توجهت أنظار العالم نحو العاصمة الصينية بكين مع توافد عشرات القادة الأفارقة لحضور أعمال قمة المنتدى التاسع للتعاون الصيني- الإفريقي FOCAC وسط تقلبات التنافس الدولي والإقليمي على موارد القارة. وبغض النظر عن طبيعة المقاربة الصينية لإفريقيا والعمل على استغلال مواردها لصالح الاقتصاد الصيني بشكل مباشر فإن القمة وضعت ضمن بنودها الأساسية تقديم طاقة نظيفة لإفريقيا.
يقدم المقال الأول توضيحًا لمكانة الصين في السباق الدولي على استغلال الموارد المعدنية الإفريقية التي تسهم بدورها في تقدم تقنيات الطاقة المتجددة؛ أما المقال الثاني فيقدم حالة الطاقة في جنوب إفريقيا وإشكالات توفير موارد طاقوية على المدى القريب؛ بينما قدم المقال الثالث رؤية صينية لإسهامات الصين في دعم توجهات الطاقة النظيفة والتعاون الأخضر مع إفريقيا.
السباق على الطاقة المتجددة يحدد مصالح الصين في إفريقيا ([1]):
تعمقت العلاقات الصينية الإفريقية على مدار العقدين الفائتين واتسمت بزيادة التعاون الاقتصادي، وضخ الاستثمارات وتنمية البنية الأساسية. وتمثل الصين الآن الشريك التجاري الأول لإفريقيا مع تركيز تلك الشراكات على تشييد الطرق والسكك الحديدية ومشروعات الطاقة. ومع انطلاق منتدى التعاون الصيني الإفريقي Forum on China- Africa Cooperation (FOCAC) في الأسبوع الجاري في بكين فإنه ثمة شعار جديد وأخضر يشكل هذه العلاقة وهو السباق العالمي على الطاقة المتجددة. ولقد طلبنا من لورين جونستون، وهي اقتصادية تنمية لديها خبرة في العلاقات الصينية الإفريقية، تقديم أطروحات حول هذه التنمية التي تقود أقاليم العالم المختلفة نحو تغير شامل باتجاه الطاقة الخضراء.
كيف يشكل السباق على الطاقة الخضراء العلاقات بين الصين وإفريقيا؟
خلقت أزمة المناخ العالمية تدافعًا على تكنولوجيا الطاقة المتجددة – مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح- التي ستخفض الاعتماد على موارد الطاقة الملوثة. واتيحت للصين في السنوات الخيرة قيادة مثل هذه الصناعة الجديدة. إضافة إلى ذلك فإن إفريقيا تضم المعادن الهامة اللازمة لتكنولوجيات الطاقة المتجددة مثل النحاس والكوبالت والليثيوم، وهي المكونات الرئيسة لتصنيع البطاريات. ومن ثم فإن السباق على الطاقة الخضراء يقود إلى سباق على هذه المعادن في إفريقيا بقيادة الصين والولايات المتحدة وأوروبا. ويتركز الوجود التعديني الصيني في إفريقيا، والذي يقل كثيرًا عن الوجود التعديني الغربي في القارة، في خمسة دول هي غينيا، وزامبيا، وجنوب إفريقيا، وزيمبابوي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن بين الدول السابقة يتركز السباق على موارد الطاقة الخضراء في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، وتضم الدول الثلاث ما يعرف بحزام النحاس الإفريقي، وتضم أكبر ترسيبات لليثيوم والنحاس والكوبالت في إفريقيا. وتتمتع جمهورية الكونغو الديمقراطية بأهمية خاصة إذ تملك احتياطات غنية من الكوبالت والنحاس رفيع الدرجة وكذلك من الليثيوم. وتنتج وحدها أكثر من 70% من الإنتاج العالمي من الكوبالت، ويتم إنتاج 15-30% منه في شكل تعدين غير رسمي وعلى نطاق صغير. وتعد الصين المستثمر الأجنبي الرئيس في الكونغو إذ تملك نحو 72% من مناجم الكوبالت والنحاس العاملة في الكونغو، بما فيها منجم تينكي فونجورومي Tenke Fungurume Mine (خامس أكبر منجم للنحاس في العالم وثاني أكبر منجم للكوبالت في العالم). وتتمكن مجموعة CMOC Group الصينية، وهي أكبر شركة لتعدين الكوبالت في العالم، من إنتاج ما يصل إلى 70 ألف طن من الكوبالت بفض عملياتها في منجم كيسانفو Kisanfu الجديد. وفي العام 2019 كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية والصين مسئولتان عن إنتاج نحو 70% من الإنتاج العالمي من الكوبالت.
مع رفع الصين استثماراتها في هذه المعادن الخضراء، ما مخاوف الدول الإفريقية؟
إن تصاعد سيطرة الصين على معادن الطاقة المتجددة الرئيسة يقود إلى تحديات متنوعة لموردي المعادن الإفريقية. وبالنسبة للدول الإفريقية فإن ذلك يثير مخاوف تنموية- فهناك الكثير من الدول التي تريد تحقيق قيمة مضافة لمعادنها داخليًا بدلًا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام إلى الصين ثم استيرادها في شكل سلع مصنعة. وواجهت الصين انتقادات بسبب تخليها عن المصالح الإفريقية والتركيز على تحقيق قيمة مضافة في الصين وليس في إفريقيا. يفتقر الكثير من الأفراد والصناعات في إفريقيا الوصول لطاقة يعول عليها ومتوفرة – وتتطلع الصناعة المحلية للاستحواذ على تلك السوق.
وعلى سبيل المثال، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تسيطر الصين على أكثر من 80% من خطوات التصنيع العالمية المتعلقة بصنع اللوحات الشمسية. ويمثل تركيز الإنتاج في الصين، مع المنافسة، دافع لخفض أسعار اللواح الشمسية العالمية. وتتطلع صناعة الطاقة الشمسية في الصين لسد فجوة الطاقة في إفريقيا وتقديم طاقة مستدامة للملايين ممن لا يتوفر لديهم وصول للطاقة. وعلى سبيل المثال، في تجمع منتدى التعاون الصيني الإفريقي الجاري في بكين، يتوقع أن تعمق الصين من برنامج الحزام الشمسي الإفريقي Africa Solar Belt Programme وهو أجندة تحظى بدعم معهد الموارد العالمية World Resources Institute وتسعى، إلى جانب استخدام الطاقة الشمسية لجسر الفجوة الطاقوية في إفريقيا، إلى التركيز على إمداد المدارس ومرافق الرعاية الصحية بالطاقة الشمسية أيضًا. وتسعى دول مثل جنوب إفريقيا إلى الرد على الهجمة الصينية بفرض رسوم جمركية على واردات تكنولوجيا الطاقة الشمسية من أجل حماية صناعتها المحلية.
جنوب إفريقيا ترفع الدعم لمجموعات الطاقة بعد خروج توتال ([2]):
أشارت جنوب إفريقيا إلى عزمها دعم مجموعات الطاقة الأجنبية بعد سحب توتال انيرجيز TotalEnergies خططها بتطوير أكبر اكتشافات البلاد من الغاز. وأكد وزير الطاقة الجنوب إفريقي كجوشنتشو راموكوبا Kgosientsho Ramokgopa، الذي وصف قرار توتال بالانسحاب من حقلي برولبادا Brulpadda و لوبيرد Luiperd لإنتاج الغاز المتوقع في البلاد بالخطوة المثيرة للسخط الكامل، أن بلاده ستبذل جهدًا أكبر لضمان استغلال مثل هذه الموارد على نحو أكثر جاذبية تجارية. وأضاف راموكوبا في تصريحاته أن “الغاز الطبيعي أرخص بكثير من الغاز المستورد، لذا فغننا بحاجة لبذل مزيد من العمل مع اللاعبين الذين يمكنهم أن يساعدوننا في استغلال هذه الاحتياطيات”. ويقع حقلا برولبادا ولوبيرد على بعد 175 كم قبالة سواحل البلاد الجنوبية مع احتياطات إجمالية تقدر ببليون برميل بترول مكافئ. وقد أنفقت توتال بالفعل، والتي تملك حصة 43% في الحقلين، نحو 400 مليون دولار على تطويرهما لكنها قالت إن المشروع “صعب للغاية لدرجة عدم إمكان تطويره اقتصاديًا”. ورفضت توتال التعليق على المشروع أكثر من ذلك، لكن متخصصون في الصناعة أخبروا الفاينانشيال تايمز أن فشل شركة بتروسا PetroSA للبترول والتي تديرها الدولة قد فشلت في التوصل لاتفاق لشراء الغاز من المشروع وهو ما يمكن معه التفسير الجزئي لقرار الشركة الفرنسية. وكان الرئيس التنفيذي لبتروسا ساندسيوي نسيمين Sandisiwe Ncemane قد قال العام الماضي أن الطراق “لم تلتقيا سويًا حول مسالة الأسعار”.
وتستعد جنوب إفريقيا، التي خرجت للتو من نحو عقد كامل من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي بسبب مشكلات لدى إسكوم Eskom مورد الطاقة الرئيس في البلاد، لمواجهة موجات نقص حاد في الغاز في الأعوام الثلاثة القادمة حسب وزير الطاقة راموكوبا. وأن هذا النقص يلي إعلان شركة ساسول Sasol، التي تزود البلاد بالغاز الطبيعي من موزمبيق، أنها خططت لوقف تسليم شحنات الغاز للمستهلكين الصناعيين في العام 2027 مع نضوب حقول الغاز؛ الأمر الذي دفع وزير الطاقة الجنوب إفريقي للتأكيد على الحاجة للعمل عن كثب مع شركات الطاقة العالمية الأخرى بالرغم من الأنباء الإيجابية في الأسبوع الجاري باستحواذ توتال انيرجيز على حق تشغيل منطقة لاستكشاف البترول في ساحل جنوب إفريقيا الغربي.
وستتولى الان شركة Africa Energy Corp (AEC) المدرجة في البورصات الكندية وشريك توتال في حقلي برولبادا ولوبيرد، 100% من حقوق تشغيل الحقلين وتسعى للبحث عن شركاء فنيين من أجل تطوير إنتاجهما المرتقب. لكن الشركة قالت أن استغلال الحقلين سيكون أكثر صعوبة دون وجود المجموعة الفرنسية. أما جوني كوبلين Johnny Copelyn، الرئيس التنفيذي لشركة هوسكن للاستثمارات Hosken Consolidated Investments، والتي تملك حصة في شركة AEC الكندية، خلال الاجتماع السنوي للشركة في السبوع الماضي أن جنوب إفريقيا تملك احتياطات غاز كبيرة لكن تطويرها يتعلق بتوفر إرادة سياسية للحكومة لدعم القطاع (أم لا).
بأي حال فإن مطلعين في توتال أكدوا للفاينانشيال تايمز أن قرارها ليس قائمًا على السياسة لكنه مستند للتعقيد التقني في استغلال ما تم العثور عليه في أعماق 200-1800 متر وعدم حسم كيفية جعل المشروع تجاريًا. واكد روب نيكوليلا Rob Nicolella، الرئيس التنفيذي لشركة AEC الكندية أنه من المرجح أن تكون ثمة مجموعة من السباب الاقتصادية والمتعلقة ببيئة العمل في جنوب إفريقيا هي السبب في انسحاب توتال.
وبينما قال خبراء أن توقعات إنتاج الطاقة في جنوب إفريقيا تبدو متفائلة بشكل مبالغ فيه، فإنها لا تزال تقدم إسهامًا كبيرًا لشبكات نقل الكهرباء، بينما قدرت هيئة البترول الجنوب إفريقية Petroleum Agency SA، التي تنظم عمليات استكشاف البترول والغاز، إمكان إسهام المشروع بنحو 450 مليون دولار سنويًا لخزائن الحكومة. وقال جيمس ماكاي J. Mackay، الرئيس التنفيذي لمجلس الطاقة الجنوب إفريقي، وهو هيئة خاصة تمثل شركات الطاقة الجنوب إفريقية أنه من الخطأ إرجاع انسحاب توتال إلى فشل الحكومة أو رغبة توتال في تفادي الدول التي توجد بها مخاطر (اقتصادية)؛ ولفت إلى أن توتال “تواصل العمل في مشروعاتها في مناطق أكثر هشاشة في موزمبيق، لذا فإن الشركة الفرنسية لن تخجل من مواجهة السياسة أو المخاطر” وعلى الأرجح فإن عامل ربحية المشروع وجدواه الاقتصادية كان المحدد للقرار.
التعاون الأخضر بين الصين وإفريقيا([3]):
افتتاحية صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية بالتزامن مع الافتتاح الرسمي لأعمال منتدى التعاون الصيني الإفريقي اهتمت بالتعاون الأخضر بين الجانبين باعتباره أحد أهم الموضوعات المرتقبة في أعمال المنتدى. وقد أثار إطلاق الحوار الصيني الإفريقي حول البيئة والتغير المناخي China-Africa Dialogue on Environment and Climate Change وما تلاه من إطلاق مبادرة تقوية التعاون الصيني الإفريقي من أجل تنمية خضراء ومستدامة Initiative on Strengthening China-Africa Cooperation for Green and Sustainable Development نقاشات موسعة. وبعدها بوقت قصير، خلال اجتماعات مع الرئيس شي جينبينغ، عبر قادة أفارقة من دول مثل جنوب إفريقيا وكينيا وزيمبابوي عن ترحيب تعميق الصين تعاونها معهم في مجالات مثل الطاقة الجديدة. وفي بيان مشترك أعلنت الصين وجنوب إفريقيا استضافتهما المشتركة لمؤتمرات الاستثمار الطاقوي الجديد New Energy Investment Conferences من قبل غرف أو جمعيات تجارية من الجانبين.
إن التنمية الخضراء ليست مجرد جزء من ثماني مبادرات رئيسة وتسعة برامج طبقت من قبل الصين وإفريقيا على نحو مشترك تحت مظلة منتدى التعاون الصيني الإفريقي FOCAC، لكنها مجال رئيس لتعاون الحزام والطريق رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا. إذ تملك إفريقيا موارد طاقة متجددة غنية مثل الرياح والطاق الشمسية والحرارية، مما وفر لها مقدرات لمعالجة نقص الطاقة في القارة عبر التنمية الخضراء. إن تجربة الصين في التنمية الخضراء والمساعدة في نشرها يمكن أن تساعد في تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة. وتظهر بيانات أنه بحلول العام 2027 يتوقع أن ينمو سوق الدراجات الكهربائية الإفريقية إلى 5.07 بليون دولار. وأثار هذا التوقع حماس العديد من الشركات الإفريقية للتعاون مع الشركات الصينية من اجل إنتاج الدراجات الكهربائية وبيعها.
وفي مثال آخر فإن مبادرة “السور الأخضر العظيم” Great Green Wall، التي أطلقت في العام 2007 من قبل الاتحاد الإفريقي، تمثل تقليدًا للبرنامج الصيني البارز Three- North Shelter Forest Program. ومن أجل مساعدة إفريقيا لمواجهة التصحر استضافت الصين ورش عمل متخصصة ودورات تدريبية فنية وقامت بإرسال خبراء لصياغة خطط عملية. وقد حققت مبادرة “السور الأخضر العظيم” عبر جهود مشتركة نتائج كبيرة.
وقد ظل التعاون الأخضر جانبًا هامًا في التعاون الصيني الإفريقي. وإلى اليوم وقعت الصين 19 مذكرة تفاهم بين الجنوب- الجنوب حول التغير المناخي مع 17 دولة أفريقيا، ومع الأقسام الإيكولوجية في سبعة دول إفريقية انضمت لتحالف التنمية الخضراء الدولية بمبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative International Green Development Coalition..
وقد نفذت الصين المئات من مشروعات الطاقة النظيفة والتنمية الخضراء في إفريقيا. وشاركت الصين منذ العام 2021 في بناء أكثر من 120 مشروع مناخي إفريقي. كما أن مشروعات التخفيف من آثار التغير المناخي وبناء مزارع رياح ومحطات طاقة مائية وغيرها. ويمثل التقارب الصيني الإفريقي في مجال التعاون الأخضر ساحة مثالية تكشف عن انتهاز الصين وإفريقيا فرصة تاريخية لجولة جديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي. مع ملاحظة أن هذا التعاون لم يظهر فجأة كما انه لم يتطور بين ليلة وضحاها. إن تحمس إفريقيا للتعاون في قدرات إنتاج الطاقة الجديدة يتبلور في مساعيها الإيجابية لتحقيق التنمية. إن التعاون بين الصين وإفريقيا يمثل أحد اتجاهات تعزيز التحديث الصناعي المشترك. …………………………………..
[1] Lauren Johnston, China’s interests in Africa are being shaped by the race for renewable energy, The Conversation, September 2, 2024 https://theconversation.com/chinas-interests-in-africa-are-being-shaped-by-the-race-for-renewable-energy-237679
[2] Rob Rose, S Africa signals more support for energy groups after Total exits gas project, Financial Times, September 3, 2024 https://www.ft.com/content/8f1d761f-ab6d-4f77-bb0d-94823d49b39b
[3] Global Times, China-Africa green cooperation has strong inherent momentum: Global Times editorial, Global Times, September 4, 2024 https://www.globaltimes.cn/page/202409/1319188.shtml