د.جيهان عبد السلام
أستاذ الاقتصاد المساعد– كلية الدراسات الإفريقية العليا
فى 23 ديسمبر عام 2024، أعلنت الأنظمة العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو رفضا مهلة الأشهر الستة التي منحتها إياها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” قبل انسحابها النهائي من التكتل مع بداية العام المقبل. وتجدر الاشارة الى أنه سبق وأعلنت هذه الدول في 28 يناير 2024، يعتزمون الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، مؤكدين على أن اتمام القرار سيستغرق حوالي عام للتصديق عليه رسميًا بناءً على أحكام المادة 91 من معاهدة الإيكواس المعدلة لعام 1993.
ويهدد الانسحاب المفترض بمزيد من إضعاف الـأوضاع الاقتصادية في هذه الدول الثلاث في منطقة الساحل – وهي بالفعل من بين أفقر الدول في العالم – كما أنها تضع الدول الأعضاء المتبقية في معضلة. بما قد يعيق هدف تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء الذى أنشأ التكتل من أجله منذ عام1975 [1].
ومن هنا يهدف هذا المقال الى التعرض على العواقب الاقتصادية المحتملة جراء الخروج الثلاثى من الايكواس سواء كانت هذه العواقب متعلقة بالدول الثلاث ، أو سواء كانت على مستوى التكتل الاقليمى ككل، وذلك فيما يلى :-
أولًا– دوافع الخروج الثلاثى:
تعد الانقلابات العسكرية التى تعرضت لها مالي، النيجر، وبوركينا فاسو والتي أطاحت بالحكومات المنتخبة، أحد أهم الأسباب الرئيسية التى دفعت الايكواس الى رفض الاعتراف بهذه الأنظمة وفرض عقوبات سياسية واقتصادية مما أثار استياء الدول الثلاث ، وعندما طالبت الإيكواس بتحديد جداول زمنية لعودة الحكم المدني، رفضت ذلك الحكومات العسكرية التي ترى ذلك تدخلاً في سيادتها ، وفرضت الإيكواس عقوبات اقتصادية وتجارية ضد هذه الدول بعد الانقلابات، مثل تعليق عضويتها وإغلاق الحدود معها.
وهذه العقوبات أثرت بشكل مباشر على اقتصادات الدول الثلاث وزادت من معاناة المواطنين، مما دفع الحكومات للبحث عن بدائل.وسرعان ما أعلنت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لصالح تحالف جديد لدول الساحل (AES).وهو كيان إقليمي جديد أعلنته مالي، النيجر، وبوركينا فاسو كبديل للتكتلات التقليدية، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء خاصة في مواجهة التحديات الإقليمية التي تواجه منطقة الساحل الإفريقي. حيث اتهمت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بالعمل تحت تأثير القوى الأجنبية، وخيانة المبادئ التأسيسية للتكامل وفرض عقوبات غير قانونيةعلى بلدانها بعد الانقلابات العسكرية[2].
فعلى سبيل المثال ، اتخذت الإيكواس خطوة غير مسبوقة بتجميد أصول دولة النيجر الموجودة في الدول الأعضاء مع منع المجلس العسكري من الدخول في معاملات مع المنظمات والمؤسسات التابعة للإيكواس. ونتيجة لذلك، وجدت النيجر نفسها غير قادرة عملياً على الانخراط في التجارة مع الدول المجاورة مثل بنين ونيجيريا، صاحبة أكبر اقتصاد في إفريقيا.
وأدى هذا الحصار إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية في النيجر، مما أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجهها واحدة من أفقر بلدان العالم[3].ولم تؤثر هذه العقوبات سلباً على التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا فحسب ، بل إنها عرّضت أيضاً عملية التكامل في المنطقة للخطر وأدت إلى نشوء أزمات إنسانية. ومع ذلك، فإن ما يسمى بـ “خروج الساحل” لا يعني رفعًا فوريًا للعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية وربما أدت هذه العقوبات إلى خلق ضائقة اقتصادية وقيود دبلوماسية للدول المنسحبة، مما دفعها إلى إعادة تقييم مشاركتها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وربما أثرت القيود والاضطرابات الناجمة عن العقوبات على تصورهم لفوائد البقاء في المجتمع الإقليمي، خاصة إذا اعتبرت التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية تفوق مزايا العضوية.
ثانيًا- التداعيات الاقتصادية المحتملة على الدول الثلاث:
احتمال تنامى الارهاب وتهديد الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى : يعتبر الإرهاب هو أحد القضايا الأكثر إلحاحًا في منطقة الساحل، حيث أنها بؤرة للأنشطة الإرهابية والأزمات الإنسانية. فعلى سبيل المثال، تُظهر البيانات الواردة من النظام الوطني للإنذار المبكر التابع لـ WANEP أنه في الفترة ما بين يناير وأغسطس 2024، تم تسجيل أكثر من 673 هجومًا مسلحًا في جميع أنحاء مالي وبوركينا فاسو والنيجر ، وذكر تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 أيضًا أن منطقة الساحل هي المنطقة الأكثر تأثراً، حيث تمثل 43% من وفيات الإرهاب العالمي، أي بزيادة 7% عن العام السابق. وأشار تقرير الارهاب العالمى لعام 2024 أيضًا إلى أن مركز الإرهاب قد انتقل من الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل الوسطى، والتي تمثل الآن أكثر من نصف إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب. وتفيد التقارير أن بوركينا فاسو عانت من أسوأ تأثير للإرهاب على مستوى العالم، مع زيادة الوفيات بنسبة 68% على الرغم من انخفاض الهجمات بنسبة 17%. وتشير كل هذه الإحصائيات إلى تدهور الوضع الأمني في دول المنطقة، وهو ما يصب فى غير صالح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بتلك الدول .[4]
قيود تجارية وعزلة اقتصادية : ليس هناك شك في أن بلدان الساحل مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر تعتمد على التجارة الإقليمية بشكل كبير ، وذلك لأن بلدان الساحل هي أقل تحضرا وتصنيعا بكثير من جيرانها. وتعتمد تجارة الماشية بين منطقة الساحل وخليج غينيا بشكل كبير على حرية الحركة بين دول غرب إفريقيا. ولا تمتلك بلدان الساحل صناعات أساسية متنوعة ، لذلك فإنها تستورد الكثير مما تستهلكه من أسواق غرب إفريقيا والأسواق العالمية، وخاصة من الصين. ولهذا يعتمدون على موانئ خليج غينيا. وبدون حرية الوصول إلى موانئ كوتونو، أو لومي، أو أبيدجان، أو تيما، ستكون واردات منطقة الساحل أكثر تكلفة بكثير، خاصة مع فقدانها لمزايا التجارة الحرة وازالة الجمارك التى يطبقها الايكواس. وقد تتوقف الدول الثلاث عن تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة للإيكواس، مما يؤدي إلى ظهور حواجز تجارية جديدة ، ويزيد من نفقات الاستيراد والتصدير، ويقلل من القدرة التنافسية في السوق لهذه الدول .
كما أن البلدان الساحلية بعيدة كل البعد عن تحقيق الاكتفاء الذاتي. فهم يستوردون كميات كبيرة من الغذاء من باقى الدول الأعضاء بالايكواس . ويستفيدون بشكل كبير من تجارة الاستيراد والتصدير مع البلدان غير الساحلية في منطقة الساحل. وبعضها، مثل بنين وتوجو، تحول إلى «اقتصادات تجارية»، وكثيراً ما يُعاد تصدير السلع المستوردة عبر موانئ كوتونو أو لومي بشكل غير قانوني إلى البلدان المجاورة، حيث يتم حظرها أو إخضاعها لضرائب باهظة[5].
وبالنسبة للبلدان غير الساحلية على وجه التحديد، تتفاقم هذه الآثار بسبب اعتمادها على طرق التجارة الفعالة والوصول إلى الأسواق الإقليمية. وبدون الدعم والبنية التحتية التي تقدمها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، قد تواجه دول الساحل غير الساحلية تحديات متزايدة في الوصول إلى الموانئ البحرية وممرات النقل والأسواق الدولية، مما قد يعيق نموها الاقتصادي وتنميتها.[6]
علاوة على ذلك، بما أن دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تمثل أكثر من 50% من واردات مالي، وأكثر من 21% من الواردات من بوركينا فاسو و13% من الواردات من النيجر، ومع ارتفاع تكاليف الانتاج فى تلك الدول الثلاث ، فإن الزيادة المؤكدة في الأسعار في أسواقها المحلية ستؤدي إلى ضغوط اجتماعية واقتصادية إضافية على اقتصاداتها الفقيرة بالفعل[7]. وفي حين تمثل اقتصادات الدول الثلاث 8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للإيكواس، فإن الانسحاب من الإيكواس قد يرقى إلى حكم الدول على نفسها بالعزلة الاقتصادية. [8] .
ومن الناحية الاقتصادية، يؤدي الانسحاب إلى تعطيل الترتيبات التجارية القائمة والشراكات الاقتصادية التي أقامتها الدول الأعضاء داخل الايكواس، وقد تؤثر هذه الاضطرابات على القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتصنيع وتجارة الموارد الطبيعية. وتعتمد البلدان غير الساحلية، على وجه الخصوص، بشكل كبير على طرق التجارة الفعالة والمفتوحة للوصول إلى الأسواق الدولية. وبدون إطار الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد يواجه تحالف دول الساحل تحديات في الحفاظ على المزايا التجارية والاقتصادية التي كان يتمتع بها في السابق داخل المجتمع الإقليمي. علاوة على ذلك، فإن قدرتها على الاستفادة من البنية التحتية الإقليمية وشبكات النقل لحركة البضائع يمكن أن تتعرض للخطر، مما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف والعقبات اللوجستية[9].
تحديات متعلقة بالعلاقات الاقتصادية مع باقى الدول الأعضاء : تواجه مالي والنيجر وبوركينا فاسو غير الساحلية، والتي تفتقر إلى الوصول المباشر إلى البحر، تحديات في علاقاتها الاقتصادية المستقبلية. حيث يؤدي هذا إلى ارتفاع تكلفة النقل والتجارة بسبب المسافات الطويلة والاعتماد على بنية تحتية للنقل تمر عبر دول أخرى مثل موانئ السنغال وكوت ديفوار وغانا .فعلى سبيل المثال ، يثير قرار مالي والنيجر وبوركينا فاسو بالانسحاب من الايكواس المخاوف، خاصة بشأن الخسائر المحتملة في الفرص التجارية مع نيجيريا، أكبر اقتصاد في إفريقيا، والدول الأعضاء الأخرى في التكتل .فوفقًا لبيانات مركز التجارة الدولي، زادت واردات نيجيريا من النيجر لتصل إلى 4 مليون دولار أمريكي في عام 2022، ارتفاعًا من 25.7 مليون دولار أمريكي في عام 2021.
ومع ذلك، اختلف الاتجاه بالنسبة لمالي حيث انخفضت الواردات من أبوجا من 180 ألف دولار أمريكي إلى 06 وشهدت بوركينا فاسو تغيرًا ملحوظًا، حيث ارتفعت الواردات من نيجيريا إلى 40 ألف دولار أمريكي في عام 2022، مما يعكس زيادة ملحوظة بنسبة 566% من 6000 دولار أمريكي المعلن عنها في عام 2021.
وفيما يتعلق بالصادرات، وفي عام 2022، صدرت النيجر بضائع بقيمة 192.9 مليون دولار أمريكي إلى نيجيريا، بانخفاض طفيف عن 197.3 مليون دولار أمريكي المسجلة في العام السابق.من ناحية أخرى، شهدت مالي زيادة كبيرة في الصادرات إلى نيجيريا، حيث شهدت زيادة بنسبة 246٪ من 5.03 مليون دولار أمريكي إلى 17.4 مليون دولار أمريكي في عام 2021. وفي المقابل، واجهت بوركينا فاسو انخفاضًا كبيرًا في الصادرات إلى نيجيريا، حيث انخفضت الأرقام إلى 13.6 مليون دولار أمريكي. دولار أمريكي في عام 2022، مقارنة مع 40.2 المبلغ عنها سابقًا مليون دولار أمريكي[10].
ثالثًا– تحديات اقتصادية اقليمية على مستوى الايكواس :
التجارة البينية فى اطار الايكواس: يؤثر انسحاب الدول الثلاث يؤثر على تدفق السلع والخدمات عبر الحدود فمن المتوقع تراجع نسبى فى التجارة البينية للايكواس ، والتى سجلت نسبتها ما يتراوح بين 12% و15% من إجمالي التجارة الخارجية للمجموعة. ونحو25.7% من إجمالي التجارة الإقليمية في القارة.، خاصة أن هذه الدول تشكل ممرات رئيسية للتجارة بين الدول الساحلية والحبيسة في الإيكواس. وقد تفرض الدول الثلاث رسومًا إضافية أو قيودًا على عبور البضائع عبر أراضيها، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل وزيادة أسعار السلع.ففى الماضي، كان لإغلاق الحدود بين بلدان الساحل والبلدان الساحلية عواقب مدمرة على الاقتصاد الإقليمي وسبل عيش الملايين من المزارعين والرعاة وسكان المدن، الذين ربما يعتمدون على التجارة الإقليمية أكثر من أي مكان في العالم.
ولتعزيز هذه العلاقات التكاملية بين منطقة الساحل والخليج على وجه التحديد، تم إنشاء الايكواس في أبوجا منذ ما يقرب من 50 عامًا.ومن المرجح أن يكون للانسحاب من الايكواس عواقب وخيمة على الاقتصاد الإقليمي ككل. فنتيجة لإعادة فرض الحواجز الجمركية سوف تؤثر أيضاً على صادرات منطقة الساحل، والتي ينبغي أن تصبح أقل قدرة على المنافسة في السوق الإقليمية والعالمية.ومن المرجح أن تشهد التجارة غير الرسمية، التي تشكل بالفعل الشكل المهيمن للتبادل الاقتصادي في المنطقة، طفرة غير مسبوقة، وخاصة على طول الحدود بين النيجر ونيجيريا. ومن أبيدجان إلى لاغوس، ستتأثر هذه الشبكات التجارية التي تعتمد على المغتربين الراسخين بشكل خاص بالقيود التجارية وسياسات الهجرة.
التأثير على عملية استكمال مراحل التكامل اللاقتصادى : خروج الدول الثلاث يضعف صورة الإيكواس كمجموعة اقتصادية متماسكة خاصة بعد تسجيها أداء جيد من حيث مؤشر التكامل الاقليمى وخاصة الانتاجى ، مما يشير إلى إمكانية تحقيق تحسينات واسعة النطاق إذا تم توجيه الاستثمارات نحو القدرات الإنتاجية التكميلية. وقد يؤدي الانسحاب إلى تراجع الثقة في قدرتها على تحقيق باقى مراحل التكامل الاقتصادي، وقد يؤثر على استثمارات القطاع الخاص في المنطقة. فالعديد من مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية الإقليمية، قد تتوقف أو تتأثر سلبًا بسبب انسحاب الدول الثلاث، خاصة إذا كانت تربط بين الدول الأعضاء الحبيسة والساحلية [11].
قيود على حرية حركة العمالة والأشخاص: يسمح بروتوكول الإيكواس بشأن حرية حركة الأشخاص والإقامة والمؤسسات لمواطني الدول الأعضاء، بما في ذلك النيجر وبوركينا فاسو ومالي، بدخول الدول الأعضاء دون تأشيرة. ووفقًا لتقرير انفتاح التأشيرة الإفريقية لعام 2023، فإن 97% من طرق السفر من دولة إلى دولة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لا تتطلب تأشيرة للأفراد الإقليميين.
وسيكون الانسحاب من الايكواس وبروتوكولها الخاص بحرية الحركة عواقب على الملايين من سكان الساحل الذين يعيشون في المدن الساحلية أو يرغبون في الهجرة إليها..[12] كما أن دول مثل مالي والنيجر تعتمد على تصدير العمالة للدول المجاورة. انسحابها قد يصعب على عمالها الوصول إلى أسواق العمل الإقليمية وقد تتأثر العمالة المهاجرة في دول الساحل بارتفاع معدلات البطالة نتيجة فقدان فرص العمل الإقليمية.. وهو ما يؤثر على الأهداف التكاملية الأوسع وهو امكانية التنقل للأفارقة في جميع أنحاء قارتهم دون القيود الحالية أو متطلبات التأشيرة .
فقدان الموارد الطبيعية وضعف الاستثمارات الأجنبية : تعتبر النيجر ثاني أكبر منتج لليورانيوم في العالم، كمورد استراتيجي للطاقة، أما مالى فهى مصدر رئيسي للذهب. وبوركينا فاسوغنية بالمعادن، وخاصة الزنك والذهب. وانسحاب هذه الدول يحرم الإيكواس من المشاركة في الاستفادة من هذه الموارد عبر المشاريع المشتركة البينية ، ما قد يجعل الايكواس أقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية، حيث تعتمد العديد من الشركات على استقرار الإيكواس كضامن للاستثمارات.
انتكاسات بشأن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية: يشكل الانسحاب المعلن تحديًا كبيرًا لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، حيث تشكل التكتلات الاقتصادية الإقليمية الركائز الأساسية لهذه المنطقة ، ومن المرجح أن يؤدي تقلص الايكواس إلى إضعاف ركائزها. كما إن الابتكارات الجديرة بالثناء مثل العملة البيئية المقترحة، وهي عملة مركزية للمنطقة، ونظام الدفع والتسوية الأفريقي (PAPSS)، وهو نظام الدفع والتسوية المركزي للتجارة بين البلدان الإفريقية في السلع والخدمات، سوف تتأثر بهذا القرار. يضاف الى ذلك أن التقدم المحرز في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية فيما يتعلق بالتجارة وحركة الأشخاص سوف يتباطأ بسبب انسحاب الدول الثلاث.[13]
كما إن تفكك تحالف دول الساحل داخل الايكواس له آثار كبيرة على مشاركتها في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) ويمكن أن يؤثر على استراتيجياتها الاقتصادية بعدة طرق. أولاً، يؤدي الانسحاب إلى تغيير ديناميكيات التجارة وإمكانية الوصول إلى الأسواق لدول الساحل ضمن السياق الأفريقي الأوسع. كما إن غياب الإطار التجاري والوصول التفضيلي إلى سوق الايكواس يمكن أن يستلزم إعادة تقييم استراتيجياتها التجارية. وقد يتضمن ذلك تكييف السياسات واللوائح التجارية لتتماشى مع إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والمشاركة في مناقشات تجارية ثنائية مع الدول الأعضاء الأخرى في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتأمين ترتيبات تجارية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العضوية الفردية (نظرًا لأنها لم تعد ضمن منظمة اقتصادية إقليمية معترف بها) في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن تقدم فرصًا وتحديات للأجندات الاقتصادية لدول الساحل.
فمن ناحية، يسمح للدول بإقامة علاقات تجارية مباشرة مع أعضاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية الآخرين، مما قد يسمح لهم بالوصول إلى أسواق جديدة وتنويع شراكاتهم التجارية خارج المجال الإقليمي. وعلى العكس من ذلك، فإن غياب كتلة إقليمية موحدة مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قد يؤدي إلى مزيد من المنافسة والحاجة إلى زيادة المفاوضات التجارية والمواءمة التنظيمية، الأمر الذي قد يشكل تحديات أمام البلدان ذات الاقتصادات الأصغر حجماً والموارد المحدودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العضوية الفردية (نظرًا لأنها لم تعد ضمن منظمة اقتصادية إقليمية معترف بها) في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن تقدم فرصًا وتحديات للأجندات الاقتصادية لدول الساحل. فمن ناحية، يسمح للدول بإقامة علاقات تجارية مباشرة مع أعضاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية الآخرين، مما قد يسمح لهم بالوصول إلى أسواق جديدة وتنويع شراكاتهم التجارية خارج المجال الإقليمي. وعلى العكس من ذلك، فإن غياب كتلة إقليمية موحدة مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قد يؤدي إلى مزيد من المنافسة والحاجة إلى زيادة المفاوضات التجارية والمواءمة التنظيمية، الأمر الذي قد يشكل تحديات أمام البلدان ذات الاقتصادات الأصغر حجماً والموارد المحدودة. علاوة على ذلك، فإن مشاركة دول الساحل في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية كدول أعضاء فردية قد تتطلب إعادة توجيه استراتيجيات التنمية الاقتصادية الخاصة بها. وقد تدفع الحاجة إلى التوافق مع أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وإطارها التنظيمي هذه البلدان إلى إعادة التركيز على القطاعات ذات الميزة النسبية، وتعزيز قدراتها الصناعية وقدراتها التصنيعية، وإعطاء الأولوية لتيسير التجارة وتطوير البنية التحتية لتعظيم فوائد عضويتها[14].
خاتمة:
يمثل انسحاب تحالف دول الساحل مؤخرًا من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي الإقليمي لغرب إفريقيا. وفي الواقع، فإن هذا التفكك داخل الايكواس يحمل تداعيات مهمة على استراتيجياتها التجارية وتنميتها الاقتصادية. وقد يتطلب التحول إعادة تشكيل الاتفاقيات التجارية، وإعادة تقييم الوصول إلى الأسواق، وإعادة معايرة السياسات الاقتصادية لتحسين الفرص التي تتيحها المشاركة في منطقة التجارة الحرة القارية؛ وبالتالي، قد تحتاج دول الساحل إلى تصميم جداول أعمالها الاقتصادية للتنقل بشكل فعال في المشهد التجاري الجديد داخل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والاستفادة من الفوائد المحتملة للعضوية الفردية في هذه المبادرة التجارية لعموم إفريقيا.
وبشكل عام، تشير الديناميكيات الحالية والآفاق المستقبلية لتحالف دول الساحل إلى مشهد معقد من الاعتبارات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية في التكامل الإقليمي. وستتطلب معالجة هذه التعقيدات مشاركة استباقية مع الشركاء الإقليميين والدوليين للتخفيف من تأثير الانسحاب الأخير، وتحديد مسارات التعاون الاقتصادي، وتعزيز المبادرات الاستراتيجية التي تتماشى مع الأهداف الإنمائية طويلة المدى للتحالف. وبينما تتغلب دول الساحل على هذه التحديات، سيكون التعاون الاستراتيجي والتفاهم الدبلوماسي والالتزام بالتكامل الإقليمي أمرًا محوريًا في تشكيل مستقبل مساعيها التعاونية ضمن السياق الأفريقي.
………………………………….
([1]) International Institute for Strategic Studies (IISS), ” The withdrawal of three West African states from ECOWAS” , June 2024, available at https://www.iiss.org/publications/strategic-comments/2024/06/the-withdrawal-of-three-west-african-states-from-ecowas/
([2]) Gerald Acho , “ECOWAS after the ‘Triple Withdrawal’ and the creation of the Alliance of Sahel States ” , The Global Governance Institute. , 7October 2024,available at:
https://www.globalgovernance.eu/publications/ecowas-after-the-triple-withdrawal-and-the-creation-of-the-alliance-of-sahel-states-challenges-and-ways-ahead-for-regional-security-governance
([3]) Hasina Nokoina Esperance , “ECOWAS : Exit Of 3 Countries Reduces Trade Opportunities” , January 30, 2024, available at:
https://www.capmad.com/financial-en/ecowas-exit-of-3-countries-reduces-trade-opportunities/
([4]) West Africa Network for Peacebuilding (WANEP) , “Security and Economic Implications of the Exit of the AES Countries from ECOWAS ” , October 30, 2024, available at:
([5]) Olivier Walther. , “Leaving ECOWAS Will Have Catastrophic Consequences for the Sahel” , University of Florida , 2/2/2024, available at:
https://anl.geog.ufl.edu/ecowas/
([6]) Tanatsiwa Dambuza , “Disintegrating ECOWAS in the Integrating Africa” , February 2, 2024, available at:
https://www.linkedin.com/pulse/disintegrating-ecowas-integrating-africa-tanatsiwa-dambuza-msc-pu2xf/
([7])West Africa Network for Peacebuilding (WANEP) , Op.cit.
([8]) EtkGroup ,”Impact of Niger, Mali, and Burkina Faso’s withdrawal from ECOWAS on trade in Africa” , 4th February, 2024, available at:
https://www.etkgroup.co.uk/niger-mali-and-burkina-fasos-withdrawal-from-ecowas-on-trade-in-africa/
([9])Tanatsiwa Dambuza ,Op.cit.
([10]) Hasina Nokoina Esperance , Op.cit.
([11]) Africa Regional Integration Index , “ECOWAS: Economic Community of West African States” , 2024 , available at:
https://www.integrate-africa.org/rankings/regional-economic-communities/ecowas/
([12]) Olivier Walther. ,Op.cit.
([13]) Kingsley Ighobor , “ECOWAS at 49: Successes in regional integration, despite emerging challenges“, 10 July 2024 , available at:
https://www.un.org/africarenewal/magazine/june-2024/ecowas-49-successes-regional-integration-despite-emerging-challenges
([14]) Tanatsiwa Dambuza , Op.cit.
And :
- Matthew Edds-Reitman; Rachel Yeboah Boakye , “Sahel Coup Regime’s Split from ECOWAS Risks Instability in Coastal West Africa” , The United States Institute of Peace , October 24, 2024, available at:
https://www.usip.org/publications/2024/10/sahel-coup-regimes-split-ecowas-risks-instability-coastal-west-africa