) ، قبل أن يتم إلغاؤها في عام 2014م.
وظلت مسببات العنف المرتبطة بانتخابات 2007م قائمة، وتصاعد التوتر في البلاد، وتسبب في تصاعدها مزيج من التقاعس الحكومي في بعض المناطق والسلوك التمييزي والتعسفي في مناطق أخرى، وفشل في تنفيذ الإصلاحات في البلاد، مما أفضى إلى استمرار مخاطر العنف واندلاع صراع قَبَلِيّ في البلاد. ففي 2012/2013م شهدت البلاد اشتباكات جديدة في أنحاء مختلفة من البلاد أدَّت إلى مقتل 477 شخصًا، ونزوح حوالي 118 ألف شخصًا، وأرجعت لجنة التحقيق الكينية آنذاك أحد أسباب العنف إلى سلوك الشرطة الكينية كمشكلة أساسية، إلا أنه لم يلحظ أيّ تغيير، فما يزال الجهاز الأمني في كينيا يعاني من بعض القصور؛ أبرزها الاتهام بالفساد(35).
وفي انتخابات الرئاسة في عام 2013م كادت أن تتكرر نفس أحداث أزمة 2007م بعد حصول الرئيس كينياتا على نسبة 50.07% من إجمالي الأصوات، فيما حصل منافسه أودينجا على نسبة 43.31% من إجمالي الأصوات، وقام بالطعن أمام المحكمة، بشكل أثار المخاوف حول حدوث أزمة عنف في البلاد بين أنصار الطرفين، إلا أن الحكومة الكينية إلى جانب المجتمع المدني قد لعبا دورًا في احتواء الأزمة(36).
كما شهدت كينيا أزمة سياسية عقب انتخابات الرئاسة في أغسطس 2017م، بعد إعلان فوز الرئيس أوهورو كينياتا بنسبة 54.27% من إجمالي الأصوات، على حساب زعيم المعارضة رايلا أودينجا. وأثار قرار المحكمة العليا بإلغاء نتيجة الانتخابات بعد وجود مخالفات واسعة النطاق وغير قانونية في عملية فرز الأصوات، حفيظة الرئيس كينياتا الذي على إثره اتخذ عدة إجراءات وتدابير أدَّت إلى تعميق الأزمة، وتوسيع الانقسام المجتمعي؛ حيث وجّه انتقاده إلى القضاء، بينما أقرَّ الحزب الحاكم الذي يرأسه تشريعًا من شأنه أن يَحُدَّ من دور المحكمة في الانتخابات الرئاسية التالية.
فيما قامت قوات الأمن بقتل العشرات من عناصر المعارضة السياسية.
في المقابل، أصرَّ أودينجا على فوزه في انتخابات أغسطس 2017م، ما دفعه إلى انسحابه من غمار المنافسة على الانتخابات في أكتوبر 2017م بسبب عدم تقديم الضمانات على سلامة العملية الانتخابية، والإجراءات الإصلاحية بالنسبة للانتخابات، واستطاع الرئيس كينياتا الفوز بالانتخابات بنسبة 98% من إجمالي الأصوات المشاركة بنسبة بلغت 39% فقط. الأمر الذي أثار المخاوف بشأن أزمة سياسية حادة في البلاد، خاصةً بعد نية أودينجا أداء مراسم اليمين الدستورية باعتباره الرئيس الشعبي للبلاد.
وفشلت محاولات الوساطة مِن قِبَل علماء الدين والمجتمع المدني ورجال الأعمال والدبلوماسيين للتسوية بين كينياتا وأودينجا. وحدَّد الأخير موعد 30 يناير 2018م لأداء اليمين الدستورية في حديقة أوهورو، عقب أداء الرئيس كينياتا اليمين في 26 يناير 2018م، وهو ما عمَّق من الاستقطاب المجتمعي في البلاد، وهدد بوقوع المزيد من العنف والاشتباكات بين المؤيدين والمعارضين وقوات الأمن الكينية(37).
وتُعزَى الصراعات القَبَلِيّة في كينيا إلى عدة أسباب؛ لعل أبرزها هو عدم المساواة في توزيع الموارد الاقتصادية والسياسية، وهي التي لعبت دورًا مهمًّا في تغذية الصراعات القَبَلِيّة والإثنية، فضلاً عن التوزيع غير العادل لموارد الأراضي في المناطق المنتجة والحيوية، والتي يُنظر إليها على أنها المحرِّك الرئيس للصراعات في البلاد. ففي تقرير صادر عن لجنة الخدمات العامة الكينية* في عام 2014م، أشار إلى أن هناك ثلاث قبائل فقط من أصل 41 قبيلة في البلاد تستحوذ على 49% تقريبًا من الوظائف الحكومية؛ حيث جاءت قبيلة كيكويو في المرتبة الأولى بنسبة 22.3% من إجمالي القوى العاملة في مؤسسات الدولة، تليها قبيلة كالينجين بنسبة 15.3% وقَبَلِيّة اللهيا في المرتبة الثالثة بنسبة 11.3%(38).
وفي حين تبلغ قبيلة كيكويو نحو 17.2% من إجمالي سكان البلاد، وقبيلة لوهيا 14%، وقبيلة كالينجين 13%، أي مجموعهم حوالي 45% تقريبًا، ويستحوذوا على 49% من إجمالي الوظائف الحكومية؛ الأمر الذي يعكس الدور الذي تلعبه القَبَلِيّة في توزيع الموارد. ففي القصر الرئاسي، هناك 297 موظفًا من أصل 654 موظفًا يعملون به، ينتمون إلى قبيلة كيكويو التي ينتمي إليها الرئيس كينياتا، بنسبة تصل إلى 45%، في حين أن هناك 96 موظفًا ينتمون إلى قبيلة كالينجين التي ينتمي إليها نائب الرئيس، وفقًا لتقرير صادر عن لجنة الخدمة العامة في عام 2015م(39).
ومنذ استقلال كينيا عن الاستعمار البريطاني بات الحكم حكرًا على قبيلتي كيكويو التي ينتمي إليها ثلاثة رؤساء من أصل 4 رؤساء صعدوا إلى السلطة منذ الاستقلال، وهم جومو كينياتا وكيباكي وأوهورو كينياتا، إضافة إلى تولّي أراب موي الذي ينتمي إلى قبيلة كالينجين، بالرغم من التباعد العِرْقِي بينهما؛ حيث إن كيكويو تنحدر من قومية بانتو، فيما تنحدر قبيلة كالينجين من القومية النيلية، ويفسِّر التحالف السياسي بينهما مدى التهميش الذي تواجهه القبائل الأخرى؛ خاصةً في ظل التنبؤ بخلافة ويليام روتو نائب الرئيس كينياتا في الانتخابات الرئاسية في عام 2022م، بدعم من الرئيس وقبيلته، الأمر الذي يهدِّد باستمرار الاحتقان القَبَلِيّ، وربما نشهد مرحلة جديدة من الصراع القَبَلِيّ.
وأدت النزاعات في البلاد إلى انتشار عدد من الميلشيات المسلحة في البلاد ومنها قوة الدفاع عن الأراضي في سبوت The Sabaot Land Defense Force، والمونجيكي The Munjiki، وحركة طالبان Taliban، ومجلس جمهورية ممباسا Mombasa Republic Council، التي تسعى إلى التحريض للحصول على توزيع عادل للموارد الاقتصادية(40).
فضلاً عن انتشار كميات كبيرة من السلاح في البلاد، فوفقًا للتقرير الاستقصائي الخاص بالأسلحة الصغيرة الصادر في يونيو 2012م، أشار إلى أن هناك 600 ألف قطعة سلاح في كينيا، وهو ما يجعل من السهل الحصول عليها والوصول إليها، بما يمثل مصدر تهديد بانتشار العنف في كينيا، كما أن الدعم الحكومي للصومال في مواجهة حركة الشباب المجاهدين الصومالية قد أدَّى إلى ازدياد العنف انتقامًا منها، والذي ينطوي على استخدام العبوات الناسفة والأسلحة الآلية(41).
وفي إطار جهود الحكومة الكينية نحو تسوية الأزمة التي شهدتها البلاد منذ 2007م، قام البرلمان الكيني في عام 2008م بإصدار قانون دستور كينيا من أجل تعديله، وقدمت اللجنة البرلمانية ولجنة الخبراء مسودة الدستور للبرلمان الذي صدق عليه في 1 أبريل 2010م، وفي أغسطس 2010م خضع مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي عليه، وتم تبنيه دستورًا للبلاد(42).
إضافةً إلى تشكيل اللجنة الدائمة لشكاوى المواطنين، ولجنة التحقيق في أعمال العنف بعد الانتخابات (لجنة واكي)، ولجان تقصِّي الحقائق في عمليات العنف، التي تمَّت عقب انتخابات 2007م، إضافةً إلى اللجنة الانتخابية المستقلة المؤقتة، ولجنة مراجعة الحدود المستقلة المؤقتة، ولجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة واللجنة الوطنية للترابط والتكامل(43).
وأدَّت الأزمة أيضًا إلى تنامي اهتمام الدولة فيما يتعلق باتخاذ إجراءات من شأنها تفعيل مؤسسات الدولة ودورها في تعزيز تطبيق القانون. كما شهدت قرار الحكومة باستحداث منصب رئيس الوزراء بصلاحيات كبيرة، لإثراء النظام السياسي الكيني، إلا أنه سرعان ما تم إلغاؤه في عام 2013م، وهو ما اعتُبِرَ انتكاسة في عملية التحول الديمقراطي في كينيا؛ حيث اتضح أنه إجراء مؤقَّت لحين الخروج من المأزق السياسي. في حين برزت أفكار من قبيل عدم الاستئثار بالحكم، وعملية الانتخاب لرئيس الوزراء من قبل البرلمان الكيني. ومن ثَمَّ، فبالرغم من تحقيق بعض التطورات من جانب الحكومة إلا أنه يظل هناك قصور في عدد من النقاط مثل إدارة العلاقات الإثنية في البلاد، وتوزيع الموارد الاقتصادية والسياسية في البلاد.
كما تراجع الجدل بشأن تعامل الحكومة مع مسألة عدالة توزيع الثروة، بعد اعتمادها للنظام اللامركزي في إدارة حكم البلاد منذ عام 2013م، وفقًا لما أقره دستور 2010م؛ حيث أسهم في حل بعض القضايا العالقة بقضية الثروة؛ حيث نصَّ على تقسيم البلاد إلى 47 محافظة، تتلقى ميزانياتها من الحكومة المركزية، بشكل جعلها تقلل من حدة الصراع القَبَلِيّ على الثروة بشكل نسبي.
ومن ثم، تظل المخاوف قائمة من اندلاع أزمات وصراعات قَبَلِيّة وإثنية عنيفة في المجتمع الكيني، لطالما استمرت المعضلة في إدارة التعدُّدية الإثنية في البلاد، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما يحقق مبدأ العدالة في التوزيع ومبدأ تكافؤ الفرص، وتداول السلطة بين الأطراف المكونة للمجتمع كله، في ظل التخوف من تجدد الأزمة خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في 2022م.
الاحالات والهوامش:
(1)Andrea Guariso, Thorsten Rogall, About ethnic conflicts, inequality, and rainfall in Africa, CEPR Policy Portal, 4 April 2017, available at:
https://goo.gl/WxNQgw
(2) What is the ethnic conflict? Mendel University in Brno, available at:
https://goo.gl/LRD9FJ
(3) Ethnicity and Ethnic Conflict, available at: https://goo.gl/s6v49j
(4) سهير محمود الشربيني، قومية الأورومو الإسلامية والصراع من أجل الانفصال عن إثيوبيا، مركز الدراسات الإفريقية، نشر في 20 فبراير 2017، متاح على: https://goo.gl/YZ3NTV
(5) Ethnicity and Ethnic Conflict, Idim,.
(6) شيماء إبراهيم، النزاعات المسلحة في قارة إفريقيا، شبكة الأخبار العربية، نشر في 23 سبتمبر 2016، متاح على:
https://goo.gl/DbZKKD
(7) Calestous Juma, Viewpoint: How tribalism stunts African democracy, BBC News, 27 November 2012, available at:
https://goo.gl/zN3sSE
(8) شيماء إبراهيم، مرجع سبق ذكره.
(9) سونيا لو جوريليك، سيدي. م. ويدراغو (مترجم)، إفريقيا.. هل تطفو الصراعات الإثنية على الساحة مجددًا؟!، قراءات إفريقية، نشر في 25 ديسمبر 2017، متاح على: https://goo.gl/LLEQSf
(10) د. آدم بمبا، صراع الهوية في إفريقيا.. التأرجح بين القبيلة والدولة، قراءات إفريقية، نشر في 22 أغسطس 2016م، متاح على: https://goo.gl/cdLtYB
(11) د. آدم بمبا، مرجع سبق ذكره.
(12) .Clark Rumrill, Tribal Conflicts: What to do?, The Chrisitian Science Monitor, 17 July 1996, available at:
https://goo.gl/5FM9Xz
(13) .Michael Schmidt, Mapping ethnic conflicts, Good Governance Africa, 22 October 2016, available at:
https://goo.gl/beoos6
(14) علي عبد العال، كينيا المأزومة.. على مفترق طرق، نشر في 18 يناير 2008، متاح على:
https://goo.gl/oRFDBz
(15) علي جبريل الكتبي، القبيلة في كينيا.. التداعيات والنتائج وآفاق المستقبل، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، نشر في 13 يناير 2016م، متاح على: https://goo.gl/my56Ez
(16) Kisuke Ndiku, Conflict in Kenya, The Global Coalition for Conflict Transformation, available at:
https://goo.gl/UBPPmz
(17) على جبريل الكتبي، مرجع سبق ذكره.
(18) د. عبد العزيز راغب شاهين، الصراع القبلي والسياسي في مجتمعات حوض النيل، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2011، ص ص 266- 269.
(19) Ethnicity and Ethnic Conflict, Ibid,.
(20)Ethnic Politics in Kenya, available at:
https://goo.gl/qucn9U
(21) Calestous Juma, Ibid,.
(22) .New African Yearbook 1979: Political History and Current Events, Social and Economic Continental Affairs, London, England: IC Magazines Ltd, New York: Franklin Watts, Inc, 1979, PP. 173- 187.
(23) Stanley Meisler, Tribal Politics Harass Kenya, Foreign Affairs, available at:
https://goo.gl/rH5vBt
(24) .Kenya: The Danger of Election- Related Violence, Stratfor Worldview, 9 November 2012, available at:
https://goo.gl/PdpKox
(25) Idem,.
(26) MUEMA WAMBUA, The ethnification of electoral conflicts in Kenya, African Centre for The Construction Resolution of Disputes, 7 DEC 2017, available at :
https://goo.gl/CfAHrS
(27) علي جبريل الكتبي، مرجع سبق ذكره.
(28) Ethnic Politics in Kenya, available at: https://goo.gl/ySQPYd
(29) علي عبد العال، كينيا المأزومة.. على مفترق طرق، نشر في 18 يناير 2008، متاح على: https://goo.gl/qLsEQ7
(30)The 2007 Kenyan Elections: Holding a Nation Hostage to a Bankrupt Political Class, 31 December 2007, available at: https://goo.gl/jJAtZi
(31) MUEMA WAMBUA, Idim,.
(32) Kenya: The Danger of Election- Related Violence, Idim,.
(33)إيمان أشرف شلبي، تقاسم السلطة في كينيا وأثرها على عملية التحول الديمقراطي، المركز الديمقراطي العربي، نشر في 19 يناير 2016م، متاح على: https://goo.gl/J2QMdr
(34) High Staks .. Political Violence and the 2013 Elections in Kenya, Ibid,.
(35)High Stakes .. Political Violence and the 2013 Elections in Kenya, Human Rights Watch, 7 February 2013, available at: https://goo.gl/p9aMj3
(36) إيمان أشرف شلبي، مرجع سبق ذكره.
(37)Kenya: Averting an Avoidable Crisis, International Crisis Group, 29 January 2018, available at:
https://goo.gl/xqqEWk
(38) علي جبريل الكتبي، القبيلة في كينيا.. التداعيات والنتائج وآفاق المستقبل، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، نشر في 13 يناير 2016، متاح على:
https://goo.gl/35Qr5H
(39)المرجع السابق نفسه.
*صدر التقرير عن دراسة استقصائية شملت 168 مؤسسة حكومية يعمل بها 92 ألف موظف.
(40) MUEMA WAMBUA, Idim,.
(41) Kisuke Ndiku, Idim,.
(42) MUEMA WAMBUA, Idim,.
(43) كوثر مبارك، تأثير الإثنية على العنف الانتخابي في كينيا.. دراسة حالة الانتخابات الرئاسية “ 2007- 2013م”، المركز الديمقراطي العربي، نشر في 11 نوفمبر 2016م، متاح على: https://goo.gl/1dgQY2