يصدر تقرير التنافسية العالمية 4.0 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومقره في جنيف في سويسرا. ويقيس هذا التقرير القدرة التنافسية للدول من خلال (12) محورًا هي: (المؤسسات، البنية التحتية، اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، استقرار الاقتصاد الكُلّيّ، الصحة، المهارات، سوق المنتجات، سوق العمل، النظام المالي، حجم السوق، ديناميكية العمل، والقدرة على الابتكار).
ولعل ذلك يعني أن التقرير يركّز على الثورة الصناعية الرابعة كمسار لتطوير القدرة التنافسية للدول. وقد خلت قائمة الدول العشر الأوائل على الصعيد العالمي من وجود أيّ دولة إفريقية؛ حيث جاء الترتيب كالتالي:
1- سنغافورة، 2- الولايات المتحدة الأمريكية، 3- هونغ كونغ، 4- هولندا، 5- سويسرا، 6- اليابان، 7- ألمانيا، 8- السويد، 9- المملكة المتحدة، 10- الدنمارك.
وبمراجعة موقع الدول الإفريقية في تقرير عام 2019م يتضح ما يلي:
أولاً تُعَدّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أقل المناطق تنافسية في العالم؛ حيث سجل التقرير 25 من 34 اقتصادًا تم تقييمها هذا العام أقل من 50 نقطة. كما حقّق الإقليم متوسطًا مقداره (46.3) نقطة؛ حيث يُعَدُّ 17 اقتصادًا إفريقيَّا من بين أقل 20 دولة على مستوى العالم من حيث درجة التنافسية.
ومع ذلك؛ فإن العديد من البلدان في هذه المنطقة قد حسَّنت أداءها التنافسي هذا العام؛ ممَّا ساعد إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على أن تصبح واحدة من أكثر المناطق تحسنًا بمعدل (+ 2.3 ٪).
وقد تبوَّأت جزيرة موريشيوس المكانة الأولى إفريقيا؛ حيث احتلت المركز 52 عالميًّا. كما تحسَّنت جنوب إفريقيا، ثاني أكثر الدول تنافسية في المنطقة؛ لتصعد إلى المرتبة 60، بينما أضحت ناميبيا في المركز (94)، ورواندا (100)، وأوغندا (115)، وغينيا (122)، وجميعها تحسَّنت بشكل ملحوظ.
ولعل من بين الاقتصادات الكبرى الأخرى والواعدة في المنطقة نجد الاقتصاد الكيني في (المرتبة 95)، ونيجيريا في (المرتبة 116). وثمة ملاحظة إيجابية؛ حيث إن من بين البلدان الـ 25 التي حسَّنت درجة أدائها في المجال الصحي بفارق نقطتين أو أكثر، نجد 14 دولة منها تقع جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وهو ما يعني تحسنًا ملحوظًا في متوسط العمر المتوقع للسكان.
ثانيًا: تُعَدُّ موريشيوس الدولة الأولى إفريقيًّا؛ حيث حصلت على نسبة 64.3 والمرتبة 52 عالميًّا. يطرح ذلك العديد من التساؤلات؛ مثل ما الذي يُفسِّر النجاح الاقتصادي لموريشيوس، وهي الأفضل أداءً بين البلدان الإفريقية؟ كيف استطاعت تطوير قطاع التصنيع، وكيف تمكّنت من الاستجابة بشكل جيّد للصدمات الخارجية؟
لقد قامت البلاد بتحسين أدائها بمقدار 0.6 نقطة؛ ومع ذلك، تغلَّبت عليها الاقتصادات الأخرى الأسرع تطورًا؛ فقد فقدت ثلاثة مراكز في التصنيف العالمي.
تتمتع موريشيوس بمكانة جيدة من حيث الجودة المؤسسية، مع وجود معدلات أمن عالية نسبيًّا في السياق الإقليمي، ورأس مال اجتماعي متطوّر، وحوكمة قوية للشركات، والتزام قوي نسبيًّا بالاستدامة. في نفس الوقت قامت موريشيوس بتحسين بنيتها التحتية، واعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي واحدة من أكثر الدول انفتاحًا في العالم، وكل ذلك يُعدّ من المتطلبات الأساسية لممارسة الأعمال. ومع ذلك، فإن هذا التقدم يقابله انخفاض طفيف من حيث استقرار الاقتصاد الكليّ مدفوعًا بزيادة الدَّيْن العام، وانخفاض سنوات التحصيل العلمي إلى 15 سنة.
في الوقت نفسه، يظل سوق العمل جامدًا إلى حدّ ما، ولا يتطابق تمامًا مع الأجر والإنتاجية، مما يَحُدّ من تنمية وتطوير المواهب الجديدة. وربما يفسّر التطور البطيء لرأس المال البشري مع انخفاض القدرة على الابتكار، السبب في أن موريشيوس لم تتطور بعدُ إلى اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة. كما أن الاستثمار في البحث والتطوير غير كافٍ، بالإضافة إلى أن التعاون بين الجامعات والشركات -أي: ربط التعليم بسوق العمل- محدود؛ مما يُعيق تحقيق نظام بيئي فعَّال للابتكار.
ثالثًا: استعادت جنوب إفريقيا القدرة التنافسية بعد تحوُّلات المشهد السياسي الأخير في مرحلة ما بعد الرئيس زوما؛ حيث صعدت 7 مراكز لتصل إلى المركز 60 عالميًّا. وتُعدّ البلاد مركزًا ماليًّا إقليميًّا واعدًا؛ حيث تتمتع بوجود أسواق متطورة في مجال الأسهم والتأمين والائتمان، كما طوَّرت جنوب إفريقيا واحدة من أكثر البنى التحتية تقدمًا في المنطقة، وهي أيضًا من بين البلدان الأولى في إفريقيا؛ من حيث حجم السوق. بالإضافة إلى نقاط القوة هذه، فإن الظروف الصحية -رغم أنها تحتل مكانة متدنية عالمية (118)- قد تحسنت؛ حيث أضافت 3.3 سنوات إلى متوسط العمر المتوقع منذ عام 2018م.
على النقيض من ذلك، لا تزال جوانب أخرى ضعيفة من حيث الأداء العام؛ إذ لا يزال الأمن أحد القيود الرئيسية التي تعيق القدرة التنافسية لجنوب إفريقيا، كما أن الشفافية وقدرة الحكومة على التأقلم والتغيير تُعدّ أدنى من المستوى المطلوب. علاوة على ذلك، فإن القدرة التنافسية لجنوب إفريقيا تعوقها ديناميكية الأعمال المنخفضة نسبيًّا؛ حيث إنَّ عدم تنظيم الإعسار والأعباء الإدارية تقف حائلاً أمام بدء الأعمال التجارية. إن هناك حاجة ماسَّة إلى إصلاحات هيكلية لإعادة إنعاش الاقتصاد، وتوفير فرص أفضل لأكبر عدد ممكن من مواطني جنوب إفريقيا.
البلدان الإفريقية العشرة الأوائل على قائمة التنافسية العالمية (2019م)
الدولة |
الترتيب |
النقاط |
موريشيوس |
52 |
64.3 |
جنوب إفريقيا |
60 |
62.4 |
المغرب |
75 |
60.0 |
سيشل |
76 |
59.6 |
تونس |
87 |
56.4 |
الجزائر |
89 |
56.3 |
بوتسوانا |
91 |
55.5 |
مصر |
93 |
54.5 |
نامبيا |
94 |
54.5 |
كينيا |
95 |
54.1 |
رابعًا: على صعيد النمو الاقتصادي نجد أن نسبة النمو عام 2019م مقاربة لعام 2018م، وأن جنوب الصحراء الكبرى ستكون موطنًا للعديد من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم؛ إذ وفقًا لصندوق النقد الدولي سوف تتصدر أرقام النمو في المنطقة مرة أخرى الدول التالية: إثيوبيا، رواندا، غانا، كوت ديفوار، السنغال، بنين، كينيا، أوغندا، وبوركينا فاسو؛ الذين ما زالوا في قائمة العشرة الأوائل، كما تنضم تنزانيا إلى تلك المجموعة هذا العام، لتحل محل غينيا.
ومن المتوقع أن يبلغ معدل النُّموّ الاقتصادي الإجمالي للمنطقة 3.8٪، على قدم المساواة مع التوقعات العالمية البالغة 3.7٪. ومع ذلك، يجب أن نواجه الوجه الآخر من العملة في عام 2019م، وهو ما يتعلق بحقيقة أزمة الديون. إن هناك خطرًا حقيقيًّا يواجه الاقتصاد الإفريقي، مع احتمال حدوث ركود عالمي في عام 2020م؛ حيث سوف تنخفض أسعار السلع الأساسية مع انخفاض الطلب. ويترتب على ذلك إشكاليات معقَّدة تواجه العديد من البلدان الإفريقية من أجل إدارة خدمة ديونها؛ خاصةً إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع.
خامسًا: لا تزال اقتصادات إفريقيا بعيدة عن تحقيق خطاب “إفريقيا الصاعدة” الذي تم الترويج له في الدوائر النيوليبرالية الدولية منذ العقد الماضي. على سبيل المثال: تُعَدُّ تكاليف الإنترنت في إفريقيا أعلى بكثير عما هي عليه في أيّ مكان آخر في العالم، كما أن سرعات الإنترنت في جميع أنحاء إفريقيا أقل بكثير من الحد الأدنى المتعارف عليه وفقًا للمعايير العالمية.
ولا شك أن زيادة القدرة التنافسية للاقتصادات الإفريقية سيعتمد على كيفية حل “القضايا التنموية القديمة”؛ وهي المؤسسات الضعيفة بشكل أساسي، والبنية التحتية الضعيفة والمتآكلة، والعجز في وجود المهارات الضرورية.
إن القراءة الواعية والمتعمقة لموقع إفريقيا على خارطة التنافسية العالمية عام 2019م تظهر أن خطاب “الصعود الإفريقي” هو مجرد موضة فكرية يتم الترويج لها بهدف تجميل الواقع الإفريقي؛ للتغطية على أوجه الخلل الهيكلية التي تعاني منها الاقتصادات الإفريقية منذ الاستقلال. إنه مجرد وشاح جميل يُخفي حقيقة وجود نضالات عديدة ينبغي خَوْضها في الداخل الإفريقي. وباستثناء شرق إفريقيا، تراجع التصنيع في جميع أنحاء القارة.
ومن المهم الإشارة إلى أنه حتى داخل قطاع الصناعات التحويلية؛ شكَّلت الصناعات القائمة على الموارد حوالي 49% من إجمالي القيمة المضافة في إفريقيا.
ويتضح تخلُّف التصنيع في إفريقيا أيضًا على المستوى العالمي؛ حيث تمثل الصادرات الصناعية نسبة مئوية منخفضة من إجمالي الصادرات الإفريقية، والأهم من ذلك، هو أن هذه الحصة انخفضت على مَرّ السنين.