تضمُّ جزر القمر (رسميًّا: الاتّحاد القمَري) ثلاث جُزُر في المحيط الهندي، قبالة سواحل شرق إفريقيا. وكانت مايوت – الجزيرة الرابعة من أرخبيل جزر القمر تعتبرها الحكومة القمرية – ضمن أراضيها، لكنها تُدَار من قِبَل فرنسا.
وقد جذبت التطورات في البلاد مؤخرًا انتباه المجتمع الدولي بسبب الصراع بين جزر القمر وفرنسا حول جزيرة مايوت, ولفضيحة فساد تتعلق ببرنامج بيع الجنسية للأجانب, وإعلان رئيس الجمهورية أن بلاده ستُجري استفتاءً دستوريًّا في يوليو المقبل لتحديد فترة الولاية الرئاسة – وهو ما قد يؤدِّي إلى إجراء انتخابات مبكّرة في 2019م, أي؛ قبل عامين من موعدها المقرر في 2021م.
فضيحة بيع الجنسية للأجانب:
أفاد تقرير برلماني – قُوبِلَ بردود أفعال متباينة بين القمريين, أن رئيسين سابقين للبلاد – وهما أحمد عبدالله سامبي وإكليل ظنين, ضالعان في تزوير منظم باختلاس ملايين الدولارات عبر برنامج لبيع جوازات سفر جزر القمر للأجانب. وهو برنامج تعرَّض للنقد منذ إطلاقه وأوقفه الرئيس الحالي غزالي عثماني عقب فوزه في الانتخابات عام 2016م.
وتعود القضية إلى عام 2008م عندما أطلقت جزر القمر نظام “الاستثمار لجوازات السفر”، بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة والكويت، لمنح جنسيتها لأفراد “عديمي الجنسية” من الخليج الذين يُعْرَفُونَ باسم “بِدُون” أو “بدون الجنسية”. وفي المقابل، يُتوقع أن تحصل جزر القمر على استثمارات كبيرة من الدولتين الغنيتين بالنفط.
وبحسب التقرير الذي جمعه البرلمان في ديسمبر, “يجب على المحاكم أن تنظر في قضايا اختلاس الأموال العامة، والتآمر التي يتورط فيها الرئيسان وزملاؤهما”.
كان الاتفاق المبدئي للبرنامج أن تُمْنَح 4000 أسرة من الـ”بدون” جنسيةَ جزر القمر مقابل 200 مليون دولار لإنفاقها في مشاريع البنية التحتية الرئيسة بالبلاد. وقد أُصْدِرَ خلال السنوات التالية لعام 2008م ما يقرب من 48 ألف جواز سفر في إطار البرنامج، ولكنَّ عددًا قيلاً فقط من الـ”بدون” هم مَن حصلوا عليه, بينما بِيعَ أكثر من 6000 جواز سفر “خارج القنوات القانونية”.
وتكمن أهمية جوازات السفر الصادرة عن جزر القمر في كونها تَمْنَح حامليها الحق في السفر بدون تأشيرة إلى العديد من الاقتصادات العالمية الرئيسة -بما في ذلك إندونيسيا، ماليزيا، وهونغ كونغ. ولكنها تُدووِلت على نطاق واسع في السوق السوداء، واستفادت منها “شبكات المافيا الموازية التي باعتها تحت غطاء الجنسية الاقتصادية”.
ومن بين المتهمين أيضًا ابن أخ الرئيس الأسبق سامبي؛ إذ تمكَّن من “طباعة العديد من جوازات السفر حسب رغبته” في شركة بلجيكية. كما سُرِقَ معظم الرسوم المدفوعة لجوازات السفر – وهي ما بين 25,000 و 200,000 يورو. ويعتقد أن الدولة فقدت ما يصل إلى 971 مليون دولار، أي 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
لقد “حقق البرنامج موارد مالية كبيرة، ولكن لسوء الحظ، فإن جزءًا كبيرًا من العائدات لم يصل أبدًا إلى خزانة الدولة”؛ كما يقول التحقيق البرلماني.
أما سامبي, فقد اتهمه التفرير بالحصول على “مكافأة” قدرها 105 ملايين دولار للتوقيع على الصفقة بينما حصل ظنين على 29 مليون دولار “لتشجيعه”، وفقًا لما ذكره المشرِّعون.
وقد نفى الرئيسان السابقان بشدة هذه الاتهامات أثناء تقديمهما الدليل للتحقيق البرلماني: “لقد واجهتنا صعوبات مالية، وقيل لنا إن البرنامج يمكن أن يساعدنا في تنفيذ المشاريع”؛ هكذا قال ظنين للجنة التحقيق. “لكن الأمر لم يكن واضحًا، لا أحد – بمن فيهم أنا – يعلم ما كان يحدث”.
وعلى حدّ تعبير أحد وزراء سامبي السابقين، أحمد البرواني قال: “الرئيس سامبي لا يرى أي شيء (ذي أهمية) في هذه الفضيحة,” مضيفًا “أنها لجنة تهدف إلى الوصول لشخص ما أو لإسكات شخص ما” ، مشيرًا إلى أن سامبي ظل منافسًا في الانتخابات الرئاسية القادمة.
أما رئيس البلاد الحالي عثماني, فهو لا يزال يتعهد بتكوين فِرَق قانونية للتعامل مع الفضيحة.
“إن قضية الجنسية الاقتصادية حسَّاسة للغاية. فقد تضرَّرت مصداقية بلدنا وفخره.. يجب أن تُستخدم كمثال لأن أولئك الذين يديرون البلدان يجب أن يعرفوا دائمًا أنهم في أيّ وقت يتحملون مسؤولية الطريقة التي يديرون بها المناصب العامة”.
مايوت: صراع السيادة بين جزر القمر وفرنسا
لقد واجهت فرنسا في الشهر الماضي ما يُطلق عليه محللون “تحديًا سياديًّا”, وذلك للموقف الجريء الذي اتخذته جزر القمر ضد فرنسا – “مستعمرها” السابق, بعد أن قامت الحكومة الفرنسية بترحيل “المهاجرين القمريين” من مايوت إلى جزر كومورو (في جزر القمر).
إن جزءًا من بقايا الكولونيالية وعاداتها – يقول الكاتب النيجيري المقيم في كينيا, سوقراتس مبامالو – هو “أن العديد من الجزر تطالب بها دول استعمارية، مثل فرنسا، الدنمارك، وبريطانيا؛ فقد اشترت فرنسا الجزيرة (مايوت) في عام 1841م. وهو نفس ما فعلته الولايات المتحدة عندما اشترت جزر فيرجن من الدنمارك في عام 1917م. لكن حكومة جزر القمر تدَّعِي السيادة في جزيرة مايوت (المجاورة)”.
وتظاهر آلاف الأشخاص في يوم 12 (الخميس) من أبريل الماضي, في موروني عاصمة اتحاد جزر القمر, تأييدًا لموقف الحكومة القمرية وتأكيدًا على أن جزيرة مايوت جزءٌ من جزر القمر. وذلك في وقت تشهد فيه مايوت الخاضعة لإدارة فرنسا توترات قوية تتعلق بالهجرة غير الشرعية.
فقد تعرضت مايوت في وقت سابق من مارس، لموجة من الاحتجاجات الاجتماعية من قبل سكانها ضد انعدام الأمن والهجرة من جزر القمر. فطردت السلطات الفرنسية “المهاجرين القمريين غير الشرعيين” من الجزيرة. لكن حكومة جزر القمر ردَّت برفضها لقبول عودة المواطنين المطرودين ومنعهم من دخول الأراضي القمريين. وهي بهذه الخطوة تريد إثبات موقفها – وهو أن جزيرة مايوت ضمن أراضيها وتابعة لها وليست لفرنسا.
وفي أعقاب المحادثات الدبلوماسية التي عُقِدَت في موروني بين وزير الخارجية القمرية محمد الأمين سويف, ووزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية، جان بابتيست ليموين, أكد الجانبان رغبتهما في الدخول في حوار متجدد لتنفيذ جميع التدابير الرامية إلى تنشيط العلاقات بين باريس وموروني بشكل تدريجيّ.
يُذْكَر أنه في استفتاء عام 1974م، صوَّت سكان مايوت على البقاء سياسيًّا كجزء من فرنسا, بينما استقلت جزر القمر عن فرنسا عام 1975م. وأصبحت جزيرة مايوت منطقة خارجية للاتحاد الأوروبي في 1 يناير 2014م. وعلى عكس الأراضي التي سيطرت عليها فرنسا سابقًا، والتي تستخدم الفرنك كعملة رسمية، فإن العملة في مايوت هي اليورو، وتُعتبر دوليًّا من الأراضي الفرنسية.
ودائمًا ما تثير طبيعة العلاقات بين القوى الكولونيالية و “مستعمراتها السابقة” اهتمام الكتاب والباحثين داخل إفريقيا. إذ ارتبطت فرنسا بالعديد من الاضطرابات والانقلابات في إفريقيا، وكان معظمها ضد رؤساء دول غرب إفريقيا الذين أرادوا استعادة السيادة الحقيقية لبلادهم وممارسستها.
كما أن التحدي الذي تمثله جزر القمر لفرنسا حول السيادة في مايوت يعيد إلى الذاكرة ذلك النقاش المستمرّ حول استخدام عملة الفرنك من قبل “المستعمرات الفرنسية” في غرب إفريقيا، وكيف تحاول فرنسا التشبّث بشكل رهيب بماضيها الكولونيالي – حتى عندما تريد الدول الإفريقية إحراز التقدم والانتقال إلى صفحة جديدة في تاريخها.
تحديد الفترة الرئاسية:
يرى عدد من المراقبين أن قرار الرئيس غزالي عثماني حول الفترة الرئاسية قد يكون عاملاً رئيسًا للاستقرار, إلا أنهم أيضًا يشيرون إليه كخطوة تسمح له بإدارة البلاد لفترة ولايتين جديدتين أخريين – مدة كل منها خمس سنوات, بدلاً من فترة ولاية واحدة (غير قابلة للتجديد) مدتها خمس سنوات كما نص عليها الدستور.
وسيؤدي الاستفتاء في حال تمريره إلى إلغاء قانون التناوب للسلطة كل خمس سنوات بين الجزر التي تكونت منها البلاد – القمر الكبرى، أنجوان وموهيلي. على الرغم من أن هذا القانون الدستوري للتناوب يهدف إلى تعزيز الاستقرار، وتقاسم السلطة في جزر القمر التي شهدت أكثر من 20 انقلابًا أو محاولة انقلاب منذ استقلالها.
“في حالة فوز الاستفتاء بدعم المواطنين, فستجرى الانتخابات الرئاسية في 2019م وليس في 2021م”؛ هكذا قال الرئيس عثماني الذي ينحدر من القمر الكبرى, يوم الأحد الماضي خلال زيارته لجزيرة أنجوان.
وفي حين لا تزال تفاصيل الاستفتاء غير منشورة بعد، فقد أوصى حوار وطني تم الانتهاء منه مؤخرًا بإمكانية إعادة انتخاب رئيس البلاد. مما يفتح الباب أمام الرئيس لحكم البلاد لمدة فترتين رئاسيتين والبقاء في السلطة بعد عام 2021م عندما تنتهي فترة ولايته الحالية.
وبحسب ما تقلته وكالة فرانس برس, قال مستشار (طلب عدم نشر اسمه) إن “رئيس الدولة أشار إلى أنه إذا وافق الاستفتاء على تعديل الدستور، فستكون هناك انتخابات سيشارك (الرئيس) فيها”.
وقد استولى غزالي عثماني وهو ضابط سابق في الجيش على السلطة في انقلاب عام 1999م، وحكم حتى عام 2006م بعد فوزه في أول انتخابات متعددة الأحزاب في البلاد عام 2002م. وأُعيد انتخابه في عام 2016م.
وأدَّى تعليق الرئيس عثماني للمحكمة الدستورية – أعلى محكمة في البلاد، إلى اندلاع أزمة في الشهر الماضي؛ حيث استنكرت المعارضة هذه الخطوة، ووصفتها بأنها “إساءة استخدام للسلطة”.
المصادر:
* The Citizen: Comoros ex-presidents embroiled in passport sale scandal, Published on 10 April, 2018, Retrieved from:
* This is Africa: Comorian government in tussle with France over French Island, Mayotte, Published on 16 April, 2018, Retrieved from:
* Reuters: Comoros to Hold Referendum on Presidential Term Limits in July. Published on 30 April, 2018, Retrieved from: https://reut.rs/2Fxz9Em