تمهيد:
على الرغم من أن بعض الكتابات ترى في تبنّي تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من الرفاهيات، في ظل عجز بلدان القارة عن إدارة مواردها الطبيعية من ناحية، وتلقّيها حجمًا هائلًا من النفايات الضارة من العالم المتقدّم من ناحية أخرى؛ إلا أن تبنّي مبادئ الاقتصاد الدائري يُعدّ ضرورةً ملحةً؛ حيث يُمثِّل وقايةً مبدئيةً من تلك النفايات، ويُقلِّل من التلوث والانبعاثات الضارة، وقد يكون مجالًا للاستثمار وتوليد الدخل.
وأحاول من خلال هذا البحث التطرُّق بشيءٍ من الإيجاز إلى بورصة النفايات في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وعرض بعض تجارب المنطقة مع الاقتصاد الدائري؛ من خلال المباحث التالية:
- المبحث الأول: الاقتصاد الدائري: المفهوم والإستراتيجيات.
- المبحث الثاني: بورصة النفايات في إفريقيا جنوب الصحراء.
- المبحث الثالث: تقييم نماذج الاقتصاد الدائري في إفريقيا جنوب الصحراء – مع التركيز على كينيا.
- خاتمة وتوصيات.
المبحث الأول
الاقتصاد الدائري: المفهوم والإستراتيجيات
أولًا: مفهوم الاقتصاد الدائري
يعود مفهوم الاقتصاد الدائري إلى عام 1976م، عندما نادت به سويسرا، وطرحته كمفهوم اقتصادي جديد، ومفاده “العمل على الحفاظ على قيمة المنتجات، وإدارة المخزون ورأس المال الطبيعي والبشري والمُصنَّع والمالي، مع إطالة عمر المنتجات في مرحلة الاستخدام، بالحفاظ على قيمتها”([1]).
يتَّجه العالم نحو نموذج يُعرَف بالاقتصاد الدائري وسط دعوات تُحفِّز نحو التحكُّم بشكل أكبر في الموارد، وفي ظل وجود نماذج في بعض الاقتصادات التي تتمتع بوجود سلاسل إمداد دائرية يتم عن طريقها اقتسام الأرباح بشكل عادل بين المجتمعات والمستهلكين، وغيرهم. وعليه يمكن القول: إن هناك حاجة ماسَّة إلى تطوير نماذج اقتصادية جديدة في ظل عالم محدود الموارد. بمعنى أن النموذج الصناعي في استهلاك المُنتَج ثم التخلص منه يُعدّ نموذجًا اقتصاديًّا غير مستدام، وذلك في ظل توجُّه عالمي لاعتماد مفاهيم الاستدامة بمفهومها الشامل.
وقد ظهر مصطلح “الاقتصاد الدائري” في عام 1989م مع ظهور كتاب بعنوان “اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئة”، الصادر عن مطبعة جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، لمؤلفيه: ديفيد بيرس وآر، كيري تيرمز؛ حيث يبيِّن الكتاب العلاقة بين الاقتصاد والموارد الطبيعية والبيئة، وطبيعة التكامل بين النظام البيئي والاقتصادي، وأهم ظواهر الانحراف في النظام البيئي وآثارها الاقتصادية، ويميز المؤلفان فيه بين ما يسمى بالاقتصاد الخطي؛ حيث يكون استهلاك الموارد مفتوحًا، والاقتصاد الدائري.
وبالتالي، يُعرّف الاقتصاد الدائري بأنه “اقتصاد يتم فيه الحفاظ على قيمة المنتجات والمواد والموارد في الاقتصاد، وذلك لأطول فترة ممكنة، وتقليل توليد النفايات، وهو نقيض الاقتصاد الخطي الذي هو أساسًا نموذج للأخذ، الصنع والتخلص”([2]).
ويعتمد الاقتصاد الدائري على عدة ركائز؛ مثل: التصميم المتجدّد، واقتصاد الأداء، والبيئة الصناعية. وتم تقديم مفهوم الاقتصاد الدائري في تقرير بحثي للمفوضية الأوروبية، ورسم رؤية للاقتصاد في حلقات وتأثيره على خلق فرص العمل وتوفير القدرة التنافسية وتوفير الموارد ومنع النفايات. ويُعرّف بأنه “اقتصاد تصميمي يهدف إلى الحفاظ على المنتجات والمواد في أعلى فائدة وقيمة لها، واستخدامها أكثر من مرة”.
ولكنَّ التعريف الأكثر ذِكْرًا له “أنه نظام صناعي يتم ترميمه وتجديده بواسطة البنية والتصميم وخلق نظام يستبدل مفهوم “نهاية الحياة”، باستعادة التحوُّل نحو استخدام الطاقة المتجددة، ويزيل استخدام المواد الكيميائية السامة التي تَعُوق إعادة الاستخدام، ويهدف إلى القضاء على النفايات وتحويل النفايات من عبء مالي إلى مورد اقتصادي جديد”؛ على حسب مؤسسة إلين ماك آرثر. وكذلك فهو نَمط للتنمية الاقتصادية يعتمد على الدوران البيئي للموارد الطبيعية، ويتطلب الامتثال للقوانين البيئية والاستخدام السليم للموارد الطبيعية لتحقيق التنمية، فهناك عملية تغذية مرتدة تحت مسمى “الموارد- المنتج- المتجدد”، وأن الأهداف النهائية هي الإنتاج الأمثل، والاستهلاك الأمثل، والحد الأدنى من الهدر([3]).
وقد حقَّق مفهوم الاقتصاد الدائري مشاركة واسعة من المجتمعات الأكاديمية السياسية والأعمال والمنظمات غير الحكومية خلال السنوات الأخيرة. فهو يُعدّ نموذجًا صناعيًّا جديدًا يعارض النموذج الخطي لاستهلاك الموارد استنادًا إلى ثلاثية: “خذ، اصنع، وتخلص”. ويهدف إلى القضاء على النفايات الضارة بالبيئة، ويشجّع على استخدام السلع بمكونات طبيعية تسمى “المغذيات”، والتي يمكن إعادة امتصاصها في المحيط الحيوي دون ضرر، وكذلك تكييف من أجل إعادة استخدام وإعادة إصلاح واستخدام وإعادة تدوير للمكونات التقنية غير المناسبة للمحيط الحيوي، كما أن استهلاك السلع في الاقتصاد الدائري يستند إلى فكرة “اقتصاد خدمة وظيفي”، أي: تأجير السلع بدلًا من بيعها والذي سيُولِّد نفايات. والاقتصاد الدائري هو نظام اقتصاد يتمّ فيه الحفاظ على قيمة المنتجات والمواد والموارد لأطول فترة ممكنة، ويتم تقليل إنتاج النفايات إلى الحد الأدنى.
واستنادًا إلى التعريفات السابقة هناك ثلاثة مبادئ أساسية للاقتصاد الدائري([4]):
- القضاء على النفايات والتلوث.
- إبقاء المنتجات والمواد قيد الاستخدام.
- تجديد النظم الطبيعية.
أصبح “الاقتصاد الدائري” أحد أكثر المفاهيم استخدامًا في مجال الأعمال، ويشير إلى جميع الأعمال التي تنطوي عليها إعادة التدوير، وتقليل النفايات، وخلق وظائف مستدامة جديدة. يستشهد المنتدى الاقتصادي العالمي بأرقام من شركة الاستشارات “أكسنتشر” (Accenture)، التي تقول: إن إدخال مثل هذه التغييرات يمكن أن يُمثِّل سوقًا بقيمة 4.5 تريليون دولار بحلول عام 2030م.
ويُقدّر مكتب العمل الدولي أن الانتقال إلى اقتصاد دائري يمكن أن يخلق ستة ملايين وظيفة في جميع أنحاء العالم. إحدى الشركات الشهيرة التي اتبعت نهج الاقتصاد الدائري، هي شركة “نستله”، وهي أكبر شركة للأغذية والمشروبات في العالم. وتبيع منتجات في 186 دولة مختلفة. وشركة السيارات الفرنسية رينو؛ إذ هناك 11 مليون سيارة تنتهي صلاحيتها في أوروبا، وتطرح صناعة السيارات كميات هائلة من النفايات والمواد الكيميائية السامة والمعادن في القمامة. ومع ذلك، يمكن إعادة تدوير 85٪ من المواد المستخدمة في صناعة السيارات([5]).
وبقراءة تقرير فجوة الدائرية لعام 2024م([6]) تشير النتائج إلى أن حصة المواد الثانوية التي تدخل الاقتصاد قد انخفضت من 9.1٪ في عام 2018م إلى 7.2٪ في عام 2023م. وفي السنوات الست الماضية، تم استهلاك ما يقرب من نفس عدد المواد التي تم استهلاكها في القرن الماضي. لذلك، من الأهمية بمكان أن يتم تصميم الحلول الدائرية مع وضع العالم النامي في الاعتبار([7]).
ثانيًا: إستراتيجيات وتطبيقات الاقتصاد الدائري
رغم الاعتقاد الشائع بأن الاقتصاد الدائري أكثر تكلفةً واستهلاكًا للوقت من أسلوب الاقتصاد الخطي، فإنه في الواقع، أكثر فائدة على المدى الطويل؛ لأنه يحترم حقيقة أن الموارد على الأرض محدودة، ويُعيد تصميم المواد والمنتجات والخدمات بحيث تكون أقل كثافة في استخدام الموارد، وذلك في ظل تعدُّد نماذج عمل الاقتصاد الدائري، والتي يمكن التفاضل بينها وفقًا لمعايير الصناعة والقدرة التمويلية للمشروعات، وتتمثل في([8]):
1- تصنيع المنتجات واستخدامها بشكل أكثر ذكاءً، ومن إستراتيجياتها:
- تعدد الوظائف: جعل المورد زائدة عن الحاجة؛ من خلال التخلي عن وظيفته أو من خلال تقديم الوظيفة نفسها مع مُنتَج مختلف جذريًّا.
- إعادة التفكير: جعل استخدام المورد أكثر كثافة.
- التقليل: زيادة الكفاءة في تصنيع الموارد أو الحصول على موارد طبيعية أقل.
2- إطالة عمر الموارد وأجزائها؛ تندرج تحتها إستراتيجيات للاحتفاظ بالسلع تامة الصنع وأجزائها في الاقتصاد لفترة أطول، مع الحفاظ على قيمتها أو تحسينها، وهي:
- إعادة استخدام المُنتَج المُهمَل مِن قِبَل مُستهلِك آخر، والذي لا يزال في حالة جيدة، ولا يؤدي وظيفته الأصلية.
- إصلاح وصيانة المورد أو المُنتَج المعيب حتى يمكن استخدامه بوظيفته الأصلية.
- تجديد: استعادة المورد أو المنتج القديم وتحديثه.
- إعادة التصنيع: عبر استخدام أجزاء من المورد/ المُنتَج المهمل في مُنتَج جديد بالوظيفة نفسها.
- إعادة توظيف: استخدام الموارد المهملة أو أجزائها في مورد جديد له وظيفة مختلفة.
3- التطبيق المفيد للمواد؛ تتعلق بالنفايات الصلبة من مواد عضوية وغير عضوية؛ حيث يتم:
- إعادة التدوير، من خلال معالجة الموادّ للحصول على الجودة نفسها (درجة عالية) أو أقل (درجة منخفضة).
- الاسترداد، عبر حَرْق الموادّ مع استعادة الطاقة.
وتختلف الإستراتيجية المتَّبعة في الاقتصاد الدائري وفقًا للقطاعات الاقتصادية ونماذج الأعمال، وتدفقات المدخلات والمخرجات، وكذلك فئات الموادّ، وتصنيف أهداف الاقتصاد الدائري طويلة المدى)، ومجالات دورة الحياة (مثل التصميم البيئي، ومدخلات المواد).
وهناك ثلاثة محركات رئيسية للاقتصاد الدائري: قيود الموارد، والتطور التكنولوجي، والفرص الاجتماعية والاقتصادية. وخمسة نماذج أعمال جديدة من شأنها أن تُوفّر حالة عمل قوية للاقتصاد الدائري: سلسلة التوريد الدائرية، والاسترداد وإعادة التدوير، وإطالة عمر المُنتَج، ومنصة المشاركة، والمنتج كخدمة. والانتقال إلى الاقتصاد الدائري في البلدان الإفريقية سوف يكون مزيجًا من الجهود التي تبذلها العديد من الجهات الفاعلة، وهناك منظمات دولية ناشئة تدعم تبادل الممارسات الدائرية الجيدة.
ومن الأمثلة على ذلك: نادي الاقتصاد الدائري، وهي شبكة عالمية من محترفي الاقتصاد الدائري تُشجّع التعاون لتحقيق تأثير أكبر للممارسات الدائرية. وفي فبراير 2018م، عُقدت جلسة رسم خرائط عالمية لتسجيل مبادرات الاقتصاد الدائري في 67 مدينة. وهناك العديد من الجهات الفاعلة في إفريقيا التي تبني على الجهود المبذولة لخلق مستقبل أكثر استدامة للقارة: الحكومات (مثل التحالف الإفريقي للاقتصاد الدائري)، والمنظمات غير الحكومية (مثل شبكة الاقتصاد الدائري الإفريقية)، والشركات (كل من الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب المشاريع الصغيرة)، ووكالات التنمية الدولية (مثل Tearfund)، والهيئات التنسيقية الدولية (مثل المنتدى الاقتصادي العالمي)([9]).
المبحث الثاني
بورصة النفايات في إفريقيا جنوب الصحراء
أولًا: تحليل سوق النفايات في إفريقيا جنوب الصحراء
كان يعيش حوالي 1.09 مليار شخص في إفريقيا في عام 2012م، وأنتجوا 125 مليون طن من النفايات. وقد زاد حجم النفايات في دول إفريقيا جنوب الصحراء بمقدار 55 مليون طن من عام 2012م إلى عام 2019م. ومن المتوقع أن تزيد نفايات المنطقة في عام 2025م إلى 244 مليار طن، مع حجم سكاني متوقع يبلغ حوالي 1.50 مليار.
ووفقًا لتقرير برنامج المياه والصرف الصحي لعام 2012م؛ فإن التخلُّص غير السليم من النفايات يكلف غانا 290 مليون دولار سنويًّا، أي ما يعادل 1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و3 مليارات دولار في نيجيريا، وهو ما يمثل 1.3٪ من الناتج المحلي سنويًّا. ووفقًا للتقرير نفسه؛ تنفق زامبيا وليبيريا ومدغشقر وكينيا 195 مليون دولار، و17.5 مليون دولار، و103 ملايين دولار، و324 مليون دولار على التوالي سنويًّا من أجل التخلص العشوائي من النفايات، وهو ما يُمثِّل نطاقًا يتراوح بين 0.9% و2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة([10]).
يتم تصنيف النفايات الناتجة إلى: قابلة للتحلل إما كيميائيًّا أو بيولوجيًّا، أي المواد العضوية، وقابلة للتحلل جزئيًّا، على سبيل المثال، الحمأة وغير قابلة للتحلل، أي الإلكترونية والمعادن والبلاستيك. ومع ذلك، فإن النفايات في جنوب الصحراء الكبرى تحتوي على تركيبة كبيرة من المواد العضوية (57٪)، ومحتويات أخرى قابلة للتحلل جزئيًّا بنسبة 22٪ كما هو موضح في الشكل التالي. ويمكن أن يخضع هذا النوع من النفايات للتحلل اللاهوائي والهوائي. لذلك، عندما يتم إدارة النفايات بشكل غير صحيح، يكون لها تأثير سلبي على كل من صحة الإنسان والبيئة من خلال العمل كأرضية للعدوى وانبعاث الغازات، من بين العديد من الأنواع المتنوعة الأخرى من التلوث([11]).
شكل (1) النفايات في إفريقيا جنوب الصحراء
Justice Kofi Debrah and et al, Barriers and Challenges toWaste Management Hindering the Circular Economy in Sub-Saharan Africa.p.4…at:
https://www.researchgate.net/publication/363174353_Barriers_and_Challenges_to_Waste_Management_Hindering_the_Circular_Economy_in_Sub-Saharan_Africa
وبورصة النفايات هي أرضية إلكترونية تلعب دور همزة وصل بين العرض والطلب للنفايات المرجَّح تثمينها (لإعادة الاستعمال- التدوير- تثمين الطاقة)([12]).
ويُقدّر حجم سوق النفايات في إفريقيا بـ21.72 مليار دولار في عام 2024م، ومن المتوقع أن يصل إلى 27.70 مليار بحلول عام 2029م، بمعدل نموّ سنوي مركب قدره 4.98٪ خلال الفترة المتوقعة (2024-2029م). والسوق مدفوع بالمبادرات والمشاريع الحكومية، وأيضًا مدفوع بالشركات الناشئة في هذا القطاع. وينمو سكان الحضر في إفريقيا بمعدل أسرع من أيّ قارة أخرى (3.5% سنويًّا). على الرغم من أن توليد النفايات في إفريقيا أقل حاليًّا مما هو عليه في العالم المتقدم، ومن المتوقع أن تتفوق إفريقيا جنوب الصحراء على العالم المتقدم باعتبارها المنطقة المهيمنة من حيث إجمالي توليد النفايات إذا استمرت اتجاهات التوليد الحالية.
إن النمو السكاني، والتحضر السريع، والطبقة المتوسطة المتنامية، وعادات الاستهلاك وأنماط الإنتاج المتغيرة، وتجارة النفايات العالمية والاتجار بها، كلها عوامل تسهم في توليد النفايات في إفريقيا. وبما أن ما معدله 57% من النفايات البلدية الصلبة عبارة عن نفايات عضوية قابلة للتحلل، يتم التخلص من الجزء الأكبر من النفايات؛ حوالي 90% من النفايات المتولدة في الأرض. يتم إعادة تدوير حوالي 4% فقط منها، وغالبًا مِن قِبَل جهات غير رسمية. وتتسم سوق النفايات في إفريقيا بأنها تنافسية للغاية مع وجود العديد من المنافسين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك Averda وEnviroserv وInterwaste وWestMart وUniversal Recycling Company وDesco وPETCO، وتقدم العديد من الشركات المحلية لعملائها مجموعة كاملة من خدمات القيمة المضافة الفعَّالة من حيث التكلفة مع الاستفادة من الخبرة التي اكتسبوها في إفريقيا. وتُركّز الشركات الكبرى على ابتكار أساليب متطورة للتخلُّص من القمامة بطريقة مستدامة بيئيًّا. ومن قادة سوق النفايات في إفريقيا Averda و Enviroserv و Interwaste و WasteMart([13]).
ثانيًا: سياسات الاقتصاد الدائري في إفريقيا جنوب الصحراء
أصبحت إفريقيا في الآونة الأخيرة موقعًا لرمي النفايات، وخاصةً النفايات الخطرة، التي تأتي غالبًا من البلدان المتقدمة. ولقي أكثر من 130 شخصًا حتفهم في انهيارات مدافن النفايات في إفريقيا العام الماضي. ولمعالجة هذه المخاوف، ظهرت العديد من الابتكارات الاجتماعية والتكنولوجية في قطاع النفايات في إفريقيا. ومقارنةً بمعدل إعادة التدوير الضئيل في القارة، تبرز جنوب إفريقيا كمنارة مشرقة؛ حيث استهلكت جنوب إفريقيا ما يقرب من 3.4 مليون طن من مواد التعبئة والتغليف (الزجاج والورق والمعادن والبلاستيك) في عام 2021م، مع جمع ما يقرب من 54% منها لإعادة التدوير، مقارنةً بالمتوسط القاري البالغ 4%.
وبعيدًا عن النجاح الذي حققته جنوب إفريقيا؛ فإن الوضع يظل قاتمًا، فخدمات التجميع في أغلب البلدان الإفريقية غير كافية على الإطلاق. ومتوسط معدل جمع النفايات البلدية الصلبة منخفض (معظمها نفايات عضوية)، ويتم التخلص من معظمها، على الرغم من أنها يمكن أن تُوفِّر فرصًا اجتماعية واقتصادية كبيرة. وتبرز إعادة التدوير كعمل تجاري قابل للحياة في جميع أنحاء إفريقيا، مدفوعًا بالفقر والبطالة والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية أكثر من تصميم القطاع العام أو الخاص. ويكتسب جيش من جامعي النفايات غير المدفوعة أجرهم ولقمة عيشهم من خلال استعادة الموارد القيِّمة بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة على البلديات أو الشركات الخاصة([14]).
وقد تم اتخاذ أحد أهم القرارات في تاريخ إدارة النفايات عندما اجتمع وزراء البيئة الأفارقة في السنغال في منتصف سبتمبر 2022م. لوضع حدّ لحرق القمامة وإلقائها في الهواء؛ حيث أنتجت المنطقة 180 مليون طن من القمامة أو ما يقرب من 9% من إجمالي الناتج العالمي. تم التخلص من حوالي 11% فقط بشكل سليم. وانتهى الأمر بأكثر من 60% منهم في مكبات النفايات المفتوحة. مما يؤدي إلى إطلاق أعمدة التلوث السامة. مما يتسبَّب في موت أكثر من 1.2 مليون إفريقي قبل الأوان كل عام بسبب تلوث الهواء. وتبين أن الأطفال الذين يعيشون بالقرب من مكبات النفايات يعانون من أمراض تنفسية وهضمية وجلدية مستمرة. وإن استخدام القمامة كمدخل إضافي للموارد وتغيير سلوك الناس هما طريقتان يمكن للدول من خلالهما تحقيق ذلك. ويجب على الحكومات، والقطاع التجاري، والمجتمع المدني، وشركاء التنمية بذل جهود هائلة لتغيير المواقف والسلوكيات([15]).
وتلعب السياسات الحكومية في إفريقيا دورًا رئيسيًّا على المستويين الوطني والمحلي. لكنَّ هناك القليل من التشريعات الخاصة بالاقتصاد الدائري، وتركز السياسات عمومًا على التخفيف من آثار تغير المناخ، والاقتصاد الأخضر، وإدارة النفايات. وغالبًا ما يتم تقديم المقترحات، ولكنها لا تزال تنتظر الإقرار في السياسات والتشريعات الحكومية.
ويلخص الجدول التالي بعض السياسات المتعلقة بالاقتصاد الدائري الموجودة في مجموعة مختارة من البلدان الإفريقية ([16]).
جدول (1) السياسات واللوائح والمبادرات المتعلقة بالاقتصاد الدائري في مجموعة مختارة من البلدان الإفريقية
Peter Desmond and Milcah Asamba, Accelerating the Transition to a Circular Economy in Africa – case studies from Kenya and South Africa.p.6..at: https://www.researchgate.net/publication/332416054_Accelerating_the_transition_to_a_circular_economy_in_Africa
وقد تم الإعلان عن التحالف الإفريقي للاقتصاد الدائري The African Circular Economy Alliance (ACEA)) في مؤتمر الأطراف الثالث والعشرين في بون في نوفمبر 2017م؛ كتعاون بين حكومات رواندا ونيجيريا وجنوب إفريقيا. ويهدف التحالف إلى تشجيع البلدان الإفريقية الأخرى على بناء سياسات الاقتصاد الدائري، مثل برنامج المسؤولية الموسَّعة للمنتجين في نيجيريا، والذي يهدف إلى ضمان حماية الشركات للبيئة وإدارة النفايات بشكل مسؤول.
كما تم تشكيل الشبكة الإفريقية للاقتصاد الدائري The African Circular Economy Network (ACEN) في كيب تاون في يونيو 2016م، مِن قِبَل مجموعة من المتخصصين في الاقتصاد الدائري. وتتمثل رؤيتها في بناء اقتصاد إفريقي إصلاحي يُولّد الرفاهية والازدهار من خلال أشكال جديدة من الإنتاج والاستهلاك الاقتصادي التي تُحافظ على مواردها البيئية وتُجدِّدها. لقد بادرت الشبكة بتأسيس فعاليات التعلُّم وتبادل المعرفة بين المتخصصين في التعليم المستمر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، حتى يمكن تطبيق الدروس المستفادة من التطبيق العملي لمبادئ التعليم المستمر في سياقات مختلفة([17]).
وكذلك تم إنشاء ACEF، وهو صندوق ائتماني مُتعدّد المانحين تابع للبنك الإفريقي للتنمية، بهدف وضع الأساس لاعتماد نموذج الاقتصاد الدائري في إفريقيا. يتم تمويله مِن قِبَل وزارة الخارجية الفنلندية وصندوق التنمية الشمالي (NDF). تم إطلاقه رسميًّا في الاجتماعات السنوية للبنك في مايو 2022م برأس مال أوّلي قدره 4 ملايين يورو. يقوم الصندوق بتعبئة الموارد لتوسيع نطاق أنشطته بهدف تسريع الإجراءات نحو الاقتصاد الدائري.
يتماشى التركيز الإستراتيجي للصندوق مع خطة عمل التعافي الأخضر للاتحاد الإفريقي، والتي تحدد طموح البلدان الإفريقية لمعالجة التحديات المشتركة للتعافي من كوفيد-19 وتغيُّر المناخ. ويتوافق مع إستراتيجية مجموعة البنك الإفريقي للتنمية الممتدة لعشر سنوات 2023-2032م؛ والتي تهدف إلى تسريع النمو والتنمية الشاملة والخضراء والمرنة في إفريقيا. وهو متوافق أيضًا مع مسارات التنمية منخفضة الانبعاثات في البلدان المختلفة ومتوافق مع أهداف التخفيف من آثار تغيُّر المناخ الشاملة لاتفاقية باريس. ويُوفّر تمويل المنح للمشاريع على المستويين القاري والوطني من خلال([18]):
- دعم تطوير خرائط الطرق والإستراتيجيات الوطنية للاقتصاد الدائري عبر الوزارات.
- دعم البلدان لتحقيق أهدافها الإستراتيجية المتعلقة بإستراتيجيات الاقتصاد الدائري.
- تعزيز القدرة الحكومية على تصميم سياسة الاقتصاد الدائري، وتوليد المعرفة حول النظام البيئي للاقتصاد الدائري الإفريقي.
- دعم الحكومات في تعبئة الموارد للاقتصاد الدائري
المبحث الثالث
تقييم نماذج الاقتصاد الدائري في إفريقيا جنوب الصحراء – مع التركيز على كينيا
أولاً: نماذج الاقتصاد الدائري في إفريقيا جنوب الصحراء
إن ممارسات الاقتصاد الدائري متجذرة بقوة في الثقافة الإفريقية، وتُشكِّل جزءًا من حياتهم اليومية. ومن الجدير بالذكر بشكل خاص: ممارسات التسميد والإصلاح وإعادة الاستخدام، وفي بعض الحالات، الرفض واسع النطاق للمنتجات، مثل حظر الأكياس البلاستيكية في رواندا وكينيا. إن ممارسات الاحتفاظ بالقيمة تُمارس في الغالب بدافع الضرورة الاقتصادية. والممارسات الزراعية التقليدية ذات طبيعة ترميمية. وإذا تم تمكين سكان إفريقيا الشباب نسبيًّا، فقد يكون ذلك بمثابة قوة دافعة وراء توسيع نطاق الاقتصاد الدائري. وعلاوةً على ذلك، فإن أيّ انتقال للاقتصاد الدائري في إفريقيا سوف يتعين عليه العمل مع القطاع غير الرسمي بدلًا من العمل ضده. ومع ذلك، فإن الاقتصاد الدائري في إفريقيا غير مُعتَرف به جيدًا وغير مؤسسي([19]).
وتُبْذَل جهود كبيرة للتعامل مع تحديات إدارة النفايات في إفريقيا؛ من خلال العديد من شركاء التنمية الدوليين؛ كما بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، بالتعاون مع مرفق البيئة العالمية، وحكومة نيجيريا؛ بهدف معالجة التحديات التي تُمثّلها ممارسات إدارة النفايات الإلكترونية، والتي تُؤثّر على البيئة والصحة. واستهدف المشروع معالجة نصف مليون طن من النفايات الإلكترونية سنويًّا. كما يهدف إلى تشجيع المنتجين الإلكترونيين على تحمُّل المسؤولية عن نهاية عمر منتجاتهم، ودعم اللوائح والتشريعات ذات الصلة.
وفي غانا، قامت شركة Zoomlion Ghana Limited، وهي شركة خاصة لإدارة النفايات تدعمها الحكومة الغانية والحكومة المجرية، ببناء مصنع للتسميد وإعادة التدوير لتعزيز خدمات إدارة النفايات لحماية البيئة، فضلًا عن المشاركة في الاقتصاد الدائري.
وفي كينيا، بدأت وزارة البيئة والموارد الطبيعية مشروعًا يسمى إجراءات التخفيف المناسبة على المستوى الوطني -نهج إدارة النفايات الصلبة البلدية للمناطق الحضرية في عام 2017م، ويتمثل جوهر المشروع في الابتعاد عن الكميات الضخمة من النفايات من مواقع التخلص منها، نحو إعادة التدوير. وبالمثل، تمتلك جنوب إفريقيا إرشادات بشأن الاقتصاد الدائري لمشروع تطوير بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ إلا أن دولًا مثل الصومال والكونغو والسودان وزيمبابوي تُمارس إدارة النفايات بشكل خطّي في المقام الأول، أي الأخذ والتصنيع والتخلُّص. في حين أن بعض الدول مثل غانا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا وكينيا ورواندا وناميبيا وساحل العاج، من بين دول أخرى، تمارس إعادة التدوير بشكل كامل أو جزئي([20]).
وفي تحديد العوامل التي تعوق ممارسة إدارة النفايات المستدامة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، يتبين أن بلدان المنطقة ليس لديها سياسات وطنية كافية لتوجيه إدارة النفايات المستدامة نحو نموذج إدارة النفايات المستدامة. فضلاً عن عدم وجود إرادة سياسية أو أموال كافية بسبب الافتقار إلى الالتزام بتنفيذ نموذج إدارة النفايات بشكل كامل. وكذلك فإن الموظفين المطلوبين للمشاركة في أنشطة إدارة النفايات على مستوى منخفض من المعرفة. لذلك، فإن تعزيز تنفيذ إدارة النفايات في دول المنطقة يتطلب التزامًا قياديًّا، والتزامًا ماليًّا، وتوفير الموارد البشرية اللازمة. وبالتالي يتم تشجيع دول المنطقة على إصدار وتعزيز وتنسيق السياسات ولإنفاذ التشريعات المتعلقة بإدارة النفايات، وأخيرًا، يحتاج رواد الأعمال إلى الاستثمار في تقنيات إدارة المخلَّفات الحديثة لاستيعاب المسؤولية المجتمعية لتحقيق التنمية المستدامة. ومن المستحسن أن تتبنَّى بلدان المنطقة مبادئ المسؤولية المجتمعية والسياسات واللوائح ذات الصلة وتنفذها بصرامة للمساعدة في هذا الانتقال([21]).
ومن خلال الوقوف على المخاطر المرتبة على تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري على قطاع البناء في كينيا؛ من نواحٍ بيئية، واقتصادية، واجتماعية. ففيما يتعلق بالمخاطر البيئية، فإن معظم أنشطة الاقتصاد الدائري في قطاع البناء في كينيا تعتمد على إعادة التدوير، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى إعادة تدوير النفايات البلاستيكية. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى سياسة عام 2017م، وحظر الأكياس البلاستيكية، كما أن أنشطة إعادة التدوير من مبادرات الاقتصاد الدائري يمكن أن تزيد من انبعاثات الكربون في كينيا بنسبة 0.16٪ (بالنسبة المئوية) بحلول عام 2030م.
وهذا ليس جيدًا لاقتصاد يعمل فيه أكثر من 70٪ في الزراعة، غير أنه من الناحية الاقتصادية فنتيجة للتغيُّر المناخي الناجم في جزء منه من انبعاثات حرق النفايات، وإزالة الغابات في نقص الأخشاب في كينيا؛ مما جعل الأثاث المصنوع محليًّا أكثر تكلفةً مقارنةً بمكونات الأثاث المستوردة. ويُقترح أن نهج الاقتصاد الدائري لإصلاح وإعادة استخدام الأثاث يمكن أن يُوفّر مكونات أثاث أرخص. وستُمكّن هذه المبادرة أيضًا من نموذج عمل يشرك الحرفيين المحليين في الاقتصاد الدائري.
أما من جانب المخاطر الاجتماعية، فإن الشركات المُصنِّعة بحاجة إلى تقديم إعلانات حول المكونات التي تم تجديدها أو إصلاحها، لإعلام المستهلكين بجودة المنتجات التي تم إصلاحها. ومع ذلك، لا توجد سياسة لدعم هذه الفكرة. ويجب أن تبدأ الهيئة التشريعية في تنفيذ القوانين والسياسات التي تدعم الاقتصاد الدائري، وهذا من شأنه أن يُمكِّن من المزيد من مراعاة القِيَم الأخلاقية، كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية([22]).
وبالإشارة إلى غانا، فقد وُجِدَ أن الزراعة الدائرية تُقدِّم فرصًا واسعة لإدارة الموارد الطبيعية الفعّالة والحد من النفايات والتلوث؛ إلا أن تحقيق طموحات الزراعة الدائرية قد يكون مُعقَّدًا ومعرقلًا بسبب التحديات المتمثلة في: السياسات غير المناسبة، والقدرات البشرية والمؤسسية والمالية غير الكافية، والافتقار إلى تقنيات الزراعة المحافظة على الموارد، وضعف مشاركة أصحاب المصلحة ومن أجل معالجة هذه التحديات، فمن الضروري توسيع نطاق نشر المفهوم وممارساته من خلال سياسات وإستراتيجيات مدروسة جيدًا وإجراءات ملموسة على أرض الواقع:
أولًا ينبغي استبدال النهج القائمة من أعلى إلى أسفل في الزراعة والتنمية الوطنية بإستراتيجيات مناسبة من أسفل إلى أعلى. وزيادة الاستثمار في القطاع وجعله أكثر جاذبية. ويجب أن تُكثّف الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية برامجها التعليمية وبناء القدرات بشأن نشر الزراعة المحافظة على الموارد في البلاد. وينبغي تقديم نموذج الزراعة المحافظة على الموارد باعتباره نموذجًا وطنيًّا شاملًا للتنمية المستدامة، وتشجيع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والأفراد في البلاد بنشاط وتحفيزهم على تطبيق النموذج وضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتوقعة للسكان. وأخيرًا، فإن تسريع انتقال البلاد إلى الزراعة المحافظة على الموارد وإنشاء مسار الاستدامة يتطلب تعاونًا دوليًّا حيويًّا يضمن نقل التكنولوجيات المناسبة والمساعدة الفنية التي تدعم أصحاب المصلحة في سلسلة القيمة الزراعية([23]).
كما يشهد قطاع البناء في إفريقيا ارتفاعًا سريعًا مع الطلب على المساكن بسبب النمو السكاني. ومن المتوقع أن يصل عدد سكان قارة إفريقيا إلى 2.4 مليار بحلول عام 2050م. على الرغم من أن جنوب إفريقيا تبدو استثناءً لهذه الزيادة في البناء، إلا أن دول شرق وغرب وشمال إفريقيا لا تزال تشهد توسعًا حضريًّا ملحوظًا، وهذا يعني الاستخراج المفرط للمواد الخام المطلوبة للبناء، مما سيؤدي بدَوْره إلى استمرار زيادة انبعاثات الكربون والزئبق، مما يؤدي إلى إزالة الغابات أو التآكل بسبب الاستخراج الجائر للرمال.
ويقدم الاقتصاد الدائري خيارًا بديلًا لتقليل وإعادة استخدام وإعادة تدوير وإعادة شراء المواد، كما يمكن يُقدّم حلًا لنفايات البناء التي ينتهي بها الأمر بالتخلص منها؛ مما يؤدي إلى المزيد من الفيضانات والتدهور البيئي، وخاصةً في دول مثل كينيا ورواندا ونيجيريا.
وتتضمن بعض الإستراتيجيات التي أبرزتها مؤسسة “إلين ماك آرثر”، والتي من شأنها تعزيز الدائرية في صناعة البناء الإفريقية ما يلي ([24]):
- الحصول على موادّ ومكونات البناء المحلية والمستصلَحة: تفتقر هذه المواد إلى المتانة، وهي عُرضة للحريق، وهي غير مناسبة للاستخدام السليم، وبالتالي، يجب القيام بالعمل لرفع مستوى هذه الممارسة لتعزيز استخدام موادّ البناء البديلة. كما أنها تشمل إعادة استخدام المباني، وإعادة استخدام المواد والتصميم للهدم.
- دَمْج التصميم المناخي الحيوي والسلبي والاستفادة من الموارد، وإدخال الأسطح الخضراء في المباني وزراعة النباتات الخضراء، وهي ميزات يمكن تحقيقها في مرحلة التصميم.
- التصميم من أجل الوحدات النمطية والمرونة: يتم بناء مفهوم المكونات الجاهزة خارج الموقع، ويمكن أن يقلل ربما من نفايات البناء.
ثانيًا: الاقتصاد الدائري في كينيا
تُعدّ كينيا من أسرع الاقتصادات نموًّا في إفريقيا؛ حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة. وقد أسهم القطاعان الزراعي والصناعي بشكل كبير في الازدهار الاقتصادي للبلاد؛ مما أدى إلى كميات هائلة من النفايات والتلوث. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك وَعْي متزايد بالتأثيرات السلبية للاقتصاد الخطي على البيئة والصحة البشرية، مما أدَّى إلى اعتماد مبادئ الاقتصاد الدائري.
ويُقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وهيئة إدارة البيئة الوطنية في كينيا (NEMA) أن كينيا تنتج 22000 طن من النفايات يوميًّا، وهو ما يعادل 8 ملايين طن سنويًّا. 25% فقط من هذه النفايات يتم جمعها والتخلص منها بشكل مناسب. ويأتي حوالي 40% من إجمالي النفايات من المناطق الحضرية، ومع نموّ التحضر السنوي بنسبة 10%، من المتوقع أن يُخلِّف سكان المناطق الحضرية في البلاد ما يُقدَّر بنحو 5.5 مليون طن من النفايات سنويًّا بحلول عام 2030م. وقد تبنَّت كينيا نموذجًا للاقتصاد الدائري الذي يُؤكّد على الحفاظ على الموارد واستخدامها إلى أقصى حد، بما في ذلك إعادة التدوير. وتعمل كينيا نحو اقتصاد دائري مستدام منذ عام 2021م، وقد أصدرت الهيئة الوطنية لإدارة البيئة تشريعات ومعايير لإدارة النفايات لتشجيع التخلص الأخلاقي من القمامة وإعادة التدوير. وكإجراء إضافي، حظرت البلاد الأكياس البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة، مما أدى إلى تقليص القمامة بشكل كبير. وتُقدّر مؤسسة إلين ماك آرثر أنه بحلول عام 2030، قد تجني كينيا 3.4 مليار دولار من الفوائد الاقتصادية السنوية من إنشاء اقتصاد دائري([25]).
وقد يتم تطبيق التدوير على أنواع مختلفة من النفايات، بما في ذلك النفايات البلاستيكية والغذائية والإلكترونية؛ حيث تولد الدولة أكثر من 22 ألف طن من النفايات البلاستيكية كل شهر، ويتم إعادة تدوير 9٪ فقط من هذه النفايات.
وتُشجّع مبادرات الاقتصاد الدائري في كينيا إعادة تدوير النفايات البلاستيكية، وإنتاج منتجات جديدة من البلاستيك المُعاد تدويره، مما يُمكن أن يخلق مصدرًا جديدًا للإيرادات للاقتصاد. وبالمثل، يمثل هَدْر الطعام مشكلة كبيرة في كينيا؛ حيث يتم هدر أكثر من 10 ملايين طن سنويًّا، وتعمل حلول الاقتصاد الدائري على تقليل هدر الطعام؛ من خلال تشجيع استخدام مُخلّفات الطعام كعلف للحيوانات أو لإنتاج الغاز الحيوي.
كما تمثل النفايات الإلكترونية مشكلة كبيرة أخرى في كينيا؛ حيث يتم توليد أكثر من 17000 طن سنويًّا. وقد أبرمت Safaricom، إحدى شركات الاتصالات الرائدة في كينيا، شراكة مع WeeCenter، وهي شركة لإدارة النفايات الإلكترونية مقرّها نيروبي، لإدارة النفايات الإلكترونية الناتجة عن عمليات Safaricom. وتُعدّ هذه الشراكة مثالًا على كيفية مشاركة القطاع الخاص في الإدارة المستدامة للنفايات والحد من التلوث البيئي.
وعلى الرغم من أن الحكومة قد أدخلت سياسات ولوائح لدعم التدوير؛ إلا أنه لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام اعتماد التدوير في كينيا. وتشمل هذه التحديات: محدودية البنية التحتية لجمع النفايات وإعادة تدويرها، وعدم كفاية التمويل، ونقص الوعي والتعليم حول فوائد التدوير. وقد أطلقت كينيا حدث كينيا لوب Kenya Loop الأول على الإطلاق، وهو علامة تبعث على الأمل للتقدُّم في الاقتصاد الدائري. ومن المحادثات ومجموعة العارضين في القطاعات، هناك علامة إيجابية واضحة على التقدم، مثل نمو صناعة إعادة التدوير والعدد المتزايد من الشركات التي تتبنَّى نماذج أعمال دائرية. وقد وفَّر حدث “كينيا لوب” محادثة كانت هناك حاجة إليها بشدة حول هذا الموضوع، وحقَّق تقدمًا إيجابيًّا، مما يدل على إمكانية حلول الاقتصاد الدائري لتحويل إدارة النفايات في كينيا([26]).
كما أظهرت الدراسات بعض المعوقات التي تواجهها الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تمارس الاقتصاد الدائري في كينيا. بما في ذلك الموارد والبنية التحتية والتنظيم والسياسات والحواجز البيئية الداخلية والخارجية([27]).
خاتمة وتوصيات:
يتمتع الاقتصاد الدائري في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بإمكانية تحقيق وفورات في التكاليف، والحد من التعرُّض لتقلبات أسعار السوق، وزيادة الطاقة المتجددة، وإطلاق موادّ وطاقة قيِّمة من النفايات، ومع ذلك، يرى البعض أنه قد يُشكِّل خطرًا أو تهديدًا، فضلاً عن وجود مجموعة من التحديات والمعوقات.
وبالنظر في آفاق مستقبل الاقتصاد الدائري في إفريقيا جنوب الصحراء، فمن المتوقع أن يساعد في الحدّ من هدر الموارد وضمان الاستدامة البيئية. ومع ذلك، فإن عملية الانتقال تتطلب سياسات والتزامات عملية من أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك شركات إدارة النفايات والأوساط الأكاديمية ورجال الأعمال والحكومات، لذلك، يجب تشجيع قيادات المنطقة على تبنّي نموذج الاقتصاد الدائري وتنفيذه بالكامل لحماية البيئة من خلال بناء البنية الأساسية لإدارة النفايات، وتخصيص المزيد من الموارد المالية. كما تحتاج بلدان المنطقة إلى تأييد وإنفاذ اللوائح والسياسات البيئي، وتطوير قدرات الموظفين المشاركين في خدمات إدارة النفايات. ويمكن تنفيذ الأنشطة التالية:
- بدء وتعزيز الوعي بممارسات الاقتصاد الدائري الشاملة.
- الدعوة إلى دمج الاقتصاد الدائري في التعليم الرسمي وغير الرسمي ودعمه.
- تقديم التوصيات التنظيمية والسياسية لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة وتحديد أهدافها.
- بناء القدرات وتبادل الممارسات الجيدة لنماذج الأعمال والمنتجات الدائرية عالية الجودة.
- المشاركة في تطوير خطط العمل وخرائط الطريق الوطنية أو الإقليمية أو على مستوى المدينة للتنمية الاقتصادية المستدامة.
- إشراك القطاع غير الرسمي في الانتقال العادل إلى التنمية الاقتصادية المستدامة.
- تنشيط كلٍّ من القطاعين الخاص والحكومي، ومزامنة الانتقال من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى إلى التنمية الاقتصادية المستدامة.
- توجيه روّاد الأعمال الدائريين إلى الفرص المالية، مثل الحصول على الأموال من تمويل المناخ أو مخططات التمويل الأخرى.
- دعم تطوير منظمات المجتمع المدني الأقوى للدفاع المشترك عن التنمية المستدامة.
…………………………………
[1]– د. حامد عبد الحميد عيد، المعوقات والفرص في عملية الانتقال للاقتصاد الدائري والتوعية به في الجامعات المصرية، آفاق اقتصادية معاصرة (القاهرة: مركز المعلوم ودعم اتخاذ القرار، يناير 2024م) ص1.
[2]– د. أحمد سلطان، “الاقتصاد الدائري”: فرص وتحديات الواقع المصري. متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/35993/
[3]– د. أحمد سعيد الكبل، وريهام عبد الغني متولي مطاوع، الاقتصاد الدائري بين النظرية والتطبيق (دراسة حال الاقتصاد المصري)، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية (السويس: كلية الدراسات السياسية والاقتصادية، جماعة بني سويف، العدد الأول، أبريل 2023) ص ص163-164.
[4]– حسناء مشري، وآخرين، دور بورصة النفايات كآلية حديثة لتفعيل مبادئ الاقتصاد الدائري: استعراض تجربة بورصة النفايات الصناعية للوكالة الوطنية للنفايات، مجلة الاقتصاد والإدارة (الجزائر: مجلة الاقتصاد والإدارة، جمعة سطيف، المجلد 20، العدد 1، 2021) ص ص36-37.
[5]– يورونيوز، الاقتصاد الدائري سوق ضخم قد يصل إلى 4.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، يناير 2023. متاح على الرابط:
https://arabic.euronews.com/business/2023/01/18/the-circular-economy-is-a-huge-market-that-could-reach-45-trillion-by-2030
[6]– https://www.circularity-gap.world/2024
[7]– Phindiwe Nkosi, Circular economies can become “the most inclusive” in Africa, march 2024.at: https://www.iwmi.cgiar.org/news/circular-economies-can-become-the-most-inclusive-in-africa/
[8]– أمل عبد اللطيف، الاقتصاد الدائري: نموذج عمل لإبطاء التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة (القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، 2024) ص101.
[9]– Peter Desmond and Milcah Asamba, Accelerating the Transition to a Circular Economy in Africa – case studies from Kenya and South Africa.pp.4-5.at: https://www.researchgate.net/publication/332416054_Accelerating_the_transition_to_a_circular_economy_in_Africa
[10]– Justice Kofi Debrah and et al, Barriers and Challenges toWaste Management Hindering the Circular Economy in Sub-Saharan Africa.pp.1-2..at: https://www.researchgate.net/publication/363174353_Barriers_and_Challenges_to_Waste_Management_Hindering_the_Circular_Economy_in_Sub-Saharan_Africa
[11] -Ibid. p.2.
[12]– حسناء مشري، مرجع سبق ذكره، ص39.
[13]– موردر إنتيليجانس، تقرير صناعة إدارة النفايات في إفريقيا 2024، متاح على الرابط: https://www.mordorintelligence.com/ar/industry-reports/africa-waste-management-market
[14]– المرجع السابق.
[15]– موردر إنتيليجانس، م. س. ذ.
[16]– Peter Desmond and Milcah Asamba, Op.cit.p.6.
[17]– Peter Desmond and Milcah Asamba, Op.cit. p.5.
[18]– African Development Bank Groub, The Africa Circular Economy Facility The enabler of the circular transition in Africa.at: https://www.afdb.org/en/topics-and-sectors/topics/circular-economy/africa-circular-economy-facility-acef
[19]– Lavtizar Vesna and van Eijk Freek, Boosting Circular Economy in Africa through Hubs Learnings from the WCEF 2022 side event, Kigali, Rwanda.at: https://www.iges.or.jp/en/publication_documents/pub/conferenceproceedings/en/12959/Boosting+CE+in+Africa+through+Hubs+-FINAL.pdf
[20]– Justice Kofi Debrah and et al.Op.cit.p.4.
[21]– Justice Kofi Debrah and et al.Op.cit., p.11.
[22]– Jonathan, C., Op.cit. pp.7-8.
[23]– Emmanuel Kwesi Boon & Samuel Weniga Anuga, Circular Economy and Its Relevance for Improving Food and Nutrition Security in Sub-Saharan Africa: the Case of Ghana, 2020.at:
https://link.springer.com/article/10.1007/s42824-020-00005-z
[24]– Jonathan, C. (2023), Circular Economy in Africa: Towards a Model for Affordability in Housing Including the Craftsmanship of Components, Involving
Reusing, and Re-Purposing. Open Access Library Journal, 10: e10751. pp.2-3.
https://doi.org/10.4236/oalib.1110751
[25]– Joseph K. Muriithi and Innocent O. Ngare, transitioning circular economy from policy to practice in Kenya, 06 July 2023.at:
https://www.frontiersin.org/journals/sustainability/articles/10.3389/frsus.2023.1190470/full
[26]– Wangu Ngari, Unlocking the Power of Circularity in Kenya: Solving Plastic, Food, and E-Waste Challenges through Sustainable Innovation, 21.02. 2023.at: https://growthafrica.com/the-circular-economy-in-kenya/
[27]– Joseph K. Muriithi and Innocent O. Ngare, Op.cit.