آية محسب عبد الحميد مصطفى
باحثة دكتوراه/ معهد البحوث والدراسات الإفريقية ودول حوض النيل- جامعة أسوان
تمهيد:
في ظل التحوُّلات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، برزت القارة الإفريقية مجددًا كأرض تنافس إستراتيجي بين القوى الكبرى، مدفوعةً بثِقَلها الديموغرافي، ومواردها الطبيعية الحيوية، وحاجتها المتنامية للبنية التحتية والتنمية المستدامة.
وبينما تُعزّز الصين وروسيا من حضورِهما الاقتصادي والسياسي داخل القارة عبر مشاريع البنية التحتية الكبرى ومبادرات الطاقة والموارد؛ تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تموضعها في المشهد الإفريقي، من خلال أدوات جديدة تجمع بين القوة الاقتصادية والمرونة الدبلوماسية، مع التركيز على الشراكات الاستثمارية بدلاً من المقاربات التقليدية القائمة على المساعدات.
تأتي قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية يونيو 2025م التي انعقدت في مدينة لواندا بأنغولا في الفترة من 22 إلى 25 يونيو الجاري في هذا السياق الجيو–اقتصادي المضطرب، لتعكس اختبارًا حقيقيًّا لقدرة الطرفين، الأمريكي والإفريقي، على بناء نموذج شراكة يقوم على المصالح المتبادلة والتنمية المشتركة، وليس فقط على معادلات النفوذ الجغرافي والسياسي.
مقدّمة:
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا لافتًا في التنافس الجيو–اقتصادي بين القوى الكبرى داخل القارة الإفريقية، في ظل ما تُمثِّله من ثِقَل سكاني، وموارد إستراتيجية، وفرص نمو واعدة. وفي هذا السياق، مثَّلت قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025م، التي انعقدت في العاصمة الأنغولية لواندا، محطة بارزة لرصد ملامح التحوُّل في الرؤية الأمريكية تجاه إفريقيا، من منطق “المساعدات التنموية” إلى ما يُوصَف بـ”الدبلوماسية التجارية” القائمة على الاستثمار وتوسيع النفوذ عبر أدوات السوق.
فقد عكست فعاليات القمة، التي شارك فيها أكثر من 2000 مسؤول ورجل أعمال وممثلين عن مؤسسات تمويل دولية، تغيُّرًا نوعيًّا في الخطاب الأمريكي الرسمي، تمثّل في ربط أدوات السياسة الخارجية الأمريكية بقدرتها على دعم توسع القطاع الخاص داخل القارة، وتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات إستراتيجية، من أبرزها المعادن النادرة، والطاقة النظيفة، والبنية التحتية الإقليمية.
في المقابل، جاءت رسائل القادة الأفارقة أكثر وضوحًا وصلابة، داعيةً إلى شراكة صناعية عادلة، تضع حدًّا للأنماط التقليدية من العلاقات غير المتكافئة، وتُمهِّد لبناء منظومة إنتاجية إفريقية قادرة على توليد القيمة المضافة محليًّا، ودمج الاقتصادات الوطنية في سلاسل القيمة العالمية.
كما برزت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) كأداة تفاوضية مركزية في الخطاب الإفريقي، تسعى لتوحيد الرؤية حول التكامل الإقليمي وتعزيز قدرة القارة على التفاوض كشريك جماعي في مواجهة القوى الكبرى.
يهدف هذا المقال إلى تحليل أبرز محاور قمة أنغولا 2025م، من خلال خمس زوايا رئيسية:
- التحوُّل الأمريكي من منطق “المعونات” إلى “الدبلوماسية التجارية”.
- المطالب الإفريقية ببناء شراكة صناعية عادلة.
- مشروع لوبيتو كمؤشر على إعادة التموضع الأمريكي في سباق المعادن.
- AfCFTA كرافعة للتكامل والتفاوض.
- الاتفاقات والتوصيات الختامية للقمة، ومدى جدواها الفعلية في تعزيز أجندة التنمية الإفريقية.
ومن خلال هذا التحليل، يسعى المقال إلى استكشاف ما إذا كانت الشراكة الأمريكية الجديدة مع إفريقيا تمثل تحوّلًا إستراتيجيًّا حقيقيًّا أم مجرّد ردّ فِعْل تكتيكي على تصاعد النفوذ الصيني، وما إذا كانت القارة قادرة على تحويل هذا التنافس إلى مكاسب تنموية حقيقية، تُساهم في تحقيق أهداف أجندة إفريقيا 2063.
أولًا: من “المساعدات” إلى “الدبلوماسية التجارية“
أبرزت كلمات المسؤولين الأمريكيين في القمة تحولًا نوعيًّا في النهج الإستراتيجي تجاه القارة الإفريقية، يقوم على استبدال منطق المساعدات التقليدية بدبلوماسية قائمة على التجارة والاستثمار. وقد عبَّر عن هذا التحول بشكل مباشر تروي فيترل، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إفريقيا، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة، مؤكدًا أن “الأسواق والاقتصادات الإفريقية لم تَعُد كما كانت قبل 25 عامًا، ما يتطلب إعادة تعريف أدوات الدبلوماسية الأمريكية”([1]).
وفي هذا السياق، أعلن “فيترل” أن الولايات المتحدة شرعت في إعادة هيكلة أداء بعثاتها الدبلوماسية؛ بحيث يتم تقييم السفراء الأمريكيين على أساس قدرتهم على تسهيل توقيع العقود التجارية والاستثمارية، وليس فقط حجم المساعدات التي يقدمونها. وأوضح أن السفارات باتت جزءًا فاعلًا في الإستراتيجية التجارية الأمريكية، بقوله: “سفاراتنا تعمل من أجلكم “القطاع الخاص”؛ لقد غيّرنا هيكل الحوافز، ويُقيَّم سفراؤنا بناءً على مدى دعمهم لكم .”(Fitrell, 2025)
وتجسيدًا لهذا التوجُّه، وضعت الخارجية الأمريكية هدفًا طموحًا يتمثل في جذب أكثر من 300 ألف شركة أمريكية للتوسع نحو الأسواق الإفريقية، وهو ما يتطلب من الدبلوماسيين “عرض الفرص المتاحة في إفريقيا، والترويج لها في الداخل الأمريكي”، بحسب تعبير “فيترل”. كما شدد على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة أكثر مرونة وجرأة في اغتنام الفرص داخل القارة، مع التركيز على الاستثمار في التكنولوجيا ونقل المعرفة وبناء القدرات البشرية كأصول إستراتيجية طويلة الأجل([2]).
هذا التحول يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية أوسع بين الولايات المتحدة وإفريقيا. لكنّه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حقيقية حول مدى توازن العلاقة بين قوة اقتصادية عالمية واقتصادات إفريقية لا تزال تعاني من هشاشة هيكلية، ما لم تُعزّز بأجندة تنموية واضحة، وسياسات وطنية قادرة على حماية القيمة المضافة المحلية، وتنظيم الدخول العادل للأسواق.
ثانيًا: إفريقيا تطالب بشراكة صناعية عادلة
في ظل التنافس الدولي المتصاعد على الموارد والأسواق الإفريقية؛ أصبحت القارة تسعى لإعادة تعريف علاقتها الاقتصادية مع الشركاء الخارجيين، لا سيما الولايات المتحدة. فقد بات واضحًا أن استمرار النمط التقليدي القائم على تدفق المساعدات وتصدير المواد الخام لم يَعُد يُلبِّي طموحات التنمية الصناعية والتحول الاقتصادي في إفريقيا.
وفي خِضَمّ هذا التحول في الخطاب الأمريكي، جاءت كلمة الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، خلال كلمته الافتتاحية في القمة أن الوقت قد حان لتجاوز منطق المساعدات، داعيًا إلى شراكات قائمة على الاستثمار الصناعي ونقل التكنولوجيا .وأشار بشكل محدّد إلى القطاعات الصناعية التي تستهدفها أنغولا، مثل صناعة السيارات، السفن، الصلب، والإسمنت، باعتبارها مُحرّكات للنمو وتوليد فرص العمل، ودعا المستثمرين الأمريكيين إلى اغتنام الفرصة والمساهمة في هذه القطاعات.([3])
من جانبه، ركَّز رئيس البنك الإفريقي للتنمية، أكينومي أديشينا، على أهمية إعادة تقييم التعريفات الجمركية الأمريكية المفروضة على الصادرات الإفريقية، معتبرًا أنها تُقوِّض فرص الشراكة الاقتصادية العادلة. ودعا إلى زيادة حجم التجارة الثنائية، لا تقليصها، كسبيل لتعزيز التكامل بين القارتين، مشيرًا إلى أن الاستثمار في القطاعات الصناعية سيُسهم في خَفْض معدلات البطالة، ورفع مستويات الإنتاجية، وبناء سلاسل قيمة إقليمية متكاملة.
وبالمثل، أكد مسؤولون أفارقة آخرون على ضرورة تعزيز القدرات الصناعية المحلية كشرط أساسي لتحقيق التكامل الإقليمي. كما شدَّد الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وامكيلي ميني على أن تحقيق التكامل الإقليمي الفعلي مرهون برفع قدرات التصنيع المحلي، وتنسيق الجهود بين الدول الإفريقية لتقليص الاعتماد على الواردات، وتسهيل حركة السلع والخدمات داخل القارة. واعتبر أن دعم الولايات المتحدة لهذه الأجندة الصناعية سيعكس مدى جدية التوجُّه نحو شراكة حقيقية.
تعكس هذه التصريحات تحوّلًا في الرؤية الإفريقية تجاه العلاقات الاقتصادية الخارجية؛ إذ باتت دول القارة تسعى إلى بناء شراكات قائمة على توطين التصنيع وتعزيز القيمة المضافة المحلية، بدلًا من اقتصارها على المساعدات أو استخراج المواد الخام. وتُظهر المطالب الإفريقية في القمة وعيًا إستراتيجيًّا بأهمية الانتقال من موقع التبعية في سلاسل التوريد العالمية إلى موقع الفاعل الصناعي المنتج.
وتضع هذه المطالب الولايات المتحدة أمام اختبار حقيقي: هل ستبادر بدعم أجندة التصنيع الإفريقي والتكامل الإقليمي، أم ستظل شراكتها محكومة باعتبارات تنافس النفوذ مع الصين؟
الإجابة عن هذا السؤال ستُحدِّد طبيعة التحول في العلاقة بين القارة الإفريقية والولايات المتحدة في السنوات القادمة، خصوصًا في ظل بروز قوى عالمية أخرى تتبنَّى خطابًا اقتصاديًّا أكثر توافقًا مع أولويات التنمية الإفريقية.
ثالثًا: مشروع لوبيتو: إعادة التموضع الأمريكي في سباق المعادن
في ظل اشتداد التنافس الدولي على الموارد الإستراتيجية داخل القارة الإفريقية، اتجهت الولايات المتحدة خلال قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025م إلى التركيز على مشروعات البنية التحتية كوسيلة لتوسيع نفوذها الاقتصادي وتقليل اعتماد الدول الإفريقية على المنظومات التي تُديرها قوى منافسة مثل الصين وروسيا. وقد تجلَّى هذا التحوُّل في اعتماد مقاربة تقوم على الاستثمار طويل الأجل في الممرات التجارية وسلاسل الإمداد، باعتبارها أدوات رئيسية لضمان النفاذ المستقر إلى الموارد الحيوية من جهة، وتعزيز الشراكات الإستراتيجية من جهة أخرى.
يُعدّ مشروع سكة حديد لوبيتو أحد أبرز تجليات هذا التحوُّل في الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا، من نموذج المعونات إلى نموذج الاستثمار الجيو-اقتصادي. فقد أعلنت واشنطن خلال القمة عن التزامها بتمويل المشروع بقيمة550 مليون دولار، بهدف ربط أنغولا، زامبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتسهيل تصدير المعادن الحيوية مثل النحاس والكوبالت إلى الأسواق العالمية. ويستهدف المشروع فكّ ارتباط سلاسل الإمداد الإفريقية بالبنية التحتية التي تهيمن عليها الصين وروسيا، بما يعكس سعيًا أمريكيًّا حثيثًا لتعزيز النفوذ في قطاع المعادن الإستراتيجية.( ([4]
في هذا السياق، لا يمكن قراءة مشروع لوبيتو بمعزل عن أبعاده الجيوسياسية؛ إذ يُمثّل هذا الاستثمار أداة لإعادة تموضع الولايات المتحدة داخل إفريقيا، في مواجهة تنامي الحضور الصيني، ومحاولة لاستباق تحولات سلاسل الإمداد العالمية. ورغم ما يحمله المشروع من فرص تنموية للدول المشاركة، فإن أثره الفعلي سيظل رهينًا بقدرة الحكومات الإفريقية على توطين سلاسل القيمة، وتطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بالمعادن، بدلًا من الاكتفاء بتصديرها خامًا. كما تبرز الحاجة إلى إطار مؤسسي إفريقي مشترك يضمن التوزيع العادل للعوائد، ويُحوِّل الممر إلى رافعة تنموية لا مجرد قناة عبور إستراتيجي.
رابعًا: التجارة الحرة القارية كرافعة للتكامل والتفاوض
برزت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) خلال القمة بوصفها ركيزة إستراتيجية لتعزيز التكامل الاقتصادي للقارة، وتقوية موقعها التفاوضي أمام القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وقد استُخدمت فعاليات القمة كمنصة للدعوة إلى تسريع تنفيذ الاتفاقية وتوسيع نطاقها من مجرد إطار قانوني إلى برنامج عمل تنموي يربط بين الصناعة، والطاقة، والأمن الغذائي، والبنية الرقمية، بما يُعزّز الاندماج الإنتاجي بين الدول الإفريقية([5]).
لكنّ التحدي الأساسي يتمثل في القدرة على ترجمة هذه الالتزامات إلى خطوات تنفيذية ملموسة، وهو ما يظل معوّلًا على تفكيك مجموعة من التحديات الهيكلية، في مقدّمتها ضعف التنسيق الجمركي بين الدول، وتباين القدرات التصنيعية، إلى جانب محدودية التمويل المتاح للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويرى العديد من صُنّاع السياسات أن نجاح اتفاقية AfCFTA يتطلب توافر إرادة سياسية جماعية، مدعومة بتنسيق مؤسسي فعّال على مستوى الاتحاد الإفريقي؛ لضمان التوزيع العادل لعوائد الاندماج الإقليمي وفرص الإنتاج المشترك.
ورغم ما تتيحه الاتفاقية من فرص لتعزيز التصنيع الإقليمي وتحرير التجارة البينية، إلا أن فعاليتها الفعلية ما تزال تواجه معوّقات بنيوية، على رأسها هشاشة البنية التحتية العابرة للحدود، وتعدُّد الأنظمة الجمركية، ما يُعرقل انسيابية حركة السلع والخدمات. ومِن ثَم، فإن تفعيل AfCFTA بشكل شامل يتطلب اعتماد خارطة طريق واضحة المعالم، تتضمَّن مؤشرات أداء قابلة للقياس، وآليات تمويل مشترك للمشروعات الصناعية، وتوحيدًا للمعايير الفنية، بما يضمن توسيع قاعدة المستفيدين داخل القارة، وعدم اقتصار المكاسب على النُّخَب الاقتصادية. وبالتالي، فإن نجاح AfCFTA كأداة للتكامل الإفريقي لن يتحقق فقط بالإجماع السياسي، بل بترجمتها إلى آليات تمويل وتنفيذ متكاملة تدعم أهداف النمو الشامل والمستدام.
خامسًا: أبرز نتائج قمة أنغولا 2025م: اتفاقات وتوصيات ختامية
اختُتمت قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025م في مدينة لواندا بأنغولا، بمشاركة أكثر من 2000 من القادة الحكوميين، ورجال الأعمال، وممثلي المؤسسات الدولية، وسط تأكيد واسع على ضرورة تجاوز منطق “المعونات” التقليدية، وتبنّي شراكة تجارية واستثمارية قائمة على المصالح المتبادلة والمكاسب المشتركة.
وقد تميزت كلمات القادة الأفارقة خلال الجلسات الختامية بدعوات واضحة إلى مراجعة السياسات الجمركية الأمريكية تجاه الصادرات الإفريقية، وتوسيع نطاق الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة، كالصناعات التحويلية، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة.
في هذا السياق، دعا الرئيس الأنغولي جواو لورينسو إلى “استبدال منطق المعونة بمنطق الاستثمار والتجارة”، مشددًا على أهمية تنويع الاستثمارات الأمريكية بعيدًا عن القطاعات التقليدية كالبترول والمعادن الخام، نحو مجالات صناعية تشمل تصنيع السيارات، وبناء السفن، وإنتاج الإسمنت، والصلب. كما أكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، أن “إفريقيا لم تَعُد تطلب المساعدات، بل تسعى إلى حلول تشاركية مبنية على الإنتاج والتكامل”.([6])
وقد مثّل مشروع ممر لوبيتو نموذجًا ملموسًا لهذا التوجُّه؛ حيث أعلن البنك الإفريقي للتنمية عن مساهمته في تمويل المشروع بقيمة 500 مليون دولار، إلى جانب تخصيص مليار دولار إضافي على مدى خمس سنوات لتطوير مشروعات تكاملية في الزراعة، وسلاسل القيمة الصناعية، والطاقة والبنية التحتية. ويهدف هذا المشروع إلى ربط زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بميناء لوبيتو الأنغولي، بما يُعزّز انسيابية صادرات المعادن الحيوية، ويَحُدّ من الاعتماد على البنية التحتية الخاضعة لنفوذ الصين وروسيا.
وفي إطار دعم التكامل القاري، أكَّد وامكيلي ميني، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، أن الاتفاقية يجب أن تتحوَّل إلى “أداة ديناميكية لتوحيد السوق الإفريقية وتعزيز القدرة التفاوضية الجماعية”. وقد حظيت هذه الرسالة بدعم واسع خلال القمة، لا سيما من المؤسسات التمويلية، كـ Africa50، والوكالة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية (DFC)، والبنك الإفريقي للتنمية، التي شددت على ضرورة تعبئة التمويل طويل الأجل للمشروعات ذات الأثر التحويلي.
وتعزَّزت مخرجات القمة بإطلاق مبادرات نوعية، من بينها:
- إنشاء وكالة إفريقيا لتخفيف المخاطر(Africa Risk Mitigation Agency)، لدمج أدوات الضمان وتوفير تغطيات للمخاطر السياسية والمناخية والتمويلية.
- تحفيز سوق السندات الخضراء في القارة؛ إذ لا تزال إفريقيا تمثل أقل من 1% من إصدارات السندات الخضراء عالميًّا، رغم امتلاكها فرصة إستراتيجية لبناء بنية تحتية مستدامة من الأساس.
- تطوير برامج إعادة تدوير الأصول (Asset Recycling)، والتي بدأت بنجاح في مشروع جسر سينيغامبيا بتمويل من البنك الإفريقي للتنمية، وتوسَّعت لتشمل مشاريع جديدة تهدف إلى تحرير سيولة الحكومات وتحفيز مشاركة القطاع الخاص.
بناءً عليه، فإن قمة أنغولا 2025م لا ينبغي قراءتها فقط بوصفها منتدى للحوار، بل محطة سياسية واقتصادية تعكس تحوّلًا تدريجيًّا في فلسفة التعاون الأمريكي–الإفريقي. لكنّ تفعيل هذه الرؤية سيظل مشروطًا بقدرة الدول الإفريقية على تطوير بيئة تنظيمية جاذبة، وربط المبادرات الاستثمارية بأجندة تنموية واضحة تتسق مع أهداف أجندة إفريقيا 2063.
في ضوء ما سبق من محاور وتحولات إستراتيجية، تبرز أهمية تلخيص أبرز نتائج قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025م في صيغة مُركَّزة تساعد على استيعاب الأبعاد المختلفة للقمّة، من الاتفاقات الموقّعة إلى التوصيات السياسية والاقتصادية.
ويوضح الجدول التالي أهم المخرجات التي تمخضت عنها القمّة، بما يعكس التحوّل من خطاب المساعدات إلى شراكات قائمة على الاستثمار، ويُحدّد الاتجاهات ذات الأولوية في المرحلة المقبلة.
المصدر: من إعداد الباحثة، ويستند إلى تقارير ومداخلات القمة الواردة في المصادر الرسمية والصحفية الموثوقة الصادرة عن قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025: (Corporate Council on Africa, 2025; Reuters, 2025; Prensa Latina, 2025; AGOA.info, 2025; U.S. Chamber of Commerce, 2025).
يعكس الجدول أعلاه تنوّع مخرجات قمة أنغولا 2025م، والتي لم تقتصر على التصريحات السياسية العامة، بل شملت اتفاقات عملية واستثمارات ملموسة في قطاعات إستراتيجية. ويُلاحظ تركيز القمة على الربط بين البنية التحتية والتكامل الاقتصادي، إلى جانب السعي لتعزيز الدور الإفريقي في سلاسل الإمداد العالمية، خاصةً في قطاع المعادن الحيوية. كما برز توجُّه واضح نحو إعادة صياغة العلاقة الأمريكية–الإفريقية عبر تمكين القطاع الخاص، وإطلاق مبادرات تمويل جديدة تُركّز على تقليل المخاطر وجذب الاستثمارات طويلة الأجل. غير أن تحويل هذه النتائج إلى مكاسب تنموية فعلية يبقى رهينًا بمدى قدرة الدول الإفريقية على بلورة سياسات وطنية ومؤسسية فاعلة، تضمن التوزيع العادل للعوائد، وتربط المشاريع بأولويات أجندة 2063.
خاتمة:
تُظهر قمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية 2025م أن القارة الإفريقية لم تَعُد مجرد مستقبل واعِد تنتظر الآخرين ليصوغوه، بل باتت طرفًا فاعلًا يسعى لإعادة تشكيل علاقاته الخارجية على أُسُس الندية والمصالح المشتركة. فالتحوُّل في الخطاب الأمريكي من “المساعدات” إلى “الدبلوماسية التجارية”، ومطالب القادة الأفارقة بشراكة قائمة على التصنيع وتوطين التكنولوجيا، يعكسان معًا لحظة مفصلية في العلاقات الإفريقية–الأمريكية.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول يظل مرهونًا بقدرة الدول الإفريقية على صياغة أجندة تنموية موحدة، وتفعيل أدوات التفاوض الجماعي، وتعزيز البنية المؤسسية القارية لاحتضان الاستثمارات وتحقيق التكامل الصناعي. وإذا كانت قمة لواندا قد فتحت نافذة سياسية واقتصادية جديدة؛ فإن التحدي الأكبر يتمثل في ترجمة الالتزامات إلى سياسات ملموسة، تُوازن بين جذب الاستثمارات الخارجية، وحماية السيادة الاقتصادية الوطنية، بما يضمن أن تكون إفريقيا شريكًا لا تابعًا، ومركزًا للإنتاج لا مجرد سوق للاستهلاك.
……………………………………………………….
[1]Fitrell, T. (2025, June 24). US–Africa summit calls for commercial diplomacy—and respect. African Business Magazine. https://african.business/2025/06/trade-investment/us-africa-summit-calls-for-commercial-diplomacy-and-respect/
[2] Ibid.
[3]African Development Bank. (2025, June 24). African leaders urge U.S. to embrace investment-driven partnerships and review tariffs. Retrieved from https://www.afdb.org/en/news-and-events/press-releases/african-leaders-urge-us-embrace-investment-driven-partnerships-and-review-tariffs-84839
[4]Reuters. (2025, May 15). US shifting Africa strategy to ‘trade, not aid’, envoy says. Retrieved from https://www.reuters.com/world/africa/us-shifting-africa-strategy-trade-not-aid-envoy-says-2025-05-15
[5]Corporate Council on Africa. (2025). U.S.–Africa Business Summit. Retrieved June 26, 2025, from https://www.corporatecouncilonafrica.com/programs/u-s–africa-business-summit
[6] African Development Bank. (2025, June 24). African leaders urge U.S. to embrace investment‑driven partnerships and review tariffs. Retrieved from https://www.afdb.org/en/news-and-events/press-releases/african-leaders-urge-us-embrace-investment-driven-partnerships-and-review-tariffs-84839