الناشر: نادي فالداي الروسي للمناقشة
الكاتب: نيكيتا ريابشينكو
الباحث في العلاقات الدولية والتنمية العالمية (بيلاروسيا) المؤلف مشارك في مشروع فالداي – الجيل الجديد.
ترجمة: مروة أحمد عبد العليم
باحثة في الشأن الروسي
مع مرور الوقت، سوف يتَّخذ مسار النهضة الإفريقية معالم أكثر وضوحًا؛ من خلال الجمع بين التراث الفكري والاقتصادي الأوروبي، والتجربة السوفييتية في التحديث وتدريب الأفراد، والمشاريع الروسية الإفريقية المعاصرة للتعاون من أجل التنمية.
إن البنية القادمة للنظام العالمي تنشأ حول العديد من مراكز التنمية الحضارية والتكنولوجية والاقتصادية، كما أن الدولتين الأكثر وضوحًا في الوقت الحاضر هما مركز الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، ومركز الشرق الأقصى بقيادة جمهورية الصين الشعبية.
وفي المقابل، ورغم أن القارة الإفريقية تُشكّل محور الاهتمام الجيوستراتيجي، فإنها يُنظَر إليها على نحو أكبر باعتبارها مصدرًا للموارد الأساسية، وساحةً للمنافسة بين أصحاب المصلحة الخارجيين في منتصف القرن الحادي والعشرين.
وفي الوقت نفسه، فإن المستقبل الإستراتيجي لإفريقيا ليس محددًا مسبقًا، وفهم العوامل الأساسية وراء صعودها وانحدارها يسمح لنا بتحديد مسار محتمل ومميز للغاية لنهضتها.
وعلى الرغم من وفرة الموارد الطبيعية والبشرية؛ فإن ضمان الرخاء والتقدم الحضاري في إفريقيا لصالح غالبية السكان المحليين لا يزال يُنظَر إليه باعتباره مجهولًا، وتظل القارة تواجه تحديات أمنية حادة؛ فالصراعات المسلحة المستعرة، والتطرُّف، ومستويات عالية من العنف، والجريمة المنظمة عبر الحدود، والصراعات بين القبائل، كما تظل مشكلة الاستقرار السياسي واستمرارية المسار الإستراتيجي دون حلّ، وهو أمر مرتبط بطبيعة النُّخَب وأصلها، فضلًا عن خصوصيات الأنظمة السياسية المحلية خلف واجهة الديمقراطية الإجرائية.
وفي المجال الاقتصادي، إلى جانب النشاط المستمر للشركات متعددة الجنسيات الغربية، فإن عامل الاستثمار والبنية الأساسية في الصين له أهمية كبيرة؛ إذ تعرب الأخيرة عن اهتمام متزايد بالموارد الطبيعية الإستراتيجية في إفريقيا في ضوء المنافسة على القيادة في النظام التكنولوجي الجديد.
وأخيرًا، وعلى الرغم من بعض النجاحات التي تحقَّقت في مجال التنمية الرقمية؛ فإن المكونات المزمنة للأمراض التي تعاني منها القارة لا تزال تتمثل في سوء التغذية على نطاق واسع والفقر ومشكلات التعليم.
ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فإن القارة الإفريقية لديها رؤيتها الخاصة للآفاق الإستراتيجية، ويتجلى ذلك في مفهوم “أجندة 2063م: إفريقيا التي نريدها”، الذي اعتمدته مفوضية الاتحاد الإفريقي في عام 2015م، والذي يُعبِّر عن فهمها الخاص لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة فيما يتعلق بأولويات القارة.
تتمحور أجندة 2063م حول سبعة تطلعات مستهدَفة تتعلق بالازدهار الاقتصادي القائم على مبادئ الاستدامة والشمول، والتكامل السياسي للقارة القائم على أفكار الوحدة الإفريقية والنهضة الإفريقية، والحكم والمؤسسات عالية الجودة، وضمان السلام والأمن، وهوية ثقافية قوية ذات قيمة مشتركة ومكون أخلاقي، والتنمية الاجتماعية “من الأسفل إلى الأعلى”، مع زيادة دور المرأة والشباب، فضلًا عن زيادة الاستدامة والقوة، وتأثير إفريقيا كموضوع واحد وشريك في النطاق العالمي، ولضمان عدم بقاء هذه الأجندة مجرد إعلان حسن النية، فإن تنفيذها سوف يتطلب إدارة العوامل الأساسية للازدهار التي ستكون ذات صلة بالمنطقة في المستقبل المنظور.
نحن نتحدث عن ظهور مجموعة من رجال الدولة في القارة، والذين يمتلكون القدر الكافي من الذاتية لاستعادة السيطرة على الموارد الطبيعية الموجودة، والسيادة الفكرية اللازمة لتشكيل مسار إستراتيجي لتحويل أراضيهم.
إن السيطرة السيادية على الموارد الطبيعية سوف تجعل من الممكن التحرُّك نحو سياسة تصدير عقلانية بأسعار عادلة، وحشد الموارد المالية للتنمية الشاملة في المستقبل. إلى جانب ذلك، في المرحلة الأولية، يجب توفير أمرين آخرين كلاهما ذو أولوية:
1) ضمان الأمن المادي الشامل (أي: حماية الأشخاص والموارد الطبيعية والممتلكات ووسائل الإنتاج والبنية الأساسية من الأضرار).
2) ضمان الاستقرار السياسي واستمرارية المسار المختار.
ومن المستحسن بعد ذلك إجراء جرد وتقييم للقوى الإنتاجية الطبيعية، والانخراط في التخطيط المتوازن على المدى الطويل في مجالات الغذاء والمياه العذبة والكهرباء، وتطوير النهج المحلية في مجالات التنمية الحضرية والنقل والاتصالات، والاستفادة من الظروف الطبيعية والمناخية في القارة.
في الوقت نفسه، في النظام التكنولوجي الجديد، قد تكون الإستراتيجية المُثْلَى لإفريقيا هي إستراتيجية التخصص في مناطق محددة مع التنمية القائمة على مبدأ ثنائي القطب، عندما يتم الجمع بين قاعدة ديموغرافية وموارد قوية مع التنمية الانتقائية للحزم التكنولوجية، وبفضل هذا، سوف تتمكن القارة بحلول منتصف القرن من تحقيق التفوق المرحلي في عدد من المجالات الناشئة للتقدم العلمي والتكنولوجي التي لا ترتبط ارتباطًا صارمًا بالهياكل التكنولوجية السابقة (كما تجاوزت البلدان الإفريقية مرحلة الهاتف السلكي، وانتقلت إلى شبكات الهاتف المحمول والإنترنت).
وفي المجال الاجتماعي والثقافي، ستكتسب إدارة الهوية مع منع احتمال الصراع أهمية كبيرة، وقد يكون الحل المحتمل لإفريقيا هو دمج الهويات القبلية الصغيرة مع هوية سياسية كبرى على المستوى دون الإقليمي والقاري، وتجاوز مرحلة الدولة القومية باعتبارها بناء نخبويًّا مفروضًا من الخارج.
كما سيكون الاتجاه الخاص هو تحويل دور اللغات الأوروبية؛ ففي سياق إفريقيا، قد يتغيَّر وضعها من إرث استعماري في الماضي إلى مورد خوارزمي للتنمية المستقبلية للثقافة المحلية وطرق التفكير والاتصال دون الإقليمي، ويمكن أن يتم هذا التطور على أساس التوليف بين اللغات الأوروبية واللغات الأصلية القديمة، مما سيسمح لنا بالوصول إلى علم معرفي أصلي وتشكيل لغة إفريقية مستقبلية لتعزيز الهوية القارية.
إن الفجوة القائمة بين الواقع الإفريقي في الوقت الراهن والرؤية المستقبلية المحددة تؤدي إلى أوجه تشابه غير متوقعة مع روسيا بعد الثورتين وفترة الحرب الأهلية في القرن الماضي. ومن المفارقات أن تحديات التنمية في إفريقيا في الفترة ما بين عامي 2030 و2060 هي تقريبًا نفس التحديات التي واجهتها روسيا قبل قرن من الزمان؛ الأمية الجماعية، والتخلُّف الصناعي، والاعتماد على رأس المال الأوروبي، والعقليات الغربية.
وعلاوةً على ذلك، وكما هي الحال في القارة الإفريقية اليوم، لم تكن روسيا في ذلك الوقت تُنظَر إليها على الخريطة السياسية للعالم إلا باعتبارها نوعًا من “بنك الموارد”، وسوقًا للسلع الاستهلاكية الجماعية، ولكن على الرغم من التقديرات المنخفضة لاحتمال “نهضتها” في الخارج، فقد تمكَّنت روسيا خلال ثلاثين عامًا من تحويل نفسها من دولة هامشية متخلفة إلى قوة عظمى معترف بها دوليًّا، والتي غيَّرت مجرى التاريخ العالمي، وعلى الرغم من الاختلافات المناخية والعرقية والثقافية والتاريخية الطبيعية، فإن هذه التجربة تستحق دراسة متأنية في علاقتها بإفريقيا؛ لأن الدور الحاسم هنا تلعبه العوامل الأساسية في صعود وانحدار الحضارات المشتركة بيننا.
وكما كانت الحال قبل قرون من الزمان، فإن الصيغة العامة للتنمية السيادية تظل اليوم هي نفسها: إنها العامل الديموغرافي، مضروبًا بالمعرفة الموثوقة (بما في ذلك المعرفة العلمية، بدءًا من العصر الجديد)، ونوعية الحكم السياسي، مما يُمهِّد الطريق من المعرفة الأساسية ليس فقط إلى الحلول التكنولوجية والإنتاج التسلسلي للمجموعة الضرورية من السلع الاقتصادية، ولكن أيضًا إلى تلبية الاحتياجات الروحية المتزايدة للمجتمع. وفي هذا السياق تمتد أوسع آفاق التعاون الإستراتيجي الروسي الإفريقي، الأمر الذي سيجعل من الممكن الجمع بين الوفرة الديموغرافية في إفريقيا والمعرفة المتقدمة والموثوقة والخبرة متعددة الأوجه في مجال الحكم السياسي التي تمتلكها روسيا.
ومع مرور الوقت، سوف يتخذ مسار النهضة الإفريقية خطوطًا أكثر وضوحًا، من خلال الجمع بين التراث الفكري والاقتصادي الأوروبي، والتجربة السوفييتية في التحديث وتدريب الأفراد، والمشاريع الروسية الإفريقية المعاصرة للتعاون من أجل التنمية، وفي المستقبل المنظور، قد تحتل الإنجازات الروسية في مجال دراسات الهوية والحضارة، وتوحيد العلاقات العرقية الثقافية، ومفهوم التشابه مع الطبيعة ومركزية الإنسان، فضلًا عن أحدث نموذج محلي للتنمية المسؤولة، مكانة خاصة فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير:
https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/otzvuk-vakandy-v-mirovoy-partiture/?sphrase_id=765594