أزمة سياسية باتت معالمها تتشكّل في دولة ساوتومي وبرينسيبي، وذلك على خلفية قيام رئيس الجمهورية كارلوس فيلا نوفا بإصدار مرسوم رئاسي يوم الاثنين الموافق 6 يناير 2025م يقضي بإقالة حكومة باتريس تروفوادا، مقدِّمًا مجموعة من الأسباب التي جعلته يتَّخذ ذلك القرار، داعيًا حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI) -باعتباره الحزب السياسي الحائز على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عُقدت في سبتمبر 2022م- إلى اختيار شخص آخر خلال 72 ساعة لتولّي منصب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة، مؤكدًا أن قراره هذا يدخل حيّز التنفيذ على الفور.
من جانبه، أعلن باتريس تروفوادا رئيس الوزراء المُقال عن رفضه لقرار الإقالة، داعيًا المحكمة الدستورية لإصدار حكم عاجل بإلغاء القرار؛ لأنه ينتهك الدستور.
ومن خلال هذا المقال، سوف نُسلّط الضوء على أسباب وتداعيات إقالة رئيس الوزراء باتريس تروفوادا، والسيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً: أسباب إقالة رئيس وزراء ساوتومي وبرينسيبي وحكومته:
توجد مجموعة من الأسباب التي دعت رئيس جمهورية ساوتومي وبرينسيبي “كارلوس فيلا نوفا” إلى إقالة رئيس الوزراء باتريس تروفوادا وحكومته، منها ما تم الإعلان عنه في مرسوم الإقالة، ومنها ما تكشف عنه التفاعلات السياسية التي دارت داخل النظام خلال الفترة الماضية، ويمكن عرض هذه الأسباب فيما يلي:
أ-الأسباب المُعلَن عنها والواردة في مرسوم إقالة الحكومة:
1-اتهام الحكومة بالعجز عن تقديم حلول للتحديات الاقتصادية والمالية:
حيث أشار رئيس الجمهورية إلى عجز الحكومة عن تقديم حلول للتحديات الاقتصادية والمالية في البلاد، وهو ما أسفر عنه تداعيات اجتماعية سلبية، مع اعتبار سياسات الحكومة غير مجدية، وتتسم بالعجز الملحوظ؛ بسبب عدم توفيرها لحلول مناسبة وميسورة التكلفة تتوافق مع التحديات والإمكانيات الحالية التي تمر بها البلاد.([1])
وفي خطابه إلى الأمة في نهاية عام 2024م، دعا رئيس الجمهورية إلى اختيار حكومة أكثر مشاركة ومسؤولية وأكثر حضورًا وأقل عزلةً. مشيرًا إلى أن تحدّيات السنوات السابقة لا تزال دون حلّ، وأن الشعب يواجه صعوبات أكبر ويتوق إلى أيام أفضل؛ حيث أشار إلى عدم تحسُّن الوضع الاقتصادي في البلاد مع استمرار المشكلات الاجتماعية في التفاقم، وعلى رأسها ارتفاع معدلات الاغتصاب والاعتداء الجنسي ضد القاصرين، بجانب ارتفاع معدلات الهجرة غير المنظمة، وما يترتب عليها من عواقب، وكذلك استمرار ارتفاع معدلات البطالة، وغياب عدالة توزيع الموارد بشكلٍ عادلٍ، مع تهميش الطبقات الأكثر حرمانًا.([2])
2-انتقاد غياب رئيس الوزراء باتريس تروفوادا لفترات طويلة ومتكررة عن الأراضي الوطنية:
حيث تعوَّد رئيس الوزراء على الإقامة لفترات طويلة خارج البلاد، وذلك دون أن يؤدي هذا الغياب إلى مكاسب واضحة للدولة، مع استخدام نفقات غير مبرّرة من الخزانة العامة للدولة لتمويل هذا الغياب في خارج البلاد، فمنذ عودة تروفوادا لرئاسة الوزراء في 2022م؛ فقد اعتاد السفر خارج البلاد لمُدَد قد تقترب من الشهر. وخلال خطاب رئيس الجمهورية إلى الأمة شدَّد على أن المشكلات الهائلة التي تواجه البلاد لا تتوافق مع سياسات الحكومة التي تتعامل معها عن بُعْد، في إشارة إلى وجود رئيس الوزراء خارج البلاد، ممَّا يؤدي إلى غياب رؤية إستراتيجية شاملة ومُحدَّدة جيدًا للتعامل مع مشكلات البلاد، قائلاً: “مهما كان البحّارة بارعين، فلا يوجد مُبرّر يعطي رُبّان السفينة حقّ التغيُّب عن القارب مدة تزيد عن نصف الرحلة”.([3])
كما لاحَظ بعض المراقبين السياسيين وجود حالة من عدم الارتياح بين الزعيمين؛ بسبب قيام رئيس الوزراء بالسعي بصورة مستمرة إلى تمثيل البلاد في الأحداث الدولية الخارجية المخصَّصة لرؤساء الدول بشكل أساسي؛ في مَساعٍ منه إلى تهميش وزيادة عزلة رئيس الجمهورية.([4])
3-افتقار رئيس الوزراء إلى التعاون الإستراتيجي مع رئيس الجمهورية:
حيث إن رئيس الوزراء يمتنع عن التعاون مع رئيس الجمهورية، وهو ما يُعيق العلاقة المؤسسية التي ينبغي أن تكون موجودة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهو ما اعتبره رئيس الجمهورية خيانة مؤسسية واضحة. وخلال خطابه إلى الأمة في نهاية العام، اعترف رئيس الجمهورية بوجود توتر بين رئاسة الجمهورية والحكومة، وذلك على خلفية تصميم الحكومة على قرار زيادة ضرائب المطارات؛ رغم اعتراض رئيس الجمهورية على هذا القرار؛ والذي دعا إلى ضرورة الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار، والسعي إلى إيجاد حلول تفاوضية، مشددًا على أنه من غير المقبول انتهاك دستور وقوانين الجمهورية، وعدم انتظام عمل المؤسسات.([5])
ب-الأسباب التي تكشف عنها التفاعلات السياسية داخل النظام:
1-وجود حالة من الانقسام والخلاف الشخصي بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء:
رغم أن كلًّا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ينتميان إلى حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI)؛ إلا أن تصاعد الخلاف الشخصي بين الرجلين كان دافعًا لقيام رئيس الجمهورية بإقالة رئيس الوزراء، خاصةً في ظل تمرُّد الأخير على قرارات رئيس الجمهورية، والتي كان آخرها ما قام به رئيس الوزراء في ديسمبر المنصرم من طلب رأي المحكمة الدستورية الحكومة الذي يقضي بزيادة رسوم المطارات، والذي رفضه رئيس الجمهورية، وعمل على إلغاء القرار، معتبرًا أن زيادة رسوم المطارات تزيد من معاناة الشعب؛ حيث تم زيادة الرسوم التنظيمية إلى 20 يورو، ورسوم الأمن إلى 28 يورو، بجانب إنشاء رسوم تطوير الطيران بقيمة 62 يورو، ويتم تحصيل هذه الرسوم على رحلات الطيران ذهابًا وإيابًا، وتم تطبيق تلك الرسوم رغم رَفْض رئيس الجمهورية لها؛ حيث اعتبرها مرتفعة للغاية، وستضرّ بالمسافرين وتخلق قيودًا على تنمية السياحة؛ وحثَّ رئيس الجمهورية الحكومة على إعادة تقييم القرار وإيجاد تدابير بديلة، لكن لم يتم تلبية مَطالبه، وعندما استجوبت الصحافة رئيس الجمهورية بشأن إلغاء القرار فقد أعلن عن توقف المفاوضات مع الحكومة، وأنه سيعمل على إلغاء القرار بموجب صلاحياته.([6])
ومن جانبها؛ فقد اعترضت جميع أحزاب المعارضة على قرار الحكومة، وتقدمت بعضها بإجراء احترازي لدى محكمة العدل العليا لإلغاء القرار، كما تقدَّمت مجموعة من الحقوقيين بشكوى إلى النيابة العامة يطالبون فيها بمحاسبة رئيس الوزراء للمخالفات التي ارتكبها بعد قرار زيادة رسوم المطارات.
وفي ذات السياق، فإن رئيس الوزراء باتريس تروفوادا كان قد انتقد رئيس الجمهورية في منتصف أكتوبر 2024م؛ وذلك لاستخدامه حق النقض ضد قوانين إصلاح العدالة؛ حيث كان رئيس الجمهورية كارلوس فيلا نوفا، قد استخدم صلاحياته الدستورية لمنع تمرير خمسة قوانين تتعلق بإصلاح النظام القضائي في البلاد، وتم إعادة حزمة التشريعات إلى البرلمان، زاعمًا وجود العديد من الأخطاء التي يمكن أن تُعرِّض تفسير وتطبيق هذه التشريعات للخطر، فضلاً عن وجود نصوص تشريعية منها تتعارض مع نصوص الدستور، وهو ما جعل رئيس الوزراء ينتقده ويصفه بأنه ليس قاضيًا دستوريًّا، وإذا وُجِدَ نصّ يحتاج للفصل في دستوريته يجب عَرْضه على المحكمة الدستورية لتوضح ذلك.([7])
وفضلاً عما سبق، فإن رئيس الوزراء صرَّح بأنّ لديه مشروعًا لتعديل الدستور، والتوجه نحو النظام الرئاسي، وإلغاء نظام الحكم شبه الرئاسي المعمول به حاليًّا، وذلك قبل إجراء الانتخابات العامة المنتظر عقدها في 2026م، وقد فُسِّرت هذه التصريحات بأن رئيس الوزراء يسعى إلى تعديل الدستور من أجل مطامع شخصية لديه تتمثل في سعيه إلى تولّي منصب رئيس البلاد في ظل نظام حكم رئاسي يضمن له جمع كل الصلاحيات في يده، مع إزاحته لرئيس الجمهورية الحالي المختلف معه من المشهد السياسي مستقبلاً.([8])
وتُعبّر هذه المعارك الدائرة بين الطرفين عن مدى الانقسام الموجود بين كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومحاولة كل طرف استخدام الصلاحيات الدستورية الممنوحة له لتنفيذ قراراته، وغياب التنسيق بينهما في تيسير شؤون البلاد، وهو ما أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية قرارًا بحل الحكومة.
2-تصاعد الانتقادات الموجَّهة إلى رئيس الوزراء من قبل المعارضة:
حيث تصاعدت الانتقادات الموجَّهة إلى رئيس الوزراء باتريس تروفوادا مِن قِبَل أحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدني، وعلى رأسها حزب حركة تحرير ساو تومي وبرينسيبي –الحزب الديمقراطي الاجتماعي (MLSTP-PSD) الذي يتزعم المعارضة؛ حيث صرَّح الحزب قبيل قرار عزل رئيس الوزراء باتريس تروفوادا بأنه لم يَعُد يستوفي الشروط اللازمة لمواصلة قيادة الحكومة، داعيًا إلى ضرورة استقالته من منصبه، كما صرح الزعيم البرلماني لحزب حركة تحرير ساوتومي راؤول كاردوسو خلال مؤتمر صحفي بأنه يجب على رئيس الوزراء أن يُجري تحليلاً عميقًا حول ما إذا كان في وضعٍ يسمح له بالاستمرار في رئاسة الحكومة، كما أن الحزب يرى أن الحل الوحيد لمشكلات البلاد هو استقالة رئيس الوزراء؛ لإنهاء حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، كما أعرب حزب المعارضة عن قلقه البالغ بسبب تدهور أوضاع البلاد داعيًا رئيس الجمهورية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف استمرار الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد، مشددًا على أن اتخاذ الرئيس لتلك الإجراءات هدفها إنقاذ البلاد وإنقاذ الشعب.([9])
3-اتهام المعارضة للحكومة بالفساد وغياب الشفافية:
حيث اتهم حزب حركة باستا المُعارض بزعامة سلفادور دوس راموس الحكومة ورئيسها بالفساد، وعدم احترامها أجهزة الدولة، والتدخل في قرارات المحاكم، وتقييد حرية المواطنين، والسفر المستمر للخارج بلا دَاعٍ، وتفاقم المشكلات المؤثرة على الشعب، والعجز عن الحكم، وغياب الحلول، وانعدام الشفافية في المشاريع الهيكلية للبلاد، داعيًا إلى مراجعة عقود مشاريع الاستثمار.([10])
وفي السياق ذاته، أعلنت حركة باستا في بداية يناير الجاري عن رفضها لمخططات الحكومة لإعادة طرح ورقة المائتي دوبرا للتداول، وهي إحدى الأوراق النقدية للبلاد التي تم إلغاؤها من النظام النقدي في 2019م؛ بسبب عدم دقتها والتناقضات المتعلقة بطباعتها وإصدارها؛ حيث صنّفت حركة باستا تلك المحاولة بأنها محاولة فساد رفيعة المستوى، ومخطط نموذجي لاختلاس وغسل الأموال العامة، وسيكون لها آثار اقتصادية ضارة على البلاد، كما دعا زعيم حركة باستا التي تشغل مقعدين في البرلمان إلى أن هناك حاجة إلى جهد جماعي لمنع الحكومة من الاستمرار في الإضرار بمستقبل البلاد.([11])
وبجانب ذلك، فقد صرَّحت منظمة فريدوم هاوس الدولية بأنّ حكومة تروفودا منذ تولّيها المسؤولية قامت بتنصيب أعوانها وأتباعها وحلفائها في المناصب العامة، وهو ما أسهَم في ارتفاع معدلات الفساد وسوء الإدارة خاصةً في قطاع الخدمات العامة، وهو ما سبَّب حالة من السخط الشعبي، وأدى إلى اندلاع الاحتجاجات.([12])
وفي السياق نفسه، كان حزب حركة تحرير ساو تومي وبرينسيبي –الحزب الديمقراطي الاجتماعي (MLSTP-PSD) المعارض-؛ قد اتهم الحكومة بغياب الشفافية، وذلك على خلفية توقيعها اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا في إطار من السرية في 24 أبريل 2024م، ودخلت حيّز التنفيذ في 5 مايو 2024م، وهذه الاتفاقية تتضمن التدريب واستخدام الأسلحة والمعدات العسكرية مِن قِبَل الجانب الروسي لجنود ساوتومي، وقد انتقدت المعارضة الحكومة لغياب الشفافية المتعلقة بالاتفاقية، وعدم إظهار محتواها، فضلاً عن عدم معرفة رئيس الجمهورية نفسه بمحتوى الاتفاقية حينها، وهو ما اعتُبِرَ تهميشًا لسلطات رئيس الجمهورية مِن قِبَل رئيس الوزراء، كما تم انتقاد الاتفاقية؛ لكونها ستكون سارية لفترة غير محددة من الزمن.
ويُذكَر أن توقيع هذه الاتفاقية أثار حفيظة البرتغال -القوة الاستعمارية السابقة لساوتومي-، والتي أعرب مسؤولوها حينها عن قلقهم بسبب تلك الاتفاقية؛ حيث يوجد تعاون عسكري برتغالي مع البلاد، فضلاً عن وجود تعاون غربي مِن قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والبرازيل، وهو ما جعل المعارضة تُبْدِي قلقها من حدوث تصادم بين القوى الغربية وساوتومي بعد هذا التقارب مع روسيا الذي أشرفت عليه حكومة باتريس تروفوادا.([13])
ثانيًا: تداعيات إقالة رئيس وزراء ساوتومي وبرينسيبي:
لقد أسفرت عملية إقالة رئيس الوزراء وحكومته عن مجموعة من التداعيات مِن قِبَل الحكومة المقالة ذاتها، ومِن قِبَل قوى المعارضة، ويمكن عرض هذه التداعيات فيما يلي:
1-من جانب الحكومة المقالة:
فقد أعلن رئيس الوزراء المقال باتريس تروفوادا عن رفضه لقرار الإقالة، مدعيًا أن رئيس الجمهورية انتهك أحكام الدستور، متهمًا قراره بأنه جاء مدفوعًا بمصالح سياسية خاصة برئيس الجمهورية، واصفًا قراره بالخطير، كما أعلن أن حزبه استأنف أمام المحكمة الدستورية قرار إقالة الحكومة بدعوى انتهاك الدستور، مطالبًا المحكمة بإصدار حكم عاجل يلغي قرار إقالة الحكومة.
كما قام رئيس الوزراء بعقد مؤتمر صحفي بمقر الحكومة، وبحضور جميع الوزراء، وصرَّح خلاله بأن قرار إقالة الحكومة لا يتوافق مع المادة 117 من الدستور التي تنص على أنه “لا يجوز لرئيس الجمهورية إقالة الحكومة إلا عندما يكون هذا الأمر ضروريًّا لضمان السير المنتظم للمؤسسات الديمقراطية بعد استشارة مجلس الدولة”. كما ادعى رئيس الوزراء أن قرار إقالته أُعلن عنه في رسالة مكتوبة صباح الاثنين قبل أن يستمع رئيس الجمهورية لرأي مجلس الدولة، كما أضاف أنه خلال الاجتماع اللاحق لاجتماع مجلس الدولة لم يثبت رئيس الجمهورية أن هناك مشكلة تُؤدّي إلى حدوث خلل في الأداء المنتظم للمؤسسات الديمقراطية. مضيفًا أنه لم يدعم أيّ مستشار قرار إقالة الحكومة رغم أنها مسألة ليست إلزامية.([14])
وفي السياق ذاته حاول رئيس الوزراء الدفاع عن أسباب وجوده خارج البلاد لمُدَد طويلة، مدعيًا أن ذلك كان بهدف إقناع الشركاء الدوليين لدعم البلاد، كما دافَع عن أداء حكومته؛ حيث سلَّط الضوء على المؤشرات الاقتصادية التي اعتبرها ايجابية؛ حيث أشار إلى انخفاض التضخم، واستقرار الطاقة، وثقة الشركاء الدوليين ووعودهم بالتبرعات والاستثمارات في البلاد، بجانب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لدعم البلاد، مصرحًا بأن إنجازات حكومته تتناقض مع التقييم السلبي الذي أدلى به رئيس الجمهورية، واتهاماته للحكومة بعدم قدرتها على مواجهة التحديات والمشكلات. وبجانب ما سبق فقد قلّل رئيس الوزراء من قيمة مرسوم الرئيس الخاص بإقالة الحكومة، مستبعدًا في الوقت الحالي تعيين شخصية جديدة بدلاً منه في منصب رئيس الوزراء، متهمًا رئيس الجمهورية بوجود خطة لديه يُنفّذها، لكن الوطن له قوانين وقواعد، مُعربًا عن عدم قلقه بشأن ما حدث، متهمًا رئيس الجمهورية بأنه قام باختلاق أزمة سياسية لإقالته من أجل تحقيق مصالح ومكاسب شخصية، وهو ما يتناقض مع أحكام الدستور في وجهة نظره.([15])
ومن جانب حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI) الحزب الحاكم، فقد اجتمعت اللجنة السياسية للحزب وقررت تقديم مشورة لقيادة الحزب بعدم ترشيح رئيس جديد للوزراء، مع الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة؛ حيث أعلن عضو لجنة السياسات بالحزب إدميلسون داس نيفيس خلال مؤتمر صحفي عن رفض الحزب ترشيح شخصية أخرى لتشكيل الحكومة الجديدة، متهمًا رئيس الجمهورية بأنه يعتزم تشكيل ائتلاف خارج الإطار الدستوري للاعتداء على السلطة الحالية؛ وذلك نظرًا لأن حزب العمل الديمقراطي هو حزب الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيحق له دستوريًّا اختيار رئيس الحكومة.([16])
كما أعلن ائتلاف حركة المواطنين المستقلين والحزب الاشتراكي/حزب الوحدة الوطنية (MCI-PS/PUN)، الذي لديه خمسة نواب في البرلمان، وهو متحالف مع حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI) في البرلمان أنه يرفض قرار رئيس الجمهورية بإقالة الحكومة، ودعا المتحدث باسم الائتلاف “أدالبرتو كاتامبي” إلى إرجاع الكلمة النهائية إلى الشعب؛ من خلال الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، معتبرًا أن هذا هو السبيل المشروع الوحيد للخروج من الأزمة السياسية التي تسيطر على البلاد.([17])
2- من جانب أحزاب المعارضة:
أشاد حزب المعارضة الرئيسي حركة تحرير ساو تومي وبرينسيبي –الحزب الديمقراطي الاجتماعي (MLSTP-PSD)- بقرار رئيس الجمهورية الذي قضى بإقالة الحكومة، مؤكدًا أنه كان من الضروري وضع حدّ للصراع المؤسسي بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، داعيًا حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI) إلى ترشيح شخصية توافقية لتولّي منصب رئيس الوزراء، والعمل على تحسين أوضاع البلاد، كما استبعد حزب المعارضة الرئيسي إمكانية قيامه بتشكيل حكومة جديدة؛ لأنه لا يملك الأغلبية البرلمانية اللازمة لذلك؛ حيث إن عدد أعضائه في البرلمان 18 عضوًا فقط، بجانب تحالفه مع حزب حركة باستا الذي لديه عضوان فقط في البرلمان؛ أي أن مجموع تحالف حزبي المعارضة يبلغ 20 عضوًا فقط في مقابل 30 عضوًا لحزب العمل الديمقراطي و5 أعضاء لحليفه (MCI-PS/PUN)، وبالتالي ففي حالة تكليف رئيس الجمهورية لأحزاب المعارضة بتشكيل حكومة فلن يستطيعوا الحصول على أغلبية برلمانية إلا في حالة حدوث انقسام داخل الحزب الحاكم من خلال استقطاب فصيل من نواب الحزب ليدعموا قرارات رئيس الجمهورية؛ لأنه ينتمي إلى نفس الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء المقال.([18])
أما من جانب حزب حركة باستا المعارض؛ فقد اعتبر أن قرار إقالة الحكومة كان إجراءً ضروريًّا طال انتظاره، متطلعًا إلى اختيار رئيس وزراء جديد يرقى إلى مستوى التحديات التي تُواجهها البلاد، ويكون قادرًا على إعادة تأسيس سلطة شعبية تضمن الثقة في المؤسسات. معتبرًا أن قرار إقالة الحكومة بمثابة استجابة واضحة للنداءات العديدة التي وجَّهتها حركة باستا والمجتمع المدني إلى الرئيس من أجل اتخاذ تدابير حازمة من أجل المصلحة العليا للبلاد، والحدّ من تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، كما أكَّدت الحركة على أن إقالة رئيس الوزراء تفتح نافذة لتصحيح مسار البلاد، وتطلَّعت إلى قيام الحزب الحاكم بتعيين رئيس وزراء جديد يكون على مستوى تحديات البلاد.([19])
وفي السياق نفسه؛ طالَب حزب حركة باستا بضرورة قيام الحكومة الجديدة بتحقيق العدالة في ضحايا مجزرة 25 نوفمبر 2022م الذين تم قتلهم على يد جنود عسكريين بدعوى اتهامهم بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري على الحكومة، دون تقديم أدلة قوية على ذلك، مع اتهام رئيس الوزراء المقال باتريس تروفوادا مِن قِبَل المعارضة بأنه نظَّم هذه العملية بهدف التخلص من خصومه السياسيين، كما قام بحماية الجنود المسؤولين عن المجزرة حتى الآن. وطالبت حركة باستا أيضًا بضرورة مراجعة عقود المشاريع الاستثمارية التي وقَّعتها الحكومة المعزولة، داعية إلى ضرورة عقد حوار بين أحزاب المعارضة والحكومة الجديدة.([20])
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية لأزمة إقالة رئيس الوزراء:
يوجد اثنان من السيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة السياسية التي تشهدها دولة ساوتومي وبرينسيبي يمكن عرضهما فيما يلي:
السيناريو الأول:
قبول حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI) قرار رئيس الجمهورية، والتراجع عن حالة الصدام التي يتبنَّاها مع رئيس الجمهورية، وخاصةً بعد دعم أحزاب المعارضة والكثير من منظمات المجتمع المدني للرئيس، واصفين قرار الرئيس بأنه خطوة تصحيحية، تُعيد البلاد للمسار الصحيح؛ حيث تراجعت شعبية رئيس الوزراء المقال باتريس تروفوادا، والذي يتولى في ذات الوقت زعامة حزب العمل الديمقراطي المستقل (ADI)؛ بسبب السياسات التي تبنتها حكومته خلال العامين الماضيين، والتي أسفرت عن ارتفاع وتيرة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وبالتالي ففي حالة رفض رئيس الوزراء المقال وحزبه ترشيح شخصية جديدة لرئاسة الحكومة واللجوء بدلاً من ذلك لخيار إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، يمكن أن يأتي ذلك بنتائج عكسية على الحزب؛ حيث من المحتمل خسارته في تلك الانتخابات بعد تراجع شعبيته، وبالتالي من المتوقع تنازل الحزب وزعيمه وترشيح رئيس وزراء جديد خلال الساعات المقبلة، مع الاستعداد للانتخابات العامة المقبلة في 2026م؛ حيث يمكن أن يسعى باتريس تروفوادا وحزبه إلى تمرير مشروع التعديلات الدستورية وتحويل نظام الحكم إلى رئاسي، بجانب استعداد تروفوادا للترشح للرئاسة، ورغم أن هذا السيناريو هو الأقرب للواقع؛ إلا أنه نظرًا لضلوع تروفوادا في العديد من المؤامرات السياسية التي عاشتها البلاد، وقدرته على العودة للسلطة أكثر من مرة؛ حيث إنه تولى منصب رئاسة الحكومة ثلاث مرات من ذي قبل ولم يكمل ولايته إلا مرة واحدة فقط، كما أنه يتمتع بنفوذ سياسي قويّ لكونه ابن الرئيس الأسبق لساوتومي ميغيل تروفوادا، فيجب التنبه له مِن قِبَل رئيس الجمهورية، والعمل على إخراجه وعزله من المشهد السياسي عن طريق محاكمته على الجرائم التي تتهمه بها المعارضة، وعلى رأسها مذبحة 25 نوفمبر 2022م؛ نظرًا لما لبقائه من تداعيات سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
السيناريو الثاني:
استمرار رفض رئيس الوزراء المقال لقرار رئيس الجمهورية، مع رفض ترشيح رئيس جديد للحكومة وإعادة ترشيح اسم باتريس تروفوادا مرة أخرى، ومِن ثَم يحق لرئيس الجمهورية دستوريًّا أن يدعو ثاني أكبر حزب في البرلمان لتشكيل الحكومة، وإذا فشل هذا الحزب في الحصول على أغلبية برلمانية، فيحق لرئيس الجمهورية أن يدعو إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في غضون ثلاثة شهور.
ورغم أن بعض أحزاب المعارضة تؤيد خيار الانتخابات التشريعية المبكرة، إلا أنه لن يَصُبّ في صالح الحزب الحاكم؛ لأنه قد يتعرَّض للخسارة بعد تراجع شعبيته، كما أن تعويل رئيس الوزراء على الطعن أمام المحكمة الدستورية من المستبعَد أن يلبّي تطلعاته؛ وذلك لقيام رئيس الجمهورية باتباع الشروط اللازمة لاتخاذ قرار إقالة الحكومة.
وأخيرًا فإنه في حالة اللجوء إلى خيار إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وفوز الحزب الحاكم مجددًا في تلك الانتخابات، وإعادة ترشيح باتريس تروفوادا كرئيس للوزراء، يمكن أن يؤدي ذلك السيناريو إلى تجدُّد الأزمة المؤسسية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وبالتالي لن يتم إصلاحها إلا بموجب إصلاح دستوري يحدد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بصورة واضحة تمنع تضارب المصالح بين الطرفين، وتمنع حالة الانقسام المؤسسي، وتُعزّز من تماسك واستقرار البلاد.
ـــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
)[1](– ” Presidente de São Tomé e Príncipe demite Governo liderado por Patrice Trovoada ” , at , https://www.publico.pt/2025/01/07/mundo/noticia/presidente-sao-tome-principe-demite-governo-liderado-patrice-trovoada-2117904 , 7/1/2025 .
)[2](– ” São Tomé e Príncipe – PR pede governação mais responsável e presente face a mais um ano difícil ” , at , https://rtpafrica.rtp.pt/noticias/sao-tome-e-principe-pr-pede-governacao-mais-responsavel-e-presente-face-a-mais-um-ano-dificil/ , 31/12/2024 .
)[3](– ” São Tomé e Príncipe – Presidente da República demite Governo liderado por Patrice Trovoada ” ,at , https://rtpafrica.rtp.pt/noticias/sao-tome-e-principe-presidente-da-republica-demite-governo-liderado-por-patrice-trovoada/ , 6/1/2025.
)[4](– Óscar Medeiros ; ” Patrice Trovoada e seu Governo demitidos pelo Presidente são-tomense ” , at , https://www.voaportugues.com/a/patrice-trovoada-e-seu-governo-demitidos-pelo-presidente-s%C3%A3o-tomense/7926414.html , 6/1/2025 .
)[5](-” Presidente são-tomense demite governo liderado por Patrice Trovoada ” , at , https://observador.pt/2025/01/06/presidente-sao-tomense-demite-governo-liderado-por-patrice-trovoada/ , 6/1/2025 .
)[6](– Óscar Medeiros ; ” Patrice Trovoada e seu Governo demitidos pelo Presidente são-tomense ” , at , https://www.voaportugues.com/a/patrice-trovoada-e-seu-governo-demitidos-pelo-presidente-s%C3%A3o-tomense/7926414.html , 6/1/2025 .
)[7](– ” Trovoada critica PR são-tomense: “É um veto politico ” , at , https://www.dw.com/pt-002/trovoada-critica-pr-s%C3%A3o-tomense-%C3%A9-um-veto-pol%C3%ADtico/a-70480740 , 13/10/2024 .
)[8](– João Carlos ; ” “Intenção de Patrice Trovoada é ser Presidente” diz analista ” , at , https://www.dw.com/pt-002/s%C3%A3o-tom%C3%A9-e-pr%C3%ADncipe-inten%C3%A7%C3%A3o-de-trovoada-%C3%A9-ser-presidente-da-rep%C3%BAblica-diz-analista/a-70351087 , 30/9/2024 .
)[9](– ” STP: Oposição são-tomense pede a PM que se demita ” , at , https://www.dw.com/pt-002/stp-oposi%C3%A7%C3%A3o-s%C3%A3o-tomense-pede-a-pm-que-se-demita/a-71231279 , 6/1/2025 .
)[10](– ” STP: Demissão do Governo é “medida necessária” – oposição ” , at , https://www.dw.com/pt-002/stp-demiss%C3%A3o-do-governo-%C3%A9-medida-necess%C3%A1ria-oposi%C3%A7%C3%A3o/a-71238927 , 7/1/2025 .
)[11](-” São Tomé e Príncipe – Movimento Basta denuncia tentativa de corrupção “,at , https://rtpafrica.rtp.pt/noticias/sao-tome-e-principe-movimento-basta-denuncia-tentativa-de-corrupcao/ , 3/1/2025 .
)[12](– ” São Tomé and Príncipe government dismissed by president ” , at , https://www.euronews.com/2025/01/07/sao-tome-and-principe-government-dismissed-by-president , 7/1/2025 .
)[13](– Braima Darame ; ” STP: Oposição quer esclarecimentos sobre acordo com a Rússia” , at , https://www.dw.com/pt-002/oposi%C3%A7%C3%A3o-s%C3%A3o-tomense-quer-esclarecimentos-sobre-acordo-com-a-r%C3%BAssia/a-69092603 , 16/5/2024 .
)[14](–” À Sao Tomé-et-Principe, le Premier ministre conteste son limogeage ” , at , https://www.voaafrique.com/a/%C3%A0-sao-tom%C3%A9-et-principe-le-premier-ministre-conteste-son-limogeage/7927699.html , 7/1/2025.
)[15](– ” Primeiro-ministro são-tomense denuncia suposta ilegalidade da dissolução do governo ” , at , https://www.rfi.fr/pt/%C3%A1frica-lus%C3%B3fona/20250107-primeiro-ministro-s%C3%A3o-tomense-denuncia-suposta-ilegalidade-da-dissolu%C3%A7%C3%A3o-do-governo , 7/1/2025 .
)[16](– Óscar Medeiros ; ” ADI recusa indicar novo primeiro-ministro e pede eleições antecipadas em São Tomé e Príncipe ” , at , https://www.voaportugues.com/a/adi-recusa-indicar-novo-primeiro-ministro-e-pede-elei%C3%A7%C3%B5es-antecipadas-em-s%C3%A3o-tom%C3%A9-e-pr%C3%ADncipe/7929486.html , 8/1/2025 .
)[17](-” São Tomé e Príncipe – Coligação MCI/PS-PUN defende a realização de eleições legislativas antecipadas ” , at , https://rtpafrica.rtp.pt/noticias/sao-tome-e-principe-coligacao-mci-ps-pun-defende-a-realizacao-de-eleicoes-legislativas-antecipadas/ , 7/1/2025.
)[18](-” MLSTP saúda a decisão do Presidente da República de demitir o governo ” , at , https://www.telanon.info/politica/2025/01/08/46954/mlstp-sauda-a-decisao-do-presidente-da-republica-de-demitir-o-governo/ , 8/1/2025 .
)[19](– ” São Tomé e Príncipe – Oposição diz que demissão do Governo é “medida necessária e há muito esperada ” , at , https://rtpafrica.rtp.pt/noticias/sao-tome-e-principe-oposicao-diz-que-demissao-do-governo-e-medida-necessaria-e-ha-muito-esperada/ , 7/1/2025 .
)[20](– ” Sao Tome: Government dismissal necessary, long overdue – opposition ” , at , https://www.macaubusiness.com/sao-tome-government-dismissal-necessary-long-overdue-opposition/ , 8/1/2025 .