تمهيد:
تُعتَبر المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء نموذجًا مهمًّا للحفاظ على التنوُّع البيولوجي، حيث تلعب دورًا حيويًّا في حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وتعتمد تلك المحميات على مشاركة المجتمعات المحلية في إدارتها وحمايتها، مما يُسهم في تحقيق التوازن بين الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
ويُعدّ مشروع الحفاظ على البيئة بقيادة المجتمع في ناميبيا -بجمعه بين التقاليد والتمويل الحديث- مثالًا مقنعًا لكيفية دَمْج هياكل الحكم التقليدية مع الأنظمة المالية الحديثة؛ لتحقيق نتائج التنمية المستدامة؛ حيث يعمل برنامج الحفاظ المجتمعي على تمكين المجتمعات المحلية من إدارة مواردها الطبيعية والاستفادة منها.
فمن خلال مزج المعرفة الأصيلة مع ممارسات الحفاظ المعاصرة؛ نجحت ناميبيا في إنشاء تدفقات دَخْل جديدة من السياحة البيئية، وإدارة الحياة البرية؛ مما أدَّى إلى توليد فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمعات المحلية.
اجتذب هذا النموذج تمويلًا من المانحين الدوليين، ومن المستثمرين في القطاع الخاص الذين يدركون قيمة دعم المبادرات التي يقودها المجتمع، والتي تتوافق مع القِيَم والأولويات المحلية. فمن خلال تعزيز الشعور بالملكية والوصاية المحلية؛ أثبتت تلك المحميات أنّها ضرورية لاستدامة طويلة الأجل، مما يوفّر نموذجًا قابلًا للتكرار للدول الأخرى التي تتطلع إلى دمج الحكم المحلي مع التمويل الحديث.
ومن هذا المنطلق، تُركّز مقالتنا على التعريف بتلك المحميات في إفريقيا جنوب الصحراء باعتبارها نماذج للحفظ والتنمية المموّلة والمدارة محليًّا، ومِن ثَم تسليط الضوء عليها كتجربة ناجحة للتمويل المستقل، بغرض تعميمها، مُعرّجين على نتائجها والتحديات التي تواجهها من خلال المحاور التالية:
- أولاً: المحميات المجتمعية: المفهوم والسمات والأهمية.
- ثانيًا: الحفظ البيئي في إفريقيا جنوب الصحراء: تاريخه وتطوره.
- ثالثًا: تقييم آثار برامج الحفظ المجتمعية على السكان المحليين في إفريقيا جنوب الصحراء.
- رابعًا: المحميات المجتمعية في ناميبيا نموذجًا.
- خامسًا: التحديات التي تُواجه برامج المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء.
- سادسًا: المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء… نظرة استشرافية.
أولاً: المحميات المجتمعية… المفهوم والسمات والأهمية
لن ينجح الحفاظ على الحياة البرية إلا إذا تفاعلت المجتمعات المحلية، وفهمت أهمية الحياة البرية التي تعيش معها. وغالبًا ما تكون المجتمعات الريفية التي تعيش جنبًا إلى جنب مع الحياة البرية هي الأكثر فقرًا، لذا يتمثل الدور الرئيسي لمنظمات الحفاظ على الحياة البرية في العمل مع المجتمعات المحلية على مشاريع مناسبة لتخفيف حدة الفقر، وتُسمَّى هذه المشاريع “برامج الحفاظ على الحياة البرية المجتمعية”. وترتبط هذه المشاريع ارتباطًا وثيقًا بالحياة البرية والبيئة، وتدعم المجتمعات التي تسعى لكَسْب عيشها في المناطق التي تسكنها الحيوانات.([1])
والمحميات المجتمعية هي مناطق محمية تُدار مِن قِبَل المجتمعات المحلية بالشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص. ويتمثل الهدف الرئيسي لها في حماية التنوُّع البيولوجي والموارد الطبيعية، مع تعزيز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المحلي. وقد عُرّفت بأنها “مناطق مُخصصة تُدرك الدور المهم الذي يُمكن أن تلعبه المجتمعات المحلية في الحفاظ على الحياة البرية. وتُنشأ هذه المحميات على أراضٍ إما مملوكة للقطاع الخاص أو خاضعة لسيطرة المجتمع. وتبقى الملكية للشعب أو المجتمع، وتُعدّ مشاركتهم في عمليات الإدارة وصنع القرار أمرًا أساسيًّا للحفاظ على التوازن البيئي للمنطقة”.([2]) ومن أبرز سمات المحميات المجتمعية:
- الملكية والإدارة: يمتلك مُلّاك الأراضي أو المجتمع المحلي السلطة على الأرض، ويشاركون بفعالية في جهود الحفاظ عليها. وتُوفّر الحكومة إطارًا ودعمًا فنيًّا، ويلعب المجتمع المحلي دورًا محوريًّا.
- المشاركة التطوعية: تُنشأ المحميات المجتمعية تطوعًا مِن قِبَل المجتمعات المحلية الحريصة على الحفاظ على التنوع البيولوجي المحلي. وهذا يُشجّع الجهات المعنية المحلية على الاعتزاز بالحفاظ على بيئتها.
- حماية التنوع البيولوجي: في حين أن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على الحياة البرية؛ فإن هذه المحميات تساعد أيضًا في حماية أنواع نباتية مختلفة، وموائل طبيعية، والحفاظ على التوازن البيئي.
- الاستخدام المستدام للموارد: يُسمح للمجتمعات المحلية باستخدام موارد معينة بشكل مستدام، مما يضمن عدم تأثير تدابير الحفظ سلبًا على سُبُل عيشهم.
- الدعم القانوني: تمنح الحكومة اعترافًا قانونيًّا بهذه المناطق، مما يضمن حماية الحياة البرية والنظم البيئية داخل المحميات من التدمير والصيد الجائر أو غير ذلك من الأنشطة الضارة.
ويفترض الحفظ المجتمعي أنه في حال تحقيق الحفظ والتنمية في آنٍ واحدٍ، يُمكن خدمة مصالح كليهما. وفي السياق الإفريقي، عُرِّف “الحفظ المجتمعي” بأنه مبادئ وممارسات تُشدّد على أهداف الحفظ، وتُركّز على اتخاذ القرارات المتعلقة بالموارد الطبيعية مِن قِبَل السكان المحليين. وقد مُورِسَ الحفظ المجتمعي بأشكالٍ مُتعددة، ولكنه يشمل بالمعنى الأوسع الحفظ مِن قِبَل المجتمع المحلي، ولأجله، وبالتعاون معه. ويُعدّ التعايش بين الناس والطبيعة، على عكس الحمائية والفصل بين الناس والطبيعة، سمةً أساسيةً له ويُستخدم الحفظ المجتمعي هنا كمفهوم شامل يشمل الإدارة المجتمعية للموارد الطبيعية.
وقد ظهرت مناهج مركزية ودولية في مجال الحفاظ على الحياة البرية القائمة على المجتمع في ثمانينيات القرن الماضي في جنوب إفريقيا. وطُوّرت برامج الإدارة المجتمعية للموارد الطبيعية في زيمبابوي وزامبيا وبوتسوانا ومالاوي وناميبيا بتمويل من جهات مانحة دولية.
وتميزت هذه البرامج عادةً بنقل مجموعة من الحقوق في استخدام الحياة البرية إلى المجتمعات المحلية، بشرط أن تُدرّ الحياة البرية عائدًا، بهدف الحصول على منافع محلية تتجاوز تكاليف العيش مع الحياة البرية. وكانت النظرية المركزية أن الحوافز الاقتصادية ستُعزّز جهود الحفاظ من جانب السكان المحليين. ورغم أن هذه المناهج تُحقّق بعض الحفظ؛ إلا أنها غالبًا ما تنطوي على استقطاب أكثر من التمكين. وكان هناك اعتراف ودعم محدودان لمؤسسات إدارة الموارد التقليدية والأصلية.([3])
وتبرز أهمية هذه المشاريع فيما يلي:
- الأثر البيئي: تلعب المحميات المجتمعية في إفريقيا دورًا حاسمًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي وإدارة الموارد الطبيعية. ويُعدّ دمج الإدارة المجتمعية والمعارف المحلية أمرًا بالغ الأهمية؛ حيث ثبت أنه يُعزِّز النتائج البيئية ويُعزِّز الحفاظ على التنوع البيولوجي المحلي.([4]) في حماية مجموعة واسعة من الأنواع والموائل. فمثلا تُظهر مناطق مثل النظام البيئي تارانجيري-مانيارا كيف يُمكن للمعرفة المحلية أن تُثري إستراتيجيات الحفظ، مُتحديةً بذلك النماذج التقليدية القائمة على المناطق، والتي قد تُغفل تعقيدات العمليات البيئية.([5]) كما نجحت مبادرات مثل برنامج إدارة المناطق المجتمعية للموارد الأصلية (CAMPFIRE) في زيمبابوي في زيادة أعداد الحيوانات البرية خارج المناطق المحمية؛ من خلال تمكين المجتمعات المحلية من الاستفادة من فوائد حفظ الحياة البرية من خلال السياحة المستدامة والصيد المُراقَب.([6])
- استخدام الأراضي وإدارة الموارد: من المتوقع أن تُفاقم ضغوط النمو السكاني وتغير المناخ تغيرات استخدام الأراضي، لا سيما من خلال التحول الزراعي، مما قد يؤدي إلى تدهور بيئي كبير، مثل تآكل التربة وفقدان التنوع البيولوجي.([7]) وتُتيح المحميات المجتمعية فرصةً للتخفيف من هذه الآثار من خلال تعزيز ممارسات إدارة الأراضي المستدامة. فمثلاً؛ يُظهر تطبيق إستراتيجيات فعَّالة للحفاظ على البيئة في مناطق مثل لايكيبيا وشمال كينيا كيف يُمكن لهياكل الحوكمة المحلية أن تُؤدي إلى تحسين إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على خدمات النظم الإيكولوجية.([8])
- المرونة المناخية: تُعزّز هذه المبادرات مرونة النظم البيئية في مواجهة تغيُّر المناخ. فالنظم البيئية السليمة، التي تُحافظ عليها من خلال ممارسات مستدامة، قادرة على الصمود بشكل أفضل في وجه الظواهر الجوية المتطرفة، وندرة المياه، وغيرها من التحديات المناخية.([9])
ومن خلال تمكين المجتمعات المحلية من تولّي مسؤولية مواردها الطبيعية، لا تُعزّز هذه المحميات الاستدامة البيئية فحسب، بل تُعزّز أيضًا الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما يخلق وضعًا مربحًا للجميع، سواء للتنوع البيولوجي أو لسبل العيش المحلية.([10])
- مشاركة المجتمعات المحلية وتمكينها: يعتمد نجاح المحميات المجتمعية بشكل كبير على قدرتها على إشراك المجتمعات المحلية كمشاركين فاعلين في جهود الحفظ. غالبًا ما تُفضي هذه المبادرات إلى استعادة موارد حيوية، مثل غابات المانغروف وموائل الحياة البرية، مما يُسهم في خلق فرص للسياحة البيئية تُوفر منافع مالية للسكان المحليين، ولا يقتصر دور هذه المشاريع، على تعزيز الأمن المادي وسهولة الوصول إلى وسائل النقل فحسب، بل تُسهم أيضًا في استقرار دَخْل الأُسَر، مما يُسهم في تعزيز مرونة المجتمع بشكل عام.([11])
- التنمية المستدامة: تُسهم في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الجوع والحياة على الأرض، من خلال تعزيز الاستخدام المستدام للأراضي والموارد، بما يُعزز الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي.([12]) يضمن إنشاء اقتصادات حفظ مرنة من خلال هذه المبادرات قدرة المجتمعات المحلية على التكيُّف بشكل أفضل مع تغيُّر المناخ، مما يُعزز فاعليتها وتمثيلها في عمليات صنع القرار. ([13])
ثانيًا: الحفظ البيئي في إفريقيا جنوب الصحراء: تاريخه وتطوُّره
لطالما أُدركت أهمية الغابات لحياة الإنسان منذ آلاف السنين. ولذلك، اعتمدت الحكومات تاريخيًّا إستراتيجيات عامة لحمايتها. وتُقرّ اتفاقية التنوع البيولوجي بقيمة الممارسات الثقافية للشعوب التقليدية من حيث ممارسة الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعزيز الاستخدام المُستدام. فمثلاً ترتبط حياة المجتمعات التقليدية في بنين ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على غاباتها، المعروفة باسم “زون” في لغة الغون المحلية. وقد بدأ الاهتمام بالحماية الرسمية للتنوع البيولوجي في إفريقيا يتزايد خلال القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1822م. واتُّخذت معظم الخطوات الأولية في جنوب إفريقيا، التي كانت تضم أكبر المستوطنات الاستعمارية المبكرة، وبالتالي أكثر الأنواع المهددة بالانقراض بسبب الأنشطة البشرية. وشهدت منطقة غرب ووسط إفريقيا أولى خطواتها نحو جهود الحفظ الرسمية عام ١٨٨٥م، مع إنشاء محميات غابات لحماية منتجات الأخشاب الثمينة. وفي عام ١٩٢٥م، أُعلن عن أول حديقة وطنية في إفريقيا، وهي حديقة ألبرتا الوطنية.
أدارت الحكومات الاستعمارية أقدم المناطق المحمية في إفريقيا بسياسات أكثر تمثيلاً للقيم الغربية، والتي أكدت على ضرورة حماية الطبيعة من الأنشطة البشرية، وعلى مركزية إدارة الحفظ. هذه الإستراتيجية الحمائية التي تعمل من أعلى إلى أسفل، والمعروفة أيضًا باسم “الحفاظ على الحصن”، لم تُظهر اهتمامًا يُذْكَر بحقوق المجتمعات المحلية وممارساتها الثقافية. وكان يُنظَر إلى السكان المحليين على أنهم تهديد للبيئة. ومن ثم أُنشئت العديد من أولى المناطق المحمية رسميًّا في إفريقيا على أراضٍ انتُزعت قسرًا من الملكية الجماعية، ومُنع الوصول إلى الموارد الطبيعية التي اعتمد عليها السكان المحليون. ومن المفارقات أن امتيازات الصيد كانت حكرًا على النخب الثرية في المناطق المحمية المخصصة لمتعة المستعمرين. وقد تسبَّبت هذه الممارسات، التي تُسمَّى بالاستعمار البيئي، في تفاقم الخلاف بين سلطات الحفظ والسكان المحليين الذين شعروا بإهانة بالغة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي استعادت بعدها العديد من الدول الإفريقية استقلالها، برزت حاجة ملحة لمعاهدات جديدة للحفاظ على البيئة تُعالج أيضًا احتياجات السكان المحليين. وقد عبّر أول رئيس لتنزانيا، جوليوس نيريري، عن هذا بوضوح عام 1961م، في خطاب عُرف لاحقًا باسم بيان أروشا. وبعده بفترة وجيزة، وُضع الميثاق الإفريقي لحماية الطبيعة وحفظها عام ١٩٦٣م. وتبع ذلك الاتفاقية الإفريقية لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية، التي اعتمدتها الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية عام ١٩٦٨م.
على الرغم من التقدُّم الذي أحرزته الاتفاقية إلا أن سياسات الحفظ التي طبَّقتها حكومات ما بعد الاستعمار المبكرة، ظلت تُشبه سياسات الحكومات الاستعمارية، لا سيما أسلوب صنع القرار المركزي والاستبدادي. ونتيجةً لذلك، ظل الحفظ إلى حد كبير مسعًى استقطابيًّا استمر في اقتلاع جذور عشرات الملايين من لاجئي الحفظ على مر الزمن.([14])
وخلال تلك الفترة أُنشئت المناطق المحمية، وأُديرت دون مراعاة تُذكَر لوصول المجتمعات المحلية إلى الموارد واستخدامها. وحُرمت من حقوقها ونُزحت من مناطق إشغالها التقليدية، مما أدى إلى عواقب وخيمة على سُبُل عيشها وبقائها الاجتماعي والثقافي؛ حيث ساهمت إجراءات “الأسوار والغرامات” في خلق علاقات عدائية بين المجتمعات المحلية ومجموعات الحياة البرية والمناطق المحمية، مما أدى إلى فقدان التنوع البيولوجي.([15])
وقد بدأ مفهوم المحميات المجتمعية في إفريقيا بالظهور في تسعينيات القرن الماضي استجابةً للاعتراف المتزايد بملاك الأراضي والمجتمعات المحلية كأوصياء على موارد الحياة البرية الخاصة بهم. وقد تأثر هذا التحول بالدعوات المتزايدة إلى إستراتيجيات حفظ أكثر شمولاً تدمج سبل عيش المجتمعات المحلية مع جهود الحفاظ على الحياة البرية. وكانت هذه المحميات حيوية في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة. وقد تحوَّل هذا النموذج عن المتنزهات الوطنية التقليدية، ليُنشئ بدلاً من ذلك ترتيبات حوكمة حيازة الأراضي واستخدامها بهدف تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة والجدوى الاقتصادية للسكان المحليين([16]).
هذا ولم يكن التأسيس الأولي للمحميات مدفوعًا بأُطُر تشريعية محددة، بل نشأ بشكل طبيعي مع سعي المجتمعات إلى ترسيخ حقوقها ومسؤولياتها في إدارة الحياة البرية. ومع مرور الوقت، ومع تزايد الحاجة إلى التنظيم والاعتراف، بدأت المحميات بالاندماج في الأجندات الوطنية.([17])
وعلى الرغم من تزايد جهود الحفظ في القرن العشرين، استمرت الحياة البرية في التدهور، مما سلَّط الضوء على الحاجة إلى إعادة تقييم مناهج الحفظ. ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، حدث تحوُّل نموذجي بعيدًا عن المناطق المحمية المركزية الحصرية نحو المشاركة للمجتمعات. وقد قاد هذه العملية السرد البيئي السياسي للمحميات المجتمعية، واضعًا التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة على قدم المساواة مع الحفظ واليوم، توجد هياكل مركزية مثل المحميات الطبيعية والمتنزهات الوطنية إلى جانب أُطُر عمل لامركزية يقودها المجتمع. بمساعدة جهات فاعلة غير حكومية، كما طبّقت الحكومات برنامج التعاون عبر الحدود على موارد متنوعة، مثل المياه والحياة البرية ومصايد الأسماك والمراعي والغابات. ([18])
واليوم، تُعتبر المحميات آليات أساسية للحفاظ على التنوع البيولوجي مع تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية في الوقت نفسه. مما يعزّز الشعور بالمسؤولية بين المجتمعات المحلية، ويُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.([19])
ثالثًا: تقييم آثار برامج الحفظ المجتمعية على السكان المحليين في إفريقيا جنوب الصحراء
تحتوي إفريقيا في المجموع على 1254 منطقة محمية بما في ذلك 198 منطقة محمية بحرية و50 محمية للمحيط الحيوي و80 منطقة من الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية و34 موقعًا للتراث. ويعتمد نجاح الوجود طويل الأمد للمناطق المحمية على دعم السكان المحليين وفهمهم لما تدعو إليه المناطق المحمية.
ولفهم العلاقات المعقدة بين المناطق المحمية والمجتمعات المجاورة، تم تقييم العلاقة بين حدائق كيب الشرقية والمجتمعات المجاورة في محمية دويسا-كويبي الطبيعية. باستخدام عينة من 120 مشاركًا من أربع قرى (كويبي، وهوبيني، ونتلانغولا، ونتوبيني) تقع ضمن نطاق 1015 كيلو مترًا مربعًا، وفي كل قرية استُخدمت عينة من 30 مشاركًا. وخلصت النتائج إلى أن الصراعات بين المناطق المحمية والمجتمعات المحلية ترجع إلى استخراج الموارد، والقواعد الصارمة لاستخدامها والسلوكيات السيئة، أو مضايقات حراس المتنزهات، مما يُولّد مواقف سلبية تجاهها.([20])
وباستكشاف هذا الأثر على السكان الذين يعيشون بجوار منطقة فيرونغا الكبرى في رواندا وأوغندا على سد هذه الفجوة، من خلال فحص إستراتيجية سبل عيش الأسر التي تتبعها مؤسسات الحفاظ على البيئة المجتمعية بين سكان المنطقة. أجريت مقابلات مع 571 من السكان لتقييم رضاهم عن أمن سبل عيش أسرهم. أشارت النتائج إلى أن الاستثمار في مؤسسات الحفاظ على البيئة المجتمعية أدى إلى تحسينات كبيرة في سبل عيش السكان في رواندا. وتحسينات هامشية أبلغ عنها السكان في أوغندا.([21])
وقد توصلت البحوث التي أجريت حول المقارنات بين رفاهية المجتمعات والحفاظ على الطبيعة، في مجموعة من دول المنطقة، إلى أن الإدارة المشتركة، وتقاسم المنافع، والتمويل المستدام للحفاظ على البيئة، عوامل أساسية في إدارة المفاضلة.
كما تبين أن العديد من هذه الدول تنظر إلى الحياة البرية على أنها مِلْك للدولة ومصالح عامة، وهذا يُعيق الأفراد في المناطق الريفية، في البلدان التي لا توجد فيها سندات ملكية للأراضي، عن الاستفادة من الموارد. لا سيما أن العديد من المجتمعات الأصلية تُهجّر بهدف تطوير تلك المناطق.
ومن القضايا الأخرى تضارب المصالح، بين الاستخدامات الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، والشراكات الخاصة أو المجتمعية المحلية. وبما أن الحياة البرية ملك للدولة، فإن الدولة تمنحها حق استخدامها على شكل حصص. وتُمنح هذه الحصص عادةً بشكل تفضيلي للقطاع الخاص؛ إذ يحقق عائدات أكبر من الأنشطة المرتبطة بالحياة البرية مقارنةً بالمجتمعات المحلية. كما أن هناك تضاربًا في استخدامات الأراضي؛ حيث يمكن أن يؤثر الاستخدام الاستهلاكي للحياة البرية (مثل صيد الجوائز) سلبًا على الاستخدام غير الاستهلاكي للحياة البرية (مثل أنشطة مشاهدة الطرائد). وهذا يُشير إلى تعقيد إدارة المفاضلات؛ إذ إنها لا تقتصر على المجتمعات والحياة البرية فحسب، بل تشمل أيضًا القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكذلك المجتمعات المحلية ضد القطاع الخاص.
وتستخدم دول المنطقة إستراتيجيات مختلفة للحدّ من تلك الصراعات مثل: خطط التعويض، ونماذج الإدارة المشتركة، وترتيبات تقاسم المنافع. فمثلاً تُقدّم دولة مثل جنوب إفريقيا تعويضات للمزارعين عن خسائر الماشية التي تسببها الحيوانات المفترسة، وتدير مجموعة متنوعة من برامج الحفاظ على البيئة المجتمعية، ولديها مبادرات للموارد الطبيعية تُوفّر حصصًا في الإيرادات تتراوح بين 50% و100% بحسب المقاطعة. هذا بالمقارنة مع دولة مثل غانا، التي لديها خطط تعويض ونماذج إدارة مشتركة مماثلة، ولكن ترتيبات تقاسم المنافع أقل بكثير. ([22])
رابعًا: المحميات المجتمعية في ناميبيا نموذجًا
كانت أبرز نماذج المحميات المجتمعية في ناميبيا وكينيا؛ حيث شهدت الأخيرة نموًّا ملحوظًا في عدد محميات الحياة البرية، التي تلعب الآن دورًا محوريًّا في جهود الحفاظ على البيئة في البلاد. واعتبارًا من عام 2023م، بلغ عدد المحميات 230 محمية، تغطي مساحة تقارب 9.04 مليون هكتار، أي ما يعادل 16% من إجمالي مساحة كينيا. وتُعدّ هذه المحميات جزءًا من إستراتيجية أوسع لحماية التنوع البيولوجي. وتهدف إلى التخفيف من التحديات التي يفرضها النمو السكاني، والتوسع الزراعي، وتغير المناخ، من خلال زيادة مساحة المحميات، وتشجيع المجتمعات المحلية على المشاركة في أنشطة الحفاظ على البيئة.([23])
ومع ذلك، فإن تقلص مساحات التشتت خارج المتنزهات الوطنية، مثل تلك المحيطة بمتنزه أمبوسيلي الوطني، يُبرز الحاجة المُلِحَّة لمشاركة المجتمع في إدارة الحياة البرية. ففي أمبوسيلي، تزايدت الصراعات بين الإنسان والحياة البرية بسبب تغيرات استخدام الأراضي.([24])
منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، سعت الحكومة الناميبية إلى دمج المجتمعات المحلية التي لا تملك أي حقوق قانونية على الأراضي في جهود الحفظ، وذلك من خلال منحها حقوق الاستخدام والموارد. وقد أثبتت برامج إدارة الموارد الطبيعية المجتمعية (CBNRMs) نجاحها إلى حد ما في مواجهة الانخفاض الحاد في أعداد الحيوانات البرية على الأراضي العامة. ([25]) وقد وفَّر تعديل قانون الحفظ الطبيعي لعام 1996م إطارًا لتخصيص الأراضي وإنشاء هيئة إدارية مجتمعية تطوعية مكلفة بالإشراف على تطوير المحمية وضمان توزيع عائدات الحياة البرية بشكل عادل([26])
كانت أولى هذه المحميات؛ محمية تورا، عام 1998. ومنذ ذلك الحين، أُنشئت نحو 50 محمية. وهي تُغطّي مساحةً تزيد عن 105 آلاف كيلو متر مربع، وتضم نحو 185 ألفًا من سكان الريف.
تُمنح المجتمعات المحلية في ناميبيا حق إنشاء المحميات إذا استطاعت تحديد حدودها، وامتلاك عضوية واضحة المعالم، واختيار لجنة تمثيلية لتنفيذ البرامج، ووضع نظام وإطار مقبول. بمجرد إنشاء المحمية، يحصل المجتمع المحلي على حقوق محدودة في الاستخدام الاستهلاكي وغير الاستهلاكي، وذلك بناءً على خطة إدارة معتمدة من وزارة البيئة والمياه، والتي تتضمن عادةً هيكلًا مؤسسيًّا، وخطة لمناطق إدارة الموارد، وأدوات وسياسات تُمكِّن المحمية من تحقيق أهدافها.
وتشير الأدلة إلى مساهمتها في صحة الحياة البرية؛ حيث إن أعداد الحياة البرية في منطقة كونين قد تحسنت بشكل ملحوظ خلال أواخر التسعينيات. فأعداد الفيلة في كونين تضاعفت بين عامي 1982م و2001م. وأعداد الحمار الوحشي الجبلي ازدادت من 450 في عام 1982م إلى أكثر من 13000 في عام 2002م. وأعداد الظباء نمت بشكل هائل. كما أُفيد بأن أعداد المها العربي والظباء في شمال غرب ناميبيا كانت تتراوح بين 15000 و30000 رأس في عام 2000م، وهي زيادة هائلة مقارنةً بانخفاض مستوياتها في عام 1985م.
وفيما يتعلق بمزايا الرعاية الاجتماعية، وفَّرت المحميات فرص عمل وأرباحًا، والأهم من ذلك، توزيع اللحوم؛ حيث استفادت المجتمعات المحلية نقديًّا وعينيًّا. ففي نهاية عام 1998م، حقَّقت محمية تورا حوالي 40 ألف دولار أمريكي من اتفاقيات تقاسم الأرباح وأرباح نُزُل سياحي. وتشمل الإيرادات النقدية الدخل من الخدمات المُقدَّمة للنُّزُل، ورسوم المبيت، وبيع الجلود، وواجبات الحراسة، وغيرها من فرص العمل. كما تبين أن المجتمعات التي تستثمر في تطوير المحميات يمكن أن تتوقع عوائد مرتفعة على استثماراتها.([27])
وقد أظهرت الدراسات أن ملاك الأراضي الخاصة الذين يتجمعون معًا لتشكيل محميات واسعة النطاق يمكنهم تحقيق عوائد مالية أكبر من خلال الصناعات غير الاستخراجية مقارنةً ببقائهم مربيين مزارع صغيرة. وقد تبين أن إدارة الموارد الطبيعية المجتمعية حققت في عام ٢٠٠٦م أكثر من ٩٣ مليون دولار ناميبي (ما يقارب ١٤ مليون دولار أمريكي) لأصحاب المصلحة من القطاع الخاص، وحوالي ١٨٥ مليون دولار ناميبي (٢٧.٦ مليون دولار أمريكي) للاقتصاد الناميبي. وتم دمج ٥٠٪ من أراضي مراعي الأفيال في ناميبيا ضمن شبكة المحميات، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في أعدادها. بين عامي ٢٠٠١ و٢٠٠٨م، وفي منطقة كابريفي وحدها، ازدادت أعداد الأفيال من حوالي ١٠٠ إلى أكثر من ١٠٠٠. وقد أدى انخفاض ربحية تربية الماشية وزيادة تمكين المجتمع إلى توفير بيئة مواتية لإدارة الحياة البرية بشكل مربح. مما ساعد من الحد من الفقر.([28])
وقد أدى إنشاء المحميات المجتمعية في منتصف التسعينيات إلى حماية ما يقرب من 17 مليون هكتار من الأراضي، مما أسهم بشكل كبير في تعافي أعداد الحياة البرية، بما في ذلك زيادة أعداد الفيلة ثلاث مرات من حوالي 7500 إلى ما يقرب من 23000. تُدرّ أكثر من 80 محمية طبيعية حاليًا ما يقارب 10 ملايين دولار أمريكي سنويًّا من السياحة واستخدام الحياة البرية، مما غيَّر المشهد الاقتصادي للمجتمعات الريفية التي لم تستفد سابقًا من جهود الحفظ. ([29])
وفي منطقة زامبيزي في ناميبيا، والتي تغطي مساحة 14785 كيلو مترًا مربعًا شمال شرق ناميبيا، على بُعد حوالي 1200 كيلو متر من العاصمة ويندهوك. تحدّها أربعة أنهار: نهر زامبيزي في الشمال الشرقي، ونهر تشوبي في الجنوب الشرقي، ونهر لينيانتي في الجنوب، ونهر كواندو في الجنوب الغربي. تُشكل هذه الأنهار حدودًا طبيعية مع زامبيا وزيمبابوي وبوتسوانا، كما أن للمنطقة حدودًا مع أنغولا. تقع المنطقة في قلب منطقة كافانغو-زامبيزي، ثاني أكبر منطقة محمية عابرة للحدود في العالم. وتمر بها العديد من ممرات الحياة البرية، مما يجعلها مركزًا حيويًّا للحفاظ على البيئة. واعتبارًا من عام 2016م، استضافت المنطقة 58% من أعداد الأفيال في ناميبيا. وتضم ثلاث حدائق وطنية و15 محمية مجتمعية.
كما أن المنطقة موطن لحوالي 100 ألف شخص، يعيش جزء كبير منهم ضمن مخططات المحميات. يعتمد معظم الناس على إنتاج المحاصيل ورعي الماشية. ما يقرب من 37% من السكان العاملين، ونصف من تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عامًا، عاطلون عن العمل، ويعيش 39% من سكان المنطقة تحت خط الفقر، مقارنة بـ 27% للبلاد ككل. كاتيما موليلو، المركز الحضري الوحيد في المنطقة، هي مركز اقتصادي للتجارة والخدمات اللوجستية، وشراء وتجهيز الأغذية، والرقابة الحكومية، وغيرها من البنى التحتية الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. وغالبًا ما تكون المحميات المجتمعية مجاورة، أو لديها مشروع مشترك مع شركات سياحية مثل النزل والمخيمات. صيد الكؤوس شائع ويجلب مبالغ كبيرة من المال من السياح الأثرياء. ويعود جزء من دخل السياحة الاستهلاكية وغير الاستهلاكية إلى المجتمعات المحلية على شكل مساعدات نقدية وعينية. كما تُموّل هذه المساعدات أيضًا مدفوعات التعويضات.([30])
وتُظهر كلٌّ من كينيا وناميبيا أن المحميات المجتمعية قادرة على معالجة تحديات الحفظ بفعالية مع تحقيق الفائدة للسكان المحليين. ففي كينيا، ينصبّ التركيز على زيادة مساحة الحفاظ على الحياة البرية وتحفيز المشاركة المجتمعية، بينما حقَّقت ناميبيا نجاحًا من خلال الأُطر القانونية التي تُمكّن المجتمعات المحلية من إدارة موارد الحياة البرية على نحو مستدام.([31])
ولا يخلو برنامج المحميات في ناميبيا من الجدل. فقد جادل باحثون بأن تلك البرامج متحيزة نحو الحفاظ على الثدييات الكبيرة، وتُركّز على المشاركة المحلية في أنشطة الشرطة ومكافحة الصيد الجائر، ولا تُتيح لسكان المناطق المشتركة سوى خيارات تنمية محدودة. وأن الفئات الأكثر ثراءً تميل إلى الحصول على فرص عمل أكبر في قطاع السياحة، كما تُثار مخاوف بشأن العدالة في توزيع اللحوم والأموال. ([32])
وباستخدام دراسات حالة لثلاث محميات في شمال ناميبيا، تبين معاناة المحميات من محاولات استبعاد فئات معينة. ومن أبرز الديناميكيات المتعلقة بمأسسة المحميات أنها تُشكل أساسًا لعلاقات قوة جديدة في المناطق المجتمعية تُنافس هرميات السلطة التقليدية القائمة. ولم يضمن هذا التحول توزيعًا عادلًا للمنافع. وغالبًا ما كانت لجان المحميات بمثابة وسيلة لظهور نُخَب محلية جديدة مرتبطة باقتصاد السلع العالمي الحديث. فضلاً عن التعاقد من الباطن على المهام الرئيسية، مثل الصيد وتطوير السياحة، وهو ما يتعارض مع تنمية القدرات المحلية.([33])
كما تشير دراسات من دول أخرى إلى أن عدم توفير حقوق ملكية أكثر أمانًا للمجتمعات المحلية كان إشكاليًا. ففي تنزانيا، وجد أن الفشل الرئيسي لبرنامج إدارة مناطق الحياة البرية كان رفض الحكومة نقل حقوق الأراضي إلى السكان المحليين. حيث تعاني هذه المحميات من سيطرة النخبة، وسوء استخدام الأموال، وانخفاض مستويات المشاركة. وتبين أن المجتمعات غالبًا ما تُستبعد من تخطيط برامج إدارة الحياة البرية، ولا ترى سوى القليل من الفوائد المالية من نمو السياحة البيئية. وبالمثل، فإن سياسة كينيا القائمة على الملكية العامة الصارمة للحياة البرية دون حقوق الاستخدام الخاصة. يعني أن المجتمعات المحلية لا ترى أي فائدة مباشرة من الحياة البرية، بل فقط الدمار الذي تُلحقه الأفيال بمحاصيلها. ([34])
خامسًا: التحديات التي تواجه برامج المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء
-تحديات الحكومة الديمقراطية:
على الرغم من الفوائد المحتملة للمحميات المجتمعية، إلا أنه لا تزال هناك قضايا تتعلق بديناميكيات السلطة وسلطة اتخاذ القرار. في بعض الحالات، قوَّضت المستويات الحكومية العليا سلطة حكومات القرى المنتخبة ديمقراطيًّا، مما أدى إلى توترات بين حقوق المجتمعات وهياكل الحوكمة الخارجية وتعرضت سياسات إدارة الحياة البرية المرتبطة بهذه المحميات لانتقادات لفشلها في تمكين المجتمعات بشكل كافٍ، مما استلزم إعادة تقييمها لمواءمتها بشكل أفضل مع المبادئ الديمقراطية وتعزيز نتائج إيجابية لسبل العيش. ([35])
فقد تنشأ نتائج متباينة عند تجاهل المعرفة المحلية ووجهات النظر العالمية، أو عند عدم تفويض حقوق إدارة الموارد بشكل كافٍ. ([36]) كما يُمكن للديناميكيات السياسية المُحيطة بحوكمة الموارد الطبيعية أن تُعقّد فعالية مبادرات الحفاظ على الموارد الطبيعية، مما يُؤدي إلى تباين بين الوعود السياسية والحقائق العملية. ([37]) علاوة على ذلك، يُشكِّل النمو السكاني المتوقع والتغيرات المرتبطة به في استخدام الأراضي تهديدات كبيرة لهذه الجهود، مما يزيد من التنافس على الموارد المحدودة ويزيد من إجهاد النظم البيئية. ([38])
-مشاركة أصحاب المصلحة وتفاوت التصورات:
يُعدّ تفاوت مستويات مشاركة أصحاب المصلحة وتصوراتهم أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المحميات المجتمعية. وقد كشفت دراسة قيّمت خمس محميات كينية أن درجات مؤشر التعاون بين أصحاب المصلحة تراوحت بين منخفضة (0.33) ومرتفعة (0.95)، بمتوسط درجات 0.61، مما يشير إلى مستويات مشاركة متفاوتة. ([39])
-حقوق الأراضي وإدارة الموارد:
تُشكّل قضايا ملكية الأراضي عوائق كبيرة أمام الإدارة الفعالة للحفظ؛ حيث تُعامل العديد من الدول الإفريقية الحياة البرية كملكية للدولة، مما يحُد من قدرة المجتمعات المحلية، وخاصةً الجماعات الأصلية، على الاستفادة من الموارد الطبيعية، وأدى إخلاء المناطق المحمية إلى اتهامات بالظلم وإنكار الحقوق المتوارثة. ([40]) ويزيد عدم الاعتراف بحقوق الأراضي الجماعية والعرفية من تعقيد الوضع، مما يؤدي غالبًا إلى صراعات بين ممارسات استخدام الأراضي المختلفة، مثل الاستخدام الاستهلاكي وغير الاستهلاكي للحياة البرية. وتتطلب هذه الديناميكية من صانعي السياسات مراعاة العلاقات المعقدة بين مختلف مجموعات أصحاب المصلحة لوضع إستراتيجيات عادلة وفعّالة لإدارة الموارد. ([41])
-الصراع بين مصالح أصحاب المصلحة:
تنشأ الصراعات غالبًا من تنافس مصالح استخدام الأراضي. ونظرًا لأن الحياة البرية تُعتبر إلى حد كبير ملكًا للدولة، فغالبًا ما تُخصَّص حصص استخدامها للقطاع الخاص، مما يُهمش المجتمعات المحلية التي يُمكنها أيضًا توليد دخل من الأنشطة المتعلقة بالحياة البرية. ويمكن أن يُعزز هذا التفاوت الاستياء والصراع، لا سيما وأن الأنشطة الاستهلاكية مثل صيد الكؤوس يمكن أن تؤثر سلبًا على الأنشطة غير الاستهلاكية مثل السياحة البيئية.([42]) وقد تنشأ صراعات داخل المجتمعات المحلية حول استخدام الأراضي، خاصةً عندما تتنافس الاحتياجات الزراعية مع أهداف الحفاظ على البيئة، مما يُشير إلى مشهد معقد من المصالح يتطلب تفاوضًا وإدارةً دقيقين.
-التحديات المؤسسية والفساد:
غالبًا ما تتسم البيئة السياسية المحيطة بالمحميات بمستويات عالية من الفساد وهياكل حوكمة هشَّة، مما يُصعّب إنفاذ الحقوق وحماية الموارد. وبرغم من وجود دفعة عالمية لإصلاح حقوق أراضي المجتمعات المحلية، إلا أن التقدم في إفريقيا لا يزال بطيئًا وغير متَّسق، مما يحُد من فعالية مبادرات الحفاظ على البيئة المجتمعية. ([43]) كما أن مشاركة المنظمات غير الحكومية المعنية بالحفاظ على البيئة، وإن كانت مفيدة في بعض الأحيان، قد تعرَّضت لانتقادات بسبب تفاعلها مع السكان المحليين، مما قد يؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم أو عدم توافق أهدافهم مع احتياجات المجتمع. ([44])
-الصراع بين الإنسان والحياة البرية:
مع توسُّع التجمعات البشرية في موائل الحياة البرية، يزداد تواتر الصراعات بين الإنسان والحياة البرية، مما يؤدي إلى تدمير المحاصيل وخسائر في الثروة الحيوانية، مما قد يؤدي إلى مواقف سلبية تجاه جهود الحفاظ على البيئة. وغالبًا ما تتفاقم هذه الصراعات إلى أعمال انتقامية ضد الحياة البرية، مما يزيد من تعقيد جهود الحفاظ عليها ويستلزم إستراتيجيات فعَّالة للتخفيف من حدة هذه المشكلات لتحقيق النجاح على المدى الطويل. ([45])
سادسًا: المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء… نظرة استشرافية
يتشكل مستقبل المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء من خلال تفاعل معقّد بين العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ومع استمرار توسع السكان، أدى التعدّي على موائل الحياة البرية إلى تزايد الصراعات بين البشر والحياة البرية، مما استلزم اتباع نهج مبتكرة للتخفيف من حدة هذه المشكلات. وتُعد الإستراتيجيات الفعّالة لحل النزاعات أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على مواقف مجتمعية إيجابية تجاه جهود الحفظ، والتي تُعد ضرورية لاستدامة هذه المبادرات على المدى الطويل،([46]) ومن أهمها ما يلي:
-تكامل جهود الحفظ والتنمية:
لتعزيز جدوى المحميات المجتمعية، يتزايد الإدراك بضرورة ربط جهود الحفظ بالتنمية الاقتصادية المستدامة. تُمثل مشاريع الحفظ والتنمية المتكاملة (ICDPs) نموذجًا واعدًا؛ إذ تجمع بين أنشطة الحفظ والعادات المحلية والفوائد الاقتصادية، مثل خلق فرص العمل والحد من الفقر. على سبيل المثال، يُظهر برنامج أسواق المجتمعات المحلية للحفاظ على البيئة (COMACO) في زامبيا بنجاح كيف يُمكن للمجتمعات المحلية الانخراط في الحفاظ على البيئة مع الاستفادة في الوقت نفسه من فرص اقتصادية مستدامة. ([47])
-مواجهة تغير المناخ:
يُمثل تغير المناخ تحديًا كبيرًا للحفاظ على الحياة البرية في إفريقيا؛ إذ يُؤثر على استقرار الموائل وبقاء الأنواع. يجب أن تتضمَّن إستراتيجيات الحفاظ على البيئة تدابير للتكيف مع تغيُّر المناخ، مثل حماية الملاجئ المناخية وتعزيز ربط الموائل لتسهيل هجرة الأنواع. ويُمكن لجهود الحفاظ على البيئة أن تُسهم في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال مشاريع إعادة التحريج وممارسات الاستخدام المُستدام للأراضي، مما يُساعد على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودعم التنوع البيولوجي.([48])
-التمويل وتعبئة الموارد:
لا يزال نقص التمويل والموارد يُمثل عائقًا رئيسيًّا أمام فعالية المحميات المجتمعية. ويُمكن أن يُوفر توسيع الدعم المالي من خلال المبادرات الحكومية والشراكات مع منظمات التنمية الموارد اللازمة لبرامج الحفاظ على البيئة الفعَّالة؛ حيث إن إشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار يضمن أيضًا توافق هذه المبادرات مع الاحتياجات والقيم المحلية، مما يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية.([49])
-التعاون متعدد الشركاء:
يتطلب التصدي للتحديات المتنوعة والمترابطة التي تواجه المحميات المجتمعية التحول من نهج واحد يناسب الجميع إلى تعزيز التعاون بين القطاعات. ويمكن للمبادرات متعددة الشركاء التي تشمل مختلف الجهات المعنية -بما في ذلك الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية- أن تسهّل تبادل المعرفة والموارد، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سد الفجوة بين احتياجات قدرات الحفظ والتدابير المتخذة في المنطقة.([50]) ومن خلال الاستفادة من الخبرة الجماعية، يمكن لهذه الشراكات أن تخلق أطرًا أكثر مرونة وتكيفًا للحفظ، تستجيب للسياقات الاجتماعية والبيئية الفريدة لإفريقيا.
ختامًا:
تمثل المناطق المحمية جوهر الالتزام السياسي والاقتصادي العالمي بالحفاظ على التنوع البيولوجي وغيره من الموارد الطبيعية والثقافية. وتعتبر المحميات المجتمعية في إفريقيا جنوب الصحراء أداةً فعَّالة للحفاظ على البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. ومن خلال إشراك المجتمعات المحلية، يمكن تحقيق توازن أفضل بين الاحتياجات الاقتصادية والحفاظ على التنوع البيولوجي، مما يسهم في مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.
إن الإدارة المشتركة، وتقاسم المنافع، والتمويل المستدام للحفاظ على البيئة عوامل حيوية في إدارة التوازن بين رفاهية المجتمعات والحفاظ على البيئة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تلك البرامج، إلا أنها حقيقة تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات المحلية- وخاصة إذا توافر لها التمويل المحلي بعيدًا عن مال المستعمر-، وتُسهم في تخفيف الفقر، والحفاظ على الحياة البرية، وتظهر النماذج الناجحة ذلك، فهي تحتاج إلى التعميم على مستوى القارة، كذلك فهي جديرة بأن تُدمج في الرؤى الإقليمية، مع معالجة التحديات التي تواجهها.
……………………………….
[1] ) conservationtravelafrica, Community Conservation Programmes.at:
[2] ) NEXT IAS Team, Community Reserves and Conservation Reserves, October 18th, 2024.at: https://www.nextias.com/blog/community-and-conservation-reserves/
[3]( Arthur Hoole, Community-based conservation and protected areas.pp.131-132.at: https://www.researchgate.net/publication/329705019_Community-based_conservation_and_protected_areas_Lessons_across_natural_resource_sectors_in_sub-Saharan_Africa/link/63e650e36425237563a24901/download?_tp=eyJjb250ZXh0Ijp7ImZpcnN0UGFnZSI6InB1YmxpY2F0aW9uIiwicGFnZSI6InB1YmxpY2F0aW9uIn19.pp 136-137.
[4] ) Fred Nelson, East and Southern Africa A regional analysis of the status of territories of life.at: https://report.territoriesoflife.org/national-and-regional-analysis/east-and-southern-africa/
[5] ) Hamudi Majamba, Integrating Local Communities in the Policy and Legislative Framework for Wildlife Conservation and Management in Tanzania,2007.at: https://www.academia.edu/13123643/Integrating_Local_Communities_in_the_Policy_and_Legislative_Framework_for_Wildlife_Conservation_and_Management_in_Tanzania
[6] ) John W. Wilson & Richard B. Primack, Linking Conservation to Socio-Economic Development.at: https://bio.libretexts.org/Bookshelves/Ecology/Conservation_Biology_in_Sub-Saharan_Africa_(Wilson_and_Primack)/14%3A_Conservation_on_Unprotected_Lands/14.03%3A_Linking_Conservation_to_Socio-Economic_Development
[7] ) O’Connell MJ, Nasirwa O, Carter M, et al. Capacity building for conservation: problems and potential solutions for sub-Saharan Africa. Oryx. 2019;53(2):273-283. doi:10.1017/S0030605317000291
[8] ) Fred Nelson, East and Southern Africa A regional analysis of the status of territories of life.at: https://report.territoriesoflife.org/national-and-regional-analysis/east-and-southern-africa/
[9] ) Lizzie Marsters and et al, In Sub-Saharan Africa, Nature-Based Solutions Take Root
February 19, 2025.at: https://www.wri.org/insights/nature-based-climate-solutions-sub-saharan-africa
[10] ) saiia, Elevating the Role of Communities in Conservation Management Areas.at: https://saiia.org.za/research/elevating-the-role-of-communities-in-conservation-management-areas/
[11] ) Karanja Nzisa , Community-led solutions are key to sustainable conservation outcomes, Mar 05, 2025.at: https://www.standardmedia.co.ke/business/opinion/article/2001513188/community-led-solutions-are-key-to-sustainable-conservation-outcomes
[12] ) Karanja Nzisa.Op.cit.
[13] ) Idem.
[14] ) John W. Wilson & Richard B. Primack, History of Conservation in Sub-Saharan Africa.at: https://bio.libretexts.org/Bookshelves/Ecology/Conservation_Biology_in_Sub-Saharan_Africa_(Wilson_and_Primack)/02%3A_Introduction_to_Sub-Saharan_Africa/2.02%3A_History_of_Conservation_in_Sub-Saharan_Africa
[15] ) Arthur Hoole,Op.cit.
[16] ) Galvin, K. A., “Social-Ecological Innovations and Outcomes of Community-Based Conservation in Africa: Implications for the Future” (2021). IGC Proceedings (1989-2023). 7. https://uknowledge.uky.edu/igc/24/4/7
[17] ) Gladys Warigia and Brendan Buzzard, Kenya’s New Wildlife Laws: What Impact on Conservancies? July 12, 2017.at: https://swara.co.ke/kenya-s-new-wildlife-laws-what-impact-on-conservancies/
[18] ) Maximilian Meyer, Community-based conservation and wildlife conflict: evaluating costs in Namibia, Carnivore Damage Prevention News | Issue 28 | Spring-Summer 2024.at: https://cdpnews.net/issue-article/community-based-conservation-and-wildlife-conflict-evaluating-costs-in-namibia/
[19] ) abcg, Community Participation: The Key Component in The Success of Conservation, April 15, 2019.at: https://abcg.org/community-participation-the-key-component-in-the-success-of-conservation/
[20] ) Andisiwe Bango, Zanele Xelelo, Protected Areas and Community Relationships in the Sub-Saharan Africa: A case study of Dwesa- Cwebe Nature Reserve in the Eastern Cape, South Africa, 1 June 2017.at: https://www.semanticscholar.org/paper/Protected-Areas-and-Community-Relationships-in-the-Bango-Xelelo/8cd3b664a858c7fdd62df259166b93ee155fe773
[21] ) Edwin Sabuhoro, Exploring the Impact of Community Conservation Enterprises on Household Livelihoods Around Two Wildlife Areas in Sub-Saharan Africa, Human Dimensions of Wildlife An International Journal Volume 28, 2023 – Issue 2.at: https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/10871209.2021.2015487
[22] ) Josh Gray, Op.cit.
[23] ) Klerkson Lugusa, Op.cit.
[24] ) damiannah kieti, Community Conservation Paradigm: The Case Studies of Mwaluganje Elephant Sanctuary and lLNgwesi Community Conservancy in Kenya, 2013.at: https://www.academia.edu/67027982/Community_Conservation_Paradigm_The_Case_Studies_of_Mwaluganje_Elephant_Sanctuary_and_lLNgwesi_Community_Conservancy_in_Kenya
[25] ) Boudreaux Karol & Nelson Fred, “Community Conservation in Namibia: Empowering the Poor with Property Rights,” Economic Affairs Vol. 31 No. 2 (2011): 17 – 24.at:
https://www.researchgate.net/publication/227372056_Community_Conservation_in_Namibia_Empowering_the_Poor_with_Property_Rights
[26] ) government gazette of the republic of namibia, Nature Conservation Amendment Act, 1996.at: https://www.npc.gov.na/wp-content/uploads/2022/06/Nature-Conservation-Amendment-Act-5-of-1996.pdf
[27] ) Sushenjit Bandyopadhyay and etal, Benefits to local communities from community conservancies in Namibia: an assessment, Development Southern Africa Vol. 26, No. 5, December 2009.pp.735-736.
[28] ) utexas, Namibia’s Community Wildlife Conservancies, January 20, 2015.at: https://sites.utexas.edu/wildlife/2015/01/20/namibia-community-wildlife-conservation/
[29] ) Fred Nelson, Op.cit.
[30] ) Maximilian Meyer, Op.cit
[31] ) Fred Nelson, Communities delivering conservation.Op.cit.
[32] ) Sushenjit Bandyopadhyay and etal. Op.cit .p.736.
[33] ) Maaike de Vette and etal, Conservancies in Namibia: A discourse in action, June 2012.at: https://www.researchgate.net/publication/261877397_Conservancies_in_Namibia_A_discourse_in_action
[34] ) utexas,Op.cit.
[35] ) Hamudi Majamba, Op.cit.
[36] ) Karanja Nzisa.Op.cit.
[37] ) Klerkson Lugusa, Who’s In, Who’s Out? Challenges for Conservation Partnerships in Sub- Saharan Africa,2020.at: https://www.academia.edu/44216626/Whos_In_Whos_Out_Challenges_for_Conservation_Partnerships_in_Sub_Saharan_Africa
[38] ) O’Connell MJ, Nasirwa O, Carter M, et al.Op.cit.
[39] ) Klerkson Lugusa.Op.cit.
[40] ) Josh Gray, Conservation vs. Community: Navigating Trade-Offs in Sub-Saharan Africa, 13 Nov 2024.at: https://commerce.uct.ac.za/epru/articles/2024-11-13-conservation-vs-community-navigating-trade-offs-sub-saharan-africa
[41] ) Fred Nelson.Op.cit.
[42] ) Josh Gray
[43] ) Fred Nelson.Op.cit.
[44] ) O’Connell MJ, Nasirwa O, Carter M, et al.Op.cit.
[45] ) Aspandyar Kalbek, Wildlife Conservation in Africa: Challenges, Successes, and Future Directions
Jun 22, 2024.at: https://www.artintanzania.org/wildlife-conservation-in-africa-challenges-successes-and-future-directions/
[46] ) Aspandyar KalbekOp.cit.
[47] ) John W. Wilson & Richard B. Primack.Op.cit.
[48] ) Aspandyar KalbekOp.cit.
[49] ) Karanja Nzisa.Op.cit.
[50] ) Fred Nelson, East and Southern Africa
A regional analysis of the status of territories of life.Op.cit.