تمهيد:
يُمثّل تحرير سعر صرف العملة الإثيوبية انحرافًا كبيرًا عن عقودٍ من سيطرة الحكومة عليه منذ نصف قرن، وهو النهج الذي يزعم العديد من خبراء الاقتصاد أنه أعاق الإمكانات الاقتصادية لإثيوبيا.
غير أنه منذ عام 2017م، وعلى الرغم من الأداء الاقتصادي الجيد؛ إلا أن مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، ولَّدت مجموعة من الأزمات التي ساقت إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض أسعار الصرف، وتفاقم أزمة المديونية، ناهيك عن لَعِب مؤسسات التمويل الدولية دورًا بارزًا في تفاقم الأزمة. الأمر الذي اضطر الحكومة إلى اتخاذ قرار بتحرير سعر الصرف في التاسع والعشرين من يوليو 2024م. وهو ما سوف نحاول التطرق إليه بشيء من التفصيل من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: الأداء الاقتصادي وبداية التدهور.
- المحور الثاني: أزمة الديون… الجذور والأسباب.
- المحور الثالث: تحرير سعر الصرف… القرار، والفوائد والآثار المتوقعة.
- خاتمة.
المحور الأول
الأداء الاقتصادي وبداية التدهور
أولاً: السياق الاقتصادي
نما اقتصاد إثيوبيا بنسبة 7.1% في 2022/2023م، ارتفاعًا من 6.4% في 2021/2022م، بقيادة نمو بنسبة 7.9% في قطاع الخدمات، الذي يمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي. كما نمت الصناعة، التي تمثل 28%، بنسبة 6.9%، والزراعة، التي تمثل 32%، بنسبة 6.3%. وشملت محركات النمو من جانب الطلب: الاستهلاك الخاص والاستثمار.
وعلى الرغم من أن التضخم ظل مرتفعًا؛ بسبب زيادة المعروض النقدي والتضخم المستورد، إلا أنه انخفض من 34% في 2021/2022م إلى 29.2% في 2022/2023م؛ بسبب تشديد السياسة النقدية. وانخفض سعر الصرف بنسبة 5.3% في السوق الرسمية، و15% في السوق الموازية؛ بسبب تباطؤ نمو الصادرات.
وانخفض العجز المالي، بما في ذلك المنح، من 4.2% من الناتج المحلي في 2021/2022م إلى 3.3% في 2022/2023م بفضل ضبط الأوضاع المالية، وعائدات السلام، وتحسن الإيرادات الضريبية. وانخفض عجز الحساب الجاري من 3.9% من الناتج المحلي في 2021/2022م إلى 3.0% في 2022/2023م، بسبب زيادة بنسبة 60.3% في الخدمات الصافية وانخفاض بنسبة 5.3% في الواردات. والقطاع المالي مستقر؛ حيث بلغت القروض المتعثرة 3.5% من إجمالي القروض ونسبة السيولة 24.2%، مقابل عتبات 5% و15% على التوالي.
وانخفض معدل الفقر من 31.1% في عام 2016م إلى 27% في عام 2019م. ويُقدَّر معدل البطالة بنحو 8% في عام 2020/2021م. ويحتاج حوالي 31.4 مليون شخص إلى الدعم الإنساني بسبب الصراع والصدمات المرتبطة بالمناخ. ومن المتوقع أن يبلغ النمو 6.7% خلال الفترة 2024-2025م بسبب التقشف المالي. وقد يؤدي التباطؤ المتوقع في الاستثمار بسبب مفاوضات إعادة هيكلة الديون المطولة إلى إعاقة الوصول إلى تمويل التنمية([1]).
ثانيًا: بداية التدهور
عانى اقتصاد إثيوبيا لعقود تحت وطأة تشوهات الصرف الأجنبي التي خنقت النمو، وعززت عدم الكفاءة. وأدَّى التفاوت إلى تغذية سوق موازية قوية، مما أدى إلى تعقيد التخطيط الاقتصادي وتأجيج التضخم([2])؛ حيث بلغ التفاوت بين سعر الصرف بين السوق الرسمية والسوق الموازية كما يوضّحه الشكل التالي؛ حيث بدأت السوق الموازية نشاطها في مارس 2017م، حينها بلغ سعر البير في السوق الرسمية (22.61 بير لكل دولار)، وبلغ في السوق الموازية (27.4 بير لكل دولار).
وفي فبراير 2020م كان السعر الرسمي (33.91 بير لكل دولار)، أما في السوق الموازية فقد بلغ (41 بير لكل دولار)، واتخذ هذا الوضع منحنًى متصاعدًا ليبلغ ذروته (116 بير لكل دولار في السوق الموازية) في فبراير 2024م، مقابل (56.32 بير لكل دولار) في نفس الشهر.
شكل (1) تطور سعر صرف البير مقابل الدولار في السوقين الرسمي والموازي حتى يونيو 2024م
المصدر: الباحث من بيانات
https://dataviz.vam.wfp.org/eastern-africa/ethiopia/economic/exchange-rates
الأمر الذي كان له انعكاس على معدلات التضخم؛ حيث تراوح معدل التضخم لأسعار المستهلك في إثيوبيا منذ عام م1966 بين -9.8٪ و44.4٪. وفي عام 2023م تم حساب معدل التضخم عند 30.2٪؛ حيث بلغت الزيادة في الأسعار 30.22٪. أي أن العنصر الذي كان يكلف 100 بر عام 1966م يكلف 19401.61 بر في بداية عام 2024م([3]).
شكل (2) تطور معدل التضخم
Source: worlddata, nflation rates in Ethiopia.at:
https://www.worlddata.info/africa/ethiopia/inflation-rates.php#google_vignette
وارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 22.70% في يونيو 2024م مقارنةً بنفس الشهر من العام 2023م. وبلغ متوسط التضخم الغذائي في إثيوبيا 18.85% من عام 2013م حتى عام 2024م، وبلغ أعلى مستوى على الإطلاق عند 43.90% في مايو 2022م، وأدنى مستوى عند 2.81% في مارس 2014م([4]).
المحور الثاني
المحور الثاني: أزمة الديون… الجذور والأسباب
أولاً: أزمة الديون… الأسباب والانعكاسات
في عام 2017م استمرت السياسات الصارمة التي تنتهجها السلطات الإثيوبية لاحتواء الواردات العامة، واقتراض الشركات المملوكة للدولة في خفض عجز الحساب الجاري بنحو 1.7 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6.4%. واستمرت الصادرات في الارتفاع، ومع ذلك، ظلت قاعدة التصدير صغيرة عند 8.7% من الناتج المحلي؛ واستمرت خدمة الدَّيْن في الارتفاع، مما جعل الدولة مُعرَّضة لخطر كبير من ضائقة الديون الخارجية([5]).
وفي فبراير 2021م، وبينما كانت الدولة تواجه خطر التخلف عن السداد، طلبت إعادة هيكلة الديون بموجب الإطار المشترك لمجموعة العشرين. حيث وصلت السيولة الخارجية إلى مستويات منخفضة للغاية. فبالإضافة إلى انخفاض أسعار القهوة (ثلث الصادرات)، تضررت البلاد من جائحة كورونا، والجفاف المستمر منذ 2020م. كما أدت الحرب الأهلية التي اندلعت في نوفمبر 2020م إلى إخراج عملية التفاوض عن مسارها، وأدت إلى قطع علاقاتها مع المانحين الأجانب. وانكمشت المساعدات الإنمائية الرسمية، التي كانت البلاد تعتمد عليها تاريخيًّا، بنسبة 40٪ بين عامي 2020 و2022م؛ حيث انخفضت إلى 2.7 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ عقد. واشتدت أزمة نقص النقد الأجنبي، وانخفضت احتياطاته إلى مليار دولار في يونيو 2023م (يغطي أقل من شهر واحد من الواردات) ([6]).
وفي مواجهة احتياطيات النقد الأجنبي المستنفدة وارتفاع التضخم، وافق دائنو القطاع الرسمي في إثيوبيا، بما في ذلك الصين، على صفقة تعليق خدمة الديون. وانهارت المفاوضات الموازية مع صناديق التقاعد والدائنين الآخرين من القطاع الخاص، الذين يحملون سندات إثيوبيا، في ديسمبر 2021م([7]).
وبموجب اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي في نوفمبر 2022م، توصلت إثيوبيا إلى اتفاقيات مؤقتة بشأن تعليق خدمة ديونها الثنائية للسنتين الماليتين 2023 و2024م؛ في أغسطس 2023م مع الصين، التي تمتلك 75٪ من ديونها الثنائية، ثم في نوفمبر 2023م مع جميع دائنيها الثنائيين الآخرين.
ونتيجةً لذلك، سيتم تأجيل مدفوعات الفائدة حتى عام 2025م، مع تأجيل سداد أصل الدين حتى عام 2027م، ليصل المجموع الإجمالي إلى 2.5 مليار دولار. لم تدفع الحكومة الإثيوبية بعد أسبوعين من توقيعها على الاتفاقيات الثنائية قسيمة بقيمة 33 مليون دولار مستحقة على ديونها المستحقة على سندات اليورو.
وتُعدّ إثيوبيا هي الأحدث في سلسلة من الحكومات الإفريقية التي تخلَّفت عن سداد ديونها التجارية الخارجية منذ جائحة كوفيد-19، على خطى زامبيا وغانا. وبحسب وزارة المالية الإثيوبية، في سبتمبر 2023م، فقد بلغ الدَّيْن العام 39% من الناتج المحلي، مقارنةً بـ88% في غانا و140% في زامبيا عندما تخلّفا عن السداد على التوالي. وعلاوةً على ذلك، كان أقل من ربع الدَّيْن الخارجي مستحقًّا لدائنين من القطاع الخاص([8]). فأعلنت الدولة أنها تعتزم التخلف عن السداد رسميًّا([9]). والشكل التالي يُظْهِر حجم الديون الخارجية الرسمية كنسبة من الناتج المحلي.
شكل (3) الديون الخارجية الرسمية كنسبة من الناتج المحلي
Source: https://fred.stlouisfed.org/series/ETHDGGDPPT
وكانت الدولة قد خسرت 20 مليار دولار من عائدات التصدير، وأدى ضعف العملة، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، إلى ارتفاع تكلفة خدمة الديون المقوَّمة بالدولار، والتي تبلغ أكثر من 43 مليار دولار. انعكست تلك الأوضاع على تقييم وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لجدارة إثيوبيا الائتمانية. ففي يناير 2023م، خفَّضت الوكالة تصنيف إثيوبيا إلى CCC-، قائلة: إن هذا كان نتيجة “لافتقار التمويل الخارجي المحدد اللازم لسد فجوات التمويل الخارجي الكبيرة، إلى جانب الانخفاض المادي في السيولة الخارجية لإثيوبيا”.
و”يعكس تصنيف CCC- المخاطر الكبيرة المتمثلة في حدوث التخلف عن السداد”.
وسعت الدولة إلى اقتراض 2 مليار دولار من صندوق النقد كجزء من برنامج إصلاح أوسع نطاقًا. وعلى حسب صندوق النقد تواجه الدولة فجوات تمويل لا تقل عن 6 مليارات دولار حتى عام 2026م، مما يعني أن البلاد ستظل تعاني من نقص قدره 4 مليارات دولار حتى لو تمت الموافقة على القرض. وهذا يعني أن أديس أبابا من المرجَّح أن تتطلب حزمة أكثر شمولاً لإعادة هيكلة الديون إذا كانت تريد تجنُّب التخلف عن سداد التزاماتها الخارجية([10]).
كما تواجه إثيوبيا التزامات ديون كبيرة في العامين المقبلين. وبحسب وكالة فيتش؛ تُواجه البلاد سداد مليار دولار من الفوائد وأصل الدَّيْن في يوليو 2024م، ومليار دولار أخرى على سندات اليورو في ديسمبر 2024م، و2 مليار دولار إضافية في عام 2025م. والشركات المملوكة للدولة ملزمة بدفع مبلغ سنوي قدره مليار دولار. وقد أشارت الحكومة إلى عدم قدرتها على تغطية الفائدة البالغة 33 مليون دولار على سندات اليورو، ومن المرجح أن تتخلف عن السداد في 25 ديسمبر 2024م([11]).
وبتحليل ديون إثيوبيا؛ فإنه اعتبارًا من نوفمبر 2020م، اقترضت إثيوبيا حوالي 52٪ من قروضها من منظمات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد والبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، و29٪ من ديونها من مقرضين ثنائيين مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة، وأقل بقليل من 17٪ من القروض من البنوك التجارية والموردين لمشاريع محددة، وأقل بقليل من 4٪ من سندات اليورو. ومع ذلك، فإن هذه النسب ليست هي نفسها عندما يتعلق الأمر بمدفوعات خدمة الدين. في عام 2021م، شكَّلت المؤسسات متعددة الأطراف 14٪ من إجمالي خدمة الدين، بينما شكلت الصين وحاملو السندات 35٪ و3٪ على التوالي([12]).
ثانيًا: دور الدائنين ومؤسسات التمويل في تفاقم الأزمة
على الرغم من أن إثيوبيا كانت تنفق بشكل متحفّظ مقارنةً باحتياجاتها، وتُدير مجموعة متنوعة من الدائنين، في خضم الاستجابة لجائحة كوفيد؛ توقعت وزارة المالية الإثيوبية في عام 2021م تحديات خدمة الديون، وقررت ليس فقط المشاركة في مبادرة تعليق خدمة الديون (DSSI) المصممة للدول المنخفضة الدخل لتأجيل مدفوعات خدمة الديون للدائنين الثنائيين، ولكن أيضًا الانضمام إلى الإطار المشترك لمجموعة العشرين (CF). وهو ترتيب عتيق لأكبر عدد ممكن من الدائنين لتنسيق عروض تخفيف الديون لكل مقترض، واحد تلو الآخر. كما سعت للحصول على “وصول استثنائي” إلى تمويل صندوق النقد الدولي، متجاوزة بذلك 100% من استحقاقها، والذي تبلغ قيمته 2 مليار دولار، فضلاً عن تمديد فترة تجميد الديون إلى ما بعد مبادرة خدمة الديون المعلقة، فضلاً عن المزيد من تخفيف أعباء الديون وإعادة هيكلتها من أكبر عدد ممكن من دائنيها المتنوعين. وقد تم طرح تسهيل التعاون الاقتصادي على إثيوبيا؛ لجعل تجميد الديون وتخفيف أعباء الديون وإعادة هيكلتها أكثر معقولية؛ حيث سيكون حاملو السندات من القطاع الخاص، وكذلك الدائنون الثنائيون مثل الصين أو تركيا على طاولة الدائنين أيضًا([13]).
ومع ذلك، نصت مجموعة فرعية من دائني تسهيل التعاون الاقتصادي، نادي باريس، على أنه من أجل المضي قدمًا هذه المرة، يجب على إثيوبيا التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي بحلول مارس 2024م، وإلا فقد يتم إعلان تعليق سداد خدمة الديون الإضافي باطلاً ولاغيًا، وقد لا يكون المزيد من الاتفاق بموجب تسهيل التعاون الاقتصادي معقولاً. وفي الوقت نفسه، لم يصدر أيّ تعليق من حاملي سندات اليورو، مع ارتفاع أسعار الفائدة على تلك السندات بشكل مستمر؛ بسبب ما يمكن تفسيره على أنه نبوءات تُحقِّق ذاتها من وكالات التصنيف الائتماني الكبرى. فقد خفَّضت وكالة فيتش تصنيف إثيوبيا للتخلف عن سداد العملات الأجنبية على المدى الطويل من “C” إلى “RD” (التخلف المقيد عن السداد)، وخفضت تصنيف إصدار سندات اليورو المستحقة على إثيوبيا بقيمة مليار دولار من “C” إلى “D”.
وفي الوقت نفسه، خفَّضت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية تصنيف ديون إثيوبيا إلى التخلف عن السداد. وبالتالي، فإن التخلف عن سداد سندات اليورو جعل القطاع الخاص ببساطة على نفس خط دائني إثيوبيا الآخرين.
وبجمع كلّ هذا معًا، كان من الواضح أن الاستجابة العالمية لإثيوبيا خلقت بعض المشاكل المعقدة. وكذلك فإن أوجه القصور المؤكدة في إطار التعاون الاقتصادي لم تُبشِّر بالخير لإثيوبيا. ويواجه الإطار انتقادات بسبب بطء وتيرته، وافتقاره إلى المبادئ التوجيهية والقواعد الواضحة، فضلاً عن الإغاثة المالية المحدودة جنبًا إلى جنب مع تدابير التقشف. إن الإطار الزمني الممتد لما يقرب من ثلاث سنوات لإعادة هيكلة زامبيا يوضح الطبيعة المطولة لهذه الإجراءات([14]).
المحور الثالث
تحرير سعر الصرف… القرار، والفوائد والآثار المتوقعة
أولاً: قرار التعويم
مثَّلت الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والموازية تحديًا كبيرًا، مما أدى إلى تفاقم التضخم، وجعل التخطيط الاقتصادي صعبًا. ورأت الحكومة أن السماح لقوى السوق بتحديد سعر الصرف سيؤدي إلى تقليص هذه التشوهات، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا. وتأتي هذه الخطوة كجزء من المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي المحلي، والذي يهدف إلى البناء على نجاحات المرحلة الأولى التي تم تقديمها في عام 2019م. وشهدت المرحلة الأولى تحقيق إثيوبيا لمعدل نمو متوسط للناتج المحلي الإجمالي بلغ 7.1% من عام 2019م إلى عام 2023م، مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم.
ويركز برنامج الإصلاح الاقتصادي المحلي الثاني، على أربع ركائز رئيسية([15]):
- إنشاء إطار عمل حديث وسليم للسياسة الاقتصادية الكلية: ويشمل ذلك ضمان الاستقرار والمرونة والاستدامة في الاقتصاد.
- تحسين بيئة الاستثمار والتجارة: من خلال خلق بيئة مواتية تُعزّز الابتكار وريادة الأعمال.
- توسيع القدرة الإنتاجية ونمو الإنتاجية: من خلال زيادة الاستثمار وإطلاق العنان لإمكانات النمو الاقتصادي.
- تحسين قدرة القطاع العام: وتعزيز قدرة الحكومة على تقديم خدمات عالية الجودة وفعّالة.
وعليه، فقد أعلنت الدولة عن تحول جذري في السياسة الاقتصادية بتحرير سوق الصرف الأجنبي لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن؛ حيث كانت تتبنَّى سعر صرف مُدار للبير الإثيوبي([16]).
وفي اجتماع سابق بين وفدي صندوق النقد والحكومة الإثيوبية في أبريل 2024م، طلب الصندوق من الحكومة الإثيوبية خفض قيمة البر بنسبة 60٪([17]).
حيث قام البنك المركزي بتحرير عملة البير الاثنين الموافق 29 يونيو 2024م آملاً أن يضمن ذلك دعم صندوق النقد، وإحراز تقدم في إعادة هيكلة الديون. وقال البنك التجاري الإثيوبي: إن قيمة البير مقابل الدولار انخفضت بنسبة 30% إلى 74.73 بيرًا للدولار. وكان سعر العملة يتداول عند 57.48 بيرًا للدولار يوم الجمعة. وارتفعت سندات الحكومة الإثيوبية الرئيسية بقيمة مليار دولار لتصل إلى 75.42 سنتًا مقابل الدولار بحلول الساعة 1400 بتوقيت جرينتش، وهو أعلى مستوى لها منذ أوائل عام 2022م([18]).
وتتضمَّن إصلاحات الصرف الأجنبي تغييرات سياسية جديدة كبيرة؛ منها: التحول إلى نظام صرف قائم على السوق؛ حيث يُسمح للبنوك من الآن فصاعدًا بشراء وبيع العملات الأجنبية من وإلى عملائها، وفيما بينها بأسعار متفاوَض عليها بحُرّية، مع قيام البنك الوطني الإثيوبي بتدخلات محدودة فقط لدعم السوق في أيامها الأولى، وإذا كان مبررًا بظروف السوق غير المنظمة([19]).
وتشمل العناصر الرئيسية الأخرى للإصلاحات: إنهاء متطلبات تسليم النقد الأجنبي الإلزامي للمصدرين، وتحرير قواعد الاستيراد وتدفق رأس المال، والسماح بتبادل العملات غير المصرفية، وإلغاء تنظيم كيفية تخصيص البنوك التجارية للنقد الأجنبي للمستوردين. وسيُسمح أيضًا للسكان المحليين الذين يتلقون التحويلات المالية بامتلاك حسابات بالعملة الأجنبية لاستخدامهم وسيلة صرف رسمية بدلاً من السوق غير الرسمية([20]).
ثانيًا: الفوائد المتوقعة من عملية تحرير سعر الصرف:
سيُمكّن تحرير سعر الصرف من تحقيق عدد من الفوائد الاقتصادية الواسعة النطاق([21])، ومن أهمها ما يلي:
– استفادة ملايين الإثيوبيين من إصلاح سعر الصرف في قطاعات متعددة تولّد النقد الأجنبي. وسوف يشمل المستفيدون الرئيسيون: ملايين المزارعين المشاركين في إنتاج المحاصيل القابلة للتصدير؛ والرعاة وأصحاب الماشية الذين يُصدّرون الماشية واللحوم؛ وعشرات الآلاف من عمال المناجم الحرفيين؛ ومئات الآلاف من موظفي قطاع التصنيع في القطاعات القابلة للتصدير؛ وآلاف الشركات العاملة في قطاعي الخدمات والسياحة، وملايين الأفراد الذين يتلقون بانتظام تحويلات مالية من أقاربهم في الخارج؛ وكذلك مئات المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخاصة التي تتلقى التمويل من مصادر خارجية. وإلى جانب هؤلاء المستفيدين المباشرين، يستفيد أيضًا شركاء الأعمال والموردون والموظفون المرتبطون بكل الكيانات المذكورة أعلاه.
– ضمان الاستفادة من إمكانات إثيوبيا في تحقيق المكاسب الأجنبية بشكل صحيح، وإعادتها إلى الوطن لصالح سكانها وقطاعاتها الإنتاجية. لقد شجَّعت سياسات سعر الصرف الحالية تهريب الصادرات، وممارسات خفض الفواتير أو زيادتها مِن قِبَل المُصدّرين والمستوردين، فضلاً عن هروب رأس المال.
– توفير دفعة كبيرة لصناعات إحلال الواردات المتنامية في إثيوبيا، مما يوفّر للصناعات في هذا المجال فرصة لتوسيع نطاق عملياتها والاستحواذ على حصة سوقية كبيرة. بما يتماشى مع مبادرة “إثيوبيا تمريت”.
– إكمال العديد من تدابير الإصلاح الأخرى المتَّخذة في السنوات الأخيرة لتعزيز القطاع الخاص.
– تحسين جاذبية إثيوبيا للمستثمرين الأجانب، وبالتالي تقديم دفعة كبيرة لتدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي ومواءمة بيئة الأعمال.
– معالجة العديد من ممارسات الأعمال الراسخة التي شجَّعت على عدم الرسمية وعدم الشرعية في الاقتصاد.
ثالثًا: الآثار المتوقعة والتدابير المتخذة
من المتوقع أن تستغرق عواقب تغيير نظام سعر الصرف بعض الوقت حتى تنعكس على الاقتصاد. وقال: إنه قد يؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة “مما سيؤثر بشكل أساسي على الفقراء في المناطق الحضرية والعاطلين عن العمل والمتقاعدين والموظفين ذوي الأجور المنخفضة”([22]).
لقد أدت خطوة مماثلة في نيجيريا العام الماضي -حيث سُمِحَ للعملة النيرة بالتعويم بحرية-، إلى تأجيج صعوبات واسعة النطاق من خلال المساهمة في ارتفاع الأسعار. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد: “إن أولئك الذين من المتوقع أن يتأثروا بهذه الخطوة سيتم دعمهم مؤقتًا من خلال الوقود المدعوم، وستكون هناك زيادة في رواتب الموظفين العموميين”([23]).
وقد اتخذت الحكومة استعدادات دقيقة وشاملة لضمان الانتقال المنظم إلى نظام سعر الصرف الجديد([24])، ومن ذلك:
– قرَّرت الحكومة دعم بعض الواردات الأساسية بشكل مؤقت؛ من خلال استخدام الدعم المؤقت والتمرير التدريجي للأسعار؛ حيث قررت تقليص التأثيرات السعرية الكاملة على السلع الأساسية المستوردة مثل الوقود والأسمدة والأدوية والزيوت الصالحة للأكل. وسوف يساعد هذا الإجراء ملايين السكان التي تعتمد على هذه السلع.
– تعزيز الدعم المالي لأولئك الذين تآكلت دخولهم الحقيقية بسبب ارتفاع التضخم في السنوات الأخيرة. وللمساعدة في معالجة تأثيرات التضخم الماضية والمتوقعة. وتعتزم الحكومة استكمال رواتب موظفي الخدمة المدنية بطريقة يمكن تمويلها بالموارد المتاحة ودون تفاقم عجز الموازنة. كما يجري توسيع التمويل المخصص لبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي، والذي يغطي المستفيدين من ذوي الدخل المنخفض بشكل كبير لدعم ما يقرب من عشرة ملايين أسرة.
– تعمل الحكومة على تأمين تخفيف أعباء خدمة الدَّيْن للحفاظ على المخصَّصات المالية للإنفاق الاجتماعي والرأسمالي، ولضمان عدم استبعاد تكاليف خدمة الدين الخارجي المرتفعة بالعملة المحلية للنفقات الأخرى. ومن خلال ترتيب مثل هذا التخفيف من أعباء الدين مقدمًا، ستعمل الحكومة على خفض التزامات خدمة الدين الخارجي في الأمد القريب بشكل كبير وزيادة نفقاتها التنموية بدلاً من ذلك لكل من هذه السنة المالية والسنوات المالية اللاحقة.
– وأخيرًا، فإن المساعدة في تخفيف التكاليف والآثار الانتقالية لإصلاح النقد الأجنبي ستكون من خلال الحصول على 13.5 مليار دولار في تمويل منسق من المقرضين والدائنين المتعددين الأطراف لدعم الانتقال. وإن الحزمة المالية البالغة 10.7 مليار دولار التي قدَّمها شركاء إثيوبيا الخارجيون لدعم الإصلاحات من شأنها أن تُخفّف من تكاليف التحرير وتأثيره. ومن المتوقع أيضًا أن تحصل إثيوبيا على نحو 2.8 مليار دولار من الدعم الثنائي في شكل ودائع وخطوط مقايضة من البنك المركزي، فضلاً عن المزيد من التمويل من البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، ومؤسسات متعددة الأطراف أخرى([25]).
وقد وافق صندوق النقد الدولي على تسهيل ائتماني لمدة أربع سنوات بقيمة 3.4 مليار دولار تزامنًا مع إصلاحات إثيوبيا. وتعهَّد بصرف مليار دولار على الفور لتلبية الاحتياجات الملحة([26])([27]).
خاتمة:
لقد التهمت الظروف الدولية كجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والظروف المناخية كالجفاف، وكذلك الظروف المحلية والحرب الأهلية؛ مكاسب النمو التي حققتها إثيوبيا على مدار سنوات.
الأمر الذي نجم عنه تراجع في الأداء الاقتصادي، وتفاقم أزمة الديون، وارتفاع في معدلات التضخم، وانهيار في أسعار الصرف.
وعلى الرغم من توقع الدولة حدوث ذلك، ورغم أداها الجيد، ووعود المانحين الدوليين بمساعدة الدولة في حل مشكلة الديون؛ إلا أنها وعود ذهبت هباء، أو كانت استجابة مجتمع المانحين بطيئة، أوصلت الدولة إلى التوقف عن سداد الديون.
وأعلنت إثيوبيا تحرير سعر صرف عملتها استجابةً لشروط صندوق النقد، حتى يتسنى لها حل مشكلة نقص السيولة من النقد الأجنبي. مع اتخاذها مجموعة من الاحتياطات لتجنُّب آثاره، ومجموعة من الإصلاحات للاستفادة من فوائده. تلك الفوائد والآثار التي لم تظهر بشكل كامل بعد مرور أيام على قرار التعويم.
ومن المتوقع أن تعمل حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تُنفّذها إثيوبيا على تسريع النمو، وخفض التضخم تدريجيًّا (بعد زيادة مؤقتة)، وزيادة الحيّز المالي للسماح بزيادة الإنفاق الاجتماعي والرأسمالي، وزيادة الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر واحتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بشكل كبير.
وبناءً على توقعات صندوق النقد الدولي للفترة الممتدة لأربع سنوات مقبلة؛ فإن حزمة الإصلاحات التي يجري تنفيذها قد تدعم النمو السنوي بنحو 8%، وتخفّض التضخم إلى 10%، وترفع الإيرادات المالية إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وتخفض الدَّين إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي، وتزيد صادرات السلع والخدمات إلى 20 مليار دولار، وتُعزّز الاستثمار المباشر الأجنبي إلى 6 مليارات دولار، وتُمكّن احتياطيات النقد الأجنبي من الوصول إلى 10 مليارات دولار (ما يعادل 3.5 شهر من تغطية الواردات)([28]).
…………………………….
[1] )African Development Bank, AFRICAN ECONOMIC OUTLOOK 2024.at: https://www.afdb.org/sites/default/files/2024/06/06/aeo_2024_-_country_notes.pdf
[2] ) addisfortune, Ethiopia Unleashes Market Forces in Historic Forex Liberalization
Forex rate to be floated beginning on Monday Jul 28 , 2024.at: https://addisfortune.news/breaking-news/ethiopia-unleashes-market-forces-in-historic-forex-liberalization/
[3] ) worlddata, nflation rates in Ethiopia.at: https://www.worlddata.info/africa/ethiopia/inflation-rates.php#google_vignette
[4])trading economics, Ethiopia Food Inflation.at:
https://tradingeconomics.com/ethiopia/food-inflation
[5] ) Paloma Anos Casero, THE FEDERAL DEMOCRATIC REPUBLIC OF ETHIOPIA Joint Bank-Fund Debt Sustainability Analysis.at: https://documents1.worldbank.org/curated/en/690431545161133088/pdf/wbg-ethiopia-debt-sustainability-analysis-2018-update-final-dec0718-12142018-636805946102250783.pdf
[6])Lucas PLÉ, ETHIOPIA: DIFFICULT COMPROMISES 02/13/2024.at: https://economic-research.bnpparibas.com/html/en-US/Ethiopia-Difficult-compromises-2/13/2024,49351
[7] ) Africanews, Ethiopia defaults on $33 Million bond payment.at: https://www.africanews.com/2023/12/27/ethiopia-defaults-on-33-million-bond-payment/
[8] ) Lucas PLÉ, Op.cit.
[9] ) https://www.reuters.com/world/africa/ethiopia-becomes-africas-latest-sovereign-default-2023-12-26/
[10] ) Harry Clynch, Ethiopia targets debt restructure amid default fears.at: https://african.business/2023/06/trade-investment/ethiopia-targets-debt-restructure-amid-default-fears
[11] ) Worku Aberra, Ethiopia’s Impending Default : The framework for understanding the debt crisis, December 24, 2023.at: https://borkena.com/2023/12/24/ethiopias-impending-default-the-framework-for-understanding-the-debt-crisis/
[12] ) Dennis Severin, What does 2024 hold for Ethiopia after its 2023 default?,at: https://african.business/2024/01/finance-services/what-does-2024-hold-for-ethiopia-after-its-2023-default
[13] ) Dennis Severin,Op.cit.
[14] ) Dennis Severin, Op.cit.
[15] ) https://www.ethiopiancapitalmarket.com/news/ethiopia-to-float-birr-exchange-rate
[16] ) John Mbati, Ethiopia announces liberalisation of foreign exchange market in historic policy shift, July 28, 2024.at: https://eastleighvoice.co.ke/ethiopia/62697/ethiopia-announces-liberalisation-of-foreign-exchange-market-in-historic-policy-shift
[17] ) Sajid Nadeem, Ethiopia Announces Birr Devaluation Ahead of a Key IMF Meeting, July 29, 2024.at: https://myviewsonnews.net/ethiopia-announces-birr-devaluation-ahead-of-a-key-imf-meeting/
[18] ) awit Endeshaw, Ethiopia’s birr drops 30% as central bank floats currency, July 29, 2024.at: https://www.reuters.com/markets/currencies/ethiopia-shifts-market-based-foreign-exchange-system-2024-07-29/
[19] ) THE NATIONAL BANK OF ETHIOPIA, THE NATIONAL BANK OF ETHIOPIA ANNOUNCES A REFORM OF THE FOREIGN EXCHANGE REGIME WITH IMMEDIATE EFFECT, PRESS RELEASE. 29 July 2024 | Addis Ababa, Ethiopia.at:
https://nbe.gov.et/wp-content/uploads/2024/07/FXD012024-FOREIGN-EXCHANGE-PR-English.pdf
[20] ) Samuel Getachew, Ethiopia floats its currency in a bid to secure loans, Jul 29, 2024,.AT: https://www.semafor.com/article/07/29/2024/ethiopia-floats-birr-to-stabilise-economy
[21] ) THE NATIONAL BANK OF ETHIOPIA, O.cit.f
[22] ) awit Endeshaw, Op.cit.
[23] ) Samuel Getachew, Op.cit.
[24] ) THE NATIONAL BANK OF ETHIOPIA, O.cit.
[25] ) Samuel Getachew, Op.cit.
[26] ) Associated Press, Ethiopia’s Currency Dives by 30% as IMF-Backed Reforms to Stabilize the Economy Take Effect
[27] ) Reuters, IMF, Ethiopia reach deal for $3.4 billion in financing, July 29, 2024.at: https://www.reuters.com/world/africa/ethiopia-clinches-deal-with-imf-34-billion-financing-imf-says-2024-07-29/
[28] ) THE NATIONAL BANK OF ETHIOPIA, O.cit.