نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقيّة العُليا- جامعة القاهرة
مُقَدِّمَة:
تشهد حرية الصحافة مؤخرًا في جميع أنحاء العالم تهديدات بالغة، وبخاصة من قِبَل مَن يُفْتَرض فيهم أن يتولوا حمايتها وتوفير البيئة الملائمة لها؛ وهم الحُكَّام “أصحاب السُّلطة السياسية”. وهو ما يتَّضح على نحوٍ لا يمكن إنكاره في النسخة الأحدث من مؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2024م- 2024 World Press Freedom Index، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”- Reporters Without Borders (RSF)، في مايو 2024م.
ويستند هذا الاستنتاج إلى حقيقة مفادها أنه بين المؤشرات الخمس المُستخدمة كأساس لتصنيف مؤشر حرية الصحافة (السياسي، الاقتصادي، القانوني، الاجتماعي-الثقافي، والأمني)، كان المؤشر السياسي هو الأكثر انخفاضًا؛ حيث سَجَّل متوسط انخفاض عالمي بلغ 7.6 نقطة.
وبتعبير آخر، يؤكد المؤشر في إصداره لعام 2024م على أن عددًا متزايدًا من الحكومات لا تقوم بدورها كضامن لبيئة مُمَكِّنَة لعمل الصحافة ولحق الجمهور في الحصول على أخبار ومعلومات موثوقة ومستقلة ومتنوعة.
وعليه تُلاحِظ منظمة “مراسلون بلا حدود”، المعنيَّة بإصدار تقرير حرية الصحافة العالمي، تراجعًا مقلقًا في دعم واحترام استقلال وسائل الإعلام، كما تؤكد على زيادة الضغوط المُمارَسة من جانب الدُّوَل وغيرها من الجهات السياسيّة الفاعلة.
من جهة أخرى، وعلى المستوى الدولي، تقول “آن بوكاندي” مديرة التحرير بمنظمة “مراسلون بلا حدود”: “يتميز هذا العام (2024م) بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لفرض مبادئ حماية الصحفيين، وخاصةً قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2222. فقد اتسمت الحرب في غزة بعددٍ قياسي من الانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام منذ أكتوبر2023م، نتج عنها قتل أكثر من 100 صحفي فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية، بما في ذلك 22 على الأقل أثناء عملهم.
تأسيسًا على ما سبق تحاول هذه الدراسة قراءة مؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2024م، مع التركيز على بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء وموقعها بالمؤشر العالمي، الصادر في مايو 2024م، وذلك من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: حول مؤشِّر حرية الصحافة العالمي… الهدف – مفهوم حرية الصحافة – منهجيّة التقييم.
- المحور الثاني: مؤشِّر حرية الصحافة العالمي 2024م… نظرة عالميّة.
- المحور الثالث: إفريقيا جنوب الصحراء في ضوء مؤشِّر حرية الصحافة العالمي 2024م.
- خاتمة.
المحور الأول: حول مؤشِّر حرية الصحافة العالمي… الهدف – مفهوم حرية الصحافة – منهجيّة التقييم
نحاول في هذا السياق التطرُّق إلى أبرز ما يتعلق بمؤشِّر حرية الصحافة العالمي، سواء فيما يتعلق بهدف المؤشِّر، أو رؤيته لمفهوم “حرية الصحافة”، أو المعايير التي يقوم عليها، والمنهجيّة التي بناءً عليها يتم رصد حالة حرية الصحافة في 180 دولة وإقليم يشملها المؤشِّر، وغيرها من الأمور ذات الصلة التي تضع أساسًا جيدًا لفَهم المؤشر، كما سنعرض على النحو التالي:
- هدف المؤشِّر:
بدايةً فيما يتعلق بالغرض من المؤشر؛ يهدف مؤشر حرية الصحافة العالمي إلى مقارنة مستوى الحرية التي يتمتع بها الصحفيون ووسائل الإعلام في 180 دولة ومنطقة يشملها المؤشر بالتغطية والتحليل، وكذلك يحاول تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون –في حال تواجدها-، ومقارنة الأوضاع الحالية بنظيرتها في العام السابق؛ لمعرفة مدى تطوُّر أو تأخُّر أو ثبات حالة حرية الصحافة بالدولة.
- تعريف المؤشِّر لحرية الصحافة:
يُعَرِّف المؤشر العالمي “حرية الصحافة”، وهو المفهوم الذي تستخدمه منظمة “مراسلون بلا حدود” وفريق الخبراء التابع لها لتجميع المؤشر وتحليله، بأنها: “قدرة الصحفيين كأفراد وجماعات على اختيار وإنتاج ونشر الأخبار بما يُحَقِّق المصلحة العامة، دون أيّ نوع من التدخلات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، ودون أيّ تهديد لسلامة الصحفيين الجسديّة والعقليّة”. على أساس هذا التعريف، يتم تقسيم مؤشر حرية الصحافة إلى خمس فئات أو خمسة مؤشرات مُفَصَّلة مُكَوِّنة له (المؤشر السياسي، المؤشر القانوني، المؤشر الاقتصادي، المؤشر الاجتماعي -الثقافي، والسلامة والأمن)، كما سيوضح الشكل التالي.
شكل رقم (1)
المؤشِّرات الخمسة المكوِّنة لمؤشِّر حرية الصحافة العالمي
الشكل من إعداد الباحثة اعتمادًا على مؤشر حُريّة الصحافة العالمي 2024م
- موجز سنوي:
يُعدّ المؤشر موجزًا سنويًّا لوضع حرية الصحافة بالدولة، خلال السنة الميلادية (من يناير إلى ديسمبر) قبل نشر التقرير كاملًا. ويُنظَر إليه كانعكاس دقيق للوضع خلال وقت النشر، لكن عندما يتغير وضع حرية الصحافة بشكل كبير في بلدٍ ما بين نهاية العام الذي تم تقييمه ونشره بالفعل، يتم تحديث البيانات لمراعاة أحدث المستجدات المُمكِنة. قد يكون هذا مرتبطًا بحرب اندلعت حديثًا، أو انقلاب عسكري، أو هجوم على صحفيين، أو ظهور مفاجئ لسياسة قمعية.
- خريطة بيانيّة:
حيث تقدم خريطة حرية الصحافة “البيانيّة” التابعة للمؤشِّر نظرة عامة بصرية على درجات جميع البلدان المدرجة في المؤشر؛ حيث يتم تقييم الألوان والتصنيفات على النحو التالي (كما سيبين الشكل والخريطة التاليين):
- [85 – 100 نقطة] حالة جيدة (يُشار لها باللون الأخضر).
- [70 – 85 نقطة] حالة جيدة نوعًا ما (يُشار لها باللون الأصفر).
- [55 – 70 نقطة] حالة ذات إشكالية (يُشار لها باللون البرتقالي الفاتح).
- [40 – 55 نقطة] حالة صعبة (يُشار لها باللون البرتقالي الغامق).
- [0 – 40 نقطة] حالة شديدة الخطورة (يُشار لها باللون الأحمر الغامق).
ويوضح الشكل والخريطة التاليان الحالات الخمس سالفة البيان لدرجات حرية الصحافة بالمؤشر:
شكل رقم (2)
تقييم ألوان ودرجات البلدان والأقاليم لحرية الصحافة وفقًا للمؤشر العالمي لحرية الصحافة
المصدر: مؤشِّر حرية الصحافة العالمي 2024م
خريطة رقم (1)
توزيع البلدان والأقاليم وفقًا لدرجة حرية الصحافة بمؤشر حرية الصحافة العالمي 2024م
حيث يشير اللون الأخضر إلى حالة من حرية الصحافة “جيدة”
ويشير اللون الأصفر إلى حالة من حرية الصحافة “جيدة نوعًا ما”
بينما يشير اللون البرتقالي الفاتح إلى حالة من حرية الصحافة “بوضع ذي إشكاليّة”
أما اللون البرتقالي الغامق فيشير إلى حالة من حرية الصحافة “صعبة”
فيما يشير اللون الأحمر الغامق إلى حالة من حرية الصحافة “شديدة الخطورة”
المصدر: مؤشِّر حرية الصحافة العالمي 2024م
- معايير التقييم بالمؤشِّر:
وخلالها يتم تقييم حرية الصحافة بالمؤشر وفقًا لخمسة مؤشرات أساسية (تتصل بسياقات متنوعة داخل الدولة: سياسية، قانونية، اجتماعية.. إلخ)؛ حيث يتم تقييم درجة كل دولة أو إقليم باستخدام خمسة مؤشرات تعكس وضع حرية الصحافة بكل تعقيداته: السياق “المؤشر” السياسي، والسياق القانوني، والسياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي الثقافي، والسلامة والأمن. ويتم حساب درجة فرعية تتراوح من 0 إلى 100 لكل مؤشر. ويتم حساب هذه الدرجة على أساس عنصرين رئيسيين هما:
- إحصاء كمّي للانتهاكات ضد وسائل الإعلام والصحفيين فيما يتعلق بعملهم.
- تحليل نوعي للوضع في كل بلد أو إقليم بناءً على ردود المتخصصين في حرية الصحافة (بما في ذلك الصحفيون والباحثون والأكاديميون والمدافعون عن حقوق الإنسان) على استبيان منظمة “مراسلون بلا حدود”، المتوفر بـ24 لغة، هي: (العربية، البلغارية، الصينية “المبسطة”، الصينية “التقليدية”، التشيكية، الإنجليزية، الألمانية، الفارسية، الفرنسية، اليونانية، الهندية، المجرية، الإندونيسية، الإيطالية، اليابانية، الكورية، المنغولية، البولندية، البرتغالية، الرومانية، الروسية، الإسبانية، التركية والأوكرانية).
وتُسهِم جميع الدرجات الفرعية بالتساوي في الدرجة الكلية. وداخل كل مؤشر، توجد مجموعة من الأسئلة (الأساسية والفرعية)، تتمتع جميعها بوزن متساوٍ. ونُنوِّه هنا إلى أن تسمية المؤشرات الفرعية المكونة للمؤشر الرئيسي المعني بقياس حرية الصحافة تتنوع داخل المؤشر، فتارة يُشار لها بـ”السياق”، وتارةً أخرى يُشار لها بـ “المؤشر”، لكن سواء هذا أو ذاك فالمعنى داخل المؤشر ذاته، وهو كون هذه السياقات الخمس مُكَوِّنة في الأخير للمؤشر ككل ولقياس حالة حرية الصحافة داخل الدولة. وفيما يلي نعرض المؤشرات الخمس المُكَوِّنة لمؤشر حرية الصحافة بشكل أكثر تفصيلًا على النحو التالي:
- السياق “المؤشر” السياسي: من خلاله يتم طرح 33 سؤالًا (رئيسيًّا وفرعيًّا)، تهدف هذه الأسئلة إلى قياس ما يلي:
- درجة الدعم والاحترام لاستقلالية وسائل الإعلام في مواجهة الضغوط السياسية مِن قِبَل الدولة أو من جانب الجهات السياسية الفاعلة الأخرى.
- مستوى قبول تنوع أساليب الصحافة التي تستوفي المعايير المهنية، بما في ذلك الأساليب المتوافقة سياسيًّا والأساليب المستقلة.
- درجة الدعم لوسائل الإعلام في دورها لمساءلة السياسيين والحكومة بما يحقّق المصلحة العامة.
- السياق القانوني: ويتم خلاله طرح 25 سؤالًا (أساسيًّا وفرعيًّا)، وتهدف هذه الأسئلة إلى تقييم ما يلي:
- مدى حرية الصحفيين ووسائل الإعلام في العمل دون رقابة أو عقوبات قضائية، أو قيود مفرطة على حريتهم في التعبير.
- مدى قدرة الصحفيين على الوصول إلى المعلومات دون تمييز، وكذلك مدى قدرتهم على حماية مصادرهم.
- مدى إفلات أو عدم إفلات مرتكبي أعمال العنف ضد الصحفيين من العقاب.
ج- السياق الاقتصادي: ويتم خلاله طرح 25 سؤالاً (رئيسيًّا وفرعيًّا)، وتهدف هذه الأسئلة إلى تقييم ما يلي:
- القيود الاقتصادية المرتبطة بالسياسات الحكومية (التعقيدات المتعلقة بإنشاء وسائل الإعلام، والمحسوبية في مَنح الإعانات الحكومية، والفساد، وما إلى ذلك).
- القيود الاقتصادية المرتبطة بالجهات الفاعلة غير الحكومية (المعلنين والشركاء التجاريين)، ولا سيما الفساد في أوساط الصحفيين.
- القيود الاقتصادية المرتبطة بمُلاك وسائل الإعلام، عندما يدافعون عن مصالحهم التجارية.
د- السياق الاجتماعي والثقافي: ويتم خلاله طرح 22 سؤالًا (رئيسيًّا وفرعيًّا)، تهدف إلى قياس ما يلي:
- القيود الاجتماعية الناتجة عن التشهير والهجمات على الصحافة بناءً على قضايا على أساس النوع الاجتماعي والمستوى الطبقي والعِرْق والدِّين.
- القيود الثقافية، بما في ذلك الضغط على الصحفيين لعدم مساءلة دوائر معينة من السلطة أو لعدم التطرق لقضايا معينة لتجنُّب أيّ تعارض مع ثقافة البلد.
ه- السياق المتعلق بالسلامة والأمن: ويطرح من خلاله 12 سؤالاً (رئيسيًّا وفرعيًّا)، وتتعلق الأسئلة بسلامة الصحفيين. وفي هذا السياق، تُعرَّف حرية الصحافة بأنها “القدرة على تلقّي المعلومات وجمعها ونشرها وفقًا لمناهج العمل الصحفي وأخلاقيات المهنة، دون التعرض لمخاطر من قبيل:
- الضرر الجسدي (القتل العمد، العنف، التعذيب، الاعتقال، الاحتجاز، الاختفاء، الاختطاف…).
- مشاكل نفسية أو عاطفية، نتيجة التعرض للترهيب أو للإكراه أو للمضايقات أو للتجسس أو للإفصاح عن معلومات شخصية أو للإهانة أو لخطاب الكراهية أو لتشويه السمعة أمام الرأي العام أو لتهديدات أخرى في حق الصحفيين أو أقاربهم، وغيرها من مضايقات على هذا النحو.
- أضرار على المستوى المهني (فُقدان الوظيفة أو مصادرة المعدات أو نهب المنشآت، على سبيل المثال).
المحور الثاني: مؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2024م… نظرة عالميّة
في حين أن عام 2024م يمثل أكبر عام انتخابي في تاريخ العالم، إلا أن عام 2023م شهد أيضًا انتخابات حاسمة، وخاصة في أمريكا اللاتينية، التي فاز بانتخاباتها قامعو حرية الصحافة والتعددية الإعلامية، مثل فوز الرئيس خافيير ميلي “Javier Milei“ عام 2023م في الأرجنتين (التي انخفضت من المرتبة 26 عالميًّا إلى المرتبة 66 في المؤشِّر)، والذي أغلق أكبر وكالة أنباء في البلاد؛ في عمل رمزي مثير للقلق.
وبشكل عام كانت الانتخابات مصحوبة بالعنف ضد الصحفيين خلال عام 2023م، كالحال في نيجيريا (التي احتلت المرتبة 112) وجمهورية الكونغو الديمقراطية (التي احتلت المرتبة 123). كما تواصل المجالس العسكرية التي استولت على السلطة في انقلابات عسكرية في منطقة الساحل -وخاصة النيجر (التي هبطت من المرتبة 19 إلى80)، وبوركينا فاسو (التي هبطت من المرتبة 28 إلى 68)، ومالي (هبطت مركزًا واحدًا لتصل إلى المرتبة 114)- تشديد قبضتها على وسائل الإعلام وعرقلة عمل الصحفيين. كما أن إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان في تركيا يُشَكِّل مصدرًا للقلق؛ إذ تحتل تركيا المرتبة 158، ويستمر ترتيبها في المؤشر في خسارة مزيد من النقاط.
وفي غياب التنظيم والرقابة، شكَّل استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل لأغراض سياسية تهديدًا بالغ الخطورة خلال عام 2023م. كما احتلت عمليات التزييف مكانة رائدة في التأثير على مسار الانتخابات. وقد تجلى ذلك في عملية التزييف الصوتية للصحفية “مونيكا تودوفا” أثناء الانتخابات البرلمانية في سلوفاكيا (التي تراجعت من المرتبة 12 إلى المرتبة 29)، وهي واحدة من أولى الحالات الموثّقة لهذا النوع من الهجوم على صحفي بهدف التأثير على نتيجة انتخابات ديمقراطية.
من ناحية أخرى عزَّزت العديد من الحكومات سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وقامت بتقييد الوصول إليها، بما في ذلك من حظر الحسابات، وقمع الأخبار والمعلومات. وكذلك التضييق على الصحفيين الذين يُدوِّنون أفكارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي واحتجازهم، كالحال في فيتنام (المرتبة 174)، والصين (المرتبة 172)، بالإضافة إلى احتجاز مزيد من الصحفيين مقارنةً بأيّ دولة أخرى في العالم، تواصل الحكومة الصينية ممارسة رقابة صارمة على قنوات المعلومات، وتنفيذ سياسات الرقابة والمراقبة لتنظيم المحتوى عبر الإنترنت، وتقييد انتشار المعلومات التي تُعتَبر حسَّاسة أو مُخالِفة لسياسات الحزب الشيوعي الحاكم.
من جهة أخرى تُغَذّي بعض الجهات الفاعلة السياسية خطابات الكراهية، فضلًا عن بثّ ثقافة عدم الثقة تجاه الصحفيين من خلال إهانتهم وتشويه سُمعتهم وتهديدهم. كما يقوم آخرون بالاستيلاء على بيئة عمل الإعلام، سواء من خلال وسائل الإعلام المملوكة للدولة الخاضعة لسيطرتهم، أو وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص؛ من خلال عمليات الاستحواذ التي تتم من خلال رجال الأعمال المواليين للسلطة. على سبيل المثال تراجعت إيطاليا 5 مراكز بالمؤشر هذا العام (المرتبة 46 في تصنيف 2024م) -التي تقودها جورجيا ميلوني-؛ حيث يحاول أحد أعضاء الائتلاف البرلماني الحاكم الاستحواذ على ثاني أكبر وكالة أنباء (AGI).
ويمكن القول: إنه في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، تكثفت الرقابة على وسائل الإعلام في محاكاة مذهلة للأساليب القمعية الروسية، وخاصة في بيلاروسيا (10 إلى 167)، وجورجيا (103)، وقيرغيزستان (120)، وأذربيجان (13 إلى 164). ووصل نفوذ الكرملين إلى صربيا (7 إلى 98)؛ حيث تحمل وسائل الإعلام الموالية للحكومة الدعاية الروسية، وتُهدّد السلطات الصحفيين الروس المنفيين. كما أسهم شَنّ روسيا حرب أوكرانيا (61) في التأثير الكبير على بيئة عمل الإعلام وسلامة الصحفيين، على نحو بالغ الخطورة.
- وفيما يتعلق بالأفضل والأسوأ بين 180 دولة وإقليم وردت بالمؤشر نشير إلى ما يلي:
لا تزال النرويج في المركز الأول في المؤشر، لكنها شهدت انخفاضًا في نتيجتها المتعلقة بالمؤشر السياسي، كما تخلت إيرلندا (الثامنة)؛ حيث أخضع السياسيون وسائل الإعلام للترهيب القضائي، عن موقعها الرائد في الاتحاد الأوروبي لصالح الدنمارك (الثانية)، تليها السويد (الثالثة). كما تخلت الدول الآسيوية الثلاث التي كانت في أسفل مؤشر العام الماضي -فيتنام والصين وكوريا الشمالية- عن مواقعها لثلاث دول هبطت نتائجها السياسية بشكل حادّ، وهم: أفغانستان (44 في الترتيب السياسي)، التي تضطهد الصحفيين بلا انقطاع منذ عودة طالبان إلى السلطة؛ وسوريا (ثمانية في الترتيب السياسي)؛ وإريتريا (تسعة في الترتيب السياسي)، التي أصبحت الآن في المرتبة الأخيرة في كلٍّ من التصنيف السياسي والتصنيف العام. وأصبحت الدولتان الأخيرتان (سوريا وإريتريا) تَعجّان بعددٍ قياسيّ من الصحفيين المحتجزين أو المفقودين أو المحتجزين كرهائن.
وفي المقابل، لا يزال الوضع جيدًا في مختلف بلدان أوروبا، وتحديدًا دول الاتحاد الأوروبي، الذي شهد سنّ أول تشريع يتعلق بحرية الإعلام. فبينما غادرت إيرلندا المراكز الثلاثة الأولى، ارتقت السويد على سُلَّم الترتيب لتصبح من ثلاث دولة في الصدارة، في حين انضمت ألمانيا إلى قائمة العشرة الأوائل في الترتيب. ومع ذلك، فإن حرية الصحافة تعاني كثيرًا في ظل إدارة بعض الحكومات الأوروبية، كما هو الحال في كل من المجر ومالطا واليونان؛ ثلاثي المؤخرة في تصنيف بلدان الاتحاد الأوروبي.
وفي منطقة الأمريكتين، تُمَثِّل استحالة تغطية القضايا المتعلقة بالجريمة المنظمة أو الفساد أو البيئة مشكلة رئيسة، حيث ينأى الصحفيون بأنفسهم عن الخوض في هذه الموضوعات خوفًا من إلحاق الضرر بهم؛ إذ تراجعت بشكل كبير نسبة البلدان التي تشهد وضعًا “جيدًا إلى حد ما” (اللون الأصفر في الخريطة سالفة البيان) من حوالي 36% في نسخة 2023م إلى 21% هذا العام (2024م). كما أن الولايات المتحدة تراجعت عشرة مراكز كاملة (المركز 55 وفقًا لتصنيف عام 2024م). بينما أصبح وضع حرية الصحافة “إشكاليًّا” في جميع بلدان أمريكا الجنوبية تقريبًا؛ إذ يمكن تفسير هذا التدهور بعدم قدرة الحكومات على الحد من دوامة العنف ضد الصحفيين من جهة، ووصول بعض “الوحوش” السالبة لحرية الصحافة والمعادية للتعددية الإعلامية إلى سُدَّة الحكم في مختلف أنحاء المنطقة، ومن بينهم “خافيير ميلي” في الأرجنتين، سالف البيان. كما شهدت المكسيك مقتل 37 صحفيًّا منذ عام 2019م، لتظل في صدارة أخطر البلدان على سلامة الصحفيين في ترتيب البلدان التي تعيش حالة سلم.
من جهتها، تأثرت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كثيرًا بالعنف السياسي الذي شهدته مختلف بلدانها خلال الأحداث الانتخابية في عام 2023م، ليصبح أكثر من 8% من البلدان الإفريقية بالمنطقة الحمراء على خريطة التصنيف العالمي، أي ضِعف العدد المسجَّل في نسخة المؤشر لعام 2023م. فبينما عاشت كلٌّ من نيجيريا وتوجو ومدغشقر سلسلة من حملات القمع ضد الصحفيين، أصبح تدهور الوضع الأمني عنوان المرحلة في العديد من دول الساحل، ولا سيما النيجر وبوركينا فاسو ومالي. (كما سنعرض مفصلًا في المحور التالي).
من ناحية أخرى تضم قائمة أخطر عشر دول في العالم على ممارسي مهنة الصحافة كلًّا من بورما (171)، والصين (172)، وكوريا الشمالية (177)، وفيتنام (174)، وأفغانستان (178)، وهي كلها بلدان تنتمي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تحتل المركز الثاني على جدول ترتيب أصعب مناطق العالم بالنسبة لممارسة الصحافة. ولكن، على عكس العام الماضي 2023م، لا يوجد أي بلد من هذه المنطقة ضمن قائمة البلدان الـ15 الأوائل في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
هذا ويُعتبر الوضع “خطيرًا للغاية” في قُرابة نصف بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ونشير هنا إلى أنه في ظل الاحتلال والقصف الإسرائيلي، تراجعت فلسطين إلى أسفل الترتيب بعدما أصبحت في صدارة البلدان الأكثر دمويّة بالنسبة للصحفيين.
المحور الثالث: موقع إفريقيا جنوب الصحراء في ضوء مؤشِّر حرية الصحافة العالمي 2024م… الصحافة بين مطرقة القمع وسندان الضغوط في سياق الانتخابات:
أسفرت الانتخابات في إفريقيا جنوب الصحراء عن قَدْر كبير من العنف ضد الصحفيين ووسائل الإعلام مِن قِبَل الجهات السياسية الفاعلة وأنصارها. وهذا ما حدث في نيجيريا على سبيل المثال، (والتي وقعت بالمرتبة 112 في مؤشر حرية الصحافة العالمي 2024م)؛ حيث تعرَّض ما يقرب من 20 مراسلًا للهجوم في أوائل عام 2023م. وفي مدغشقر (التي وقعت بالمرتبة 100)، تعرَّض عشرة صحفيين للهجوم خلال الاحتجاجات التي سبقت الانتخابات. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية (التي وقعت بالمرتبة 123)؛ حيث يحاول الساسة ترهيب العاملين في وسائل الإعلام، على سبيل المثال تم احتجاز الصحفي “ستانيس بوجاكيرا” وهو في انتظار المحاكمة بتهمة ملفقة لتغطية الفترة التي سبقت الانتخابات.
كما أنه خلال الانتخابات، حاول الساسة أيضًا استخدام وسائل الإعلام كأدوات لممارسة النفوذ وفرض السلطة. وقد شُوهِدَ هذا في السنغال (التي وقعت في المرتبة 94)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، حيث أنشأ الساسة في بعض الأحيان منافذ إعلامية خاصة بهم.
من جهة أخرى، واصلت بعض بلدان المنطقة استخدام أسلوب التلاعب بالهيئات التنظيمية للإعلام -التي يدعم أعضاؤها في كثير من الأحيان السلطات السياسية أو ينفذون أوامرها- لتعليق عمل وسائل الإعلام دون الرجوع إلى أيّ قاضٍ. وعلى خلفية الانتخابات البرلمانية في توجو (التي وقعت بالمرتبة 113)، اتخذت الهيئة العليا للإذاعة والاتصالات في كثير من الأحيان تدابير تعسفية أو غير متناسبة ضد وسائل الإعلام والصحفيين. ورغم ارتفاع ترتيب زيمبابوي (المرتبة 116)، والجابون (المرتبة 56)، في المؤشر، فإن السلطات السياسية في البلدين شدَّدت قبضتها على تداول الأخبار والمعلومات في الفترة التي سبقت الانتخابات؛ حيث فصلت الإنترنت بشكل تعسفي، وطردت الصحفيين الأجانب، ومنَع بعضها التغطية الإعلامية الأجنبية.
كما لُوحِظَت مثل هذه الممارسات في غينيا كوناكري؛ فعلى الرغم من الارتفاع الخادع (المرتبة 78) مقارنةً بالدول الأخرى المجاورة لها في المؤشر، إلا أن درجتها العالمية ظلت راكدة وانخفضت مؤشراتها السياسية والأمنية، ويرجع هذا في المقام الأول إلى حَجْب الإنترنت بشكل تعسفي وتعليق وتشويش العديد من محطات الراديو والقنوات التلفزيونية.
استكمالًا للانتهاكات إزاء حرية الصحافة بإفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد زادت القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات في منطقة الساحل؛ حيث أوقفت عدة دول إعادة البث المحلي لوسائل الإعلام الأجنبية، وخاصة الفرنسية، مثل فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية وتي في 5 موند. وتراجعت النيجر (المرتبة 80 حاليًّا) 19 مرتبة نتيجةً للتدابير التعسفيّة التي اتخذها المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في انقلاب يوليو 2023م.
أما في بوركينا فاسو (التي وقعت في المرتبة 86)؛ فالوضع لديها بعيد كل البعد عن أي تحسُّن؛ حيث تراجعت 28 مرتبة، فيما احتلت مالي (المرتبة 114). أما إريتريا (المرتبة 180)، فقد احتلت المركز الأخير في مؤشر 2024م ككل وليس فقط على مستوى إفريقيا جنوب الصحراء.
لكن رغم ذلك شهدت بعض الدول الإفريقيّة خطوات إيجابية ملموسة، على سبيل المثال تمثل تنزانيا (التي وقعت في المرتبة 97) حالة استثنائية، محققةً قفزةً عملاقة بما لا يقل عن 46 مرتبة، مما يمثل بارقة أمل على مستوى حرية الصحافة في بلدٍ أصبح رئيسه يُخفِّف تدريجيًّا من قبضته على وسائل الإعلام. كما تحسَّن الوضع في موريتانيا التي حققت المرتبة 33، وهي الأعلى بين دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث أصبحت الانتهاكات ضد الصحفيين أقل تواترًا في منظومة تهيمن عليها وسائل الإعلام العامة، بينما تئن الصحافة المستقلة تحت وطأة عدم الاستقرار، كما سنذكر على نحو أكثر تفصيلًا لاحقًا.
وبشكل عام يشير الجدول التالي إلى ترتيب إفريقيا جنوب الصحراء بمؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2024م. علمًا بأنه قد تم ترتيب الدول (مِن قِبَل الباحثة) من الأكثر انتهاكًا لحرية الصحافة إلى الأقل، كما يلي:
جدول رقم (1)
تصنيف بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لمؤشِّر حُريّة الصحافة العالمي لعام 2024م
(من الأكثر انتهاكًا لحُريّة الصحافة إلى الأقل)
الجدول من إعداد الباحثة استنادًا للبيانات المُدرَجة بمؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2024م
أما على صعيد ترتيب بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء عالميًّا بمؤشر حرية الصحافة خلال عام 2024م، ومقارنته بترتيب عام 2023م؛ لمعرفة مدى تقدُّم أو تأخُّر أو ثبات حالة حرية الصحافة بالدولة؛ فيوضحها الجدول التالي:
جدول رقم (2)
ترتيب بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء بمؤشر حرية الصحافة العالمي بين 180 دولة وإقليم
خلال عامي 2023 و2024م
الجدول من إعداد الباحثة استنادًا للبيانات المُدرَجة بمؤشر حرية الصحافة العالمي (عاميّ 2023 و2024م)
استنادًا للجدول المُبَيَّن أعلاه يمكن الإشارة إلى عددٍ من النتائج، على النحو التالي:
- في البداية نلاحظ تراجع ترتيب بعض بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء بتصنيف عام 2024م عن نظيره في عام 2023م، ونشير هنا إلى أنه كلما ارتفع ترتيب الدولة بتصنيف المؤشر دلَّ ذلك على تراجعها بالمؤشر وتأخُّر حالة حرية الصحافة لديها، والعكس بالعكس، ونوضح أبرز هذه النتائج المتعلقة بتراجع حالة حرية الصحافة ببعض بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء كما يلي:
- تراجع السودان مركزًا واحدًا ليحلّ في المرتبة ١٤٩، كما تراجعت مالي مركزًا وحيدًا لتحل في المرتبة ١١٤.
- تراجعت موزمبيق ٣ مراكز لتحلّ في المرتبة ١٠٥.
- كما تراجعت الصومال ٤ مراكز لتحلّ في المرتبة ١٤٥.
- أما غينيا الاستوائية فقد تراجعت ٧ مراكز لتحلّ في المرتبة ١٢٧.
- فيما تراجعت زامبيا ٨ مراكز لتحلّ في المرتبة ٩٥.
- وقد تراجعت إثيوبيا ١١ مركزًا لتحلّ في المرتبة ١٤١.
- شهدت ناميبيا تراجعًا بـ ١٢ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٣٤، كما تراجعت غامبيا أيضًا ١٢ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٥٨.
- تراجعت جنوب إفريقيا ١٣ مركزًا لتحلّ في المركز ٣٨، وكذلك تراجعت رواندا ١٣ مركز لتحلّ في المرتبة ١٤٤.
- فيما تراجعت غينيا بيساو ١٤ مركزًا لتقع في المرتبة ٩٢، وكذلك تراجعت بوتسوانا ١٤ مركز لتقع في المرتبة ٧٩.
- أما جمهورية جنوب السودان فقد تأخرت بـ ١٨ مركزًا لتحلّ في المرتبة ١٣٦.
- وقد تراجعت النيجر ١٩ مركزًا ووقعت في المرتبة ٨٠.
- كما تراجعت بوركينا فاسو ٢٨ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٨٦.
- وتراجعت توغو ٤٣ مركزًا لتحلّ في المرتبة ١١٣.
- وكذلك تراجعت ليسوتو ٥٥ مركزًا ووقعت في المرتبة ١٢٢.
- من جهة أخرى نلاحظ تقدّم ترتيب بعض بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء بتصنيف عام 2024م عن ترتيبها في عام 2023م، ونشير هنا إلى أنه كلما انخفض ترتيب الدولة بالمؤشر دلّ ذلك على تقدّمها وتحسُّن حالة حرية الصحافة لديها، والعكس بالعكس، ونوضح أبرز هذه النتائج المتعلقة بتقدُّم حالة حرية الصحافة ببعض بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء على النحو التالي:
- تقدّمت الكونغو الديمقراطية مركزًا واحدًا لتحلّ في المرتبة ١٢٣، كما تقدّمت جيبوتي مركزًا واحدًا لتقع في المرتبة ١٦١، وكذلك تقدّمت ساحل العاج مركزًا واحدًا لتحلّ في المرتبة ٥٣، وتقدّمت أيضًا مدغشقر مركزًا واحدًا لتحلّ في المرتبة ١٠٠.
- فيما تقدّمت أوغندا ٥ مراكز، ووقعت في المركز ١٢٨.
- أما بوروندي فقد تقدّمت ٦ مراكز لتحلّ في المرتبة ١٠٨، كما تقدّمت ليبيريا ٦ مراكز لتحلّ في المرتبة ٦٠، كذلك تقدّمت موريشيوس ٦ مراكز، ووقعت في المرتبة ٥٧.
- كما تقدّمت غينيا كوناكري ٧ مراكز وحلّت في المركز ٧٨.
- وبخصوص الكاميرون فقد تقدّمت ٨ مراكز واحتلّت المرتبة ١٣٠.
- وعلى صعيد زيمبابوي فقد تقدّمت بنحو ١٠ مراكز لتحلّ في المرتبة ١١٦، وكذلك تقدّمت السنغال ١٠ مراكز لتحلّ في المرتبة ٩٤، كما تقدّمت سيراليون ١٠ مراكز ووقعت في المرتبة ٦٤.
- أما نيجيريا فقد تقدّمت ١١ مركزًا لتحلّ في المرتبة ١١٢.
- من ناحية أخرى تقدّمت الكونغو برازافيل ١٢ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٦٩. كما تقدّمت غانا ١٢ مركزًا ووقعت في المرتبة ٥٠.
- أما تشاد فقد تقدّمت ١٣ مركزًا، وحلّت في المركز ٩٦.
- كما تقدّمت كينيا ١٤ مركزًا لتحلّ في المرتبة ١٠٢.
- وفيما يخص مالاوي فقد تقدّمت ١٩ مركزًا، ووقعت في المرتبة ٦٣.
- بينما تقدّمت أنجولا ٢١ مركزًا، واحتلت المرتبة ١٠٤.
- وعلى صعيد جمهورية إفريقيا الوسطى؛ فقد تقدّمت ٢٢ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٧٦.
- وبخصوص بنين فقد تقدّمت ٢٣ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٨٩.
- أما إسواتيني فقد تقدمت ٢٦ مركزًا لتحلّ بالمرتبة ٨٥.
- وقد تقدّمت الجابون ٣٨ مركزًا ووقعت في المرتبة ٥٦.
- وفيما يتعلق بتنزانيا فقد حققت رقمًا قياسيًّا بتقدُّمها ٤٦ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٩٧.
- الأفضل والاسوأ بين بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في تصنيف 2024م:
ونخص بالتركيز في هذا الإطار المتعلق بالأفضل والأسوأ بمؤشر حرية الصحافة العالمي دولتَي إريتريا (التي وقعت في المرتبة 180 والأخيرة)، وموريتانيا (التي حلّت في المرتبة 33 والأولى بين دول إفريقيا جنوب الصحراء)، ونستعرض أبرز ما جاء حولهم بالمؤشر على النحو التالي:
- تراجعت إريتريا ٦ مراكز لتحتل المركز الأخير في التصنيف (١٨٠). ويرجع ذلك إلى حظر جميع وسائل الإعلام المستقلة؛ حيث لا يُسمح لأيّ وسيلة إعلام أجنبية أو وطنية بالعمل داخل البلاد، حيث يفرض الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” قبضة مُطلقة على كافة وسائل الإعلام، علمًا بأن “وسائل الإعلام” الوحيدة الموجودة في إريتريا تتبع لسيطرة وزارة الإعلام بشكل مباشر، ويتعلق الأمر بوكالة الأنباء الرسمية وبعض المنشورات والقناة التلفزيونية الحكومية إيري تي في. وتخضع هذه “المنابر الإعلامية” لرقابة صارمة إلى درجة جعلت دورها مُختزلًا في الدعاية للنظام. وحتى في شبكة الإنترنت، يبقى الوصول إلى المعلومات محدودًا للغاية.
وفي هذا السياق، تظل إذاعة إيرينا، التي أُنشئت عام 2019م، منارة الأمل لكل من يرغب في التعرف على ما يحدث داخل إريتريا، باعتبارها المحطة الإذاعية الإريترية المُستقلة والوحيدة غير المُسيّسة؛ حيث تبثّ برامجها من باريس بفضل تضافر جهود مجموعة من الصحفيين الإريتريين المقيمين في المنفى، الذين يقدمون لمواطنيهم أخبارًا حُرة ومُستقلة، علمًا بأن موجاتها تتعرض للتشويش بشكل منتظم. إضافة لذلك فبالرغم من أن حرية الصحافة مكفولة بموجب الدستور، لكنها تبقى حبرًا على ورق؛ حيث يظل العمل الصحفي المستقل محظورًا بشكل فعلي في البلاد، ناهيك عن الاقتصاد الضعيف الذي لا يسمح بأيّ سوق إعلاني لوسائل الإعلام، إضافة إلى ذلك كله فهناك القبضة الأمنية المشددة على المعارضين بشكل عام؛ حيث يقبع الكثير منهم داخل سجون “أفورقي”، أو يتم نفيهم من الأساس خارج البلاد.([1])
- تقدّمت موريتانيا ٥٣ مركزًا لتحلّ في المرتبة ٣٣، وهو التصنيف الأفضل على الإطلاق بين بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وفي هذا الإطار تقول منظمة “مراسلون بلا حدود” حول موريتانيا: “رغم أن البيئة الأمنية في موريتانيا تُعتبَر هي الأقل تدهورًا بالنسبة لظروف ممارسة النشاط الإعلامي مقارنةً بالوضع السائد في العديد من البُلدان المجاورة؛ إلا أن تحسُّن حالة حرية الصحافة في البلاد يرجع إلى حد كبير للإرادة السياسية، وما تتخللها من رغبة في إصلاح قطاع الإعلام، حيث قدَّمت اللجنة المكلفة بهذا المشروع الإصلاحي مقترحاتها الـ64 إلى رئيس الجمهورية في فبراير 2022م، علمًا بأنها بدأت تُنفَّذ تدريجيًّا منذ ذلك الحين.”([2])
خاتمة:
في الأخير، وفي ظل مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي تلوح في الأفق -مع توجّه أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع-، فمن المتوقع أن تشهد أغلب مناطق العالم ضغوطًا شديدة على الصحفيين. خاصة مع التأكّد خلال ما وَرد بمؤشر الصحافة العالمي، في نسخته لعام 2024م، من قيام الدول والقوى السياسية الفاعلة بدَوْر متخاذل في حماية حرية الصحافة، بل إن الكثير منها يُمَثِّل أداة لقمع الصحافة، وممارسة إجراءات أكثر عدائيّة تُقوِّض من دور الصحفيين، أضف إلى ذلك قيامها باستغلال وتسخير وسائل الإعلام لشنّ حملات مُمَنهجة من المضايقات أو التضليل أو التشهير، وغيرها من تهديدات وانتهاكات تحدث بغية الإضرار بحرية الصحافة وعرقلة مهامها، حتى إن وصل الأمر إلى إسكاتها وإبعادها تمامًا عن الفضاء العام بشتَّى تعقيداته وسياقاته.
…………………………………………………….
([1]) “إريتريا”، مؤشر حرية الصحافة العالمي، مراسلون بلا حدود، مايو 2024م، متاح على الرابط: https://rb.gy/96ww90
([2]) “موريتانيا: مراسلون بلا حدود تدعو مرشحي الانتخابات الرئاسية إلى إطلاق عشرة التزامات بشأن الحق في الوصول إلى المعلومات”، مراسلون بلا حدود، 2024م، متاح على الرابط: https://rb.gy/sbnlcw
– “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024: وسائل الإعلام ترزح تحت وطأة الضغوط السياسية”، مراسلون بلا حدود، مايو 2024م، متاح على الرابط: https://rb.gy/ix734q
– “2024 World Press Freedom Index – journalism under political pressure”, Reporters Without Borders (RSF), May 2024. Retrieved from: https://rsf.org/en/2024-world-press-freedom-index-journalism-under-political-pressure