ويباميجي عثمان أديسوجي
كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية – نيجيريا
غالبية الدول الإفريقية حصلت على استقلالها في أوائل الستينيات، وقد عانت لإيجاد مكان لها ضمن نظام دولي تم تحديد قواعد اللَّعِب الأساسية فيه عند نهاية الحرب العالمية الثانية، دون أن يكون لإفريقيا صوت أو تأثير فيه.
وبينما كانت إفريقيا مسرحًا للحرب الأيديولوجية بين الغرب والشرق خلال الحرب الباردة، لا تزال اليوم مكانًا للمواجهة بين القوى الصناعية التي تتنافس بشدة على السيطرة على المواد الخامّ، وخاصةً تلك المواد التي يعتمد عليها بقية العالم بشكل متزايد.
من ناحية أخرى، فإن اعتماد المنطقة الكبير على الاستيراد لتوفير المواد الأساسية، بما في ذلك البذور والأسمدة، بالإضافة إلى بعض الحبوب الخاصة، يعني أن اضطرابات التجارة العالمية يمكن أن تكون لها تداعيات زلزالية على القارة الإفريقية.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إفريقيا إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويًّا لسدّ العجز في تمويل البنية التحتية و50 مليار دولار أخرى للاستثمار في التكيُّف مع التغيُّرات المناخية، وفقًا لتقديرات البنك الإفريقي للتنمية. ومع ذلك، فإن سياق النزاعات في إفريقيا يتغير. وهناك أيضًا تحولات في القوة الجيوسياسية لبعض الدول، وضعف المؤسسات الحكومية الإفريقية بين الدول. وهناك، على سبيل المثال، توسيع لنطاق وتعميق لكثافة التطرف العنيف في عدة مناطق في القارة.
حتى الآن، يدرك العالم أهمية إفريقيا بشكلٍ حادّ، ممَّا يُحفّز الدول على توسيع تفاعلها السياسي والاقتصادي والأمني مع الدول الإفريقية. وهذا يُقدِّم فرصًا جديدة وتحديات لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. الحلفاء والشركاء في أوروبا والشرق الأوسط والهند والمحيط الهادئ يعتبرون إفريقيا جزءًا لا يتجزأ من أمنهم القومي، والكثير منهم ملتزمون بالعمل مع الولايات المتحدة لتقديم الاستثمارات ذات المعايير العالية والشفافة، فضلاً عن معالجة الأزمات السياسية والأمنية.
جمهورية الصين الشعبية، من ناحية أخرى، ترى المنطقة ساحةً مهمةً لتحدّي قواعد النظام الدولي، ولتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة، وتقويض الشفافية والانفتاح، وإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع شعوب وحكومات إفريقيا.
بينما تعتبر روسيا المنطقة بيئةً متساهلةً مع الشركات شبه الحكومية والشركات العسكرية الخاصة، وغالبًا ما تثير الاستقرار للحصول على المنافع الإستراتيجية والمالية.
كما تَستخدم روسيا علاقاتها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن جهودها لتقويض معارضة الأفارقة المبدئية لغزو روسيا لأوكرانيا والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان. بعد ذلك، استفادت روسيا من نموّ العداء لفرنسا، خاصةً في الدول الناطقة بالفرنسية سابقًا، لتأكيد نفوذها في إفريقيا. وقد دعمت تشكيل تحالف الساحل، وهو تحالف أمني جديد بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
ومع ذلك، ستلعب القارة الإفريقية، بدولها الأربع والخمسين وأكثر من مليار نسمة، دورًا متزايدًا في تشكيل النظام الدولي، وستؤثر على دور وحيوية القيادة الأمريكية فيه.
كما أن الدول الإفريقية مهمة لجهود الولايات المتحدة لعدة أسباب من أهمها: (1) تعزيز المصالح الحيوية في المنظمات الدولية، والحفاظ على نُظُم العقوبات الدولية؛ (2) تعزيز القِيَم الأمريكية في الخارج؛ و(3) ممارسة النفوذ والقيادة العالمية.
“دول إفريقية مثل نيجيريا ليسوا فقط قادة عالميين؛ فهي بارزة بشكل متزايد حول العالم، وهي تستحق مكانًا بارزًا حيثما تُناقَش القضايا الأكثر تأثيرًا. يجب أن تلعب المؤسسات مثل الاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والمجموعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية دورًا أكبر، وينبغي أن تتمتع بصوت أعلى في المناقشات العالمية. تؤمن الولايات المتحدة بقوة أن الوقت قد حان للتوقف عن التعامل مع إفريقيا كموضوع للجيوسياسية، والبدء بالتعامل معها بما أصبحت عليه، فهي لاعب جيوسياسي كبير”؛ كان هذا مقتطفًا من خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني ج. بلينكن في أبوجا في 19 نوفمبر 2021م، بعنوان “الولايات المتحدة وإفريقيا: بناء شراكة القرن الحادي والعشرين.”
هل السياسة الخارجية الأمريكية تفيد إفريقيا أم تُعيق تقدمها؟
لا شك أن العالم يتحوَّل مباشرة من نشوة الانتصار الأمريكي، وغطرسة الديمقراطية الليبرالية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، إلى صورة أكثر تعقيدًا. عودة الحروب والنزاعات بين القوى الكبرى، ولا سيما مع تنامي قدرات وطموحات الصين وروسيا، تخلق حالة من عدم اليقين بشأن الأهداف السياسية للولايات المتحدة وجاهزيتها العسكرية في أوروبا وآسيا.
بالإضافة إلى ذلك؛ تسهم التحديات غير المسبوقة في مجال تغيُّر المناخ والأوبئة؛ وجهود الإطاحة بالدولار كعملة مرجعية للمعاملات الدولية؛ والهجرة الجماعية بأعداد غير مسبوقة؛ والتقنيات الجديدة للحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والاستخدامات العسكرية للفضاء كلها تُسهم في موجة محتملة من عدم استقرار الأنظمة السياسية والتخطيط العسكري. ما هو مؤكد اليوم للسياسيين ومستشاريهم العسكريين قد يصبح تخمينًا في الغد.
من الواضح أن الولايات المتحدة قد بُنيت على أكتاف الأفارقة وأحفادهم، ولا يزال الشتات الإفريقي يلعب دورًا مهمًّا في تعزيز العلاقات بين الشعوب عبر الأطلسي. ومن بين أكثر من 46.8 مليون أمريكي من أصل إفريقي، كان هناك حوالي 2.4 مليون إفريقي وُلِدُوا في الخارج في الولايات المتحدة عام 2018م، وهو ارتفاع كبير حتى من عام 2000م، عندما كان هناك أقل من مليون. كما أن حوالي 40 بالمئة من المهاجرين الأفارقة في أمريكا يحملون على الأقل شهادة البكالوريوس، وهي نسبة أعلى من نسبة السكان المولودين في الولايات المتحدة. وتظهر القوة الاقتصادية للشتات الإفريقي أيضًا في التحويلات المالية إلى القارة.
علاوةً على ذلك، اتخذت إدارة بايدن خطوة مهمة أولى بإشراك أشخاص من أصل إفريقي في صناعة السياسة الأمريكية من خلال تعيينات إدارية متنوعة، بما في ذلك “قائد مشارك للتنمية الدولية” في فريق الانتقال، والمدير التنفيذي المؤقت لوكالة التجارة والتنمية الأمريكية (USTDA)، ونائب وزير الخزانة. كما أنه أنهى حظر السفر الذي فرضه ترامب والذي استهدف بشكل كبير الدول ذات الأغلبية المسلمة والدول الإفريقية، مما يوفّر مرة أخرى فرصة للهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة. يمكن البناء على هذه النجاحات المبكرة وترسيخها. في حين أن إدارة ترامب اتخذت نهجًا أحاديًّا أكثر في تدخلاتها الإفريقية. تم ذلك بشكل رئيسي من خلال المفاوضات التجارية مع دول فردية في القارة، مثل المغرب وكينيا.
في الوقت الحالي، يتذكر القادة الأفارقة قلق الحرب الباردة، عندما خاضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حروبًا بالوكالة في إفريقيا، مما جعلهم حذرين من التنافس بين القوى العظمى. ويرى بعض الأفارقة في الصين نموذجًا تنمويًّا إيجابيًّا. ويتم تعزيز هذا الانطباع الإيجابي من خلال الدبلوماسية الصينية في جميع أنحاء إفريقيا.
ولكن بشكل عام، ستكون الدبلوماسية الأمريكية في إفريقيا أكثر فعالية عندما لا تعمل في سياق “نحن أو هم”، وخاصة مقابل الصين. في بداية إدارة بايدن، أخبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن الحلفاء بأن الولايات المتحدة لن تتوقع منهم الاختيار بين واشنطن وبكين. ومع ذلك، ستتعرض هذه الطريقة لضغوط متزايدة إذا ساءت العلاقات بين القوتين الكبريين.
وعلى الرغم من أن غياب موقف إفريقي متماسك تجاه الولايات المتحدة قد تم تحديده منذ فترة طويلة كأحد العوامل التي تُعيق الانخراط المنتج للقارة مع هذه قوة العالمية ذات التأثير الكبير على المصالح الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية في إفريقيا؛ فإن معالجة هذه الفجوة واستكشاف فرص جديدة لإعادة ضبط وتعزيز العلاقات بين إفريقيا والولايات المتحدة تتطلب تفكيرًا جديدًا وفهمًا صحيحًا للقضايا الرئيسية. وسيساعد هذا في وضع الأساس لتحويل الطبيعة غير المتكافئة للعلاقات بين إفريقيا والولايات المتحدة لمنفعة الطرفين. الفشل في رؤية هذه الفرصة سيكون إضاعة لفرصة إفريقيا في تشكيل خطاب سياسي تجاه الولايات المتحدة.
توقعات أنغولا: تحليل المصالح الأمريكية في إفريقيا
يعتزم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن الوفاء بوعده بزيارة القارة الإفريقية، وذلك في نهاية فترة ولايته، بعد أن لم يتمكّن سلفه دونالد ترامب من القيام بذلك، من خلال الإعلان عن زيارة إلى أنغولا. وعلى الرغم من تأجيل الرحلة، فقد أعلنت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أن بايدن سيحتفل “بتحول العلاقات الأمريكية الأنغولية، ويعترف بدور أنغولا كشريك إستراتيجي وقائد إقليمي، وسيلتقي بالرئيس لورينكو لبحث سبل زيادة التعاون في مجالات الأمن والصحة والشراكات الاقتصادية.”
في 20 مايو 2024م، احتفلت الولايات المتحدة وجمهورية أنغولا بتوقيع الاتفاقيات النهائية لتمويل ثلاثة مشاريع بنية تحتية رئيسية ضمن مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGI) في الممر الرئيسي. تتضمن هذه الاتفاقيات تنفيذ مشاريع بأكثر من 1.3 مليار دولار للطاقة النظيفة والاتصال الراديوي وبنية تحتية للنقل، وتظهر التزام الحكومة الأمريكية المستمر بدعم وتسريع أولويات الاستثمار الاقتصادي لأنغولا.
وكدليل على حرصها على مواجهة الاستثمارات الضخمة للصين في إفريقيا، دعمت الولايات المتحدة مشروعًا يربط بين جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد وميناء لوبيتو الأنغولي بالسكك الحديدية لتجنُّب الازدحام المروري على طريق النحاس والكوبالت.
وفي شهر مارس من العام الجاري، رفعت زيارة الرئيس الأنغولي جواو لورينكو إلى الصين العلاقات بين البلدين إلى “شراكة تعاون إستراتيجية شاملة”. بالإضافة إلى زيارات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنغولا في عامي 2018 و2023م، وتشير هذه اللقاءات إلى تغيُّر المشهد الجيوسياسي الذي تتوق الولايات المتحدة للدخول فيه مجددًا.
من جهة أخرى، شكَّلت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في يناير 2024م، والرحلة المخطط لها لبايدن مشاركات رفيعة المستوى ومهمة على كافة المستويات. كما تُظهر حزم أنغولا المتزايد في وساطتها لإنهاء النزاع في منطقة كيفو الشمالية بالكونغو الديمقراطية؛ حيث يقاتل المتمردون المدعومون من رواندا M23 القوات الحكومية منذ أواخر عام 2021م.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم يمرّ تقاعس أمريكا دون أن يُلاحَظ؛ حيث يدرك الأفارقة جيدًا ويستاءون عن إهمال وعدم احترام الولايات المتحدة للأفارقة. وفي الوقت نفسه، استغلت الدول المنافسة لأمريكا الفرص لتوسيع نفوذها. وأصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري في القارة؛ حيث وضعت ما يقرب من 2 تريليون دولار في الاستثمارات ومشاريع البناء منذ عام 2005م، وسيطرت على مخزون كبير من المعادن النادرة والأساسية لتصنيع السيارات الكهربائية وتقنيات الدفاع الحديثة. من جهتها وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري جديدة مع سبع عشرة دولة إفريقية منذ عام 2015م، وتبني ست قواعد عسكرية جديدة لها في القارة الإفريقية.
وكانت أنغولا في السابق اقتصادًا سوقيًّا، ولكنها الآن تعتمد أكثر على إيرادات النفط من معظم الدول الإفريقية. كما أنها ليست اقتصادًا مستقلًا، وتعاني من مشكلات كبيرة في سوق صرف العملات الأجنبية، والتي تؤثر على الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)؛ حيث لا يستثمر الأجانب كثيرًا في البلاد بسبب تدخلات الحكومة في الاقتصاد.
وبالحديث عن الاستثمار الصيني في أنغولا، لُوحِظَ أن الصينيين يمولون أنغولا لتحقيق مصالحهم الخاصة.
من جهة أخرى فقد شهد عام 2023م، محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز دورها الدبلوماسي رفيع المستوى في القارة، وشهدت القارة وتيرة غير مسبوقة من الزيارات الرسمية وعلى مستوى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى القارة. وخلال العام الماضي، زار 17 من وزراء وقادة الإدارات والوكالات الحكومية الأمريكية 26 دولة في إفريقيا؛ حيث تركزت الزيارات على توسيع الشراكات الموضوعية والمعنوية مع الدول الإفريقية والمؤسسات والشعوب في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك زيارة إلى غانا وتنزانيا وزامبيا، قامت بها نائبة الرئيس كاميلا هاريس؛ حيث أعلنت عن تقديم وضخّ أكثر من 8 مليارات دولار من الاستثمارات في القطاعين العام والخاص في مجالات تغيُّر المناخ والأمن الغذائي وتمكين المرأة والشمول الرقمي في إفريقيا. وقبل هذه الزيارة، سعى بلينكن لطمأنة القادة بأنه، على عكس الإدارات الأمريكية السابقة، ستعامل هذه الإدارة الديمقراطية إفريقيا كشريكٍ متساوٍ.
ومع ذلك، فإن الضغط من أجل أن تحصل إفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي بدون حق النقض يماثل خفض مواطنيها إلى فئة ثانية، كما قال تيم مورثي، أستاذ وباحث مشارك في جامعة كيب تاون، في صحيفة ديلي مافريك بجنوب إفريقيا؛ “في الواقع، ستُحصر إفريقيا مرة أخرى في وضع المتفرجين في قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤثر على حياة شعبها، مما يكرّر الإقصاء التاريخي للدول الإفريقية الذي حدث في يونيو 1945م عندما تأسست الأمم المتحدة رسميًّا في سان فرانسيسكو”، وأشار موريثي، إلى الوقت الذي كانت فيه معظم الدول الإفريقية لا تزال مستعمَرة وغير ممثلة في الهيئة.
إلى جانب ذلك، لم تحمل زيارات بلينكن وهاريس الوزن اللازم، كما قال هدسون؛ حيث زار الرئيس السابق لبايدن، الرئيس باراك أوباما، إفريقيا ثماني مرات. “وأضاف “زيارات الرئيس لإفريقيا نادرة بما يكفي لتكون دائمًا مهمة، على الرغم من أن هذه الزيارة ستكون أقل أهمية؛ لأنها تأتي في نهاية فترة رئاسة ضعيفة”.
تحطيم الحواجز: تحويل العلاقات الأمريكية الإفريقية للمستقبل
عودة الولايات المتحدة لتجاهل حقائق تراجع قوتها وشرعيتها قد عاد لينقلب عليها منذ منتصف عقد 2010م، عندما أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، ووضع الرئيس الصيني شي جين بينغ البلاد على مسار أكثر قوةً وحزمًا.
وتواجه الولايات المتحدة الآن عالمًا متعدد الأقطاب أكثر من أيّ وقت مضى في تاريخها كالقوة العظمى الأولى في العالم. وفي العقود القادمة، ستقرر ديناميكيات القوى العظمى الأمور الأساسية للحرب والسلام، والازدهار والأمان، والتعاون والتنافس.
ومع ذلك، يكمن في دعوة بايدن المتكررة لأمريكا للقيادة بـ”قوة المثال والنموذج الأمريكي”، اعتراف بالوعود الفاشلة والفرص الضائعة التي شوَّهت السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة. بايدن معروف بميله لسياسات التعاطف والتعاون والاحترام، وقد وعد بأن ينفذها في الخارج.
وعلى الرغم من أن الصين تبدو الآن الأكثر تقدمًا كشريك تجاري أجنبي رئيسي للدول الإفريقية؛ إلا أنه من المحتمل أن تزيد جمهورية الصين الشعبية من حوافز الولايات المتحدة للتفاعل بشكل أكبر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (ومع القارة ككل)، وأيضًا لتشكيل توازن مضادّ. ومع مرور الوقت، تضمن الشراكات بين القطاعين العام والخاص بين الشركات الأمريكية والقطاعين العام والخاص في إفريقيا المساءلة والاستخدام الشفاف للأموال.
وفي نهاية المطاف، سيؤدي ذلك إلى تقليل العنف عن طريق تقليص بعض محفزات النزاع. ومع ذلك، فعلى المدى الطويل، ستكون هذه الاستثمارات أكثر فائدة للجميع مقارنةً بأيّ نهج عشوائي. وسيكون تحقيق التناسق بين الحكومات في المبادرات مثل برنامج “إفريقيا المزدهرة” و”طاقة إفريقيا” عبر الحكومة الأمريكية مؤشرًا حاسمًا للنجاح. وستساعد طريقة تنفيذ الإستراتيجية في تقاطعها مع مبادرات الكونغرس الأمريكي في إفريقيا، بما في ذلك التشريعات الحالية مثل قانون AGOA، وقانون توفير الكهرباء لإفريقيا، في الإجابة عن الأسئلة التي قد يطرحها الشركاء الأفارقة حول استمرارية السياسة الأمريكية.
ستظل العلاقة المستدامة والعميقة مع أنغولا بعيدة المنال إذا تجاهلت الولايات المتحدة هذه الحقائق المزعجة. ستفسر زيارة الرئيس بايدن على أنها تأييد لحكومة أنغولا غير الشعبية. ولاحظ كريستوفر إيسيك، مدير المركز الإفريقي لدراسة الولايات المتحدة، جامعة بريتوريا، وزميله، صمويل أويوولي -زميل باحث ما بعد الدكتوراه، قسم العلوم السياسية، جامعة بريتوريا، في The Conversation Africa- أن الزيارة المقترحة لبايدن وسجِلّه في التفاعل مع إفريقيا يضعه في موقف أفضل من سلفه دونالد ترامب، الذي لم يَزُر القارة. ومع ذلك، من المخيب للآمال أنه يُنهي فترة ولايته بزيارة في اللحظة الأخيرة إلى دولة إفريقية واحدة فقط. ومع ذلك، يمكن أن تفتح زيارة أنغولا مزيدًا من الاستثمارات الأمريكية والتعاون المتزايد في التجارة والأمن والفضاء السيبراني والسياسة الدولية.
علاوةً على ذلك، أعرب المحللون وصانعو السياسات الأفارقة عن رأيهم بأن هذا التطوّر يمثل بشكل عام اتجاهًا إيجابيًّا في العلاقات الأمريكية الإفريقية، لكنه يحمل تبعات جيوسياسية واقتصادية وإستراتيجية للعلاقات بين أنغولا والصين، وإفريقيا والصين، والولايات المتحدة والصين. فضلاً عن عكس الاستجابة الإستراتيجية الأمريكية للصعود العالمي للصين وتذكير الصين بالمصالح الأمريكية في إفريقيا، تظهر الزيارة المقترحة مدى استعداد الولايات المتحدة للتودد لإفريقيا في سعيها لاحتواء الصين أو مجاراتها في القارة. لذا يجب على الدول الإفريقية أن تضع نفسها في موقع يمكنها من استغلال الفرص التي تقدمها هذه “الحرب الباردة الجديدة” بين الولايات المتحدة والصين.
وأخيرًا، خلص الخبراء بشكلٍ عامّ إلى أن على الولايات المتحدة إعادة مراجعة علاقاتها مع الدول الإفريقية، والاستماع إلى الأصوات المتنوعة والآراء المحلية في القارة، وتوسيع دائرة الانخراط لتعزيز أهدافها الإستراتيجية لصالح الأفارقة والأمريكيين على حد سواء.