حسن محمد حاج
مقديشو- الصومال
في تحوُّل بارز على الساحة السياسية لصوماليلاند، أُعلن عن فوز عبد الرحمن محمد عبد الله “عيرو”، زعيم حزب وطني، في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم 13 نوفمبر 2024م، وسط أجواء ديمقراطية ومشاركة أكثر من مليون ناخب موزعين على آلاف من مراكز الاقتراع.
وقد تنافس في الانتخابات ثلاثة مرشحين رئيسيين: الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي من حزب “كلمية” الحاكم، وعبد الرحمن عبد الله عيرو من حزب وطني، وفيصل علي ورابي من حزب أوعيد.
وأظهرت النتائج المعلنة يوم 19 نوفمبر 2024 فوز عبد الرحمن عيرو، مرشح حزب وطني، بعد تحقيقه أغلبية الأصوات، متغلبًا على الرئيس موسى بيحي عبدي بفارق واضح، 64% مقابل 34%؛ مما يمثل تحولًا سياسيًّا مهمًّا في الإقليم.
تحولً النهج السياسي لصوماليلاند:
وكان التغيير السياسي متوقعًا إلى حدّ ما بسبب تصاعد الاستياء الشعبي من أداء الإدارة السابقة، التي واجهت انتقادات واسعة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية، وعدم تحقيق الاعتراف الدولي للإقليم رغم وعودها السابقة.
الانتخابات أُجريت بالتزامن مع تصويت حزبي لتحديد الجمعيات السياسية الثلاث التي ستُصبح الأحزاب المعترف بها رسميًّا لمدة عشر سنوات. هذه العملية تُمثّل جانبًا مهمًّا من نظام صوماليلاند الديمقراطي الفريد، والذي يُعتَبر نموذجًا للاستقرار في المنطقة رغم تحدياته السياسية والأمنية. الانتخابات كانت محطة ديمقراطية حاسمة في تاريخ المنطقة؛ حيث شهدت مشاركة كبيرة من الناخبين وسط أجواء سياسية ساخنة.
وكانت حملة عبد الرحمن عيرو الانتخابية قد ركَّزت على رؤيته لإعادة توحيد المناطق المتنازع عليها، خاصة في الشرق، وتحقيق إصلاحات اقتصادية جذرية. وأكد على التزامه بتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على تحويلات الشتات، الأمر الذي يعكس إدراكًا للحاجة إلى بناء اقتصاد مستدام ومتين، لا يتأثَّر بالتغيرات الخارجية.
كما شدد على أهمية الحوار بين القبائل المختلفة؛ لضمان التماسك الداخلي، في منطقة شهدت –تاريخيًّا- انقسامات حادة. كما وعد بتطوير البنية التحتية، وكذلك التزم بتقوية شبكات التعليم والرعاية الصحية، مع التركيز على إدارة الموارد الطبيعية بمسؤولية.
فهذا الفوز لم يكن فقط تغييرًا في القيادة، بل أيضًا تحولًا في النهج السياسي لصوماليلاند؛ حيث قد يعكس رغبة المواطنين في رؤية سياسات أكثر شمولية واستقرارًا.
انعكاسات كبيرة على الصعيد الإقليمي والدولي:
والواقع أن فوز عبد الرحمن عيرو في الانتخابات الرئاسية بصوماليلاند لا يمكن النظر إليه بمعزل عن المشهد السياسي والإقليمي الأوسع.
فالإقليم ليس بمنأى عن التحديات الإقليمية؛ فالتوترات مع إثيوبيا والصومال تُلْقِي بظلالها على أيّ قيادة جديدة.
فإدارة العلاقة مع إثيوبيا، التي تحاول توسيع نفوذها الاقتصادي عبر صوماليلاند، ستكون اختبارًا لقيادة عيرو. كما أن مقديشو تراقب التحولات في الإقليم بحذر؛ حيث ترى فيه جزءًا من أراضيها الوطنية.
فمنذ إعلان استقلال صوماليلاند عن الصومال عام 1991م، عاشت المنطقة تحديات كبرى، بما في ذلك الصراعات القَبَلية، والضغوط الاقتصادية، والتوترات مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو. ومع ذلك، تميزت صوماليلاند بتجربتها الديمقراطية المتنامية التي تجسَّدت في الانتخابات الأخيرة.
فعلى الصعيد الإقليمي، تحمل نتائج هذه الانتخابات انعكاسات كبيرة؛ فالعلاقة مع إثيوبيا كانت محور جدل سياسي خلال فترة موسى بيحي؛ حيث أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين توترات مع مقديشو التي ترفض استقلال صوماليلاند.
ويتوقع أن يحاول “عيرو” اتباع سياسة أكثر حذرًا مع إثيوبيا، مع التركيز على حماية مصالح صوماليلاند، وإعادة بناء العلاقات مع جيرانها.
من ناحية أخرى، قد تؤدي هذه التغيرات إلى إعادة تقييم موقف المجتمع الدولي تجاه صوماليلاند، خاصةً في ظل استمرار مطالبها بالاعتراف الرسمي بها كدولة مستقلة.
ويُواجه المجتمع الدولي معضلة الاعتراف بصوماليلاند كدولة مستقلة، وهو ما قد يتأثر بمدى نجاح الإدارة الجديدة في تحقيق الاستقرار وتعزيز التنمية.
تحديات كبيرة تنتظر الرئيس الجديد:
ولا شك أن تحديات كبيرة تنتظر الرئيس الجديد، بدءًا من معالجة الانقسامات القبلية الداخلية، ومرورًا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وصولاً إلى صياغة سياسة خارجية تضمن مصالح صوماليلاند في سياق إقليمي مضطرب.
فهذا الفوز يُعتَبر فرصة لصوماليلاند لإعادة صياغة مستقبلها، لكنَّ تحقيق النجاح يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على تحقيق وعودها الانتخابية وإدارة التوقعات الشعبية بحكمة.
ومن المؤكد أن القيادة الحكيمة والتوازن بين المصالح المحلية والإقليمية سيكونان المفتاح لتحويل هذا الفوز إلى إنجاز حقيقي يُعزّز مكانة صوماليلاند على الساحة الدولية.