الأفكار العامة:
- صدر مرسوم وزاري يسمح بارتداء الرموز الدينية في المدارس الخاصة والعامة للحدّ من الزوبعة التي أثارتها القضية، ولمواءمة اللوائح الداخلية لجميع المدارس في السنغال.
- تم رفض قبول نحو عشرين فتاة محجبة في معهد جان دارك في داكار في عام 2019م.
- غضب المجلس الوطني للعلمانية الذي يجمع الجمعيات والحركات الكاثوليكية في السنغال من القرار.
- إعلان الرئيس السنغالي عن إنشاء وزارة للعبادة مكلَّفة بالشؤون الدينية اعتبارًا من عام 2025م.
- محاولة البعض تسييس القرار وربطه بأهداف سياسية وأيديولوجية غير معلنة.
- تعايش الطوائف الدينية نموذج للاستقرار خاصة في بلد يمثل فيه المسلمون نسبة 95% من عدد السكان.
بقلم: كليمانس كلوزيل
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
صدر مرسوم من وزارة التربية والتعليم يسمح بارتداء الرموز الدينية في المدارس الخاصة والعامة على حد سواء؛ في محاولة لوقف الجدل حول ارتداء الحجاب في المدارس السنغالية.
وضعت أجراس المدارس، يوم الاثنين 7 أكتوبر، حدًّا للعطلة الصيفية لتلاميذ المدارس السنغالية، وأعلنت العودة إلى المدرسة للعام الدراسي 2024-2025م. في حين تسود أجواء متوترة منذ نهاية يوليو الماضي إثر جدل حاد حول ارتداء الحجاب في المدارس الخاصة، استغل وزير التربية الوطنية، مصطفى غويراسي، جولته الإشرافية لمحاولة طمأنة الجميع.
وخلال زيارته إلى معهد “لا كاثيدرال”، وهي مدرسة كاثوليكية خاصة، أشار الوزير إلى اعتماد مرسوم في اليوم السابق من أجل “مواءمة اللوائح الداخلية لجميع المدارس في السنغال”؛ لاحترام المعتقدات الدينية والحفاظ على التعايش بين جميع السنغاليين. وشدَّد على أن “هذا ليس مرسومًا لخلق المشكلات”، قبل أن يُوضّح أنه على العكس من ذلك، يهدف إلى “استباق ومنع وإرساء وضمان التماسك الذي يتمتع به وطننا”.
ويلغي المرسوم المؤرخ في 6 أكتوبر 2024م -والذي تم الإعلان عنه بعد ثلاثة أيام- حظر ارتداء الرموز الدينية على غرار الحجاب أو الصليب أو المسبحة المقدسة، داخل أسوار المدارس الحكومية والخاصة؛ شريطة عدم إلحاق الضرر بهوية الطلبة. وقد دعا إلى هذا القرار الجديد رئيس الوزراء، عثمان سونكو، في اجتماع وزاري مشترك بين الوزارات في 19 سبتمبر الماضي.
الجدل المتكرر:
وفي ردّه على سؤال فائزة محجبة عن ارتداء الحجاب الإسلامي، أثناء حضوره حفل توزيع جوائز أفضل الطلاب في السنغال في 30 يوليو الماضي، قال عثمان سونكو: “لم يعد من الممكن التسامح مع بعض الأمور في هذا البلد. لن نسمح بعد الآن لبعض المدارس بحظر ارتداء الحجاب”، هكذا أعلن رئيس الوزراء، كما دعا المدارس الفرنسية الخاصة إلى عدم حظر ارتداء الحجاب على الفتيات؛ حتى تتمتع جميع التلميذات بنفس الحقوق. وسرعان ما أشعلت تعليقاته الجدل من جديد حول هذه القضية البعيدة كل البعد عن كونها قضية جديدة.
يقول عبد الله سوناي، وهو مدرس وباحث متخصص في الأديان والدول والمجتمعات في غرب إفريقيا: “يُذكّرنا الجدل الحالي بحالات أخرى منذ التسعينيات”، مستشهدًا بالحالة الأخيرة في عام 2019م عندما تم رفض قبول نحو عشرين فتاة محجبة في معهد جان دارك في داكار. بصرف النظر عن بعض الحالات النادرة، فإن الموقف السائد في المدارس الكاثوليكية السنغالية هو موقف التساهل والتسامح فيما يتعلق بارتداء الحجاب. وأضاف “حظر ارتداء الرموز الدينية غير مكتوب في اللوائح الداخلية لهذه المؤسسات. ولكن، من الناحية العملية والواقعية، قد تجد بعض المدارس نفسها مُحرجة من وجود الرموز الدينية”؛ وفقًا لتعليق الخبير.
بالإضافة إلى الحجاب، تشعر هذه المدارس بالقلق بشكل خاص من السلوكيات التي تظن أنها تقوِّض التماسك والتعايش في مبانيها. كما أكد الشيخ غويي، الأمين العام (لإطار الإسلام الموحد) بالقول: “لقد أشارت بعض المدارس الكاثوليكية إلى الحجاب كمؤشر على السلوك الطائفي لبعض التلاميذ، قائلةً: إن بعض المدارس الكاثوليكية تُظهر سلوكًا إشكاليًّا أيضًا، مثل عدم مشاركة التلاميذ من الجنس الآخر المقاعد نفسها”، وللحيلولة دون ذلك، ينصّ المرسوم على أن القواعد الجديدة: “لا يُمنع الطلبة من المشاركة في الأنشطة التعليمية والرياضية”، ويؤكد على السماح بالتعليم المختلط واحترام التعايش المشترك.
ضجة بين أوساط الكاثوليك:
أثارت تصريحات عثمان سونكو ضجة كبيرة، لا سيما في أوساط الكاثوليك الذين يمثلون أقلية (أقل من 5% من السكان)، ولكنهم طائفة نشطة للغاية في البلاد. ويوجد في السنغال حوالي 190 مدرسة كاثوليكية في السنغال، بدءًا من مرحلة الحضانة إلى ما بعد البكالوريا، ويرتاد العديد منها تلاميذ مسلمون، يتمتعون بسمعة طيبة في التفوق.
وقد التحق الرئيس نفسه، باشيرو ديوماي فاي، بإحدى هذه المدارس خلال مسيرته الدراسية؛ فضلاً عن أن 28% فقط من التلاميذ الملتحقين بها هم من الكاثوليك. في بيان صحفي مؤرخ في 4 أغسطس، قال المجلس الوطني للعلمانية الذي يجمع الجمعيات والحركات الكاثوليكية في السنغال: إنه “غاضب” من “التصريحات الخرقاء” التي “من المحتمل أن تسيء إلى مشاعر الشعب السنغالي الذي يشعر بقلق مشروع من التهديدات الموجهة ضد المدارس الكاثوليكية الخاصة”. حتى أن الأباتي لاتير ندياي أشار في رسالة غاضبة إلى “التهديدات”، وتحدَّث عن “إعلان حرب” مِن قِبَل رئيس الوزراء.
في مواجهة هذه الضجة، حاول وزير التربية والتعليم تهدئة الوضع، مشيرًا إلى أن “سونكو قد أسيء فهمه”، وأنه كان يصرّ قبل كل شيء على “الإدماج المدرسي”. لكنّ الشرارة اشتعلت مرة أخرى في الاجتماع المشترك بين الوزارات في 19 سبتمبر الماضي، حيث أثار عثمان سونكو مسألة القواعد التي تحكم بعض المدارس الحكومية، والتي اعتبرها “أجنبية”، ودعا وزير التعليم إلى إصدار مرسوم لتسوية الأمر بشكل نهائي.
وفي حين يعتقد الشيخ غويي أن المقصود بـ “المدارس الأجنبية، تحديدًا هي المدارس الفرنسية وليس المدارس الكاثوليكية”، هي وحدها المستهدَفة؛ فإن وجهة نظر منظمة “الرابطة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم” مختلفة تمامًا؛ إذ تستنكر المنظمة “خطأ رئيس الحكومة المستمر في اعتبار المدارس الكاثوليكية الخاصة مدارس أجنبية”، و”وصمه المستمر” للتعليم الكاثوليكي، كما كتب رئيسها فيليب أبراهام بيران تين في مذكرة مؤرخة في 21 سبتمبر”: إن الكنيسة ذات توجُّه جمهوري، وتستند إلى الدستور في تصرفاتها”، مضيفًا أنه “لا يمكن اعتبار المسيحيين في السنغال مواطنين من الدرجة الثانية”.
وأضاف “قد يكون هذا شكلاً من أشكال التعبير عن معاداة الغرب في بعض الأوساط الإسلامية، خاصة في أوساط النخبة. إنه انتقاد لبعض القِيَم التي يقال عمومًا إنها غربية، والتي ترتبط أحيانًا وبسرعة بالمسيحية”؛ يحلل عبد الله سونايي.
ووفقًا لـ غييه، المتخصص في الدراسات الدينية؛ فإن خطاب رئيس الوزراء كان يهدف إلى “المطالبة باحترام خصوصياتنا الثقافية والدينية. لكن بعض الناس قد أفرطوا في تفسيره على أنه انتقاد أو هجوم على المسيحيين”، مضيفًا “يجب أن نتجنب تمامًا استيراد المشاكل الفرنسية إلى بلدنا. وهذا هو الحال إلى حد ما في هذا الجدل”.
نموذج للتعايش:
كما أكد وزير التعليم في إحدى الصحف اليومية السنغالية أن المرسوم الجديد يهدف أيضًا إلى “التذكير بأهمية تعزيز التماسك الوطني وقبول الاختلافات”، وأيّ سوء الفهم يقوّض الوئام بين الأديان العزيزة على الشعب السنغالي. فدولة السنغال، التي تشتهر بتعايش الطوائف الدينية فيها، هي نموذج للاستقرار القائم على علمانية خاصة جدًّا في بلد متدين بشكل خاص (يمثل المسلمون فيه نسبة 95% من عدد السكان).
وبعيدًا عن النموذج الفرنسي، يُشكِّل الدين جزءًا لا يتجزأ من المجتمع السنغالي، ولكن أيضًا من السياسة، ويلعب دورًا رئيسيًّا، لا سيما من خلال الترابط بين المسلمين، وأيضًا من خلال الكنيسة الكاثوليكية، في أوقات الأزمات “لا يمكن لأيّ سلطة في السنغال أن تعمل حقًّا وتحافظ على التماسك الاجتماعي دون الاعتماد على هذا النبع الديني، الذي هو أيضًا نبع للتنشئة الاجتماعية، ومكان للحفاظ على الأخلاق والتعايش. حتى لو قلنا: إن جمهوريتنا علمانية، فإن ممارسة هذه الجمهورية مرتبطة إلى حد كبير بالتفاعل بين المجال الديني ومجال الدولة”؛ يؤيد الشيخ غيي.
ويقول سونايي: إن جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة أعادت تعريف وتعديل وممارسة هذه العلمانية، وفي كل مرة “تسعى إلى تحقيق التوازن”. ويدعو الأمين العام للإطار الإسلامي الموحد إلى الوقاية والعمل في المنبع، بدلًا من إدارة الأزمات. لذلك يفكّر “الإطار الإسلام الموحد” في تنظيم أسبوع سنوي للعيش معًا”؛ للتذكير بأسس هذا العيش معًا، وتجنُّب أزمات أخرى”.
السيادة والأجندة السياسية:
إذا كان الجدل حول ارتداء الحجاب قد عاد إلى السطح مجددًا في الآونة الأخيرة، فذلك أيضًا بسبب سياق معين، وهو وصول الرئيس باشيرو ديومايي فاي ورئيس وزرائه عثمان سونكو إلى السلطة؛ حيث يدفعان بأجندة سياسية جديدة تقوم على الحفاظ والتمسك بالسيادة الوطنية.
يقول عبد الله سوناي، الذي يشك في أن النظام السابق كان سيتعامل مع قضية الحجاب بهذه الطريقة: “وصول ديومايي إلى السلطة كان مدفوعًا بخطاب معيَّن يمكن أن يُطلق عليه خطابًا ثوريًّا وشعبويًّا، ولكن وراء كل ذلك أجندة تدعم شكلًا معينًا من التدين مع فكرة معينة للدفاع عن الإسلام”، مضيفًا: “لقد أراد التأكيد والمطالبة بالحق في عدم التقييد في ممارسة الشعائر الدينية؛ تلك هي النية التي قرأتها في موقف سونكو. إنها إشارة إلى شكل من أشكال التدين الذي يشعر أحيانًا بالهيمنة أو، على أي حال، أنه غير معترف به بما فيه الكفاية.
ويرى سونكو أنه من التناقض، في سياق يغلب عليه المسلمون، أن يواجه المسلمون قيودًا من هذا النوع”، ويوضح المدرس-الباحث أن هذا الجيل لديه فكرة مؤيدة للعلمانية ومؤيدة للإسلام.
وما يشجّع هذا التطور أيضًا هو تطوُّر جماعات دعوية وظهور تيارات إسلامية جديدة اكتسبت وزنًا كبيرًا رغم أنها أقلية. من الناحية السياسية، أصبح الدين أداة مؤثرةً أكثر من أي وقت مضى، لكنه سلاح ذو حدين لأنه عاطفي وحساس للغاية. فالأرضية زلقة وخطر التعارض بين الجماعات الدينية يمكن أن يصبح سريعًا مصدرًا للصراع. ويقول “نحن نحاول ترويج النموذج السنغالي للتعايش في المنطقة دون الإقليمية، ولكننا لا نزال بحاجة إلى أن نكون قادرين على الحفاظ عليه وضمان أن يظل نموذجًا قابلًا للتطبيق”.
ومؤخرًا، أعلن الرئيس السنغالي عن إنشاء وزارة للعبادة مكلفة بالشؤون الدينية اعتبارًا من عام 2025م، وهي سابقة في السنغال “إذا تم احترام شروط إدماج جميع الأديان، بما في ذلك الديانات التقليدية، يمكن أن يخلق نموذجًا سنغاليًّا يستلهم قِيَمنا الأساسية. وبخلاف ذلك، لن يكون الأمر أكثر من مجرد حيلة دعائية استجابة لأجندة سياسية”؛ يحذر فيليب أبراهام بيران تين.
فيما يرى عبد الله سوناي أن هذه القواعد الجديدة وسيلة ممكنة “لمواجهة أو على الأقل تجنُّب التطورات التي نشهدها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وحتى نيجيريا”؛ نظرًا للأزمة التي تشهدها المنطقة دون الإقليمية في ظل التهديد الإرهابي العنيف “لا يوجد أيّ من هذه البلدان في المنطقة دون الإقليمية، لا سيما تلك التي توجد فيها أغلبية مسلمة، بمنأى عن هذا النوع من التطورات.
ويمكن لهذه الوزارة أن تساعد في خلق أو على الأقل التفكير في طريقة جديدة لإدارة الدين أو الاختلافات الدينية، والتي غالبًا ما كانت تمثل مشكلة أكثر من كونها فرصة. وأعتقد أن وزارة العبادة يمكن أن تكون مفيدة في توفير إطار لهذا الحوار بين الأديان والاستفادة منه من وجهة نظر الاستقرار السياسي”؛ على حد تعيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: