أحمد عمرو (*)
لم تعد قارة إفريقيا كما كانت في نظرة قدامى الأوروبيين، المستعمرين منهم والمنصّرين، مجرد منطقة يتحتم تأمينها بغية الوصول إلى خيرات جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، كما تحدّثنا كتب الجغرافيا, فقد أصبحت إفريقيا هدفاً في حدّ ذاته، بعد أن اتضح أنها قارة واعدة بالموارد الطبيعية والبشرية المختلفة، خصوصاً بعد أن أخذ الإسلام, ومعه الثقافة الإسلامية واللغة العربية، في القرون الأخيرة، ينتشر في الأقاليم المختلفة لقارة إفريقيا ويتبوأ مكانة متميزة.
إن عملية تحويل إفريقيا المسلمة إلى قارة مسيحية حلم قديم تقوده البابوية، وتدعمه الدول المسيحية ومجلس الكنائس العالمي، وكلّ الجهات المعادية القوية التي تعمل ضد الإسلام وعقيدته ودعوته في هذا العصر، منذ عهد الحروب الصليبية. ويستمد هذا المخطط قوته من الإمكانات الضخمة التي تُسخّر له, ومن الدعم المادي الكبير الذي يُقدّم له سنوياً لدعم أنشطته وإرسالياته في مختلف دول العالم، خصوصاً في المناطق الإسلامية الفقيرة التي تعاني مختلف الكوارث الطبيعية والبشرية، لغزوها بالمنصّرين بما في أيديهم من غذاء ودواء وكساء مقابل التنصّر واعتناق النصرانية(1) .
المبحث الأول : الآثار الدينية
– التحول إلى النصرانية:
عملية تنصير إفريقيا بكل أقاليمها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً, تتم بتنسيق كامل بين الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وغيرهما من الهيئات التنصيرية من أجل تحقيق ذلك الحلم القديم، ولأجله قام البابا بولس الثاني بثلاث زيارات خلال خمس سنوات، زار فيها إفريقيا شرقاً وغرباً(2) ، وقد حدّد البابا عام 2000م موعداً لتحقيق هدفه، وهو تحويل القارة الإفريقية إلى قارة مسيحية، وذلك نظراً لما يتمتع به القادة المسيحيون من سيطرة على شتى نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية في عدد من دول القارة الإفريقية، وقد أعلن البابا هذا الهدف صراحة لدى استقباله وفداً من أساقفة إفريقيا، قائلاً: ستكون لكم كنيسة إفريقية منكم وإليكم، وآن الأوان لإفريقيا أن تنهض وتقوم بمهمتها الربّانية، وعليكم أيها الأساقفة تقع مسؤولية عظيمة، ألا وهي تنصير إفريقيا(3)!
لقد وضعت المؤسّسات الكنسية الكبرى، وفي مقدمتها مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان، مخططاً لتنصير القارة الإفريقية.. وفي هذا الشأن نظّم الفاتيكان مؤتمر روما التنصيري في 19 فبراير 1993م تحت شعار «تنصير إفريقيا عام 2000م»، حيث خصّص ميزانية أولية لهذا الغرض قدرها 5,3 مليارات دولار لأجل نشر المسيحية في إفريقيا(4).
صحيح أن هذا الهدف لم يتحقّق بالنسبة المرجوّة، إلا أن الفاتيكان – تحديداً – لم ييأس، وعمل على تأجيل تحقيقه من عام 2000م إلى عام 2010م، ثم إلى عام 2015م، بسبب عدم تحقق النتائج المرجوّة لمجموعة من الأسباب سيأتي ذكرها.
لقد تحقّق قرابة نصف هدف الفاتيكان تقريباً في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغ عدد النصارى في إفريقيا جنوب الصحراء – وفق بعض التقديرات الكنسية – 516 مليون مسيحي، بنسبة 62,7% عام 2010م، مما يعني أن الإقليم به ثالث أكبر كتلة مسيحية على مستوى العالم بنسبة 23,6%، أي قرابة ربع مسيحيي العالم، وذلك بعد القارة الأمريكية 36,8%، وقارة أوروبا 25,9%، هذه النسبة لن تتغير كثيراً إذا ما أضفنا إليها نصارى دول الشمال الإفريقي والسودان، حيث يبلغ نسبة النصارى في مصر والسودان 0,03% من إجمالي سكان العالم.
ويُلاحظ أن أكبر زيادة في عدد المسيحيين في العالم كانت في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت الزيادة 60 ضعفاً خلال قرن من الزمان، فقد ارتفع عددهم من قرابة 9 ملايين مسيحي عام 1910م بنسبة 1,4%، إلى 516 مليون مسيحي عام 2010م 62%، في حين أن عدد المسيحيين في منطقة آسيا – المحيط الهادئ تضاعف عشر مرات، حيث ارتفع عددهم من 28 مليوناً عام 1910م، إلى 285 مليون عام 2010م.
كما يُلاحظ أن معظم المسيحيين في إفريقيا جنوب الصحراء من البروتستانت 57%، وهذه النسبة تضم أعضاء الكنائس الإفريقية المستقلة، والإنجليكان، في حين يشكّل الكاثوليك 34%، أما الأرذثوكس / الأرثوذكس فلا تزيد نسبتهم عن 8%، وباقي المذاهب الأخرى لا تزيد عن 1%(5).
ﺟﺎء ﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮ عرض ﰲ ﻣﺆﲤﺮ ﻛﻮﻟﻮرادﻭ(6) اﻟﺘﻨﺼﲑﻱ ﻋﺎﻡ ١٩٧٨ﻡ أﻥ ﻣﻦ ﺑﲔ ٢١٣ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ, ﺗﻢ ﺗﻨﺼﲑ 57 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﺨﺺ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻋﺎﻡ ١٩٧٢ﻡ. ﻭأﻥ ثمة ٢٩ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﰲ ٢٣٦ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻏﲑ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺗﻌﻴﺶ ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺣﺪﻭدﻳﺔ ﱂ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﺼرﻫﻢ ﺑﻌﺪ, ﻭأﻥ اﻟﻌﻤﻞ ﺟﺎر للوصول إليهم ﺧﻼﻝ رﺑﻊ ﻗﺮﻥ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ، ﻭأﻣﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ ﺗﻢ تنصيرهم ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻓﻴﻘﺪر ﺑـ ١٨ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﺨﺺ, ﻭأﻥ اﻟﻨصرانية تحقق حتى اﻵﻥ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﰲ اﻟﺘﻨﺼﲑ ﰲ ﻭﺳﻂ أﺻﺤﺎب اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺼﻮرة أﻛﱪ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم(7).
لقد كان لجهود الكنيسة تأثير كبير في تغيير خريطة إفريقيا العقدية ، فقد اعتنقت أعداد كبيرة من الوثنيين المسيحية كما ارتدت أعداد كبيرة عن الإسلام وتحولت دول بأكملها من أغلبية مسلمة إلى أقلية ولا أدل على ذلك من تصريح أمين المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالكونغو الديمقراطية: الذي أشار إلى تناقص تعداد المسلمين في الكونغو من 20 مليون نسمة إلى 5 ملايين!! يقول الشيخ موديلو واماليما الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية الكونغو الديمقراطية إن المنظمات التنصيرية في القارة الأفريقية تقف وراء تناقص أعداد المسلمين من 20 مليون نسمة غداة استقلال الكونغو في حقبة الستينيات إلى 5 ملايين مسلم في الوقت الحالي وشدد الشيخ موديلو واماليما على أن غول التنصير قد استطاع افتراس الجسد الإسلامي في الكونغو مستفيدًا من معاناة المسلمين لعقود من الفقر الشديد والتهميش السياسي والاقتصادي على يد حكومات الكونغو المتعاقبة مما أسهم في ارتداد ملايين المسلمين حرصًا على الحصول على الدعم المالي واللوجيستي الذي تقدمه آلاف من المنظمات التنصيرية المنتشرة في جميع بقاع البلاد.
– تشكيك المسلمين في عقيدتهم
لم تقتصر أثار الحراك التنصيري على مجرد تحويل أعداد من المسلمين إلى النصرانية بل كانت المنظمات التنصيرية التي تفشل في تحقيق هذا الهدف تعمل على خلخلة عقيدة المسلمين، والتشكيك فيها، وذلك عبر وسائل وأساليب متعددة، مباشرة وغير مباشرة. يقول المنصر المعروف صاموئيل زويمر الذي خاض تجربة التنصير في مصر وعدد من الدول الإسلامية ، وقد أرسل إلى لوشاتليه(8) رسالة في أوائل العام 1911م قال فيها: “إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب. والأمر الذي لا مرية فيه هو أن حظ المبشرين من التغيير – الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية في البلاد العثمانية والقطر المصري وجهات أخرى – هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه، ولا ينبغي لنا أن نعتمد على إحصائيات التعميد في معرفة عدد الذين تنصروا رسميا من المسلمين، لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور ومتحققون من وجود مئات من الناس انتزعوا الدين الإسلامي من قلوبهم واعتنقوا النصرانية من طرف خفي”(9).
لقد حرص المنصرون في كل أرض إسلامية وطأتها أقدامهم على إثارة الشبهات وبث الشكوك بين المسلمين خاصة إذا تلمسوا منهم ضعف في التمسك بعقيدتهم وجهل بأحكام دينهم.
– تربية زعامات تقود المجتمع بعيداً عن الأفكار الإسلامية.
من الآثار العقدية أيضا ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين أو ما يطلق عليهم النخبة وحتى عامة الناس بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية، فالعقيدة الإسلامية تربط كل مجالات الحياة بالإيمان بالله عز وجل وبالتصور العام الذي جاء به الإسلام للخالق سبحانه وتعالى والكون والإنسان.
لم يكن اهتمام المؤسّسات الكنسية ببناء الشخصية الإفريقية للأخذ بيد الإفريقي ليواكب ركب الحضارة والتقدّم، وإنما كان بهدف التأثير في تفكيره وسلب إرادته؛ حتى يسهل قياده، واستنزاف خيرات بلاده، حتى بعد الاستقلال، صرّح بذلك أحد مؤسّسي الأليانس فرانسيه بقوله: «من الضروري ربط المستعمرات بالبلد الأم بواسطة رابطة نفسية شديدة الصلة في مواجهة اليوم الذي ينتهي إليه سعيها للتحرّر القومي إلى شكل من الاتحاد الفيدرالي – حسبما هو محتمل -، حيث يصبحون ويظلون فرنسيين في اللغة والتفكير والروح؛… فكان محتوى التعليم أوروبياً بحتاً، فعندما ذهب أطفال البمبا إلى المدرسة كي يتعلموا مقرراً دراسياً عن حياة النبات تلقوا تعليماً عن الزهور الأوروبية ولم يتلقوا تعليماً عن أشجار إفريقيا»(10).
لقد تضافرت جهود سلطات الاحتلال مع جهود الكنيسة، فلم تقرّ من المناهج التعليمية إلا ما كان منسجماً مع سياسات الاحتلال، ولم تحترم الثقافة الإفريقية إلا إذا كانت مورِّثة للانقسام، باعثة على التنافر والاقتتال بين الأفارقة، كما حرص المنصِّرون والمستعمرون على تقديم تعليم متواضع غير مواكب، وبالقدر الذي يحقّق عمليتي التنصير والتغريب.
وهناك دلائل كثيرة تقف شاهدة على ما أحدثه التعليم والثقافة الكنسية من عمق التأثير السلبي والاستلاب في الشخصية الإفريقية، أبرزها التخلّف العام، وفقدان الهوية والتبعية، «فبلدان إفريقيا في الغالب الأعم لا تتخذ من لغاتها المحلية لغات رسمية، كما أن نمط الاستهلاك الغالب فيها هو النمط الغربي… لقد صرّح بعض الطلاب الذين ظهروا في إرسالية ليفنجستونيا وإرسالية بلانتاير في مالاوي بأنهم اسكتلنديون سود، أما الكرييوليون والسيراليون فكانوا يختارون لقبين أوروبيين، ويربطون بينهما بواصلة… كما جاءت أشعار سينغور الذي أعطى أعماله كلّ اختلاجات الروح الكاثوليكية معبّرة عن الاستلاب الحضاري الثقافي الإفريقي»(11).
– وقف المد الإسلامي عن وسط وجنوب إفريقيا:
كان من نتائج الحراك التنصيري هو وقف المد الإسلامي الذي كان يزحف على وسط وجنوب القارة الإفريقية بقوة ، فقد تمكن المنصرون من وقف هذا المد بل ومحاولة تنصير المناطق الإسلامية.
جاء في التقرير الذي عرض ﰲ ﻣﺆﲤﺮ ﻛﻮﻟﻮرادﻭ اﻟﺘﻨﺼﲑﻱ ﻋﺎﻡ ١٩٧٨ﻡ أﻥ” اﳌﺪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺬﻱ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺟﻨﻮﺑﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻄﺮد ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮﻥ اﻟﺴﺎدس اﳌﻴﻼدﻱ, ﺗﻢ إﻳﻘﺎﻓﻪ ﲤﺎﻣﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻡ 1950 ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺘﻨﺼﲑﻱ المكثف ﰲ ﲨﻴﻊ أرﺟﺎء المنطقة اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻭاﳉﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺎرة, ﻭأﻥ ﻧﻤﻮ اﻟﻨصرانية ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﳊﲔ ﺑﺎت أسرع ﻣﻦ ﻧﻤﻮ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﱠ ﺑﻤﻌﺪﻝ ٦% ﺳﻨﻮﻳﺎ”(12).
المبحث الثاني : الآثار الاجتماعية
من أهم تداعيات التنصير في أفريقيا على النواحي الاجتماعية هو محاولة طمس الهوية الإسلامية للدول الإفريقية المسلمة ومحاولة فرض طريقة حياة مختلفة متطابقة مع الرؤية الغربية كبديل عن نمط الحياة في المجمعات الإسلامية، فأشاع المنصرون طريقة حياتهم الاجتماعية.
– غرس الروح القبلية
في البداية اهتم المنصرون بدراسة المجتمعات الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وقد تمكنت الحملات التنصيرية بالتعاون مع الاستعمار من إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في البلاد التي وقعت تحت هيمنتهم. ففي الجزائر مثلاً حطم الاستعمار الملكيات الجماعية أو المشاعة للأرض وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو من الانسجام والوئام .
وعملت الجمعيات التنصيرية بجانب قوى الاستعمار على إعادة تشكيل الخريطة السكانية والبنية الاجتماعية لسكان البلاد. وقاموا بمحاولات الفصل العرقي بين القوميات الإسلامية وإحياء النعرات القبلية. وإحداث النـزاعات بين أبناء البلاد الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي بالتركيز على فرنسة البربر وتعليمهم اللغة الفرنسية ونشر الحملات التنصيرية في ديارهم. وقد أنشأت الحكومة الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا لتشجيع هذه النزعة. ولعل قانون المناطق المقفولة في السودان كان مثالاً حياً لذلك وكذلك محاولات فرنسا في السنغال لفصل الجنوب عن الشمال ومحاولات إيطاليا في الصومال(13).
– ازدواجية الشخصية الإفريقية
غيرت الإرساليات التبشيرية مفاهيم الأديان التقليدية التي سادت في تلك المناطق، وعانى المتحولون عن الأديان القبلية إلى المسيحية غربة، حيث لم يعتنق المسيحية في البدء إلا الغرباء وأصحاب المكانة الاجتماعية المنحطة، ورغم أن أصحاب المكانة الاجتماعية من التقليديين كانوا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الكنسية الابتدائية غير أنهم كانوا (يفجعون) من الانتهاكات التي يمارسها أبناؤهم ضد المعتقدات المحلية بتحريض من القساوسة والمعلمين، وتدريجياً، ومع نشاط الكنيسة في التعليم، بدا أن الرضوخ للدين الجديد صار ضرورة تمليها الرغبة تبوء المناصب والحصول على الامتيازات، حيث ارتبط الرفاه والصعود الاجتماعي في المدن والمناطق بمستوى التعليم وارتبط التعليم بالتنصير، كان من نتيجة ذلك أن تحولت المجتمعات وشعر الأفراد بالانتماء لثقافة غريبة تنظر إليهم نظرة دونية ما جعل المجتمعات الإفريقية تكسى بقشرة غربية لكنها تعيش في غربة وأزمات داخلية طاحنة وأصبح الإفريقي المتعلم يعيش حالة من الانفصام والازدواجية في السلوك، الأمر الذي انعكس على استمرارية تخلف المجتمعات الإفريقية وتبعيتها للغرب، على الرغم من حصولها على الاستقلال.
– إضعاف المكانة الاجتماعية للمسلمين
أما المجتمعات الإسلامية فقد رفضت في البداية التعليم المرتبط بالكنائس ووقفت في وجه التنصير وبدلا من البحث عن بديل تعليمي إسلامي ينطلق من هوية المجتمع فقد أخرج الآباء أبناءهم من المدرس وتركوهم فريسة للجهل والفقر والبطالة ، ومن ثم كان من نتاج ذلك أن تكونت النخب السياسية الأولى والإدارية والاقتصادية في المجتمعات الإفريقية من غير المسلمين وتولوا زمام الأمور في البلاد ؛ وأصبحت المجتمعات الإسلامية فقيرة ضعيفة بعيدة عن الحكم والسلطة ، ما أدى إلى العديد من الأزمات والمشكلات المجتمعية فيما بعد.
في حين أن المسلمين قبل قدوم المنصرين والمستعمرين كانوا هم أصحاب المكانة الاجتماعية في المجتمعات الإفريقية نظرا لحرصهم على تعليم أبنائهم وتهذيب سلوكهم ولتفوقهم في التجارة وتمتعهم بثقافة عالية اكتسبوها من دراسة دينهم ، لكن هذه الأوضاع كلها تغيرت وتبدلت وما زالت المجتمعات الإسلامية حتى يومنا هذا تعاني من التهميش في معظم أرجاء القارة.
المبحث الثالث الآثار الثقافية
اللغة
اللغة هي وعاء الثقافة والحضارة وأحد عوامل الوحدة بين المسلمين لذلك كان اهتمام التنصير منذ نشأته محاولة طمس اللغة العربية واستبدالها باللغات الأوروبية. يقول “صموئيل” زعيم المنصرين في أوائل القرن العشرين: يوم لا يبقى اللسان العربي هو لغة التجارة في إفريقيا، لا يبقى خطر من الإسلام لأن مداريته حينئذ ستصير فارغة. لقد تغلغلت اللغة العربية في أفريقيا للدرجة التي صارت الأبجدية العربية تكتب بها معظم اللغات الإفريقية.
تغيير حروف اللغة السواحلية كنموذج لطمس الهوية : اللغة السواحلية كانت إلى وقت قريب تكتب باللغة العربية، حتي جاء الأوربيون وعلى رأسهم الإنجليز وأعلنوا حمايتهم على شرق أفريقيا ليحتلوها ويستعمروها فبدأت المكائد حيث كانوا مع اللغة السواحلية وأدبها موقفان متباينان في كل أنحاء شرق أفريقيا، وكان الموقف الأول أنهم أول ما قدموا ودخلوا بمؤسساتهم المختلفة أخذو يستخدمون السواحلية ويعتبرون أنفسهم محظوظين أنهم وجدوها منتشرة هذا الانتشار الواسع مما يسهل لهم مهامهم في المنطقة خاصة وأن بعضهم جاء وهو متعلم لها ومتحدث بها، ولكن سرعان ما تواري هذا الموقف في حدود عام 1900م أو بعده بقليل ليحل محل الموقف الثاني وهو موقف على النقيض من الأول تماما لدرجة أنهم أصدروا الأوامر بمقاومتها ومقاومة رسمها وحرفها العربي الذي تستخدمه واستبداله باللاتيني، قام ستير Steer ومن سبقوه من رفقائه وأخذوا على عاتقهم منذ اليوم الأول من وصولهم لشرق القارة في التخطيط لتحويل رسمها من الحروف العربية إلي الحرف اللاتيني، ولم يصرحوا بالسبب الحقيقي من ذلك ويذكروه علانية إلا في عام 1911م في دورية العالم الإسلامي The Muslim World عندما كتبوا تحت عنوان ( الأبجدية العربية أم اللاتينية) ما ترجمته بالحرف الواحد من أجل مواجهة تقدم الإسلام في شرق أفريقيا، ويقال لنا أن هذه تحقق لطمة قاسية للإسلام وذلك ليس في شرق أفريقيا وإنما في ألبانيا كدلك حيث أن مسالة الأبجدية العربية مثارة. ولعل الهدف الحقيقي وراء ذلك هو إبعاد المسلمين عن الرسم العربي الذي هو رسم القرآن الذي هو دستور المسلمين(14).
فمنذ البداية كان هناك مبشرون الذين أنكروا تفسير الكتاب المقدس باللغة السواحلية، والسبب الحقيقي في ذلك خوفهم بأن اللغة السواحلية تمتلئ بالكلمات من اللغة العربية و اللغة العربية لها تأثير إسلامي الذي يمكن لهذه الكلمات أن تحدث تأثيرا سلبية في الرسالة النصرانية. ولكن بعض المبشرين خاصة الذين كانوا في صف David Livingstone كانوا يعتقدون بأن الرجل الأفريقي لا يمكن تأثيره ( اعتقاديا ) إلا باستعمال لغاته الأولي يعني لغاته الأصل، وكان هناك كثير من الآخرين يؤمنون بأن الإسلام الموجود في اللغة السواحلية سيساعد في نشر النصرانية، والسبب في ذلك هذه الديانات جاءت من منبع واحد وهو إبراهيم عليه السلام وكل هذه الديانات تدعوا إلى الإله الواحد.
من جهة أخرى لوحظ بأن اللغات الأفريقية للذين يتبعون الديانات التقليدية ممتلئة بكلمات بعيدا عن العالم النصراني. كثيرا من هؤلاء المبشرين كانوا على خوف من استخدام لغات أناس محليين في تفسير الكتاب المقدس حيث كانوا يعتقدون أن استخدام هذه اللغات ستضل الرسالة الحقيقية لإله الحق، المثال على ذلك نجد الشخص المسمى A.R Barlo المبشر من كنيسة اسكتلاندية Scotland وضح بأنه لما كان يحاول تفسير الكتاب المقدس باللغة (الكيكويوا) إحدى لغات القبائل الكينيية، كان يجد صعوبات في تفسير بعض مصطلحات نصرانية بسبب عدم وجود معان موحدة بين المصطلح النصراني مع هذه اللغة. وضرب هذا المبشر المثال على كلمة SIN) ) باللغة الإنجليزية حيث ادعي أن من الخطأ تفسير هذه الكلمة باللغة ( الكيكويو) ” thahu” لأن كلمة thahu في اللغة الكيكويو تعني “الرجل الذي تجاوز الحد في أفعاله, ولكن هذا المعنى لا يعني أنه تجاوز الحد في حدود الله. ولكن في اللغة السواحيلية هذه الكلمة SIN لها نفس المفهوم الذي عليه الدين النصراني ويفسر هذه الكلمة بأسهل أسلوب وهي ( الذنب)(15).
لقد رأى كثير من هؤلاء المبشرين أن أسهل لغة لتفسير الكتاب المقدس هي اللغة السواحيلية، حيث كانوا يرون أن اللغة السواحيلية هي جسر الذي يربط العلاقة بين المبشر النصراني الإنجليزي و الأفريقي الذي لاينتمي إلى أي دين.
من جهة أخرى حتى المبشرين الذين يؤمنون بوجود العلاقة بين النصرانية والإسلام كانوا على حذر في تفسيرهم للكتاب المقدس أن لا تظهر أي أثر إسلامي داخل ترجمتهم، وهذا يعني أنهم كانوا يفسرون الكتاب المقدس بالتنقيح الشديد في بعض المصطلحات المتعلقة بالإسلام. نأخذ المثال على ذلك الإنجيل المقدس Biblia Maandiko Matakatifu المعروف ب (Union version ) (16) هذا الكتاب تستخدم عدة كلمات من اللغة السواحلية لها أصل إسلامي فيما يتعلق بأسماء الأنبياء وكذلك الأولياء من الكتاب المقدس القديم Agano la Kale المثال على ذلك سليمان، موسى، يوسف، داود وهارون توراة، إنجيل، زابور وهذه كلمات سواحلية لها أصل عربي إسلامي ، ولكن المبشرون عرفوا بأن هناك اختلاف في الاعتقاد بين النصرانية والإسلام في المسألة المتعلقة بعيسى ، فالذين فسروا مثل هذا الكتاب ابتعدوا من استخدام مصطلح عيسى Issa لأنه مصطلح إسلامي واستعملوا مكانها مصطلح Yessu Kristo) ( وبهذا المعنى استطاعوا وضع الفاصل بين المسيح الذي يعتقد منه المسلم والذي يعتقده النصراني، وبهذا الأسلوب الذي استخدموه استطاعوا أن يضعوا حدودا في تمزيق وحدة اللغة السواحلية وأصبح اللغة السواحلية تنشق نصفين النصف الأول تابع للديانة النصرانية ونصف الثاني للدين الإسلامي(17).
كان هناك بعض المبشرين المتشددين بالدين النصراني يرون بأن اللغة السواحلية ممتلئة بمصطلحات عربية إسلامية وأن هذا أكبر عائق لنشر الدين المسيحي عند الرجل الأفريقي الذي يعيش في شرق أفريقيا، وكان هناك آخرون يؤمنون بأن اللغة السواحلية يمكن تنقيحه من الكلمات العربية الإسلامية حتى نجد اللغة السواحلية التي ليس لها أثر إسلامي يُذكر. بنى هؤلاء المبشرون طريقتين في تنفيذ خططهم:
الطريقة الأولي : الحرب على معجم اللغة السوحلية ومفرداتها لالشيئ إلا لاحتواء معجمها على بعض مفردات مقترضة من اللغة العربية التي هي لغة الإسلام الأولى. وراحوا فعلا وتساعدهم الحكومة الألمانية يستخرجون كل الكلمات ذات الأصل العربي من السواحلية، ليس هذا فحسب وإنما حاولوا كذلك تغيير الترجمة السواحلية لإنجيلهم الذي كا قد تمت ترجمته ليستبدلوا الكلمات ذات الأصل العربي فيها بأخرى غير عربية(18) ومن هذا المنطلق أكد MENHOF أحد هؤلاء المبشرين بأن هذه الخطوات إذا تمت تنفيذها لن تكون عائقة للمبشرين تنفيذ أعمالهم التبشيرية وذلك بإدخال الناس في الدين النصرانى.
الطريقة الثانية: لتنقيح اللغة السواحيلية من الكلمات العربية الإسلامية هي التي اقترحها Karl Roehl المبشر الذي جاء من كنيسة ألمانية لصاحبها Lutheran. وقد وافق Roehl رأي من سبقوه وقال بالحقيقة الكلمات العربية الموجودة في اللغة السواحيلية لها فكرة إسلامية وهذه الأفكار تختلف عن الأفكار المسيحية، إذا في كلام ROEHL الهدف الحقيقي لهؤلاء المبشرين أن تكون الأمور كالآتي:
أن تكون اللغة السواحيلية خالية من الكلمات العربية .
أن تكون لهذه اللغة حظا في المجتمع.
أن تكون كلمات هذه اللغة بنتوية أي من أصل Bantu.
قال Roehl هذا هو هدفنا حتى نبعد اللغة العربية التي هي في أصلها لغة أجنبية في شرق أفريقيا وأن نجعل مكانها اللغة السواحلية البنتوية. في كلام Roehl هناك شيئ يختفي وراء الستار، ليس الأمر على أن اللغة العربية هي لغة أجنبية ولكن الهدف الحقيقي هو كيفية إبعاد الإسلام من هذه اللغة.
هذه الأفكار أصبحت تدق مسامع المبشرين مما أدى الأمر إلى عقد اجتماع في ألمانيا لمناقشة القضية، ولقد اجتمع أربع كنائس في السنة 1914م وقرروا في هذا الاجتماع بوجود التفسير الجديد للكتاب المقدس الذي يمكن استخدامه في جميع مدن شرق أفريقيا ، وكان الهدف الحقيقي لهذا التفسير الجديد للكتاب المقدس كما أشار Roehl هو الوصول إلى اللغة السواحلية الخالية من الكلمات العربية الإسلامية لتبقى هذه اللغة (بنتوية) بحتا حيث زعموا أن الكلمات العربية لايفهمها كثير من الناس الذين يعيشون في الساحل و الناس الذين يسكنون في المناطق البرية لشرق أفريقيا(19).
بهذه المؤامرة السيئة أدى الأمر في النهاية إلى ولادة اللغة السواحلية المنقحة أي التي ليس فيها كلمات من اللغة العربية، الطريقة التي استخدمت للوصول إلى مطالبهم لتنقيح اللغة السواحلية هي طريقة الترجمة، وفي هذا الإطار ترجم كثير من الكتب من اللغة الانجليزية إلى اللغة السواحلية مثل كتاب (Kisiwa chenye Hazina) القرية التي فيها خزائن،Treasure island للكاتب R.L STEVENSON وغيرها من الكتب، مثل هذه الكتب أدت إلى تقوية اللغة السواحلية من الكلمات البانتوية وتخفيف الكلمات العربية ، بدأ هؤلاء المبشرون نشر مثل هذه الكتب في المدارس الاستعمارية ونشيط هؤلاء الأعداء حركات الترجمة، الهدف وراء ذلك إبعاد أي كلمة عربية من هذه اللغة.
المبحث الرابع الآثار السياسية
– القضاء على الوحدة الإسلامية
سعى الاستعمار متخذا من التنصير وسيلة لضرب وحدة المسلمين أينما حل واتبع إستراتيجية شد الأطراف ثم البتر سواء في أفريقيا أو في عموم العالم الإسلامي فقد أدرك الغرب النصراني أن وحدة المسلمين وتماسكهم هي سرّ قوتهم وسيادتهم على الأمم الأخرى(20) ؛ ولذلك حاولوا عن طريق التنصير إثارة الفتن والاضطرابات. ويمكننا أن نراجع في ذلك انفصال جنوب السودان في دولة نصرانية عن السودان الدولة العربية المسلمة، وكان ذلك في إستراتيجية متحدة لعبت بها الحركات والإرساليات التنصريية دورًا كبيرًا.
يقول المنصر لورانس براون : ( إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً ، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة ، أما إذا بقوا متفرقين ، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير ) ويقول القس سيمون : ( إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية ، وتساعد على التملص من السيطرة الأوروبية … ، ويجب أن نحول بالتبشير مجاري التفكير في هذه الوحدة حتى تستطيع النصرانية أن تتغلغل في المسلمين).
– إثارة الصراعات والحروب بين طوائف المجتمع:
لم يقتصر الأمر على التفريق بين المسلمين أو تهديد الوحدة الإسلامية وحسب بل حرص المنصرون على شق معظم المجتمعات الإفريقية ونجحوا في ذلك وكان من آثار ذلك الحروب الأهلية في جميع أرجاء القارة والتي لم تهدأ منذ وطأت أقدام المنصرين أرض القارة وحتى وقتنا الحاضر.
كما أجج المنصرون الصراع الديني بين المسلمين والنصارى ، ففي معظم المجتمعات الإفريقية هناك صراع بين الجنوب المسيحي أو ما يشبهه وشمال مسلم مع تفاوت النسبة العددية بين هؤلاء وأولئك.دول مثل نيجيريا وإفريقيا الوسطى وساحل العاج وكينيا والسودان هي نماذج لهذا الصراع والحروب التي لم تتوقف.
– تمهيد الأرض للاستعمار:
كما كانت الإرساليات التنصيرية وأتباعها أداة في يد المستعمر يستعين بها في التجسس على المسلمين وإثارة حالات الاحتقان السياسي والديني بين أبناء المجتمع الواحد وفي هذا نجد كلام المنصّرين أنفسهم أكبر دليل على ذلك حيث يقول أحدهم: “لقد تمت محاولات نشطة لاستعمال المنصّرين ليس لمصلحة النصرانية بل لخدمة الاستعمار والعبودية” كما يؤكد هذا الهدف أيضاً القرار الصادر عن مؤتمر اليونان سنة1959م وجاء فيه “… إن السياسة هي المجال الذي يجب على الكنيسة في دول إفريقيا وآسيا وأمريكا أن تعمل به…”(21).
قال زويمر في مؤتمر تبشيري أقيم بالقدس عام 1928م والذي جمع فيه خلاصة أعمال المبشرين في العالم الإسلامي : ( … مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ، ليست إدخال المسلمين في المسيحية ، فإن هذا هداية لهم وتكريم ، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية) .
إن كثير من الدول الغربية التي تتبنى نشر النصرانية في إفريقيا علمانية في داخلها وفي نظامها ، ففرنسا العلمانية التي كان شعار ثورتها “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس” هي صاحبة نشاط تنصيري كبير في إفريقيا ومن أكبر الدول الداعمة للمنصرين وكذلك بريطانيا والولايات المتحدة وهذا يؤكد مدى علاقة الاستعمار بالنشاط التنصيري يقول (د. والتر رودني): (كانت البعثات التبشيرية جزءاً من قوى الاستعمار إلى حد كبير، مثلها في ذلك مثل المكتشفين والتجار والجنود).
ويقول سونو:” اتجه المستعمرون إلى استعباد جسد الإفريقي ،أما المنصرون فقد استهدفوا روحه! ماذا يعني ذلك!؟ إنه يعني، وبكل وضوح ،أن التنصير كان عبارة عن منوم يسهل إلقاء حبل الاستعمار على عنق الإفريقي”(22).
وفي المقابل فقد كانت مطالب المنصرين واضحة بأن يكون الاحتلال قوة من قوى التنصير، وفي ذلك يقول المنصر الفرنسي (لافيجيري): (إن فرنسا حارسة المسيحية في أفريقيا، وإن عليها ليس فقط استغلال الثروات، وإقامة السلطة على العبودية، والقضاء على المنهزمين، بل تعمل على إنشاء شعب حر ومسيحي من المغرب الأقصى وحتى مصر، وإحياء بقايا أمة مسيحية قد انقرضت).
– السيطرة على الطبقات الحاكمة في إفريقيا:
تمكن المنصرون من خلال مؤسساتهم خاصة التعليمية من إيجاد طبقة من النصارى أو المسلمين الذين تشربوا أفكار الغرب واغتربوا عن أصول مجتمعاتهم التقليدية كان ذلك المجتمع مسلم أم غير مسلم، كانت هذه الطبقة على قلتها فاعلة داخل مجتمعاتها ومؤثرة لامتلاكها الوسائل العصرية لذلك فمن الطبيعي عندما تم الاستقلال أسندت إدارة وحكم هذه الدول لهذه الطبقة .
كانت هذه الطبقة في مجملها أكثر حرصا على مصالح الاستعمار من نظم ومخططات الاستعمار نفسه ، وكان أخطر ما قامت به هذه الطبقة هي قتل روح الوطنية والتحرر التي عمت القارة منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي ولم تستغل هذه الروح في بناء مجتمعاتها والنهوض بها ، بل ونكلت بالمعارضين لحالة التبعية التي استمرت تحكم سياسة وثقافة المجتمع.
وفي الدول الإسلامية كانت هذه الطبقة حتى من ينتسبون للإسلام منهم ذات توجهات علمانية تعادي الدين وتنكل بالمسلمين ، ورغم أن عددا كبيرا من الأقطار الإفريقية ذات أغلبية مسلمة فقد حكمت برؤساء نصارى أو علمانيين ينتسبون للإسلام ، كان نتيجة ذلك أن الصراع قد احتدم داخل معظم هذه المجتمعات بين الحكام والجماهير المتطلعة للتعبير عن هويتها الإسلامية .
وبدلا من أن تنشغل المجتمعات بالبناء والنهضة بعد رحيل المستعمر انشغلت بالصراع الداخلي الذي وصل إلى حد الاقتتال كما هو واقع بلدان مثل الصومال وإثيوبيا ومالي وكينيا ونيجيريا .
الإحالات والهوامش:
(*) كاتب وباحث مصري ، هذا المقال جزء من كتاب (التنصير في إفريقيا – أساليبه ووسائله وآثاره) ، الإصدارالثالث ضمن إصدارات قراءات إفريقية.
(1) انظر: أحمد أبو زيد: التنصير بالتبنّي أحدث صور استثمار الفقر، بتاريخ 20/10/2010م، على الموقع: http://almoslim.net./node⁄8546/
(2) انظر: أحمد أبو زيد، غزو تنصيري لإفريقيا.. تحت مظلة الإغاثة ومحاربة الفقر والجهل والمرض، بتاريخ 12/10/2010م، على الموقع: http://www.alukah.net/culture/01775
(3) انظر: المرجع نفسه.
(4)أيمن شبانة: التنصير في إفريقيا.. جهد كاسح ونتائج كسيحة، موقع أون إسلام 26/7/2008م، في:
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/africa-latin-america/108090-2008-07-26%2010-25-17.html
(5) Global Christianity Report (U S A:Pew Research Center’s Forum on Religion & Public Life, December 2011),PP.53-55 “64“
(6) مؤتمر كولورادو عقد في 15 أكتوبر 1978م تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركاً يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل. وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع المسلم وتجسيد المسيح(*) وتحبيبه إلى قلب المسلم ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين وتحليل مقاومة واستجابة المسلم واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي.
وقد انتهى المؤتمر بوضع إستراتيجية بقيت سرية في ذلك الوقت لخطورتها مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها 1000 مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى ، انظر الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصر ،الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
(7) د.عبد الرزاق عبد المجيد ألارو ، التنصير في إفريقيا، الكتاب الشهري لرابطة العالم الإسلامي ، سلسلة دعوة حق، ص 94.
(8) أ. لو شاتليه أستاذ المسائل الاجتماعية الإسلامية في فرنسا وأحد المنصرين المستشرقين الفرنسيين في هذا القرن الميلادي. رأس تحرير مجلة العالم الإسلامي الفرنسية. انظر ترجمته في: الغارة على العالم الإسلامي. – مرجع سابق. – ص 5.
(9) أ. ل. شاتليه. الغارة على العالم الإسلامي. مرجع سابق. ص 8.
(10) المصدر السابق.
(11) المصدر السابق.
(12) د.عبد الرزاق عبد المجيد ألارو ، التنصير في إفريقيا، الكتاب الشهري لرابطة العالم الإسلامي ، سلسلة دعوة حق، ص 94.
(13) د.إجلال رأفت، السياسة الفرنسية في أفريقيا جنوب الصحراء، مجلة قراءات إفريقية، 27مارس 2014.
(14) إبراهيم معلم، تاريخ شرق أفريقيا، كينيا: بدون دار الطبع، تاريخ التأليف 1995م . ص 33.
(15) Alamin Mazrui, “Language and Literature Translations “Paper presented at annual
(CHAKITA) conference , Pwani University 13/3/2010.
(16) Biblia maandiko matakatifu. Bible Society of Tanzania & Bible Society of Kenya
1997.
(17) Alamin Ibid. p. 5.
(18) Shihabuddin Chiranguddin and Mathias Mnyapala, Historia ya Kiswahili, Oxford
University Press Eastern Africa 1978 .p 6.
(19) Alamin, Ibid. P.8.
(20) محمد بن ناصر الشثري، التنصير في البلاد الإسلامية، أهدافه، ميادينه، آثاره، دار الحبيب، الرياض، ط: 1، 1998 م،، ص: 17.
(21) محمود عبد الرحمن، التنصير والاستغلال السياسي، دار النفائس، بيروت، لبنان، ط: 1، ص: 90.
(22) محمود عبد الرحمن ، التنصير والاستغلال السياسي ، دار النفائس ، ط:1 ، ص: 29، مرجع ساب