نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
قامت السلطات الغينية في 29 أكتوبر 2024م الماضي بحلّ عشرات الأحزاب السياسية ووضع حزبين معارضين رئيسيين تحت المراقبة، بينما لم تعلن الحكومة الانتقالية بَعدُ عن موعد إجراء الانتخابات.
ويُعدّ الحل الجماعي لـ53 حزبًا سياسيًّا، وفَرْض مراقبة على 54 حزبًا آخرين لمدة ثلاثة أشهر أمرًا غير مسبوق في البلد الواقع غرب إفريقيا، التي أجرت أول انتخابات ديمقراطية لها في عام 2010م، بعد عقود طويلة من الحكم الاستبدادي.
ويحكم كوناكري الآن نظامٌ عسكريّ منذ أن أطاح الجيش بالرئيس الغيني “ألفا كوندي” في عام 2021م بقيادة الجنرال “مامادي دومبويا” الذي يراوغ من أجل عودة الحكم المدني، والذي أعلن مؤخرًا تسمية نفسه رسميًّا “جنرالًا”، وهي أعلى رتبة عسكرية في البلاد. ما قد يُفاقم من تداعيات المشهد الغيني المتأزم، بين المعارضة والمجلس العسكري الحاكم مُمَثلًا في “دومبويا”، وهو ما نحاول تناول سماته وتداعياته في هذا المقال.
ملاحظات أوليّة حول المشهد السياسي الغيني:
1- وجود نمط واضح من التضييق:
يُلاحِظ المتتبِّع لديناميات المشهد السياسي الغيني، بما في ذلك من ممارسات ينتهجها المجلس العسكري للبلاد؛ أن مثل هذه التحركات لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، خاصةً فيما يتعلق بالتضييق على قوى المعارضة، كما حدث في التاسع من يوليو 2024م، حينما اعتُقِلَ ثلاثة أعضاء من المعارضة الغينية، وهم عمر سيلا، ومامادو بيلو باه، ومحمد سيسي، ونُقِلُوا إلى مركز احتجاز في كيسا، قبالة كوناكري؛ حيث زُعِمَ أنهم تعرَّضوا للتعذيب.
وتُمثّل عمليات التضييق نمطًا من التصعيد بيد المجلس العسكري، الذي يلجأ له بشكل متزايد للاحتفاظ بالسلطة. كما حظر المجلس العسكري الاحتجاجات العامَّة بشكلٍ تامّ، لكن عندما يحتج المواطنون الغينيون ومنظمات المجتمع المدني يتم قمعهم بعنف. وتشير تقديرات منظمة العفو الدولية إلى مقتل ما لا يقل عن 47 شخصًا على أيدي قوات الأمن خلال الاحتجاجات ضد المجلس العسكري بين يونيو 2022م ومارس 2024م.
2- إبعاد رموز المعارضة:
يصف أنصار المجلس العسكري ما حدث باعتباره “تطهيرًا” ضروريًّا للساحة السياسية في غينيا. ومع ذلك، يزعم المنتقدون أنه خطوة لاستبعاد شخصيات رئيسية مثل الرئيس المخلوع “ألفا كوندي”، والمرشح الرئاسي السابق “سيلو دالين ديالو”، ورئيس الوزراء السابق “سيديا توري”، الذين يعيشون جميعًا في المنفى حاليًّا.
3- الإفلات من الملفات الأكثر حرجًا:
تعاني البلاد تحت حكم المجلس العسكري من ضغوط اقتصادية متزايدة. فقد ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني من تداعيات ذلك ما يُقدّر بنحو 11 في المائة من سكان غينيا البالغ عددهم 14 مليون نسمة (من 2.6 في المائة في عام 2020م). كما يُواجه أكثر من مليون غيني الآن أزمة غذائية.
وبدلًا من محاولة المجلس العسكري مواجهة مثل هذه الأزمات؛ يتَّجه للاشتباك مع قوى المعارضة وإكساب هذا الملف الزخم الأكبر؛ هربًا من تسليط الضوء على الأزمات الأكثر إلحاحًا، إضافة إلى ترقية كبار ضباط الجيش، كما حدث حينما أعلن الرئيس الانتقالي الغيني مامادي دومبويا رسميًّا تسمية نفسه جنرالًا، وترقية عدد من ضباط الجيش إلى رتبة جنرال أيضًا.
4- التعنُّت والمراوغة في نقل السلطة:
إن تأخير المجلس العسكري في دعم الانتقال للحكم المدني، يُخاطر بالعودة إلى سنوات الحكم العسكري الطويلة والمظلمة والصعوبات التي هددت مسار البلاد بعد الاستقلال. يتضح ذلك في انتهاك المجلس العسكري لمعاييره الخاصة بنقل السلطة للمدنيين (خارطة طريق مكونة من 10 نقاط رئيسة)، وإجراء انتخابات رئاسية، والتي تأتي بتعداد السكان التي يقول المسؤولون: إنه لن يكتمل إلا في أغسطس 2025م، وبالتحرك بوتيرة المجلس العسكري يمكن تأجيل الانتقال السلمي للسلطة لسنوات. وهو ما أدانته “إيكواس”.
5- إثارة مزيد من الشكوك حول شرعيّة المجلس العسكري:
في 31 يوليو 2024م، أعلن نظام “دومبويا” عن دستوره الجديد المقترح. وأكد المجلس الانتقالي، الذي كُلِّف بصياغة الوثيقة، أن هذه مسودة عمل. لكن يبدو أن الدستور المقترح يمنح المجلس العسكري والمجلس الانتقالي الحصانة عن أفعالهما في السلطة، ممَّا يُلقي المزيد من الشكوك والتساؤلات حول شرعية تصرفات المجلس العسكري سواء الحالية أو المقبلة.
تداعيات مُحتملة لإرجاء الانتخابات:
1- إبقاء الجيش مصدرًا وحيدًا للسُّلطة:
رغم أن ممارسات القادة العسكريين في كوناكري لم تجتذب نفس مستوى الاهتمام الدولي الذي اجتذبته المجالس العسكرية في منطقة الساحل؛ إلا أن ذلك لا يمنع ما تتجه له الحكومة العسكرية في غينيا من خطوات لتعزيز قبضتها على السلطة، وهو ما يُؤكّده تباطؤها في تنفيذ التقويم الانتقالي مع سحق المعارضة، على نحوٍ يُعيد الجيش من خلاله تأكيد دوره كمصدر وحيد للسلطة في غينيا.
2- تهديدات أمنية متزايدة:
إضافة إلى تقويض الجهود التي بذلها الغينيون لإقامة ديمقراطية سلمية، يبدو أن نية المجلس العسكري في الاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى من شأنها تضخيم التهديدات الأمنية التي سيكون لها آثار في جميع أنحاء المنطقة. ويزيد من خطورة الأمر أنه في ظل حكم المجلس العسكري الغيني، لم يكن هناك سوى القليل من الأولويات أو الخبرة المخصصة للمبادرات التنموية والحوكمة المستقرة. ونتيجة للقمع المتزايد والتهديدات الخارجية، انخفض ترتيب البلاد في مؤشر السلام العالمي من المرتبة 96 (من بين 163 دولة) في عام 2018م إلى المرتبة 124 في عام 2024م.
2- تفاقم الأزمات الغذائية:
أصبحت حياة الغينيين العاديين في ظل حكم المجلس العسكري الحاكم أكثر صعوبة. ففي عام 2024م فقط، ارتفع سعر كيس الأرز الذي يزن 50 كيلو جرامًا من 35 دولارًا إلى 39 دولارًا، وارتفعت تكلفة علبة زيت الطهي سعة 20 لترًا من 30 دولارًا إلى ما يقرب من 34 دولارًا. وارتفعت نسبة السكان الغينيين الذين يعانون من حالة انعدام حادّ للأمن الغذائي من 2.6٪ في عام 2020م إلى 10.7٪ في عام 2022م.
وفي ديسمبر 2021م، كان 564458 غينيًّا يَعتبرون أنهم يواجهون أزمة غذائية ويحتاجون إلى المساعدة. وبحلول يونيو 2024م، ارتفع هذا الرقم إلى ما يقدر بنحو 1025035. ويتوقع في ظل انشغال المجلس العسكري بمعاركه الداخلية مع المعارضة، وكذلك ما يُثار حول بعض قضايا الفساد المتعلقة بالمجلس العسكري -مثل إفادة صحفيين غينيين أن “دومبويا” اشترى منزلًا بقيمة مليون دولار في تكساس في عام 2022م- باستمرار الوضع، بل وتفاقمه.
خاتمة:
بصفة عامة، تشير القراءة الحالية للمشهد الغيني إلى اتجاهه نحو مزيد من الاحتقان والصدام بين المعارضة والمجلس العسكري الساعي لتعزيز سلطاته ونفوذه، لا سيّما مع تعرُّض فصائل المعارضة للتضييق والقمع غير المتوقف، في ظل انتهاك القادة العسكريين بقيادة الجنرال “دومبويا” لمعايير انتقال السلطة وإصرار المعارضة على إجراء الانتخابات كما هو مخطط لها بحلول ديسمبر 2024م. ودعوته إلى إنشاء هيئات مستقلة لإدارة كل من تسجيل الناخبين والانتخابات.
كما ترفض المعارضة فكرة الحاجة إلى دستور جديد، وتزعم أن أيّ إصلاحات دستورية يجب أن تنتظر حتى يتم تشكيل حكومة شرعية منتخبة ديمقراطيًّا؛ بما يعني في الأخير صعوبة استقرار الوضع الراهن، حتى يتفق الطرفان على صيغة أكثر تفاهمًا حول المسائل الأكثر اختلافًا بينهما (كالانتخابات، الدستور، التضييق على المعارضة، التحقيق في قضايا الفساد بنزاهة وشفافية، وغيرها من أمور خلافية لا نتوقع الاتفاق حولها خلال هذه الآونة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
الرئيس الانتقالي الغيني مامادي دومبويا يسمي نفسه جنرالًا وألفا كوندي يدعو الجيش للتحرك، قراءات إفريقية، 3 نوفمبر 2024م، متاح على الرابط: https://qiraatafrican.com/24484/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%85%D8%A8%D9%88/
Alix Boucher, A Stagnant Transition in Guinea, Africa Center for Strategic Studies, Aug 6, 2024, Retrieved from: https://africacenter.org/spotlight/stagnant-transition-guinea/.
Guinea’s political parties face survival test as junta orders mass cull, RFI, Oct 30, 2024. Retrieved from: https://www.rfi.fr/en/africa/20241030-guinea-political-parties-face-survival-test-as-junta-orders-mass-cull
Guinea junta dissolves dozens of political parties, silent on elections, Africa News, Oct 31, 2024م. Retrieved from: https://www.africanews.com/2024/10/31/guinea-junta-dissolves-dozens-of-political-parties-silent-on-elections/