دينا فتحي جمعة عبد العظيم
باحثة ماجستير في العلوم السياسية، مهتمة بالشأن الاستراتيجي والأمني
تقديم
تمثل الدولة بالنسبة للمواطن بيئة الأمن والاستقرار؛ حيث توفّر الحماية له من كافة التهديدات والمخاطر التي قد تؤثر عليه أو تُهدِّد حياته. ويُفترض أن تضمن الدولة -من خلال وظائفها ومؤسساتها وسياساتها، وخططها التنموية- تحقيق هذا الهدف، ولكن في حال لم تقدر على القيام بأبسط وظائفها والمتمثلة في توفير عنصر الأمن والاستقرار لمواطنيها؛ فإنها تكون بذلك تتجه نحو السيولة ومنه للهشاشة، وهذا ما يقيسه مؤشر الدُّوَل الهشَّة الصادر عن صندوق النقد الدولي، والذي عرّف الدولة الهشة بأنها “تلك الدولة التي تنزلق باتجاه الصراعات والأزمات الداخلية والضعف الأمني والمشاكل الطائفية، والتي بدورها تُفْقِدها القدرة على أداء وظائفها، وتَفقد قدرتها على الصمود أمام تلك التحديات، وبالتالي تسير باتجاه الهاوية”.
وعلى اعتبار أن إفريقيا جنوب الصحراء إحدى أبرز المناطق في العالم التي تجمع تباينات مختلفة تقع في منتصف التقييم للحكم على شرعية الدولة واللا دولة، فإنها تحت دائرة البحث والتحليل، للوقوف على موضع دولها ضمن هذا المؤشر؛ للمقارنة بين دولها من حيث الهشاشة والمرونة، من حيث السيولة والقدرة على التصدي، من التهاوي إلى الاستدامة أو الاستقرار.
لذا ستسلط الدراسة الضوء على قراءة لموضع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الدُّوَل الهشَّة لعام 2023م؛ من خلال تتبُّع مسار المؤشر من حيث التعريف، والأهداف، والمنهجية، ثم بالانتقال نحو القراءة التحليلية لوضع الدول بها، ومنه للانتهاء بالملاحظات العامة للاستفادة المستقبلية من المؤشر، والوقوف على مزايا وعيوب هذا المؤشر، وهو ما يمكن تناوله في الإطار التالي:
أولًا: مؤشر الدُّوَل الهشَّة: دراسة في “المفهوم، الهدف، والمنهجية”:
يصدر مؤشر الدُّوَل الهشَّة عن صندوق السلام العالمي الذي نشأ عام 1957م، وهو مؤسسة مستقلة غير ربحية يقع مقرها في “واشنطن”، بالإضافة إلى “نيجيريا”؛ وذلك بهدف الحد من النزاعات والصراعات المسلحة، وتعزيز الأمن المستدام من خلال توثيق الصلات مع العديد من الشركاء في أكثر من 60 دولة في العديد من القطاعات، ويشمل التعاون الجهات الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية، بالإضافة للجيوش، والمنظمات غير الحكومية، والصحفيين والأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتشمل الموضوعات التي تقع تحت دائرة اهتمام الصندوق: دعم الحوار الوطني بين النظام السياسي، والعمل على الحد من دارة العنف المسلح والصراعات المسلحة، فضلًا عن دعم دور المنظمات الدولية والإقليمية في الحد من العنف المُمارَس ضد النوع الاجتماعي، وذلك باستخدام أدوات البحث العلمي والتقنيات التكنولوجية، كما ساهم الصندوق في إطلاق أداة “Cast” الحاصلة على براءة الاختراع والمستهدفة تحليل المحتوى وتوفير قاعدة بيانات وأُطر مفاهيمية تحليلية حول مخاطر الصراعات، ويوفر الصندوق أدوات تدريبية لصناع السياسات العامة، والممارسين الميدانيين فيما يتعلق بتقييم دوافع الصراع وتحليل مخاطره، كما يصدر عن الصندوق سنويًّا مؤشر الدُّوَل الهشَّة الذي يتتبع ويرصد 178 دولة من خلال 12 مؤشرًا فرعيًّا تُقسَّم تحت بند المؤشرات السياسية، والاجتماعية، والديمغرافية، ومؤشر التماسك، وترصد تلك المؤشرات حالات الهشاشة والسيولة التي تعانيها الدول ليتم التقييم وفقًا لهذا الأساس.([1])
وعرّف صندوق السلام العالمي مؤشر الدُّوَل الهشَّة بأنه المؤشر الذي يقيس الضغوط الطبيعية التي تتعرض لها الدولة، بالإضافة لنقاط الضعف التي تتعرض لها الدولة وتتسبب في سيولتها، وبالتالي هشاشتها وفقًا لما يقيسه المؤشر، كما أنه يقيس كذلك قدرة الدول على مجابهة تلك الضغوط والتكيف مع الأزمات وإدارتها، كما أنه يساعد في تحليل المخاطر السياسية والتنبؤ بالصراعات؛ من خلال آلية الإنذار المبكر التي يتميز بها المؤشر، هذا بالإضافة للكَمّ الهائل من البيانات والمعلومات التي يجمعها التقارير من مختلف أنحاء الدول المستهدفة بالتحليل والرصد والقياس؛ من خلال التقارير التي توضح حالة الدولة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، ودرجة التماسك الداخلي، والذي على أساسه يتم قياس الأمن والاستقرار الداخلي.
جدير بالملاحظة أن مؤشر الدُّوَل الهشَّة نشأ وفقًا لأداة Cast لتحليل وتقييم الصراعات والتي تم تطويرها في تسعينيات القرن الماضي؛ لمساعدة صانع القرار في فهم حيثيات الصراع، وتحليل عوامل نشأته، ومسبباته، وأصبحت تلك الأداة بمثابة أساس وجوهر عمل مؤشر الدُّوَل الهشَّة عام 2004م، وذلك من خلال رؤية الباحثين لإمكانية استخدام تلك الأداء لتقييم أوضاع الدول وفقًا للاعتبارات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، ودرجة التماسك الداخلي، لذا تتمثل منهجية مؤشر الدُّوَل الهشَّة في الآتي:
1– عملية جمع البيانات (الجانب التطبيقي):)[2](
كان الأساس في عملية تحليل الأوضاع الداخلية للدول المستهدفة من الرصد والقياس خلال برنامج Cast الذي يكمن دوره في تتبُّع الحوادث الفردية والإبلاغ عنها للمراقبين الميدانيين، ويكون بالنظر لحجم البيانات التي يتم جمعها كمصدر لعمل هذا المؤشر، فيتعين أن يتم جمعها ورصدها وتحليلها من خلال منهجيات مختلفة، تتضمن عنصر التكنولوجيا، وبالفعل تم اللجوء للأساليب الحديثة في عملية تحليل بيانات الدول؛ وذلك لقدرتها الفائقة على معالجة البيانات وتوظيفها لتخدم المؤشرات الفرعية التي يقيسها المؤشر الرئيس، وبالتالي التقييم النهائي للدولة، وبالفعل تم الاعتماد في جمع البيانات على البيانات الكمية، إضافة لتحليل المحتوى والتحليل الكيفي للبيانات من جانب الخبراء المساهمين، ثم تخضع للمراجعة والتدقيق والنقد لأجل التقييم النهائي للمؤشر، ويتم تناول تلك الآليات على النحو الآتي:
- تحليل المحتوى: تعتمد على تقسيم المؤشرات الفرعية الاثني عشر إلى مؤشرات فرعية، ويتم جمع البيانات الخاصة بكل مؤشر من خلال وسائل الإعلام العالمية للوقوف على القضايا ذات الأهمية على الساحة الدولية، أما على صعيد مؤشرات كل دولة، فيتم جمع البيانات الأولية من التقارير الإعلامية والبحثية، والأوراق البحثية والأكاديمية وجمع البيانات التجارية، ويتم جمعها من أكثر من 10 آلاف مصدر في مختلف أنحاء العالم باللغة الإنجليزية، وقدَّر المؤشر عدد التقارير التي يتم تحليلها خلال عام بأنها تتراوح ما بين 45-50 مليون تقرير، ويتم تقييم الدول بدرجات مؤقتة وفقًا لأهمية المؤشرات والقضايا التي تتناولها خلال عام الرصد.
- البيانات الكمية: يتم الحصول على البيانات الكمية من خلال المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والبنك الدولي للإنشاء والتعليم، ومنظمة الصحة العالمية باعتبارها الركن الأساسي للبيانات الإحصائية التي يعتمد عليها المؤشر في قياس كل مؤشر من المؤشرات الفرعية، وعقب الانتهاء من جمع البيانات الأولية يتم مقارنتها بالبيانات التي تم جمعها في عنصر تحليل المحتوى، والنتائج العامة التي تم التوصل لها.
- البيانات الكيفية “المراجعة النوعية”: وفي هذه المرحلة يقوم فريق من الباحثين والمختصين بعملية التدقيق والمراجعة للبيانات الخاصة بكل دولة من الـ178 دولة، ويقدمون التقييمات العامة والرئيسية بناءً على الأحداث المهمة التي جرت خلال عام الرصد، ثم يتم مقاربتها مع بيانات العام السابق للرصد، وذلك مع الأخذ بالاعتبار أن تلك البيانات تتمتع بعنصر القوة والضعف من حيث نوعية المعلومات التي يتم جمعها، وبالتالي يمكن للباحثين وضع التقييمات السليمة خلال كل عام، بعيدًا عن التحيزات الإيجابية أو السلبية غير الدقيقة التي قد تظهر في مرحلة تحليل المحتوى.
وبعد الانتهاء من كل مرحلة على حدة يتم جمع تلك العناصر في مثلث تدفُّقي للبيانات الخاصة بكل عنصر للوقوف على نقاط القوة والضعف الناتجة عن كل أداة، بالإضافة للتحيزات التي قد تظهر من أحد مصادر جمع البيانات تجاه دولة من الدول، واكتشاف الفجوات التي قد تحدث خلال الاستعادة بتلك الأدوات الثلاثة، ومنه إلى استخلاص النتائج النهائية لكل دولة على حدة وفقًا لتقييمها النهائي في المؤشرات الفرعية، وتكمن دقة نتائج هذا المؤشر ليس من خلال مصادر البيانات المتاحة للكافة، وإنما من خلال فريق عمل المؤشر وقوة التحليل والمنهجية المعتمدة لرصد بيانات هذا المؤشر وتطويع مصادر البيانات السابقة لخدمة الهدف من المؤشر، والمتمثل في: قياس الضغوط التي تتعرض لها كل دولة، ومن خلال تحديد تلك الضغوط يتم إجراء تحليل دقيق وعميق لصانع السياسات ومتخذ القرار لأجل تعزيز مرونة واستقرار الدولة، والحد من سيولتها وهشاشتها.
2- المؤشرات الفرعية لمؤشر الدُّوَل الهشَّة:)[3](
يقيس مؤشر الدُّوَل الهشَّة 12 مؤشرًا فرعيًّا يتم تقسيمها إلى أربعة عناصر: المؤشرات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية ومؤشرات التماسك، ويتم قياسها من خلال عددٍ من الأسئلة التي يتم توجيهها لكل مؤشر فرعي على حدة، ويمكن تناولها على النحو الآتي:
أ- مؤشرات التماسك:
تتضمن عددًا من المؤشرات الفرعية، مثل جهاز الأمن، والنُّخَب المنقسمة، والتظلم الاجتماعي، ويمكن تناولها كالتالي:
1- جهاز الأمن:
يقيس هذا المؤشر الفرعي الوضع الأمني داخل الدولة من خلال رصد التهديدات الأمنية كالمتفجرات والصراعات المسلحة، والهجمات الإرهابية، والحركات التمردية، بالإضافة للانقلابات، كما يركز على دور الجريمة المنظمة وجرائم القتل في التأثير على حالة الأمن داخل الدولة، وشمل جهاز الأمن وفقًا لما يتناوله المؤشر القوات المسلحة، وجهاز الشرطة، والقوات الخاصة التابعة للدولة، وأجهزة الاستخبارات السرية والقوات غير النظامية، أما عن التساؤلات التي يتم توجيهها لأجل رصد وتحليل بيانات هذا المؤشر فتدخل ضمن أربع فئات للأسئلة: أسئلة مرتبطة باحتكار القوة، وأسئلة مرتبطة بالعلاقة بين الأمن والمواطن، وأخرى تدخل في نطاق القوة، وأخيرة تستفسر عن الأسلحة، وتتمثل في:
- هل يخضع الجيش للسيطرة المدنية؟ وهل تستعين الدولة بالميليشيات المسلحة؟
- هل هناك نشاط شبه عسكري داخل الدولة لقوات غير نظامية؟
- هل توجد قوات خاصة لحماية الملكية داخل الدولة؟ هل هناك قوات تابعة للولايات داخل الدولة؟
- هل هناك انتشار للأسلحة داخل الدولة؟ وهل هناك استراتيجية تتبعها الدولة لنزع السلاح وإعادة تأهيل المقاتلين السابقين للعمل ضمن الأجهزة الأمنية بالدولة؟
- هل تعمل الشرطة بشكل مهني وحيادي؟ وهل العنف الذي تمارسه أجهزة الأمن بدافع سياسي؟
- هل تتعامل قوات الشرطة جيدًا مع التمرد أو الأوضاع الأمنية المغايرة؟
- هل يضبط الجيش والقوة استعمالهم للقوة؟ وهل جهاز الشرطة يقوم بانتهاكات مرتبطة بالقوة؟
2- النخب المنقسمة:
يركز هذا المؤشر على الانقسامات التي تحدث داخل الدولة، على أساس عرقي، وإثني، وطبقي وعشائري، وديني، كما يُؤخذ في اعتبارات الخطابات السياسية وتوجيهها على أساس قومي أو عنصري أو حتى طائفي، كما يتم توجيه عدد من التساؤلات لهذا المؤشر في نطاق أربع فئات من الأسئلة، تتضمَّن السؤال عن القيادة السياسية، والهوية، وتوزيع الموارد، والعدل والإنصاف، وتتمثل في:
- هل النظام السياسي ممثل للشعب ومنتخب بصورة عادلة؟ وهل هناك نُخَب منقسمة على أساس طبقي أو عشائري أو إثني؟ وما مدى قوة تأثيرهم؟
- هل هناك مصالحات سياسية؟ وهل التمثيل العسكري في الدول يمثل مواطنيها؟
- هل هناك انتماء للهوية الوطنية أم هناك انتماءات قبلية ودعاوى انفصالية؟ هل هناك تحريض من وسائل الإعلام على الكراهية والعنصرية؟
- هل يوجد احترام وتقبُّل للثقافات المغايرة؟
- هل تتركز الثروة في يد فئات معينة من المواطنين؟ وهل هناك طبقة وسطى تضمن الاتزان لطبقات المجتمع؟ وهل يتم السيطرة على الموارد من جانب فئة بعينها؟ وهل تتبع الحكومة العدالة التوزيعية للثروات على المواطنين؟
- هل القوانين تتسم بالعدالة؟ وهل يتم تمثيل المواطنين في أغلب الوظائف الحساسة مساواة بالفئات الارستقراطية.
3- التظلم الاجتماعي:
يركز هذا المؤشر على الانقسامات داخل المجتمع، وإمكانية وصول الخدمات العامة للمواطنين، وتشمل الأسئلة أربع فئات تتمثل في الاستجابة لمرحلة ما بعد الصراع، والمساواة، والانقسام، والعنف الطائفي، ويمكن تناولها كالتالي:
- هل هناك مصالحة بعد الصراعات أم ليس هناك حاجة لذلك؟ وهل تم إدماج مجموعات الصراع في المجتمع بعد انتهائه؟ وهل توجد خطة معينة للإعمار والتنمية؟ وهل هناك خطة لتعويض الضحايا؟ وهل يتم محاكمة مجرمي الحرب؟ وهل يتم العفو عنهم أم لا؟
- هل هناك توزيع عادل للموارد؟ وهل هناك أعمال عنف بدافع ديني؟ وما هي طبيعة العلاقة بين المجموعات العرقية؟ وهل هناك تقارير عن تحقيق العدالة داخل الدولة؟
- هل هناك تاريخ من العنف ضد الجماعات العرقية؟ وهل هناك تقارير عن التعصب الديني والعرقي والإثني؟
ب– المؤشرات السياسية:
تتضمن عددًا من المؤشرات الفرعية التي تشكل جوهر التقييم للدول، مثل شرعية الدولة، والخدمات العامة، وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ويمكن تناوله كالتالي:
- شرعية الدولة:
يقيس هذا المؤشر تمثيل الحكومة وانفتاحها وعلاقتها بالمواطن، هذا بالإضافة لتقييم درجة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، كما يقيس حالات عدم الرضا كالعصيان المدني، والمظاهرات، واستخدام العنف المسلح، ويتناول كذلك العملية الانتخابية والنظر في مدى نزاهتها، وتشمل أسئلة هذا المؤشر خمسة جوانب؛ مثل: الثقة في العملية السياسية، والمعارضة السياسية، والشفافية ونزاهة العملية الانتخابية، والعنف السياسي، ويتم تناولها كالتالي:
- هل تحظى الحكومة بثقة الشعب؟ وهل حدثت مظاهرات سلمية؟ وهل حدثت أعمال شغب؟
- هل هناك أدلة على فساد الموظفين المحليين؟ وهل يتم اعتبارهم فاسدين؟
- هل تتمتع الأحزاب السياسية بحقوقها كافة؟ وهل الحكومة ممثلة للمواطنين؟ وهل تم انتقال السلطة بشكل سلمي؟ وما هو تاريخ انتقال السلطة داخل الدولة؟ وهل تتم الانتخابات بصورة نزيهة وعادلة؟ وهل تتم المراقبة على عملية الانتخابات لتحديد درجة نزاهتها؟
- هل هناك أيّ تقارير عن اغتيالات سياسية؟ وهل هناك أي تقارير عن هجمات عسكرية؟ وهل وقعت حوادث إرهابية أو هجمات انتحارية؟
- الخدمات العامة:
يقيس هذا المؤشر مدى قيام أجهزة الدولة بتوفير الخدمات العامة للدولة، وتشمل توفير خدمات مثل الصحة، والتعليم، والمياه والصرف الصحي، والبنية التحتية للنقل والكهرباء، والطاقة والإنترنت والاتصالات، بالإضافة لمدى قدرة الدولة على حماية مواطنيها من العنف والهجمات الإرهابية، وتشمل أسئلة هذا المؤشر ست فئات مثل: التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وتقديم الخدمات العامة، والمأوى، ويمكن تناولها في إطار الآتي:
- هل هناك مساواة في وصول الخدمات العامة للمواطنين، وما هي الاشتراطات العامة للحصول على الخدمات العامة؟
- هل يتمتع المواطنون بإمكانية الحصول على الأدوية بشكل كافٍ؟ وهل يوجد العدد الكافي من المرافق الطبية للمواطنين؟ وهل يتوفر العدد الكافي من الكادر الطبي؟ وما هو معدل الوفيات لدى كل دولة؟ وهل منظومة الصرف الصحي مناسبة للمواطن، وهل يمكن الوصول لمياه الشرب الصحية؟
- ما هو مستوى الالتحاق بالمدارس، وهل يوجد اختلاف في نِسَب تمثيل الأولاد عن الإناث؟ وما هي معدلات القراءة والكتابة في الدولة؟ وهل تختلف النسب في الإناث عن الذكور؟
- هل يتوفر السكن الملائم للطبقات الفقيرة؟ وهل تكاليف الحصول على السكن مناسبة لمعدلات الدخل أم تتفاوت؟
- هل تتمتع الطرق بالأمان؟ وهل تتوفر المطارات والسكك الحديدية المناسبة للتنمية المستدامة؟
- حقوق الإنسان وسيادة القانون:
يتتبع العلاقة بين الدولة والمواطن فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان الأساسية، وهل هناك انتهاك للحريات العامة داخل الدولة أم لا؟ ويقيس درجة حرية وسائل الإعلام والصحافة في تناول وتغطية الأخبار والقضايا العامة، إضافة إلى رصد أعمال العنف السياسي ودوافعها، ويشمل أسئلة المؤشر عدد سبع فئات؛ حيث يتم من خلالها قياس وتقييم النتائج النهائية للدولة في هذا الملف، وتشمل: العدالة، والمساواة، والانفتاح، والحقوق المدنية والسياسية وانتهاكها، إضافة إلى الحريات المدنية والسياسية وانتهاك الحقوق، ويتم تناولها كالتالي:
- هل الحقوق السياسية، وحقوق الأقليات، والعمال محمية داخل الدولة؟ وهل توجد قوانين للحقوق المدنية وهل هي محمية؟ هل الحق في الحياة مكفول للجميع؟
- هل هناك قوانين تحمي حرية التعبير؟ وهل هناك حرية تنقل؟ وهل هنالك قيود على الحرية الدينية؟
- هل هناك تقارير عن السجل التاريخي لانتهاك الحقوق والحريات المدنية والسياسية داخل الدولة؟
- هل هناك تقارير تعذيب أو اختفاء قسري داخل الدولة؟ وهل يتم جبر المواطنين على الانتقال، وهل يتم تعويضهم عن هذا الأمر؟ هل هناك قوانين تُجرّم عمالة الأطفال؟
- هل وسائل الإعلام مستقلة وتمارس مهامها دون ضغوط؟ وهل هناك وصول متساوٍ للمعلومات؟
- هل هناك نظام عادل يجيز تقاسم السلطة وانتقالها؟
- هل هناك نظام قانوني عادل داخل الدولة؟ وهل يمثل المواطن أمام قضاء عادل يضمن محاكمته بشكل متساوٍ مع الجميع؟ وهل هناك اعتقالات غير قانونية تمارسها الدولة ضد فئات بعينها، وما هي الأوضاع داخل السجون؟
ج- المؤشرات الاجتماعية:
تتضمن عددًا من المؤشرات الفرعية لقياس الحالة الاجتماعية داخل الدولة، مثل الضغوط الديمغرافية على الدولة، واللاجئين، بالإضافة للنازحين ومؤشر التدخل الخارجي، ويمكن تناولها على النحو الآتي:
1- الضغوط الديمغرافية:
يقيس الضغوط التي تتعرض لها بفعل الكثافة السكانية، ويقيسها بإمكانية الحصول على الخدمات العامة، كالماء والغذاء والصحة والتعليم، كما تتناول الأمراض ودرجة انتشارها، والأوبئة، بالإضافة للضغوط المرتبطة بارتفاع أعداد السكان، والتوزيعات السكانية غير المتوازنة، وعدم التوافق بين نسبة الشباب وكبار السّنّ، وتتضمن الأسئلة خمس فئات مثل الصحة، والبيئة، والموارد، والغذاء والتغذية، والصحة العامة والسكان، وتتمثل في:
- هل معدل النمو السكاني مستدام؟ وهل التوزيع السكاني متوازن؟ وهل تمثل الكثافة السكانية ضغطًا على الدولة؟ وما هو معدل الوفيات؟ وما نسبته في مقابل عدد المواليد؟
- هل تتوفر المنظومة المناسبة للحد من انتشار الأمراض والأوبئة؟ وهل هناك احتمالية لوجود أوبئة داخل الدولة؟ وما معدل انتشار فيروس نقص المناعة الإيدز بين السكان؟
- هل المخزون الاستراتيجي من الغذاء مناسب لحالات الأزمات؟ وهل تعاني الدول من موجات الجفاف أو هناك احتمالية لحدوث ذلك؟ وهل هناك نقص غذائي يتسبّب في سوء تغذية تؤثر على الصحة داخل الدولة؟
- هل الممارسات الحالية مستدامة بحيث تحافظ على البيئة من التغيرات المناخية والتلوث؟ وما مدى إمكانية حدوث الكوارث الطبيعية؟ وهل هنالك استراتيجية مخصّصة لإدارة الأزمات عند حدوث الكوارث الطبيعية؟ وهل هناك إمكانية لمواجهة عمليات قطع الغابات التي تؤثر على المناخ؟
- هل هناك إمكانية قانونية لتحكم الدولة في منازعات التحكم في الموارد؟ وهل هناك منافسة على الأراضي، وقوانين تحكم المنازعات الخاصة بها؟ وهل هناك إمكانية الوصول لإمدادات مناسبة من مياه الشرب؟
2- اللاجئون والنازحون:
يقيس هذا المؤشر الضغط الذي يمثله النزوح القسري للمجتمعات على الدول لأسباب اجتماعية، وسياسية واقتصادية، بالإضافة لأعداد اللاجئين القادمين من الدول المجاورة بسبب الأزمات الداخلية التي تعانيها بلدانها، وتتضمن الأسئلة أربع فئات مثل اللاجئين، الاستجابة للنزوح، وأفراد الإرشاد الداخلي، ويمكن تناولها على النحو الآتي:
- هل من المحتمل أن قدوم لاجئين من الخارج؟ وهل هناك موارد لتوفير احتياجات اللاجئين؟ وهل هنالك أي تقارير عن ممارسة العنف ضد اللاجئين؟ وهل يتوفر معيار الأمان داخل مخيمات اللاجئين؟
- كم عدد النازحين مقارنة بعدد السكان؟ وهل من المحتمل زيادة عدد النازحين داخل الدولة مستقبلًا؟ وهل هنالك موارد للنازحين؟
- هل هناك إمكانية للوصول إلى موارد إضافية من المجتمع الدولي لللاجئين أو النازحين؟ وهل هنالك خطط لنقل النازحين واللاجئين وتوطينهم؟
3- التدخل الخارجي:
يقيس هذا المؤشر تأثير التدخل الخارجي على الأداء العام للدولة، ولا سيما من الناحية السياسية والأمنية من خلال الأجهزة المخابراتية السرية، والضغوط السياسية كدعم حركات انفصالية والتأثير على صراع داخل الدولة، إضافة للتدخل الاقتصادي من خلال الجهات المانحة، والقروض طويلة الأجل، والاستثمار، وغيرها، ويتضمن أسئلة المؤشر ثلاث فئات مثل: التدخل السياسي، والقوة، والتدخل الاقتصادي، ويتم تناولها على النحو التالي:
- هل هناك دعم خارجي للفصائل المعارضة للدولة؟
- هل هناك قواعد عسكرية أجنبية داخل الدولة؟ وهل هناك تدخل عسكري مباشر على الدولة؟ وهل هنالك معونات عسكرية خارجية؟ وهل هنالك تدريبات عسكرية مشتركة من دول أخرى؟ وهل الدولة مشاركة في عمليات حفظ سلام؟ وهل هناك دعم خارجي لتدريب جهاز الشرطة؟ وهل تتم عمليات سرية استخباراتية أو عسكرية؟
- هل تتلقى الدولة مساعدات اقتصادية؟ وهل تعتمد الدولة على المساعدات الاقتصادية؟
د- المؤشرات الاقتصادية:
تتضمَّن عددًا من المؤشرات الفرعية لقياسها مثل التدهور الاقتصادي والفقر، والتنمية الاقتصادية غير المتكافئة، وهجرة العقول للخارج، ويمكن تناولها على النحو الآتي:
1– التدهور الاقتصادي والفقر:
يسلط الضوء على التدهور الاقتصادي داخل الدولة، مقاسًا بدخل الفرد والناتج القومي، ومعدل البطالة، والتضخم، والإنتاجية والديون، كما أنه يراقب حركة أسعار السلع داخل الأسواق، ولا سيما الانخفاض المفاجئ أو الارتفاع المفاجئ، ويشمل أربع فئات من الأسئلة المرتبطة بتقييم المؤشر مثل: المالية العامة، والظروف الاقتصادية، والمناخ الاقتصادي، إضافة إلى التنويع الاقتصادي، ويتم تناولها كالتالي:
- ما حجم الدَّيْن الحكومي؟
- ما هي أسعار الفائدة الحقيقية والمتوقعة؟ وما هو معدل التضخم؟ وما حجم الإنتاجية العامة؟ وما هو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع والفعلي؟ وما هي معدلات البطالة الحقيقية؟
- كيف ينظر الناس إلى الاقتصاد؟ وكيف ينظر الخبراء للاقتصاد؟ وهل آليات الاستثمار مواتية لجذب الاستثمار الأجنبي؟ وهل البيئة القانونية مناسبة لريادة الأعمال؟
- هل الاقتصاد يعتمد على صناعة إنتاجية واحدة؟
2- التنمية الاقتصادية غير المتكافئة:
يركز على ملف عدم المساواة داخل العمل الاقتصادي للاعتبارات الدينية والعرقية أو على أساس التعليم، والوصع الاقتصادي، والمنطقة التابع لها، كما أنه يركز على أشكال عدم المساواة في الاقتصاد وتأثيرها على المظالم والشكاوى، وتأثيرها على التنمية الاقتصادية للدولة، ويتضمَّن تساؤلات لعدد ثلاث فئات مثل المساواة الاقتصادية، والفرص الاقتصادية، والديناميات الاجتماعية والاقتصادية ويتم تناولها كالتالي:
- هل توجد أحياء فقيرة؟
- هل التعليم المجاني متاح؟ وهل يتم بشكل متساو بين الفئات؟ وهل يتم توفير سكن للفقراء؟ وهل توجد برامج للتدريب الصيفي؟
- هل هنالك فجوة اقتصادية كبيرة؟ وهل النظام الاقتصادي تمييزي؟ وهل العدالة الاقتصادية موجودة؟ وهل مسابقات التوظيف عادلة؟ وهل هناك قوانين تدعم المساواة بين الأفراد؟
3- هجرة الإنسان والعقول:
يسلط الضوء على أسباب الهجرة، والآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تترتب على عملية هجرة العقول ونزوح الأفراد، ولا سيما الحِرَفيين والمهنيين ورواد الأعمال الماهرين، وذوي العقول المتميزة، كما يهتم بالتهجير القسري للمهنيين والمثقفين بفعل الاضطرابات الداخلية، وتأثيره كذلك على الاقتصاد، ويشمل المحور عددًا من الأسئلة لفئتين مثل:
- هل يغادر المحترفون البلاد؟ وهل يغادر السياسيون البلاد؟ وهل يغادر أصحاب المؤهلات التخصصية الجامعية البلاد؟ وهل عادت الطبقة الوسطى للبلاد؟
- هل هناك تحويلات مالية من العاملين بالخارج لذويهم وأُسَرهم داخل البلاد؟
ومن خلال الإجابة عن تلك التساؤلات يتم تقييم وضع الدولة في كل مؤشر من المؤشرات الفرعية، وبالتالي التقييم الحالي لوضع الدولة عن حالة الاقتصاد، والأوضاع السياسية والاجتماعية، بالإضافة لمؤشرات ضبط الأمن داخل الدولة، والتي تعبر عنها مؤشرات التماسك، ثم يتم التقييم النهائي للدولة في مؤشر الدُّوَل الهشَّة.
ثانيًا: تقييم موقع دول جنوب الصحراء الكبرى في مؤشر الدُّوَل الهشَّة:
يأتي هذا الموضع ليتم من خلاله رصد وتحليل تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء ضمن مؤشر الدُّوَل الهشَّة لعام 2023م ومقارنتها بإحصاءات عام 2022م، ثم بالتطرق لقراءة تقييمات الدول في المؤشرات الفرعية لهذا المؤشر، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:
الجدول (1)
تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الدُّوَل الهشَّة 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر هشاشة الدول 2022م، 2023م
أولًا: الدول المتقدمة في مؤشر الدُّوَل الهشَّة:
تُعدّ كلّ من دولة موريشيوس، وسيشل وبوتسوانا، وكابو فيردي، أكثر الدول في إفريقيا جنوب الصحراء استقرارًا فيما يتعلق بالهشاشة، وكان تصنيفها ما بين مستقر ومستقر للغاية، فالملاحظ في تقييمات هذه الدول من العام الماضي للحالي، أن ترتيب دولة موريشيوس ثابت في المرتبة 154 ولكن تقييمها انخفض بمعدل (0.1) لهذا العام عن العام الماضي، وذلك على الرغم أنه لم يؤثر على موقعها ضمن دول المنطقة في هذا العام، أما دولة “سيشل” فتراجعت للمرتبة الـ128 عام 2023م وبتقييم 53.3 بزيادة (0.9) عن تقييم العام الماضي، وهذا التراجع ضمن مؤشرات الهشاشة، ولكنه يمثل استقرار وتماسك اجتماعي، واقتصادي وثقافي، في حين أن “بوتسوانا” تقدمت مرتبة في مؤشر الهشاشة، وهذا التقدم يشير لتراجع مقداره (0.8) من تقييمها لهذا العام 55.3 عن العام الماضي، وعلى الرغم من أن التراجع طفيف؛ إلا أنه قد يؤثر سلبًا لاحقًا على درجة استقرار مؤشراتها الفرعية، وتأتي دولة “كابو فيردي” بترتيب ثابت في المرتبة (114)، ولكن برغم هذا الثبات في التصنيف إلا أن تقييمها ارتفع بمقدار (1.3) ضمن تحذيرات منخفضة بشأن مؤشرات الهشاشة، وأخيرًا تأتي ناميبيا في المرتبة (112)؛ فقد تراجعت في مؤشر الهشاشة عن العام الماضي بمقدار(3) درجات، وهذا التراجع يمثل تقدم ناحية الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والأمني، وهو ما انعكس على تقييمها الذي تقدم بنحو (2,6) لها العام عن العام الماضي، ويغلب على هذه المجموعة الاستقرار النسبي في تقييم المؤشر لهذا العام، وحتى التفاوت في النتائج يصب في صالح الاستقرار وليس السيولة والهشاشة.
ثانيًا: الدول المتأخرة ضمن تقييمات المؤشر:
تشمل الدول الإفريقية من المرتبة الأولى وحتى المرتبة الحادية عشرة، وتضم كلاً من الصومال، والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، وإثيوبيا، وتتميز دول هذه المجموعة بأنها الأكثر هشاشة وسيولة ضمن دول قارة إفريقيا، ولا سيما جنوب الصحراء الكبرى، وتأتي البداية مع دولة “الصومال” التي تحتل المرتبة الأولى عالميًّا ضمن مؤشر الدُّوَل الهشَّة، وهو ما يشير إلى عدم إمكانية الدولة من أداء الوظائف العامة لها، وإخفاق مؤسساتها عن تلبية احتياجات المواطنين، ويأتي تقييمها في إطار الإنذار المبكر للصراعات، ضمن فئة التحذير المرتفع للغاية، وبالتالي تشير إلى انتشار الصراعات المُسلحة، وتسير بها نحو مصطلح الدولة “الفاشلة”.
ثم تليها دولة “جنوب السودان”، بثبات ترتيبها العالمي في المركز الثالث كنموذج للدولة الهشة، ويلاحظ أن ترتيبها من العام الماضي للحالي مستقر، ولكن مع تراجع تقييمها بمعدل 0.5، وتقع ضمن دائرة الخطر للإنذار المرتفع للغاية.
وتليها دولة “الكونغو الديمقراطية” في المرتبة الرابعة لتصنيف هذا العام، وذلك بالتقدم مرتبتين عن العام الماضي، وهو التقدم الذي يصب في غير صالح الدولة، وباتجاه تراجع أدائها في أغلب الملفات التي يستهدفها المؤشر، وما زالت كذلك في فئة الإنذار العالي.
في حين تأتي “إفريقيا الوسطى” لتحتل المرتبة الثامنة لهذا العام، بتراجع مرتبتين عن العام الماضي، وبرغم ذلك ما زالت في فئة الإنذار المرتفع، هذا بالإضافة إلى دولة “تشاد” والتي استقر تصنيفها عند المرتبة التاسعة ضمن مؤشري 2022م/2023م، ولكن برغم ثبات ترتيبها إلا أن أداءها تقدم بمقدار (1.1) ليصل تقييمها عند (114.6).
وأخيرًا تأتي دولة “إثيوبيا” لتحتل المرتبة الـ11 عالميًّا، وذلك بالتقدم مرتبتين عن العام الماضي باتجاه سيولة الدولة، بتقييم 100.4 بتراجع أداء بمعدل (1.1).
ثالثًا: الدول المتوسطة ضمن تقييم المؤشر:
تتضمن الدول التي لا تنتمي لقائمة الدول المنخفضة والمتقدمة في التقييم، وهنالك عدد من الملاحظات التي يمكن الإشارة لها في هذا المقام: تعتبر كلّ من دولة “زامبيا”، و”غامبيا”، وإستوانيا” من أفضل دول إفريقيا جنوب الصحراء أداءً ضمن دول المنطقة بالاتجاه نحو الاستقرار وبالتقدم خطوات ملحوظة بعيدًا عن الهشاشة، بالتقدم ست مراكز في مؤشر الهشاشة هذا العام عن العام الماضي، ليضحى تصنيفها (48)، و(58)، و(67) على التوالي، وانعكس إيجابًا على تقييمها العام الذي تقدم عن العام الماضي بنحو (1.8)، و(1.3)، و(2.5) على التوالي، ليشير لتحسن أدائها في الملفات التي يقيسها المؤشر، وتقع ضمن دائرة الإنذار ما بين الإنذار المرتفع والإنذار المنخفض، وعلى النقيض تمثل كل من: “بوركينا فاسو”، و”الكاميرون”، أحد أكثر الدول الإفريقية تراجعًا لهذا العام باتجاه الهشاشة والسيولة وبالتراجع خطوات عن الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، فقد تراجعت الأولى بنحو 8 مراكز عن تصنيفها للعام الماضي، وبالتالي انعكس على تقييمها العام في المؤشر بالتراجع بنحو (3,5) عن العام الماضي، هذا بالإضافة لتراجع الكاميرون بنحو 4 مراكز في تصنيفها لهذا العام عن العام الماضي، وانعكس كذلك على التفاوت في تقييمها من العام الماضي لعام 2023م الحالي بنحو (2) باتجاه التراجع عن خطوات التنمية والاستقرار والتقدم نحو المشكلات الداخلية، والسيولة، وتقع تحت دائرة الإنذار، والتحذير المرتفع باتجاه الصراعات، ومن خلال رصد بيانات دول تلك المجموعة يتضح أن (23) دولة من ضمن (36) دولة اتسم أداؤها بالتقدم الملحوظ ضمن مؤشر الدُّوَل الهشَّة لهذا العام عام 2023م عن العام الماضي لصدور المؤشر، وهو ما يشير إلى أنه برغم الإشكاليات التي تعانيها دول القارة والأزمات الداخلية، إلا أن الأداء العام لدول المنطقة قد تحسن في تصنيف هذا العام عن العام الماضي، وهي إشارة جيدة إذا ما استمرت الدول في التعافي من الأزمات السياسية والاقتصادية، والثقافية التي تعانيها، والعمل نحو تعزيز مفهوم الولاء للدولة بعيدًا عن انتماءات القبيلة.
الجدول (2)
تقييم لموقع إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الدُّوَل الهشَّة (التماسك، السياسي) 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقاً للبيانات المدرجة في مؤشر الدُّوَل الهشَّة 2023م
يوضح الجدول السابق تقييمات دول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الدُّوَل الهشَّة، ويقيس هذا الجدول مؤشرات التماسك الداخلي بما تتضمنه من ملفات خاصة بجهاز الأمن، والنخب المنقسمة، والشكاوى الداخلية للمواطنين، والمؤشرات السياسية بما تتناوله من ملفات شرعية الدولة، وحقوق الإنسان وسيادة القانون، إضافة للخدمات العامة، فالتقييم يبدأ من (1) كأكثرها استقرارًا و(10) كأكثرها تراجعًا، ويمكن تناولها من خلال الآتي:
أولًا: الدول المتقدمة:
على اعتبار أن “موريشيوس”، و”سيشل”، و”بوتسوانا”، و”كابو فيردي” الدول التي تمثل تلك المجموعة فيمكن مقارنة أدائها ضمن هذين المؤشرين على النحو التالي: كانت دولة صاحبة الأداء الأفضل في ملف أجهزة الأمن ضمن مؤشرات التماسك بتقييم (1) كأفضل أداء، وبالتالي يتسم الأداء الأمني بمؤسساتها بالكفاءة والعدالة والمهنية، إضافة لعدم ارتباطها بأيّ جيوش غير نظامية، في حين أن سيشل على الرغم من استقرار أوضاعها ضمن مؤشر الهشاشة؛ إلا أن أداءها منخفض في هذا الملف، ولا سيما أن أداءها تخطَّى المنتصف في اتجاه التراجع، كما أن دولة موريشيوس تقدمت كذلك كأفضل أداء ضمن دول المجموعة في ملف انقسامات النخبة بتقييم (3,1)، مما يشير أن الدولة لا تعاني من التصدعات القبلية والعرقية والطائفية مقارنة بدول المنطقة، وعلى الجانب الآخر كانت سيشل ضمن الأداء الأسوأ في هذا الملف كذلك بتقييم (6) فبرغم استقرار أوضاعها إلا أنها تعاني وفقًا للمؤشر من انقسامات فئوية بداخلها تؤثر على تماسك المجتمع بالداخل، وعلى صعيد المؤشرات السياسية حققت دولة سيشل أفضل أداء ضمن دول المجموعة في مؤشر الخدمات العامة بتقييم (2,4)، وعلى الجانب الآخر كانت بوتسوانا صاحبة الأداء الأضعف في هذا الملف بتقييم (6)، كما حققت كابو فيردي، وناميبيا الأداء الأفضل في ملف حقوق الإنسان وسيادة القانون بتقييم (2,2)، و(2,3) على التوالي، في حين أن بوتسوانا حققت أداء متوسطًا بتقييم (5) كأسوأ أداء ضمن دول المجموعة، أما عن ملف شرعية نظام الحكم؛ فكان الأفضل من حيث الأداء بين دول المجموعة حيث تراوح أداؤها ما بين (2.3) وحتى (3.5).
ثانيًا: الدول المتأخرة:
ومثلتها كل من “الصومال”، و”إفريقيا الوسطى”، و”الكونغو الديمقراطية”، وتشاد، و”إثيوبيا”، و”جنوب السودان”، والغالب على أداء تلك الدول ملفات هذين المؤشرين التراجع، والسيولة، ولكن مثلت الصومال النموذج الأسوأ في أغلب تقييمات ملفات المؤشرين، فحققت العلامة الكاملة كأسوأ أداء في ملف النخب المنقسمة، وهو ما يفسر حالة الصراعات والحروب الأهلية التي تعانيها الصومال، والتي تسببت في انفراط عقد الدولة وعدم قدرتها في تلبية أبسط احتياجات مواطنيها المتمثلة في تقديم الخدمات العامة؛ حيث جاء تقييمها بمقدار(9.8)، وهو اقتراب من العلامة الكاملة أي شبه انعدام للخدمات العامة للمواطنين، وكنتيجة منطقية لحالة الصراع، وفقدان الوظائف الحيوية للدولة عدم الاستقرار وضعف الأجهزة الأمنية، وهو ما تم تأكيده بتقييمها (9.5) في ملف الأمن، أضاف لذلك المعاناة والأوضاع الإنسانية الحرجة جراء انهيار منظومة سيادة القانون، وانتهاك حقوق الإنسان وهو ما اتضح بتقييم بنحو (9) في هذا الملف، ولم تختلف عنها جنوب السودان كثيرًا؛ إذ إنها النموذج الثاني في القارة ضمن فئة الإنذار العالي فيما يتعلق بالتدرج نحو الهشاشة.
ولكن الملاحظ أنها حققت أسوأ أداء في البنية التحتية ضمن دول المنطقة بتقييم (9.7)، واتسم النظام الأمني بالتدهور والتراجع وتم تأكيده من خلال تقييمها في التقرير بنحو (9.9) وتلك العناصر انعكست على شبه فقدان الثقة في مؤسسات الدولة من جانب المواطنين، وبالتالي فقدان الثقة في النظام السياسي وانهيار شرعيتها، وأخيرًا عن إفريقيا الوسطى فكانت سيئة في أغلب تقييماتها كمثيلتها من الصومال وجنوب السودان، ولكن الملاحظ أنها حققت العلامة الكاملة لها كأسوأ أداء في ملف الخدمات العامة، بتقييم (10)، وبالتالي فدول المجموعة لا تختلف عن بعضها فيما يتعلق بنِسَب أدائها في الملفات السابقة؛ وذلك أنها تتقارب من حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى على صعيد الأزمات والصراعات الداخلية فإنها تتشابه من حيث كونها تعاني من انقسامات عرقية وإثنية وعدم تناسق بين طبقات المجتمع لديها.
ثالثًا: الدول المتوسطة في التقييم:
ما يمكن ملاحظته في هذا المقام أن دول المجموعة قد حققت أداءً متراجعًا في السياق العام لملفي أجهزة الأمن والنخب المنقسمة فأغلب أداء الدولة تجاوز تقييم (5)، فعلى صعيد ملف النخب المنقسمة فكان أداء متباينًا متراجعًا من أغلب دول المنطقة، وذلك بحكم الطبيعة القبلية التي تتسم بها إفريقيا، فتحوي آلافًا من التقسيمات العرقية، والإثنية والطائفية غير المتجانسة في عدد من الدول، وهو ما أدى لحدوث خلل في الأداء العام لهذا الملف، وبالتالي لا يمكن وصف دولة بأنها الأسوأ كأداء ضمن فئة هذه الدول أو حتى الأفضل؛ لأنها تراجعت بشكل عام، أما عن ملف أجهزة الأمن فكان عدد الدول التي انخفض تقييمها عن (5) منخفض مقارنة بعدد الدول التي ارتفع أداؤها لما بعد المنتصف، لذا يمكن اعتبار أن أفضل تقييمات لهذا الملف كل من زامبيا (3.9)، وسيراليون (3.6)، وساو تومي وبرينسيبي (4.1)، ومالاوي (4.2)، والجابون(4.2)، والسنغال (4.5).
في حين أن المؤشرات السياسية قد اتَّسمت بأداء متباين ما بين سيئ المتوسط، فمثلًا ملف شرعية الدولة، اتَّسم بالتباين؛ فهناك دول كان أداؤها كارثيًّا لحد فقدان شرعية الحكم والثقة في مؤسسات الدولة مثل غينيا وإرتيريا بتقييم (9.7)، وغينيا الاستوائية بتقييم (9.9)، و(9.1) لكل من بورندي، وغينيا بيساو، وتشاد، في حين أن الدول المتبقية ما بين متوسط إلى جيد، ولكن كمجمل عام هناك توترات سياسية، وأزمة ثقة بين الحكومة ومواطنيها، وهو ما يتسبَّب في الاضطرابات الداخلية المعهودة، أما عن ملف الخدمات العامة، فكان أسوأ أداء ضمن دول المجموعة كل من موزمبيق بواقع (9.7)، والنيجر بواقع (9.5)، ومدغشقر بنحو (9.3)، وليبيريا بمعدل (9.1)، وأخيرًا عن ملف الشكاوى والتظلمات الجماعية فكان أسوأ أداء منحصرًا بين كل من إريتريا بتقييم (9.1)، ونيجيريا (8.8)، وبورندي (8.6)، وغينيا الاستوائية بواقع (8.2)، وعلى الجانب الآخر يأتي أفضل أداء ضمن دول المجموعة ما بين غامبيا وبنين بتقييم (2.8)، (2.6) على التوالي.
الجدول (3)
تقييم لموقع إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الدُّوَل الهشَّة (اقتصادي، اجتماعي) 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الدُّوَل الهشَّة 2023م
يوضح الجدول السابق تقييمات دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشرات الاقتصاد التي تشمل ملف التنمية الاقتصادية غير المتكافئة، وهجرة العقول، والتنمية الاقتصادية، بالإضافة للمؤشرات الاجتماعية التي تشمل الضغوط الديمغرافية، واللاجئين، والتدخل الخارجي، ويمكن قراءة عدد من الملاحظات في سياق ما توضحه الإحصاءات على النحو التالي:
أولًا: الدول المتقدمة في التقييم:
تعد دولة موريشيوس ذات الأداء الأفضل في ملفي المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما في ملف اللاجئين والنازحين؛ حيث جاء تقييمها بمعدل 1.6، في حين تتسم الدولة بأنها لا تعاني أزمات لاجئين أو حتى نزوح داخلي؛ وذلك لأنها لا تعاني صراعات مسلحة، وتتسم بالاستقرار، كما لا يوجد ضغوط ديمغرافية على الدولة فيما يتعلق بالسكان، والملاحظ في ملف اللاجئين أن أغلب دول هذه المجموعة حققت أداءً جيدًا باعتبار أن تقييمها لم يتجاوز (5)، فحققت سيشل (2.3)، و(3.1) لبوتسوانا، و(3.6) لكل من ناميبيا وكابو فيردي، وغانا بتقييم (3.5)، أما عن ملف التنمية الاقتصادية، فحققت فيه دول المجموعة تقييمات متوسطة فما أعلى؛ حيث إنه لا يوجد دولة انخفض أداؤها عن 5، وهو يعكس أن التنمية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء تعاني أزمات حتى مع الدول التي تتسم بالاستقرار؛ حيث إن التنمية الاقتصادية تعاني عدم التكافؤ مع الأعباء التي يتم فرضها على الاقتصاد الإفريقي بفعل القروض وفوائدها، إضافة لحجم الديون الخارجي، وبالفعل تحقق هذا العنصر من خلال تقييمات الدول في ملف التنمية الاقتصادية غير المتكافئة التي تجاوزت المنتصف فما أعلى باستثناء موريشيوس التي جاء تقييمها (3.1) على اعتبار أنها الأداء الأفضل في المجموعة، وتقدمت كذلك في ملف الضغوط الديمغرافية بتقييم (3.1) ويليها دولة سيشل بتقييم (4.2).
ثانيًا: الدول المتأخرة:
تمثل هذه المجموعة كلّ من الصومال، وجنوب السودان، والكونغو الديمقراطية، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، وإثيوبيا، وبالحديث عن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول فتميل للانهيار في أغلب الدول، ولا سيما الصومال وجنوب السودان فتقييماتها تنحدر نحو السيولة والهشاشة؛ حيث حققت الدولتان العلامة الكاملة كأسوأ أداء في ملفي الضغوط الديمغرافية واللاجئين، وطبيعي أن يكون هذا التقييم على هذا النحو بسبب الاضطرابات الداخلية والصراعات وعدم التجانس بين سكانها المنحدرين من عدة طبقات إثنية وعرقية، ومثل هذا الملف الأداء الأسوأ لدى كل دول المجموعة دون استثناء فتقييماتها تجاوزت (9/10)، ويُلاحظ أن التدخل الخارجي في شؤون دول المجموعة كبير على النحو الذي يمثل ضغوطًا على الدولة، وخاصة إذا كان تدخلًا مباشرًا عسكريًّا أو من خلال القروض والمنح ذات الفوائد المرتفعة، فنسبة التدخل في شئون إفريقيا جنوب الصحراء تجاوزت الـ50% ولا سيما الدول ذات الأداء المتراجع، ويأتي ملف الهجرة سواء كانت للإنسان أو للعقول ليمثل التراجع الآخر ضمن المؤشرات الاجتماعية، وحيث تعاني دول المنطقة من السطوة الغربية على أفضل العقول الإفريقية التي تهاجر بسبب الاضطرابات الداخلية، وعدم الاستقرار، وعدم التكافؤ والظلم الاجتماعي لصالح فئات بعينها تخدم مصالح الأنظمة الحاكمة على حساب الفئات الأخرى التي تعاني تهميشًا، فتلك الملفات هي بالفعل الأساس للقياس عليه مدى هشاشة الدولة أو استدامتها على الجانب الآخر، فالدولة ما هي إلا مجموعة مؤسسات تؤدي الوظائف المنوطة بها لخدمة المواطنين، وعندما تفقد نفوذها وتصبح غير قادرة على تحقيق متطلبات مواطنيها؛ فإنها تندرج نحو الهشاشة، ويترتب عليه تراجع اقتصادي واجتماعي وسياسي، وانفراط عقد المجتمع والتماسك الداخلي، وانهيار أجهزتها الأمنية وارتفاع بؤرة الصراع لحد الإنذار المرتفع للغاية.
ثالثًا: الدول المتوسطة:
ركَّز مؤشر الدُّوَل الهشَّة على دولة بوركينا فاسو باعتبارها ضمن الدول المتوسطة في التقييم، وتناولها في إطار أنها كانت أحد الدول الإفريقية التي تقع غرب إفريقيا، وكانت تتمتع بالاستقرار بعيدًا عن الاضطرابات والتنظيمات الإرهابية، هذا بالإضافة للتسامح الديني الذي كانت تتسم به بعيدًا عن العداء الديني، ولكنها تحولت عام 2023م لبؤرة للجماعات الإرهابية وفقًا لتقييمها في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023م فقد احتلت المرتبة الثانية بعد أفغانستان وقبل مالي، وهو ما انعكس كذلك على أدائها في مؤشر الدُّوَل الهشَّة لعام 2023م؛ حيث إنها احتلت المرتبة 21، وتراجع تقييمها في المؤشرات الفرعية بمقدار 10 مؤشرات من أصل 12 مؤشرًا، وأنه منذ عام 2015م تشتبك قوات الجيش مع المتمردين داخل الدولة، وأعلنت الدولة أنها تسيطر على 50% من الأراضي في حين أن المؤشر يضيف أن التقديرات الخاصة بمؤشر الدُّوَل الهشَّة أن سيطرة الدولة على أراضيها تقل عن 50%، وازدادت العمليات الإرهابية داخل بوركينا فاسو على امتداد العام بحيث وصل عدد القتلى 1135 قتيلاً عام 2022م؛ أي بزيادة نحو 50% عن عام 2021م، وارتفعت أعداد الأفراد الذين تم تهجيرهم نحو 2 مليون شخص، كما أنها شهدت انقلابين عسكريين في يناير وسبتمبر من عام 2022م، وترتب عليه تولي المقدم “بول هنري” الحكم في مارس بعد أن أدى اليمين الدستورية لحكم البلاد بعد إقالة الرئيس” كابوري”، واعتبر مؤشر الدُّوَل الهشَّة أن هذا الانقلاب كان مقبولًا على صعيد الداخل؛ أي من جانب المواطنين، فقد تم استقباله بالاحتفالات في ميادين مدينة “واغادوغو”؛ وذلك بسبب انعدام الثقة في قدرة الحكومة على كبح التمرد، ولكن إقليميًّا تم إدانة الانقلاب وعُلقت عضوية بوركينا فاسو في الاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، والمنظمة الدولية للفرانكفونية.
في حين تناول مؤشر الدُّوَل الهشَّة انقلاب سبتمبر، وذلك بسبب الهجوم الذي شنَّه المتمردون على قافلة مكونة من 150 شاحنة تحمل المعونات الغذائية لمدينة “جيبو” التي كانت ضحية الصراعات المُسلحة، لذا قام الكابتن “تراوري” بإطاحة “دامبيا”، وعلى غراره اتخذت الدول الغربية إجراءات عقابية ضد بوركينا فاسو، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض المساعدات العسكرية للدولة بمقدار 160 مليون دولار، وأرجع المؤشر التدهور الاقتصادي إلى تلك التوترات والصراعات المسلحة بين الدولة والمتمردين، فقد تباطأ معدل النمو بنسبة 2.5% عام 2022م، وانخفض الإنتاج في قطاع التعدين بمعدل 4.6% عام 2022م، هذا بالإضافة للتراجع في أداء الدولة في مؤشر الأجهزة الأمنية بتقييم (9.3) وهو الأسوأ في تقييم الدولة منذ عام 2006م.
وختامًا.. ومن خلال ما سبق طرحه يتضح أن هناك عددًا من الملاحظات المرتبطة بهشاشة الدول والتي تم التطرق لها خلال استعراض مؤشر الدُّوَل الهشَّة 2023م، والتي تعظم الاستفادة من تقييمات الدول لتحسين أوضاعها، ويمكن تناولها على النحو الآتي:
- تعتبر الهشاشة ضمن دائرة الاهتمام العالمي والإقليمي؛ وذلك بسبب التغيرات الداخلية المتسارعة التي تتم بها، وتتسبب في التأثير على المؤشرات الفرعية لمؤشر الدُّوَل الهشَّة، فالسياسات الداخلية المتعنتة تتسبب في زيادة معدلات الاضطرابات والنزاعات الداخلية والانقسامات الفئوية والمظالم والتي تعد مؤشرين رئيسيين ضمن الدُّوَل الهشَّة.
- تعاني الدول الإفريقية، ولا سيما منطقة الساحل الإفريقي والجنوب إفريقي وفقًا لمؤشر الدُّوَل الهشَّة من مشكلات مرتبطة بانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات الجريمة، واتساع بؤرة التشدد والعمليات المسلحة بها.
- لتعزيز قدرة الدول الإفريقية على الصمود أمام الأزمات الداخلية المختلفة، يتعين أن يتم دراسة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتطويرها على النحو الذي يعزز من قدرة الدولة على الصمود، وبالتالي يمكن عكس مؤشرات الهشاشة ليتم من خلالها قياس مرونة الدولة وتكيفها مع تلك الأزمات ومدى إمكانيتها على تحقيق التنمية المستدامة في تلك الملفات، وبالتالي تحسين أوضاعها باتجاه الاستدامة والاستقرار.
- للبحث عن سبيل لمساعدة الدول الإفريقية والخروج من دائرة الهشاشة والنزاعات المسلحة وانفراط عقد الدول الذي قد يحولها لساحة حروب بالوكالة لصالح الدول الأجنبية: يتعين أن يتم إعادة النظر في تحالفاتها مع الدول الأجنبية أو الاستعمارية القديمة في اتجاه تعزيز مصالحها وتحسين أوضاعها الأمنية، وتعزيز قواتها المسلحة، وتخفيف أعباء الديون عليها، بالإضافة إلى زيادة معدل المساعدات الأجنبية في اتجاه التنمية الحقيقية في البنى التحتية، والصناعة، بعيًدا عن المنح التي في صورة قروض والتي لا يتم توجيهها إطلاقًا لتنمية الدول، أضف لذلك تحسين أوضاعها الاقتصادية والتجارية من خلال تعزيز التعاون الدولي مع الحلفاء والمؤسسات الاقتصادية والتجارية الدولية.
مزايا مؤشر الدُّوَل الهشَّة:
- قياس الضغوط الطبيعية ونقاط الضعف التي تتعرض لها الدول وتؤثر بشكل أو بآخر على أدائها لمهامها الحيوية.
- يتميز بوجود آلية الإنذار المبكر للتنبؤ بالصراعات داخل الدول؛ بناء على الكمّ الهائل من المعلومات والبيانات التي يتم جمعها من كل دولة وفقًا للشركاء الإقليم، وتستعين بها الدول للتنبؤ بحالة الصراع ومتابعة مراحله وفقًا للتحديثات الدورية التي يطلقها المؤشر.
- يتميز مؤشر الدُّوَل الهشَّة بامتلاكه لقاعدة بيانات ومعلومات تضم آلاف التقارير من الدول عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والأمنية داخل كل دولة.
- يتميز مؤشر الدُّوَل الهشَّة بالمنهجية التي يتم بها تقييم الدول، فتعتمد على عدة مراحل تبدأ الأولى بالقياس الكمي، ثم المراجعة الكيفية للبيانات، وأخيرًا التوفيق بين الجانب الكيفي والكمي وتحليل الظاهرتين، للوقوف على نقاط القوة والضعف، بالإضافة لاستبعاد التحليلات غير الموضوعية التي تتسم بالميول وفقًا للون أو العرق أو الجنسية، هذا بالإضافة للمؤشرات الفرعية التي يتم على أساسها تقييم أداء الدول في الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ودرجة التماسك الداخلي؛ حيث هي عبارة عن 12 مؤشرًا فرعيًّا مقسمة على أربع مجموعات، ويتم تقييم أداء الدولة من خلال بنك الأسئلة الذي يتضمنه كل مؤشر، وتمثل الإجابة الوافية عنه التقييم النهائي للدولة ضمن بند الهشاشة أو الاستدامة.
- هنالك ميزة على صعيد دول إفريقيا جنوب الصحراء، فقد تناول المؤشر معظم دول القارة، بل والمنطقة ضمن التقييم، وتلك الآلية تخدم الباحثين المختصين في الشأن الإفريقي من التقييم والمقارنة بين دول القارة، للوقوف على النماذج المرنة وتلك الهشة دون نقص في المعلومات.
عيوب مؤشر الدُّوَل الهشَّة:
- على الرغم من توفر البيانات التي يُتيحها المؤشر في رصد وتحليل موضع دول العالم في مؤشر الدُّوَل الهشَّة، إلا أنه لم يضع رؤية مستقبلية عن كيفية الاستفادة من خبرة الدول ذات التقييم المستدام والمستقر ضمن هذا المؤشر للاستفادة منها في أوضاع الدُّوَل الهشَّة للتحسين وتطوير إمكاناتها وقدراتها على الصمود.
- لم يستفد مؤشر الدُّوَل الهشَّة من التطور التكنولوجي والمعلوماتي في سياقاته الحديثة ضمن المؤشرات الفرعية التي يقيسها، فيتعين أن يضيف المؤشر مؤشرًا فرعيًّا لقياس درجة التنمية المستدامة للدولة، ولا سيما قطاع التكنولوجيا، وملف التغيرات المناخية، والاقتصاد الأخضر؛ وذلك باعتبارها أهدافًا ذات أولوية أولى للمجتمع الدولي، وتُعدّ الأساس للبناء عليه مستقبلًا، وتقييم وضع الدولة من حيث المرونة والسيولة؛ فالحروب القادمة بيولوجية، سيبرانية، واقتصادية، فيتعين أن يتم الاهتمام بتلك الملفات مستقبلًا كتحديث للمؤشر ليشمل كافة العناصر التي تحكم على قدرة الدولة وإمكاناتها.
[1] _ FRAGILE STATES INDEX ANNUAL REPORT 2023, Peace for fund, Washington.
[2] _ look at: Methodology, fragile state index, available at: .
[3] _ look at: Indicators, fragile state index, available at: .