تمهيد:
شهدت ناميبيا لحظة تاريخية مع تنصيب “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) رسميًّا، وهي أول امرأة تتولى رئاسة البلاد منذ استقلالها عام 1990م، وهو حدث يعكس التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي تمرّ بها الدولة الإفريقية.
لم يكن صعود ندايتوا إلى سُدة الحكم مجرد فوز انتخابي، بل كان تتويجًا لمسيرة طويلة من النضال السياسي داخل حزب “سوابو”، الحزب الذي قاد ناميبيا إلى الاستقلال، وظل مهيمنًا على المشهد السياسي لعقود. فوزها بنسبة 57% من الأصوات جاء بعد انتخابات تنافسية شهدت تحديات غير مسبوقة للحزب الحاكم، خاصةً مع صعود أحزاب المعارضة وتغيُّر توجُّهات الناخبين، لا سيما في المناطق الحضرية. ومع ذلك، لا يزال الحزب محتفظًا بأغلبية المقاعد في البرلمان، مما يمنحها قاعدة سياسية لتنفيذ سياساتها، رغم أن التحديات أمامها تبدو مُعقَّدة ومتعدّدة الأبعاد.
تتولى ندايتوا رئاسة ناميبيا في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد؛ حيث ترتفع معدلات البطالة والفقر بشكل ملحوظ، ويُواجه الاقتصاد تحديات كبيرة بسبب الفساد وسوء توزيع الثروات. وعلى الرغم من امتلاك ناميبيا لموارد طبيعية هائلة مثل الماس واليورانيوم والنفط والغاز؛ إلا أن الاستفادة منها ظلت محدودة، ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من الشعب، خاصةً الشباب. ومع تصاعُد مشاعر الاستياء الشعبي ضد الحزب الحاكم بسبب الفضائح السياسية مثل قضية “Fish Rot”، سيكون على الرئيسة الجديدة العمل على استعادة ثقة الناخبين عبر إصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية. وقد وَعَدَت خلال حملتها الانتخابية باستثمارات ضخمة تصل إلى 4.7 مليار دولار لخلق نصف مليون وظيفة، وهو تحدٍّ كبير بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الراهن، لكنَّه قد يكون مفتاحًا لإعادة بناء الثقة في حكومتها.([1])
على الصعيد الاجتماعي، تواجه ندايتوا إرثًا من التفاوت العِرقي والتمييز؛ حيث لا تزال مِلْكية الأراضي والموارد تتركز في أيدي أقلية بيضاء صغيرة، بينما تعاني الغالبية السوداء من التهميش الاقتصادي والاجتماعي. المعارضة تستغل هذه النقطة لدعم مَطالب إعادة توزيع الأراضي بشكل عادل، وهو ملف حسّاس قد يُشعل توترات سياسية واجتماعية إذا لم تتم إدارته بحكمة. كما أن قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي تُشكِّل تحديًا آخر؛ حيث تتزايد مطالبات المجتمع المدني بسنّ قوانين أكثر صرامة لحماية النساء والأطفال. وتدرك الرئيسة أن نجاحها في معالجة هذه القضايا لن يكون مجرد إنجاز شخصي، بل سيكون اختبارًا لقدرة النساء على تولّي القيادة في مجتمع لا يزال يتعامل بحذر مع فكرة وجود امرأة في منصب الرئيس.
إلى جانب القضايا الداخلية؛ تواجه ندايتوا تحديات تتعلق بالتغيُّر المناخي وإدارة الموارد الطبيعية؛ حيث تعتبر ناميبيا واحدة من أكثر الدول تأثرًا بالجفاف وارتفاع درجات الحرارة في إفريقيا. والأزمات البيئية تؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي، مما يجعل من الضروري تعزيز إستراتيجيات التكيُّف مع التغير المناخي وتحسين إدارة الموارد. في الوقت نفسه، عليها مواجهة الاتهامات التي طالت حكومات “سوابو” السابقة بشأن سوء الإدارة والفساد، وهو أمر قد يزيد من صعوبة تنفيذ سياساتها إذا لم تتخذ خطوات واضحة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. هذه التحديات تجعل ولايتها اختبارًا حقيقيًّا ليس فقط لمستقبل حزبها السياسي، ولكن أيضًا لمستقبل الديمقراطية في ناميبيا، خاصةً مع تصاعُد ضغوط المعارضة التي تراقب أداءها عن كثب.([2])
وفي هذا السياق، يمكن تناول ملامح المشهد في ناميبيا عقب انتخاب أول رئيسة في تاريخ البلاد، وذلك من خلال عدد من المحاور فيما يلي:
المحور الأول: ملامح المشهد الانتخابي في ناميبيا
شهدت الانتخابات الرئاسية في ناميبيا تنافسًا حادًّا بين الأحزاب السياسية، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والجدل. استطاعت نيتومبو ناندي ندايتواه، مرشحة الحزب الحاكم “منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا” (سوابو)، أن تحسم السباق لصالحها، محققة 57.31% من إجمالي الأصوات، متقدمة بفارق كبير على أقرب منافسيها باندوليني إيتولا، زعيم حزب “الوطنيين المستقلين من أجل التغيير”، الذي حصل على 25.50%. بينما سجَّل باقي المرشحين نِسبًا أقل بكثير، ما يعكس استمرار هيمنة الحزب الحاكم رغم تراجع شعبيته مقارنةً بالانتخابات السابقة.
غير أن هذه النتائج قُوبلت برفضٍ قويّ من المعارضة؛ حيث شكَّكت في نزاهة العملية الانتخابية، ووصفتها بأنها مليئة بالمخالفات. وأدى ذلك إلى إعلان حزب “الوطنيين المستقلين من أجل التغيير” عزمه اللجوء إلى القضاء للطعن في النتائج، معتبرًا أن قرار تمديد فترة الاقتراع في بعض المناطق كان غير دستوريّ وأسْهَم في حدوث تجاوزات أثَّرت على نزاهة التصويت.([3])
ورغم فوز حزب “سوابو” بالرئاسة، فقد واجه انتكاسة واضحة في الانتخابات البرلمانية؛ حيث حصل على 51 مقعدًا فقط من أصل 96 في الجمعية الوطنية، وهو تراجع ملحوظ مقارنةً بدورات انتخابية سابقة. في المقابل، عزَّز حزب “الوطنيين المستقلين من أجل التغيير” مكانته كثاني أكبر قوة سياسية، بحصوله على 20 مقعدًا، ما يعكس اتساع قاعدته الشعبية مقارنة بالانتخابات السابقة. هذا التراجع في شعبية الحزب الحاكم يعكس اتجاهًا عامًّا في المنطقة، حيث بدأت أحزاب التحرير الوطني تفقد سيطرتها التقليدية على المشهد السياسي، كما حدث في جنوب إفريقيا وبوتسوانا. تعزو التحليلات هذا التراجع إلى الإحباط الشعبي من الأداء الحكومي، لا سيما في مجالات الاقتصاد والخدمات العامة، فضلًا عن رغبة الناخبين في التغيير بعد عقود من حكم الحزب الواحد. هذه التحولات تشير إلى بداية مرحلة سياسية جديدة في ناميبيا، تتسم بتنافسية أكبر وتزايد تأثير الأحزاب الناشئة.([4])
لكنّ المشهد الانتخابي لم يكن سلسًا؛ حيث شهدت الانتخابات مشكلات لوجستية متعددة أثرت على سير العملية، أبرزها: نقص أوراق الاقتراع في بعض المراكز وتعطُّل أجهزة المسح الضوئي، ما أجبر الناخبين على الانتظار لساعات طويلة أو العودة دون الإدلاء بأصواتهم. هذه المشكلات، إلى جانب قرار تمديد فترة الاقتراع في بعض المناطق، عززت من شكوك المعارضة حول نزاهة الانتخابات، ودفعها إلى رفع دعاوى قضائية للطعن في النتائج.
في المقابل، أكّدت لجنة الانتخابات أن العملية جرت بشكل نزيه، رغم اعترافها بوجود قصور إداري في بعض المراكز. وبينما يسود الهدوء النسبي داخل العاصمة ويندهوك بعد إعلان النتائج، تبقى التوترات السياسية قائمة؛ حيث تنتظر البلاد قرار المحاكم بشأن الطعون الانتخابية، في ظل حالة من عدم اليقين حول مستقبل المشهد السياسي وتأثيره على استقرار البلاد.
بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة في ناميبيا، سارعت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب “الوطنيين المستقلين من أجل التغيير”، إلى رفع دعاوى قضائية؛ اعتراضًا على ما وصفته بعملية انتخابية شابتها تجاوزات خطيرة. وتركزت الطعون على قرار لجنة الانتخابات بتمديد فترة الاقتراع في بعض المناطق لمدة يومين إضافيين، وهو ما اعتبرته المعارضة انتهاكًا للدستور وقوانين الانتخابات. كما زعم مرشح الحزب الرئاسي، باندوليني إيتولا، أن العملية شهدت “أخطاء جسيمة”، مثل نقص أوراق الاقتراع في العديد من المراكز، وتعطل أجهزة المسح الضوئي، مما أدى إلى استبعاد بعض الناخبين من التصويت. في المقابل، رفضت لجنة الانتخابات هذه الادعاءات، مؤكدة أن العملية جرت بنزاهة، وأن التمديد كان ضروريًّا لضمان مشاركة جميع الناخبين المؤهلين. ومع تصاعد الخلاف، أصدرت المحاكم الناميبية قرارًا يلزم اللجنة الانتخابية بالسماح للأحزاب بفحص المعدات الانتخابية، وسط ترقب شعبي واسع لما ستسفر عنه هذه الأزمة القانونية، وتأثيرها على المشهد السياسي في البلاد.([5])
المحور الثاني: التحديات التي سوف تواجهها الرئيسة خلال فترة رئاستها للبلاد
تواجه الرئيسة الجديدة لناميبيا مجموعة معقدة من التحديات التي قد تعرقل عملها خلال فترة رئاستها للبلاد، ولعل أبرز هذه التحديات، ما يلي: ([6])
أولًا: التحديات الاقتصادية
والتي قد تُعيق قدرتها على تحقيق وعودها الانتخابية. فعلى الرغم من أن البلاد تُصنَّف كدولة ذات دخل متوسط، وتمتلك موارد طبيعية هائلة مثل اليورانيوم والماس؛ إلا أن توزيع الثروة لا يزال غير عادل إلى حد كبير؛ حيث يتركز معظمها في أيدي أقلية صغيرة، مما يجعل ناميبيا واحدة من أكثر الدول تفاوتًا اقتصاديًّا في العالم بعد جنوب إفريقيا. ويعيش أكثر من 64% من السكان بأقل من 5.50 دولارات يوميًّا، ويعاني الملايين من مستويات معيشية متدنية، خاصةً في المناطق الريفية والمناطق ذات الأغلبية السوداء. وبالإضافة إلى الفقر المدقع، تواجه الحكومة الجديدة تحديًا كبيرًا في التعامل مع معدلات البطالة المرتفعة؛ حيث تصل البطالة بين الشباب إلى 43%، وهي من أعلى المعدلات في القارة الإفريقية. تعهدت ناندي-ندايتوا بخلق 500 ألف وظيفة خلال السنوات الخمس القادمة، لكن يبقى السؤال الأهم حول كيفية تأمين التمويل اللازم لهذه الخطة الطموحة، خصوصًا في ظل اقتصاد يواجه ضغوطًا كبيرة وتراجعًا في ثقة المستثمرين.
ثانيًا: الفساد
هو أحد التحديات الكبرى التي ستواجهها الرئيسة؛ حيث ارتبطت الحكومات المتعاقبة لحزب “سوابو” بعدد من الفضائح المالية التي أثرت على سمعة الحزب، وأضعفت ثقة الناخبين في القيادة السياسية. وتُعدّ فضيحة “Fish Rot”، التي تورط فيها مسؤولون كبار بتلقي رشاوي من شركات أجنبية مقابل منحهم حقوق صيد مربحة، أبرز مثال على الفساد المستشري في البلاد. ورغم عدم تورط ناندي-ندايتوا شخصيًّا في هذه الفضيحة، إلا أن حزبها لا يزال يواجه اتهامات بالتستر على بعض المتورطين، مما يضعها في موقف حرج أمام المعارضة والجمهور. الشعب الناميبي بات أكثر وعيًا بقضايا الفساد، وهناك مطالبات متزايدة بمحاسبة المسؤولين الفاسدين وإصلاح نظام الحوكمة لضمان شفافية إدارة الموارد الوطنية. لذا، سيكون على الرئيسة أن تتخذ خطوات حازمة لتعزيز الشفافية وإعادة بناء الثقة، وهو أمر لن يكون سهلًا في ظل نظام سياسي مترسخ تحكمه المصالح المتشابكة.
ثالثًا: أزمة الإسكان وملكية الأراضي
وتعد هذه الأزمة من بين التحديات المُلِحَّة أيضًا؛ حيث يعاني مئات الآلاف من المواطنين من انعدام السكن اللائق، مع تزايد انتشار الأحياء العشوائية في المدن الكبرى مثل ويندهوك. وتشير التقديرات إلى أن ناميبيا بحاجة إلى أكثر من نصف مليون وحدة سكنية لسد العجز، لكن ارتفاع أسعار العقارات وصعوبة الحصول على قروض عقارية تجعل من امتلاك منزل حلمًا بعيد المنال بالنسبة للكثيرين. لم تفلح برامج إعادة توزيع الأراضي السابقة في معالجة الأزمة؛ حيث يرفض مُلاك الأراضي بيعها للحكومة أو يطالبون بأسعار مرتفعة تفوق إمكانيات الدولة. الأحزاب المعارضة، مثل “حركة إعادة التموضع الإيجابي”، تبنت مواقف أكثر حدة، داعية إلى استعادة مساحات شاسعة من الأراضي من مُلّاكها البيض وإعادة توزيعها على الفقراء. في المقابل، تحتاج الحكومة الجديدة إلى اتباع نهج أكثر توازنًا لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية دون التسبُّب في اضطرابات سياسية أو اقتصادية، خاصةً أن قطاع الزراعة يعتمد بشكل أساسي على تلك الأراضي المتنازع عليها.
رابعًا: التغير المناخي
ويمثل تحديًا متزايدًا لناميبيا؛ حيث تعاني البلاد من موجات جفاف شديدة تُعدّ هي الأسوأ منذ قرن، وفقًا لتقارير برنامج الأغذية العالمي. الجفاف المستمر يُهدِّد الأمن الغذائي؛ حيث يعتمد جزء كبير من السكان على الزراعة والثروة الحيوانية التي تتأثر بشدة بالتغيرات المناخية. تشير التقديرات إلى أن نحو 48% من السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يعاني 17% من الأطفال من التقزم بسبب سوء التغذية. الحكومة الجديدة مطالبة بوضع إستراتيجيات طويلة الأمد لمواجهة آثار التغير المناخي، مثل تحسين أنظمة الري، وتطوير البنية التحتية الزراعية، وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج الغذائي. كما أن الحاجة مُلِحَّة لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، خاصة مع ارتفاع أسعار الكهرباء الذي زاد الأعباء المالية على الأسر والشركات، مما أدى إلى مزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة.([7])
خامسًا: التحديات الديمقراطية
والتي لا تقلّ أهميةً عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث يواجه النظام السياسي في ناميبيا ضغوطًا متزايدة لضمان نزاهة الانتخابات وتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية. الانتخابات الأخيرة شابها العديد من المشكلات اللوجستية، مثل نقص أوراق الاقتراع، وتعطل الأجهزة الإلكترونية في مراكز التصويت، ما أثار غضب المعارضة التي وصفت العملية الانتخابية بأنها غير شفافة.
حزب “الوطنيين المستقلين من أجل التغيير” قدم طعنًا رسميًّا في النتائج، واتهم لجنة الانتخابات بالانحياز لصالح الحزب الحاكم، وهو ما يعكس انقسامًا سياسيًّا قد يؤثر على استقرار البلاد. سيكون على الرئيسة الجديدة العمل على إصلاح النظام الانتخابي، وتعزيز استقلالية المؤسسات الديمقراطية لمنع حدوث أزمات مستقبلية. كما أن تصاعد المعارضة وازدياد قوتها في البرلمان يشير إلى أن المشهد السياسي الناميبي أصبح أكثر تنافسية، مما يفرض على ناندي-ندايتوا انتهاج أسلوب أكثر توافقية في الحكم إذا أرادت تجنُّب الاحتقان السياسي وضمان الاستقرار خلال فترة ولايتها.([8])
سادسًا: التمييز الاجتماعي وانتشار العنف
يُشكّل العنف والتمييز الاجتماعي تحديين رئيسيين في ناميبيا؛ حيث تطالب أحزاب المعارضة بتشديد القوانين والإجراءات لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب حملات توعية لتعزيز قيم الاحترام والكرامة الإنسانية. كما تتهم المعارضة الحكومة بعدم تحقيق العدالة في توزيع الاستثمارات، مما أدَّى إلى تزايد الإحباط بين الأقليات العرقية مثل الهريرو والناما والدامارا والسان، الذين يعانون من التهميش الاقتصادي والسياسي. ويرى المعارضون أن نفوذ “أوفامبو”، القاعدة الانتخابية الرئيسية لحزب “سوابو”، يُعزّز شعور الإقصاء، مما يَدفع المعارضة إلى تقديم وعود بإعادة توزيع الموارد بشكل أكثر إنصافًا.([9])
وربما تقود هذه التحديات إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في ناميبيا؛ حيث تواجه الرئيسة ناندي-ندايتوا اختبارًا حقيقيًّا لقدرة حزب “سوابو” على البقاء في السلطة وسط تصاعد المعارضة وتغير مزاج الناخبين. إذا فشلت الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فمن المرجح أن يزداد الاستياء الشعبي، مما يمنح أحزاب المعارضة فرصة لتعزيز نفوذها في الانتخابات المقبلة. وقد يؤدي استمرار التفاوت الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفساد إلى تراجع ثقة المواطنين في المؤسسات الديمقراطية، مما قد يخلق بيئة سياسية غير مستقرة.
من ناحية أخرى؛ إذا تمكَّنت الرئيسة من تنفيذ إصلاحات فعَّالة في مجالات مكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التنمية الاقتصادية؛ فقد تستعيد الحكومة بعضًا من شعبيتها، وتُثبت أن “سوابو” لا يزال قادرًا على قيادة البلاد في مرحلة جديدة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق هذه الإصلاحات في ظل نظام سياسي واقتصادي يعاني من إرث تاريخي ثقيل، ما يجعل نجاح ناندي-ندايتوا مرهونًا بقدرتها على تجاوز العقبات الداخلية وإحداث تغيير حقيقي يلمسه المواطن الناميبي.
المحور الثالث: إستراتيجية “ناندي-ندايتوا” لمستقبل ناميبيا
تتبنَّى “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) إستراتيجية طموحة تهدف إلى تعزيز الأداء الحكومي، وتحقيق نتائج ملموسة؛ لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في ناميبيا. تعتمد رؤيتها على مبدأ الكفاءة الإدارية والشفافية؛ حيث أكدت أنها ستسعى إلى ترسيخ ثقافة “الجدارة” داخل الحكومة من خلال نظام صارم لتقييم الأداء ومحاسبة الوزراء على تحقيق الأهداف المحددة. وتعتزم “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) إلزام الوزراء بتقديم تقارير فصلية عن أدائهم، مما يعكس نهجًا أكثر انضباطًا في متابعة تنفيذ السياسات العامة. كما تسعى إلى تقليص البيروقراطية الحكومية عبر خفض المناصب غير الضرورية، مثل إلغاء بعض مناصب النواب في الوزارات، مما قد يساعد في توجيه الميزانية نحو القطاعات الحيوية، بدلًا من الإنفاق الإداري غير الفعَّال. هذه الخطوات تعكس نهجًا إداريًّا يُركّز على الفعالية والاستجابة المباشرة للمشكلات الملحة، ولكن نجاحها سيعتمد على قدرتها على فرض هذه الإصلاحات داخل حزب “سوابو” الحاكم.([10])
تُركّز “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) في إستراتيجيتها الاقتصادية على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية بنسبة 80% بحلول عام 2028. لتحقيق ذلك، تُخطّط لإنشاء “مزارع ضخمة” تمتد على مساحة 130,000 هكتار، ما يهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي وتحسين الأمن الغذائي. كما وضعت خطة لتطوير البنية التحتية من خلال استثمار 7 مليارات دولار ناميبي في بناء ملاعب رياضية في مختلف أنحاء البلاد، وهو استثمار يهدف إلى تحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة للشباب. علاوة على ذلك، تسعى إلى تنفيذ مشروع للرعاية الصحية الشاملة يستهدف المناطق الريفية، بميزانية تصل إلى 3 مليارات دولار ناميبي سنويًّا؛ لضمان توفير خدمات صحية تضاهي القطاع الخاص. رغم أن هذه المشاريع تحمل وعودًا كبيرة؛ إلا أن التحدي الأكبر يكمن في توفير التمويل اللازم وضمان التنفيذ الفعلي لهذه البرامج دون الوقوع في مشكلات الفساد أو الهدر المالي، وهو ما يضع إدارتها أمام اختبار حقيقي.
ضمن جهودها لتحسين قطاع التعليم والإسكان، تعتزم “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) توفير تعليم جامعي مجاني، وتعزيز البنية التحتية للمؤسسات التعليمية لضمان وصول أكبر عدد من الشباب إلى فرص تعليمية متكافئة. كما تخطط لتشييد 50,000 وحدة سكنية بأسعار لا تتجاوز 300,000 دولار ناميبي لكل وحدة، بهدف معالجة أزمة الإسكان المتفاقمة في البلاد. هذه الخطوة تهدف إلى تمكين المواطنين ذوي الدخل المحدود من امتلاك منازل، وهو أمر ضروري في ظل التفاوت الاقتصادي الحادّ الذي تعاني منه ناميبيا. ورغم أن هذه الإصلاحات تبدو واعدة، إلا أن تنفيذها يتطلب إعادة هيكلة مالية كبيرة وتحديد أولويات واضحة لتجنُّب تكرار فشل مشاريع سابقة في هذا المجال. في ظل هذه الطموحات، يبقى السؤال حول مدى قدرة “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) على تحقيق توازن بين التمويل المتاح والاحتياجات المتزايدة، خاصةً أن ناميبيا تعاني من مشكلات اقتصادية تتعلق بالنمو والاستثمار.([11])
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية؛ فإن استراتيجية “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) لا تقتصر فقط على الإصلاحات الداخلية، بل تمتد إلى تطوير علاقات ناميبيا الدولية وتعزيز الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، فإن موقفها المتحفظ تجاه مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي كان الرئيس الراحل هاجي جينغوب يراهن عليه كـ”تغيير جذري” لاقتصاد البلاد، قد يُثير بعض المخاوف بشأن مستقبل الاستثمارات الإستراتيجية في الطاقة المتجددة. في الوقت نفسه، تحاول “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) التركيز على تعزيز القطاعات التقليدية مثل الزراعة والصناعة، وهو توجُّه قد يساعد في خلق وظائف مستدامة، لكنه قد لا يكون كافيًا لتحفيز نمو اقتصادي سريع. ويبقى نجاحها مرتبطًا بقدرتها على تنفيذ سياسات تحفيزية وجذب المستثمرين الأجانب، فضلًا عن تحقيق توازن بين السياسات الجديدة والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، وهو أمر سيتطلب قرارات جريئة وإدارة حازمة للموارد.
تعتمد نجاح إستراتيجية “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) على قدرتها على تحويل وعودها الطموحة إلى واقع ملموس، لكن تنفيذ هذه السياسات يواجه عقبات كبيرة، أبرزها التمويل، والهيكل الإداري المترهل، والتحديات السياسية داخل حزب “سوابو”. فبينما تُروِّج لرؤية قائمة على الكفاءة والجدارة، فإن ترسيخ هذه الثقافة داخل جهاز حكومي يعاني من الفساد والمحسوبية يتطلب إصلاحات جذرية، قد تواجه مقاومة من النُّخَب السياسية التي استفادت من الوضع القائم.
علاوة على ذلك، فإن مشاريعها الضخمة مثل الاكتفاء الذاتي الغذائي، والتوسع في الإسكان، والتعليم المجاني، كلها تتطلب استثمارات ضخمة، في وقتٍ تعاني فيه ناميبيا من تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع ثقة المستثمرين. قد يكون نجاحها مرهونًا بقدرتها على جذب استثمارات جديدة وتفعيل شراكات دولية لدعم خططها دون إثقال كاهل الاقتصاد بالديون. إذا تمكَّنت من تحقيق إنجازات فعلية في وقت قصير، فقد تستعيد ثقة المواطنين في “سوابو”، لكنَّ الفشل في التنفيذ قد يؤدي إلى تسريع تآكل شعبية الحزب ويفتح الباب أمام تحول سياسي أكبر في الانتخابات القادمة.
المحور الرابع: سيناريوهات المشهد عقب تنصيب الرئيسة “نتومبو ناندي-ندايتوا”
وفي هذا السياق، فإن تنصيب الرئيسة في ظل هذه الأوضاع قد يقود إلى عدة سيناريوهات، ولعل أبرزها ما يلي:
السيناريو الأول: نجاح الإصلاحات واستعادة ثقة الناخبين
في هذا السيناريو، تتمكَّن “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) من تنفيذ سياساتها الإصلاحية بشكلٍ فعَّال، مما يؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ناميبيا. من خلال تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، تستطيع استعادة ثقة المواطنين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق نموّ اقتصاديّ مستدام. كما أن تنفيذ مشاريع البنية التحتية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتوفير فرص عمل جديدة قد يُعزّز من شعبيتها، ويدعم استمرار حزب “سوابو” في السلطة مستقبلاً. نجاح هذا السيناريو يتوقف على مدى قدرتها على تجاوز العراقيل البيروقراطية والسياسية، إضافة إلى مدى تعاون الأحزاب المعارضة ودعم المؤسسات الدولية لجهودها الإصلاحية.
السيناريو الثاني: استمرار الأزمات وتراجع شعبية الحكومة
في هذا السيناريو، تواجه “نتومبو ناندي-ندايتوا” صعوبات في تنفيذ وعودها الانتخابية، بسبب ضعف التمويل، وغياب الدعم السياسي الكافي، واستمرار الفساد داخل المؤسسات الحكومية. إذا فشلت خططها في تحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين؛ فإن الاستياء الشعبي سيزداد، وقد تتسع الاحتجاجات ضد الحكومة، خاصةً مِن قِبَل الشباب والطبقات الفقيرة التي كانت تتوقع إصلاحات جذرية. في هذه الحالة، ستتراجع شعبية “سوابو” بشكل أكبر، مما يمنح المعارضة فرصة أقوى لتحدي الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان “سوابو” هيمنته على السلطة، إما عبر انتخابات تشريعية جديدة أو اضطرابات سياسية قد تفرض تغييرًا في القيادة.
السيناريو الثالث: تصاعد التوترات السياسية واللجوء إلى تحالفات
في هذا السيناريو، تواجه الحكومة الجديدة تحديات سياسية كبيرة، خاصةً مع تصاعد الاحتجاجات القانونية مِن قِبَل المعارضة، واتهامات بالتزوير أو سوء إدارة الانتخابات. إذا استمرت المعارضة في الضغط على الحكومة؛ فقد تجد “نتومبو ناندي-ندايتوا” (Netumbo Nandi-Ndaitwah) نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات سياسية، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو التحالف مع بعض الأحزاب المعارضة لضمان الاستقرار. مثل هذه الخطوة قد تُعزّز من التعددية السياسية، لكنها قد تُضْعِف سيطرة “سوابو” على الحكم، مما يؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة المشهد السياسي الناميبي؛ حيث يتحول من نظام أحادي الهيمنة إلى نظام أكثر انفتاحًا وتنافسية. هذا السيناريو يعتمد على مدى قدرة المعارضة على استغلال نقاط ضعف الحكومة، ومدى استعداد “سوابو” لتقديم تنازلات للحفاظ على الاستقرار السياسي.
وختامًا، يمكن القول: إنه مع تنصيب “نتومبو ناندي-ندايتوا” أول رئيسة لناميبيا، تدخل البلاد مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، وسط تحديات معقَّدة تتطلب استجابات سريعة وحلولًا فعَّالة. ورغم أن فوزها يعكس استمرار نفوذ حزب “سوابو”، إلا أن التراجع الملحوظ في شعبيته يضعها أمام اختبار صعب لإثبات قدرتها على تحقيق التغيير المطلوب.
ونجاح إدارتها يعتمد على مدى قدرتها على تنفيذ وعودها الانتخابية في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، وتزايد الضغوط الشعبية لمكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وإذا تمكّنت من فرض سياسات إصلاحية حقيقية، فقد تُعيد الاستقرار وتُعزز ثقة المواطنين في حكومتها. لكنّ أيّ تعثر في تحقيق ذلك قد يسرّع من تآكل نفوذ “سوابو”، ويفتح الباب أمام إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد.
وبينما يترقب الناميبيون أداء الرئيسة الجديدة؛ يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن “نتومبو ناندي-ندايتوا” من إحداث تغيير جذري، أم أن فترتها ستظل امتدادًا لنهج الحزب الحاكم دون إصلاحات جوهرية؟
……………………………………….
[1]– سماء جمال، هشاشة ديمقراطية: قراءة في نتائج انتخابات ناميبيا 2024م، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط التالي: https://rcssegypt.com/19564
[2]– هشاشة ديمقراطية: قراءة في نتائج انتخابات ناميبيا 2024م، مرجع سابق.
[3]– انتخاب أول رئيسة في تاريخ ناميبيا، Xinhua News Agency. https://arabic.news.cn/20241204/e6eeebf777f043279c0e4cbbe3b9f9a6/c.html
[4]– الحزب الحاكم يحسم نتيجة الانتخابات في نامبيا، بوابة الشروق. https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=04122024&id=bd0c632a-a2dd-4434-95fe-a31f38594fa8
[5] Namibia elects first female president in disputed poll, BBC. https://www.bbc.com/news/articles/c5yx0r14jrmo
[6]– انتخابات ناميبيا 2024: من المرشحون؟ وماذا على المحك؟، الجزيرة الإخبارية. https://shorturl.at/S6jQ7
[7]– هشاشة ديمقراطية: قراءة في نتائج انتخابات ناميبيا 2024م، مرجع سابق.
[8] Martin Duffy, Reflections on Namibia’s 2024 Elections, https://www.e-ir.info/2024/12/24/reflections-on-namibias-2024-elections/
[9]– هشاشة ديمقراطية: قراءة في نتائج انتخابات ناميبيا 2024، مرجع سابق.
[10] Peter Fabricius, Namibia’s first woman president takes the helm, Iss Africa. https://issafrica.org/iss-today/namibia-s-first-woman-president-takes-the-helm
[11] Namibia’s first woman president takes the helm, Ibid.