نشرت صحيفة “Süddeutsche Zeitung” الألمانية مقالًا بقلم مراسلها في مدينة كيب تاون ” Paul Munzinger“، مشيرًا إلى ما تداوله الرئيس الرواندي “بول كاجامي” بشأن أيديولوجية الإبادة الجماعية التي سادت عام 1994م، لكنَّها لا تزال قائمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية حتى الآن. رغم أنه في حقيقة الأمر يساعد المتمردين الذين غزوا مدينة جوما، البالغ عدد سكانها قُرابة مليون نسمة؛ لأسباب أخرى أيضًا. وفيما يلي يستعرض المقال أهم هذه الأسباب.
بقلم: باول مونتسنجر
ترجمة: شيرين ماهر
في مساء يوم الأربعاء الماضي تحدَّث الرئيس الرواندي “بول كاجامي”، للمرة الأولى، عن الوضع في جوما، المدينة المُحاصَرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، على الحدود الرواندية مباشرة. وأفاد “كاجامي” على قناة إكس عن “محادثة مثمرة” مع وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو”؛ إذ تحدَّثا عن “الحاجة إلى تأمين وقف إطلاق النار في شرق الكونغو، ومعالجة جذور الصراع دفعةً واحدةً، وإلى الأبد”. ولم يذكر “كاجامي” كلمة واحدة عن مساهمته الخاصة في الوضع في “جوما”، سواء في الماضي أو المستقبل.
في نهاية الأسبوع، تصاعدت وتيرة الصراع الدائر في منطقة الحدود بين الكونغو ورواندا إلى مستوى غير مسبوق لم نشهده منذ أكثر من عقد مضى. وكان السبب خلف ذلك تقدُّم حركة المتمردين (23 مارس) نحو مدينة جوما، التي يبلغ عدد سكانها قُرابة مليون نسمة، على الطرف الشمالي لبحيرة كيفو. وفي يوم الاثنين الماضي، أعلنت الميليشيا سيطرتها على المدينة. وكان هذا الإعلان سابقًا لأوانه، إلى حدّ ما؛ حيث كانت هناك معارك متقطعة في جوما وحولها، صباح الأربعاء، حسبما أفاد شهود عيان. ولكن يبدو أن المتمردين يفرضون سيطرتهم حاليًّا على كافة أرجاء المدينة، بما في ذلك المطار.
الملايين في شرق الكونغو هاربون منذ سنوات:
وبحسب الأمم المتحدة، لقد فرَّ مئات الآلاف من المواطنين من حركة (23 مارس) في غضون أسابيع قليلة، كما ظل ملايين الأشخاص في حالة فرار في شرق الكونغو على مدار سنوات، فيما تزايد خطر أن يؤدي التنافس الكونغولي الرواندي، مرة أخرى، إلى اندلاع الحرب. ففي كينشاسا عاصمة الكونغو -الواقعة في أقصى غرب الدولة العملاقة، على بُعْد نحو 1600 كيلو متر من جوما-؛ قام المتظاهرون بأعمال تخريبية بمبنى السفارة الرواندية، وألقوا باللوم على عاتق الرئيس الرواندي فيما يتعلق بوقوع أعمال التصعيد.
في الماضي، عادةً ما نفَى بول كاجامي دعمه لميليشيات حركة (23 مارس) عسكريًّا. لكنَّه لم يُخْفِ أبدًا حقيقة أنه يقف إلى جانبهم في الصراع الدائر في شرق الكونغو. لقد استمرت الحرب الأهلية في رواندا، التي بلغت ذروتها بوقوع الإبادة الجماعية لقبائل التوتسي على يد الأغلبية الهوتو في عام 1994م، لمدة 30 عامًا.
وتَعتبر حركة (23 مارس)، التي تأسست في عام 2012م، نفسها القوة الحامية للتوتسي في شرق الكونغو، وتقاتل جماعة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، من بين حركات وفئات أخرى. وقد انبثقت هذه المجموعة بدَوْرها من ميليشيات الهوتو التي فرَّت عبر الحدود عقب أحداث الإبادة الجماعية.
كاجامي لم يَعُد يُخْفِ دَعْمه للميليشيات:
كان زعيم التوتسي، بول كاجامي، الذي انتصر جيشه في الحرب الأهلية في عام 1994م، ووضع حدًّا للإبادة الجماعية، وهو رئيس رواندا منذ عام 2000م، قد نجح في تحويل رواندا إلى دولة مستقرة وناجحة اقتصاديًّا، لكنّها في الوقت نفسه لا تتسامح مع أيّ معارضة.
في هذه الأثناء، لم يَعُد كاجامي وأعضاء حكومته في العاصمة كيجالي ينفون دعمهم لحركة (23 مارس)؛ سواء بالمال أو بالسلاح، أو حتى بإرسال الجنود الروانديين. لكنّهم يلتزمون الصمت بشأن هذه المسألة. وربما يرجع ذلك إلى أن عبء الإثبات أصبح مُرْهِقًا للغاية في الآونة الأخيرة، لدرجة أنه حتى المؤسسات التي تسعى إلى تحقيق التوازن، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو مجموعة الاتصال الدولية بشأن البحيرات العظمى، دعت رواندا صراحة إلى سحب قواتها من الأراضي الكونغولية. ويُبرِّر كاجامي علنًا اهتمامه بشرق الكونغو من خلال أنشطة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا؛ إذ يُسمَح لهم بمواصلة نشر “أيديولوجية الإبادة الجماعية” هناك بدعم من الحكومة الكونغولية، وهو الأمر الذي تنتقده الأمم المتحدة أيضًا. وذلك على الأرجح ما يعنيه كاجامي عندما يتحدث عن “جذور الصراع”.
الكوبالت والذهب والتنجستن والتنتالوم بمنزلة إغراءات قوية:
ولكن الخبراء يعتقدون أن كاجامي مُهتمّ أيضًا، أو حتى في المقام الأول، بشيءٍ آخر؛ ألا وهو الموارد الطبيعية. فالكونغو لديها العديد من المواد الخام التي تُستخدَم في تصنيع الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والبطاريات، وهي مطلوبة بشدة في جميع أنحاء العالم. ويوجد في جنوب البلاد أكبر رواسب من خام الكوبالت الأكبر في العالم، في حين يتم استخراج الذهب والقصدير والتنجستن والتنتالوم في الشرق. وتُشكّل الموارد الطبيعية مصدرًا مهمًّا للدخل لأكثر من 100 جماعة مسلحة في المنطقة، ويشمل ذلك حركة 23 مارس.
وتتهم الحكومة الكونغولية كيجالي بالسماح للمواد الخام القادمة من شرق الكونغو بالوصول إلى السوق العالمية عبر رواندا. ويعتقد الخبراء أيضًا أن هذا الأمر منطقي. فقد تضاعفت صادرات رواندا من المعادن إلى أكثر من مليار دولار سنويًّا خلال عامين، حسبما ذكر جيسون ستيرنز، الخبير السياسي الأمريكي في شؤون الكونغو، لوكالة رويترز للأنباء. ومن غير الواضح على وجه التحديد حجم هذه الصادرات التي تأتي من الكونغو، ولكنها تُمثِّل “أرقامًا كبيرة”. وفي أعقاب اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، دعت وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية “تيريز كاييكوامبا فاجنر” ليس فقط إلى الانسحاب الفوري للقوات الرواندية من بلادها، بل وأيضًا إلى فرض حظر على صادرات المعادن الرواندية. وقالت “فاجنر”: إن مجلس الأمن لا بد أن يتحرك الآن. وقالت: “هذا يكفي”.
وفي واقع الأمر، نجحت الضغوط الدولية بالفعل في إجبار حركة (23 مارس) على الانسحاب من مدينة جوما. وكان ذلك في عام 2012م، عندما استولت الميليشيا على المدينة لأول مرة. ولكنّ العديد من المراقبين يشككون في إمكانية تكرار الأمر. فقد أصبح كاجامي الآن أقل اعتمادًا على المساعدات المالية الدولية مما كان عليه قبل 13 عامًا. وبالتالي أصبح من الصعب للغاية ممارسة نفس الضغوط الدولية عليه مرة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: