أسماء عادل
باحثة ماجستير بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
عملت الصين خلال شهر مايو 2024م على اتخاذ خطوة حاسمة نحو تهدئة التوتر بين الدولتين الجارتين في غرب إفريقيا؛ النيجر وبنين، والذي هدَّد بإحداث أضرار اقتصادية كبيرة لكلا البلدين.
وتُحاول هذه الورقة البحثية فهم السياق المُصاحِب للتوتر بين النيجر وبنين، وكيف عملت الصين على احتواء التوتر بين البلدين، ودلالات الدور الصيني النشط في غرب إفريقيا.
أسباب توتر العلاقات بين النيجر وبنين:
في هذا الجزء من الورقة البحثية، نُحاول تسليط الضوء على القواسم المُشتركة بين النيجر وبنين، وكذلك معرفة مُحفّزات التوتر في العلاقات بين البلدين، لا سيما بعد انقلاب يوليو 2023م في النيجر.
أما فيما يتعلق بالقواسم المُشتركة بين البلدين، فنجد أن هناك حدودًا جغرافية مُشتركة؛ حيث تقع بنين جنوب النيجر، وتبلغ حدودهما المشتركة 266 كيلو مترًا، ولـ”بنين” أهمية خاصة للنيجر؛ إذ تُعدّ النيجر دولة حبيسة، وتفتقر إلى منفذ بحري، ولذا تعتمد على بنين التي يمر من خلالها معظم طرق التجارة الخارجية للنيجر. وللتغلب على هذا التحدي، اعتمدت النيجر على ميناء كوتونو في بنين المجاورة ميناءً بحريًّا رئيسيًّا لها.
ويُشكّل ميناء كوتونو شريان الحياة للنيجر؛ حيث إن نسبة 69% من وارداتها وصادراتها تمرّ عبره. وتعتمد النيجر على ميناء كوتونو لاستيراد 13% من احتياجاتها، بينما تستورد بقية احتياجاتها من موانئ أخرى مثل لومي (8%)، وغانا (7%)، وكوت ديفوار(7%). ويوفّر ميناء كوتونو لنيامي وصولًا سهلًا إلى الملاحة البحرية الدولية، مما يسمح لها بتجارة السلع والخدمات مع بقية العالم، كما يسهم الميناء في تحفيز الاقتصاد النيجري؛ من خلال تسهيل حركة الصادرات والواردات، وكذلك خلق فرص عمل لسكان النيجر الذين يعملون في مجال النقل واللوجستيات المرتبطة بالميناء(1).
كما نجد أن بنين تجني أرباحًا كبيرة من الضرائب على البضائع التي تمر عبر ميناء كوتونو متجهة إلى النيجر، وتعمل العديد من الشركات التجارية في بنين على تصدير السلع والمنتجات الغذائية إلى النيجر، مما يَخلق فرصًا تجارية جديدة.
ويسهم ميناء كوتونو في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين بنين والنيجر. وبالإضافة إلى ذلك، تشترك الدولتان في تحديات الإرهاب، والإرث الاستعماري الفرنسي الذي تتضح معالمه في السيطرة على المؤسسات الاقتصادية والثقافية.
وعلى الرغم من وجود هذه القواسم المُشتركة؛ إلا أن هناك توترات نشبت في الآونة الأخيرة بين البلدين، ويمكن توضيح السياق المُصاحب لهذه التوترات، وذلك على النحو التالي:
- موقف بنين الرافض للتغيُّرات في النيجر:
ساندت بنين حزمة الإجراءات العقابية التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) على المجلس العسكري في النيجر؛ بهدف إعادة الرئيس المدني محمد بازوم الذي تمت الإطاحة به بعد انقلاب يوليو 2023م، وقد رأت القيادة العسكرية في النيجر أن رفض بنين للتغيُّرات في بنية نظام الحكم في النيجر ودعمها للعقوبات يُعدّ إضرارًا بشعب النيجر، ولذلك أعلن المجلس العسكري في النيجر تعليق الاتفاقيات العسكرية مع بنين، والتي كانت تتعلق بمحاربة الإرهاب وتأمين الحدود والتنسيق وتبادل المعلومات، وعلل قادة الانقلاب قرارهم بأن “بورتو نوفو” أصبحت مركزًا لوجود القواعد العسكرية الفرنسية، ومأوى للحركات الإرهابية.
وعندما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا رفع عقوباتها واعترافها بالمجلس العسكري، أصدر الرئيس البنيني باتريس تالون مرسومًا في فبراير 2024م يقضي بفتح الحدود واستعادة العلاقات مع الجارة الشمالية، بيد أن الحكومة في النيجر تحفَّظت على ذلك، واختارت الاستمرار في إغلاق الحدود. وردًّا على قرار نيامي بإبقاء الحدود مغلقة في وجه البضائع القادمة من كوتونو، أمرت السلطات في بنين باعتراض تصدير شحنات النفط القادم من حقل “أغادم” عبر مينائها(2).
- مخاوف النيجر من التأثير الفرنسي على سياسات بنين:
تُغلق السلطات في النيجر الحدود مع بنين خوفًا من الوجود العسكري الفرنسي المُتمركز في بنين؛ حيث تخشى من تسلل هذه القوات أو قيامها بزعزعة الاستقرار في النيجر. كما يُوجّه المجلس العسكري الحاكم في النيجر للسلطات في بنين اتهامات بتنفيذ سياسات فرنسا والعمل لصالحها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن باريس ترتبط بعلاقات متينة مع بنين، وتُصنّف ثاني أكبر مانح لها بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير بيانات وزارة الخارجية الفرنسية إلى أن باريس ترتبط باتفاقيات ثنائية مع بنين تعود لعام 1975م، تشمل التعاون الثقافي والاقتصادي والعسكري، وهناك 40 شركة فرنسية في بنين تستحوذ على قطاعات الأغذية والزراعة والخدمات اللوجستية، وتوفر 8 آلاف فرصة عمل مباشرة(3).
التدخل الصيني لحل الأزمة بين النيجر وبنين:
تُشكّل الأزمة الدبلوماسية بين النيجر وبنين خطرًا على اقتصاد البلدين، وتُهدّد بتعطيل طموحاتهما في التنمية والازدهار، كما تؤثر هذه الأزمة على المصالح الصينية، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
- تأثير الأزمة على النيجر:
في السادس من مايو 2024م، قررت سلطات بنين منع الحمولة الأولى من نفط النيجر المنقول من حقول نفط “أغادم”، في جنوب شرق النيجر، إلى منصة سيمي بودجي الساحلية، في جنوب بنين، عبر أطول خط أنابيب نفط إفريقي، وهو مصنع جديد تم بناؤه وتشغيله مِن قِبَل شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC). وهو ما يُهدِّد طموحات النيجر في التحول من ذيل الدول الأفقر في القارة إلى قائمة الدول الأسرع نموًّا. ويُعدّ تعطُّل تصدير النفط ضربة قاسية للاقتصاد النيجري، الذي يعتمد على إيرادات النفط لتمويل موازنته، ويُهدّد ذلك بفقدان فرص العمل في قطاع النفط، وتراجع الاستثمارات في هذا المجال. كما تُواجه حكومة النيجر صعوبة في سداد القرض الذي حصلت عليه من الصين بقيمة 400 مليون دولار، والذي كان من المفترض سداده من إيرادات النفط. وقد صرح رئيس وزراء النيجر علي مهامان لامين زين بأن الحصار الذي تفرضه بنين على صادراتها النفطية ينتهك الاتفاقيات التجارية بين البلدين ومع شركاء نيامي الصينيين(4).
- تأثير الأزمة على بنين:
تعتمد بنين على الهبات والمساعدات الخارجية، وتُصنّف على أنها من الدول الأكثر فقرًا في غرب إفريقيا. وكانت بنين تُصدّر منتجاتها الزراعية إلى نيامي لعقود عديدة، وكان ميناء بنين منفذًا رئيسيًّا للنيجر. ولكن أدَّى تعليق الاتفاقيات العسكرية بين البلدين إلى تراجع التعاون التجاري، مما ألحق الضرر باقتصاد بنين؛ حيث تُعاني بنين من تضخم وارتفاع في الأسعار، مما يُفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
- تأثير الأزمة على المصالح الصينية:
اتصالًا بما سبق عرضه، نجد أن قرار سلطات بنين منع الحمولة الأولى من نفط النيجر المنقول من حقول نفط “أغادم”، في جنوب شرق النيجر، يؤثر سلبًا على الاستثمارات الصينية، ففي مارس 2024م، أكملت شركة الصين الوطنية للبترول (CNPC) المملوكة للدولة الصينية خط أنابيب بطول 2000 كيلو متر تقريبًا من “أغادم” في شرق النيجر إلى سيمي كبودج في بنين، بالقرب من ميناء كوتونو على ساحل المحيط الأطلسي.
وقد بدأ العمل في خط الأنابيب في سبتمبر 2019م، وكان من المتوقع أن يبدأ تشغيله بحلول عام 2021م. ومع ذلك، فقد تأخر المشروع بسبب جائحة كوفيد-19، وحالات عدم الاستقرار الأخرى في المنطقة. وكان انقلاب يوليو في النيجر 2023م والعقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) سببًا في تعقيد الوضع، وارتفعت تكاليف المشروع بما يتجاوز خمسة مليارات دولار.
- وإزاء هذه التطورات لعبت الدبلوماسية الصينية دورًا في احتواء الأزمة؛ فقد توسط سفير الصين لدى بنين بينج جينجتاو لحلّ الأزمة، وتمكَّن من الحصول على موافقة بنين على استئناف الصادرات. وفي لفتة تصالحية على ما يبدو، قررت بنين في الخامس عشر من مايو 2024م السماح بأول شحنة نفط من النيجر، قائلة: إنها “ليس لديها أيّ نية للإضرار بمصالح النيجر أو أي شريك تجاري”، ودعت إلى عقد اجتماع ثنائي في النيجر، وهو ما يُمثل انفراجة مؤقتة في الخلاف التجاري بين البلدين(5).
دلالات الوساطة الصينية:
تُمثّل الوساطة الصينية بين النيجر وبنين خطوة مهمة في تعزيز دور الصين كقوة عالمية ذات نفوذ متزايد في غرب إفريقيا؛ حيث نجد أنه بعد الوساطة الصينية، وافقت النيجر على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع بنين وفتح الحدود. ونتيجة لذلك، وافقت بنين أيضًا على السماح للنيجر بإرسال شحنات النفط باستخدام ميناء بنين.
ويمكن استعراض دلالات الوساطة الصينية الناجحة، وذلك على النحو التالي:
- إظهار القوة الناعمة للصين:
تُظهر الوساطة الصينية قدرة الصين على لعب دور دبلوماسي مُهِمّ في حلّ الأزمات الدولية، ممّا يُعزّز قوتها الناعمة على الساحة العالمية، كما تُؤكّد الوساطة الصينية على التزامها بالسلام والاستقرار في إفريقيا، ودعمها لحلّ الأزمات الدبلوماسية سلميًّا من خلال الحوار والتفاوض، بدلًا من التدخل العسكري أو الضغوط الاقتصادية.
- تحقيق مصالح اقتصادية:
تُعدّ النيجر وبنين من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، ممّا يُمثِّل فرصة استثمارية مهمة للصين، ولذا نجد أن الصين قد استثمرت مبالغ ضخمة في مشاريع تعدين اليورانيوم وبناء البنية التحتية في النيجر، كما نجد أن الصين اتخذت موقفًا محايدًا تجاه الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في يوليو 2023م، وذلك حرصًا على عدم خسارة مصالحها الاقتصادية في ظل حالة الانقسام الإقليمي وتدهور الوضع الأمني.
جدير بالذكر أن النيجر تتمتع بأهمية اقتصادية وإستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين؛ فالنيجر هي سابع أكبر مُنتِج لليورانيوم في إفريقيا؛ حيث تُعدّ الصين أكبر مُستهلِك لليورانيوم في العالم، وتعتمد بشكل كبير على الإمدادات الخارجية لتلبية احتياجاتها من الطاقة. كل هذا باعتبارها دولة غنية بموارد اليورانيوم، ويمكن للنيجر أن تزود الصين بإمدادات مستقرة من اليورانيوم، وهو أمر ذو أهمية إستراتيجية مهمة للصين. ووفقًا لوزارة التجارة الصينية، استثمرت شركتان مملوكتان للدولة، وهما شركة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة النووية الوطنية الصينية 4.6 مليار دولار أمريكي و480 مليون دولار أمريكي على التوالي في تطوير احتياطيات النفط واليورانيوم في النيجر(6).
- تعزيز النفوذ:
تُشير وساطة الصين إلى سعيها لتعزيز نفوذها في غرب إفريقيا، كقوة عالمية قادرة على حلّ النزاعات الإقليمية، وبناء جسور التواصل بين الدول. كما نجد أن عدم الاستقرار السياسي في غرب إفريقيا، وتراجع دور القوى الغربية، يفسح المجال لمزيد من التوسع الاقتصادي والأمني الصيني في منطقة الساحل. ففي السنوات الأخيرة، شهدت النيجر انسحابًا تدريجيًّا للقوات الفرنسية والأمريكية، فقد واجهت فرنسا والولايات المتحدة انتقادات متزايدة في النيجر، ولذا طلبت نيامي من فرنسا والولايات المتحدة سحب قواتهما من النيجر، وأدَّى انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية إلى حدوث فراغ أمني في النيجر، وهو ما شجَّع الجماعات المسلحة على توسيع نفوذها.
وفي ضوء هذه المعطيات، تعمل الصين بقوة على تعزيز علاقاتها العسكرية والإستراتيجية مع النيجر؛ للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في غرب إفريقيا؛ إذ تلقى كبار الضباط في جيش النيجر تدريبًا عسكريًّا في الصين، كما تلقت النيجر كمية كبيرة من المعدات العسكرية الصينية، بما في ذلك طائرات بدون طيار متطورة مثل Rainbow-4 وWing Loong، ممّا يُعزّز قدرات النيجر العسكرية ويُوثق علاقاتها بصورة أكبر مع الصين.
وفى الختام، يمكن القول: إن الوساطة الصينية بين النيجر وبنين تُمثّل نموذجًا لنهج الصين الدبلوماسي في إفريقيا، والذي يركز على حلّ النزاعات سلميًّا، وتعزيز التعاون الاقتصادي. وتُؤكّد هذه الوساطة على سعي الصين لبناء صورة دولية إيجابية كوسيط ناجح في حلّ النزاعات الدولية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- حبيب الله مايابى، بنين والنيجر.. فصول أزمة سياسية جديدة بالقارة السمراء؟، موقع الجزيرة، مايو 2024م، متاح على الرابط التالي: https://www.ajnet.me/politics/2024م/5/23/%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B3%D8%AA%D8%A4%D8%AB%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9/
- Rédaction Africanews, Niger-Benin pipeline: Diplomatic tensions threaten oil exports, Africa News, 10 may 2024, available at: https://www.africanews.com/2024م/05/09/diplomatic-tensions-threaten-niger-benin-pipeline-project/
- Sheriff Bojang Jnr, Border row escalates as Benin blocks Niger’s oil export, The Africa Report, 15 May 2024, available at: https://www.theafricareport.com/348133/border-row-escalates-as-benin-blocks-nigers-oil-export/
- Benin Blocks China’s First Crude Oil Shipment from Niger Amid Border Tensions , Arise NEWS, available at: https://www.arise.tv/benin-blocks-chinas-first-crude-oil-shipment-from-niger-amid-border-tensions.
- Samir Bhattacharya, Deconstructing China’s Interest in the Niger-Benin Rapprochement, The DIPlOMAT, 26 MAY 2024, Available at: https://thediplomat.com/2024/05/deconstructing-chinas-interest-in-the-niger-benin-rapprochement
- هند المحلي سلطان، حدود الوساطة الصينية في أزمة النيجر، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، سبتمبر 2023م، متاح على الرابط التالي: https://rcssegypt.com/15045.