الأفكار العامة:
- التوجُّه نحو اتفاق سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بوساطة أمريكية-قطرية بهدف احتواء التوتر المزمن في المنطقة.
- التوقيع الرسمي على الاتفاق النهائي في واشنطن آخر الشهر الجاري، بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
- أبرز العناصر التي يتضمنها مشروع الاتفاق: الأمن، السياسة، المؤسسات، الاقتصاد.
- التساؤلات العالقة في مشروع الاتفاق: انسحاب حركة التمرد إم23، السماح بعودة اللاجئين، نزع السلاح، وايصال المساعدات الإنسانية.
بقلم: عثمان باديان
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
وقعت جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا “اتفاق سلام”؛ يهدف إلى وضع حدّ للأعمال العدائية في شرق الكونغو، وهي المنطقة التي تشهد توترات وصراعات مستمرة منذ عدة سنوات.
وكان قد تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق في 18 يونيو 2025م، بعد عدة أيام من المحادثات في واشنطن، بحضور أليسون هوكر، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية.
وأفاد البيان أن “الفريقين التقنيين من الكونغو الديمقراطية ورواندا وقَّعا بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق السلام، وذلك بحضور أليسون هوكر، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية”.
وتم التوقيع الرسمي على الاتفاق النهائي في واشنطن آخر شهر يونيو الجاري، بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
وتأتي هذه المحادثات بعد سنوات من الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي تصاعدت حدّته هذا العام مع سيطرة حركة “إم23” المدعومة من رواندا على مناطق واسعة، شملت مدينتي غوما وبوكافو الرئيسيتين. وفي تعليق له على منصة “إكس”، أكَّد المتحدث باسم الرئيس فيليكس تشيسيكيدي أن “الاندماج المشروط” للمقاتلين لا يمكن أن يتم إلا عبر برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المجتمعي وتحقيق الاستقرار (P-DDRCS)، وهو ما يعكس تمسك الحكومة بمبادئ عملية نيروبي.
أجرى كلّ من أليسون هوكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، ومسعد بولس، كبير المستشارين لشؤون إفريقيا، محادثات دامت ثلاثة أيام مع وفود تقنية من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
ما الذي يتضمنه مشروع الاتفاق؟
تتضمَّن الخطوط العريضة للاتفاق، التي يجري وضع اللمسات الأخيرة عليها، عدة عناصر:
- الجانب الأمني: الانسحاب المسبق للقوات الرواندية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقف إطلاق النار الشامل، التحقق مِن قِبَل آلية أمنية مشتركة مدعومة من الأمم المتحدة، التزام متبادل بعدم دعم الجماعات المسلحة ((M23، القوات الديمقراطية لتحرير رواندا.
- الجانب السياسي: نزع سلاح حركة 23 مارس تدريجيًّا، وإدماجها المشروط في حوار وطني كونغولي.
- حماية المدنيين وعودة آمنة للاجئين، وفتح ممرات إنسانية تحت إشراف وكالات الأمم المتحدة.
- الجانب المؤسسي: إنشاء آلية أمنية مشتركة، يدعمها مراقبون دوليون، لرصد الحدود وتنسيق عمليات السلام، وتقديم تقارير عامة فصلية.
- الجانب الاقتصادي: إعادة إطلاق الاستثمار في البنية التحتية والموارد المعدنية (النحاس والكوبالت والليثيوم)، وإصلاح القطاع الأمني الكونغولي، وإعادة تأهيل RN2 ومحور غوما-بوكافو. وتدرس الولايات المتحدة، عبر مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية (DFC)، إطلاق برنامج استثماري في المنطقة، يكون مشروطًا بتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي لضمان استدامة المشاريع التنموية.
هذا وقد تصاعَد النزاع المستمر منذ عقود، مطلع هذا العام، عندما تمكنت حركة التمرد «إم23» من السيطرة على مساحات شاسعة من المناطق الغنية بالمعادن في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
من جهتها، تنفي رواندا دعمها للحركة، وتبرّر وجودها العسكري في المنطقة بأنه إجراء دفاعي لمواجهة التهديدات التي تمثلها جماعة «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا»، المؤلفة إلى حد كبير من عرقية الهوتو المرتبطة بالإبادة الجماعية عام 1994م. في المقابل، تتهم رواندا الحكومة الكونغولية بدعم تلك الجماعة، وهو ما تنفيه كينشاسا.
وقد سيطرت حركة «إم23» على مدينة غوما في أواخر يناير، ثم استولت على بوكافو، وأنشأت سلطات محلية في المناطق التي بسطت نفوذها عليها. وأسفر النزاع عن مقتل آلاف المدنيين، ونزوح مئات الآلاف خلال الأشهر الأخيرة.
تساؤلات رئيسية معلقة:
رغم الخطوط العريضة للاتفاق، لا تزال هناك تساؤلات رئيسية معلقة، منها:
– هل ستنسحب حركة «إم23» فعلاً من المناطق التي تحتلها؟
– هل يعني التزام «احترام وحدة الأراضي» اعتراف رواندا بوجود قواتها داخل الكونغو واستعدادها لسحبها؟
– هل ستُنفّذ فعليًّا خطة «عودة اللاجئين» من رواندا إلى الكونغو؟
– هل يشمل «نزع السلاح» تسليم حركة «إم23» لأسلحتها فورًا؟
– مَن هي الجهة التي ستتولى نزع سلاح «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا»، بعد فشل المحاولات السابقة؟
– وهل سيتم فعليًا فتح مطار غوما لإيصال المساعدات الإنسانية
الوساطة الإستراتيجية الأمريكية:
بعد خسارة الحكومة الكونغولية لمناطق واسعة في الشرق، توجَّهت كينشاسا إلى الولايات المتحدة طلبًا للدعم، ويبدو أنها عرضت بالمقابل منح واشنطن فرصًا للوصول إلى معادن حيوية. فالمنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية تزخر بالكولتان ومعادن أساسية تدخل في صناعة الإلكترونيات العالمية.
واستجابت الولايات المتحدة بتفعيل دبلوماسية هجومية، وفي منتصف أبريل، جمعت الطرفين على إعلان مبادئ. ومنذ ذلك الحين، كثَّفت وزارة الخارجية الأمريكية، عبر مبعوثين مثل ماركو روبيو ومسعد بولس، جهود الوساطة بدعم من قطر والاتحاد الإفريقي وأنغولا.
الهدف المُعلَن هو التوصل إلى “حزمة أمن وتنمية” شاملة، تدمج وقف إطلاق النار، نزع السلاح، والاستثمار في مشروع متكامل.
لكن خلف هذه المساعي تبرز أيضًا أبعاد تنافس جيوسياسي: فواشنطن، التي تخسر مواقعها أمام النفوذ الصيني في قطاع التعدين الإفريقي، تسعى لضمان استقرار سلاسل إمداد المعادن الإستراتيجية، مما يجعل من تحقيق الاستقرار الإقليمي أولوية قصوى ضمن إستراتيجيتها الاقتصادية والأمنية.
ما هي فرص نجاح الاتفاق؟
رغم أهمية الاتفاق، تبقى فُرَص نجاحه محلّ شكٍّ، خاصةً في ضوء إخفاقات سابقة. ففي العام الماضي، تم التوصل مرتين إلى اتفاق بين خبراء من رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بوساطة أنغولا، بشأن انسحاب القوات الرواندية والتعاون ضد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا. لكنّ عدم تصديق وزراء البلدين على الاتفاقات أدَّى إلى فشلها، وانسحاب أنغولا من دور الوساطة في مارس.
الاتفاق الجديد يُلْزِم الطرفين باحترام السلام الإقليمي، ووقف الأعمال العدائية، لكنّ السؤال الأهم هو: ما إذا كان سينجح في فرض واقع جديد في المناطق التي تسيطر عليها حركة “إم23″، وهو ما لم يتضح بعد.
فنجاح الاتفاق يتوقف على تنفيذه الواقعي: انسحاب القوات، نزع سلاح المتمردين، إشراك المجتمعات المحلية، وضمان بيئة أمنية مستقرة.
وفي منطقة تتكرر فيها الانتكاسات، قد تكون هذه الفرصة من بين آخر المسارات الممكنة لإنهاء دوامة العنف، ما يدعو المحللين إلى الترحيب الحذر بالمبادرة.
قال مفيمبا فيزو ديزوليلي، الباحث الكونغولي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز: إن ما يُميِّز الاتفاق الحالي بين الكونغو الديمقراطية ورواندا هو انخراط الولايات المتحدة، لكنَّه أكَّد أن هذا الالتزام لا يضمن التنفيذ على الأرض، مستشهدًا بتاريخ طويل من الوعود غير المُنفَّذة وخَرْق وقف إطلاق النار.
وأشار النقاد، بحسب ديزوليلي، إلى غياب آليات فعَّالة للعدالة الانتقالية، وغياب الاعتراف الرسمي بالانتهاكات السابقة، وعدم كفاية حماية المجتمعات المتضررة.
ورغم وصفه للمبادرة الأمريكية بأنها “تاريخية”، شدَّد على أنها لا تُخفي القصور البنيوي في العملية برُمّتها. وقال: “لا يمكن التقليل من أهمية هذا الاتفاق، فبعد أكثر من ثلاثين عامًا من النزاع بين الكونغو ورواندا، تُعدّ مشاركة الولايات المتحدة في السعي نحو اتفاق سلام، ليس فقط لأسباب إنسانية، منعطفًا دبلوماسيًّا مُهمًّا”.
إن الصراع في منطقة البحيرات الكبرى لا يرتبط فقط بالثروات المعدنية، بل يعكس تعقيدات أعمق تشمل توترات الهوية، والصراعات على الشرعية، والنزاعات الإقليمية حول الأراضي والنفوذ.
على أرض الواقع، فإن معظم الجماعات المسلحة من أصل كونغولي. أما على الجانب الرواندي، فإن إغراء استمرار السيطرة على المناطق الغنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية هو موضع استنكار إقليمي ودولي. وصرح الخبير ديزوليلي بقوله: إن “كيغالي تَعتبر هذه الأراضي مناطق ذات اهتمام إستراتيجي، لكن هذا ليس حقًّا”. إن اعتماد منطق “الوضع العسكري القائم” تحت ذريعة ملاحقة متمردي “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” يُعمِّق أزمة انعدام الثقة بين الأطراف.
ويرى الباحث ديزوليلي أن الأساس الذي يقوم عليه المشروع الحالي مُضلّل؛ إذ يفترض أن السلام يمكن تحقيقه عبر تقاسم أو استغلال الثروات الطبيعية، مثل المعادن الحيوية في إقليم كيفو. لكنّه يَعتبر هذا التصوُّر خطأً جوهريًّا، مؤكدًا أن السلام لا يُبنَى على الموارد، بل يتطلب معالجة الأسباب العميقة للنزاع، التي تتمثل في قضايا المواطنة، والحقوق، والهوية، والنفوذ الإقليمي، والمطالبات غير المشروعة بالأراضي. كما عبَّر عن قلقه من أن الوعود غير الواقعية قد تُضْعِف فرص نجاح هذه المبادرة على المدى الطويل.
……………………………………
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/cvgelw411j4o