تمهيد:
لا يحمل مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م العديد من المفاجآت أو التغيُّرات، بل يمكن وضع عنوان عريض له ملخصه أنه “لم يحدث تغيير يُذْكَر”، لا على المستوى العالمي، ولا على مستوى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
فمرة أخرى، تتصدر الاقتصادات المتقدمة في شمال وغرب أوروبا، وأمريكا الشمالية، وآسيا والمحيط الهادئ الترتيب. وفي حين قد يبدو أنهم ينتصرون في المعركة ضد الفساد، إلا أن هذا ليس هو الحال. وأيضًا تذيَّلت القارة الإفريقية وإقليم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مناطق العالم في التقرير الذي يعكس حالة الفساد خلال عام 2023م. وهو ما سوف نتعرف عليه بشيء من التفصيل من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م… نظرة عالمية.
- المحور الثاني: تحليل مؤشر مدركات الفساد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م.
- المحور الثالث: أبرز الملاحظات على مؤشر مدركات الفساد 2023م في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
- المحور الخامس: تقييم مؤشر مدركات الفساد
- خاتمة.
المحور الأول:
مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م… نظرة عالمية
أولًا: نظرة عامة
يُظهر مؤشر مُدرَكات الفساد([1]) لعام 2023م الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في 30 يناير 2024م أن معظم دول العالم لم تُحقّق تقدمًا يُذْكَر في معالجة الفساد في القطاع العام. فلا يزال المتوسط العالمي لمؤشر مُدرَكات الفساد دون تغيير عند 43 درجة للعام الثاني عشر على التوالي؛ حيث سجّل ثُلثا البلدان درجاتٍ أقل من 50. ويشير ذلك إلى مشكلات خطيرة تتعلق بالفساد.
ووفقًا لمؤشر سيادة القانون، يشهد العالم تراجعًا في أداء نُظُم العدالة. كما سجّلت البلدان التي حصلت على أدنى الدرجات على مؤشر سيادة القانون درجاتٍ منخفضة جدًّا على مؤشر مُدرَكات الفساد، مما يُظهر وجود صلة واضحة بين الوصول إلى العدالة والفساد. تُسهم كلٌّ من الأنظمة الاستبدادية والقادة الديمقراطيين الذين يُقوِّضون العدالة في زيادة إمكانية الإفلات من العقاب على جرائم الفساد، بل وفي بعض الحالات تشجيع الفساد؛ من خلال التغاضي عن توقيع العقوبات على المخطئين ومرتكبي الأفعال غير المشروعة. ويتجلى تأثير هذه الأفعال في شتّى البلدان، من فنزويلا (13) إلى طاجيكستان (20).
يُصنِّف مؤشر مُدرَكات الفساد([2]) 180 بلدًا وإقليمًا من خلال المستويات المُدرَكة لفساد القطاع العام لديها على مقياسٍ من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة).
وتتصدر الدنمارك (90) قائمة البلدان على المؤشر، للعام السادس على التوالي، تليها فنلندا ونيوزيلندا بدرجات 87 و85 على الترتيب. ونظرًا لوجود نُظُمٍ للعدالة تعمل بشكل جيد لديها، تُعدّ هذه البلدان أيضًا من بين أفضل الدول على مؤشر سيادة القانون.
في المقابل تحتل الصومال (11)، وفنزويلا (13)، وسوريا (13)، وجنوب السودان (13)، واليمن (16) المراكز الأخيرة على المؤشر. وتتأثر جميع هذه البلدان بأزماتٍ طويلة الأمد يرجع معظمها إلى الصراعات المسلحة.
وسجّل 23 بلدًا -من بينها بعض الديمقراطيات رفيعة المستوى مثل أيسلندا (72)، وهولندا (79)، والسويد (82)، والمملكة المتحدة (71)، بالإضافة إلى بعض الدول الاستبدادية مثل إيران (24)، وروسيا (26) وطاجيكستان (20) وفنزويلا (13)– أدنى مستويات لها تاريخيًّا هذا العام.
منذ عام 2018م، تراجع 12 بلدًا بشكل ملحوظ في درجاتها. وتشمل القائمة دولًا منخفضة ومتوسطة الدخل مثل السلفادور (31)، وهندوراس (23)، وليبيريا (25)، وميانمار (20)، ونيكاراغوا (17)، وسريلانكا (34)، وفنزويلا (13)، وكذلك اقتصادات ذات دخل متوسط أعلى وذات دخل مرتفع مثل الأرجنتين (37) والنمسا (71) وبولندا (54) وتركيا (34) والمملكة المتحدة (71).
تحسّن أداء ثمانية بلدان خلال نفس الفترة، وهي: إيرلندا (77) وكوريا الجنوبية (63) وأرمينيا (47) وفيتنام (41) وجزر المالديف (39) ومولدوفا (42) وأنغولا (33) وأوزبكستان (33).
ثانيًا: مشكلة في القمة
إن الحصول على علامة عالية يعني أن الدولة لديها مستويات منخفضة من الفساد في قطاعها العام. ومن عجيب المفارقات أن كل هذا جعل هذه البلدان “النظيفة” ظاهريًّا جذابة للمسؤولين الفاسدين من مختلف أنحاء العالم عندما يختارون مكان غسيل أموالهم واستثمار مكاسبهم غير المشروعة لحفظها. وعلى العكس من ذلك فقد تنشأ مخططات الفساد في كثير من الأحيان من بلد يقع في مرتبة دنيا في المؤشر، وقد شملت العديد من الحالات شركات من الدول التي حصلت على أعلى الدرجات، والتي تلجأ إلى الفساد عند القيام بأعمال تجارية في الخارج. والمؤشر لا يقيس أيًّا منهما.
وفي نفس السياق؛ منذ عام 2012م، عندما أصبحت درجات المؤشر قابلة للمقارنة، كانت التقلبات في علامات البلدان التي تظهر في أعلى المؤشر ضئيلة في الغالب. ولم تشهد سوى إيرلندا (77) وسيشيل (71) تحسنًا ملحوظًا في درجاتها منذ عام 2012م. وقد بدأ كل منهما من خطوط أساس أقل -69 و52 على التوالي- مقارنةً بالدول الأخرى التي احتلت مرتبة عالية على المؤشر.
وفي بعض البلدان، سجّل المؤشر مستويات فساد متفاقمة. ويشمل ذلك أستراليا (75) وكندا (76)، اللتين تراجعتا 10 و8 نقاط منذ عام 2012م، على التوالي. عند مقارنتها بمؤشر 2015م، انخفضت أيضًا النمسا (71) ولوكسمبورغ (78) والسويد (82) والمملكة المتحدة (71) بشكل ملحوظ.
ثالثا: عدم كفاية جهود المساءلة
من غير المستغرب أن تسجّل البلدان التي من غير المرجّح أن يواجه فيها المسؤولون العموميون عقوبات بسبب الفساد نتائج سيئة في المؤشر. لكنَّ البلدان رفيعة المستوى تعاني من مشكلة الإفلات من العقاب، حتى لو لم ينعكس ذلك في درجاتها. والواقع أن البلدان التي تظهر على قمة المؤشر لديها سجل ضعيف في ملاحقة الشركات التي تدفع رشاوى للفوز بالأسواق الأجنبية، على الرغم من التزامها الدولي بالقيام بذلك لأكثر من 25 عامًا. وهذا هو الحال في هولندا (79)؛ حيث نادرًا ما تعاقب السلطات الشركات التي تقوم برشوة المسؤولين في الخارج. فمثلاً، واجهت السلطات الهولندية الانتقادات؛ لأنها اختارت عدم مقاضاة شركة شل في قضية رشوة النفط النيجيرية. وفي ضوء أحكام البراءة الصادمة التي شهدتها إيطاليا في نفس القضية، ينبغي لهولندا أن تسعى إلى المساءلة وإعادة فتح القضية.
في بعض الأحيان، لا تتحرك الدول التي تحصل على أعلى الدرجات ضد الشركات التي تقدم الرشوة حتى بعد قيام السلطات القضائية المحلية بالتحقيق في القضية. وفي ناميبيا، تمت محاكمة العديد من المسؤولين الحكوميين بتهمة قبول رشاوى من شركة سامهيرجي الأيسلندية مقابل حصص صيد الأسماك. ولم تقدم أيسلندا (72) أيّ اتهامات رسمية ضد الشركة خلال السنوات الأربع التي تلت ظهور هذه الادعاءات.
رابعًا: القليل من الرقابة على عوامل التمكين
بينما كانت المؤسسات المالية في دائرة الضوء لتسهيل الفساد وغسل الأموال على نطاق واسع، فإن العاملين في القطاع غير المالي -مثل المحاسبين ووكلاء العقارات والمحامين ومقدمي خدمات الشركات- غالبًا ما أفلتوا من التدقيق. ويُظهِر تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، بعنوان “Loophole Masters”، أن هؤلاء المهنيين كانوا أساسيين في مخططات الفساد الناشئة من القارة الإفريقية. وقد تم تسجيل الكثير منهم في بلدان سجلت درجات عالية في مؤشر مدركات الفساد. وإبراز دور سويسرا (82) كمركز مهم؛ حيث يمكن للنخب الأجنبية الفاسدة أن تجد بسهولة وسطاء لإنشاء وإدارة الشركات والصناديق الائتمانية لهم. كما ظهر المحامون في المملكة المتحدة (71) بشكل بارز في قضايا الفساد الإفريقية العابرة للحدود.
خامسًا: سرية مالية لا تنتهي
ليس هناك شك في أن الهياكل المؤسسية المجهولة هي السمات الرئيسية لمخططات الفساد العابرة للحدود. لقد جلبت السنوات الأخيرة بعض التقدم، في مطالبة بعض البلدان الشركات بالكشف عن مالكيها الحقيقيين أو “المستفيدين.
لكنَّ الدول التي حصلت على أعلى الدرجات لا يزال أمامها طريق طويل لضمان عدم تمكُّن أيّ شخص من الاختباء خلف أنواع مختلفة من المركبات السرية داخل حدودها. وحتى عندما يكون لدى البلدان التزامات صارمة بالإفصاح عن ملكية المستفيدين، إذا لم يتم تنفيذها بشكل صحيح، فإن الجهات المشبوهة ستستغل ذلك.
وقد أظهر تحليل يوليو 2023م لبيانات الملكية المستفيدة للشركات في فرنسا (71) أن ما يقرب من ثلث الشركات النشطة لم تعلن عن أصحابها المستفيدين. ويشمل ذلك المالكين الأجانب للشركات المسجلة في فرنسا، مثل الأشخاص السياسيين البارزين الذين يمتلكون عقارات فاخرة. ومن المستحيل تحديد المالكين المستفيدين لـ61% من الشركات التي تمتلك عقارات في فرنسا.
المحور الثاني:
تحليل مؤشر مدركات الفساد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م
يشير مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م إلى منطقة تتميز باستمرار بأدائها الضعيف؛ حيث تظهر معظم الدول الإفريقية ركودًا أو فشلًا في إحراز تقدم ضد الفساد([3]).
وكالعادة سجّلت المنطقة أقل درجة على مقياس المؤشر مقارنةً بالمناطق المختلفة المصنفة في مؤشر مدركات الفساد محققة (33) درجة من مائة كمتوسط لنحو 49 دولة من دول المنطقة التي ذكرها التقرير، والتي تطابق مع نتائج المؤشر لعام 2022م. ومساويًا أيضًا لمتوسط القارة الإفريقية الذي احتوى التقرير على 52 دولة من دولها. وهو كذلك أقل بنحو عشر درجات عن المتوسط العالمي البالغ (43) درجة.
شكل (1)
درجات إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م مقارنة بمناطق العالم المختلفة
المصدر: الباحث من مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م
وتؤكد النتائج التحديات المستمرة التي تواجهها المنطقة، والتي تعود جذورها إلى عقود من النقص الحاد في التمويل في القطاعات العامة. ويؤدي التأثير الضار للفساد والتدفقات المالية غير المشروعة إلى تفاقم هذه القضايا، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الحيوية بعيدًا عن الخدمات العامة الأساسية. لا يزال الفساد داخل آليات تحقيق العدالة يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأقل حظًّا، بما في ذلك أولئك الذين يعتمدون على الخدمات العامة مثل الأشخاص ذوي الإعاقة والنساء والأطفال.
وأظهرت أغلب البلدان الإفريقية الركود، وحافظت على أدائها الضعيف، وسجَّلت 90% من البلدان في المنطقة أقل من 50 درجة([4]). وتصدرت سيشيل (71) المنطقة، تليها الرأس الأخضر (64) وبوتسوانا (59). وسجلت غينيا الاستوائية (17)، وجنوب السودان (13)، والصومال (11) الأخير عالميًّا، أدنى المستويات دون أيّ علامة على التحسن ([5]).
ويظهر الشكل التالي أدنى وأعلى خمسة بلدان على درجات المؤشر لعام 2023م. كذلك لم تحقق سوى خمسة بلدان درجات (50) فأكثر يبينها الشكل أيضًا، وهو ما يتطابق مع العام 2022م([6]).
شكل (2)
أدنى وأعلى خمسة بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء في درجات مؤشر كدركات الفساد للعام 2023م
المصدر: الباحث من مؤشر مدركات الفساد لعام 2023م
وفي السياق نفسه فقد حققت عشرون دولة تحسنًا إيجابيًّا مقارنةً بالعام السابق أبرزها الرأس الأخضر وزامبيا بنحو أربع درجات لكل منهما. وبورندي وساحل العاج وجامبيا بثلاث درجات لكل منها. في الوقت الذي لم تتغير فيه درجات سبع عشرة دولة، مع تراجع أربع عشرة دولة أبرزها السودان وجنوب إفريقيا بدرجتين لكل منهما.
المحور الثالث:
أبرز الملاحظات على مؤشر مدركات الفساد 2023م في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
أولاً: الفساد يؤثر على الفئات الأكثر ضعفًا
وعلى الرغم من معدل نمو اقتصادي قدره 3.3 % في عام 2023م، لا تزال المنطقة تتصارع مع الفقر المدقع، مما يؤثر على حوالي 462 مليون شخص. وتنبع التحديات المستمرة التي تواجهها المنطقة من عقود من النقص الحادّ في التمويل في القطاعات العامة، والذي تفاقم بسبب الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة التي تستنزف الموارد بعيدًا عن الخدمات العامة الأساسية. ولا تزال معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية غير فعَّالة، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الفئات الأكثر ضعفًا. ويؤثر الفساد في آليات تحقيق العدالة بشكل غير متناسب على أفقر المواطنين وأولئك الذين يعتمدون في المقام الأول على الخدمات العامة، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة أو النساء والأطفال.
ثانيًا: ضعف الضوابط والتوازنات يهدّد الديمقراطية
تتراوح حالات الفساد والتحديات ذات الصلة في أنظمة العدالة في المنطقة من تقارير الرشوة إلى الابتزاز والتدخل السياسي في أنظمة العدالة في بلدان مثل نيجيريا (25)، إلى إقالة وسجن القضاة المتهمين بالفساد في بوروندي (20)، ووصولًا إلى حرمان ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية من العدالة (20). وتؤكد هذه الأمثلة على الدور الحاسم الذي يلعبه نظام العدالة في حماية حقوق الإنسان الأساسية والعدالة الاجتماعية.
وتتعرض الديمقراطية في جميع أنحاء إفريقيا أيضًا لضغوط مع ارتفاع عدد التغييرات غير الدستورية في بعض البلدان التي حصلت على أدنى الدرجات، بما في ذلك مالي (28)، وغينيا (26)، والنيجر (32)، والجابون (28)، مع انعدام الأمن وتفشي الفساد. يشار إليها باعتبارها الأسباب الأساسية الرئيسية. ومنذ عام 2020م، وقعت تسعة انقلابات في منطقة الساحل ووسط إفريقيا.
وكانت حالة الجابون مثيرة للانتباه؛ حيث كان درجتها على مقياس المؤشر (28) وهي درجة آخذة في الانخفاض، على الرغم من سمعتها كواحدة من أكثر البلدان ازدهارًا واستقرارًا في وسط إفريقيا. إن هيمنة عائلة بونغو على المشهد السياسي في البلاد لأكثر من خمسة عقود لم تسمح إلا بمساحة ضئيلة للشفافية والمساءلة. وتشير الدراسات الاستقصائية الأخيرة إلى أن تسعة من كل عشرة مواطنين في الجابون لا يوافقون على أداء الحكومة في مكافحة الفساد ويخشون الانتقام بسبب الإبلاغ عن الفساد.
ووقع انقلاب عسكري في أغسطس 2023م، بعد ساعات قليلة فقط من إعلان فوز علي بونغو في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في وقت سابق من نفس الشهر. بينما كان الانقلاب غير دستوري.
ورأى زعماء المعارضة السياسية والجهات الفاعلة المدنية أنها فرصة لإنهاء أكثر من نصف قرن من حكم عائلة بونغو في البلاد، والمساعدة في استعادة النظام بعد ما اعتبروه انتخابات فوضوية. أعطت الحكومة الجديدة بقيادة الجيش الأولوية لمكافحة الفساد، وشددت على إعادة تنشيط فريق عمل لمكافحة الفساد للتحقيق في جميع المشاريع التي حصل المقاولون فيها على أموال دون إكمال العمل.
ثالثًا: سيادة القانون بشكل أقوى: خطوة نحو إنهاء الإفلات من العقاب
تُعدّ نتائج المؤشر لهذا العام بمثابة تذكير صارخ بأن استقلال السلطة القضائية وعمل آليات المساءلة الداخلية، مثل مدونات قواعد السلوك وعمليات عزل القضاة، يجب أن تكون في طليعة عملية صنع السياسات في المنطقة.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية (20)، تلعب المفتشية العامة للشؤون المالية دورًا مركزيًّا في الجهود المكثّفة لمكافحة الفساد في عهد الرئيس تشيسيكيدي. على مدى السنوات الخمس الماضية، كشف منتدى حوكمة الإنترنت عن العديد من حالات سوء إدارة الأموال العامة والفساد في العديد من المؤسسات، بما في ذلك مكتب الرئيس. ومع ذلك، فإن العدالة كانت بطيئة، خاصةً في القضايا التي تتعلق بأشخاص سياسيين معروفين. خلال مقابلة أُجريت معه في يوليو 2023م، أعرب الرئيس عن عدم رضاه عن أداء السلطة القضائية خلال فترة ولايته.
وانتقد زعماء المعارضة السياسية وممثلو المجتمع المدني الرئيس ماكي سال وإدارته في السنغال (43) لاستخدامهم السلطة القضائية لتصفية حسابات سياسية. وقد دعت شخصيات سنغالية بارزة، من بينها أساتذة جامعات وصحفيون ومؤلفون ووزراء سابقون، الرئيس سال إلى اتخاذ خطوات فورية لاستعادة السلام وضمان استقلال القضاء. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024م، تصاعدت التوترات، كما رأينا خلال عمليات القمع العنيفة ضد المتظاهرين والقيود المفروضة على الوصول إلى الإنترنت.
وفي زامبيا (37)، تم القبض على المراجع العام والمحاسب العام وأمين الخزانة السابق و15 مسؤولًا آخرين من وزارة المالية في مارس 2023م، ووُجِّهت إليهم اتهامات بممارسات فاسدة بعد تلقي مدفوعات مختلفة مقابل أنشطة وهمية. وقد نتجت هذه الاعتقالات عن تحقيق أجرته منظمة الشفافية الدولية في زامبيا بشأن اختلاس ملايين الدولارات في وزارة المالية.
وعلى الرغم من اعتماد اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع ومكافحة الفساد قبل عقدين من الزمن؛ فإن إفلات الجهات العامة من العقاب، وضعف الحيز المدني، وعدم وصول الجمهور إلى العدالة والحصول على المعلومات، لا تزال تمثل قضايا حاسمة تهدّد سيادة القانون في إفريقيا. ولذلك فإن جهود مكافحة الفساد ضرورية ووثيقة الصلة على جميع المستويات ومع أصحاب المصلحة المتعددين داخل شبكة العدالة، من المحامين في المحاكم وأنظمة الأسرة إلى المدعين العامين والقضاة.
رابعًا: تفاؤل حذر وسط جهود مكافحة الفساد
تحسَّنت ساحل العاج (40) بشكل مطرد على مدى العقد الماضي، مع زيادة بمقدار ثلاث عشرة نقطة منذ عام 2013م. وبعد سنوات من الصراعات المسلحة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والمواجهة السياسية في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2010م، نفَّذت إدارة الرئيس الحسن واتارا العديد من النجاحات والإصلاحات.
وتشمل هذه الإجراءات إصدار قانون بشأن الوقاية ورفض القمع، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، ومطالبة كبار المسؤولين بالإعلان عن الأصول التي يملكونها عند توليهم مهامهم، وإنشاء أقسام للجرائم الاقتصادية والمالية في نظام المحاكم، وتنفيذ خطوط هاتفية مجانية للإبلاغ عن الفساد، وإصدار مرسوم بشأن مكافحة غسيل الأموال.
ورغم أن هذه التدابير القانونية والمؤسسية تمثل خطوات في الاتجاه الصحيح، إلا أنه ينبغي تنفيذها في جميع القطاعات ذات الصلة في ساحل العاج. تدابير إضافية، مثل تقديم إعلانات الأصول العامة، وإصدار قانون بشأن حماية المبلغين عن المخالفات مع آليات إنفاذ قوية وإدخال سجل الملكية المستفيدة الذي يمكن للجمهور الوصول إليه، من شأنه أن يكمل هذه الجهود.
وتواصل سيشيل (71) وأنغولا (33) تسجيل تقدُّم ملحوظ في حربهما ضد الفساد. على مدار العقد الماضي، ارتفعت درجة مؤشر أسعار المستهلكين في سيشيل بمقدار 19 نقطة، في حين تحسَّنت أنجولا بمقدار 14 نقطة منذ عام 2019م. ويشترك كلا البلدين في تدابير مشتركة لمكافحة الفساد، مثل الجهود المستمرة لاستعادة الأصول المسروقة ومحاسبة الجناة المزعومين علنًا من خلال أنظمة العدالة الوطنية. ووضعت أنجولا اللمسات النهائية على إستراتيجية مكافحة الفساد تمتد للفترة 2018-2022م.
وقد أدت هذه الجهود، إلى جانب الإصلاحات القضائية الأخرى، إلى استرداد أصول بقيمة 3.3 مليار دولار أمريكي مِن قِبَل صندوق الثروة السيادية. كما أدى التحقيق مع كبار المسؤولين ومحاكمتهم إلى استعادة ما يقرب من 7 مليارات دولار أمريكي من إجمالي الأصول المالية والملموسة.
وأقرت الرأس الأخضر (64) مؤخرًا قانونًا لإنشاء منصة عبر الإنترنت للعاملين القضائيين لتقليل التأخير في الفصل في القضايا وتسهيل الإجراءات المعلقة.
وانخفضت ليبيريا (25) بمقدار ست عشر نقطة منذ عام 2012م. وتناقضت نتيجة المؤشر في البلاد مع الإصلاحات الإيجابية التي قدمتها إدارة الرئيس السابق جورج ويا في الجزء الأخير من فترة ولايته في 2022-2023م. وشملت هذه الجهود تعديل قانون لجنة مكافحة الفساد في ليبيريا، الذي يمنح اللجنة سلطة مباشرة وفورية لملاحقة أصول الموظفين العموميين ومصادرتها، وإصدار قانون لحماية المبلغين عن المخالفات، وتعديل مدونة قواعد السلوك الوطنية، من بين أمور أخرى. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الإصلاحات لم يتحقق بالكامل بعدُ؛ حيث لا يزال الإفلات من العقاب على جرائم الفساد منتشرًا. ويتجلى ذلك في الحالات التي لم يُعاقب فيها العديد من المسؤولين، الذين فرضت عليهم حكومة الولايات المتحدة عقوبات بسبب فساد كبير في القطاع العام.
المحور الخامس:
تقييم مؤشر مدركات الفساد
تم إصدار مؤشر مدركات الفساد مِن قِبَل منظمة الشفافية الدولية لأول مرة في عام 1995م، ويتم نشره سنويًّا منذ ذلك الحين، ويُنظَر إليه بحق باعتباره خطوة بالغة الأهمية في تركيز الاهتمام العالمي على قضايا الفساد. مما حفَّز الكثير من الأبحاث الأكاديمية حول هذه القضية، وولَّد أيضًا اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا، وساعد في تدشين المبادرات الدولية لمكافحة الفساد عبر مجموعة من الحكومات والمنظمات الدولية. كما يُعتَبر المؤشر المصدر المعتمد لأولئك الذين يريدون معرفة مستويات الفساد في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من العمل الجيد الذي تُقدّمه منظمة الشفافية الدولية غير أن التصورات التي يقدمها المؤشر ليست حقائق، وفي هذه الحالة قد تكون انعكاسًا مشوهًا للحقيقة بشكل غير مفيد.
حيث وجدت بعض الدراسات أن نتائج المؤشر بها أوجه قصور عدة، فمصادر البيانات الفردية لها تأثيرات غير متساوية على المؤشر، وتظهر العلاقات السببية فيما بينها. وتصورات الفساد ليست متجانسة بين البلدان. ويشير وجود تأثيرات مترابطة بين مصادر بيانات المؤشر إلى أن صُنّاع السياسات ينظرون إلى مصادر بيانات متعددة لمؤشر مدركات الفساد في عملية صنع القرار بدلًا من التركيز على مصدر واحد من مصادر البيانات هذه أو تجميعها الموزون بشكل متساوٍ. مع وجود مصادر غير مهمة([7])؛ حيث يعاني المؤشر من([8]):
– مشاكل التعريف، والتحيز في الإدراك، والدقة الزائفة، والنموذج الإحصائي المعيب، والفشل في التقاط الاتجاهات طويلة الأجل. كما أن تصوراته لا تعكس بالضرورة الواقع. كذلك فإن مسألة من الذي يتم تتبع تصوراته مهمة أيضًا. كما أن المجيبين على الدراسات الاستقصائية هم بأغلبية ساحقة من “خبراء” الدولة (المقيمين عادة خارج الدولة المعنية)، ورجال الأعمال التنفيذيين؛ ومن غير المستغرب أن تميل نظرتهم للفساد إلى التركيز على الرشوة (ومتلقي الرشوة). لكن الفساد ينطوي على ما هو أكثر من مجرد دفع الرشاوى، ومن المفترض أن يسعى المؤشر الذي يقيس الفساد للتمييز ليس فقط بين أنواع الفساد، بل للتمييز أيضًا بين تأثيراتها وخطورتها.
– عندما تم إطلاق مؤشر مدركات الفساد في عام 1995م، كانت هناك حجج مشروعة لصياغته. ربما كانت تكلفة استطلاعات رأي المواطنين الواسعة في ذلك الوقت باهظة. وأن الفساد، بحكم تعريفه تقريبًا، مخفي، لذا ربما يكون من المستحيل قياسه بدقة كبيرة. لكنَّ العالم مختلف الآن, كما إن منظمة الشفافية الدولية هي قوة عالمية، ذات إمكانيات كبيرة([9]).
– المؤشر لم يتغير بأيّ طريقة ذات معنى منذ إطلاقه لأول مرة. فبتتبع نتائج المؤشر على مر السنوات تجد درجة عالية من الاتساق لدرجة أنه من الصعب التعامل مع درجات السنوات الفردية على أنها تقييمات منفصلة.
– كان الانتقاد الأكثر دلالة هو أنه لا يعمل كدليل سيئ للسياسة فحسب، بل يعمل على خلق حوافز ضارة؛ حيث إن العديد من الجهات المانحة الدولية ووكالات المعونة استخدمته لتصنيف الدولة كمؤشر رئيسي للأداء. والواقع أن هناك من الأدلة ما يشير إلى أن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض البلدان شديدة الفقر يرتبط بشكل مباشر بمكانتها في مؤشر مدركات الفساد. وبما أن المساعدات مشروطة بتبنّي تدابير لمكافحة الفساد، فإن البلدان التي لديها أقل الموارد اللازمة لتنفيذ “الحكم الرشيد” ستعاني من سحب الدعم الذي تحتاجه لمعالجة الفساد.
– لا يغطي المؤشر تصورات المواطنين أو تجاربهم مع الفساد؛ أو التدفقات المالية غير المشروعة. ولا أدوار مُيَسِّري الفساد، ولا غسيل الأموال([10]).
– اختزال مشاكل الفساد في أيّ بلد في درجة واحدة يشكل إشكالية منهجية؛ بسبب عدم قدرتها على تغطية نوع ونطاق ومدى الفساد. كما أن قياس مفاهيم مثل الديمقراطية والعدالة والإنصاف والفساد أمر صعب، وعلى الرغم من حلّ الإحصائيين لتلك الإشكالية لم يتم الاعتراف بذلك مِن قِبَل منظمة الشفافية. وقد دفع هذا بعض الباحثين إلى التشكيك في إمكانية استخدام المؤشر. فضلاً عن ذلك يقيس المؤشر تصورات الفساد وليس الفساد نفسه. وبإيجاز، فإن “مؤشرات الإدراك تثير المخاوف بشأن التحيزات”. وربما تعني هذه التحيزات المحتملة أن المؤشر يُشوّه الواقع (وعن غير قصد)، ويعمل ببساطة على تعزيز الصور النمطية. وكذلك يركّز على تصورات الفساد في القطاع العام، ولا يذكر شيئًا عن الفساد في القطاع الخاص([11]).
وكذلك فإن الجوانب التالية من تصنيفات الفساد المركبة تثير الجدل منها([12]):
- لا نعرف ما إذا كان المؤشر يشير إلى أنشطة قانونية أم غير قانونية.
- عدم وجود توافق في الآراء حول معنى مصطلح الفساد يجعل من الصعب فهم المعايير الكامنة وراء التصنيف.
- النسبة بين الدرجات المختلفة ليس لها أهمية وليست ثابتة.
- التصورات الفردية للأنشطة الخفية ليست موثوقة، ويمكن أن تكون متحيزة.
- لا يتم فهم نقاط الضعف مِن قِبَل الجمهور، ولا تتم الإشارة إلى التصنيف بشكل عام بالعناية اللازمة.
- قيمته للدراسات الإحصائية غير مؤكدة.
- إن قيمته بالنسبة للبلدان الفقيرة التي يُشكّل فيها الفساد تحديًا هائلًا غير مؤكدة.
خاتمة:
كان إفلات المسؤولين الفاسدين من العقاب، ومحدودية الوصول إلى العدالة هو العنوان الأبرز لنتائج مؤشر مدركات الفساد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م، ويظهر المؤشر أن بلدان الإقليم أمامها طريق طويل لتقطعه في حربها ضد الفساد.
وتدعو منظمة الشفافية الدولية حكومات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى منح أنظمة العدالة الاستقلال والموارد والشفافية اللازمة لمعاقبة جميع جرائم الفساد بشكل فعَّال وإبقاء السلطة تحت السيطرة. ويجب عليها أيضًا، عند الضرورة، تقديم إجراءات وقوانين أفضل لمساعدة مؤسسات العدالة على حماية نفسها من أعمال الفساد واستهدافها.
وعلى الرغم من بعض التقدم الأخير، فإن البلدان التي تحتل مرتبة عالية في مؤشر مدركات الفساد لا تزال لا تفعل ما يكفي لمكافحة الفساد العابر للحدود الوطنية الذي تكون متواطئة فيه بشدة. وبدرجات متفاوتة، تعاني جميعها من عيوب نظامية تسمح للأموال القذرة بالتسلل إلى النظام المالي العالمي. كما أنهم يفشلون في ملاحقة مرتكبي الفساد العابر للحدود الوطنية ومن يساعدونهم. مما مكَّن الجهات الفاسدة في جميع أنحاء العالم من غسل وإخفاء ثرواتها داخل حدودها؛ من خلال ثغرات السرية المالية. وهو ما يؤثر بالسلب على حالة الفساد في إفريقيا جنوب الصحراء، كما في حالة نيجيريا وناميبيا.
ويتعين على البلدان التي تتباهى بانخفاض مستويات الفساد في القطاع العام، وحكم القانون القوي؛ أن تعمل على فرض قواعد مكافحة الرشوة بشكل كامل، وعندما تكون هذه القواعد غير كافية، ينبغي لها أن تبتكر تدابير جديدة لمكافحة الفساد العابر للحدود الوطنية. وعدم القيام بذلك يعني إدامة دائرة الإفلات من العقاب.
…………………………………………………………………..
[1]) حول أبجديات مؤشر مُدرَكات الفساد: كيفية حساب مؤشر مدركات الفساد، انظر:
transparency, the ABCS of the CPI: how the Corruption Perceptions Index is Calculated.at: https://www.transparency.org/en/news/how-cpi-scores-are-calculated
[2]) منظمة الشفافية الدولية، رقابة مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2023م: إضعاف نظم العدالة يترك الفساد دون الحكومات في مختلف أنحاء العالم تفشل إلى حدٍّ كبير في إيقاف الفساد، 30 يناير 2024م. متاح على الرابط:
https://www.transparency.org/ar/press/cpi2023-corruption-perceptions-index-weakening-justice-systems-leave-corruption-unchecked
[3]) للاطلاع على النتيجة الفردية لكل بلد والتغيرات التي طرأت على مر الزمن، راجع المؤشر العالمي. متاح على الرابط:
https://www.transparency.org/en/cpi/2023
[4] ) للحصول على تحليل متعمق حول الاتجاهات والبلدان، راجع المقالة المميزة للمنطقة. متاح على الرابط:
https://images.transparencycdn.org/images/CPI-2023-Sub-Saharan-Africa-regional-analysis.pdf
[5] ) Transparency International, corruption Perceptions Index 2023.at: https://www.transparency.org/en/cpi/2023
[6] ) قراءة تحليلية لموقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر مدركات الفساد للعام 2022م. متاح على الرابط: https://qiraatafrican.com/13514/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%88%d9%82%d8%b9-%d8%a8%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%ac%d9%86%d9%88-2/
[7] (Pornanong Budsaratragoon, Boonlert Jitmaneeroj, A critique on the Corruption Perceptions Index: An interdisciplinary approach.at:
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0038012118301411
[8] ) Paul Heywood, The Corruption Perceptions Index (CPI): the Good, the Bad and the Ugly.at:
https://www.thebritishacademy.ac.uk/blog/corruption-perceptions-index-cpi-good-bad-and-ugly/
[9] ) Alex Cobham, Corrupting Perceptions: Why Transparency International’s Flagship Corruption Index Falls Short.at: https://www.cgdev.org/blog/corrupting-perceptions-why-transparency-international%E2%80%99s-flagship-corruption-index-falls-short
[10] ) قراءة تحليلية لموقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر مدركات الفساد للعام 2022مم، قراءات إفريقية. متاح على الرابط:
قراءة تحليلية لموقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر مدركات الفساد للعام 2022م
[11] ) Jolyon Cooper-Millar, The Corruption Perceptions Index (CPI): Much ado about nothing?.at:
The Corruption Perceptions Index (CPI): Much ado about nothing?
[12] ) Tina Søreide, Is it wrong to rank? A critical assessment of corruption indices.at: https://www.cmi.no/publications/file/2120-is-it-wrong-to-rank.pdf