روضة علي عبد الغفار
صحفية متخصصة في الشأن الإفريقي
في شهر مايو الماضي واجَه الرئيس الكيني وليام روتو انتقادات شديدة بالمحسوبية العِرْقية في التعيينات الرئيسية في الدولة، واعتبرت المعارضة أن روتو يكافئ الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة بهذه التعيينات.
ورغم أن الدستور الكيني ينص على التنوُّع العرقي والمساواة في تعيين بالمناصب الحكومية لتعزيز استقرار البلاد؛ خرج نائب الرئيس حينها “غاتشاجوا” يدافع عن الرئيس قائلًا: “إن روتو لن يُعيِّن إلا أولئك الذين دعموا رئاسته”.([1])
وتمر الأيام، ويتخلى روتو عن نائبه الذي دعمه وحقَّق له الفوز في الانتخابات، في سابقة غريبة وُصِفت بأنها سياسية، فما حقيقة الأزمة بين الرئيس الكيني ونائبه؟ ولماذا تخلَّى روتو عن نائبه المخلص؟ وما تأثير هذه الأزمة على الشارع الكيني؟ هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق.
ليست المرة الأولى!
في 8 أكتوبر 2024م صوَّت أعضاء الجمعية الوطنية الكينية على عزل نائب الرئيس الكيني “غاشاجوا” بتهمة الفساد والعصيان وإثارة الانقسامات العرقية، وانتقلت القضية إلى مجلس الشيوخ الذي صوَّت أيضًا على العزل في 17 أكتوبر، وكان هذا رغم عجز النائب “غاشاجوا” عن الإدلاء بشهادته بسبب دخوله المستشفى لشعوره بآلام شديدة في الصدر.
ورغم أن إقالة نائب الرئيس الكيني “غاتشاجوا” هي جزء من تاريخ طويل من الخلافات بين الرؤساء ونوابهم في كينيا منذ الاستقلال؛ إلا أن الفارق هذه المرة يكمن في عملية العزل، فبعد اعتماد دستور عام 2010م تم إقرار إمكانية عزل -الرئيس ونائبه- بإدارة المجلس التشريعي، وفي حالة “غاتشاجوا” فهي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق العزل عن طريق المجلس التشريعي.
وبالبحث في أسباب هذه الخلافات بين الرؤساء ونوّابهم، والتي في ضوئها نتعرَّف على حقيقة الخلاف الأخير بين روتو وغاتشاجوا، يرجع الأمر في البداية إلى الطريقة التي يتم بها اختيار النواب، التي تكون على أُسُس عملية إلى حدّ كبير باعتبارهم أشخاصًا يُقدِّمون شيئًا للتحالف السياسي، مثل قاعدة دعم قوية أو سُمعة طيبة؛ لكونهم خبراء أو إداريين متميزين.
لكنهم غالبًا ليسوا أشخاصًا تربطهم علاقة شخصية قوية ومستمرة بالرئيس، أو يشتركون معه في أيديولوجية سياسية واضحة، كما أنهم ليسوا أشخاصًا شقُّوا طريقهم عبر حزب سياسي. وقد أدَّى هذا إلى تاريخ طويل من التوترات والخلافات بين رؤساء كينيا ونوابهم.
حيث شهد نائب الرئيس الأول لكينيا المستقلة، أوجينجا أودينجا، تقليصًا تدريجيًّا في حقيبته الوزارية مِن قِبَل الرئيس جومو كينياتا، مما أدَّى إلى تقويض سلطاته، وبعد فترة وجيزة انضم أودينجا إلى حزب اتحاد الشعب الكيني المعارض.
ثم استقال خليفته جوزيف مورومبي بعد أشهر، وكان السبب الرسمي وراء استقالته هو سوء حالته الصحية، ولكن من المعتقد أن مورومبي كان يعاني من الاستبداد داخل نظام كينياتا.
وأتى الرئيس الكيني الثاني دانييل أراب موي، الذي عيَّن مواي كيباكي نائبًا أول له، ثم استبعده بعد عقد من الزمن، وخلفه النائب الثاني، جوزيف كارانجا، الذي استقال بعد عام واحد لتجنُّب التصويت بسحب الثقة منه بسبب اتهامات بالتخطيط للإطاحة بالحكومة، والنائب الثالث لموي، جورج سايتوتي، تم تهميشه أيضًا.
بينما الرئيس الثالث لكينيا، مواي كيباكي، تُوفِّي نائبه الأول، مايكل وامالوا، بعد بضعة أشهر من توليه المنصب، وخسر نائبه الثاني مودي أوري مقعده في انتخابات عام 2007م، ثم كالونزو موسيوكا، النائب الثالث لكيباكي، تم تعيينه أثناء أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات في كينيا في عامي 2007 و2008م، وغادر منصبه في عام 2013م.
وكان الرئيس الكيني الرابع، أوهورو كينياتا، هو الزعيم الوحيد الذي كان له نفس النائب ويليام روتو طوال فترة ولايته، ومع ذلك لم تكن العلاقات بين كينياتا وروتو جيدة، فقد ساءت العلاقة بينهما بعد انتخابات عام 2017م عندما تعاون كينياتا مع زعيم المعارضة القديم رايلا أودينجا، وتغلب روتو بعدها على أودينجا في انتخابات عام 2022م ليصبح رئيس كينيا الحالي.
بين روتو ونائبه:
من الواضح أن الخلافات بين روتو وغاتشاجوا بدأت بعد انتخابات عام 2022م، لكنها ظهرت بشكل واضح أثناء الاحتجاجات المناهضة للضرائب في يونيو 2024م؛ حيث ترددت أنباء أن غاتشاجوا وبعض حلفائه ساعدوا في تمويل هذه الاحتجاجات.
وبالنظر إلى السياق التاريخي في كينيا؛ فإن الشخص الذي كان نائبًا جيدًا في وقتٍ ما، قد يُنظَر إليه مع تغير السياق السياسي على أنه يُشكِّل عبئًا أو تهديدًا؛ حيث كان غاتشاجوا مفيدًا لروتو عام 2022م؛ لأن لديه ثروة شخصية، وينحدر من منطقة جبل كينيا الحاسمة من حيث أصوات الناخبين، ومع ذلك بمجرد انتخابه أصبحت تصريحات غاتشاجوا الشعبوية وسُمْعته بالتحيُّز العرقي تُمثِّل عبئًا لـ روتو.
كما أن منصب نائب الرئيس يعني الكثير من الامتيازات، وقد أدَّى ذلك إلى اعتباره تهديدًا متزايدًا أو مؤامرة نشطة ضد الرئيس، وقد يُنظَر إليه باعتباره منافسًا في المستقبل، بينما يرى البعض أن روتو يرغب في تشتيت انتباه الرأي العام، وإظهار أن الحكومة تتَّخذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة في كينيا.
في هذا الصدد يُوضِّح لنا الأكاديمي المتخصص في السياسة الخارجية بجامعة جوهانسبيرج د. ويستن شيلاهو، أن روتو قرر التخلّي عن نائبه؛ لأنه أصبح عنصرًا للتفرقة في الحكومة، بسبب سياسته القائمة على العِرْق؛ حيث إن السياسة في كينيا قائمة على المحاصصة العرقية بمعنى أن عرقية غاتشاجوا طالما صوَّتت لروتو فلها مزيد من الخدمات والامتيازات، وعلى هذا الأساس تنتظر كل عِرْقية نصيبها بناءً على تصويتها.
وأردف شيلاهو في حديثه لـ“قراءات إفريقية” أن روتو يطمح للحصول على فترة رئاسية ثانية، وهذا يتطلب منه إقامة تحالفات جديدة؛ لأن عرقية غاتشاجوا لن تُصوِّت له في الانتخابات القادمة لعدة أسباب؛ أهمها أن عرقية النائب المعزول ترى أنها كانت السبب في نجاح روتو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنَّها لم تحصل على المقابل في التعيينات الحكومية؛ لهذا سخطت عليه.
والسبب الثاني بحسب شيلاهو أن الكينيين بشكل عام مُحبَطين من الرئيس روتو؛ لأنه لم يُحقِّق وعوده الانتخابية بتمكين الشباب والاهتمام بقضايا المرأة والقضاء على الفساد.
نائب جديد.. ماذا يعني للكينيين؟
بعد هذا الصراع بين روتو ونائبه السابق تم تعيين كيثير كينديكي نائبًا جديدًا للرئيس، في الأول من شهر نوفمبر الماضي، ويتجدَّد معه أمل التغيير الذي يريده الكينيون؛ حيث يتولى منصبه في وقتٍ يكافح فيه روتو لطرح مشاريع رئيسية تخص الرعاية الصحية الشاملة والإسكان بعد الرفض العام لزيادة الضرائب لتمويل هذه المشاريع.
يرى د. ويستن شيلاهو أن اختيار النائب الجديد هو اختيار سياسي لإظهار أن حكومة روتو هي حكومة لجميع الكينيين؛ لأن عرقية كينديكي ليست كبيرة مثل سابقه، ولا يمتلك ذات النفوذ السياسي، وبالتالي فالنائب الجديد ضعيف، ولا يُمثِّل تهديدًا للرئيس.
وأردف أن تغيير نائب الرئيس في كينيا أمر متوقع؛ لأن التحالفات بين الرئيس ونائبه غالبًا ما تتم بناءً على العرقيات، لهذا غالبًا ما تفشل بعد ذلك.
في حين يرى البعض أن الكينيين لا يجب أن تكون لديهم توقعات كبيرة بشأن كينديكي؛ لأن نائب الرئيس ليس له وظائف واضحة منصوص عليها في الدستور، ومن المرجَّح أن يُعيد روتو تكليف كينديكي بنفس المسؤوليات التي عهد بها إلى غاتشاغوا سابقًا.([2])
في حواره مع “قراءات إفريقية”، يقول الباحث في الشؤون الإفريقية، شمسان التميمي: إن الأزمة السياسية الأخيرة في كينيا سلَّطت الضوء على التوترات الكبيرة داخل حكومة الرئيس ويليام روتو، وقد أثار هذا الحدث جدلاً واسعًا حول الاستقرار السياسي في البلاد. قائلًا: “رغم أن هذه الأزمة تثبت قوة المؤسسات الديمقراطية في كينيا، إلا أنها تؤكد أيضًا على هشاشة التحالفات السياسية التي تشكَّلت على أُسُس برجماتية وليست أيديولوجية”.
وأردف أن رد الفعل العام في كينيا على عزل غاشاجوا كان شديد الاستقطاب، مما يعكس الانقسامات السياسية العميقة داخل البلاد، ففي أعقاب عملية الإقالة اندلعت احتجاجات في مختلف المناطق، وخاصةً بين أنصار غاتشاجوا من منطقة جبل كينيا.
وعليه يرى “التميمي” أن عزل غاتشاجوا قد يؤدي إلى انقسام كبير في دعم روتو في منطقة جبل كينيا؛ حيث كان النائب المعزول يتمتع بنفوذ كبير، وكان له دور حاسم في تأمين الأصوات خلال انتخابات 2022م.
ويتوقع “التميمي” أن يتجمع أنصار النائب المعزول حول شخصيات سياسية بديلة أو حتى أحزاب معارضة؛ لأن المشهد السياسي في كينيا يتأثر بالانتماءات والتحالفات العرقية، وأضاف أن تعيين كينديكي نائبًا جديدًا للرئيس قد لا يُخفِّف من حالة الإحباط لدى أنصار غاتشاجوا؛ لأنه ينتمي إلى خلفية عرقية مختلفة.
وختامًا.. تبقى السياسة حائلًا كبيرًا بين آمال الشعوب وعائقًا لتغيير أوضاعهم المعيشية، فهنا أناسٌ قد أنهكتم متطلبات الحياة، والبحث عن ما يوفر لهم أساسيات العيش، وهناك يُخطّط الساسة بما يرونه لاستمرار سياستهم كما يريدون، فهل يتضح أن روتو عند وعوده التي وعد بها الكينيين حقًّا؟ أم أن أروقة قصور السياسة لها صوت آخر يختلف عما قبلها؟ هذا ما ستوضحه الأيام القادمة.
………………………………………………
[1] –Kenya: Deputy President Gachagua declares only Ruto faithful will be appointed – The Africa Report.com
[2] Kenya: ‘Lonely’ Ruto seeks stronger relationship, loyalty from his new deputy Kindiki – The Africa Report.com