تمهيد:
يبدو أن تكالب التكتلات العالمية الجديدة التي نشأت مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على القارة الإفريقية، يمكن ترجمته في وجهتي نظر رئيستين؛ إحداهما ترى فيه عودة الصراع على مناطق النفوذ بين معسكرين رئيسيين متمثلين في البريكس من ناحية، ومجموعة العشرين ومن داخلها مجموعة السبع من ناحية أخرى، وكلاهما يريد إعادة استعمار القارة أو اصطفافها بجانبه. والرأي الآخر يرى أنه من الممكن أن تستغل القارة هذا التكالب -مع قراءتها للتاريخ جيدًا- في تحقيق أقصى مكاسب ممكنة.
وبالتركيز على قمم مجموعة العشرين ومحل القارة الإفريقية فيها؛ نجد أنها تحوَّلت منذ عام 2010م من مرحلة التهميش في اجتماعات مجموعة العشرين، إلى التمثيل الناقص عام 2017م، إلى بداية التموضع بصوتين منذ عام 2023م، وستترأس قمة مجموعة العشرين عام 2025م.
ولكنّ لديها الكثير من الأزمات، وتواجهها العديد من التحديات، ومع ذلك أمامها الكثير من الفرص للاستفادة منها. تلك الفرص التي سوف تتحقق فقط من خلال مراجعتها للتاريخين القريب والبعيد. ومن هذا المنطلق سوف أتناول موضوع إفريقيا وقمم مجموعة العشرين من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: إفريقيا في قمم العشرين من التهميش إلى التمثيل الناقص.
- المحور الثاني: القمة الثامنة عشرة وبداية تموضع إفريقيا في مجموعة العشرين.
- المحور الثالث: الرئاسة المرتقبة لجنوب إفريقيا لمجموعة العشرين 2025م.
- خاتمة.
المحور الأول
إفريقيا في قمم العشرين من التهميش إلى التمثيل الناقص
أولاً: إفريقيا المهمشة في قمم العشرين (2010-2016م)
كانت إفريقيا أحد محاور جهود مجموعة العشرين منذ انتقال مجموعة الثماني إلى مجموعة العشرين في عام 2009م، والتي ركّز الإجماع فيها على تحقيق الأهداف السياسية المشتركة، وتقييم الآثار الجماعية لأُطُر السياسات الوطنية، والاتفاق على الإجراءات اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة([1]).
وقد تم إضفاء الطابع الرسمي على تركيز مجموعة العشرين على التنمية؛ من خلال إنشاء مجموعة العمل التنموية في قمة تورنتو في يونيو 2010م([2]). تلك القمة التي شهدت المرة الأولى التي يحضر فيها الاتحاد الإفريقي القمة، مما أدى إلى اعتماد إجماع سيول 2010م للتنمية من أجل النمو المشترك، والذي يتألف من خطة عمل تُضاف إلى التزامات مجموعة العشرين التي تركّز على التنمية واستكمالها.
وقد حدَّد إجماع “سيول” تسعة مجالات لتنسيق السياسات والعمل، وهي: البنية الأساسية، والاستثمار الخاص وخلق فرص العمل، وتنمية الموارد البشرية، والتجارة، والشمول المالي، والنمو المرن، والأمن الغذائي، وتعبئة الموارد المحلية، وتبادل المعرفة.([3])
ومن الجدير بالذكر أن زعماء مجموعة العشرين اتفقوا في قمة سيول على إدراج بلدين إفريقيين بين الدول الخمس غير الأعضاء المدعوة إلى قممه([4]).
وأكَّدت قمة عام 2011م على خطة العمل بشأن تقلُّب الأسعار والزراعة ودعمها لمبادرة الأمن الغذائي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ومبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا لدمج إدارة المخاطر في السياسات الزراعية، وتكليف لجنة رفيعة المستوى لتسهيل زيادة الاستثمار في مشاريع تطوير البنية الأساسية في إفريقيا.([5])
ولم يتضمَّن إعلان قمة لوس كابوس لعام 2012م التزامات جديدة تُركّز على إفريقيا، لكنَّه أشار إلى خطة العمل لعام 2011م بشأن تقلب الأسعار والزراعة، مع الأخذ في الاعتبار أزمة انعدام الأمن الغذائي في منطقة الساحل والقرن الإفريقي.
وفي قمة سانت بطرسبرغ لعام 2013م، تواصل إعطاء الأولوية للأمن الغذائي، وتم التركيز على قضايا موضوعية مثل الأمن الغذائي؛ والبنية الأساسية؛ والشمول المالي، وتنمية الموارد البشرية؛ والنمو الأخضر الشامل؛ كما شهدت استكمال تقييم مرافق إعداد المشاريع للبنية الأساسية في إفريقيا، الأمر الذي مهَّد الطريق لـ “صندوق إفريقيا 50″، الذي أطلقه البنك الإفريقي للتنمية في نوفمبر 2008م بهدف زيادة تجميع رأس المال من المصادر العامة والخاصة من أجل تطوير البنية الأساسية. واستمرت قمة بريسبان 2014م في مناقشة أولويات التنمية، كما تم التعبير عنها تحت الرئاسة الروسية. وكانت الأولويات ذات الصلة بإفريقيا على وجه التحديد هي: تطوير البنية الأساسية، والأمن الغذائي، وتعبئة الموارد المحلية، والشمول المالي، معالجة والتهرب الضريبي.([6])
وقد شهدت قمة أنطاليا 2015م([7]) أول اجتماع على الإطلاق لوزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين واعتماد الوثيقة المعنونة بـ”عمل مجموعة العشرين للوصول إلى الطاقة: التعاون الطوعي في مجال الوصول إلى الطاقة”، فضلاً عن مجموعة أدوات مجموعة العشرين للخيارات الطوعية بشأن تطوير الطاقة المتجددة وخطة مجموعة العشرين للوصول إلى الطاقة لإفريقيا جنوب الصحراء.([8])
وشهدت قمة هانغتشو 2016م مشاركة متزايدة مع إفريقيا؛ حيث أطلقت مبادرة مجموعة العشرين لدعم التصنيع في إفريقيا وأقل البلدان نموًّا، وأيَّدت خطة عمل مجموعة العشرين بشأن أجندة 2030م للتنمية المستدامة وأجندة عمل أديس أبابا بشأن تمويل التنمية([9]).
وكان التركيز على التعاون مع إفريقيا تحت رئاسة الصين على التصنيع، ومواءمة أولويات التنمية الإفريقية مع النهج الاستراتيجي للمجموعة للتنمية المستدامة، ودمج الخطط الرائدة لمخططات التنمية الإفريقية القائمة.([10])
ثانيًا: التمثيل الناقص لإفريقيا (2017-2022م)
انتقل التركيز على الشراكة مع إفريقيا إلى قمة عام 2017م تحت قيادة ألمانيا؛ حيث طرحت الرئاسة الألمانية التركيز على التعاون مع إفريقيا متجددًا، وأدى إلى ذلك اعتماد شراكة مجموعة العشرين من أجل إفريقيا والتي تتألف من عدد من المبادرات؛ مثل: مبادرة مجموعة العشرين لتشغيل الشباب الريفي، ومبادرة تمويل رائدات الأعمال، مع الاستمرار في تنفيذ خطة عمل للوصول إلى الطاقة لإفريقيا جنوب الصحراء.([11])
ومن الجدير بالذكر أنه لأول مرة في تاريخ مجموعة العشرين، تم تضمين المبادرات الخاصة بإفريقيا في المسار المالي، وتحديدًا “الميثاق مع إفريقيا” الذي يهدف إلى تعزيز الاستثمار الخاص وبيئات العمل المواتية من خلال اتفاقيات الاستثمار مع البلدان الإفريقية المهتمة.
ويتمثّل جوهر الميثاق في التركيز على تحسين الأُطُر الاقتصادية الكلية والتجارية والتمويلية للاستثمار الخاص؛ من خلال التعاون بين المنظمات الدولية ومجموعة العشرين ومجموعة من أصحاب المصلحة لدعم البلدان الأعضاء بما يتماشى مع مجالات الأولوية الوطنية وتدابير الإصلاح لتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بكل بلد. كما اتسم برنامج إفريقيا للمياه بأنه مدفوع بالطلب، ويستند إلى أجندة إصلاح مملوكة لأفارقة، مع فوائد كبيرة لاستثمارات القطاع الخاص والمساعدة الفنية المكثفة من شركاء التنمية والمنظمات الدولية. إلا أنه تعرَّض لانتقادات بسبب عدم ملاءمته للدول الإفريقية ذات الدخل المنخفض فيما يتصل بأُسُسه النيوليبرالية، وتجاهله لأولوية البرامج التعليمية والمهنية التي تدعم مشاريع الاستثمار، ومَيْله إلى تجاهل المخاطر المرتبطة بالاستثمار على البيئة وسبل العيش.([12])
وقد اختارت قمة 2018م برئاسة الأرجنتين البناء على المبادرات الخاصة بإفريقيا التي قادتها رئاسة الصين وألمانيا للقمة.([13]) وركزت قمة عام 2019م في أوساكا على الأولويات التي حددتها رئاسة اليابان، وهي تطوير البنية الأساسية، والاستدامة المالية، والاستثمار في رأس المال البشري المدعوم بالتنمية التي تركز على الإنسان والاستجابات السياسية الكافية للسكان المسنين، والتركيز على سياسات الرعاية الصحية، وتنمية المرأة وتنمية المهارات في العصر الرقمي.([14])
وفي قمة 2020م الافتراضية بالمملكة العربية السعودية، أعرب الزعماء عن التزامهم بالعمل العالمي المنسّق والتضامن والتعاون متعدد الأطراف للتغلب على جائحة كوفيد- 19، واستعادة النمو والوظائف، وبناء مستقبل أكثر شمولاً واستدامة ومرونة. كما دعت إلى توفير 4.5 مليار دولار لشراء وتسليم أدوات مكافحة الفيروس، من خلال مبادرة تسريع الوصول إلى أدوات المكافحة ومرفق كوفاكس التابع لها. ولدعم البلدان الأكثر ضعفًا وهشاشة، ولا سيما في إفريقيا، تم الالتزام بالسماح للدول المؤهَّلة بموجب مبادرة تعليق خدمة الديون بتعليق مدفوعات خدمة الديون الثنائية الرسمية حتى يونيو 2021م.([15])
وفي 15 أبريل 2021م، عقدت المجموعة الاستشارية لمجموعة العشرين بشأن إفريقيا (التي تترأسها ألمانيا وجنوب إفريقيا) اجتماعها الأول في قمة إيطاليا 2021م لمسار التمويل لمجموعة العشرين. والتي سبق أن تم إنشاؤها تحت رئاسة ألمانيا عام 2017م، تحت شعار “مسؤولية توجيه الإجراءات السياسية في إطار الميثاق مع إفريقيا”. والتي من بين أهدافها: تعزيز بيئة مواتية للاستثمار الخاص في البلدان الإفريقية، وتعزيز النمو والتنمية المستدامة. وتشمل الجهات المعنية الأخرى: البنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية، وصندوق النقد، والمفوضية الأوروبية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ حيث كان من المتوقع أن يلعب هذا المسار دورًا محوريًّا في ربط جهود التعافي بتعزيز الاستراتيجيات الأطول أمدًا التي تهدف إلى دعم التحول نحو مجتمعات أكثر خضرة وشمولاً ورقمية.
وتولت المجموعة مسؤولية رصد التقدُّم الذي أحرزته بلدان الميثاق، واقتراح توصيات سياسية جديدة بناءً على تقرير رصد الميثاق. وقد أعطت مجموعة العشرين الأولوية لتقديم الدعم للدول الأكثر ضعفًا، مدعومة بحزمة من التدابير الملموسة، وأبرزها من خلال تخصيص حقوق السحب الخاصة العامة الجديدة لصندوق النقد الدولي بقيمة 650 مليار دولار. في حين استفادت بعض دول الميثاق من مبادرة تعليق خدمة الديون.([16])
واجتمع زعماء مجموعة العشرين في قمتهم السابعة عشرة في إندونيسيا لعام 2022م، تحت شعار “التعافي معًا، التعافي بشكل أقوى”. وركزت القمة على ثلاث ركائز رئيسية: البنية الصحية العالمية؛ التحول المستدام للطاقة؛ والتحول الرقمي.([17])
وعلى الرغم من وجود العديد من المبادرات داخل مجموعة العشرين فيما يتعلق بإفريقيا، فإن تاريخ مشاركة مجموعة العشرين وإفريقيا في العقد الماضي؛ يشير إلى التمثيل الناقص لإفريقيا وتصويرها كفاعل سلبي و”موضوع على الطاولة”. وينعكس تجسيد نموذج المانح والمتلقي فيما يتعلق بدمج القضايا الخاصة بإفريقيا على أجندة مجموعة العشرين في حَصْر القضايا ذات الصلة بإفريقيا في “صومعة التنمية”، مما يؤدّي فعليًّا إلى تقليص القارة إلى “مجموعة من المشكلات التي يتعين على الجهات الفاعلة الخارجية حلّها”. ويجب أيضًا النظر إلى تهميش إفريقيا في منصات وضع أجندة مجموعة العشرين في ضوء غياب وضع معايير عادلة على المستوى العالمي.
المحور الثاني
القمة الثامنة عشرة وبداية تموضع إفريقيا في مجموعة العشرين
أولاً: مشاركة إفريقيا بصوتين (2023-2024م)
على الرغم من أن مجموعة العشرين لم تتعامل بشكل منهجي مع إفريقيا، ولم يتم اتخاذ خطوات كافية لدمج وجهات النظر الإفريقية داخل المنتدى؛ حيث لا يوجد سوى صوت إفريقي واحد (له مقعد دائم) داخل المجموعة وهي دولة جنوب إفريقيا. جاءت القمة الثامنة عشرة المنعقدة في نيودلهي 2023م لتشهد دعوة الاتحاد الإفريقي للعضوية الدائمة. وركزت القمة على دمج أولويات الدول الإفريقية في جدول أعمال القمة.([18]) التي كانت تحت شعار “أرض واحدة.. أسرة واحدة.. مستقبل واحد”؛ حيث ناقش القادة، من بين عدة موضوعات ([19]): من الحرب الروسية الأكرانية، والنمو القوي والمستدام، وأهداف التنمية المستدامة المناخ والبيئة، والتحول الرقمي، والمساواة بين الجنسين، كما رحَّبوا بالاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.
واجتمع زعماء مجموعة العشرين في قمتهم التاسعة عشرة في البرازيل في الفترة 18-19 نوفمبر 2024م تحت شعار “بناء عالم عادل وكوكب مستدام”، وكانت الأولويات الرئيسية للقمة([20]): الإدماج الاجتماعي ومكافحة الجوع والفقر، وإصلاح مؤسسات الحوكمة العالمية، والتنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة. داعيةً إلى محاربة عدم المساواة وبناء كوكب أكثر عدالة واستدامة. واعتمد القادة إعلانًا مفاده؛ “نحن معًا نتقاسم مسؤولية جماعية عن الإدارة الفعّالة للاقتصاد العالمي، وتعزيز الظروف المواتية للنمو العالمي المستدام والمرن والشامل. ونظل ملتزمين بدعم البلدان النامية في الاستجابة للأزمات والتحديات العالمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
وكانت أهم إنجازات القمة: إنشاء قمة مجموعة العشرين الاجتماعية؛ وخريطة الطريق لتحسين بنوك التنمية متعددة الأطراف؛ والمناقشات حول إفريقيا والديون الخارجية؛ وإنشاء مجموعة عمل تمكين المرأة؛ وإدراج الهدف 18 من أهداف التنمية المستدامة، بشأن المساواة العرقية. وتعريف المبادئ المتعلقة بالتجارة والتنمية المستدامة، والالتزام بزيادة إنتاج الطاقة المتجددة بحلول 2023م. والإشادة بالتحالف من أجل الإنتاج المحلي والإقليمي للقاحات والأدوية، وتعزيز الاستثمار في السياسات لتحسين الوصول إلى المياه والصرف الصحي.([21]) وقد شارك الرئيس الأنجولي “لورينسو” في قمة مجموعة العشرين؛ حيث ألقى كلمة في جلستين من القمة.([22])
ثانيًا: نشاط الاتحاد الإفريقي في قمة مجموعة العشرين 2024م
إن إدراج الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين التي تمثل 85% من الاقتصاد العالمي، و75% من التجارة العالمية، و62% من سكان العالم([23])، يُمثِّل حقبة جديدة من التمثيل للقارة في الحوكمة العالمية وتحديد الأجندات، ويُعزّز دور إفريقيا في معالجة القضايا العالمية الحرجة مثل التنمية الاقتصادية، والتحولات في مجال الطاقة، والاستدامة.
وتماشيًا مع أولويات القمة، لعب وفد الاتحاد، دورًا محوريًّا في اجتماع وزراء انتقال الطاقة. مسلِّطا الضوء على المشهد الفريد للطاقة في إفريقيا وإمكاناتها للمساهمة في جهود الاستدامة العالمية. كما تم تسليط الضوء على الحواجز المالية الكبيرة التي تواجهها البلدان الإفريقية في الوصول إلى رأس المال للاستثمار في مجال الطاقة. مع التأكيد على أهمية الابتكار كمُحرّك للتحول وخاصة الوقود المستدام. وتمت الإشارة إلى الجهود التعاونية للاتحاد الإفريقي ومفوضية الطيران المدني الإفريقية ودول الاتحاد لتعزيز تطوير الوقود وإمكاناتها الرائدة في هذا المجال، مع حاجتها إلى الشراكات وتبادل المعرفة. داعيًا إلى تسهيل أُطُر نقل التكنولوجيا والتعاون في مجال البحث والتطوير.
وركَّز الحوار الوزاري حول انتقال الطاقة على تعزيز التعاون، وتسريع التمويل، ومعالجة الحاجة الملحة للوصول إلى الطاقة. وكانت إحدى النتائج الحاسمة للاجتماع إنشاء “وثيقة النتائج”، التي ستعمل كخارطة طريق للتعاون والاستثمار في المستقبل، وتوجيه الجهود نحو مستقبل أكثر إنصافًا واستدامة للطاقة.
ورحَّب الوفد بالتزام القمة بالجوانب الاجتماعية للتحولات في مجال الطاقة، وخاصةً التركيز على الطهي النظيف، وأهمية مواءمة مبادرات مجموعة العشرين مع جهود الاتحاد الإفريقي؛ لضمان تنسيق الإجراءات ومنع الممارسات الضارة. وقد التزام وزراء الطاقة بتسريع التحولات في مجال الطاقة النظيفة والمستدامة والشاملة، مع معالجة الحاجة الماسَّة لزيادة الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون، وأمن الطاقة، وتحقيق الوصول الشامل إلى الطهي النظيف بحلول عام 2030، إلى جانب تأييد مبادئ التحولات العادلة في مجال الطاقة، والاعتراف بأهمية الابتكار التكنولوجي في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية.([24])
المحور الثالث
الرئاسة المرتقبة لجنوب إفريقيا لمجموعة العشرين 2025م
يتجلى التحول على النفوذ المتزايد والأهمية التي تتمتع بها الاقتصادات الناشئة، في الرئاسة المرتقبة لجنوب إفريقيا لمجموعة العشرين في عام 2025م، وهي أول دولة إفريقية تفعل ذلك.
تحت رئاسة جنوب إفريقيا، من المتوقع أن تعطي مجموعة العشرين الأولوية للقضايا الملحة مثل الاستقرار الاقتصادي العالمي، والتنمية المستدامة، والوصول العادل إلى الموارد. مع تسليط الضوء على تحديات وفرص إفريقيا، وتعزيز تمثيل أكثر توازنًا للجنوب العالمي في الخطاب الدولي.
كما تعمل عضوية الاتحاد الإفريقي على تعزيز هذه المنصة، وتعزيز دور القارة كطرف فاعل أساسي في الشؤون العالمية. كما تحمل هذه الرئاسة أهمية رمزية وعملية لجنوب إفريقيا وإفريقيا بشكل عام. ومن خلال دعم مشاركة المجتمع المدني وتعزيز التعاون، تهدف جنوب إفريقيا إلى جعل رئاستها لمجموعة العشرين لحظة تحويلية لكل من إفريقيا والمجتمع العالمي.([25])
إن موضوع رئاسة جنوب إفريقيا سيكون بمثابة “تعزيز التضامن والمساواة والتنمية المستدامة”. وهي تسعى إلى معالجة التحديات العالمية الحرجة، مع التركيز القوي على تنمية إفريقيا. ومن بين المجالات الرئيسية التي ستركز عليها معالجة التحديات الثلاثية المتمثلة في الفقر والبطالة وعدم المساواة؛ فضلاً عن تنمية إفريقيا التي تستلزم وضع تنمية إفريقيا في المقدمة. ومن المتوقع أن تُشكّل معالجة الأزمات المتعددة؛ مثل: تغيُّر المناخ، والطاقة، والأمن الغذائي، والديون جزءًا من أولويات الدولة. فضلاً عن قضايا تطوير البنية التحتية وإصلاح الحوكمة العالمية. مع أهمية التنسيق بين جنوب إفريقيا والاتحاد الإفريقي؛ لتعزيز التكامل والتعاون الإقليمي. ومن المتوقع أن تستغل ذلك في حشد التمويل لمعالجة فجوة تمويل التنمية الكبيرة، والتي زادت بعد الجائحة؛ ومعالجة قضية التدفقات المالية غير القانونية.
إن أولويات جنوب إفريقيا يجب أن تشمل معالجة الديون، وتمويل التنمية، وخاصةً لإفريقيا. وإن مشاركة جنوب إفريقيا في رئاسة المائدة المستديرة للديون السيادية العالمية إلى جانب صندوق النقد والبنك الدولي؛ يمثل فرصة للدفع نحو نهج أكثر إبداعًا لإدارة الديون، وربطه بمناقشات أوسع نطاقًا حول التنمية وتمويل المناخ.([26]) ومِن ثَمَّ فهناك عدة نقاط يجب التركيز عليها([27]):
أولاً: الحاجة إلى الإصلاح المالي العالمي
مع تزايد أعباء الديون على العديد من البلدان النامية، فلم تكن الحاجة إلى إصلاح البنية المالية العالمية أكثر إلحاحًا الآن من أيّ وقت مضى؛ حيث يعيش أكثر من 3.3 مليار شخص في بلدان تنفق على خدمة الديون أكثر من الخدمات الأساسية. فقد زادت ديون البلدان الإفريقية بنسبة 183% منذ عام 2010م؛ أي أربعة أمثال نموها الاقتصادي. ومع تحوُّل الاقتراض العالمي نحو الدائنين من القطاع الخاص، تجد العديد من البلدان صعوبة في تمويل القطاعات الحيوية.
وباعتبارها جهة فاعلة رئيسية في الجنوب العالمي؛ يمكن لجنوب إفريقيا الاستفادة من عضويتها في الاتحاد الإفريقي ومجموعة العشرين ومجموعة البريكس وغيرها من المنتديات لحشد الدعم للإصلاح المالي. كما يُشكّل فرصة لتعزيز صوت ومشاركة البلدان النامية في صنع القرار الاقتصادي الدولي، وتحديد المعايير والحوكمة الاقتصادية العالمية.
وستتزامن رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين مع المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية المقرر عقده في منتصف عام م2025 في إسبانيا، والذي يجمع بين رؤساء الدول والحكومات ومجموعة العشرين وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء المؤسسات المالية الدولية. ويمكن أن تكون هذه فرصة لدفع مقترحات السياسة لتحقيق التقدم في بناء نظام مالي دولي أقوى وأكثر عدالة.
ثانيًا: تغيُّر المناخ والتحوُّل العادل نحو الطاقة المتجددة
في ظل الحاجة المُلِحَّة إلى معالجة تغيُّر المناخ وتعزيز التحول العادل في مجال الطاقة، فإن الأولوية بالنسبة لإفريقيا يجب أن تكون ضمان الوصول إلى الطاقة لـ685 مليون شخص ما زالوا يفتقرون إلى الكهرباء. إن توفير الطاقة بأسعار معقولة ونظيفة وموثوقة ليس ضروريًّا فقط للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيف معه، بل إنه يمثل أيضًا فرصة حاسمة لتحفيز الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر. ومع تولّي جنوب إفريقيا رئاسة مجموعة العشرين واستمرارها في كونها صوتًا رائدًا لمجموعة إفريقيا داخل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فمن الضروري أن تدافع عن هذا المنظور. ويمكن أن تلعب دورًا محوريًّا في ترجمة التمثيل المتزايد لإفريقيا في اجتماعات مؤتمر الأطراف إلى نتائج ملموسة.
ثالثًا: تحويل أنظمة الغذاء في إفريقيا
على الرغم من قدرة نظام الغذاء العالمي الحالي على إنتاج ما يكفي من الغذاء للجميع؛ يعاني أكثر من 900 مليون شخص من الجوع يوميًّا، ويعاني أكثر من 2.4 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي. وفي إفريقيا، يتفاقم هذا الوضع بسبب الكوارث الطبيعية والحروب وسلاسل التوريد العالمية الهشَّة، وعدم المساواة الاقتصادية، مما يؤكّد على نقاط الضعف في نظام الغذاء العالمي. وعلى هذه الخلفية، يمكن لجنوب إفريقيا أن تقود آليات تخفيف الديون وإعادة الهيكلة الشاملة، وتعبئة الموارد المالية الإضافية والدعوة إلى ممارسات تجارية عالمية أكثر عدالة لتمكين البلدان النامية. مما يُمثّل فرصة فريدة لتشكيل السياسات العالمية والدفاع عن مصالح إفريقيا على الساحة العالمية.
رابعًا: ترتيب البيت من الداخل: تعزيز التعاون والتكامل الإقليميين
إن نجاح جنوب إفريقيا في رئاستها لمجموعة العشرين سيعتمد على قدرتها على موازنة الأولويات الفورية مع الأهداف العالمية طويلة الأجل، وضمان بقاء مجموعة العشرين منصة للنمو الشامل والعادل. كما توفر هذه الرئاسة فرصة لمعالجة بعض الاختناقات طويلة الأمد التي تُواجه التكامل الإقليمي؛ فمثلاً أحد التحديات الرئيسية التي تُواجه منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية هي اتفاقيات التجارة الثنائية التي تُقوِّض جهود التكامل الإقليمي في إفريقيا.([28])
خاتمة:
إن رئاسة جنوب إفريقيا المرتقبة لمجموعة العشرين، في ظل وجود صوت داعم قوي متمثل في الاتحاد الإفريقي، لهو بمثابة فرصة تاريخية لفرض أجندة إفريقية، تساندها دول الجنوب، وتُركّز على قضايا الإصلاح المالي، وتغيُّر المناخ، والتحوُّل العادل في الطاقة، والأمن الغذائي، وقبل ذلك ترتيب البيت من الداخل؛ وخصوصًا وأن تعزيز التكامل داخل القارة من شأنه أن يُوفّر مساحة لصنع سياسات مُبتكَرة لمعالجة التحديات المذكورة أعلاه.
ومن خلال إصلاح البنية المالية العالمية؛ تستطيع البلدان النامية الوصول إلى التمويل الذي يُشكِّل مفتاحًا لإطلاق العنان لإمكانات الوصول إلى الطاقة والطاقة المتجددة، وهي في حدّ ذاتها مصدر للتخفيف من آثار المناخ والتكيف معه. ومن الممكن أن يساعد التصدي للتحديات المترابطة بين المناخ والتمويل في إطلاق العنان لإمكانات الزراعة ونُظُم الأغذية في إفريقيا، وبالتالي المساهمة في تحقيق قفزات كبيرة في القارة، ويُشكِّل مفتاحًا لتسريع التقدُّم نحو أهداف التنمية المستدامة وأجندة 2063م.
……………………………………………
[1] ) G20, Leaders Statement: The Pittsburgh Summit 24–25 September 2009, ‘Framework for strong, sustainable, and balanced growth’, at: http://www.g20.utoronto.ca/2009/2009communique0925.html#growth
[2] ) G20, Toronto Summit Declaration, 27 June, par 47, http://www.g20.utoronto.ca/2010/to-communique.html
[3] ) G20, Seoul Summit, 11–12 November 2010, Seoul Development Consensus for Shared Growth, at: http://www.g20.utoronto.ca/2010/g20seoul-consensus.pdf
[4] ) G20, Seoul Summit, Leaders’ Declaration 11–12 November 2010, at: http://www.g20.utoronto.ca/2010/g20seoul.pdf
[5] ) G20, Cannes Summit Final Declaration – Building Our Common Future: Renewed Collective Action for the Benefit of all, 4 November 2011, accessed 6 May 2019, at: http://www.g20.utoronto.ca/2011/2011-cannes-declaration-111104-en.html
[6] ) Faith Maber, Institute for Global Dialogue associated with UNISA, Pretoria, Pages 583-599 , 18 Dec 2019.at: https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/10220461.2019.1702091
[7] ) G20, Antalya Summit, Turkey, 15–16 November 2015, Leaders’ Communiqué at: http://www.g20.utoronto.ca/2015/151116-communique.html
[8] ) G20, ‘The G20 energy access action plan: Voluntary collaboration on energy access’, Antalya, 2015 .at: http://www.g20.utoronto.ca/2015/G20-Energy-Access-Action-Plan.pdf.
[9] ) G20, Hangzhou Summit, ‘G20 leaders’ communiqué’, 5 September 2016, at: http://www.g20.utoronto.ca/2016/160905-communique.html
[10] ) Tigere F & C Grant Makokera, ‘The G20’s contribution to sustainable development in Africa’, GEG Discussion Paper, November 2017, at: http://www.gegafrica.org/publications/the-g20s-contribution-to-sustainable-development-in-africa
[11] ) igere F & C Grant Makokera, ‘The G20’s contribution to sustainable development in Africa’, GEG Discussion Paper, November 2017, <http://www.gegafrica.org/publications/the-g20s-contribution-to-sustainable-development-in-africa
[12] ) Faith Mabera, Op.cit.
[13] ) Global Economic Governance (GEG) Africa, ‘Joint statement of outcomes: Dialogue with Ambassador Pedro Villagra Delgado, Argentina’s Sherpa to the G20’, 15 February 2018, <http://www.gegafrica.org/item/648-joint-statement-of-outcomes-on-the-g20-dialogue-forum
[14] ) T20 Japan, T20 Communiqué, 26–27 May 2019, <https://t20japan.org/wp-content/uploads/2019/05/t20-japan-2019-communique-eng.pdf
[15] ) consilium.europa.eu, G20 summit, 21-22 November 2020, 21-22 November 2020.at: https://www.consilium.europa.eu/en/meetings/international-summit/2020/11/21-22/
[16] ) mef, First G20 Africa Advisory Group meeting under the Italian G20 Presidency.at: https://www.dt.mef.gov.it/en/news/2021/g20_15042021.html
[17] ) iisd, G20 Leaders’ Summit 2022.at: https://sdg.iisd.org/events/g20-leaders-summit-2022/
[18] ) هايدي الشافعي، ماذا يعني حصول الاتحاد الإفريقي على مقعد دائم في مجموعة العشرين؟، 9 سبتمبر 2024م. متاح على الرابط التالي: https://marsad.ecss.com.eg/79244/
[19] ) onsilium.europa.eu, G20 summit, Rio de Janeiro, Brazil, 18-19 November 2024.at: https://www.consilium.europa.eu/en/meetings/international-summit/2024/11/18-19/
[20] ) Idem.
[21] ) G20, G20 Brazil Leaders’ Summit Brasil hands over G20 presidency to South Africa. 11/19/2024.at: https://www.g20.org/en/news/brasil-hands-over-g20-presidency-to-south-africa
[22] ) Eric Gacuruzwa, Angola – Brazil alliance at G20 Summit.19 nov, 2024.at: https://furtherafrica.com/2024/11/19/angolan-president-joao-lourenco-strengthens-brazil-ties-at-g20-summit/
[23] ) UN Department of Economic and Social Affairs (UNDESA) Population Division, World Population Prospects 2024 – Special Aggregates, 2024, https://population.un.org/wpp/Download/SpecialAggregates/EconomicTrading.
[24] ) African Union, African Union’s Landmark G20 Engagement: Shaping Global Energy Transition and Driving Sustainability.at: https://au.int/en/pressreleases/20241005/african-unions-landmark-g20-engagement-shaping-global-energy-transition-and
[25] ) Elizabeth Khumalo, South Africa takes historic G20 presidency.21 Nov, 2024.at: https://furtherafrica.com/2024/11/21/south-africa-takes-historic-g20-presidency/
[26] ) Mkhululi Chimoio, South Africa’s G20 Presidency in 2025: A pivotal moment for the country and Africa.at: https://www.un.org/africarenewal/magazine/november-2024/south-africas-g20-presidency-2025-pivotal-moment-country-and-africa
[27]) Darlington Tshuma Bongiwe Mphahlele, South Africa’s G20 Presidency: Tapping into Africa’s Potential through Financial, Climate and Food System Reform, 03/09/2024.at: https://www.iai.it/en/pubblicazioni/south-africas-g20-presidency-tapping-africas-potential-through-financial-climate-and
[28] ) Mkhululi Chimoio, Op.cit.