تداعيات العقوبات الاقتصادية كردّ فِعْل على الانقلابات في إفريقيا: دراسة حالة مالي([1])
“The Impact of Economic Sanctions as a Response to Coups in Africa: Case of Mali”
تأليف:
ديلسيو مايانهي Delcio Maianhi
إيماكوليت أسيج لياغا Emmaculate Asige Liaga
ترجمة:
أسماء عبدالحفيظ خميس نوير
باحثة دكتوراه ومترجمة في تخصُّص فلسفة العلوم، كلية الآداب، جامعة أسيوط، مصر
يُعدّ تاريخ مالي مليئًا بالانقلابات، وهو مُتجذّر في قضايا سياسية وحُكمية لم تُحَلَّ منذ عقود، مثل الفساد وسوء الإدارة والاقتصاد المتهالك failing economy. وقد تم تبرير العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا Economic Community of West African States ECOWAS)) على مالي استنادًا إلى المادة 2 من القانون المتمم A/SP.2/08/11 بشأن العقوبات المفروضة على الدول الأعضاء؛ إلا أن بعض هذه العقوبات كان لها تأثيرات مُدمِّرة على المدنيين الأبرياء، وقد أسفرت عن عواقب سيئة.
تستكشف هذه الدراسة تأثير العقوبات الاقتصادية Economic sanctions على مالي، والجذور التاريخية لعدم الاستقرار السياسي. ويطرح البحث تساؤلات حول فعالية استخدام العقوبات ضد الدول، داعيًا إلى مُراجعتها لتقليل الأثر السلبي، كما هو الحال في مالي.
ويجادل البحث أيضًا بأنّ الجماعات الاقتصادية الإقليمية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، يجب أن تتَّخذ خطوات فعّالة ليس لاستعادة الديمقراطية فحسب، بل للحفاظ عليها من خلال معالجة الأسباب الجذرية للانقلابات. ومن خلال معالجة هذه القضايا الأساسية وتعزيز المؤسسات الديمقراطية القوية، يمكن لمالي بناء مستقبل مستدام خالٍ من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات.
مقدمة:
الانقلاب العسكري coup d’état هو وسيلة للاستيلاء على السلطة بشكل مفاجئ وغير قانوني مِنْ قِبَل الجيش أو جماعات أخرى، سواء كانت حكومية أو غير حكومية. ويشمل استخدام القوة، مما قد يؤدي إلى العنف والقتل، كما حدث في انقلاب نيجيريا الفاشل عام 1976م، الذي أدَّى إلى وفاة الرئيس مورتالا محمد Murtala Mohammed. ومع ذلك، قد تكون بعض الانقلابات غير دموية، مثل انقلاب وزير الدفاع ساني أباشا Sani Abacha الذي أطاح بالحكومة المؤقتة للرئيس النيجيري إرنست شونيكان Ernest Shonekan في عام 1993م.
على مر السنين، شهدت إفريقيا عددًا من محاولات الانقلابات؛ حيث أفادت التقارير بحدوث 214 محاولة انقلاب بين خمسينيات القرن العشرين وعام 2020م، نجحت منها 106 محاولات. مقارنةً ببقية دول العالم، وسجَّلت إفريقيا 44% من إجمالي محاولات الانقلابات على مستوى العالم، مما يعكس نسبةً مرتفعةً من عدم الاستقرار والاضطرابات السياسية. بين عامي 1960 و2000م، بلغ عدد محاولات الانقلابات في إفريقيا 169 محاولة، بمعدل أربع محاولات سنويًّا. إلا أن الفترة بين عامي 2019 و2021م شهدت ارتفاعًا في عدد الانقلابات إلى ستة، وهو ما يُعدّ أعلى من متوسط العقدين السابقين. علاوة على ذلك، وقعت 44% من الانقلابات في إفريقيا بين عامي 1958 و2008م في غرب إفريقيا. ومنذ عام 2019م، وقعت سبع محاولات انقلاب في غرب إفريقيا (خمس منها تكللت بالنجاح، بينما فشلت محاولتان)، بما في ذلك انقلابان ناجحان في مالي.
وبشكل عام، شهدت مالي ثماني محاولات انقلاب، نجحت خمس منها. تسبَّبت هذه الانقلابات في تأثيرات سلبية على عدد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك مالي؛ حيث يعاني عدد كبير من المواطنين من تدهور الظروف المعيشية وعرقلة التنمية الاقتصادية hindered economic development. كما أسهمت هذه الانقلابات في زيادة عدد النازحين في إفريقيا، التي تستضيف بالفعل ثلث عدد النازحين في العالم، مما أجبر الملايين على اللجوء إلى بلدان أخرى أكثر استقرارًا. وقد أسفر ذلك عن أزمة لاجئين ومعدلات فقر مرتفعة وعبء اقتصادي ثقيل.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى انعدام الأمن الناجم عن الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلى إعاقة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما جعل من الصعب على البلدان تحقيق التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، فغالبًا ما يؤدي الفساد المالي والسياسي إلى عرقلة جهود التنمية في البلدان الإفريقية الفقيرة.
في حالة غرب إفريقيا، وكجزء من البروتوكول الوارد في إعلان لومي لعام 2000م (protocol in the Lomé Declaration of 2000)، كانت العقوبات الاقتصادية وتعليقها الأدوات الرئيسية التي استخدمتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) لاستعادة النظام الدستوري في مالي بعد انقلاب عام 2012م. ومع ذلك، كان للعقوبات تأثير سلبي على السكان المستهدَفين، وخاصة المدنيين الأبرياء. فقد أظهرت الدراسات أن العقوبات الاقتصادية تُلْحِق الضرر بالفئات الضعيفة من السكان، مما يؤدي إلى فقدان فرص العمل، وتقييد فرص التعليم. كما يمكن أن تُؤدِّي إلى مصاعب شديدة واضطرابات اقتصادية خطيرة، كما حدث في مالي خلال العقوبات التي فرضتها إيكواس في عام 2020م.
يهدف هذا البحث إلى دراسة تأثير العقوبات الاقتصادية على المدنيين، وتقييم فعالية هذه العقوبات في استعادة الديمقراطية.
ويستخدم البحث دولة مالي حالةً للدراسة، وهي دولة تقع في منطقة الساحل الإفريقي، وشهدت خمسة انقلابات ناجحة منذ استقلالها عام 1960م. وعانت مالي من عدم الاستقرار نتيجة لأشكال متباينة من التمردات المسلحة، بما في ذلك النزاعات ضد المسلحين في شمال البلاد. وتخضع البلاد حاليًّا لحكم عسكري بعد انقلابين ناجحين في عامي 2020 و2021م على يد العسكريين أنفسهم. وردًّا على الانقلابين الأخيرين، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بدعم من الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات وعلَّقت عضوية مالي في الاتحاد الإقليمي.
العقوبات الاقتصادية على الأنظمة وتداعياتها:
تتعدّد الأشكال والفئات المختلفة للعقوبات، وتشمل العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والمالية.
وتُعدّ العقوبات الاقتصادية الأكثر شيوعًا، وتشمل تدابير متعددة، مثل: الحظر التجاري، وتجميد الأصول، والقيود المفروضة على السفر. أما العقوبات الدبلوماسية، فقد تتضمَّن سحب السفراء أو تعليق العلاقات الدبلوماسية. في حين قد تشمل العقوبات العسكرية تدابير مثل حظر الأسلحة أو فرض مناطق حظر الطيران. وأخيرًا، تتضمَّن العقوبات المالية تجميد الأصول، وحظر المعاملات المالية، ومنع الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية.
تتسم سياسات العقوبات بالتعقيد، وغالبًا ما تنطوي على مصالح إستراتيجية. على سبيل المثال، قاومت المملكة المتحدة الدعوات لفرض عقوبات على الحكومة العسكرية في نيجيريا خلال التسعينيات بسبب علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع هذا البلد. وتعتبر حالة نيجيريا مثالًا جيدًا على كيفية استخدام العقوبات لتحقيق أهداف سياسية. ففي عام 1995م، أعدمت الحكومة النيجيرية كين سارو-ويوا Ken Saro-Wiwa، الناشط البيئي البارز. وردًّا على ذلك، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات على نيجيريا. وقد نجحت هذه العقوبات في ممارسة الضغط على الحكومة النيجيرية للإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء انتخابات ديمقراطية.
تُستخدم العقوبات الاقتصادية عادةً كأداة للإكراه وفرض الامتثال للقوانين والأعراف الدولية. ومع ذلك، تظل فعالية العقوبات موضوعًا للنقاش؛ حيث يجادل بعض الباحثين ضد استخدامها بسبب آثارها السلبية على السكان. ومن المعروف أن العقوبات، مثل تجميد الأصول الحكومية، والحظر التجاري، والقيود المفروضة على السفر، قد تُلْحِق الضرر بالحكومة المستهدَفة دون أن تُؤثِّر بالضرورة على النخبة السياسية في السلطة، مما يؤدي في النهاية إلى إلحاق “أضرار جانبية بالمواطنين”. وتَحُدّ هذه العقوبات من الموارد اللازمة لأداء الوظائف الحكومية الأساسية، مثل الحفاظ على القانون والنظام، وتقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية. كما تؤدي القيود المفروضة على الأسواق المالية والخدمات المصرفية والاستثمارات إلى خنق القطاع الخاص، مما يتسبَّب في معاناة السكان.
في حالة مالي، فرض الاتحاد الإقليمي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، مجموعة من العقوبات على البلاد، بما في ذلك:
1- استدعاء سفراء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من مالي بشكل فوري.
2- إغلاق الحدود البرية والجوية بين دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومالي.
3- تعليق جميع المعاملات التجارية والمالية مع مالي، باستثناء الموادّ الغذائية والأدوية والمنتجات الطبية والمنتجات البترولية والكهرباء.
4- تجميد أرصدة مالي في البنوك المركزية والبنوك التجارية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
5- وقف جميع المساعدات المالية والمعاملات المالية لمالي مع جميع المؤسسات المالية، لا سيما بنك الاستثمار والتنمية التابع للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والبنك الإفريقي للتنمية.
وإزاء هذه العقوبات، ركزت دراسة بيكسن Peksen على تأثير العقوبات على حقوق الإنسان في الدولة المستهدَفة، وكشفت أن استخدام العقوبات الاقتصادية قد يزيد من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أظهرت الدراسة أن العقوبات واسعة النطاق، خاصةً تلك المفروضة بطرق متعددة الأطراف، غالبًا ما تتسبَّب في انتهاكات أكبر لحقوق الإنسان مقارنةً بالعقوبات المحدودة. في المقابل، يؤيد بيرستيكر Biersteker وفان بيرجيك van Bergeijk فرض العقوبات بطرق متعددة الأطراف؛ حيث يرون أنها تكون أكثر فعالية في فرض الامتثال. ويشيران إلى أن فعالية العقوبات تعتمد على مدى ارتباط الدولة المُصدِّرة تجاريًّا بالدولة المستهدَفة؛ بمعنى آخر، إذا كانت زيمبابوي تستورد سِلَعًا أساسية مثل البنزين والأسمدة من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن العقوبات المفروضة من هذه الدول ستكون أكثر تأثيرًا على زيمبابوي.
إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تزيد العقوبات من فعاليتها إذا كانت الأهداف محددة بدقة، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين وإجراء الانتخابات. على سبيل المثال، تم إطلاق سراح إبراهيم بوبكر كيتا Ibrahim Boubacar Keita (IBK)، الذي انتُخِبَ ديمقراطيًّا في عام 2013م، لكنه تم الإطاحة به في انقلاب خلال فترة ولايته الثانية عام 2020م، بعد أن فرضت الدول المجاورة لمالي والمنظمات الدولية -بما في ذلك الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي- عقوبات متعددة، وطالبوا بالإفراج عنه.
ومع ذلك، يرتبط نجاح العقوبات إلى حد كبير بالسياق الذي تُطبّق فيه، وقد لا تكون فعَّالة في جميع الحالات. ففي حالة مالي، تسبَّبت عقوبات عام 2020م في صعوبات اقتصادية كبيرة للسكان؛ حيث عُطِّلت سبل وصول البضائع ومنتجات التجار الماليين إلى البلدان والموانئ المجاورة. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من إطلاق سراح إبراهيم بوبكر كيتا بعد عشرة أيام من الانقلاب في عام 2020م، إلا أن العقوبات لم تنجح تمامًا في تحقيق أهدافها الأوسع نطاقًا المتمثلة في استعادة الحكم الديمقراطي ومنع التدخل العسكري في الحكم.
فقد تم استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل متزايد كأداة لتعزيز الديمقراطية واستعادة النظام الدستوري في الدول التي شهدت انقلابات. وفي حين ترى بعض الدراسات أن العقوبات يمكن أن تنجح في تحقيق هذه الأهداف، تشير دراسات أخرى إلى التأثير السلبي للعقوبات على حقوق الإنسان في الدول المستهدفة ومواطنيها. ويُجادل آخرون بأن العقوبات الاقتصادية قد تكون فعَّالة في إرساء الديمقراطية في الدول التي شهدت انقلابات، ولكن يجب أن تُؤخَذ في الحسبان تأثيراتها على حياة الأبرياء والأثر المزعزع للاستقرار الذي قد تسبّبه للدولة. ولذا ينبغي النظر في فرض عقوبات مستهدَفة على قادة الانقلابات، مصحوبة بمحادثات دبلوماسية، بدلًا من فرض عقوبات اقتصادية تؤثر على المدنيين الأبرياء.
يجادل سوست Soest وهامان بأن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تدفع الدول الاستبدادية إلى التحول نحو الديمقراطية، خاصةً تلك التي تعتمد على القمع للبقاء في السلطة. ويُوضِّح الباحثان أن هذه الأنظمة غالبًا ما تتبنَّى إستراتيجية مختلطة من القمع والاستيعاب عند مواجهة العقوبات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن القمع يُعدّ غير فعَّال على المدى الطويل، وقد يؤدي إلى انهيار النظام، بينما قد يؤدي الاستيعاب إلى تكيُّف النظام مع الظروف الجديدة. قد تتسبَّب العقوبات الاقتصادية في إصلاح النظام أو انهياره، لا سيما إذا تم تصميمها بشكل إستراتيجي وفرضها للضغط على القادة الاستبداديين اقتصاديًّا. ويمكن ملاحظة ذلك في حالة زيمبابوي عام 2022م، عندما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات عليها؛ ردًّا على انتهاكات حقوق الإنسان وتزوير نتائج الانتخابات electoral fraud.
يؤيد كلٌّ من مارينوف Marinov ونيلي Nili استخدام العقوبات الاقتصادية لإجبار الدول على التحول الديمقراطي، خاصةً تلك التي شهدت انقلابات. وتستند حجة الباحثين إلى التحسينات في النمذجة التحليلية والنظرية السياسية المعيارية التي تُوجّه فَرْض العقوبات، على الرغم من الحاجة إلى دليل تجريبي قوي لإثبات نجاحها. ومع ذلك، قد تعتمد فعالية العقوبات الاقتصادية على نوع النظام الاستبدادي المقصود authoritarian regime.
بينما يجادل كلٌّ من إسكريبيا-فولش Escribà-Folch ورايت Wright بأن العقوبات الاقتصادية غالبًا ما تكون غير فعَّالة، أو قد تؤدي إلى نتائج عكسية ضد الأنظمة العسكرية وأنظمة الحزب الواحد؛ إذ تستطيع هذه الأنظمة تحويل الضغوط المالية إلى تدفقات مالية بديلة لزيادة إيراداتها، مما يُمكّنها من الصمود تحت وطأة العقوبات. من ناحية أخرى، تكون الأنظمة ذات الطابع الديكتاتوري الشخصي أكثر عُرضة للانهيار مقارنةً بالأنظمة العسكرية وأنظمة الحزب الواحد عندما تتعرَّض للعقوبات؛ حيث تؤدي العقوبات إلى إضعاف الموارد المتاحة لرعاية النظام، مما يجعل من الصعب على الديكتاتوريين التكيُّف مع الضغوطات التي قد تزعزع استقرارهم.
وكانت جهود نيلسون مانديلا Nelson Mandela، رئيس جنوب إفريقيا، في إطار جهوده الرامية إلى الحشد لفرض عقوبات على الرئيس العسكري النيجيري الجنرال “ساني أباشا” بعد إعدام الناشط البيئي كين سارو-ويوا عام 1995م؛ تهدف إلى إجبار النظام العسكري على التخلّي عن السلطة. ومع ذلك، فإن عدم إخلاص بعض الدول الأجنبية في تطبيق العقوبات؛ بسبب مصالحها الاقتصادية مع نيجيريا، قد قلَّل من فعّالية تلك العقوبات.
وعلى الرغم من الحجج المُؤيِّدة للعقوبات الاقتصادية؛ يشير حنانيا وبيكسن إلى الآثار السلبية لهذه العقوبات على حقوق الإنسان في الدولة المستهدَفة وعلى مواطنيها. ويؤكد حنانيا Hanania أن العقوبات غالبًا ما تَضُرّ الفئات الأكثر ضعفًا من السكان؛ إذ تُفْقِد الناس فُرَصهم في التعليم والوظائف المهمة. وتزداد حدة هذه التأثيرات في الدول التي تعاني من ضعف الأداء الاقتصادي.
من جهته، يوضح بيكسن أن العقوبات الاقتصادية قد تزيد من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة تلك التي تُفْرَض بشكل واسع مِن قِبَل المنظمات متعددة الأطراف.
في ضوء هذه الحجج، من الضروري أن نأخذ في الاعتبار تأثير العقوبات الاقتصادية على حياة الأبرياء وتداعياتها المزعزعة للاستقرار على الدولة. وتُعدّ حالة مالي مثالًا بارزًا على ذلك؛ فردًّا على الانقلابات الأخيرة في مالي، فرض الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقوبات على البلاد، بما في ذلك تعليق عضويتها في التكتلات الإقليمية. وقد كان لهذه العقوبات أثر سلبي كبير على حياة المدنيين الأبرياء في مالي.
وتشير تقارير ميانهي Maianhi reports إلى أن الماليين تم منعهم من استخدام الموانئ البحرية في الدول المجاورة الأعضاء في الإيكواس، بما في ذلك إغلاق الحدود. وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الأحداث التي قادت إلى هذه الانقلابات، والتي أدت بدورها إلى فرض العقوبات الاقتصادية، إلى نتائج إيجابية على المدى القصير.
الأسباب الجذرية للانقلابات في مالي:
تتمتع مالي بتاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات، والتي تُعزَى إلى حدّ كبير إلى سوء الحكم والفساد والقضايا السياسية التي لم تُحَلَّ، مثل النزاعات الانتخابية، الاستبداد في الحكم، وإهمال القوات المسلحة.
حصلت مالي على استقلالها عن فرنسا في عام 1960م، وأصبحت دولة ديمقراطية؛ إلا أن تجربتها الديمقراطية لم تَدُمْ طويلًا. ففي غضون ثماني سنوات، شهدت البلاد أول انقلاب عسكري لها في عام 1968م، تبعه عدد من الانقلابات الأخرى في 1991 و2012 و2020 و2021م. ويمكن إرجاع الأسباب الجذرية لهذه الانقلابات الأخيرة إلى سياسات أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا، موديبو كيتا، والأنظمة العسكرية اللاحقة التي حكمت البلاد لأكثر من عقدين. كما أن المشكلات السياسية التي ابتُلِيَتْ بها مالي لعقودٍ لم تُحَلَّ بعدُ، وحتى يتمّ حلّها، قد تستمر البلاد في مواجهة عدم الاستقرار السياسي.
تسببت سياسات موديبو كيتا Modibo Keita الراديكالية في استياء واسع النطاق، مما أدى إلى تدخُّل عسكري في عام 1968م. أسفرت هذه السياسات عن تدهور العلاقة بين الحكومة والجيش، مما أدَّى في النهاية إلى الانقلاب العسكري. صَكَّ كيتا عُملة جديدة تُدْعَى الفرنك المالي، وقام بإخراج مالي من الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا (WAMU) المرتبط بالعملة الفرنسية. وقد تسبَّب هذا القرار في حدوث أعمال شغب؛ حيث كانت العملة المحلية غير قابلة للتحويل، مما يعني أنه لا يمكن استبدال الفرنك المالي بعملات أجنبية أخرى، وكان صالحًا فقط للمعاملات المحلية، مما جعل التجار الماليين غير قادرين على ممارسة التجارة الدولية.
وتفاقم الوضع عندما أنشأ “كيتا” ميليشيا قوية مكوّنة من 3000 رجل لتنفيذ عمليات تطهير لحزب الاتحاد السوداني والتجمع الديمقراطي الإفريقي (US-RDA)، وكشف الفساد في البلاد. قامت الميليشيا بعمليات تفتيش تعسفية للمنازل والأفراد، وتعرَّض العديد منهم للتعذيب والسجن. بالإضافة إلى ذلك، استهدفت الميليشيا الضُّباط العسكريين الشباب بشكل خاص، وتعرَّضوا لمضايقات شخصية. وأعرب هؤلاء الضباط عن قلقهم وحثّوا على حل الميليشيا أو وضعها تحت السيطرة العسكرية، إلا أن “كيتا” رفض طلباتهم.
داخل الدوائر العسكرية، بدأت الشائعات تنتشر بأن “كيتا”، عند عودته من المؤتمر، كان يُخطِّط لاعتقال عدد من الضباط العسكريين. أدَّى الخوف من السجن ووجود فرصة للاستيلاء على السلطة من حكومة غير شعبية، إلى قيام موسى تراوري Mousa Traore بانقلاب عام 1968م.
ظل نظام موسى تراوري العسكري في السلطة لمدة 23 عامًا حتى انقلاب عام 1991م، الذي أدَّى إلى تغيير الحكومة. خلال فترة حُكْمه، تزايدت المطالب الشعبية لاستعادة الحكم المدني، وتعزيز الانفتاح الديمقراطي في البلاد. وفي عام 1979م، أدخل تراوري نظام الحزب الواحد؛ حيث أصبح الاتحاد الديمقراطي للشعب المالي (UDPM) الحزب السياسي القانوني الوحيد. ومع ذلك، بدأ الشعب المالي يُعبِّر عن استيائه من نظام الحزب الواحد، وسوء إدارة الحكومة وفسادها، وهو ما أدَّى إلى تفاقم الفقر في البلاد.
دفَع هذا الاستياء الشعب للمطالبة بالتعددية الحزبية والإصلاحات الديمقراطية، بما في ذلك زيادة الانفتاح السياسي. وتصاعدت هذه المطالب إلى احتجاجات وأعمال شغب في المدن الكبرى عام 1991م، مما أسفر عن انقلاب عسكري.
أسهمت المشكلات المستمرة مع الطوارق وفساد الحكومة بشكل كبير في انقلاب عام 2012م. فقد خاض الطوارق عدة تمردات في شمال مالي سعيًا للحصول على حكم ذاتي أكبر؛ حيث رأوا أن سياسات الحكومة تُهدِّد ثقافتهم وحقوقهم.
تضمَّنت هذه التمردات فترات مثل أعوام 1963-1964، و1990-1996، و2006، و2012م. عندما أعلن الطوارق الحرب من أجل الاستقلال في شمال مالي، كان الجيش المالي يفتقر إلى التجهيزات الكافية لقمع التمرد. ونتيجة لذلك، قاد الكابتن أمادو سانوغو Amadou Sanogo انقلابًا عسكريًّا في 21 مارس 2012م؛ حيث أعرب عن إحباطه من عَجْز الحكومة عن دعم الجيش في مواجهة تمرُّد الطوارق. أوقف سانوغو العمل بالدستور، وبرَّر الانقلاب بعجز الحكومة وفسادها كأسباب لتدخُّل الجيش.
أدان المجتمع الدولي انقلاب مالي عام 2012م بسرعة، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة، شملت إغلاق جميع الحدود مع مالي باستثناء السماح بالمساعدات الإنسانية، ومنع الوصول إلى موانئ الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وتجميد الحسابات المصرفية للبلاد. كان لهذه العقوبات تأثير كافٍ للضغط على المجلس العسكري للتخلي عن السلطة والعودة إلى الحكم المدني. وفي عام 2013م، أُجريت انتخابات رئاسية فاز فيها إبراهيم بوبكر كيتا.
كانت هذه الواقعة دليلًا إيجابيًّا على فعالية العقوبات في التعامل مع الانقلابات؛ حيث حققت هدفها المتمثل في إعادة السلطة إلى الحكم المدني. ومع ذلك، انصبَّ معظم التركيز على العودة إلى النظام الدستوري وهزيمة التمرد في الشمال، بينما أُهملت معالجة الأسباب الجذرية، مثل الفساد الحكومي، الذي أثار استياء الشعب، وأدى إلى تقويض دعم الجيش في مواجهة المتمردين. هذا الإهمال للأسباب الأساسية أو الفشل في تبني سياسات مستدامة لمعالجتها أدى إلى انقلاب آخر في مالي عام 2020م.
في وقتٍ لاحقٍ، أصبح الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا غير محبوب بين الماليين بسبب سوء إدارته وعجزه عن الحكم بفعالية. واجهت حكومته اقتصادًا متدهورًا، وخدمات عامة غير فعَّالة، وتراجعًا في جودة التعليم، وفسادًا سياسيًّا متفشيًا، ما أدَّى إلى اندلاع معارضة واسعة النطاق واحتجاجات ضخمة في البلاد. وفقًا لتقرير صادر عن مكتب المراجع العام للحسابات (BVG) في عام 2017م، خسرت حكومة كيتا ما يُقدَّر بنحو 70 مليار فرنك إفريقي نتيجة الاحتيال وسوء الإدارة.
في عام 2014م، أوقف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمويلًا بقيمة 70 مليون دولار أمريكي بعد أن أبدى صندوق النقد الدولي قلقه من شراء حكومة كيتا طائرة رئاسية بقيمة 40 مليون دولار أمريكي. كما تورط “كيتا” في المحسوبية؛ حيث منح أفراد عائلته مناصب حكومية رفيعة؛ حيث عيَّن ابنه “كريم كيتا” رئيسًا للجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، في حين شغل أفراد آخرون من عائلته مناصب مؤثرة، مثل إيساكا سيبيه Issaka Sibibe، والد زوجته، الذي كان رئيسًا للجمعية الوطنية ووزيرًا سابقًا للاستثمار.
إن تعيين أفراد العائلة والمقربين في مناصب حكومية حساسة غالبًا ما يؤدي إلى تعزيز شعور بالأحقية لدى النخبة الحاكمة، ما ينتج عنه سوء اتخاذ القرارات واستياء شعبي واسع النطاق.
علاوة على ذلك، أظهرت الإجراءات التي اتخذها إبراهيم بوبكر كيتا وحكومته انعدامًا واضحًا للشفافية transparency والمساءلة accountability، وهما عنصران أساسيان للحكم الرشيد. كما أن تعيين أفراد العائلة في مناصب رفيعة المستوى، وانتشار والمحسوبية؛ زاد من تآكل ثقة الجمهور في الحكومة؛ حيث بدت العلاقات الشخصية وكأنها تفوق الجدارة في أهمية التعيينات الحكومية. وتمثل هذه التصرفات إحدى سمات الحكم السيئ، وغالبًا ما تكون مُقدِّمة للانقلابات وعدم الاستقرار السياسي.
في ظل قيادة “كيتا”، ساءت الأوضاع الاقتصادية في مالي؛ حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر وسط تدهور مستمر للاقتصاد. خلال فترة ولايته، شهد معدل التضخم في مالي تذبذبًا؛ حيث بلغ -0.3% في عام 2013م، وارتفع إلى 0.4% في عام 2020م عند الإطاحة به في انقلاب. ومع ذلك، بين عامي 2017 و2019م، انخفض معدل التضخم بشكل ملحوظ ليصل إلى -1.9% في عام 2019م. خلال هذه الفترة، شهدت البلاد تراجعًا في الطلب الاقتصادي، ما دفع الشركات إلى تخفيض الأسعار والإنتاج وتقليص الرواتب، أو حتى تسريح الموظفين، مما أدَّى إلى ارتفاع معدل البطالة.
وهذا التدهور الاقتصادي كان واضحًا في حالة مالي؛ إذ ارتفع معدل البطالة من 1.6% في عام 2019م إلى 3.5% في عام 2020م. في الوقت نفسه، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد ليبلغ -1.2% بين عامي 2019 و2020م. أثَّرت هذه الظروف بشكل مباشر على قدرة الحكومة على توفير الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ما زاد من تفاقم مشكلات البلاد.
كانت الظروف المعيشية السيئة، ونقص الخدمات التعليمية، وانعدام الأمن، وانتشار الفساد من أبرز الدوافع للاحتجاجات واسعة النطاق التي بلغت ذروتها بانقلاب عام 2020م.
على عكس الانقلابات السابقة التي جاءت كرد فعل على فساد الحكومة وعدم كفاءتها، يعكس انقلاب عام 2021م، الذي قاده عاصمي غويتا Assimi Goita بعد قيادته لانقلاب 2020م قبل 18 شهرًا، رغبة واضحة من القادة العسكريين في التمسك بالسلطة السياسية. وقع الانقلاب بعد قيام الرئيس المؤقت آنذاك، باه نداو Bah N’Daw، ورئيس وزرائه مختار أوان، بإجراء تعديل وزاري استبعد أعضاء بارزين من الحزب الوطني التقدمي الاشتراكي المتورطين في انقلاب 2020م. وبعد ساعات من إعلان التعديل، اعتُقل نداو وأوان، وأُجبرا على الاستقالة بعد أيام قليلة. وصرح غويتا حينها بأنه “يُسقط صلاحيات الرئيس ورئيس وزرائه”، متَّهمًا إياهما بانتهاك الميثاق الانتقالي لعدم استشارته بشأن التعديل الحكومي. ومع ذلك، فإن خطوة “غويتا” باعتقالهما تنتهك أيضًا الميثاق الانتقالي؛ حيث إن دوره كنائب للرئيس المؤقت لا يمنحه صلاحية إقالة الرئيس.
ووفقًا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية، كان التعديل الحكومي محاولة من نداو لتقليص نفوذ الجيش على المؤسسات الانتقالية. ومع ذلك، أسهمت هذه الخطوة في تقييد مساحة المناورة المتاحة للحكومة الانتقالية. فعلى سبيل المثال، عزَّز دستور مالي لعام 2023م، الذي تمت صياغته حديثًا، من سلطات الرئيس في صياغة سياسات الحكومة وحل البرلمان، مما يمنح الرئيس القادم صلاحيات أكبر بكثير مقارنة بالدستور السابق. علاوةً على ذلك، أصدر “غويتا” قانونًا جديدًا يمنحه وأعضاء عسكريين آخرين في الحكومة الانتقالية حق الترشح في الانتخابات المقبلة المقررة لعام 2024م. تشير هذه التحركات إلى طموح القادة العسكريين في تعزيز سلطتهم وتأمين نفوذهم على المدى الطويل.
إلى جانب الطموح السياسي للجيش، يُعدّ الفساد أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في حالة عدم الاستقرار السياسي في مالي. وتُعدّ مالي واحدة من أفقر دول العالم، وقد فاقم الفساد من حدة هذه المشكلة. ففي مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلت المرتبة 129 من أصل 180 دولة، مما يعكس انتشار الفساد في القطاع العام. وارتبطت هذه المشكلة بمزاعم متكررة عن اختلاس الأموال العامة وسوء إدارتها مِن قِبَل كبار المسؤولين الحكوميين، ما أدَّى إلى إحباط واسع النطاق بين المواطنين.
كما أن غياب المساءلة عن أفعال المسؤولين الحكوميين كان عاملًا رئيسًا آخر أسهم في زعزعة الاستقرار. فعلى الرغم من وجود تقارير متكررة عن الفساد وسوء السلوك، إلا أنه نادرًا ما تتم محاسبة المسؤولين المتورطين. وأدَّى هذا الغياب للمساءلة إلى خَلْق شعور بالإفلات من العقاب، مما شجَّع على استمرار الممارسات الفاسدة؛ حيث يدرك المسؤولون أنهم لن يواجهوا عواقب لأفعالهم. واستمر هذا الوضع في ترسيخ ثقافة الفساد، مما جعل من الصعب معالجة المشكلة بفعالية من القمة إلى القاعدة.
عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على مالي (2020 و2021م):
شهدت مالي أزمة سياسية عميقة بدأت باحتجاجات وتصاعدت إلى انقلاب عسكري؛ مما أفرَز تداعيات إقليمية ودولية كبيرة. وتُعدّ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) مسؤولة عن تعزيز المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد والدفاع عنها في الدول الأعضاء.
وردًّا على انقلاب 2020م في مالي، فرضت الإيكواس عقوبات اقتصادية وسياسية، والتي تم تشديدها عقب انقلاب آخر في عام 2021م. وكان لهذه العقوبات التي فرضتها الإيكواس تأثيرات كبيرة على مالي، مع انعكاس آثارها بشكل أكبر على المدنيين.
قبل انقلاب 2020م، أرسلت الإيكواس، وفقًا لبروتوكول الديمقراطية والحكم الرشيد، وفدًا إلى مالي للتواصل مع الأطراف الرئيسية في المعارضة. ورغم جهود الوفد، الذي اعترف بالتحديات المتعددة التي تواجه البلاد، واقترح مراجعة موعد الانتخابات، لكن لم تتمكن هذه الوساطة من حل الأزمة السياسية. واستمرت الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا؛ حيث طالَب المتظاهرون باستقالته، لكنه رفض التنحي. وفي هذا السياق، استغل الجيش بقيادة العقيد “عاصمي غويتا” الوضع للإطاحة بالحكومة من خلال انقلاب عسكري، وهو ما استنكرته الإيكواس بشدة وفرضت على إثره عقوبات على مالي.
في 18 أغسطس 2020م، أعلنت الإيكواس عن فرض عقوبات على مالي، تضمنت تعليق عضويتها في جميع هيئات صُنْع القرار التابعة للجماعة، وإغلاق الحدود البرية والجوية، ووقف جميع التدفقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين الدول الأعضاء ومالي. وعلى الرغم من استمرار جهود الإيكواس لإعادة الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد؛ إلا أن الأوضاع شهدت تصعيدًا جديدًا مع انقلاب ثانٍ قاده “غويتا” في عام 2021م. وردًّا على هذا التطور، فرضت الجماعة الاقتصادية عقوبات أكثر صرامة شملت تجميد أصول مالي في البنوك المركزية والبنوك التجارية التابعة للإيكواس، وتعليق التعاملات مع بنك الاستثمار والتنمية التابع للجماعة وبنك التنمية الإفريقي.
تُمثّل العقوبات التي فرضتها الإيكواس على مالي ردًّا مباشرًا على عدم التزام الحكومة الانتقالية بمبادئ سيادة القانون والديمقراطية والنظام الدستوري المنصوص عليها في المادة 2 من القانون المتمم A/SP.2/08/11 بشأن العقوبات على الدول الأعضاء التي تخالف التزاماتها تجاه الإيكواس. وقد جاءت هذه الإجراءات متوافقة مع البروتوكول المتفق عليه، الذي صادقت عليه مالي نفسها، مما يجعل العقوبات جزءًا من الإطار القانوني والتنظيمي للجماعة الاقتصادية.
في حين أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تكون أداة فعَّالة لتعزيز القِيَم والممارسات الديمقراطية، إلا أنه من الضروري مراعاة العواقب السلبية غير المقصودة لهذه التدابير على المدنيين الأبرياء، خاصة في السياقات التي يعاني فيها السكان من ضعف شديد. وتُظهر حالة مالي تأثيرات قاسية للعقوبات على إمكانية الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية للمواطنين، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وتقويض فعالية منظمات الإغاثة الدولية.
ولتجنُّب هذه الآثار السلبية، ينبغي التركيز على إستراتيجيات بديلة تستهدف أفرادًا ومجموعات محددة مسؤولة عن تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما ينبغي تكثيف الجهود لدعم بناء قدرات المؤسسات الديمقراطية. فعلى سبيل المثال، تخضع جنوب السودان منذ عام 2015م لعقوبات محددة الأهداف فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي ركزت على الأفراد والكيانات المسؤولة عن النزاع في البلاد. وتشمل هذه العقوبات حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر تقديم المساعدة التقنية للحكومة في مجالي الأمن والنفط.
بالمثل، فرضت عقوبات مستهدفة على غينيا الاستوائية بين عامي 2004م و2011م؛ ردًّا على انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الشفافية في قطاع النفط. وقد ساعدت هذه العقوبات في الضغط على الحكومة لتحسين سجلّها في مجال حقوق الإنسان. وتُظْهِر التجارب أن العقوبات الموجَّهة غالبًا ما تكون أكثر فعالية في تحقيق أهدافها مقارنةً بالعقوبات العامة؛ لأنها أقل ضررًا بالمدنيين الأبرياء وتحظى بدعم أوسع من المجتمع الدولي.
من خلال اعتماد هذه النهج؛ يمكن للجهات الفاعلة الدولية التعاون لتعزيز ممارسات ديمقراطية مستدامة تقلل من خطر الاستبداد والانقلابات.
تداعيات العقوبات على مالي:
في مالي، وعلى الرغم من فرض عقوبات فردية على قادة الانقلاب وشركائهم والمتعاونين معهم؛ إلا أن المدنيين العاديين كانوا الأكثر تضررًا. فقد تسبَّبت العقوبات في صعوبات شديدة، وأحدثت اضطرابات خطيرة في الاقتصاد، الذي كان يعاني بالفعل من تحديات أمنية وجائحة كوفيد-19. كما أثَّرت القيود المفروضة على الموارد سلبًا على قدرة الحكومة على أداء وظائفها الأساسية، مثل الحفاظ على القانون والنظام وضمان توفر الأدوية في البلاد.
علاوة على ذلك، أدت القيود على الأسواق المالية والخدمات المصرفية والاستثمارات إلى خنق القطاع الخاص، مما زاد من معاناة السكان. فعلى سبيل المثال، مُنِعَ الماليون من استخدام الموانئ البحرية في الدول المجاورة الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مما أضرَّ بشكل خاص بالسكان الأكثر ضعفًا.
وتشير الأدلة التي قدمها بيكسن إلى أن العقوبات الاقتصادية غالبًا ما تؤدي إلى زيادة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. وتوضح هذه الحجج الحاجة إلى التعامل بحذر مع استخدام العقوبات الاقتصادية؛ نظرًا لاحتمال تسببها في آثار غير مقصودة وضارة على المدنيين الأبرياء. على سبيل المثال، ارتفع معدل التضخم في مالي بشكل حاد من 0.4% في عام 2020م إلى 3.9% في عام 2021م خلال فترة العقوبات التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. كما شهد نمو الناتج المحلي الإجمالي تباطؤًا ملحوظًا نتيجة هذه العقوبات، بالإضافة إلى تأثير الحرب في أوكرانيا على السلع الأساسية.
يُسلّط تأثير عقوبات الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على مالي في عامي 2020 و2021م الضوء على هذه المخاوف. وفقًا لأميدو، أثَّرت العقوبات بشكل كبير على الوضع الإنساني في مالي، خاصةً فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية. وأدَّى تعليق الرحلات الجوية إلى إعاقة قدرة منظمات الإغاثة الدولية على تقديم المساعدات الضرورية للسكان المستضعفين. وكذلك، أدى تعليق الأنشطة التجارية إلى تعطيل تدفق المواد الغذائية والوقود والإمدادات الطبية، مما فاقم من تدهور الوضع الاقتصادي، وأسهم في ارتفاع حادّ في أسعار السلع الأساسية.
تُثير هذه الآثار القلق بشكل خاص في بلد مثل مالي؛ حيث تعاني شريحة كبيرة من السكان من الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 3.5 مليون شخص كانوا في حاجة ماسَّة إلى مساعدات إنسانية خلال هذه الفترة.
علاوة على ذلك، كانت النساء والفتيات من بين الفئات الأكثر تأثرًا بالعقوبات، نظرًا لدورهن كمقدمات رعاية أساسيات. تسبّب نقص الغذاء وتعطل خدمات الرعاية الصحية في زيادة الأعباء عليهن وأثر بشكل غير متناسب على رفاهيتهن وسبل عيشهن. تُبرز هذه الآثار الجنسانية أهمية مراعاة تأثير العقوبات الاقتصادية على الفئات الضعيفة من السكان، لا سيما في البلدان المتأثرة بالنزاعات.
ونظرًا للأثر السلبي واسع النطاق للعقوبات على المدنيين الأبرياء؛ يصبح من الضروري التفكير في إستراتيجيات بديلة قد تكون أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف الديمقراطية، مع تقليل الضرر على السكان الضعفاء. يتمثل أحد هذه البدائل في فرض عقوبات مستهدفة تُركّز على أفراد أو جماعات معينة مسؤولة عن تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدلًا من فرض عقوبات اقتصادية شاملة تُلحق الأذى بالسكان بأكملهم.
وقد أثبت هذا النهج فعاليته في حالات أخرى، مثل زيمبابوي؛ حيث فرضت عقوبات محددة على الرئيس روبرت موغابي ودائرته المقربة دون الإضرار بالبلد ككل. قلَّل هذا النهج من تأثير العقوبات على المدنيين، بينما زاد الضغط المباشر على النظام، مما أسهم في نهاية المطاف في استقالة موغابي.
مالي بلد غير ساحلي تحيط به دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من الغرب والجنوب والشرق، بالإضافة إلى موريتانيا من الشمال الغربي والجزائر من الشمال الشرقي. نتيجة لذلك، تعتمد مالي بشكل كبير على الموانئ البحرية للدول المجاورة ضمن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لتلبية احتياجاتها من الاستيراد والتصدير.
في عام 2000م، اعتمدت مالي على ميناء أبيدجان في كوت ديفوار لتصدير واستيراد 80% من بضائعها. ومع ذلك، انخفضت هذه النسبة إلى 14% بحلول عام 2003م بسبب النزاع الذي أثَّر على نشاط الميناء. دفَع هذا الوضع مالي إلى اللجوء إلى الموانئ البحرية في السنغال وتوغو وغانا. وأصبح ميناء داكار في السنغال، على وجه الخصوص، الميناء الأكثر استخدامًا لتجارة مالي البحرية.
من جهة أخرى، تُعدّ مالي من بين أفقر دول العالم؛ حيث يُصنّفها البنك الدولي ضمن فئة الدول ذات الدخل المنخفض. كما احتلت مالي المرتبة 184 من أصل 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية (HDI). كما تفاقمت أزمة الغذاء في البلاد بفعل التمرُّد المستمر وأعمال العنف؛ حيث تعتمد مالي على استيراد نحو 70% من احتياجاتها الغذائية.
وبالتالي، فإن القيود المفروضة على استخدام الموانئ الإقليمية بسبب العقوبات الاقتصادية زادت من حدة أزمة الغذاء، مما أدى إلى تفاقم معاناة ملايين الماليين.
ومع ذلك، فإن الفئة الأكثر تضررًا من العقوبات هي الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع المالي؛ إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 7.5 مليون شخص، أي ما يعادل ثلث سكان البلاد، بحاجة إلى مساعدات إنسانية. نتيجة لذلك، دعت منظمات غير حكومية، مثل لجنة الإنقاذ الدولية ومنظمة العمل ضد الجوع ومنظمة بلان إنترناشونال، إلى تخفيف العقوبات الجديدة التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المستضعفين. هؤلاء الأفراد تأثَّروا بشدة بأزمات الغذاء وانعدام الأمن وتداعيات جائحة كوفيد-19. بالنظر إلى التأثير المُدمّر للحظر التجاري على المدنيين الأبرياء، ينبغي إعادة النظر في استخدام العقوبات الاقتصادية لضمان تقليل آثارها السلبية على المدنيين. ألم يكن الأولى فرض عقوبات على الجيش في مالي؟!
ما وراء إرساء الديمقراطية:
وفقًا للقانون التكميلي A/SP.2/08/11، عند حدوث انهيار للديمقراطية، تُفرض العقوبات على الدولة العضو؛ لتهيئة الظروف اللازمة لاستعادة “العمليات الدستورية الطبيعية normal Constitutional processes”. ومع ذلك، يجب أن تتجاوز جهود الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي مجرد استعادة هذه العمليات. فينبغي أن تركز الجهود على معالجة الأسباب الجذرية للانقلابات لتجنُّب تكرارها في المستقبل.
في حالة مالي، تفاقمت الانقلابات نتيجة مجموعة من العوامل المستمرة لعقود، منها الفساد، والانتخابات المتنازَع عليها، وسوء الحكم، والصراعات المسلحة. هذه القضايا لم تُعالَج بشكلٍ فعَّالٍ، مما أسهم في وقوع الانقلابات الأخيرة في عامي 2020 و2021م. معالجة هذه العوامل تُعدّ خطوة أساسية لضمان الاستقرار السياسي والحوكمة السليمة على المدى البعيد.
ونظرًا للأثر السلبي للعقوبات على المدنيين الأبرياء، يُعدّ استخدام عقوبات مستهدفة نهجًا بديلًا يركز على أفراد أو جماعات محددة مسؤولة عن تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدلًا من فرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق تؤثر على السكان بوجه عام. وقد أثبت هذا النهج فعاليته في حالات أخرى، مثل زيمبابوي؛ حيث فُرضت عقوبات مستهدَفة على الرئيس موغابي ودائرته المقربة بدلًا من فرضها على البلد بأكمله. وهذا أسهم في تقليل الأضرار التي لحقت بالمدنيين، وفي الوقت ذاته فرض ضغطًا مباشرًا على النظام، مما أدى في النهاية إلى استقالة موغابي.
لذلك، من الضروري تقديم الدعم لمالي في معالجة هذه القضايا الجوهرية؛ من خلال المساعدات المستهدفة، وجهود بناء القدرات لتعزيز الحكم الرشيد، والشفافية، والمساءلة. فهذا من شأنه أن يساعد مالي على بناء مؤسسات ديمقراطية قوية وقادرة على مواجهة التحديات المستقبلية، بالإضافة إلى تعزيز دور منظمات المجتمع المدني، ومنع تكرار الانقلابات وأشكال عدم الاستقرار السياسي الأخرى. كما أن المراقبة والدعم الدوليين للانتخابات يمكن أن تُسهم في ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، مما يُعزّز من المؤسسات والممارسات الديمقراطية المستدامة، ويقلل من مخاطر الاستبداد والانقلابات.
يتضح من تاريخ مالي الحافل بالانقلابات أن المشكلات السياسية وسوء الحكم والفساد هي أساس المشكلة. لذلك، من الضروري أن يتم تحويل التركيز من مجرد استعادة الديمقراطية إلى تحديد ومعالجة هذه القضايا الجوهرية.
الاستنتاج:
تاريخ مالي الحافل بالانقلابات مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضايا السياسية ومشكلات الحكم التي ظلت دون حل لعقود. ومِن ثَمَّ، يجب على مالي، بدعم من الهيئات الإقليمية والدولية، معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار السياسي، بما في ذلك سوء الحكم والفساد واقتصاد غير مستدام والصراعات المستمرة. ويجب أن تكون الحكومة شفَّافة وخاضعة للمساءلة في تصرفاتها، وأن تتم التعيينات في المناصب العامة وفقًا للجدارة وليس بناءً على العلاقات الشخصية. ويجب أن تعمل البلاد على بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تُعزّز الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، بما في ذلك دعم منظمات المجتمع المدني لضمان المساءلة وتعزيز سيادة القانون.
علاوة على ذلك، يتطلب اقتصاد مالي اهتمامًا ودعمًا عاجلًا، مع ضرورة أن تقوم الحكومة بوضع وتنفيذ سياسات لتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتقليص الفقر. كما أن الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية ضروريّ للنموّ الاقتصاديّ والتنمية المستدامة على المدى الطويل. ويمكن للمجتمع الدولي دعم هذه الجهود من خلال تقديم المساعدة الإنمائية، وتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، وتعزيز بيئة مواتية للاستثمار في مالي.
ويجب أن تُركّز المساعدة المقدمة إلى الحكومة على معالجة النزاع المستمر في الجزء الشمالي من البلاد، الذي يعود تاريخه إلى عقود مضت. وقد كان تمرُّد الطوارق في شمال مالي من العوامل الرئيسية التي أسهمت في عدم الاستقرار، وأدى إلى العديد من الانقلابات. لذا، تحتاج الحكومة إلى الدخول في حوار مع الطوارق والأقليات الأخرى من أجل إيجاد حلّ سلميّ للنزاع، ويشمل ذلك معالجة مطالبهم بزيادة الحكم الذاتي، وتعزيز ثقافتهم وأسلوب حياتهم.
لتحقيق هذا الهدف، ينبغي على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والمجتمع الدولي دعم المؤسسات والممارسات الديمقراطية لتعزيز الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة. ويجب أن تشمل هذه الجهود مكافحة الفساد والمحسوبية، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين الخدمات الاجتماعية لتلبية احتياجات المواطنين. كما ينبغي على المجتمع الدولي الضغط على الحكومة المالية لمحاسبة المسؤولين عن أفعالهم، ومعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار السياسي.
علاوةً على ذلك؛ فإن تأثير العقوبات الاقتصادية على المدنيين الأبرياء في مالي يبرز الحاجة إلى توخّي الحذر عند استخدام مثل هذه التدابير لتحقيق نتائج ديمقراطية. فعلى الرغم من أن العقوبات الفردية المستهدَفة قد تكون فعَّالة في الضغط على المسؤولين عن تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن العقوبات واسعة النطاق قد تُفْضِي إلى آثار غير مقصودة وضارَّة على المدنيين الأبرياء. وبناءً عليه، يجب النظر في إستراتيجيات بديلة تُحقِّق النتائج المرجوة دون الإضرار بالسكان المستضعفين، مثل العقوبات المستهدَفة والجهود الدبلوماسية.
عند معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار السياسي، يجب على الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي إعطاء الأولوية لتعزيز المؤسسات الديمقراطية المرنة التي تُسهم في بناء مستقبل مستدام خالٍ من عدم الاستقرار والانقلابات. وكما نُوقِشَ سابقًا؛ فإن الديمقراطية تتطلب أكثر من مجرد تنظيم الانتخابات؛ فهي تحتاج إلى سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وإشراك جميع المواطنين في عمليات صنع القرار. ومن خلال معالجة هذه القضايا الأساسية، يمكن لمالي بناء مستقبل مستقر ومزدهر لشعبها، والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
…………………..
[1]– Delcio Maianhi et Emmaculate Asige Liaga. “The Impact of Economic Sanctions as a Response to Coups in Africa: Case of Mali”, In: Akinola, A. (eds) The Resurgence of Military Coups and Democratic Relapse in Africa. Palgrave Macmillan, Cham, 2024, pp 137–158. https://doi.org/10.1007/978-3-031-51019-9_6