الأفكار العامة
- اعتماد البنتاغون الشراكة الثنائية في مواجهة التهديد الإرهابي رغم تخفيضات الميزانية، والإستراتيجية العسكرية الانتقائية.
- اعتقاد البعض من كبار القادة في الجيش الأمريكي أن أفريكوم (القيادة الأمريكية في إفريقيا) أصبحت على المحكّ.
- المفاوضات الحالية حول ضمانات السلام مقابل الحصول على الموارد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية تُجسِّد البراغماتية في التوجُّه الاقتصاديّ الجديد لواشنطن.
- الجنرال “لانغلي” يُسلّط الضوء على اتساع رقعة التحديات الأمنية، وتزايد التنافس بين واشطن والقوى المنافسة.
- بروز منطقة الساحل الإفريقي كمنطقة ذات أولوية في إطار محاربة الإرهاب، وخاصةً بنين وكوت ديفوار وغانا وغينيا وتوغو.
- ضرورة تعزيز الشراكة مع عددٍ قليلٍ من البلدان المستقرَّة في مواجهة النكسات الأخيرة التي أدَّت إلى خسارة القواعد الأمريكية في نيامي وغيرها.
- احتمال استمرارية الالتزام الأمني مدفوعًا برغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على موطئ قدم حيث تتقاطع الطموحات الجيوسياسية للقوى الأخرى.
بقلم: هادريان ديجورجي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
بين تخفيضات الميزانية، والإستراتيجية العسكرية الانتقائية؛ يظل البنتاغون نشطًا في المنطقة، معتمدًا على الشراكات الثنائية في مواجهة التهديد الإرهابي.
وانتشار الشائعات بشكل ملحوظ جعل بعض كبار القادة في الجيش الأمريكي يعتقدون أن القيادة الإفريقية (أفريكوم) أصبحت حاليًّا في موقف حرج. علمًا بأن القيادة الأمريكية المعنية في إفريقيا، التي بدأت عملياتها في عام 2008م، تُعتبر واحدةً من الكيانات الأحد عشر التي تُشكّل سلسلة القيادة الأمريكية.
في أوائل أبريل 2025م، تم استجواب الجنرال المسؤول عن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، مايكل لانجلي، مِن قِبَل لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ. ويُثير هذا الأمر الشكوك حول مستقبل هذه الهيئة، التي يتمركز الجزء الأكبر من حاميتها -والتي تتألف من 3600 جندي قابل للتعبئة- في مدينة شتوتغارت الألمانية؛ لأن إفريقيا عانت على المستوى الدولي، على أقل تقدير، من الانخفاض الحادّ في الإنفاق العام الأمريكي منذ تنصيب ترامب في نهاية شهر يناير من العام الجاري.
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي كانت قبل بضعة أسابيع فقط لا تزال تُمثّل أكثر من 40% من مساعدات التنمية العالمية، أوقفت غالبية برامجها المُوجّهة للقارة الإفريقية.
وفي أثناء جلسة الاستماع، تمكَّن الجنرال لانجلي من التذكير بالتحديات الأمنية الكامنة في هذه المساحة الهائلة، التي تشهد تنافسًا متزايدًا بين القوى المتنافسة مع واشنطن: روسيا، والصين، والإمارات العربية المتحدة، وإيران – على سبيل المثال لا الحصر-.
وعلى الرغم من تركيز أنظار ترامب بحزم على بكين، وعلى عموم منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن الرئيس الأمريكي وإدارته يدركون عدم إمكانية اكتساح 54 دولة ببساطة، تعتبر اقتصادات بعضها من بين الأكثر ديناميكية في العالم.
وفي هذا الصدد، يظل الأمن قضية رئيسية في إطلاق إمكانات الاستثمار في إفريقيا. وعلى أيّ حال، فإن هذا النهج البراغماتي الذي يكاد يكون محاسبيًّا هو النهج الذي يبدو أنه يسود في واشنطن. وتشهد على ذلك المفاوضات الحالية، التي تجمع بين ضمانات السلام والحصول على الموارد (لصالح المشغلين الأمريكيين) في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي غرب إفريقيا، التي تُواجه ضغوطًا متزايدة من الجماعات المسلحة والتهديد الإرهابي، هناك دلائل متزايدة على استمرار المشاركة الأمنية الأمريكية.
في أعقاب قانون ترامب الأول:
ولاستيعاب ميل الولايات المتحدة إلى البقاء منخرطة في المنطقة الفرعية، يتعيّن علينا العودة إلى عام 2019م. فقبل عام من نهاية ولايته الأولى في منصبه، وقَّع دونالد ترامب على قانون الهشاشة العالمية (GFA) في أعقاب إقراره مِن قِبَل الكونغرس.
ويهدف هذا القانون -الذي لا يزال ساري المفعول- إلى بناء سلام دائم في مناطق النزاع حول العالم؛ من خلال تعزيز “التماسك الاجتماعي”، و”مساءلة الحكومة”. وفي حين يبدو أن هذين الجانبين قد تعرَّضا للخطر في الوقت الحالي مِن قِبَل ترامب الذي يبدو أنه أكثر من مشكك في مشاريع الحكم الرشيد؛ إلا أن النهج الأمني الذي يتبنَّاه قانون الحكم الرشيد لا يزال قائمًا.
ويؤكد فرانسوا باكمان، عضو مرصد إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مؤسسة جان جوريس، على استمرارية هذا العمل، على الرغم من الفترة الفاصلة التي مرَّت بها سنوات جو بايدن. خلال فترة ولايته الوحيدة في منصبه، وقد تولى الرئيس -الذي هُزِمَ حزبه في نوفمبر الماضي- هندسة القانون الذي أورثه ترامب لتحديد مجالات التنفيذ.
ومما لا يثير الدهشة، أن منطقة الساحل الإفريقي برزت كمنطقة ذات أولوية؛ حيث كان من المقرر احتواء خطر الإرهاب مِن قِبَل الدول الساحلية في خليج غينيا. وقد حدّد مستشارو بايدن خمسًا من هذه الدول، وهي: بنين وكوت ديفوار وغانا وغينيا وتوغو. والآن بعد أن عاد إلى السلطة، يضع ترامب يده مرة أخرى على النص الذي بدأه.
التعاون العسكري القائم على “شراكات متينة”:
سلّط فرانسوا باكمان، -مُؤلّف وباحث في تحليل عناصر السياسة الإفريقية ضمن ولاية ترامب الثانية-، الضوء على الدور المحوري الذي لعبته مؤسسة التراث. ويقول: “هذه المؤسسة الفكرية الترامبية الجوهرية هي التي أعدَّت لعودته”. وكجزء من بحثه، فحص باكمان حوالي 900 صفحة من المقترحات السياسية التي صاغها مركز الأبحاث الذي تربطه صلات راسخة مع محيط ترامب في الفترة التي سبقت الانتخابات. وفي وثيقة أطلق عليها اسم مشروع 2025م، شجب المستشارون المحافظون بلا رحمة تصرفات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية باعتبارها نذيرًا بإراقة الدماء في المستقبل. وإذا كان هذا التحليل يدلّ على أيّ شيء يمكن أن يُستفاد منه، فقد ذُكرت القارة الإفريقية حوالي ستين مرة (وإن كان ذلك أقل من ذِكْر الصين وروسيا).
في مواجهة الانتكاسات الأخيرة التي أدَّت إلى فقدان القاعدتين الأمريكيتين في نيامي وأغاديز في النيجر، أوصت مؤسسة التراث بتنفيذ “شراكات متينة” مع حفنة من الدول “التي لديها القدرة والاستقرار والإرادة السياسية لتصبح حلفاء مؤثرين على المدى الطويل”.
وبعبارة أخرى، مقاربة ثنائية بالأساس، على النقيض من نماذج القوة الدولية مثل مجموعة دول الساحل الخمس، التي اختفت منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الناجمة عن الأجندة الدولية التي لا يمكن التنبؤ بها للبيت الأبيض، يؤكد باكمان “لن يتمكن ترامب من نسيان إفريقيا […] لا يمكن اختزال سياسة الولايات المتحدة الإفريقية في موقفها السلبي تجاه القارة فقط”. وعلى صعيد أكثر إستراتيجية، يشرح المستشار رؤيته بالتفصيل فيقول: “إن المصلحة الأمريكية تكمن في الحفاظ على صلة -رغم التوتر- مع دول تحالف الساحل؛ من أجل فهم ما يجري هناك”.
اهتمام متجدد بالدول الساحلية في غرب إفريقيا،:
تُولي واشنطن، على أرض الواقع، اهتمامًا متجددًا بالدول الساحلية في غرب إفريقيا، وفي مقدّمتها بنين وكوت ديفوار. عندما تزيد الولايات المتحدة من تبرعاتها بالمعدات إلى جيش بنين، تعتزم هذه الأخيرة مواصلة تعزيز شراكتها طويلة الأمد. خلال زيارة إلى كوتونو في نهاية فبراير، تبنَّت أفريكوم مع القيادة البنينية “خطة عمل” لتعزيز التعاون الثنائي، من دون تحديد طبيعته.
وتستضيف كوت ديفوار، بقيادة أبيدجان، تدريبات فلينتلوك العسكرية، التي تضم أكثر من 500 من أفراد القوات الخاصة من 38 بلدًا في جاكفيل. هذا اللقاء يعيد إنتاج طبيعة العمليات المتعلقة بالتهديد الإرهابي، ولا يخلو من التذكير بالسياق الإقليمي الساخن. وإن إعادة تعيينه في كوت ديفوار يؤكد المكانة البارزة التي يحتلها البلد في التعاطي الإستراتيجي الأمريكي مع غرب إفريقيا.
ولا يزال من الصعب، في الوقت الراهن، تحديد ما إذا كان سيتم الإبقاء على “أفريكوم” كما هي، أو إعادة تشكيلها إلى كيان أكثر تواضعًا. إذا كانت بعض الأصوات تتحدَّث عن إمكانية الانتقال من شتوتغارت إلى ميناء جديد في إفريقيا، فإن هذا لا يزال افتراضيًّا. في المقابل، يبدو أن الانخراط الأمني في طريقه إلى البقاء، مدفوعًا مِن قِبَل الولايات المتحدة الحريصة على الحفاظ على موطئ قدم؛ حيث تتقاطع الطموحات الجيوسياسية للقوى الأخرى.
لكن هل تكفي هذه المقاربة العسكرية المركزية، من دون برامج تنموية ذات صلة؛ لاحتواء خطر الإرهاب؟ حيث يستند نزول الجماعات المسلحة إلى خليج غينيا -في المقام الأول- إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة لسكان المناطق الحدودية في الساحل. ولذا فالسؤال مختلف تمامًا.
______________________
رابط المقال: