كان وصول “ألفا كوندي” عام 2010م إلى الحكم في انتخاباتٍ وُصِفَت بالتنافسية انتصارًا للديمقراطية، وإحياءً لتطلعات الغينيين في تحقيق التنمية والرفاه، بعد أن باتوا من أفقر الشعوب في واحدةٍ من أغنى الدول الإفريقية بالموارد والثروات الطبيعية. غير أن أداء “كوندي” جاء مخيّبًا للآمال، وقبيل انتهاء ولايته الثانية مرَّر تعديلاً دستوريًّا يتمكن به من الترشح لولاية ثالثة، وترشَّح بالفعل وفاز بالانتخابات، وقد صاحب ذلك كله احتجاجات وأعمال عنف واسعة النطاق راح ضحيتها قتلى وجرحى ومعتقلون، وفى ظل قبضة أمنية قمعية كاد الأمر أن يستتب لـ “كوندي”.
وقبيل أن يُتم “كوندي” عامه الأول في ولايته الثالثة انقلب عليه واعتقله “ممادي دومبويا” قائد وحدة النُّخبة ضمن القوات الخاصة الغينية، وأعلن حلّ المؤسسات، وتعطيل العمل بالدستور، وتشكيل لجنة رئاسية برئاسته أطلق عليها “اللجنة الوطنية للمصالحة والتنمية”، وقد ساق “دومبويا” أسبابًا لها وجاهتها تدعوه للقيام بهذا الانقلاب، أبرزها حسب تعبيره: “الوضع السياسي الرهيب لبلدنا، واستغلال القضاء، وعدم احترام مبادئ الديمقراطية، والتسييس الشديد للإدارة العامة، فضلاً عن الفقر والفساد”، وقال: إننا -أي هو وزملاؤه – لن نعهد بالسياسة إلى رجل واحد مجددًا، فسوف نعهد بها إلى الشعب، ومن أجل ذلك فقط أتينا”.([1])
وعلى الرغم من صحة الأسباب التي ساقها “دومبويا”؛ إلا أنه وبإمعان النظر في السياق الغيني يمكن الوقوف على مؤشرات قوية تنبئ بأن للحقيقة وجهًا آخر أمسك عنه أطراف الانقلاب حتى الآن، وهنا يثور تساؤل غاية في الأهمية تتغير باختلاف الإجابة عنه استراتيجية التعامل مع القضية، ألا وهو: لماذا انقلب “دومبويا” على “كوندي”؟، وتسعى هذه الورقة إلى الإجابة عن هذا التساؤل من خلال رصد وتحليل وتفسير البيانات المتوفرة عن السياق الغيني وعن أطراف الانقلاب، وذلك في المحاور التالية:
أولا: السياق الاستعماري ودلالاته.
ثانيا: السياق السياسي ودلالاته.
ثالثا: السياق الاقتصادي ودلالاته.
رابعا: السياق الدولي ودلالاته.
خامسا: بيانات عن بعض أطراف الانقلاب ودلالاتها.
خاتمة: استنتاج الأسباب الحقيقية لانقلاب “دومبويا” على “كوندي”.
أولا: السياق الاستعماري ودلالاته:([2])
ظلت أراضي غينيا الحالية تحت الحماية ثم الاستعمار الفرنسي لأكثر من 170 سنة انتهت بالاستقلال رسميًّا عن فرنسا عام 1958م، غير أن الواقع ينبئ بأن الاستعمار لم ينتهِ ليس في غينيا فحسب إنما في العالم أجمع، وأن القوى الاستعمارية وإن تخلَّت عن الاستعمار العسكري التقليدي فإنها لم ولن تتخلى عن الاستعمار بأشكال جديدة ومتجددة، وتلك هي النظرية التي دشَّنها زعيم غانا التاريخي “كوامي نكروما” في كتابه “الاستعمار الجديد: آخر مراحل الإمبريالية” (1966م)، وأكدها بعده “جاك ووديس” في كتابه “مقدمة إلى الاستعمار الجديد: الإمبريالية الجديدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية” (1967م)، ثم تواتر على صحة تلك النظرية من الشواهد الواقعية والدراسات والبحوث ذات الصلة ما يكفي للجزم بصحة هذه النظرية، وبأن هذه السياسة الاستعمارية أصبحت قاعدة لا استثناء فيها. ومن ثم يعد السياق الاستعماري التاريخي لغينيا مؤشرًا أوليًّا قويًّا على أنه لفرنسا مصالح حيوية كبيرة في غينيا لم ولن تتخلى عنها، بل تسعى إلى حمايتها وتعظيمها وعدم مزاحمتها فيها.
ثانيًا: السياق السياسي ودلالاته:
تشهد غينيا اضطرابات سياسية بدأت مع التعديلات الدستورية التي تتيح لـ “كوندي” الترشح لولاية رئاسية ثالثة ثم ترشحه لها وفوزه بها، غير أن الديناميات السياسية المصاحبة لهذه العملية تنبئ بأن هذه الاضطرابات تدرجت من الهدوء النسبي إلى الشدة، ثم بدأت في العودة إلى الهدوء النسبي إلى ما قبل انقلاب “دومبويا” بما مفاده أن تلك الاضطرابات لم تكن سببًا رئيسيًّا للانقلاب، وإلا لكان الانقلاب قد تم في أوج شدة هذه الاضطرابات بالتزامن مع تمرير الاستفتاء الدستوري أو بالتزامن مع إعلان فوز “كوندي” بالانتخابات الرئاسية، وبناء على ذلك فإن تراخي الانقلاب لما يقارب 10 أشهر بعد إعلان فوز كوندي بولايته الثالثة وتحقق حالة من الهدوء السياسي النسبي يُعد مؤشرًا قويًّا على أن الاضطرابات السياسية لم تكن سببًا رئيسيًّا لانقلاب “دومبويا” على “كوندي”.
كان “دومبويا” بمثابة أداة “كوندي” المباشرة المستخدَمة في قمع المعارضة، وينال تورط “دومبويا” في القمع من تذرعه في انقلابه بالانحياز إلى الشعب ضد “كوندي”، فلا هو قام بالتنسيق مع المعارضة، ولا كانت علاقته معها ودية، الأمر الذي يرجّح أن الاضطرابات السياسية في غينيا لم تكن سببًا رئيسيًّا لانقلاب “دومبويا” على “كوندي”، بل كانت إحدى الاستراتيجيات التي تستعدي الشعب والمعارضة على “كوندي” لتهيئتهم لقبول الانقلاب عليه، ولو كان بيد مَن كان يقمعهم.
يعد رد الفعل السلبي لوزير الدفاع “محمد ديان” وكبار قادة القوات العسكرية الغينية بأفرعها المختلفة تجاه الانقلاب على الرغم من ولائهم الشديد للرئيس “كوندي”، مثار غموض وجدل([3])،وإن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على أن الانقلاب قد تم الإعداد له لفترة طويلة سابقة عليه، تكفل تحييد هؤلاء القادة بصورة أو أخرى، ما يعني أن الانقلاب لم يكن وليد الاضطرابات السياسية، وأنها لم تكن سببًا رئيسيًّا له.
ثالثًا: السياق الاقتصادي ودلالاته:
يُعد الغينيون من أفقر شعوب العالم، فدولتهم تحتل المركز الـ 175 من أصل 189 دولة تم تقييمها بواسطة تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة؛ حيث يعيش نسبة كبيرة جدًّا من الغينيين (70,3٪) تحت خط الفقر([4]). وفي ذات الوقت تمتلك غينيا قدرًا هائلاً من الثروات والموارد الطبيعية، فتشير التقديرات إلى أن احتياطيات غينيا من البوكسيت تصل إلى 25 مليار طن متري، وهو ما يقرب من نصف إجمالي احتياطي البوكسيت في العالم، كما تمتلك غينيا احتياطيات ضخمة من خام الحديد عالي الجودة يبلغ مجموعها 4 مليارات طن على الأقل تشمل رواسب معدنية مهمة أخرى، كما تمتلك رواسب كبيرة من اليورانيوم والماس والذهب، والنفط وكميات لا بأس بها من رواسب الإسمنت والنيكل والمنجنيز، وتقدر احتياطيات غينيا من الماس بحوالي 40 مليون قيراط، أما احتياطيات الذهب وإن لم تكن مقدَّرة إلا أن غينيا أنتجت في عام 2011م حوالي 16 ألف كيلو جرامًا من الذهب، ويشجّع على التعدين والتصنيع المتصل بهذه الموارد وفرة الأنهار التي تساعد على إنتاج الطاقة الكهرومائية([5])، وهو ما جعل غينيا مطمعًا للشركات الدولية الكبرى وساحة صراع دولي من أجل الاستحواذ على هذه الثروات.
وبتدقيق النظر في السياسات الاقتصادية التي اتبعها “كوندي” منذ أن تولى الحكم في عام 2010م وحتى الآن، وبخاصة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر والشركاء التجاريين نجد أن توجهات “كوندي” شرقية لا غربية؛ حيث حظيت الصين يليها روسيا خلال رئاسة “كوندي” بالنصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبخاصة في مجال التعدين، ومؤخرًا تم تمديد عقود بعض الشركات الصينية والروسية إلى عام 2050م، حيث تشارك 14 شركة صينية ما بين مملوكة للدولة وخاصة في تعدين البوكست في غينيا، كما استثمرت الشركات الصينية بموجب اتفاقية موقَّعة في يونيو عام 2020م قيمتها 14 مليار دولار في تعدين خام الحديد عالي الجودة في مشروعين في جبال “سيماندو” جنوب شرقي غينيا، كما دخلت شركة روسال الروسية كمستثمر رئيس أيضًا في تعدين البوكيست وتصنيعه.([6])
وبهذا تكون الصين وروسيا قد سحبتا البساط من تحت أقدام فرنسا التي كانت المستثمر الأجنبي الأكبر والشريك التجاري الأول لغينيا منذ استعمارها وحتى إلى أول عهد “كوندي”، كما أثر ذلك أيضًا سلبًا على استثمارات الولايات المتحدة في غينيا وعلى وارداتها منها، ويُبيّن الجدول رقم (1) كيف تضاعفت صادرات غينيا إلى الصين فِيمَ تقلَّصت صادراتها إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد “كوندي” مقارنة بما قبله.
جدول رقم (1) قيمة صادرات غينيا من البضائع إلى الصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالمليون دولار في السنوات المبينة بالجدول قبل وأثناء تولي “كوندي” السلطة
السنة البلد |
2007 |
2008 |
2011 |
2013 |
2015 |
2017 |
2019 |
2020 |
||
الصين |
43,577 |
15,649 |
9,398 |
55,380 |
25,984 |
|
1154,572 |
1178,258 |
||
فرنسا |
115,030 |
169,268 |
125,802 |
197,159 |
85,938 |
117,382 |
63,641 |
74,952 |
||
الولايات المتحدة |
104,466 |
107,087 |
61,071 |
81,917 |
87,162 |
13,363 |
10,467 |
11,497 |
المصدر: الجدول من إعداد الباحث استنادًا إلى البيانات الواردة على موقع “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” UNCTAD، تحققت الزيارة الساعة 3:30 مساء، بتاريخ 15 سبتمبر 2021، على الرابط: https://unctadstat.unctad.org/wds/ReportFolders/reportFolders.aspx
وبتحليل البيانات السابقة يتضح بجلاء أن مركز ثقل الاستثمار الأجنبي المباشر في غينيا والتجارة الخارجية الغينية كان يرتكز إلى الغرب في فرنسا ابتداءً ولعقود طويلة، ثم انضمت إليها الولايات المتحدة، حتى أتى الرئيس “كوندي”، فتحول تمامًا وبشكل شبه كامل بالاقتصاد الغيني باتجاه الشرق وبخاصة إلى الصين، وهو ما ينبئ بدلائل قوية لا تدع مجالاً للشك أن فرنسا المستعمر والمستثمر والشريك التجاري الأول السابق، والولايات المتحدة، لكل منهما مصالح حيوية في إقصاء “كوندي” واستبدال أحد الموالين به.
كما يتضح أيضًا أن الصين تُعد المتضرّر الأكبر من إطاحة “كوندي”، وليس أدل على ذلك من خروج الصين ولأول مرة بهذه السرعة والحدة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون السياسية للدول الذي تتبعه عادةً في سياساتها الخارجية؛ حيث أدانت الانقلاب على الرئيس “كوندي” بل وطالبت بإطلاق سراحه([7])، وقد حذت روسيا حذوها([8])، وهو ما ينبئ بأن إطاحة “كوندي” كانت بمثابة ضربة مؤلمة للصين وروسيا.
رابعا: السياق الدولي ودلالاته:
يومًا بعد يوم تستعر الحرب الاقتصادية العالمية، وخاصةً بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والصين وروسيا وحلفائهما، والتي باتت حربًا مفتوحة الأبعاد([9]). ومن أهم ما تستهدفه هذه الحرب الاستحواذ على الأماكن الاستراتيجية، وعلى الموارد والثروات الطبيعية أينما وُجدت في الكرة الأرضية، بل وفي الفضاء، ومما يُقلق الغرب في هذه الحرب ذلك النفوذ الاقتصادي الصيني المتزايد وبسرعة في إفريقيا التي تعد منجم العالم، وكذلك التوجهات الروسية الواضحة باتجاه إحياء علاقات الاتحاد السوفييتي القديمة والقوية بدول القارة، وهو ما حدث في الفترة التي انشغل فيه الغرب بحروب أخرى خارج إفريقيا. ومن هنا كان من البديهي اتجاه الغرب بادئ ذي بدء بوقف التغلغل المستقبلي الصيني والروسي، ومن حذا حذوهما في إفريقيا مثل إيران وتركيا، وذلك بالتزامن مع محاولة هدم ما بنته تلك الدول من علاقات اقتصادية مع إفريقيا، ومن أبرز استراتيجيات تحقيق هذه الأهداف إزاحة قادة الدول الإفريقية ذوي التوجهات الشرقية عن الحكم. وفي الحالة الغينية ومن خلال المعطيات الاقتصادية سالفة البيان يمكننا التأكيد على أن استمرار “كوندي” في الحكم يؤثر سلبًا على الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة في حربهم الاقتصادية مع المعسكر الشرقي، وبخاصة مع الصين، وهو ما يُعد مؤشرًا قويًّا على وجود مصلحة حيوية للغرب في إطاحة “كوندي”.
خامسًا: بيانات عن بعض أطراف الانقلاب ودلالاتها:
التحق “دومبويا” بالجيش الغيني فأبدى تميزًا فابتُعِثَ للتدريب والتعليم في فرنسا، فازداد تميزه ما رشَّحه للانضمام إلى الفيلق الفرنسي الأجنبي، وشارك في مهام عملياتية في أفغانستان، وكوت ديفوار، وجيبوتي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتدرب على الحماية المباشرة في إسرائيل، وقبرص، والمملكة المتحدة، وقد أكمل تدريبه كأخصائي حماية عمليات في أكاديمية الأمن الدولية في إسرائيل، كما أكمل دورة تدريب قادة الوحدات في مدرسة تطبيق المشاة في السنغال، وكذا تدريب ضباط الأركان في الجابون وفي مدرسة باريس الحربية، كما أتم دراسته في الدفاع والديناميات الصناعية في “جامعة بانثيون أساس” في باريس، كما أنه متزوج من سيدة فرنسية ولديه منها أولاد يحملون الجنسية الفرنسية، فيم تتردد المصادر في تأكيد أو نفي حمله الجنسية الفرنسية مع الجنسية الغانية([10]). تلك الخبرة والرحلة الخارجية والعلاقات واسعة النطاق، وإن لم تكن دليلاً كاملاً قاطع الدلالة علي وجود ارتباط بين انقلاب “دومبويا” وبين بعض الدول وبخاصة صاحبة المصلحة في إزاحة “كوندي”؛ فإنها تعد قرينة تتقوى كلما عززتها قرائن ودلائل أخرى على وجود مثل هذا الارتباط.
وتتداول معلومات عن علاقة غير معلنة بين “دومبويا” واللواء “أبو بكر صديقي كمارا” الملقب بـ “عيدي أمين” المدير السابق لديوان وزارة الدفاع الوطني والمُبْعَد سياسيًّا من قبل “كوندي” بندبه للعمل سفيرًا لغينيا في كوبا؛ حيث تُفيد المعلومات أن “كامارا” هو مَن أرسل “دومبويا” إلى سفير غينيا في فرنسا مصحوبًا بتزكية للتوسط له لدى “كوندي”، ولخبرة “دومبويا” العسكرية عيَّنه “كوندي” مدربًا وقائدًا لوحدة النُّخبة التابعة للقوات الخاصة التابعة لوزارة الدفاع، وعلى غير عادة “كوندي” منحه ثقة بالغة ورقاه خلال سنتين فقط من رتبة نقيب إلى رائد، ثم مقدم (رتبته الحالية)، لدرجة أنه خالف وزير دفاعه المقرب له جدًّا ” محمد ديان” عندما رغب في إبعاد “دومبويا” عن العاصمة كوناكري، فرفض “دومبويا”، وطالب ببقاء وحدته في العاصمة ونزل “كوندي” على رغبة “دومبويا”، وأبقاه ووحدته في العاصمة وبالقرب من القصر الرئاسي.([11])
بعد الانقلاب بأسبوع واحد هبطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في مطار “كوناكري” تقل اللواء “كمارا”، وكان في استقباله قوة خاصة رفيعة المستوى([12])، مما يؤكد ما تردّد بشأن علاقته مع “دومبويا”، الأمر الذي ينبئ بأن “أبوبكر كمارا” كان ركنًا أصيلاً في تدبير الانقلاب.
وتفيد التقارير بأن من قام بالدخول إلى القصر وإلقاء القبض على “كوندي” هي الوحدة الخاصة رقم 8602 بقيادة “دومبويا”، وهي الوحدة التي درَّبها الفرنسيون والإسرائيليون.([13])
ينتمى “دومبويا” إلى مجموعة “مالينكي” الإثنية، وهي ذات المجموعة التي ينتمي إليها “كوندي” ووزير دفاعه ومعظم كبار قادة القوات المسلحة، وهو ما يعني أنه تم اختيار “دومبويا” بعناية للقيام بهذا الدور؛ فانتماؤه الإثني يضمن تحييدًا سَلِسًا للجيش.([14])
ومن خلال هذه المعلومات الشخصية والعسكرية المتوفرة عن “دومبويا” وعلاقاته الداخلية والخارجية، وعن بعض أطراف الانقلاب ودلالاتها، يمكن القول بأن التدبير للانقلاب بدأ قبل إسناد مهمة قيادة وحدة النخبة الخاصة إلى “دومبويا”، وأن اختيار “دومبويا” تم بعناية فائقة، وأنه كان من أهم عناصر خطة الانقلاب، ومن ثَمَّ يمكن القول بأن الاضطرابات السياسية التي حدثت لاحقًا بالتزامن مع التعديلات الدستورية جاءت بعد تعيين “دومبويا” في القوات الخاصة”، أي أن هذه الاضطرابات السياسية لم تكن سببًا رئيسيًّا لانقلاب “دومبويا” على “كوندي”، بل كانت إحدى الاستراتيجيات التنفيذية التي تستعدي البيئة الداخلية ضد “كوندي” وتهيئها لتقبل الانقلاب.
خاتمة:
استنتاج الأسباب الحقيقية لانقلاب “دومبويا” على “كوندي”:
من خلال ما تقدم يمكن تصنيف الأسباب المحتملة لانقلاب “دومبويا” على “كوندي” إلى ثلاث فئات رئيسية هي:
-الانقلاب لأسباب داخلية:
وهى الأسباب التي صرح “دومبويا” نفسه بأنها كانت الباعث الدافع له للانقلاب على “كوندي”، والمتصلة إجمالاً بتفشي الظلم والفساد وانعدام الديمقراطية.
-الانقلاب لأسباب خارجية:
وتتمثل في الحرب الاقتصادية الدائرة حول العالم، والتي تعد إزاحة المعسكر الغربي لنظام “كوندي” الحاكم المنضم إلى المعسكر الشرقي إحدى جولاتها.
– الانقلاب لأسباب شخصية:
وتتمثل في وجود رغبة قوية لدى “دومبويا” وبعض قادة الجيش المبعدين مِن قِبَل “كوندي” مثل “أبو بكر كمارا” في إزاحة كوندي عن السلطة.
واستنادًا إلى ما سبق بيانه تفصيلاً من دلالات يرجّح الباحث أن الانقلاب الغيني يرجع في المقام الأول إلى أطراف خارجية تأثرت مصالحها الحيوية في غينيا سلبًا بانحياز “كوندي” إلى المعسكر الشرقي فسعت إلى حماية وتعظيم هذه المصالح، وأن هذه الأطراف دبّرت الانقلاب وخططت له مستغلةً في ذلك الأطماع الشخصية لبعض الأطراف الداخلية في إزاحة “كوندي” عن السلطة.
([1]) All Africa Website, “Guinea: Meet Col Mamady Doumbouya, Mastermind of Guinea Coup”, Visited at 1:40 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://allafrica.com/stories/202109060108.html
([2]) David Lea, Annamarie Rowe, (eds.), A Political Chronology of Africa (London: Europa Publications Limited, 1st Ed, 2001), Pp. 202-203.
([3]) François Soudan, “Guinée : l’histoire secrète de la chute d’Alpha Condé”, on Aminata Website, Visited at 1:50 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
Exclusif – « Guinée : l’histoire secrète de la chute d’Alpha Condé », par François Soudan
([4]) Bertelsmann Stiftung, BTI 2020 Guinea Country Report (Gütersloh, Germany: Bertelsmann Stiftung, 2020), Pp, 13-14.
([5]) Thierno Amadou Diallo, Beyond the Resource Curse: Mineral Resources and Development in Guinea-Conakry, Unpublished Master Thesis (Cambridge, Massachusetts, USA: Department of Urban Studies and Planning, Massachusetts Institute Of Technology), Pp. 46-57.
– Britannica Encyclopædia Website, Visited at 2:00 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://www.britannica.com/place/Guinea/Resources-and-power
([6]) Charles Dunst, “China Is OK With Interfering in Guinea’s Internal Affairs: Beijing has Dropped its Own Usual Excuse to Oppose a Coup for Practical Reasons”, on Foreign Policy Website, Visited at 2:10 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
– Africa Intelligence Website, “Alpha Condé’s Team to Woo Russian Infrastructure Companies in Saint Petersburg”, Visited at 2:20 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://www.africaintelligence.com/central-and-west-africa_business/2021/06/03/alpha-conde-s-team-to-woo-russian-infrastructure-companies-in-saint-petersburg,109670734-bre
– Beethika Biswas, “Russia concentrates on Guinea bauxite sector to rekindle its economic and diplomatic ties with the country”, Al Circle Website, Visited at 2:30 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://www.alcircle.com/news/russia-concentrates-on-guinea-bauxite-sector-to-rekindle-its-economic-and-diplomatic-ties-with-the-country-47759
– Staff Reporters, “Risks of Guinea coup to Chinese projects manageable: Military takeover tests China’s ability to protect overseas interests”, on Global Times Website, Visited at 2:40 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://www.globaltimes.cn/page/202109/1233515.shtmlhttps://www.globaltimes.cn/page/202109/1233515.shtml
([7]) Charles Dunst, Op. Cit..
– China Global Television Network “CGTN” Official Website, “China Opposes Power Seize in Guinea Coup, Calls for Release of President Conde”, Visited at 2:50 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://news.cgtn.com/news/2021-09-06/China-calls-for-restraint-dialogue-in-resolving-problems-in-Guinea-13kQyWPDINW/index.html
([8]) Russian News Agency “TASS” Official Website, Visited at 3:00 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://tass.com/politics/1334421
([9]) لمزيد من التفاصيل راجع العدد الخاص من مجلة Management and Economics Research Journal عن “الحرب الاقتصادية العالمية: حالة الحرب التجارية الصينو-أمريكية”:
– Special Issue “Global Trade Wars: A Case of Sino-US Trade War”, of Management and Economics Research Journal, (Beaverton, USA: HATASO Publishing & Editing, Vol. 5, Iss. S4, 2019).
([10]) BBC News Website, “Mamady Doumbouya: qui est le chef des forces spéciales guinéennes qui a arrêté Alpha Condé?”, Visited at 3:10 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://www.bbc.com/afrique/sports-55972204
([11]) François Soudan, Op. Cit..
([12]) Mosaïque Guinée Website, “Urgent: le Général Aboubacar Sidiki Camara ”Idi Amin” vient d’atterir à l’aéroport de Conakry”, Visited at 3:20 pm, 15 Sep. 2021, at Link:
https://mosaiqueguinee.com/urgent-le-general-aboubacar-sidiki-camara-idi-amin-vient-datterir-a-laeroport-de-conakry/