يقول كوامي نكروما:
“إذا كنا منقسمين، فنحن ضعفاء؛ ولكن إذا اتحدت إفريقيا، يمكن أن تصبح واحدة من أعظم القوى الداعية للخير في العالم.”
يؤكد هذا القول الحكيم على أهمية وحدة الدول الإفريقية لمنع النزاعات الإقليمية من أن تصبح حروبا أوسع نطاقا.
ولكن يبدو الأفارقة لم يتعلموا الدرس بعد حيث أن إفريقيا أضحت أكثر المناطق في العالم من حيث عدد الصراعات التي تكون الدولة طرفا فيها.
لقد تم تسجيل 29 صراعًا نشطًا في عام 2023، مقارنة بنحو 15 صراعًا فقط في عام 2013 . وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، فقدت إفريقيا أكثر من 330 ألف حالة وفاة مرتبطة بالمعارك، مما يجعلها واحدة من أكثر الفترات عنفًا في التاريخ الحديث.
ليس هذا فحسب، بل أودت الحرب الأهلية في السودان وحدها بحياة ما يقدر بنحو 150 ألف شخص حتى أوائل عام 2025، مع نزوح الملايين ومواجهة ظروف أقرب ما تكون إلى حالة المجاعة.
وفي الوقت نفسه، تظل جمهورية الكونغو الديمقراطية نقطة اشتعال أخرى، مع استمرار العنف الذي يشمل متمردي حركة إم23 والجهات الفاعلة الإقليمية مما يزيد من تعقيد الأزمة.
وتؤكد هذه الأرقام على التحديات المتزايدة التي تواجه القارة مع هشاشة الدولة وعدم الاستقرار الإقليمي.
ويسعى هذا المقال إلى مناقشة احتمالات تصعيد النزاعات الداخلية والإقليمية في إفريقيا في ظل التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي ولاسيما بعد عودة دونالد ترامب الثانية للبيت الأبيض.
“الترامبية الجديدة” والفوضى القادمة في إفريقيا:
إن صعود تيارالانعزالية الجديدة في ظل حركة “ماجا” أي جعل أميركا عظيمة مرة أخرى الذي يتبناه دونالد ترامب، إلى جانب العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وأوروبا، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار والصراع في إفريقيا.
تاريخيا، اعتمدت إفريقيا على الشراكات الدولية لحفظ السلام، والمساعدات الإنسانية، وحل النزاعات. ومع ذلك، فإن تراجع الولايات المتحدة عن المشاركة العالمية وخلافها المتزايد مع أوروبا قد يضعف قدرة المؤسسات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي على معالجة الأزمات بشكل فعال.
وقد يشجع هذا الفراغ القوى الإقليمية والجهات الفاعلة الخارجية على محاولة تحقيق أجندات أحادية الجانب، كما حدث في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
على سبيل المثال، تهدد الحرب الأهلية المطولة في السودان بالانتشار إلى المناطق المجاورة، في حين تؤكد مشاركة رواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية كيف يمكن للتنافسات الإقليمية أن تؤدي إلى تصعيد الصراعات.
وبدون دعم دولي متماسك، تواجه إفريقيا خطرا متزايدا يتمثل في ضعف الحوكمة، والحروب المطولة، وعدم الاستقرار عبر الحدود.
الحرب الأهلية في السودان وحكومة الدعم السريع الموازية:
لقد دمرت الحرب الأهلية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع البلاد، وشردت الملايين وتآكلت مؤسسات الدولة.
على أن السودان يشهد مع بداية العام الحالي تصاعدًا في الانقسامات السياسية، مع خطر حقيقي يتمثل في تشكيل حكومة موازية تدعمها قوات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها.
هذا التطور يعكس تعقيدات الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 . ويعكس إعلان “تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية”، كأكبر تحالف معارض، عن انقسامها إلى مجموعتين بسبب الخلاف حول فكرة الحكومة الموازية، مدى عمق الأزمة السياسية ويهدد بتفتيت البلاد إلى مناطق نفوذ متصارعة.
ويلاحظ أن الفصائل التي أعلنت فك الارتباط مع “تنسيقية تقدم” ورفضت فكرة الحكومة الموازية تشمل أحزابًا رئيسية مثل حزب الأمة القومي، و الاتحادي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث القومي، إلى جانب لجان المقاومة والمجتمع المدني وشخصيات مستقلة.
في المقابل، دعمت شخصيات بارزة مثل الهادي إدريس والطاهر حجر وبعض الحركات المسلحة المنشقة فكرة الحكومة الموازية، مما يعكس عمق الانقسامات السياسية وسط الأزمة السودانية المتفاقمة.
إن تفتت التحالف المدني السوداني، تقدم، يزيد من تعقيد جهود السلام. كما أن الرؤى المتنافسة للحكم بين الفصائل المدنية تضعف احتمالات تشكيل جبهة موحدة ضد الحكم العسكري.
وإذا لم يتم حل هذا الانقسام، فقد يرسخ سلطة قوات الدعم السريع بحكم الأمر الواقع على أجزاء من السودان، مما يشكل سابقة خطيرة للجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء القارة.
شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: برميل بارود
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حولت عقود من الصراع مقاطعاتها الشرقية إلى نقطة اشتعال جيوسياسية. لقد أدى صعود حركة 23 مارس (إم 23) مرة أخرى، بدعم من رواندا، إلى زعزعة استقرار شمال كيفو ويهدد بالتوسع إلى جنوب كيفو.
ولا شك أن سقوط غوما في أيدي متمردي حركة 23 مارس يؤكد ضعف القوات الكونغولية، التي تعاني من الفساد وانخفاض الروح المعنوية.
على أن الأخطر في الأزمة الكونغولية هو دور الجهات الفاعلة الإقليمية التي يتم الزج بها بشكل متزايد في آتون الصراع. إذ تدعم رواندا حركة 23 مارس كجزء من استراتيجيتها الأوسع لتأمين النفوذ والمصالح الاقتصادية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن جهة أخرى تقوم أوغندا بدور مزدوج ــ فهي تساعد رسمياً القوات الكونغولية ضد الجماعات المسلحة في حين تقدم الدعم الضمني لحركة إم23.
ومن جهة ثالثة، نشرت بوروندي آلاف الجنود لموازنة النفوذ الرواندي ولكنها تخاطر بتصعيد التوترات بشكل أكبر. ويضيف الوجود العسكري لجنوب إفريقيا بعدا آخر من التعقيد، حيث تسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكنها تواجه اتهامات بالانحياز إلى أي من الجانبين.
ولا يخفى أن تورط دول متعددة يعكس ديناميكيات “الحرب العظمى” في إفريقيا (1998-2003)، والتي شهدت تورط تسع دول في صراع على موارد الكونغو ومستقبلها السياسي. وتهدد الأزمة الحالية بإعادة إشعال مثل هذا السيناريو، حيث تطغى المنافسات الإقليمية على الجهود الدبلوماسية.
الآثار الأوسع نطاقاً:
يشترك كلا الصراعين في أوجه تشابه مقلقة: فالحكومة المركزية ضعيفة، والجماعات المسلحة تسعى إلى كسب الشرعية من خلال السيطرة الإقليمية، والجهات الفاعلة الخارجية تسعى إلى تحقيق مصالح استراتيجية تحت شماعة الاستقرار.
إن هذه الديناميكيات تهدد بتطبيع هياكل الحكم المجزأة في مختلف أنحاء إفريقيا، حيث تعمل الميليشيات والجماعات شبه العسكرية كدول شبه مستقلة.
وعلاوة على ذلك، تؤدي هذه الصراعات إلى تفاقم الأزمات الإنسانية. ففي السودان، يواجه الملايين مخاطر النزوح وسط ظروف أشبه بالمجاعة.
وفي شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فر مئات الآلاف من القتال المتجدد، مما أدى إلى تآكل الموارد المحدودة بالفعل في مخيمات اللاجئين.
خاتمة وما العمل؟
يتعين على الاتحاد الإفريقي في ظل قيادته الجديدة والكتل الإقليمية مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية ومجتمع شرق إفريقيا إعطاء الأولوية للدبلوماسية المنسقة لمنع المزيد من التصعيد.
وفي السودان، يتعين على الوسطاء الدفع نحو عملية سلام شاملة تعالج شواغل أصحاب المصلحة العسكريين والمدنيين.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتعين على القادة الإقليميين أن يحملوا رواندا وأوغندا المسؤولية مع تعزيز الحوار بين كينشاسا وحركة 23 مارس.
إن الفشل في اتخاذ قرارات حاسمة يهدد بتحويل الصراعات المحلية إلى حروب إقليمية واسعة النطاق ذات عواقب مدمرة على استقرار إفريقيا وتنميتها.
وفي هذا السياق علينا أن نتدبر ما قاله نيلسون مانديلا: “لا يولد المرء وهو يكره شخصًا آخر بسبب لون بشرته، أو خلفيته، أو دينه. وعوضا عن ذلك يتعلم الناس كيف يكرهون. وإذا كان بوسعهم أن يتعلموا الكراهية، فيمكن تعليمهم الحب”.
ولا شك أن هذه الكلمات تسلط الضوء على أهمية المصالحة ومعالجة العداوات الكامنة التي تغذي الصراعات مثل تلك التي اندلعت في كل من السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.