نشرت مؤسسة العلوم والسياسية الدولية الألمانية (SWP) دراسة تحليلية أعدتها “ليزا تشورنر/Lisa Tschörner“، باحثة سياسية بقسم أبحاث إفريقيا والشرق الأوسط بمشروع Megatrends Afrika استعرضت الكيفية التي تزايدت بها أعمال العنف، بوتيرة حادة، في منطقة الساحل خلال العقد الماضي. وفضلاً عن العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب، سعت الحكومة المدنية في النيجر بقيادة الرئيس محمد بازوم (2021-2023) إلى الحوار مع المسلحين. ومنذ بداية عام 2022 أعطت مؤشرات التراجع الملحوظ في عدد الهجمات المميتة الأمل في تحقيق نجاحات أولية للاستراتيجية المزدوجة. لكن الانقلاب الواقع في يوليو 2023 والتدهور الكبير في الوضع الأمني الناجم عنه، منذ ذلك الحين، أزاحا الستار عن مدى هشاشة الترتيبات التفاوضية. وبدلاً من القضاء على أسباب الصراع الهيكلية، كان النهج يهدف، أولاً، إلى الاعتراف بالأخطاء والتحولات على المستوى الفردي. كما أن تفتيت المبادرات وتسويقها تجاريًا، فضلاً عن الافتقار إلى التنسيق بين التدابير المدنية والعسكرية، يعيق فرص إقرار سلام مُستدام. ومن أجل إحراز نجاح على المدى الطويل عبر قنوات الحوار، لابد من الاعتراف أولاً بالجماعات المسلحة باعتبارها جهات فاعلة سياسية، ويجب التفاوض على عقد تسويات قائمة على مبدأ الإجماع.
بقلم: ليزا تشورنر
ترجمة: شيرين ماهر
بعد مرور ثلاثة أيام من استيلاء الجيش على السُلطة في النيجر، في 26 يوليو 2023، حدد زعيم الانقلاب عبد الرحمن تياني، في أول خطاب عام ألقاه، أن تعامُل الحكومة المدنية غير المتماسك وغير الفعّال مع الأزمة الأمنية في البلاد كان سببًا رئيسيًا في الانقلاب العسكري. واتهم الرئيس المخلوع “محمد بازوم” بالإفراج عن زعماء إرهابيين وقُطاع طُرق دون صدور أمر قضائي. وقد استخدم “تياني” ذريعة طرحها مُنتقدو الحكومة، بصفة متكررة، منذ أعلن “بازوم” في فبراير 2022 دخوله في حوار مع الجماعات المسلحة. وفي مؤتمر قيادي انعقد، في نيامي، في الخامس والعشرين من فبراير 2022، أعلن “بازوم” أنه أرسل مبعوثين إلى قياديين “إرهابيين”، وأفرج عن سجناء، واستقبلهم لإجراء محادثات في القصر الرئاسي[1]. وقد قُوبلت تعليقات “بازوم” باستياء بين الجمهور النيجيري، ووجِهت إليه اتهامات ليس فقط بإضعاف الروح المعنوية للجيش المُنخرط في مكافحة الإرهاب، بل وأيضًا بتقويض سيادة القانون. ولقد انتقدت بعض أطياف المعارضة مبادرات الحوار باعتبارها اعترافاً بهزيمة الحكومة في الحرب ضد الجماعات المسلحة.
ولم يكن نهج الحوار الذي تبناه “بازوم”، والمعروف باسم سياسة “اليد الممدودة”، بديلاً للتدخلات العسكرية، بل كان مُكملاً لها. وقد تضمن هذا النهج رسمياً ثلاث أركان: (1) بدء محادثات مع القادة المرؤوسين النيجريين وأعضاء الجماعات المسلحة بهدف إقناعهم بالتخلي عن الكفاح المسلح؛ (2) تنفيذ برنامج خروج لنزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم؛ (3) مبادرات الوساطة والمُصالحة المحلية لحل النزاعات الداخلية التي تستغلها الجماعات المسلحة لحشد الموالين.
ووفقًا لممثلي حكومة “بازوم”، كان الإطار المرجعي لسياسة “اليد الممدودة” يستند إلى التعامل الناجح الذي اتبعته النيجر مع حركات تمرد الطوارق. فقد مهد مزيج من الضغوط العسكرية ومبادرات الوساطة المدعومة دوليًا من جانب القيادة إلى مستوى المجتمع المحلي والتزامات الحكومة بدمج المتمردين سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا الطريق أمام مفاوضات السلام في تسعينيات القرن العشرين[2].
لكن المدى الذي تشكل فيه الترتيبات السياسية مع المتمردين الطوارق مثالاً رئيسياً على نجاح عملية تهدئة ودمج القوات المتمردة بمنزلة أمر مثير للجدل. فقد منح التعيين الاستراتيجي لقادة المتمردين السابقين في مناصب سياسية مهمة، إلى جانب برامج السياسة الإنمائية، الحكومة في نيامي درجة معينة من السيطرة على حركات التمرد المحتملة. ولم تُنفَذ عناصر تعزيز السلام، مثل نزع سلاح المقاتلين الطوارق السابقين أو دمجهم في قطاعات الاقتصاد الرسمي، إلا في نطاق جزئي. وبعيداً عن ذلك، لم تهدف “سياسة اليد الممدودة” إلى دمج المسلحين سياسيًا، على النقيض من الاستراتيجية المُستخدَمة في التعامل مع تمرد الطوارق.
لكن تطور عمليات العنف ذات الدوافع المسلحة في النيجر أعطى دافعًا في أن يؤدي الجمع بين التدابير العسكرية والمدنية فرصة للتغلب على الأزمة الأمنية، بما في ذلك التعامل مع الفروع المحلية لتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة. في حين تدهور الوضع الأمني، بوتيرة سريعة، بين عامي 2018 و 2021، وخاصة في منطقة “تيلابيري” المتاخمة لكل من مالي وبوركينا فاسو، كان هناك تراجع بدءًا من عام 2022 حتى تولى الجيش السلطة في يوليو 2023[3]، حيث انخفض عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم جراء العنف في شمال تيلابيري بنحو 80 في المائة من عام 2021 إلى عام 2022[4]، كما انخفض عدد قوات الأمن الذين لقوا مصرعهم في القتال في المنطقة من متوسط 100 فرد في أعوام 2019 و 2020 و 2021 إلى 8 أفراد فقط في عام 2022 .[5]
وعلى الرغم من ذلك، ظلت سياسة “اليد الممدودة” بمثابة سياسة متوازنة: لم تكن مثيرة للجدل للغاية، على المستوى المحلي فحسب، بل استطاع الانقلابيون استخدامها بنجاح لإضفاء الشرعية على استيلائهم على السلطة. وبدلاً من الاعتراف بالجماعات المسلحة كفاعلين سياسيين والتفاوض على عمليات التسوية التي يمكن التوصل إليها، ركز النهج على الاعتراف بالأخطاء والتحولات الفردية. ولم تتسم مبادرات الحوار والوساطة والمصالحة المتباينة بالتنسيق والتحديد جغرافيًا وزمنيًا فحسب، وإنما تردد إنها مكّنت الجماعات المسلحة من تعزيز قوتها في السياق الإقليمي أيضًا.
توضح دراسة الحالة الخاصة بسياسة “اليد الممدودة” في النيجر معضلة يواجهها صُناع القرار الوطنيون والدوليون عند التعامل مع جماعات العنف. فمن ناحية، تعالت المزيد من الأصوات بين المحللين في الدعوة إلى الحوار والمفاوضات مع الجماعات المسلحة [6]، ولم يكن ذلك بلا أسباب: ففي النهاية، تعثرت جهود ما يربو على عقد من التدخلات العسكرية وجهود الاستقرار المدعومة دوليًا في احتواء العنف بشكل مستدام في منطقة الساحل. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الدراسات العلمية طويلة الأجل أيضًا على أن المنظمات المُصنفة باعتبارها “إرهابية” على مستوى العالم تنهي كفاحها المسلح من خلال الإدماج السياسي الرسمي وليس من خلال الهزائم العسكرية[7].
من ناحية أخرى، تعد القوى المسلحة النشطة في منطقة الساحل بمنزلة جهات فاعلة تتمتع بالسلطة والهيمنة. ومن خلال انضمامهم إلى الشبكات الإرهابية؛ القاعدة وتنظيم الدولة، فقد التزموا بأيديولوجية ترتكز على الحصرية الدينية ورفض النظام المدني للدولة. وهناك مخاوف مبررة من أن الحل التفاوضي للصراع قد يأتي على الأرجح بثمن سياسي ينطوي على تقديم تنازلات فيما يتصل بأفكار السلام الليبرالية مثل مبدأ العلمانية أو احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان[8].
ومع ذلك، يجب عدم إغفال أن الجماعات المسلحة النشطة في منطقة الساحل ليست وحدات ثابتة، بل يجب النظر إليها باعتبارها تشكيلات اجتماعية دائمة التغير. فهي ليست مندمجة تاريخيًا في سياقات الصراع المحلي فحسب، بل إنها تتفاوض حاليًا باستمرار على علاقاتها مع سلطات الدولة والجهات الفاعلة العنيفة الأخرى والسكان، سواء داخليًا أو خارجيًا[9]. كما يلعب العنف والدين دورًا مركزيًا في ذلك، ولكنه ليس الدور الوحيد. وفي مسـألة البحث عن الشرعية، لا يقتصر تحديد أفعالهم اليومية على عنصر المنافسة فقط، بل من خلال تشكيل التحالفات أيضًا. كما لا يُعد فَهم هذه الديناميكيات بمنزلة شرط أساسي ومحوري لجهود الحوار الناجحة مع القادة فحسب، ولكن أيضًا مع الفصائل المختلفة للمنظمات. يمكن للضغط العسكري المستهدف، في ظل ظروف معينة، أن يخلق الأجواء التي تسمح للجهات الفاعلة العنيفة بالدخول في محادثات. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو الاعتراف بأسباب الصراع ومعالجتها. ولن يتسنى التوصل إلى حلول وسط قائمة على حوار توافقي ليس فقط بين المفاوضين بل وأيضاً بين السكان إلا إذا كانت النُخب السياسية والسكان في المناطق المتضررة من العنف لديهم استعداد للاعتراف بالجماعات المسلحة كجهات فاعلة سياسية وحل المشكلات.
وفي النيجر، لم تتحقق هذه الشروط. وإنما، ظلت “سياسة اليد الممدودة” تثير الجدل وساهمت في نزع الشرعية عن الحكومة المدنية وزعزعة استقرارها، الأمر الذي ساهم في نجاح الانقلاب العسكري. وكما يوضح تَجدُد العنف في الأشهر التي أعقبت التغيير غير الدستوري للسلطة أن الجماعات المسلحة النشطة في النيجر لم تفقد نفوذها ولم تتخلِ عن كفاحها المسلح نتيجة “سياسة اليد الممدودة”.
التركيز على الاعتراف بالخطأ والتحول الفردي بدلاً من مكافحة أسباب الصراع:
لقد اعتمد الخطاب السياسي وممارسة “سياسة اليد الممدودة” أولاً وقبل كل شيء على الاعتراف بالخطاء والتحولات الفردية، بدلاً من الاعتراف بوجود الجماعات المسلحة كجهات فاعلة سياسية وتحديد الأسباب الهيكلية للصراع ومعالجتها.
ومنذ مطلع عام 2022، ظهر الرئيس “بازوم” بصفة متكررة في وسائل الإعلام في تلك الأجزاء من البلاد المُتضررة جراء العنف من أجل التأكيد على وجود الدولة ودعوة الجهات العنيفة إلى تسريح عناصرها. وفي خطابات ومقابلات عامة، أوضح “بازوم” وممثلون حكوميون آخرون عزمهم على استخدام الحوار لإنقاذ “أطفال” أو “شباب” النيجر من براثن “الإرهابيين” ومنحهم فرصة ثانية. وقد تحدث الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في ذلك السياق عن “إعادة التنشئة الاجتماعية” أو “التأهيل”.
فمن ناحية، كان الإطار الأبوي بمثابة مؤشر على القوة: فقد أكد على الموقف الرسمي للحكومة، والذي بموجبه كانت “سياسة اليد الممدودة” تتعلق فقط بالمناقشات والاستسلام الطوعي والفردي من قبل الأعضاء النيجيريين في الجماعات المسلحة وليس حول المفاوضات مع الزعماء الأجانب – وبالتالي حول التنازلات السياسية المحتملة. وحتى لو كانت هناك محاولات لإجراء مثل هذه المفاوضات خلف الكواليس، فإن التمييز بين “أبنائنا” (وليس المسلحين الحقيقيين) والإرهابيين الأجانب الحقيقيين قلل من أهمية الدوافع السياسية ونفوذ الأعضاء النيجيريين بين الجهات الفاعلة العنيفة. لم يتم التَطرُق للأسباب الداخلية والهيكلية المؤدية لنجاحات التعبئة التي حققتها المنظمات المسلحة في النيجر، مثل الصراعات المحلية التي استمرت لعقود دون أن يتم حلها حتى الآن، وتجارب التمييز والافتقار إلى الضمانات الأمنية من جانب الدولة، وكذلك عدم ذِكر مسؤولية نيامي السياسية.
من أجل تشجيع أعضاء الجماعات المسلحة النيجريين على الاعتراف بالخطأ وعمليات التحول الفردي، اعتمدت الحكومة على مبدأ العفو. وقد تم إنشاء الإطار القانوني والمؤسسي لذلك بالفعل خلال فترة رئاسة محمدو إيسوفو (2011 إلى 2021). وتماشياً مع استراتيجية الاستقرار الإقليمي التي وضعتها لجنة حوض بحيرة تشاد وبدعم من الاتحاد الإفريقي، قررت الحكومة في 2 نوفمبر 2018 تعديل قانون العقوبات. ونصت على استبعاد أولئك الذين تركوا منظمة بوكو حرام من الملاحقة القضائية – بشرط ألا يكونوا متورطين، بشكل مباشر، في التخطيط وتنظيم الهجمات[10]. وهي فرضية كان من الصعب إثباتها عمليًا، وخاصة في حالة المقاتلين الذين تم القبض عليهم أثناء عمليات مكافحة الإرهاب التي شنها الجيش. ومنذ عام 2016، تدير الحكومة، بدعم دولي، مركز استقبال لأنصار جماعة بوكو حرام السابقين في جودوماريا، في منطقة ديفا الشرقية. لقد أمضت أول مجموعة مكونة من 243 شخصًا كانوا على استعداد لمغادرة الحركة، من بينهم 30 امرأة، أكثر من عامين هناك، ويرجع ذلك إلى الوضع القانوني غير الواضح. وقد أدى الخوف من الاحتجاز داخل المنشأة دون أي أمل في حياة أفضل إلى حالة من الإحباط ومحاولات الهروب بين النزلاء[11]. وبالنسبة لمركز العبور الثاني لأعضاء التنظيمين الإرهابيين: “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) و”تنظيم الدولة في منطقة الساحل” (ISSP)، كان شرط الانضمام فيه هو ألا تستمر إقامة “التائبين” فيه أكثر من ثلاثة أشهر. ومع ذلك، لم يكن المركز قيد التشغيل حتى الانقلاب العسكري في يوليو 2023.
ثانياً، اعتمدت الحكومة على برنامج “مكافحة التطرف” لإعادة دمج هؤلاء ممن تركوا الجماعات المسلحة في المجتمع. من الناحية النظرية، ظل نهج “مكافحة التطرف” غامضاً. ولكن من الناحية العملية، يقوم برنامج التحول الفردي لأعضاء الجماعات المسلحة إلى مواطنين صالحين من خلال تحويل الراغبين في ترك الجماعة إلى فهم معتدل للإسلام تحدده الدولة وتلقينهم المهارات المهنية اللازمة لذلك[12].
في مطلع عام 2021، أصبح برنامج الخروج جزءًا من استراتيجية وطنية لنزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم[13]. تتبنى الاستراتيجية أيضًا الإطار الثنائي الذي يميز بين الشباب النيجيري والإرهابيين الأجانب. ومن ثم، يُستَشهَد بالأزمات في البلدان المجاورة؛ ليبيا ونيجيريا ومالي كأسباب لارتفاع العنف. وتحديدًا، يتم تسليط الضوء على ضعف الدولة ماليًا وفشلها في ضمان العدالة والأمن. ولكن الوثيقة لم تعترف بمشاكل مماثلة في النيجر، ومن ثم ساهمت في تمرد بعض قطاعات السكان وانضمامهم إلى الجماعات المسلحة. وقد جرى التطرُق إلى أن الصراع الذي دام عقوداً بين المزارعين ومُربي الماشية قد ساهم في نجاح تنظيم الدولة في التعبئة في النيجر. ولكن، غالباً ما يجرى تهميش أهمية هذا الصراع باعتباره “صراعاً ريفياً عادياً”.
وتظل مدى قدرة إعادة التأهيل الديني وتدابير التكامل المهني على تحويل أعضاء الجماعات المسلحة موضع تساؤل. فمن ناحية، يشير النهج إلى أن المقاتلين هم مجموعة متجانسة من المتطرفين، بينما تُظهِر الدراسات التجريبية مدى تعقيد دوافع الانتماء الفردي والجماعي إلى المنظمات المسلحة في منطقة الساحل، فضلاً عن تنوع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية للمقاتلين[14]. ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى الممارسة العملية، تظل مسؤولية إعادة الإدماج الاجتماعي تقع على عاتق أولئك الذين يغادرون، على الرغم من أن القيود الهيكلية مثل؛ الفقر وانعدام الأمن المتجذر، تحد من قدرة الأفراد على العمل، وخاصة في المناطق الريفية.
وقد أشار المراقبون المحليون إلى أن الشبكة الاجتماعية الوثيقة بين السكان والجماعات المسلحة في مناطق نفوذهم تجعل من الصعب حتى على أولئك الذين يريدون المغادرة أن ينفصلوا عن الجهات الفاعلة العنيفة. إن خطر الانتقام من البيئة الاجتماعية للمقاتلين، الذين غالبًا ما يستمر أفراد أسرهم في العيش في القرى التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، مرتفع للغاية.
لقد اشتكى المشاركون في برنامج التسريح من أن المهن التي تعلموها لم تتواكب مع ظروف الأسواق المحلية المتضررة جراء الأزمة الأمنية[15]. كما اعتُبرت مكافأة إعادة الإدماج البالغة 50000 فرنك إفريقي (حوالي 75 يورو) زهيدة للغاية. كما ذكرت المقاتلات السابقات أنهن لم يستفدن من التدابير بنفس القدر الذي استفاد منه المشاركون الذكور، حيث كان يُنظر إليهن باعتبارهن مجرد زوجات أو بنات للمقاتلين.
ونتيجة لذلك، كانت نتائج تدابير إعادة الإدماج التي نُفِذَت صادمة. فلم يتمكن أغلب المتسربين من الخدمة في الدفعة الأولى في جودوماريا من العيش على المهارات الاقتصادية التي اكتسبوها حديثاً. وذكر أحد المشاركين في المقابلات من وزارة الداخلية أن ما مجموعه 45% من المقاتلين السابقين في الدفعة الأولى باعوا المعدات التي تلقوها لإعادة الإدماج، كما قام 15% آخرون بتأجيرها مؤقتاً. ولمواجهة هذا التطور، تم تضمين تعليم مهارات ريادة الأعمال في المناهج الدراسية.
تفتيت وتسويق مبادرات الحوار والوساطة:
فضلاً عن إضفاء الطابع المؤسسي على برنامج الخروج ومكافحة التطرف، تضمنت “سياسة اليد الممدودة” أيضًا مفاوضات مباشرة مع قيادات الجماعات المسلحة ، فضلاً عن مبادرات الوساطة والمصالحة مع أجزاء من قاعدتها الاجتماعية. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الإجماع داخل الحكومة وإشراك عدد كبير من الجهات الفاعلة المحلية والوطنية والدولية ذات المصالح والأهداف المختلفة والمتناقضة أحيانًا حال دون اتباع نهج منسق وفعال حتى الانقلاب العسكري في يوليو 2023.
وعقب موجة من الهجمات الإرهابية في شمال منطقة تيلابيري المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو، سعى “بازوم”، بصفته وزيرًا للداخلية، إلى تبادل وجهات النظر مع زعيم جماعة “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” آنذاك، عدنان أبو وليد الصحراوي، في عام 2016. وفي مقابلة مع مجلة الجارديان البريطانية، صرح “بازوم” أنه وافق على مطالب “الصحراوي” فيما يتعلق بالإفراج عن السجناء. وفي المقابل، وعد بتوجيه عملياته ضد مالي وتجنيب النيجر المزيد من الهجمات[16]. لكن المتشددون في الجيش والحكومة عارضوا استمرار الحوار. وانقطعت قناة الاتصال واستمر العنف في التصاعد. كما ذكر “بازوم” أن النيجر لم تعد ترى أي حل آخر سوى إضعاف الجماعات المسلحة بالوسائل العسكرية[17].
وعلى الرغم من ذلك، واصل “بازوم” السعي إلى إدارة الحوار مع الجهات الفاعلة العنيفة المسيطرة في السنوات التالية، مع التركيز الأساسي على حرمان الجماعات المسلحة من أعضائها وقاعدتها الاجتماعية. واتجه “بازوم” إلى ممثلي الجماعة العرقية الفولانية في منطقة تيلابيري، والتي انضم بعض أفرادها في السابق إلى زعماء تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، الصحراوي. وفي سبتمبر 2017، أسفر ذلك عن منتدى حوار رسمي تحت رعاية وزارة الداخلية، بهدف تعزيز الثقة بين الدولة ومجتمعات الفولانية في شمال تيلابيري وإقناع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى النيجيريين بالتخلي عن قتالهم. ومنذ البداية، رافقت المبادرة الصراعات حول الاتجاه الاستراتيجي والموضوعي. ولم يتنافس الفاعلون الوطنيون فحسب، بل وأيضًا الفاعلون الدوليون، على النفوذ السياسي، مما جعل العمل المُنسق أكثر صعوبة.
وفي عام 2018، جرى توسيع منتدى الحوار بناءً على نصيحة منظمة غير حكومية دولية تم تضمينها في العملية من قِبل وزارة الداخلية. ولم تعد المناقشات مُقتصرة على مجتمعات الفولاني في شمال تيلابيري، بل كان من المُقرر أيضًا أن تشارك فيها مجموعات عرقية أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، كان من المُقرر أن تلعب هيئة تعزيز السلام[18]، التي أٌنشئت في عام 1995 كضامن مؤسسي لتنفيذ اتفاقيات السلام مع المتمردين الطوارق والتي تتبع وزارة الداخلية، دورًا تنسيقيًا. ورغم أن المبادرة اكتسبت بذلك طابعًا أكثر شمولاً، إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الأصلي المُتمثل في معالجة المخاوف السياسية المحددة لمجتمعات الفولاني. وشعر ممثلوهم أكثر فأكثر بالاستخفاف بهم وفقدوا الثقة في المبادرة. ولم يروا أنفسهم طرفاً في الصراع، وبالتالي عضوًا محتملاً في عملية الوساطة، بل رأوا أنفسهم كضحايا للتمييز السياسي والعنف، الذي سعوا إلى الاعتراف به والتعويض عنه. كما اتهموا هيئة تعزيز السلام التي يقودها الطوارق بالافتقار إلى الحياد فيما يتصل بالصراع العنيف المستمر منذ عقود بين مجموعات الفولاني والطوارق، والذي ساهم في نجاحات التعبئة التي حققتها الدولة في الصحراء الكبرى في منطقة تيلابيري. كما اتهموا المنظمة غير الحكومية الدولية بمنع المحادثات المباشرة مع أعضاء المنظمة الإرهابية؛ لأن ذلك ينتهك مبادئ المنظمة غير الحكومية والجهات المانحة لها. كذلك أدت الخلافات المتزايدة بين الجهات الفاعلة المعنية، في نهاية الأمر، إلى انقسام منتدى الحوار وانتشار غير منسق لمبادرات الحوار والوساطة المدعومة محليًا ووطنيًا ودوليًا.
وعلى الرغم من تحقيق نتائج واعدة على المستوى المحلي بتوقيع العديد من اتفاقيات السلام (على سبيل المثال، أبالا، 28 أغسطس 2019، بانيبانجو، 21 يناير 2023 أو أولام، 4 يونيو 2023) أو إطلاق سراح الرهائن المحليين والدوليين في السنوات التالية، إلا أن الصراعات المستمرة حول المشاركة والتمثيل وشرعية الوسطاء منعت مبادرات الحوار من التحرك نحو هدف متماسك وتحديد استراتيجيات مستدامة لحل النزاعات.
لقد انتقد الفاعلون المحليون استيلاء المنظمات الدولية على جهود السلام النيجيرية وإنشاء هياكل حوار موازية. واتهموا المنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بعدم المعرفة بالسياقات المحلية واتباع نهج عرقي في تحليل الصراعات مما أدى إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية. وفي المقابلات التي أجرتها المؤسسة أثناء عمل هذه الدراسة، أثير أيضًا أن الخط الأحمر الذي فرضته المنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة في التعامل مع الجهات الفاعلة العنيفة جعل من الصعب التعامل مع حالات الصراع. وتم استبعاد أعضاء الجماعات المسلحة من العديد من عمليات الحوار والوساطة المحلية.
وانتقد المحاورون أيضاً الاستغلال التجاري لمبادرات الحوار والوساطة. وكان من شأن التنافس على تمويل المانحين أن يؤدي إلى تأجيج الصراعات على السلطة، وبالتالي، جعل التنسيق بين وزارة الداخلية وبرنامج تحليل المخاطر ونقطة التحكم الحرجة أكثر صعوبة. وقد حالت الصيغ الموحدة وتركيزها على النتائج القابلة للقياس على المدى القصير دون استمرار عمليات التفاوض وتحديد الأشخاص الرئيسيين ذوي الصلة الذين كان من الممكن أن يكون لهم تأثير إيجابي على مسار الصراع. كما انتقد أحد نشطاء السلام المحليين أن مطالب الدولة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية للمنطقة قد تم تضمينها في اتفاق السلام برعاية دولية. “لقد استثمرت الدولة الملايين في الطرق والبنية التحتية الأخرى، ومع ذلك لا تزال الجماعات [المسلحة] موجودة.
ومن خلال دفع البدلات اليومية أو توزيع إمدادات الإغاثة، أصبحت صيغ الحوار وبرامج التسريح أيضًا تجارة مربحة لا تتسم بالشفافية – وهو الاتهام الذي أكدته أيضًا أبحاث مجموعة الأزمات الدولية: على سبيل المثال، في سبتمبر 2018، تردد إن زعماء القرى بالغوا في تقدير عدد المقاتلين الراغبين في التسريح بعد أن وعدت هيئة تنسيق المساعدات الإنسانية بتقديم مساعدات غذائية لمجتمعات مختارة خلال منتدى حوار في منطقة تيلابيرى[19]. وقد أعرب أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة من وزارة الداخلية عن شكوكه بشأن وجود 2000 عضو من الجماعات المسلحة الذين، وفقًا لهيئة تنسيق المساعدات الإنسانية، ينتظرون في منطقة تيلابيري منذ بداية عام 2023 للمشاركة في برنامج الخروج الحكومي. وبالتالي، ليس من الممكن الإدلاء بأية بيانات موثوقة حول العدد الفعلي للمقاتلين الذين تم تسريحهم بموجب مبادرات الحوار.
ولكن الأمر الأكثر خطورة هو الملاحظة التي عبر عنها محاورون من الدوائر الأمنية وحتى بيئة الوساطة بأن الجماعات المسلحة لم تضعف بسبب مبادرات الحوار المجزأة، بل تعززت أكثر. وبما أن الخطوط الفاصلة بين أعضاء الجماعات المسلحة والمجتمعات المحلية غير واضحة، فقد استفادت الجهات الفاعلة العنيفة من وقف إطلاق النار الجزئي واتفاقيات السلام المحلية بين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية المتحاربة من أجل استخدام المناطق المتضررة كـ “ملاذات” آمنة ومواصلة تجهيز نفسها بالموارد المادية والمجندين. وعلى وجه الخصوص، وصف وسيط مسؤول غياب الدولة عن تنفيذ نتائج عمليات الحوار المحلية بأنه سبب هذا التأثير السلبي غير المقصود. كما لعب الاتهام دورًا في السياق الإقليمي. حتى الانقلاب العسكري في عام 2023، تم تشويه سمعة النيجر على وسائل التواصل الاجتماعي في مالي وبوركينا فاسو باعتبارها ملاذًا آمنًا للمسلحين. ومن الصعب التحقق من مدى صحة هذه الاتهامات. والواقع أن الأزمة الأمنية في بوركينا فاسو ومالي استمرت في التفاقم خلال نفس الفترة التي انخفضت فيها أعمال العنف المميتة في منطقة تيلابيري الحدودية في النيجر[20]. وتحديدًا، حولت مجموعة تنظيم الدولة في بوركينا فاسو أنشطتها من منطقة تيلابيري إلى منطقتي ميناكا وأنسونجو جاو المجاورتين في مالي منذ بداية عام2022[21]. مع ذلك، يرتبط هذا أيضًا بحقيقة أن انسحاب البعثة العسكرية الفرنسية برخان من مالي في نفس العام خلق فراغًا أمنيًا في شمال مالي، والذي استخدمته الجماعات المسلحة لتعزيز وجودها بشكل أكبر. ومنذ فبراير 2022، اندلعت أيضًا صراعات عنيفة على السلطة بين داعش والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة في شمال مالي، مما أدى إلى تركيز المقاتلين هناك[22].
غياب التنسيق بين التدابير المدنية والعسكرية:
بالإضافة إلى تفتيت مبادرات الحوار وتسويقها تجارياً، فإن المقاومة والتخريب من جانب النخبة العسكرية كانا سبباً في تقليص فرص نجاح “سياسة اليد الممدودة” بشكل كبير منذ البداية. وبدلاً من استخدام التدابير العسكرية كاستراتيجية مزدوجة ووسيلة لممارسة الضغط في المفاوضات، فإن الافتقار إلى التنسيق بين النهجين العسكري والمدني لم يُعرِض ثقة أطراف الصراع في مبادرات الحوار والوساطة للخطر فحسب؛ بل شجع أيضاً على المزيد من تصعيد العنف.
وفي مطلع عام 2017، اعترضت قيادة الجيش في مجلس الأمن القومي على المحادثات مع تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى – وهو الموقف الذي أيده أيضًا الرئيس آنذاك محمدو إيسوفو[23]. ويشتبه المشاركون في منتدى الحوار الذي عُقد في نفس العام مع ممثلي الفولاني من منطقة تيلابيري في أن ذلك كان بسبب ضغوط من الحكومة الفرنسية، التي لم تكتفِ بحملة من أجل القمع العسكري للجهات الفاعلة العنيفة من خلال إرسال قواتها الخاصة، بل دافعت أيضًا بنجاح عن قطع المحادثات مع زعماء الجماعات المسلحة في مالي المجاورة[24].
بينما أرسل أعضاء منتدى الحوار الذي بدأه “بازوم” مبعوثين إلى محادثات مع تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى في عامي 2017 و2018، هاجمت البعثة العسكرية الفرنسية برخان وميليشيات الطوارق المالية، بالتشاور مع حكومة النيجر، مواقع مزعومة للمنظمة الإرهابية في منطقة الحدود المالية النيجيرية. وقد أدى ذلك إلى تأجيج الصراعات العرقية وكلف منتدى الحوار مصداقيته في المجتمعات التي مزقتها الصراعات. كما عرضت حياة الوسطاء للخطر. وكان اختطاف وتعذيب وقتل عمرو “كيرو” روا، الوسيط الرئيسي للحكومة وعضو منتدى الحوار، على يد تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى في أبريل 2019، مثالاً بارزاً على ذلك[25]. واتهمت الخدمة السرية وسطاء آخرين، رغم تكليفهم من قِبل الدولة، بدعم المنظمات الإرهابية واعتقلتهم.
وفي مقاطعة بانيبانجو، التي تتأثر بالصراعات المحلية والعنف، هددت العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب أيضًا بتعريض جهود الوساطة الأخيرة للخطر. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة يُقال إنه نأى بنفسه رسميًا عن مفاوضات السلام في رسالة، إلا أن مقاتلي التنظيم النشطين في المنطقة أعربوا عن استعدادهم لعدم تعطيل العملية، وفقًا لمصادر محلية. لذلك، كان أصحاب مبادرة الحوار يأملون أن يتيح اتفاق السلام للمجتمعات المحلية المتحاربة الانفصال عن الجماعات المسلحة وغيرها من الجماعات المسلحة.
ولكن مقتل العديد من ملازمي داعش بالقرب من الحدود المالية النيجيرية على يد القوات العسكرية النيجيرية والفرنسية بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاق السلام في يناير 2023 أدى على الفور إلى انتكاسات عنيفة للمنظمة الإرهابية[26]. بالإضافة إلى ذلك، أدى هذا الإجراء إلى تأجيج الغضب والإحباط بين الأطراف المشاركة في عملية حل النزاع، الذين شعروا بدحر جهودهم من قبل القادة السياسيين في نيامي. ووفقًا للتقارير المحلية، لم يُخطَر محافظ بانيبانجو بالتدابير العسكرية، على الرغم من حضور ممثلين رفيعي المستوى للجيش حفل توقيع معاهدة السلام قبل بضعة أيام فقط. وبالنسبة للعديد من المراقبين، شكلت اتفاقية بانيبانجو، التي احتفلت بها وسائل الإعلام باعتبارها نجاحًا، مهزلة، لأنها لم تساهم في نزع سلاح الأطراف المتصارعة ولا في تراجع العنف[27].
استنتاجات وتوقعات:
في ظل إخفاق العمليات التي يدعمها المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، فإن “المسار الخاص” الذي انتهجته النيجر في التعامل مع العنف أعطى دافعًا للأمل في إيجاد مخرج من الأزمة الأمنية المستمرة[28]. لكن نتائج “سياسة اليد الممدودة” التي انتهجها “بازوم” كانت صادمة. فقد ساهمت مبادرات الحوار والوساطة في تسريح المقاتلين وتوقيع اتفاقيات سلام محلية ووقف إطلاق نار محلي. لكن الحل المُستدام والذي يجري التفاوض عليه بشأن الصراع لا يزال بعيد المنال.
ومن أجل إنهاء العنف من خلال قنوات الحوار، لا بد من مناقشة جادة للمخاوف السياسية لدى الجهات الفاعلة المسلحة. وهذا يعني من ناحية الاعتراف بالمشاكل الهيكلية التي ساهمت في نجاح التعبئة التي حققتها فروع داعش والقاعدة في المنطقة. ومن ناحية أخرى، لابد من إرساء عملية تشاور مستمرة يتم فيها مناقشة توقعات أطراف الصراع، وكذلك توقعات السكان المتضررين من العنف، فيما يتعلق بالتوصل إلى حل تفاوضي. وبما أن الجهات الفاعلة المسلحة العنيفة في منطقة الساحل تعمل عبر الحدود، فإن النهج الإقليمي المُنسَق سيكون ضروريًا لمنع التحول الجغرافي في العنف نتيجة لاتفاق السلام.
ومع ذلك، فإن الشرط الأساسي الذي لا غنى عنه لعملية مثمرة هو استراتيجية سياسية واضحة تخضع لها التدابير العسكرية والتدخلات المحتملة من جانب الشركاء الخارجيين. وحتى لو ظل الأمر مفتوحًا في النهاية بشأن ما إذا كان من الممكن التوصل إلى تسويات قائمة على الإجماع على أساس الحوار، سوف يتعين على صُناع القرار السياسي فحص جميع الخيارات القابلة للتطبيق في ضوء زيادة وتيرة العنف والمعاناة اللانهاية التي يتكبدها السكان المدنيين.
إن المفاوضات الأكثر شمولاً تعني بالتأكيد طرح العناصر المركزية للأنظمة السياسية في بلدان الساحل للمناقشة. وقد يشمل الحل الوسط، على سبيل المثال، إلغاء علمانية الدولة. وبما أن التفسيرات الأصولية للإسلام اكتسبت أهمية في منطقة الساحل على مدى السنوات العشر الماضية، حتى على مستوى المجتمع ككل، خارج مناطق نفوذ الجماعات المسلحة، فقد لا تلقى مثل هذه الخطوة مقاومة سياسية محلية كبيرة. ومن الممكن أيضًا تصور إضفاء الطابع الرسمي اللامركزي على السيطرة الإقليمية المسلحة كجزء من تسوية سياسية. ولكن يظل من المشكوك فيه إلى أي مدى قد يقبل السكان الحد المحتمل من الحقوق الأساسية، مثل حقوق المرأة، التي ربما ترتبت على ذلك. ومن الممكن أيضا أن يقبل المسلحون الفاعلون – كما حدث بالفعل في بعض الترتيبات المحلية الصغيرة – ترتيبًا براجماتيًا موجهًا نحو احتياجات السكان المحليين.
ومع الانقلاب العسكري الأخير، أصبح احتمال التوصل إلى اتفاق سياسي مع الجماعات المسلحة في النيجر احتمالاً بعيدًا في الوقت الراهن. كما يلتزم الحُكام الجُدد، دومًا، ببرنامج الخروج للمقاتلين من المنظمات المسلحة غير الحكومية من خلال مراجعة الاستراتيجية الوطنية لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وعلى المستوى المحلي، تواصل هيئة تنسيق المساعدات الإنسانية، تحت قيادة جديدة، أيضًا السعي إلى الحوار مع المجتمعات المتضررة والمُهددة بالعنف، وإن كان ذلك دون الوصول إلى أموال المشاريع الدولية التي عُلِقَت تزامنًا مع الانقلاب. ومن المرجح أيضًا أن يتم التوصُل في المستقبل إلى اتفاقات وقف إطلاق نار سرية وتكتيكية مع الجهات الفاعلة العنيفة أو مفاوضات للإفراج عن الرهائن، كما تشير حالة إطلاق سراح ستة جنود نيجريين قام تنظيم القاعدة بأسرهم في بلاد المغرب الإسلامي أثناء الهجوم في بوني في جنوب منطقة تيلابيري في مايو 2024[29].
ومن غير المتوقع في هذه المرحلة أن يوافق الحٌكام الجُدد على بدء المفاوضات رسميًا مع الجماعات المسلحة. أولاً، مع تأسيس تحالف دول الساحل وتعميق التعاون العسكري مع روسيا بالاشتراك مع الدول المجاورة مالي وبوركينا فاسو، يركز الحُكام الجدد في نيامي على تطوير حملة عسكرية لمكافحة الإرهاب منسقة إقليميًا وتتميز بالاستخدام التعسفي للعنف وبالتالي لا تترك مجالًا لبدء محادثات مع المنظمات المسلحة. وثانياً، تستمد الجهات الفاعلة العسكرية شرعيتها السياسية ليس فقط من العمل العسكري البحت، بل وأيضاً من الرفض الصارم لأي حل تفاوضي للصراع.
ولكن نظراً للجذور المحلية العميقة للجهات الفاعلة العنيفة، فإن المكاسب العسكرية طويلة الأجل ليست مرجحة. بل من المتوقع أن يؤدي تزايد عسكرة السياسة والمجتمع في النيجر، كما هو الحال في البلدان المجاورة مالي وبوركينا فاسو، إلى المزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتآكل التماسك الاجتماعي، وزيادة عدد ضحايا العنف[30]. ووفقًا لمشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح (ACLED)، فإن عدد الوفيات الناجمة عن العنف السياسي في العام الذي أعقب الانقلاب تضاعف أكثر من الضعف مقارنة بالعام السابق[31].
بالنسبة لصناع القرار الأوروبيين، فإن نطاق العمل في مجال تعزيز الحوار في النيجر لا يزال محدودًا للغاية في الوقت الحالي. ولكن، توضح النتائج المٌستخلصة من دراسة الحالة الظروف التي يمكن في إطارها أن يكون الحوار مع الجهات الفاعلة المسلحة ناجحًا وما هي المتطلبات الأساسية لذلك التي قد يتعين أيضًا تلبيتها في سياقات صراع أخرى.
…………………………………….
[1] „Conférence des cadres 2022 de M Bazoum Président du Niger“, 25. Februar 2022, letzter Zugriff 7. August 2024.
[2] Yvan Guichaoua und Mathieu Pellerin, „Making Peace, Building the State. Relations between Central Government and the Sahelian Peripheries in Niger and Mali“, Étude de l’Institut de recherche stratégique de l’École militaire, is- sue 51, März 2018, letzter Zugriff 7. August 2024.
[3] ACLED, „Fact Sheet: Military Coup in Niger“, 3. August 2023, letzter Zugriff 12. August 2024.
[4] Hannah Rae Armstrong, Comprendre l’accalmie: une reprise en main du Nord-Tillabéri au Niger (Bamako: Konrad Adenauer Stiftung (KAS), 2023).
[5] Ibid.
[6] Alex Thurston, „Peace talks with Sahelian jihadists? It’s worth a shot,“ The New Humanitarian, 3. August 2022, letzter Zugriff 7. August 2024; Luis Martinez, L’Afrique, le proachain califat? La spectaculaire expansion du dji- hadisme (Tallandier, 2023), 200.
[7] Audrey Kurth Cronin, How Terrorism Ends: Understanding the Decline and Demise of Terrorist Campaigns (Prince- ton University Press, 2009); Seth G. Jones und Martin C. Libicki, How Terrorist Groups End. Lessons for Countering al Qa’ida (Rand Corporation, 2008).
[8] Alexander Thurston, „Illiberalism and post-conflict settlements with jihadists: a Malian case study“, Third World Quarterly, vol. 43, no.10 (2022), 2396–2412.
[9] Lisa Tschörner, „Jihadismus als Motor lokaler Konflikte Entstehung und Legitimität nichtstaatlicher Gewaltord- nungen in Tillabéri (Niger)“, Arbeitspapier 01, Megatrends Afrika (Berlin: März 2023), letzter Zugriff 7. August 2024; Alexander Thurston, Jihadists of North Africa and the Sahel. Local Politics and Rebel Groups (Cambridge University Press, 2020), 2.
[10] Commission du Bassin du Lac Tchad, Commission de l’Union Africaine, Stratégie Régionale de stabilisation, de redressement et de résilience des zones du bassin du lac Tchad affectées par la crise Boko Haram, August 2018, letz- ter Zugriff 7. August 2024; „Niger: un projet de loi pour réinsérer les repentis de Boko Haram“, rfi, 6. November 2018, letzter Zugriff 7. August 2024.
[11] Jeannine Ella Abatan und Remadji Hoinathy , „Réussir Goudoumaria : les ex-associés de Boko Haram se réintè- grent-ils?“, Institute for Security Studies, 8. Dezember 2021, letzter Zugriff 7. August 2024.
[12] Abdoulaye Sounaye, „Governing Muslim Subjects in the Sahel. Deradicalisation and a State-Led Islamic Reform in West Africa “, in Claiming and Making Muslim Worlds. Religion and Society in the Context of the Global, ed. Jeanine Elif Dağyeli, Claudia Ghrawi und Ulrike Freitag (Berlin: De Gruyter, 2021), letzter Zugriff 9. August 2024, https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/9783110726534-005/html.
[13] Ministère de l’Intérieur et de la Décentralisation, Programme National de Prise en Charge de la Reddition (PNPCR), Mai 2021.
[14] Harouna Ousemane Ibrahim, „Enjeux Sécuritaires et mobilisation des jeunes dans les groupes extrémistes vio- lents. Une Analyse par l’exemple d‘Abala (Niger)“, (Thèse de Doctorat, Université Abdou Moumouni de Niamey, 2023); Vincent Foucher, „Immer kleiner? Der Tschadsee, Boko Haram und das Narrativ der Klimakrise“, 6. März 2023, Megatrends Spotlight, 2023, letzter Zugriff 9. August 2024; Tschörner, „Jihadismus“.
[15] Abatan und Hoinathy, „Réussir Goudoumaria“.
[16] Ruth Maclean, „Niger Islamic State hostage: ‘They want to kill foreign soldiers’”, The Guardian, 5. Juni 2018, letz- ter Zugriff 9. August 2024; International Crisis Group (ICG), Sidelining the Islamic State in Niger’s Tillabery (3. Juni 2020), 9–10, letzter Zugriff 7. August 2024.
[17] Ruth Maclean, „Niger Islamic State hostage “.
[18] Französisch : Haute Autorité à la consolidation de la paix.
[19] International Crisis Group, Sidelining, 9-10.
[20] ACLED, „10 Conflicts to Worry About in 2022. The Sahel Mid-Year Update“, letzter Zugriff 12. August 2024.
[21] Abd’Allah, „Dans le nord-est du Mali, l’État islamique en voie de «normalisation»?“, afriqueXXI, 13. November 2023, letzter Zugriff 12. August 2024.
[22] David Baché, „Violents affrontements entre groupes jihadistes rivaux dans le nord du Mali“, rfi, 15. Februar 2022, letzter Zugriff 12. August 2024.
[23] François Soudan, „Mahamadou Issoufou: «Ma décision de respecter la Constitution et de ne pas me représenter est irrévocable»“, Jeune Afrique, 14. August 2019, letzter Zugriff 9. August 2024; International Crisis Group, Sidelin- ing.
[24] Adam Sandor, „Turning point? Mali’s potential dialogue with Jihadists“, BulletinFrancoPaix, Februar 2020, 7; In einem im November 2020 in Jeune Afrique veröffentlichten Interview bestätigte der französische Präsident Emma- nuel Macron seine Ablehnung gegenüber Dialoginitiativen mit „Terroristen“ im Sahel: „Macron sur le Sahel : «Avec les terroristes, on ne discute pas, on combat»“, Le Parisien, 20. November 2020, letzter Zugriff 9. August 2024.
[25] Interview mit Vertreter Dialogforum, Niamey, Februar 2023; „Niger: qu’est-il arrivé à Oumarou Roua, disparu vers Tongo Tongo le 11 avril?“, rfi, 18. Mai 2029, letzter Zugriff 9. August 2024.
[26] „Niger : des civils maliens tués par des hommes armés non loin de la frontière malienne“, rfi, 4. Februar 2023, letzter Zugriff 12. August 2024; „Niger: au moins dix soldats tués dans une attaque djihadiste à la frontière du Mali“, Le Monde, 11. Februar 2023, letzter Zugriff 12. August 2024.
[27] Delina Goxho, „Self-defense Militia Groups in Niger: Risking a Time Bomb“, Policy Brief 17, Megatrends Afrika (Berlin: Oktober 2023), letzter Zugriff 12. August 2024.
[28] Armstrong, Comprendre l’accalmie; Fahiraman Rodrigue Koné und Hassane Koné, „Y-a-til une exception nigé- rienne dans la lutte contre le terrorisme?“, Institute for Security Studies, 21. März 2023, letzter Zugriff 12. August 2024.
[29] Facilitation dans la libération des otages de Boni : L’expression d’un patriotisme désintéressé – ONEP (lesa- hel.org); ActuNiger | Insécurité : 7 soldats tués et une dizaine de terroristes tués dans une attaque à Boni, près de la frontière burkinabé – ActuNiger.
[30] Tanguy Quidelleur, „Arming Civilians in Burkina Faso. The State, the War on Terror and the Militarisation of Soci- ety“, Policy Brief 22, Megatrends Afrika (Berlin: Februar 2024), letzter Zugriff 12. August 2024. https://www.mega- trends-afrika.de/10.18449/2024MTA-PB22/; Human Rights Watch, „Mali: Islamist Armed Groups, Ethnic Militias Commit Atrocities. Provide Accountability, Improve Protection for Civilians“, 8. Mai 2024, letzter Zugriff 12. August 2024.
[31] ACLED, „Regional Overview Africa July 2024, Niger: Escalating violence in Tillaberi and worsening security post- coup“, 12. August 2024, letzter Zugriff 12. August 2024.
…………………………………………………….
رابط الدراسة: