د. نرمين كمال طولان
مقدمة:
يتمتع الألماس في العالم بقيمة رمزية عالية بسبب ارتباطه بالرومانسية، الجمال، السحر، الخلود، والثروة، غير أن الوجة الآخر لهذا الحجر الكريم لم يكن بمثل هذه الشفافية والوضوح؛ فقد ارتبطت تجارة الماس في الغالب بأعمال الحرب، العنف، القتل، عمالة الأطفال ودعم الصراعات والمعاناة الإنسانية.
وتأتي التسمية “الماس” Diamond من الكلمة اليونانية “ada-mas“، وتعني “الذي لا يُقهَر”. وربما أطلق عليه هذا الاسم بسبب صلابته وقوة مقاومته. وتم اكتشاف الماس لأول مرة في جنوب إفريقيا في عام 1867م على ضفاف نهر أورانج، وتوالت الاكتشافات، وظهرت الشركات الكبرى للتنقيب عن الماس في إفريقيا. ويوجد الألماس في العديد من البلدان حول العالم، لكنَّ غالبيته (حوالي 65%) توجد فيه إفريقيا، خاصةً أنجولا وبوتسوانا وجنوب إفريقيا.
وقد احتلت تجارة الماس مكانة رائجة في العالم، وكانت التجارة السائدة في “الماس الخام أو غير المُعالَج”، وهي صناعة متعددة الجنسيات بمليارات الدولارات تم تقدير إنتاج الماس العالمي في الصناعة القانونية فقط خلال عام 2006م بقيمة 11.5 مليار دولار أمريكي، تمثل 176.7 مليون قيراط. لتصل إلى 16.3 مليار دولار أمريكي، وتمثل 120.2 مليون قيراط في عام 2022م.
سيطرت شركة De Beers على صناعة الماس، والتي تأسست عام 1888م، وهي شركة جنوب إفريقية تعد أكبر مُنتِج ومُوزّع للماس في العالم. ومن خلال العديد من الشركات التابعة والعلامات التجارية التابعة لها؛ تشارك شركة De Beers في معظم جوانب صناعة الماس، وهي تنتج حوالي نصف الماس الخام في العالم. لدى De Beers أيضًا مصالح في تصنيع المتفجرات والتصنيع الكيميائي. وفي مناجم الذهب والفحم والنحاس، وفي الماس الاصطناعي. والمقر الرئيسي لها في جوهانسبرغ جنوب إفريقيا.
وتحدث غالبية تجارة الماس الخام في مراكز رئيسية هي “لندن، لوسيرن، نيويورك، تل أبيب، جوهانسبرج، بومباي، ودبي”. وبطبيعة الحال شاركت تجارة الماس المشروعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الإفريقية المنتجة، ويمكن لهذه الصناعة أن تصبح قوة بناءة للدولة([1]).
لكن لعبت السوق السوداء لتجارة الماس دورًا أساسيًّا في تأجيج الحروب داخل إفريقيا، وهو ما يسمى “الماس المُموِّل للصراعات”. وارتبط بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وتم تعريف مصطلح “الماس المُموِّل للصراعات” في سياق القانون الدولي طبقًا للقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 55/56 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بـ”الماس المُموِّل للصراعات هو الماس الخام الذي تَستخدمه حركات التمرد أو حلفاؤهم لتمويل صراع يهدف إلى تقويض الحكومات الشرعية([2]).
في حين ظهر مصطلح آخر لهذه التجارة أكثر دقة؛ هو “الماس الدموي”، وارتبط بشكل كبير بالعنف المُوجَّه ضد المدنيين، ولعله المثال الأكثر شهرةً على العلاقة بين هذه التجارة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وهو الماس الذي تم استخراجه بطريقة غير قانونية، وغالبًا باستخدام القوة، ومِن ثَم يتم بيعه في السوق الدولية لتمويل الصراع العنيف في إفريقيا. وهي ظاهرة قامت بها حركات التمرد في عددٍ من الدول الإفريقية خاصةً في أنجولا وسيراليون. ويشكل “الماس الدموي” ما بين 4 إلى 15% من إنتاج الماس السنوي في العالم.
أثناء الحرب الباردة، كانت العديد من المنظمات وحركات التمرد قد انتشرت في جميع أنحاء العالم، وكان العالم يعتمد إلى حد كبير على دعم القوى العظمى. وسرعان ما تطورت استيعابها في معسكر عالمي واحد أو آخر. فدعم الاتحاد السوفييتي وكوبا عددًا من حركات التحرير في إفريقيا وأمريكا الوسطى، بينما دعمت الولايات المتحدة مجموعات مثل الاتحاد الوطني (يونيتا) في أنجولا. وقد جلبت نهاية الحرب الباردة نهاية فعَّالة للدعم الخارجي لهذه الجماعات.
وهنا اختفى الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وفقدت الدول ببساطة الاهتمام بمصير العديد من عملائها السابقين. وأصبح واضحًا لتلك الحركات أن إستراتيجيات البقاء بعد الحرب الباردة يتوقف على قدرة هذه الحركات على توليد مصادر دخل جديدة لدعم عملياتها وتأكيد البقاء. وكانت الأكثر نجاحًا في تحقيق هذا التحول هي تلك التي عملت في البلدان التي تنتج سلعًا ذات قيمة عالية، سواء كانت سلعًا قانونية أم غير ذلك، على سبيل المثال، الماس في غرب إفريقيا؛ المعادن في وسط إفريقيا، والكوكايين والهيروين في كولومبيا، والأفيون والهيروين في جنوب غرب آسيا.([3])
في إفريقيا جنوب الصحراء ظهر بوضوح ما يسمى بالماس المُموِّل للصراعات أو “الماس الدموي”؛ فعلى مدى العقود الماضية، عانت العديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك سيراليون، وليبيريا، وأنجولا، وكوت ديفوار، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، من صراعات عنيفة يُغذّيها الماس.
وعلى الرغم من أن العديد من هذه الصراعات قد انتهت الآن؛ إلا أن قضية الماس المُموّل للصراعات لا تزال سائدة: فصناعة الماس لا تزال تتسم في كثير من الأحيان بالعنف المروع. كما أن بعض الحكومات وشركات التعدين أسهمت، ولا تزال تسهم في هذه الفظائع (حتى في البلدان التي ليست في حالة حرب).
وعلى الرغم من تحقيق عائدات كبيرة من صناعة الماس؛ من خلال فرض الضرائب وترتيبات تقاسم الأرباح؛ إلا أن الحكومات قد تفشل في استثمار الأموال مرة أخرى في المجتمعات المحلية: فالفساد، وعدم الكفاءة، والأنظمة السياسية الضعيفة أسهمت في فشل استثمار عائدات الماس بشكل يخدم الشعوب.
جمهورية إفريقيا الوسطى..صراع وتمرد تغذيه صناعة الماس:
منذ الفترة الاستعمارية، كان يُنظَر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى بسخرية على أنها تتكون من منطقتين؛ واحدة «مفيدة» تتميز بوجود الذهب والألماس واليورانيوم (منطقة واحدة في الجنوب الغربي، والأخرى في الشرق)، ومناطق أخرى قليلة الموارد. ولقد تم تهميش المناطق “عديمة الفائدة” تاريخيًّا، ولم تخضع إلا للحد الأدنى من حضور الدولة.
وكان الماس يُوفّر الحياة الكريمة لكثير من الناس، ويمكن الحصول عليه بمستويات منخفضة من رأس المال والمعدات البسيطة، ويعد بأرباح سريعة. تتراوح تقديرات السكان الذين يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على القطاع للحصول على الدخل من 500.000 إلى 3 ملايين نسمة، الأمر الذي موَّل العنف بشكل واضح، ويرى بعض الباحثين أن الدافع الأساسي للمتمردين في جمهورية إفريقيا الوسطى هو السيطرة على الدولة؛ أو على الأقل الحصول على منصب داخل الحكومة وليس للسيطرة على المعادن أو الأخشاب. غير أن بعض الدراسات ترى أن الغرض هو السيطرة على الموارد الطبيعية. وأكدت أن السيطرة على الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية (الماس والذهب والأخشاب)، واستخدام عائدات هذه الموارد لشن الحرب أو التهديد بها، وارتكاب أعمال العنف للسيطرة على الموارد الطبيعية.
غير أن استغلال تلك الموارد الطبيعية واستبعاد قطاعات كبيرة من السكان من قاعدة الموارد الطبيعية أدى إلى تفاقم الفقر والتوترات الاجتماعية. وأجبَر الفقر المتزايد الناس على الانضمام إلى الميليشيات كإستراتيجية للبقاء الاقتصادي. لقد موَّلت الموارد الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى؛ وإن توفّر كميات الماس ليس بأيّ حال من الأحوال السبب الوحيد الذي يدفع المتمردين إلى الاستيلاء على الماس وحمل السلاح، ولا يؤدي حتمًا إلى الصراع، لكنَّه عامل مشارك وأمر أساسي يجعل إنهاء التمرد أكثر صعوبة بكثير.
واندلعت الحرب الأهلية المدمرة في جمهورية إفريقيا الوسطى يُغذّيها الماس والفقر والتوترات الدينية في عام 2013م. فقد هاجم تحالف من الجماعات المتمردة، سيليكا، العاصمة بانجي، وسيطر على حقول الماس الثمينة. وأدَّى ذلك إلى هجوم مضادّ مِن قِبَل الميليشيات المسيحية، مما أضاف عنصرًا دينيًّا إلى الصراع ونتيجة لذلك، ظلت البلاد متورّطة في صراع عنيف؛ حيث تتقاتل الميليشيات المتعارضة من أجل السيطرة على موارد البلاد، وخاصةً الماس. وعلى الرغم من حظر صادرات الماس من جمهورية إفريقيا الوسطى، إلا أن المهربين يواصلون نقل الماس عبر الحدود، مدّعين كذبًا أنه من مصادر مشروعة، ويبيعونه للمستهلكين الدوليين باعتباره من مصادر بعيدة عن الصراعات([4]).
وتفاقم الوضع الاقتصادي العام وتدهور مع جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى تقديرات الأمم المتحدة بنسبة 57% من السكان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في عام 2021م (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 2020م). وأدى إغلاق المدارس المؤقَّت في الجائحة عام 2020م إلى زيادة عمالة الأطفال في مناجم الماس. كما أدَّى انخفاض أسعار الماس والذهب بسبب ضعف الطلب إلى زيادة الصعوبات التي يواجهها عمال المناجم في جمهورية إفريقيا الوسطى.( ([5]
سيراليون.. الماس وقود الحرب الأهلية:
قامت سيراليون باستخراج الماس بطريقة مشروعة ومربحة حتى استقلالها في عام 1961م. وقد تم استخراجه لأول مرة في عام 1935م مِن قِبَل شركة دي بيرز، التي أبرمت عقدًا مدته 99 عامًا يمنحها السيطرة الكاملة على جميع عمليات التعدين.
وبعد استقلال سيراليون عن سيطرة الاستعمار البريطاني، استخدم سلسلة من القادة تجارة الماس فقط لمساعدتهم على التلاعب بشعوبهم، وجلب الثروات للفصائل الحاكمة، وشراء الأسلحة لتسليح من هم في السلطة ضد أولئك الذين قد يعارضونهم. وقامت شركة دي بيرز بالرحيل في 23 مارس 1991م، بعد تأميم المناجم([6]).
وقبل وقت طويل من اندلاع الأعمال العدائية، كانت هناك ثقافة الفساد المتفشي، والتي يرجع تاريخها إلى عقود، وأصبحت راسخة بعمق في سيراليون؛ حيث قام “سياكا ستيفنز” الذي حكم كأول رئيس لسيراليون من عام 1971-1985م بعمليات نهب واسعة النطاق لإيرادات الدولة مع تعزيز السيطرة على إنتاج وتبادل الموارد القيمة للبلاد. ولكن في غرب إفريقيا، لا يقل الفساد تأثيرًا عن الجشع، وخاصةً فيما يتعلق ببناء قاعدة قوة شخصية ضد المنافسين. وقبل صعود ستيفنز، كان ينتج من الماس 200 مليون دولار تقريبًا من الأرباح للاقتصاد الرسمي في سيراليون، والتي بلغت حوالي 30% من ناتجها الوطني وتوفر ما يقرب من 70% من احتياطياتها من النقد الأجنبي. وبحلول عام 1987م، بلغ إنتاجه بقيمة 100 ألف دولار فقط.([7])
إن طبيعة السياسة ذات المحصلة الصفرية للقوانين في غرب إفريقيا تم التلاعب بها وفرضها بشكل انتقائي لخدمة أصحاب النفوذ السياسي. كما ملأ السياسيون جيوبهم بالإيرادات التي كان ينبغي استخدامها لإعادة بناء البنية التحتية المتداعية أو للاستثمار.
فـي هذا الوقت ظهرت جماعة متمردة عُرفت بـ(الجبهة الثورية المتحدة)، وقائدها فوداي سنكوه Foday Saybana Sankoh، وقد لاحظت الجماعة ضعف الحكومة الوطنية، فقامت بحمل السلاح وسيطرت على شرق سيراليون. وعلى مدار أحد عشر عامًا من الحرب الأهلية تمكَّنت الجبهة المتحدة الثورية، تحت قيادة فوداي سنكوه، من الاستيلاء على 90% من صناعة الماس في سيراليون، والتي استخدمتها لتوليد الأموال اللازمة لتهريب الأسلحة بشكل غير قانوني، وتغذية المجهود الحربي. واستمرت الحرب الأهلية في سيراليون من عام 1991 حتى عام 2002م. وكانت الممارسات في زمن الحرب مُروّعة من سُرقة الأطفال من بيوتهم، وتجنيدهم كجنود في قوات المتمردين التابعة للجبهة المتحدة الثورية. بالإضافة إلى إجبار المدنيين على العمل في مناجم الماس في ظروف خطرة، وحتى مميتة([8]).
وقد لجأت بعض هذه الجماعات إلى التكتيكات الإرهابية، وبهدف إخضاع السكان المدنيين المحليين قامت بعمليات بتر الأطراف وأجزاء من الجسم. كما ارتكبت الميليشيات أعمالًا غير قانونية من القتل والعنف الجسدي والجنسي ضد المدنيين والاختطاف، ونهب وتدمير الممتلكات المدنية، بما في ذلك العمل القسري والاستعباد الجنسي، وتجنيد الأولاد والبنات في صفوف الجماعات المسلحة، وإشراكهم في عمليات القتال([9]).
ومع الإعلان الرسمي عن انتهاء الحرب الأهلية في 2002م. وبحلول ذلك الوقت، أشارت التقديرات إلى أن ما لا يقل عن خمسين ألف شخص لقوا حتفهم، فضلًا عن تضرُّر مئات الآلاف من أعمال العنف، وتشريد نحو مليوني شخص بسبب الصراع([10]).
جدير بالذكر أن الضجة الدولية بشأن الماس الدموي، والتي لفتت الانتباه إلى تجارة الماس الفاسدة وغير الخاضعة للرقابة، نشأت في سيراليون. وفي أوائل التسعينيات، أدى افتقار البلاد إلى القيادة وتجارة الماس المربحة ولكنها غير خاضعة للرقابة إلى دفع المتمردين إلى بدء حرب أهلية. وأدى هذا الغزو، وما أعقبه من آثار دموية، إلى إجراء تحقيق في تجارة الماس وأثار طلبًا شديدًا على التنظيم الدولي. ومع تزايد الطلب على التنظيم، أصدر رئيس الولايات المتحدة آنذاك، بيل كلينتون، الأمر التنفيذي رقم 13194، الذي يحظر استيراد الماس من سيراليون اعتبارًا من عام 2001م فصاعدًا. ثم في عام 2003م، نفّذت الولايات المتحدة قانون تجارة الماس النظيف، الذي حظر استيراد وتصدير أيّ ألماس خام لم يتم اعتماده من خلال عملية كيمبرلي.
أنجولا.. النفط ضد الماس:
تُعدّ أنجولا بلد التناقضات الشديدة؛ فهي واحدة من أفقر خمس عشرة دولة في العالم رغم ثرواتها المعدنية الهائلة من البترول والماس. بدأت الحرب الأهلية في أنجولا مع قرب استقلالها من الاستعمار البرتغالي، وبدأ الصراع بين الحركات الأنجولية الثلاث: “مبلا”، “الحركة الشعبية لتحرير أنجولا”، و”فنلا” “الجبهة الوطنية لتحرير أنجولا”، و “يونيتا”، “الاتحاد الوطني لاستقلال أنجولا” على السلطة لتجذب إليها التدخلات الخارجية من الدول الكبرى والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في ظل الحرب الباردة. ورغم انتصار حركة “مبلا” ذات الدعم السوفييتي والكوبي، ووصولها إلى السلطة في عام 1976م لم تنتهِ الحرب، وظلت “يونيتا” حركة متمردة ومقاتلة ضد حكومة “مبلا” في ظل غياب الحركة الثالثة “فنلا”، وخروجها من الصراع. واستمر الدعم القوي ليونيتا من الولايات المتحدة ودولة جنوب إفريقيا وكذلك نظام “موبوتو” في زائير طوال فترة الحرب الباردة.
احتلت أنجولا المرتبة الرابعة في إنتاج الماس في العالم في عام 1971م قبل الاستقلال لينخفض الإنتاج بشكل كارثي عام 1977م مع زيادة إنتاج الماس غير المشروع في البلاد[11]. واستطاعت يونيتا السيطرة على أفضل مناطق الماس في الشمال الشرقي، وأصبح الماس مصدر دخل للحركة مع أواخر السبعينيات من خلال مهاجمة مناجم الدولة والسيطرة على المعدات وترهيب المدنيين من خلال وضع الألغام الأرضية، ولم تستطع حكومة “مبلا” كبح جماح هذه الهجمات؛ حيث إن مناطق استخراج الماس بعيدة ومنخفضة السكان ويصعب مراقبتها.
وبالتالي سيطرت يونيتا على مناطق الماس، وسيطرت حكومة “مبلا” على مناطق البترول البعيدة على الساحل الأنجولي وفي المحيط الأطلسي.
عندما أصبحت الحرب الباردة على وشك الانتهاء، لجأت الحركة الشعبية لتحرير أنجولا “مبلا” للسيطرة على النفط، بينما سعت حركة يونيتا للسيطرة على الماس، لتمويل المجهود الحربي. وهكذا تحولت طبيعة الحرب إلى النفط ضد الماس. في البداية، كانت ليونيتا، بقيادة “جوناس سافيمبي” هي صاحبة اليد العليا عندما حول سافيمبي يونيتا إلى أكبر عملية تهريب للماس في التاريخ وكل ذلك مقابل الأسلحة. وبعد توقف الحرب لخوض الانتخابات تحت مراقبة الأمم المتحدة تجدد الصراع مرة أخرى عام 1992م لرفض سافمبي قبول نتائج الانتخابات التي جاءت لصالح “مبلا”، وقاد سافيمبي جيش يونيتا البالغ قوامه 60 ألف جندي إلى المعركة مع القوات المسلحة الأنجولية، وتمكن سافيمبي من السيطرة على 70% من البلاد بحلول عام 1993م.
ومن الصعب تقديم تقرير بثقة عن أسلوب يونيتا في الاستيلاء على مناجم الماس، لكنَّ العديد من التحقيقات ألقت الضوء على خبايا الأمر؛ فقد شنَّت يونيتا هجومين مُدمّرين بشكل خاص على كورانجو في عام 1984م وفي أندرادا في عام 1985م، مما أدى إلى القضاء على الإيرادات التي كانت الحكومة ستجمعها من هذه المناجم. وبهذا الانتصار ليونيتا، تمكّنت من بَسْط سيطرتها على حقول الماس في لوندا. وبواسطة الآلات المسروقة، اجتمع المتمردون معًا بشكل فضفاض لتشكيل ما يُعرَف باسم garimpeiro ” الغاريمبيرو “الحفارين”؛ حيث دمَّروا مدن التعدين لاستخراج الأحجار الكريمة بحثًا عن الثروات. على الرغم من أنه ربما كان من المفيد لمسؤولي يونيتا أن يحاولوا إنشاء نوع من الهيكلية خلف الغارمبيرو، إلا أنه خلال الثمانينيات لم يكن هناك هيكل صارم لغزوات الماس. “لقد كانت عمليات التعدين غير الرسمية من هذا النوع هي التي دعمت المجهود الحربي ليونيتا بعد انسحاب الدعم المباشر من جنوب إفريقيا والدول الغربية.
وركزت يونيتا طاقتها خلال التسعينيات على استخراج الماس. ومع اكتساب يونيتا المزيد والمزيد من السيطرة على مناطق كوانجو ولونداس، “بدأوا عملية دمج تعدين الماس كقاعدة صناعية ومالية أساسية لها، مما استلزم الخبرة المناسبة والرقابة البيروقراطية”، واستدعى سافيمبي خبراء أجانب في تعدين الماس للانضمام إلى الغارمبيرو، الذين قاموا بالبحث عن الماس الخام، وقاموا أيضًا بتدريب عمال مناجم يونيتا.
كان هؤلاء الأجانب محميين مِن قِبَل الجيش المتمرد، وحصلوا على دفعات من إجمالي الرواسب الغرينية المستخرَجة. وتم تقسيم الجزء المتبقي بالتساوي بين يونيتا وعمال مناجم الماس الأجانب الآخرين. وكان سافيمبي قادرًا على السيطرة على الغاريمبيرو من خلال التهديد باستخدام العنف، وبالتالي اكتسب قوة عاملة قوية ويقظة. كان العديد من الغاريمبيرو راضين بما فيه الكفاية عن حصتهم من الأرباح.
وبفضل هذه المجموعة القوية من العمال، تمكنت يونيتا من تجاوز مناجم الماس في أنجولا. واحتفظت هذه المجموعة المتمردة بسيطرة صارمة على كوانغو، وهي منطقة الماس المربحة للغاية في أنجولا، وقد اعترف مسؤول في يونيتا “أننا لن نتحرك حتى نحصل على صفقة جيدة لتقاسم الأرباح”. وهو ما يشير إلى أن يونيتا لا تنوي مغادرة هذه المناطق الغرينية الغنية، بما في ذلك وادي كوانغو، وأندولو، ولوسامبا، ولواندا نورتي على سبيل المثال لا الحصر.([12])
إن الطريقة التي تمكنت بها يونيتا من السيطرة على مناجم الماس مهمة جدًّا في هذه القضية؛ لأنها لم تكن سلمية على الإطلاق. الغزوات الوحشية شائعة، وتؤدي إلى مقتل العديد من المدنيين. وتغطي الألغام الأرضية المنطقة، مما يؤدي إلى عمليات بتر مؤلمة ومتكررة كل يوم. واضطر المدنيون في مدن التعدين إلى مغادرة منازلهم لتجنب الإرهاب.
وأصبح الماس أيضًا بمثابة عنصر مهمّ في إستراتيجية يونيتا لاكتساب الأصدقاء والحفاظ على الدعم الخارجي. وحصلت يونيتا على دعم خاص من حكومة موبوتو فيما كان يُعرَف آنذاك بزائير. الماس الخام، بدلًا من النقد أو الودائع المصرفية كانت الوسيلة الأساسية والمُفضَّلة لتخزين الثروة بالنسبة ليونيتا. وقد وفَّر هذا آلية لتجنُّب التأثيرات الدولية، وخاصةً العقوبات المالية، مثل مصادرة الحسابات المصرفية. وأتاحت وسيلة للحفاظ على الدخل على مدى فترة طويلة. وردًّا على تجدد أعمال العنف، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا إلزاميًّا بحظر بيع أو توريد الأسلحة أو المنتجات النفطية إلى قوات يونيتا في سبتمبر 1993م، وأنشأت لجنة العقوبات لرصد والإبلاغ عن تنفيذ الإلزامية على الرغم من موافقة الطرفين على سلام لوساكا اتفاق نوفمبر 1994م، بعد ثلاث سنوات، كان من الواضح أن يونيتا استغلت فترة السلام لإجراء استعدادات عسكرية واسعة النطاق تُموّلها أنشطة استخراج الماس.
حاولت يونيتا إغلاق صناعة الماس الرسمية في أنجولا؛ من خلال مهاجمة مشاريع التعدين الحكومية، ونتيجة لذلك، كان من الصعب على الحكومة تحقيق أيّ مكاسب أو ربح من موارد الماس. لقد كانت يونيتا لاعبًا رئيسيًّا في تجارة الماس الدولية منذ أواخر الثمانينيات. واحتفظت بالسيطرة على العديد من الشركات الكبرى في مناطق الماس، مثل وادي نهر كوانجو ومنطقة لونداس، كلا المجالين المهمين للإنتاج.
وبين عامي 1992 و1994م، أصبحت يونيتا تسيطر على 90% من صادرات الماس الأنجولية. في عام 1995م، فقدت يونيتا السيطرة على العديد من المناطق المنتجة للماس، وتغيرت نسبة صادراتها. وخلال عامي 1996 و1997م، أصبحت تنتج حوالي ثلثي الماس المستخرج في أنجولا. وخلال عام 1998م، عادت إدارة مناطق الماس من يونيتا إلى إدارة الدولة. وفي الفترة بين عامي 1992 و1998م، حصلت “يونيتا” على الحد الأدنى المُقدَّر في إيرادات الماس بقيمة 3.72 مليار دولار أمريكي. لقد صرح “باولينيو نيتو”، مدير شركة إندياما، لقطاع الماس في أنجولا، قائلًا: “إذا لم تكن هناك حرب، فيمكننا أن نصبح بسهولة ثاني أكبر مُنتِج للماس في العالم”.
وبحلول ذلك الوقت، كان المجتمع الدولي قد بدأ في الاعتراف بالصلة الحاسمة بين تجارة الماس الدولية ويونيتا على وجه الخصوص، وركزت شركة De Beers تقريرها السنوي على سياساتها التجارية في أنجولا. وأكدَّت أن استخراج الماس في التسعينيات كان تقريبًا بالكامل يتم بواسطة يونيتا. وفى أعقاب الانتقادات الإعلامية للشركة أعلنت شركة De Beers عن فرض حظر على شراء جميع أنواع الماس المُستخرَج من أنجولا أكتوبر 1999م([13]).
وقد أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن عددًا من الدول عملت وسطاء ونقاط العبور بين “يونيتا” وتجار الماس بما في ذلك بوركينا فاسو، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، وزامبيا. وأنشأ المتمردون حسابات في البنوك في سويسرا، والبرتغال وجنوب إفريقيا والمغرب وساحل العاج. كما قامت دول الكتلة الشرقية، وخاصةً أوكرانيا وبلغاريا بتزويد المتمردين بالأسلحة والذخائر، وتم تبادل الماس مقابل الأسلحة مع مرتزقة من جنوب إفريقيا، وكذلك مع مرتزقة من أنجولا(([14].
ولُوحظ أن تجارة الماس غير المشروع شكَّلت بالنسبة ليونيتا فرصة اقتصادية واضحة لشراء ونشر وإعادة إمداد أنظمة الأسلحة باهظة الثمن؛ من خلال شبكة واسعة من الشركات الخاصة وسلطات الدول الأجنبية ومكافآت بصفقات مربحة وهدايا الماسية شخصية.
وبين عامي 1993 و1997م، سيطرت يونيتا على حقول الماس الأكثر ربحية في أنجولا والتي مثلت 10 في المائة من قيمة إنتاج الماس العالمي. ولوضع هذا الرقم في منظوره الصحيح، أشارت التقديرات إلى أن يونيتا حصلت على 300 مليون دولار في عام 1993م، و400 مليون دولار في عام 1994م، و600 مليون دولار في عام 1993م، لتصل إلى 700 مليون دولار في 1996م([15]).
لقد جعل الماس يونيتا من الثراء لدرجة أنه لم يكن ما سيقدمه المانحون من الدول الخارجية سيكون مهمًّا، ومع وجود “سافيمبي” العنيد على رأس قيادة “يونيتا”، وتزويده بالاحتياطيات النقدية ومن خلاله واصلت يونيتا خطتها للتحول من جماعة حرب عصابات عادية إلى منظمة تقليدية واسعة النطاق بجيش قوي. ولولا الثروة المكتسبة من الماس، لما كان هذا التحول ممكنًا. (على الجانب الآخر هذا التحول هو أيضًا واحد من عوامل التمكين الحاسمة التي سمحت لقوات مكافحة التمرد الحكومية أن تسود).
باعت يونيتا ما قيمته أكثر من 4 مليارات دولار من الماس، على الرغم من عقوبات (الأمم المتحدة) ومجلس الأمن. وقد ساعدت هذه الثروة في جعلها واحدة من أكثر دول شديدة التسليح مخلفة 10 ملايين لغم أرضي، وما يصل إلى 100 ألف مبتور الأطراف. وأعلنت اليونيسف أن أنجولا تقف وحدها على رأس مقياس المخاطر التي تُواجه الأطفال من مخاطر الوفاة وسوء التغذية وسوء المعاملة في جميع أنحاء العالم.([16])
واضطر آلاف الأطفال في العاصمة الأنجولية “لواندا” إلى النزول إلى الشوارع نتيجة للحرب والفقر. وما يقدر بنحو 500 منهم بلا مأوى، ويعيشون في الشوارع الخطرة، ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة من خلال التسول ومن خلال مساعدة المنظمات الإنسانية مثل اليونيسف. ويعيش آخرون في مباني مهجورة أو أقبية. وبحلول عام 1995م، وصل عدد هؤلاء الأطفال إلى 10.000 طفل على مستوى الدولة، 4.000 منهم في العاصمة. و70% من الأسر في أنجولا تعيش في فقر مدقع، وتبذل المنظمات الأجنبية جهدها لتوفير الطعام والملابس والتعليم لهؤلاء الأطفال الفقراء. ولقد ركزت الجهود الأخيرة في المقام الأول على إبطاء الارتفاع الكبير في بغاء الأطفال القسري.([17])
من جهة أخرى، أسفرت الحرب عن مقتل ما لا يقل عن 650 ألف أنجولي، في الفترة من 1974 إلى 1999م، وإصابة آلاف آخرين بالتشوهات بسبب الألغام الأرضية. وتشير التقارير إلى أن عدد النازحين داخليًّا منذ يناير 1988م بلغ 2,861,062. لقد أدت الفوضى الاقتصادية التي يعاني منها غالبية السكان إلى ترك البلاد في تدهور حاد كما تحدده جميع المؤشرات الاجتماعية المقبولة دوليًّا.([18])
ولقد تجدد العنف المرتبط بالماس مرة أخرى في أنجولا بعد انتهاء تمرد وهجمات حركة “يونيتا” بمقتل سافمبى 2002م في السنوات الأخيرة؛ حيث وقعت أحداث اعتداء حكومة أنجولا على عمال المناجم المهاجرون من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى أنجولا؛ حيث قُوبلوا بحملات قمع وحشية من قبل الجنود الأنجوليين وحراس أمن شركات التعدين. وتعرَّض هؤلاء المهاجرون، إلى جانب عمال المناجم المحليين، للضرب والقتل بشكل روتيني إذا لم يمتثلوا لطلب الجنود بالرشاوى. علاوةً على ذلك، يتم اعتقال عشرات الآلاف من المهاجرين كل عام، مما يؤدي إلى التعذيب والاغتصاب والطرد في نهاية المطاف عبر الحدود.
وقد رفضت الحكومة في أنجولا الاعتراف بهذه المشاكل، ووجَّهت اتهامات جنائية بالتشهير ضد صحفي قام بتوثيق هذه الفظائع. وقد أدى ذلك إلى إنشاء أزمة اللاجئين في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة. وتم طرد حوالي 25 ألف من عمال المناجم الكونغوليين غير الشرعيين في عام 2003م. و10,000 آخرين في فبراير 2004م. وأبلغ تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن وصول68.000 كونغولي منهكين في المقاطعات الحدودية بجمهورية الكونغو الديمقراطية باندوندو، كاساي أوكسيدنتال، كاساي أورينتال، وكاتانجا. وأشارت التقديرات إلى أنه تم طرد ما يقرب من مائة ألف من عمال المناجم غير الشرعيين من أنجولا بحلول منتصف عام 2004م.([19])
وقد رصدت المنظمات وكالات الأمم المتحدة، حقوق الإنسان ومنظمة أطباء بلا حدود هذه الانتهاكات. في المقابل أظهر المواطنون الكونغوليون العداء تجاه نظرائهم الأنجوليين الذين يعتمدون على الأسواق الكونغولية المجاورة لشراء المواد الغذائية والعناصر الضرورية الأخرى. وتأثر بهذا ما يُقدر بنحو 17.000 أنجولي.
المحاولات الدولية لمواجهة تجارة “الماس الدموي”:
كان هناك الكثير من التردد لمواجهة مشكلة الماس المُموِّل للصراعات، ويمكن ارجاع ذلك إلى الافتقار للشفافية، وما يترتب على ذلك من إحجام عن تبادل المعلومات بحرية.
في عام 1998م، قامت منظمة “جلوبال ويتنس” بدفع مشكلة الماس المتنازع عليه على الساحة من خلال تسليط الضوء عليها، خاصةً العلاقة مع الصراع الأنجولي. لقد كانت التغطية الإعلامية لقضية الماس المُموِّل للصراع أمرًا مهمًّا لأخذ هذه القضية على محمل الجد. وفي عام 2002م، ظهر ما عُرف بنظام عملية كيمبرلي لإصدار الشهادات (KP). بعدما أنهى المفاوضون من عشرات البلدان المصدرة والمستوردة للماس أكثر من عام من المفاوضات، واتفقوا على “العناصر الأساسية” لبرنامج دولي لإصدار الشهادات.. وتتطلب المفاوضات المطولة، المعروفة باسم “عملية كيمبرلي” نسبة إلى مركز تعدين الماس في جنوب إفريقيا، استخدام حاويات مضادة للتلاعب لجميع شحنات الماس الخام وشهادة عملية كيمبرلي تحدّد بلد منشأ الأحجار وحجمها ووزنها، وقيمة كل شحنة وهوية الجهة المصدرة.
ومن شأن الاتفاقية أن تحدد الحد الأدنى من المعايير الوطنية للتعامل مع الأحجار الكريمة؛ للتخلص من الماس المُموّل للصراعات من شحنات الأحجار الكريمة المستخرَجة بشكل قانوني. وأعلن المفاوضون أن استخدام الماس لتمويل الصراعات المسلحة يمكن “تقليصه بشكل خطير” من خلال نظام إصدار الشهادات. كما تشعر الدول المنتجة للماس بالقلق من أن المقاطعة التي يقوم بها المستهلكون المنزعجون من الماس الممول للصراعات يمكن أن تُلْحِق الضرر بالتجارة المشروعة. لكنَّ الحكومات لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن بعض الجوانب الرئيسية لبرنامج إصدار الشهادات، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي للدول المُوقِّعة أن تحظر استيراد أو تصدير الماس غير المصقول إلى الدول غير المُوقِّعة.
وقد أعربت الولايات المتحدة وكندا واليابان عن مخاوفها من أن الجهود الرامية إلى منع الدول غير الموقِّعة من الاتجار بالماس غير المصقول قد تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية التي تحكم التجارة الحرة. وترى منظمات حقوق الإنسان والعديد من الحكومات أن خطة إصدار الشهادات يجب أن تكون عالمية وإلزامية إذا أُريد لها النجاح. وسوف تقوم مجموعة عمل من دول عملية كيمبرلي بدراسة سُبل جَعْل الاتفاقية متوافقة مع سياسات تحرير التجارة([20]).
واعتمد نظام كيمبرلي على إنشاء مسار ورقي بين عمال مناجم الماس في البداية، وحتى المستهلكين لمنتجات الماس في النهاية. ومثل هذا النظام ضروري لتحديد البلد مصدر الماس؛ حيث لا توجد تكنولوجيا متاحة يمكنها تحديد بلد منشأ الماس بدقة وببساطة، وذلك من خلال تحليل الحجر على الأكثر، وتحديد قيمة الحجر، بناءً على صفات الوضوح واللون والقيراط.
خاتمة:
إن المهتم بالقارة الإفريقية، ودراستها على مدى العصور يقف أمام العديد من التناقضات ميزتها عن القارات الأخرى. فهي تستحوذ على نِسَب كبيرة من الثروات والمعادن الرئيسية والمهمة والإمكانيات الهائلة لتطور الصناعة والتكنولوجيا الحديثة “الماس/ النفط/ النحاس/ الكوبالت/اليورانيوم ….”، وهي أيضًا تستحوذ على نِسَب كبيرة في الصراعات والحروب والفقر والأمية والمجاعات، وانتهاك الحريات والاستغلال الإنساني بكل أشكاله. فتعرضت لاستغلال المستعمرين لكافة ثرواتها، واستغلال شعوبها، وزرع بذور التفرقة بكافة أشكالها العرقي والقبلي والديني …”، وظل الأفارقة في كافة القارة مقاومين لهذا الاستغلال والاستعمار حتى نالوا الاستقلال، ليجدوا أنفسهم منهكين ومتفرقين وأيضًا مستعمَرين مرة أخرى استعمارًا من نوع آخر حرصت الدول المستعمِرَة على غرسه وتثبيته أثناء حكمهم للدول الإفريقية. وهي ربط الاقتصاد الإفريقي بالدول الاستعمارية بشكل لم تستطع الدول الإفريقية الفرار منه لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والاستقرار لشعوبها.
وهنا ظلت معظم الدول الإفريقية عُرضة لطمع الدول والشركات الغربية، والتي حرصت بشكل متعمد ومنهجية تكاد تكون متفقًا عليها أن يظل الصراع والحروب والفقر والجهل والمرض والطمع والجشع والحرص على السلطة أمراضًا مستوطنة في إفريقيا. لتحصل على ما تريد من ثروات بأرخص الأسعار. ولم تكتفِ بذلك بل وتروّج سلعها المنتجة في إفريقيا كالأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر. ولم تتوانَ من العمل على تحقيق الثروات والمصالح الخاصة بها على حساب الشعوب الإفريقية.
………………………………..
[1] – Nigel Davidson: The Lion that Didn’t Roar. Published by: ANU Press Stable URL https://www.jstor.org/stable/j.ctt1rqc976.
[2] – DANGEROUS LITTLE STONES: Report Subtitle: DIAMONDS IN THE CENTRAL AFRICAN REPUBLIC Report Author(s): International Crisis Group Published by: International Crisis Group (2010)
https://www.jstor.org/stable/resrep37006.5
[3]– Angel Rabasa, Peter Chalk, Kim Cragin, Sara A. Daly, Heather S. Gregg, Theodore W. Karasik, Kevin A. O’Brien and William Rosenau: Beyond al-Qaeda: Part 2, https://www.jstor.org/stable/10.7249/mg430af.14
[4]– John Prendergast: Angola’s Deadly War: Dealing with Savimbi’s Hell on Earth, US Institute of Peace (1999), Stable URL: http://www.jstor.com/stable/resrep12466
[5] – Nathan Andrews, J. Andrew Grant, Jesse Salah: Natural Resource-Based Development in Africa Book Subtitle: Panacea or Pandora’s Box? https://www.jstor.org/stable/10.3138/j.ctv2sm3b4b.16
[6] – Nicholas S. Briggs: Conflict Diamonds in West Africa,2003.
[7] – Christopher Paul, Colin P. Clarke and Chad C. Serena: Chapter Title: West Africa (1990–2010) Book Title: Mexico Is Not Colombia Book Subtitle: Alternative Historical Analogies for Responding to the Challenge of Violent Drug-Trafficking Organizations, Supporting Case Studies Book Author(s) https://www.jstor.org/stable/10.7249/j.ctt7zvzdn.11
[8] – Audrie Howard: Blood Diamonds: The Successes and Failures of the Kimberley Process Certification Scheme in Angola, Sierra Leone and Zimbabwe. Howard Washington University in St. Louis, School of Law.
[9] – Nigel Davidson: Chapter Title: Are Conflict Diamonds. Forever? Background to the Problem Book Title: The Lion that Didn’t Roar Book Subtitle: Can the Kimberley Process Stop the Blood Diamonds Trade? https://www.jstor.org/stable/j.ctt1rqc976.8
[10]– Christopher Paul, Colin P. Clarke and Chad C. Serena: Chapter Title: West Africa (1990–2010) Book Title: Mexico Is Not Colombia Book Subtitle: Alternative Historical Analogies for Responding to the Challenge of Violent Drug-Trafficking Organizations, Supporting Case Studies Book Author(s) https://www.jstor.org/stable/10.7249/j.ctt7zvzdn.11
[11] -Jakkie,Dietrich,Christian: Angola’s War Economy the Role of Oil and Diamonds,2000.
[12] – Jennifer Harvey: Blood Diamonds, https://web.stanford.edu/class/e297a/Blood%20Diamonds.htm
[13]-Nigel Davidson: The Lion that Didn’t Roar. Published by: ANU Press Stable URL https://www.jstor.org/stable/j.ctt1rqc976.
[14] – Christopher Paul, Colin P. Clarke and Chad C. Serena: Chapter Title: Angola (1992–2010) Book Title: Mexico Is Not Colombia Book Subtitle. Https://www.jstor.org/stable/10.7249/j.ctt7zvzdn.14
[15] – Christopher Paul, Colin P. Clarke and Chad C. Serena: Chapter Title: Angola (1992–2010) Book Title: Mexico Is Not Colombia Book Subtitle. Https://www.jstor.org/stable/10.7249/j.ctt7zvzdn.14
[16] – John Prendergast: Angola’s Deadly War: Dealing with Savimbi’s Hell on Earth1999 http://www.jstor.com/stable/resrep12466
[17] – Nicholas S. Briggs: Conflict Diamonds in West Africa, 2003.
[18] – Jennifer Harvey: Blood Diamonds,2002, https://web.stanford.edu/class/e297a/Blood%20Diamonds.htm
[19] – Nigel Davidson: The Lion that Didn’t Roar. Published by: ANU Press Stable URL https://www.jstor.org/stable/j.ctt1rqc976.
[20] – Michael Fleshman: ‘Conflict diamonds’ evade UN sanctions ,From Africa Renewal, December 2001