الأفكار العامة:
- قلق الطبقة السياسية في غينيا على خلفية اتخاذ المجلس العسكري الحاكم قرارًا بحل نحو خمسين حزبًا سياسيًّا وتعليق نشاط عشرات الأحزاب الأخرى؛ لعدم استيفاء المعايير المطلوبة وفقدان الصلاحية.
- انتقاد قادة المعارضة لنتائج التقييم، التي أدت إلى إلغاء بعض الأحزاب وتعليق نشاط أحزاب أخرى، ووصف الخطوة بالقمع السياسي وتكميم أفواه الأحزاب السياسية.
- تبرير النظام خطوته بالرغبة في تنظيف البيئة السياسية من خلال تسوية أوضاع الأحزاب السياسية ووضع حد لظاهرة الأحزاب الوهمية.
- السماح للأحزاب الملغاة بالطعن على القرار، وأمام الأحزاب التي تم تعليق أنشطتها مهلة 3 أشهر لإعادة ترتيب أوراقها.
- استفتاء عام حول الدستور قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2025م.
بقلم: إيزيدور كوونو وبوبكر ديالو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
اشتد غضب الطبقة السياسية في غينيا بسبب قرار المجلس العسكري الحاكم الذي نصَّ على حلّ نحو خمسين حزبًا سياسيًّا، وتعليق نشاط عشرات الأحزاب الأخرى، ووضعها تحت المراقبة. جاء ذلك القرار بعد تقرير تقييمي صادر عن وزارة الإدارة الإقليمية واللامركزية.
وقد أثارت هذه القرارات غضب قادة المعارضة بشكل خاص؛ حيث انتقدت نتائج التقييم، ووصفتها بمحاولة تكميم أفواه الأحزاب السياسية، ومنعها من العمل بشكل صحيح في غينيا.
وقال حسين ماكانيرا كاكي، رئيس الجبهة الوطنية للتنمية لبي بي سي أفريك: “إن هذه طريقة لإبعاد الأحزاب السياسية عن العمل السياسي؛ لأننا نعتقد أنه كان يتعيَّن علينا عقد الحوار وتقرير الصواب بناء على أساس ميثاق الأحزاب السياسية”؛ على حد تعبيره.
ويرى أنه لا مجال لفرض الأمر الواقع على قادة الأحزاب السياسية، ولا أن تقوم السلطات الغينية “بإجراء تقييم بحسب رغبتها”، مضيفًا “وهذا في اعتقادنا ليس أمرًا طبيعيًّا”.
ووفقًا للمديرية الوطنية للشؤون السياسية والإدارة الانتخابية -وهي فرع وزارة الإدارة الإقليمية التي أجرت التقييم-؛ فإن النتائج المنشورة تتوافق مع القوانين التي تحكم الأحزاب السياسية في جمهورية غينيا.
وهنا تُثار عدة أسئلة، من أهمها: ما الدافع وراء هذا التقييم؟ وما تداعياته المحتملة على المشهد السياسي في البلاد؟
الأسباب الكامنة وراء هذا التقييم:
يشير النظام العسكري الحاكم في البلاد إلى أنه يرغب في تنظيف البيئة السياسية؛ من خلال تسوية أوضاع الأحزاب السياسية. وقد لاحظت السلطات العسكرية أن العديد من الأحزاب السياسية ليس لها وجود فِعْلي غير المسميات فحسب.
وقد صرح إبراهيم خليل كوندي، وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية، عند تقديمه لنتائج هذا التقييم، بأن “هذه الإجراءات ستكون من الآن فصاعدًا عملية منتظمة؛ بحيث يتمكن كل حزب سياسي من أن يكون جمعية ذات هدف سياسي، وليس عملاً شخصيًّا، يكون فيه الزعيم هو الرئيس الذي يُجنّد ويدفع المساهمات ويعاقب على مزاجه”.
وأشار رافيو سو، رئيس حزب التجديد والتقدم، إلى أنه منذ اعتماد القانون الأساسي في عهد الرئيس لانسانا كونتي في عام 1990م، وإنشاء الأحزاب السياسية في عام 1992م، كانت هناك دائمًا مشكلات في عمل التنظيمات السياسية في غينيا.
لكنّ “التصريح بذلك يستدعي الشجاعة. صحيح أنه لا يوجد عمل بشري مثالي؛ لكنهم قاموا بعمل جيد”، مضيفًا “أرادت السلطات المكلفة بالنشاطات السياسية والعملية الانتخابية، من خلال هذا العمل، تطهير الساحة السياسية وضمان احترام الأحزاب السياسية من الآن فصاعدًا لبنود قانون العضوية المتعلق بميثاق الأحزاب السياسية”؛ وفقاً للوثيقة التي تضمنت حوالي 900 صفحة، والتي تم تقديمها للغينيين.
كيف تم تقييم الأحزاب السياسية؟
وقد ركزّ تقييم الأحزاب السياسية بشكل أساسي على أدائها الإداري. فمن بين 174 حزبًا، لم يكن أيّ منها في حالة امتثال كامل. وقد أدَّى ذلك إلى حلّ نحو خمسين حزبًا، وتعليق عمل خمسين حزبًا أخرى؛ لعدم صلاحية موافقتها، أو عدم وجود حساب مصرفي، أو وجود إدارة غير شفافة. وكذا تم وضع أحزاب أخرى تحت المراقبة.
وقال كابينيه فوفانا، المحلل السياسي الغيني، لبي بي سي أفريك: “عند الاطلاع على التقرير، تدرك أنه تم استخدام عدد من المعايير لتعليق عمل بعض الأحزاب السياسية أو حلِّ أحزاب أخرى، بما في ذلك ما إذا كانت مرخصَّة أم لا، وما إذا كانت قد شاركت في الانتخابات أم لا، وما إذا كانت معترفًا بها قانونيًّا أم لا، وما إذا كانت تمتلك مقرًّا أم لا”.
وأضاف “أعتقد أنك عندما تقرأ التقرير، تدرك أن هناك أحزابًا سياسية لم يكن لها تمثيل وطني منذ عام 1991م؛ فهي غير نَشِطة على الإطلاق؛ لأن مَكاتبها لم تَعُد موجودة، وحتى التراخيص التي بحوزة البعض لم تَعُد موجودة في بعض الحالات”.
لكنّ الأحزاب السياسية التي تم تعليق أنشطتها أو وضعها تحت المراقبة أمامها مهلة تصل إلى ثلاثة أشهر لتسوية أوضاعها. وتتعلق هذه الملاحظة أيضًا بالأحزاب الرئيسية؛ مثل الاتحاد من أجل الجمهورية، والتجمع من أجل الجمهورية، والاتحاد من أجل الجمهورية التي اتُّهمت بعدم تقديم ما يُثبت دَفْع مستحقاتها، وعدم عقد مؤتمراتها، وغيرها من المخالفات.
ومع ذلك، يمكن لهذه الأحزاب مواصلة أنشطتها، ولكن يجب عليها أولاً أن تمتثل للقواعد خلال فترة الثلاثة أشهر التي حددتها وزارة الإدارة الإقليمية واللامركزية.
إعادة رسم خريطة المشهد السياسي في غينيا:
في حين يرى بعض القادة السياسيين، خاصة من المعارضة، أن هذه القرارات تساعد على الحد من أنشطة الأحزاب السياسية، وإعاقة عملها بشكل سليم. كما يرى محللون أنها وسيلة لامتلاك البلاد لقائمة أحزاب خاصة بها، وهو ما يمكن أن يعطي ديناميكية جديدة للمجال السياسي.
قال كابينيه فوفانا: “كما تعلمون، يُنظِّم أنشطة الأحزاب السياسية ميثاق الأحزاب السياسية، ويحدِّد، إلى حد ما، شروط تشكيل الأحزاب السياسية أو تعليقها أو حتى حلّها”. لكنَّه أقرَّ بأنه كان بإمكان النظام العسكري أن يتَّبع نهجًا أكثر تثقيفًا حتى “لا ترى الأحزاب في ذلك نوعًا من المطاردة”.
في السياق الغيني، الذي يتَّسم بالتوترات المستمرة، لا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات المقررة مبدئيًّا في عام 2025م، يقترح المحلل السياسي أن تُعيد الأحزاب المنحلَّة تشكيل نفسها بأقصى قَدْر من الاحترام للقواعد، وأن تجد الأحزاب الخاضعة للمراقبة حلولًا سريعة لأوضاعها.
“أعتقد أن كل هذا يجب أن يتم بطريقة بنَّاءة ولا يُنظَر إليه على الإطلاق على أنه وسيلة للقضاء على الأحزاب السياسية أو إخمادها. نحن نعلم أن الانتخابات على الأبواب، لذلك من المفهوم أن نرغب في تنظيف قائمة الأحزاب السياسية إلى حدّ ما”، بحسب المحلل السياسي كابينيت فوفانا ، مع إصراره على أن يسبق تلك القرارات التثقيف بها.
في غينيا، لطالما دعت بعض الأحزاب إلى تنظيف المشهد السياسي. ومن شأن حلّ الأحزاب الخمسين أو ما يقارب الخمسين حزبًا أن يُعيد تعريف المجال السياسي، ويعطي رؤية أكبر ومساحة للأحزاب الأخرى التي تعتبر في وضع جيد مع السلطات.
وإذا لم تجد الأحزاب المنحلة أو المعلّقة حلاً لوضعها، فهذا يعني أنها لن تشارك في العملية الانتخابية التي قد تبدأ قريبًا في البلاد.
ويُواجِه حزبَا الرئيس المخلوع “ألفا كوندي” وزعيم المعارضة “سيلو دالين ديالو” خطر التعليق، بينما لا يزال كلا الزعيمين في المنفى. وقد لا يشارك هذان الحزبان الرئيسيان في الانتخابات المقبلة. وستكون هذه سابقة كبرى في غينيا؛ حيث لعب هذان الحزبان دائمًا دورًا رائدًا في الحياة السياسية في البلاد.
مجال للمناورة:
ووفقًا لكابينيه فوفانا، فإن الأحزاب السياسية المتضرّرة من هذه القرارات لا تزال لديها فرصة لتأكيد وجودها، وقال: “كما تعلمون، يمكن الطعن في أيّ قرار لإلغائه، إما من خلال وزارة الإدارة الإقليمية أو من خلال المحاكم”، مضيفًا: “لكن يجب أن يكون لدى هذه الأطراف أدلة واقعية ملموسة تثبت تعرُّضهم للظلم في الخطوات التي أدت إلى هذه القرارات مِن قِبَل السلطات العسكرية في البلاد… هنا تكمن أهمية هذا النهج. فإذا كانوا يعتقدون أنهم على حقّ، فيمكنهم تقديم طعن على سبيل التظلم للوزارة، وكذلك تقديم طعن قضائي لإلغاء القرار”.
في غينيا، يقترب موعد الانتخابات المعلن عن إجرائها في عام 2025م بشكل سريع، ولا يسمح الميثاق الانتقالي لأعضاء المجلس الوطني الانتقالي الحاكم بالترشُّح للانتخابات الرئاسية.
وفي مقابلة مع بي بي سي أفريك في يوليو الماضي، أكد رئيس الوزراء أن الاستفتاء على الدستور سيُجرى “في نهاية العام”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/c207grxz3yeo