د. نرمين كمال طولان
مقدمة:
أنتاناناريفو هي عاصمة مدغشقر، وأكبر مدنها ومركزها الاقتصادي. عُرفت باسمها الفرنسي “تاناناريف” أو الاختصار الاستعماري “تانا” حتى عام ١٩٧٧م. وهي عاصمة منطقة أنالامانغا ومقاطعة أنتاناناريفو التي تتمتع بالحكم الذاتي. تأسَّست المدينة عام ١٦١٠م. ويحيط بالمدينة حصنان مبنيان على تلال تقع إلى الشرق والجنوب الغربي منها. تقع المدينة على ارتفاع 1280 مترًا فوق مستوى سطح البحر في وسط جزيرة مدغشقر، مما يجعلها أعلى عاصمة وطنية من حيث الارتفاع بين الدول الجزرية. وهي أكبر مركز سكاني في البلاد منذ القرن الثامن عشر. وتتمتع أنتاناناريفو بتاريخ عريق يمتدّ لأكثر من 500 عام. وتأسست المدينة في القرن الخامس عشر، وهي عاصمة مدغشقر منذ القرن السابع عشر.
التسمية والتاريخ:
تقع أنتاناناريفو على ارتفاع 1280 مترًا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1.6 مليون نسمة، وقد أسَّسها ملك ميرينا أندريانجاكا حوالي عام 1610م، عندما طرد شعب فازيمبا ليؤسس مملكة إيمرينا. وأعلنها عاصمةً له، وبنى أندريانجاكا موقع روفا (مسكنًا ملكيًّا محصنًا)، والذي توسَّع فيما بعد ليصبح القصور الملكية لمملكة إيمرينا “ميرينا”.
وكانت أنتاناناريفو في الأصل موقعًا لمدينة تُدعى أنالامانجا، وتعني “الغابة الزرقاء” بلهجة المرتفعات الوسطى من اللغة الملجاشية. تأسست أنالامانجا على يد قبيلة فازيمبا، أول سكان الجزيرة. احتفظت المدينة باسم أنالامانجا حتى عهد الملك أندرياماسينافالونا الذي أعاد تسميتها أنتاناناريفو (“مدينة الألف”)، ويعني اسمها “مدينة الألف” باللغة الملغاشية؛ تكريمًا لجنود أندريانجاكا التي استولت على المدينة. مما يعكس تاريخها الغني وأهميتها الثقافية. وتُعدّ أنتاناناريفو القلب الإداري والاقتصادي والتعليمي والثقافي لمدغشقر؛ حيث تضم المطار الدولي الوحيد في البلاد، وتجذب العلماء والسياح البيئيين الذين ينجذبون إلى التنوع البيولوجي الفريد في مدغشقر.
الخلفية التاريخية:
مرت مدغشقر ومدينة أنتاناناريفو بالعديد من التطورات عبر التاريخ منذ استقرار الهجرات المختلفة التي قدمت إليها، وتكوين الممالك الصغيرة لفترة تكوين الإمبراطوريات، ويمكن تتبع هذا التطور من خلال النقاط التالية:
- استقرار الهجرات والعشائر
أشار العديد من الباحثين في تاريخ مدغشقر مثل “أيدان دبليو. ساوثهول ومورين أ. كوفيل” إلى أن حوالي عشرين مجموعة عرقية قدمت إلى مدغشقر استقرت في الألفية الأولى على طول سواحلها بفضل مناخها الدافئ، الذي يُناسب ذوي البشرة الداكنة، وكذلك لاعتبارات زراعية. كان يحكمها زعماء قبائل، لكنّهم لم يُطالبوا بلقب الملوك، بل كانوا مجرد رؤساء أُسَر، وكانت سُلطتهم تقتصر على أُسَرهم، ثم في الألفية الثانية، جاءت هجرة ثانية للشعوب إلى مدغشقر، مما أجبَر بعض سكان المناطق الساحلية على الصعود إلى الهضبة الجبلية، وخاصةً في القرنين الثاني عشر والرابع عشر.([1])
- تكوين الممالك
تتمثل تلك الفترة في تاريخ مدغشقر في توطيد العائلات والقبائل الملجاشية في شكل ممالك مستقلة، تتمتع بتنظيمها الخاص واستقلاليتها ودفاعها وأشكال تجارتها مع الخارج ومع المجموعات العرقية الأخرى الموجودة في المنطقة الجغرافية نفسها. تقع فترة تكوين الممالك الملجاشية بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر. ويخلص كامبل إلى أن ذروة هذه الفترة تتمثل في اتساع نطاق مملكة ميرينا كقوة إمبراطورية تسعى إلى بسط سيطرتها على الممالك الأخرى في الجزيرة الحمراء.([2])
وتعود فكرة المملكة إلى العصر العربي، مع صعود الخلافة الإسلامية في القرن السابع؛ حيث سيطر التجار المسلمون على طرق التجارة الرئيسية في المحيط الهندي، من الساحل الشرقي لإفريقيا إلى أرخبيل إندونيسيا. وبسبب المعارك داخل الخلافة الإسلامية، بدأت مجموعات من أصول عربية وإسلامية بالبحث عن ملاذ في أماكن أخرى، وخاصةً في شرق وجنوب شرق إفريقيا. خلال هذه الغزوات الاستيطانية للأراضي الجديدة المواتية، بدأت جماعات عربية وإسلامية بالاستقرار على سواحل مدغشقر، من خلال الاندماج في مجتمعات قائمة بالفعل.
- التوسع وقيام الامبراطوريات
ظلت المدينة عاصمة مملكة ميرينا الأولى حتى عام 1710م، عندما انقسمت المملكة إلى أربعة أرباع متحاربة. أصبحت أنتاناناريفو عاصمة الربع الجنوبي حتى عام 1794م، وخلال الحرب الأهلية التي استمرت 77 عامًا، والتي تلت ذلك، برزت عاصمة المنطقة الشرقية في أمبوهيمانغا.
ونجح آخر ملوك أمبوهيمانغا، أندريانامبوينيميرينا، في غزو أنتاناناريفو عام 1793م، وأعاد توحيد مقاطعات ميرينا، منهيًا الحرب الأهلية. ونقل العاصمة السياسية للمملكة إلى أنتاناناريفو عام ١٧٩٤، وأعادها عاصمة لمملكة ميرينا المتحدة “الثانية”، وأخضع أيضًا الجماعات العرقية المجاورة لسيطرة ميرينا. استمرت هذه الفتوحات في عهد ابنه، راداما الأول، الذي سيطر في النهاية على أكثر من ثلثي الجزيرة، مما جعله يُعتبر ملكًا لمدغشقر مِن قِبَل الدبلوماسيين الأوروبيين.
اعتلى راداما الأول، ابن أندريانامبوينيميرينا، العرش بعد وفاة والده عام ١٨١٠م، وكانت أنتاناناريفو أكبر مدينة وأهمها اقتصاديًّا في الجزيرة؛ حيث بلغ عدد سكانها أكثر من ٨٠ ألف نسمة.
فتح راداما المدينة أمام المستوطنين الأوروبيين الأوائل، وهم المبشرون الحرفيون التابعون لجمعية لندن التبشيرية (LMS) الذين وصلوا عام ١٨٢٠م وافتتحوا أولى المدارس العامة في المدينة. وأدى إخضاع راداما للجماعات العرقية الملجاشية الأخرى إلى خضوع ما يقرب من ثلثي الجزيرة لسيطرته. اعترف به الدبلوماسيون البريطانيون الذين أبرموا معاهدات تجارية مع راداما “حاكمًا لمدغشقر”، وهو منصب ادّعى هو وخلفاؤه ذلك رغم عدم تمكنهم من فرض سلطتهم على الجزء الأكبر من جنوب الجزيرة. بعد ذلك، أعلن ملوك ميرينا أنتاناناريفو عاصمة للجزيرة بأكملها.([3])
- الاستعمار الفرنسي
- بدأ الأوروبيون استكشاف أراضي مدغشقر في القرن السادس عشر، وبدأ الفرنسيون في إنشاء مستوطنات عام ١٦٤٣م. وفي عام ١٨٨٣م، غزت فرنسا مدغشقر لأول مرة احتلت فرنسا مدغشقر عام ١٨٩٥م. ففي ١٤ يناير ١٨٩٥م، نزلوا مع قواتهم في ميناء ماجونغا الشمالي الغربي، ووصلوا إلى العاصمة أنتاناناريفو في العام نفسه، وتولوا حكمها. وبإعلانها الجزيرة مستعمرة، احتفظت الإدارة الفرنسية بأنتاناناريفو عاصمةً لها، ونسخت اسمها إلى تاناناريف.([4])
وبسبب الثورات الشعبية العارمة، المعروفة بثورة مينالامبا (ثورة القمصان الحمر)، والتي اندلعت بين عامي 1895 و1897م، أُرسل الجنرال الفرنسي جوزيف سيمون غالياني إلى مدغشقر حاكمًا لاستعادة النظام؛ فقام بحل النظام الملكي في فبراير 1987م، وأرسل الملكة رانافالونا الثالثة وزوجها، رئيس الوزراء رينيلايريفوني، إلى فرنسا، وبعد ذلك قامت الحكومة الفرنسية بنفيهم إلى الجزائر. وهكذا، دخلت مدغشقر مرحلة أخرى، هي المرحلة الاستعمارية، استمرت حوالي سبعين عامًا.
- شهدت تلك الفترة استغلال الاستعمار المتزايد للشعب، باستخدام الهيكل الذي شكَّلته سلطة ميرينا بالفعل من خلال العمل القسري بأجور زهيدة والنظام القاسي. أُجبر جميع من كان لديهم إمكانية الحصول على التعليم على تعلم اللغة الفرنسية. ورغم تشجيع إنشاء التعاونيات الإنتاجية، إلا أن تصدير المنتجات الملغاشية إلى السوق الخارجية كان في صالح فرنسا، وليس مدغشقر، مما أدَّى في النهاية إلى انتفاضة 1947-1948م. قُوبلت هذه الانتفاضة برفضٍ شديد، وأُسيِئَ إدارتها مِن قِبَل السلطات الاستعمارية الفرنسية، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح، لا سيما بين الملغاشيين الذين تعرَّضوا للتعذيب والإعدام والتجويع.([5])
- الاستقلال
- سعت مدغشقر للنضال ضد الاستعمار الفرنسي، وكان أهمها انتفاضة مدغشقر ضد الاستعمار الفرنسي عام 1947م. لكن في النهاية اختارت مدغشقر نهجًا سلميًّا للعمل مع الإدارة الاستعمارية الفرنسية من أجل انتقال تدريجي للسلطة في عملية إنهاء الاستعمار. اختارت فرنسا مرشحيها المفضلين من الأحزاب الملغاشية، رئيسًا مستقبليًّا للدولة الملغاشية المستقلة. أعلن رسميًّا، على رأس حزب الحزب الديمقراطي الاجتماعي (PSD)، تأسيس جمهورية مدغشقر في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1958م، دولةً جديدةً لها عَلمها ونشيدها الوطني.
- تضم المدينة الآن مقر الرئاسة والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا، بالإضافة إلى 21 بعثة دبلوماسية، ومقر العديد من الشركات الوطنية والدولية والمنظمات غير الحكومية. تضم المدينة جامعاتٍ ونوادي ليلية ومراكز فنية وخدمات طبية أكثر من أي مدينة أخرى في الجزيرة. وتتخذ من أنتاناناريفو مقرًّا للعديد من الفرق الرياضية الوطنية والمحلية.
السكان واللغة والدين:
- السكان
ترى الدراسات الاستشراقية أن شعب مدغشقر كان في البداية يتكون من قبائل البانتو القادمة من شرق إفريقيا. وتشير إلى أن قبائل البانتو القادمة من شرق إفريقيا لم تكن أول مَن استوطن مدغشقر، بل الماليزيون الإندونيسيون. وتؤكد أن هجرة قبائل البانتو حدثت، وعندما وصلوا إلى الجزيرة، وجدوا سكانًا من فترة ما قبل البانتو. وتُقدّم تلك الدراسات أدلة لغوية وأنثروبولوجية تفيد بأن السكان الأصليين على الساحل الغربي لمدغشقر كانوا يتحدثون لغة البانتو، وأنهم سود البشرة وشعرهم مجعّد، بينما في الأجزاء الأخرى من الجزيرة، فإن سكانها من ذوي البشرة الفاتحة ذوي الشعر الأملس والبشرة الفاتحة، ويتحدثون “بوكي”، أي الملغاشية، من أصل مالايو بولينيزي.([6]) ويعتبر الميرينا هم أكبر مجموعة من السكان الأصليين في مرتفعات مدغشقر. يتحدثون لهجة الميرينا من اللغة الملغاشية، والمعروفة أيضًا باسم لغة هوفا. الميرينا هي اللغة الوطنية في مدغشقر، ويتحدث بها حوالي ربع السكان.([7])
- اللغة
تتمتع مدغشقر اليوم بوحدة لغوية أساسية؛ حيث تُتحدث اللغة الملجاشية على نطاق واسع تقريبًا. إلا أن هناك استثناءين طفيفين اليوم. هناك بعض القرى ثنائية اللغة على طول الساحل الغربي؛ حيث تتحدث عائلات المهاجرين الجدد لغة “ماكوا”، وهي لغة بانتو من موزمبيق وفي جزيرة “نوزي بي”، يتحدث متحدثون ثنائيو اللغة باللغة السواحيلية. في عام ١٦١٣م، وصف الباحث “لويس ماريانو” لغتين في مدغشقر: لغة إفريقية على طول الساحل الشمالي الغربي، ولغة مشابهة للملايو على سواحل أخرى وفي المناطق الداخلية.([8])
ويسكن مدغشقر اليوم أناسٌ قدموا من جميع هذه الهجرات والثقافات: الاسترونيزية، وشرق إفريقية، وعرب، وهنود، والتي استقرت عليها تأثيرات يهودية، وصينية، وبرتغالية، وفرنسية، وبريطانية عبر التاريخ في أجزاء مختلفة من الجزيرة، وخاصةً في المناطق الساحلية، من خلال هجرات مُختلفة، وكانت الثقافة الأكثر تأثيرًا قادمة من فرنسا.([9])
- الدين
المسيحية هي الديانة السائدة للميرينا. اعتنق نبلاء الميرينا البروتستانتية خلال القرن التاسع عشر، بعد أن شجَّع الملك راداما الأول على إنشاء البعثات التبشيرية البروتستانتية. ويوجد أكثر من ٥٠٠٠ مبنى كنسي في المدينة وضواحيها، بما في ذلك كاتدرائية أنجليكانية وكاتدرائية كاثوليكية. أنتاناناريفو هي مقر أبرشية الروم الكاثوليك في مدغشقر. وتوجد كنائس ومعابد مسيحية مثل كنيسة يسوع المسيح في مدغشقر (الشركة العالمية للكنائس الإصلاحية)، والكنيسة اللوثرية الملجاشية (الاتحاد اللوثري العالمي)، وجمعيات “الله”، ورابطة الكنائس المعمدانية الكتابية في مدغشقر (التحالف المعمداني العالمي)، وأبرشية أنتاناناريفو للروم الكاثوليك (الكنيسة الكاثوليكية). كما توجد مساجد ومراكز إسلامية.([10])
المناخ:
تتمتّع أنتاناناريفو بمناخ شبه استوائي رطب مع تحديد موسم الجفاف، والذي يتميز بشتاء معتدل وجاف وصيف دافئ ممطر. تهطل معظم الأمطار السنوية المتوسطة في المدينة بين شهري نوفمبر وأبريل. تتراوح درجات الحرارة المتوسطة اليومية من 22.1 درجة مئوية في ديسمبر إلى 15.6 درجة مئوية في يوليو.
الأنشطة الاقتصادية:
- الزراعة والتجارة والصناعة
يَعتمد اقتصاد مدغشقر بشكل كبير على الزراعة، وهو اقتصاد يعتمد في معظمه على الكفاف. المحاصيل النقدية الرئيسية هي البن والفانيليا وقصب السكر والقرنفل والكاكاو. أما المحاصيل الغذائية الرئيسية فهي الأرز والكسافا والموز والفاصوليا والفول السوداني. والمحاصيل النقدية (القهوة، والفانيليا، والقرنفل)، بالإضافة إلى زراعة اللفت. وقد أدخل المستعمرون الأوائل زراعة الأرز، وهي تعتمد على تقنيات الري التقليدية الموجودة في إندونيسيا والهند. وبحلول القرن الثامن عشر، كان الأرز يُزْرَع بكثرة، وصدَّرت مدغشقر الأرز ومنتجات زراعية أخرى، لا سيما إلى جزيرة ريونيون القريبة. وخلال الفترة الاستعمارية، أُدخلت محاصيل جديدة.([11]) بالإضافة إلى ذلك، تُربَّى أعداد كبيرة من الدواجن والماشية والماعز والأغنام والخنازير. كما يُعدّ صيد الأسماك والغابات من القطاعات المهمة.([12])
تُمثّل الصناعة حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي لمدغشقر، وتتركّز بشكل كبير في أنتاناناريفو. وتشمل الصناعات الرئيسية إنتاج الصابون، ومعالجة الأغذية والتبغ، والتخمير، والمنسوجات، وصناعة الجلود.
- السياحة
تشتهر مدغشقر بتنوّعها البيولوجي الفريد، وأنتاناناريفو ليست استثناءً. تُحيط بالمدينة مناظر طبيعية خلابة، تشمل الجبال والبحيرات والغابات. تُوفّر بحيرة أنوسي ملاذًا خلابًا في قلب المدينة. وتضمّ المدينة عددًا من الجامعات والنوادي الليلية والمراكز الفنية والخدمات الطبية يفوق أي مدينة أخرى في الجزيرة.
تشمل المعالم التاريخية الرئيسية في المدينة القصور الملكية المُعاد بناؤها وقصر أندافيافاراترا، وضريح رينيهارو، وحديقة حيوان تسيمبازازا، وملعب ماهاماسينا، وبحيرة أنوسي، وأربع كاتدرائيات شهداء من القرن التاسع عشر، ومتحف الفن والآثار. كما تستهدف السياحة البيئية، مستفيدةً من التنوع البيولوجي الفريد في مدغشقر، وموائلها الطبيعية البكر، وأنواع الحيوانات، تُعدّ الساحة البيئية قطاعًا واعدًا. وتضم المدينة مطارًا دوليًّا، بالإضافة إلى خطوط سكك حديدية تربطها بمدينة تواماسينا (تاماتاف)، وهي ميناء بحري على المحيط الهندي.([13])
وقد أدرجت اليونسكو عددًا من مواقع مدغشقر ذات القيمة الثقافية والطبيعية المهمة ضمن قائمة التراث العالمي. ومن بين هذه المناطق: التل الملكي في أمبوهيمانجا، الذي يقع بالقرب من أنتاناناريفو، والذي يحتوي على مدينة ملكية ومقبرة وعدد من المواقع المقدسة؛ وغابات أتسينانانا المطيرة، التي تتكون من ست حدائق وطنية تقع في الجزء الشرقي من الجزيرة؛ ومحمية تسينجي دي بيماراها الطبيعية الصارمة، التي تقع في غرب الجزيرة، والتي تُشكّل، بغاباتها ومستنقعاتها وبحيراتها وقممها، موطنًا مهمًّا لبعض الحيوانات البرية النادرة والمهددة بالانقراض في مدغشقر.
الثقافة والفنون:
يتميز المجتمع الملجاشي بتنوع ثقافي وديني واسع؛ نظرًا لأصوله الممتدة إلى المناطق الإندونيسية، وشرق إفريقيا، والهندية، والعربية، والإسلامية، ولاحقًا الأوروبية. وهذا يعني أن هناك مرونة كافية في العلاقات داخل المجتمع، ودرجة عالية من قبول الآخر، والتسامح مع المختلف.
وتهتم مدينة نتاناناريفو، عاصمة مدغشقر بالمرافق البحثية حيث يوجد بالمدينة ما لا يقل عن ثمانية مرافق بحثية تحتوي على مواد أرشيفية: الأرشيف الوطني (فويبيني أريسيفام-بيرينينا مالاجاشي)؛ والأكاديمية المالجاشية؛ ومركز المعلومات والتوثيق العلمي والتقني (CIDST)؛ والمكتبة الوطنية (ترانومبوكي-بيرينينا)؛ ومكتبة الجامعة؛ وثلاثة أرشيفات كنسية (اللوثرية الأمريكية، واللوثرية النرويجية، والكاثوليكية).([14])
في أنتاناناريفو وجميع أنحاء المرتفعات، تُمارس عائلات ميرينا وبيتسيليو مراسم فاماديهانا، وهي مراسم إعادة دفن الأسلاف. تُقام هذه المراسم عادةً بعد خمس إلى سبع سنوات من وفاة أحد الأقارب، ويُحتفل بها بإخراج رفات القريب الملفوفة باللامبا من قبر العائلة، وإعادة لفها بأكفان حريرية جديدة، وإعادتها إلى القبر. ويُدعى الأقارب والأصدقاء والجيران للمشاركة في الموسيقى والرقص والولائم المصاحبة لهذا الحدث. جدير بالذكر أن إقامة فاماديهانا مُكلّف؛ إذ تُضحي العديد من العائلات بمستويات معيشية أعلى لتوفير المال اللازم للحفل.
أهم التقاليد والعادات والمهرجانات:
- الأطعمة المميزة للمدينة
- ماسيكيتا Masikita
ماسيكيتا هو طبقٌ شعبيٌّ أصيلٌ من أطباق الشوارع الملغاشية، يُجسِّد جوهر الإبداع الطهوي للجزيرة. إنه طبقٌ بسيطٌ من أسياخ لحم الزيبو، يُقدّم مع الأرز. يُشوى اللحم وتُضاف إليه الصلصات الحارة التقليدية لإضفاء نكهة مميزة.
- رومازافا Romazava
طبق تقليدي يُقدّم في أنتاناناريفو. وهو عبارة عن يخنة مصنوعة من لحم البقر أو لحم الخنزير أو الدجاج، مع مجموعة متنوعة من الخضراوات المحلية. يُتبّل الطبق بـ “راو-أومبي”، وهو عشب فريد من مدغشقر، وهو ما يُضفي عليه نكهة مميزة.
- كوبا Koba
كوبا وهي نوع من الكعك المصنوع من الأرز الدبق والموز والفول السوداني، تُلفّ بأوراق الموز ثم تُطهى على البخار. كوبا حلوة المذاق ولزجة، وتُباع غالبًا في أسواق الشوارع في المدينة.
- رانوفولا Ranovola.
رانوفولا مشروب فريد من مدغشقر، يُحضّر في أنتاناناريفو. يُحضّر بغَلْي الأرز في الماء، ثم يُصفّى ويُشرب الماء. مع أنه قد يبدو بسيطًا، إلا أن رانوفولا جزءٌ أساسيٌّ من الثقافة الملغاشية، وكثيرًا ما يُتناول مع الوجبات.
- رافيتوتو Ravitoto
عبارة عن أوراق مهروسة من نبات الكسافا (المنيهوت). يمكن تقديم هذا الطبق الأخضر الداكن، الشبيه بالسبانخ، نباتيًّا تمامًا، كما هو الحال عند تقليبه مع حليب جوز الهند وبعض التوابل.
- سمك البلطي على الطريقة الملغاشية Tilapia à la Malagasy
هو سمك مطبوخ في صلصة مكونة من الطماطم، والجرجير، والبصل، والثوم، والزنجبيل، وأعشاب ونكهات أخرى. النتيجة سمك طري ونكهات رائعة.
- أشهر المهرجانات
تستضيف أنتاناناريفو، عاصمة مدغشقر، العديد من المهرجانات البارزة. من أهمها:
- الأحمدي بي Alahamadi Be
يُعد هذا المهرجان، المعروف أيضًا باسم رأس السنة الملغاشية، احتفالًا نابضًا بالحياة يتميز بالموسيقى والرقص وعروض الثقافة الملغاشية. ويُقام في مارس ويستمر يومين. تجوب الحشود الشوارع احتفالًا، وتُزين المنازل بالأضواء، ويتبادل الأصدقاء والعائلة التهاني والتبريكات. وتُضْفِي الموسيقى والرقصات التقليدية أجواءً احتفالية مميزة.
- ماداجازكار Madajazzcar
يجذب مهرجان الجاز الدولي هذا موسيقيين من جميع أنحاء العالم، مما يخلق أجواءً احتفالية ويعرض المواهب المحلية.
- هيرا غاسي Hira Gasy
يتضمن هذا الفن الأدائي التقليدي الملغاشي الموسيقى والرقص والمسرح، وغالبًا ما يُزيَّن بأزياء زاهية.
- يوم الشهداء Martyrs’ Day
يُحتفل به أيضًا في التاسع والعشرين من شهر مارس كل عام؛ إحياءً لذكرى ثورة عام ١٩٤٧م ضد الاستعمار الفرنسي، والتي أدت في النهاية إلى استقلال مدغشقر، ويُعتبر هذا اليوم عطلة رسمية تُخلّد فيها ذكرى الشهداء تقديرًا لتضحياتهم.
- فاماديهانا Famadihana
هذا الحدث التقليدي، المعروف باسم تقليب العظام، هو طقس عائلي يستمر ثلاثة أشهر، ويبدأ في يونيو في مدغشقر. تُستخرج جثث أفراد العائلة والأجداد المتوفين حديثًا من القبور، وتُكفن بأكفان حريرية، ثم تُدفن مجددًا.([15])
أهم المعالم السياحية:
- قصر الملكة Rova (Queen’s palace)
يُعدّ قصر الملكة بلا شك أشهر معالم أنتاناناريفو، يقع القصر على أعلى تل في المدينة، مما يجعله وجهةً فريدة. قصوره الأربعة المصنوعة من الخشب الثمين، والمعبد، والمقابر الملكية، محفوظةٌ جيدًا، والمنظر البانورامي للمدينة ساحرٌ حقًّا! بُني هذا المقرّ السابق لملوك وملكات مدغشقر من الخشب عام ١٨٣٧ على يد جان لابورد في عهد الملكة رانافالونا الأولى، ثم غُطِّي بالحجر عام ١٨٦٧م على يد جيمس كاميرون في عهد الملكة رانافالونا الثانية.([16])
- قصر أندافيافاراترا Andafiavaratra Palace
أصبح قصر رئيس الوزراء خلال عهد آخر الملكات متحفًا يعرض فيه قطعًا ثمينة نجت من حريق روفا عام 1995م، مثل السترة الحمراء لراداما الأول، ومجوهرات المرجان الملكية، وصور ملكية متنوّعة، وإكليل الملكة الأخيرة.
- تلة أمبوهيمانغا الملكية The Royal Hill of Ambohimanga
شكّلت تلة أمبوهيمانغا المقدسة نقطة انطلاق فتوحات أندريانامبوينيميرينا. وهي اليوم مُدْرَجَة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتُعدّ موطنًا لأثمن تراث في إيمرينا. يتميز هذا المُجمّع المُحصّن بجدار تقليدي، ويضمّ منزل أندريانامبوينيميرينا المُكوَّن من غرفة واحدة، بالإضافة إلى جناحين خشبيين من طابق واحد. لا يزال منزل الملك العظيم الصغير مُؤثثًا بممتلكاته الأصلية (أسرّة، رماح، مغارف، … إلخ)، ولا تزال الأجنحة مُؤثثة أيضًا. من خلال زيارة هذا المكان، يُمكنك اكتشاف كيف عاش الملوك والملكات وكبار الشخصيات وكيف احتفلوا بالأحداث المهمة.([17])
- حديقة تسيمبازازا النباتية Tsimbazaza
تضم حديقة تسيمبازازا للحيوانات حديقة حيوانات تضم مشتلًا، ومتحفًا للحفريات، ومتحفًا للإثنولوجيا. بالإضافة إلى عرض حيوانات ونباتات مدغشقر، تعرض الحديقة أيضًا أحافير ديناصورات، بما في ذلك عمود فقري وعظام. ومن أبرز معالمها الهيكل العظمي الكامل لطائر الفيل، الذي يبلغ ارتفاعه 3 أمتار. وقد بلغ وزن هذا الطائر خلال حياته حوالي 500 كيلوغرام([18]).
- منتزه الليمور، Lemurs’ Park
منتزه محمي أنشأته جمعية خيرية فرنسية يابانية، ويؤوي في الغالب حيوانات الليمور التي تم إنقاذها من الأسر غير القانوني أو محاولات التهريب. يهدف إلى إعادة إدخال جزء من حيواناتها إلى بيئتها الطبيعية. زُرعت أكثر من 6000 شجرة في هذه الحديقة التي تبلغ مساحتها 5 هكتارات، مما يحافظ على العديد من النباتات والحيوانات المهمة في مدغشقر. تتيح الحديقة فرصة مشاهدة مجموعة متنوعة من الليمور عن قرب، وهو أمرٌ يصعب رؤيته في إحدى حدائق مدغشقر الوطنية أو في حديقة حيوانات غربية.([19])
خاتمة:
تستمد مدينة أنتاناناريفو ” تانا” جاذبيتها من مزيجها الأخّاذ من التأثيرات الإفريقية والشرقية والغربية، والتي تظهر بوضوح في هندستها المعمارية وثقافتها. إلى جانب جمال طبيعتها الفريدة والمتنوعة من الغابات والنباتات والحيوانات النادرة وتلالها المقدسة لدى شعبها العريق. وهي حاليًّا المركز الرئيسي للأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية في مدغشقر.
…………………………………….
[1] – Marcel Saitis: Madagascar: Shaping a People’s Identity through Its History. Scientia Moralitas International Journal of Multidisciplinary Research . Vol. 7, No. 1, 2022..Pp.62-77
[2] – Marcel Saitis: Madagascar: Shaping a People’s Identity through Its History. Scientia Moralitas International Journal of Multidisciplinary Research . Vol. 7, No. 1, 2022..Pp.62-77
[3] – https://www.google.com/search?q=antananarivo&oq=Antananarivo&gs
[4] – https://www.google.com/search?q=antananarivo&oq=Antananarivo&gs
[5] – Marcel Saitis: Madagascar: Shaping a People’s Identity through Its History. Scientia Moralitas International Journal of Multidisciplinary Research . Vol. 7, No. 1, 2022..Pp.62-77
[6] – Marcel Saitis: Madagascar: Shaping a People’s Identity through Its History. Scientia Moralitas International Journal of Multidisciplinary Research . Vol. 7, No. 1, 2022..Pp.62-77
[7] –https://study.com/academy/lesson/merina-history-culture-facts-people.html
[8] – Robert E. Dewar 1’3 and Henry T. Wright 2: The Culture History of Madagascar. Journal of World Prehistory, Vol. 7, No. 4, 1993.pp417-459.
[9] – Marcel Saitis: Madagascar: Shaping a People’s Identity through Its History. Scientia Moralitas International Journal of Multidisciplinary Research . Vol. 7, No. 1, 2022..Pp.62-77
[10] – https://www.google.com/search?q=antananarivo&oq=Antananarivo&gs
[11] – Michel Garenne: An atypical urban famine. Antananarivo, Madagascar. https://horizon.documentation.ird.fr/exl-doc/pleins_textes/divers17-07/010044968.pdf
[12] – Hubert Deschamps , Yvonne Brettt: Tradition and change in Madagascar, 1790–1870
Published online by Cambridge University Press: 28 March 2008
[13] – Jeffrey C. Kaufmann: Archival Research in Antananarivo, Madagascar: The National Archives1
Published online by Cambridge University Press: 13 May 2014.
[14] – Jeffrey C. Kaufmann: Archival Research in Antananarivo, Madagascar: The National Archives1
Published online by Cambridge University Press: 13 May 2014.
[15] – https://www.iexplore.com/articles/travel-guides/africa/madagascar/festivals-and-events
[16] –https://www.madagascartravel.com/guide-madagascar/destination/antananarivo
[17] – https://en.wikivoyage.org/wiki/Antananarivo
[18] –https://www.madagascartravel.com/guide-madagascar/destination/antananarivo
[19] -https://en.wikivoyage.org/wiki/Antananarivo