محاولات حثيثة يقوم بها المجلس العسكري الحاكم في غينيا كوناكري من أجل تشويه وتلطيخ سُمعة زعيم المعارضة الغينية التاريخي “سيلو دالين ديالو”، والذي ترشَّح من ذي قبل لانتخابات الرئاسة في أعوام 2010، 2015، 2020م، أمام الرئيس المخلوع “ألفا كوندي”، ورغم خسارته في هذه الانتخابات، فلا يزال يتطلع إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سوف تنظمها السلطات العسكرية الحاكمة بزعامة الجنرال “مامادي دومبويا”، وهو ما يجعله محلًّا للهجوم والتشويه مِن قِبَل النظام العسكري الانتقالي الذي يتطلع زعيمه “دومبويا” هو الآخر للبقاء في السلطة عن طريق ترشحه لانتخاباتٍ يضمن الفوز فيها دون مُنافِس.
ونظرًا لقوة وشعبية زعيم المعارضة “سيلو دالين”؛ فقد تم توجيه مجموعة من التُّهَم إلى شخصه؛ من أجل تصفيته سياسيًّا، واغتياله شعبيًّا ومعنويًّا. ومن خلال هذه المقالة يمكن تسليط الضوء على تلك التُّهَم، ومستقبل زعيم المعارضة “سيلو دالين” داخل المشهد السياسي الغيني، والسيناريوهات المستقبلية لانتخابات الرئاسة في غينيا كوناكري، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولًا: التُّهَم الموجهة إلى زعيم المعارضة الغينية سيلو دالين:
أعلن المدعي العام الخاص لدى محكمة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية (CRIEF) في يوم 21 مارس 2025م عن توجيه مجموعة من الاتهامات إلى زعيم المعارضة “سيلو دالين”، والتي تشمل اتهامه بالفساد، واختلاس الأموال العامة، وغسيل الأموال، والإثراء بلا سبب، وذلك في القضية المعروفة باسم قضية الخطوط الجوية الغينية Air Guinée))؛ حيث يُتَّهم “سيلو دالين” بأن له دورًا مشبوهًا في بيع طائرات تابعة لشركة الطيران الوطنية السابقة قبل عشرين عامًا، عندما كان يتولى منصب وزير الأشغال العامة والنقل خلال الفترة من 1999م حتى 2004م، قبل تولّيه منصب رئيس الوزراء لاحقًا، وذلك في عهد الرئيس الأسبق الجنرال “لانسانا كونتي”.
وتزعم هذه الاتهامات أيضًا أن “سيلو دالين” اختلس ما يقرب من 5 ملايين دولار؛ نتيجة لقيامه ببيع طائرة من طراز بوينج 737-200، وطائرة داش7، بجانب الأموال التي حصل عليها مقابل تأجير مرافق شركة الطيران السابقة، مع اتهامه بمنح امتيازات غير مستحقة لمسؤولين مشاركين في خصخصة الشركات العامة بهدف التأثير على قراراتهم.([1])
كما صرح “علي توري” المدعي العام للمحكمة أن هناك عدة شخصيات أخرى متورطة في هذه القضية، ويخضعون للتحقيق، كما تم الاستماع إلى عدد من الشهود الذين لهم علاقة بهذه القضية.
وأضاف المدعي العام: أنه تم إرسال العديد من الاستدعاءات إلى “سيلو دالين” للمثول أمام المحكمة، لكنه لم يستجب لأيٍّ منها، ولم يستبعد المدعي العام أن يتم إصدار مذكرة توقيف بحقّ أيّ شخص لا يستجيب لاستدعاءات المحكمة، وقد ظلت الاتهامات المتعلقة بقضية شركة الطيران الوطنية تلاحق “سيلو دالين” لمدة عقدين من الزمن؛ حيث يستغلها منافسوه للتشويش على سُمعته من حينٍ لآخر؛ خاصةً في الأوقات التي تقترب فيها الانتخابات الرئاسية.
وتتلخص هذه الاتهامات في قيام “سيلو دالين” ببيع طائرات أسطول شركة طيران غينيا، والحصول على صفقات من ورائها استفاد منها ماديًّا. وقد أُسست شركة طيران غينيا بعد فترة وجيزة من الاستقلال، وكانت مصدر فخر لغينيا في عهد “سيكوتوري”، لكن تم تصفية هذه الشركة في العقد الأول من القرن 21 وبيعها للقطاع الخاص في عام 2002م، في إطار عمليات الخصخصة التي أوصى بها رئيس الدولة حينها الجنرال “لانسانا كونتي”، ويُتَّهَم زعيم المعارضة “سيلو دالين” بأنه كان السبب في بيع شركة طيران غينيا والمسؤول عن هذه الصفقة، مع قيامه ببيع جزء من أصول الشركة لصالحه الخاص، وحقق مكاسب لنفسه.([2])
ورغم أن هذه القضية قديمة إلا أن محكمة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية (CRIEF) التي تم إنشاؤها مِن قِبَل المجلس العسكري الحاكم في غينيا بعد انقلابه على “ألفا كوندي” في سبتمبر 2021م، قد أعادت فتح التحقيق في العديد من القضايا القديمة في غينيا، ومن بينها قضية بيع شركة طيران غينيا؛ حيث ترفع السلطات العسكرية الانتقالية شعار مكافحة الفساد، وتشنّ حملة تستهدف المسؤولين السابقين في كافة الأنظمة السياسية المختلفة التي تعاقبت على حكم غينيا، وتشير اتهامات المحكمة إلى أن “سيلو دالين” قد قام خلال تصفية أصول الشركة ببيع شركة الطيران بسعر منخفض، واستطاع زياده مكاسبه الخاصة من وراء صفقة البيع، فضلاً عن وجود عمليات اختلاس قد تمَّت في أثناء عملية تصفية أصول الشركة.([3])
ثانيًا: ردود الفعل على الاتهامات المُوجَّهة إلى زعيم المعارضة:
لقد تباينت ردود الفعل المتعلقة بمسألة اتهام زعيم المعارضة الغينية بالفساد والاختلاس، وتتمثل فيما يلي:
1-رد فعل “سيلو دالين” المتهم:
لقد أنكر زعيم المعارضة “سيلو دالين” صحة الاتهامات المنسوبة إليه، مؤكدًا أنه بريء من تلك الاتهامات، مشيرًا إلى أن المجلس العسكري الحاكم بقيادة الجنرال مامادي دومبويا يسعى من خلال هذه الاتهامات إلى تشويه سُمعته وشرفه، كما نظَّم زعيم المعارضة مؤتمرًا صحفيًّا أوضح خلاله أنه ليس المسؤول الأول عن بيع شركة طيران غينيا، مضيفًا أنه رغم معرفته بالسعر الذي بِيعَت به الشركة حينما كان في المنصب؛ إلا أن عملية البيع تمت تحت رعاية وزارة المالية، كما تحدَّث كذلك زعيم المعارضة عن المضايقات القضائية التي يتعرض لها، ومحاولة إبعاده عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويُذْكَر أن “سيلو دالين” زعيم المعارضة الغينية يعيش الآن في المنفى بالعاصمة السنغالية “داكار”، وذلك منذ مارس 2022م، بعد شعوره بالخطر على نفسه من البقاء في غينيا، خاصةً بعد قيام السلطات بهدم منزله في كوناكري بموجب أوامر وتعليمات من النظام العسكري الحاكم، فضلاً عن ارتفاع معدلات التنكيل بأنصاره من معارضي النظام الحاكم، وإخفاء العشرات منهم قسريًّا، ووضعهم في السجون.([4])
2- ردّ فِعْل الحزب الذي يتزعمه:
من جانب حزب اتحاد القوى الديمقراطية في غينيا (UFDG) الذي يتزعمه “سيلو دالين”، والذي يُعدّ حزب المعارضة الرئيسي في غينيا قبل وبعد الانقلاب العسكري؛ فقد أصدر بيانًا وصف فيها الاتهامات الموجهة إلى زعيم الحزب بأنها بمثابة قضية سياسية بحتة، تهدف إلى القضاء على معارضي الجنرال “مامادي دومبويا”، الذي يريد هو ورفاقه في المجلس العسكري البقاء في السلطة مستقبلًا.
كما أكد “أمادو ديالو” أحد محامي حزب اتحاد القوى الديمقراطية في غينيا أنه لم يتلقَّ إخطارًا رسميًّا بالاتهامات المُوجَّهة إلى زعيم الحزب “سيلو دالين” حتى الآن، وكذلك أكد الحزب أن زعيمه لم يتم الاستماع إليه مِن قِبَل النظام القضائي في غينيا، مع إدانة الحزب للمناورات السياسية التي يقوم بها المجلس العسكري الحاكم، ليفتح المجال أمام الجنرال دومبويا للترشح للرئاسة دون وجود منافس قويّ قد يؤثر عليه، مطالبين المجلس العسكري بسرعة تسليم السلطة إلى المدنيين كما وعد عند الانقلاب على الرئيس ألفا كوندي.([5])
3-رِدّ فِعْل المحكمة:
لقد صرَّح المدعي العام للمحكمة أن القضية لا تزال قيد التحقيق، معلنًا عن قيامه باتخاذ مجموعة من الخطوات والإجراءات للمُضي قدمًا في القضية، رغم عدم تحديد موعد للجلسة حتى الآن، مع استمرار التحقيقات، وإعداد خطاب يطلب التحقيق مع “سيلو دالين”، ونظرًا لكونه موجودًا في المنفى بالسنغال؛ فقد طلب قضاة المحكمة المساعدة من القضاء السنغالي؛ حيث قدموا طلب استدعاء ضد “سيلو دالين”؛ لتوجيه الاتهامات بالفساد إليه، مضيفًا أن نتائج الرسائل المرسلة للقضاء السنغالي لا تزال تحت الانتظار، وأشار كذلك المدعي العام إلى أنه تم إرسال عدة استدعاءات إلى “سيلو دالين”، لكنه لم يحضر أمام غرفة التحقيق دون إبداء أسباب.
وأكد “علي توري” المدعي العام للمحكمة على أن هناك عدة بدائل لتحريك القضية إلى الأمام، ومن بينها إصدار أوامر اعتقال أو أوامر توقيف بحق المتهمين في حالة عدم استجابتهم للحضور طواعيةً للخضوع إلى التحقيق، منتقدًا ما أسماهم “محاولي الهروب من العدالة”، ووعد بأنه سيتخذ تدابير لمنعهم من ذلك.([6])
ثالثًا: مستقبل زعيم المعارضة “سيلو دالين” داخل المشهد السياسي الغيني:
رغم الشعبية الكبيرة التي يحظى بها زعيم المعارضة التاريخي “سيلو دالين ديالو” في غينيا، وخاصة لدى مجموعة الفولاني الإثنية التي ينتمي إليها، والتي تتطلع إلى إيصال أحد أبنائها إلى كرسي الرئاسة في غينيا بعدما حُرِمَت من هذا المنصب خلال الأنظمة السياسية السابقة لصالح مجموعة المالينكي الإثنية التي هيمنت على مقاليد السلطة في غينيا حتى الآن؛ إلا أن مسألة تصدُّره للمشهد السياسي في غينيا كزعيم للمعارضة، وترشحه للرئاسة خلال الفترة المقبلة، أصبح محفوفًا بالمخاطر؛ حيث إن النظام العسكري الحاكم بقيادة الجنرال “مامادي دومبويا”، لن يسمح بعودة “سيلو دالين” من السنغال إلى غينيا؛ إلا في حالة إبرام صفقة سياسية معه يتنازل خلالها عن مسألة ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة مقابل منحه منصبًا وزاريًّا ما أو حتى رئاسة الحكومة.
وفي المقابل إذا رفض “سيلو دالين” تلك الصفقة المتخيَّلة، ونفّذ وعوده التي أعلن عنها منذ عدة أشهر والمتمثلة في إعلان عودته إلى غينيا رغم تهديده بالسجن؛ حيث صرح قائلاً: “إن المنفى أو السجن من بين المخاطر التي قد تواجهها عندما تقرر الانخراط في السياسة في إفريقيا”، وفي تصور ثالث يمكن أن يظل “سيلو دالين” في السنغال ويستمر في نضاله سياسي من الخارج، مع استبعاد تسليمه من قبل الحكومة السنغالية التي يتزعمها كل من باسيرو دوماي فاي، وعثمان سونكو؛ حيث إنهما خاضا تجربة الظلم والتنكيل السياسي، وتعرَّضا لعمليات تشويه السمعة، وتصفية الرموز السياسية، وليس من المتصور أن يقوما بالمساهمة في تسليم زعيم المعارضة الغينية “سيلو دالين” إلى جلاديه في كوناكري.([7])
وفي ذات السياق، فبجانب قيام النظام العسكري الحاكم في غينيا بالاستعانة بفكرة الاستخدام السياسي للقضاء والمحاكم لإقصاء المعارضين للنظام؛ سواء بإصدار أحكام قضائية قد تَحُول بينهم وبين ترشحهم للرئاسة أو تقضي بإيداعهم في السجن لإسكاتهم نهائيًّا، وهو ما يتضح من استخدام قضية الخطوط الجوية الغينية كورقة ضغط على “سيلو دالين” من حين لآخر؛ لتشويهه وإخراجه من المشهد السياسي؛ فهناك علامات أخرى تشير إلى استخدام النظام لفكرة تقسيم حزب اتحاد القوى الديمقراطية الغينية (UFDG) الذي تزعَّم المعارضة لسنوات، وتعرَّض أنصاره للقمع مِن قِبَل النُّظُم العسكرية المختلفة التي تولَّت حكم غينيا سابقًا.
ويتضح ذلك من الأزمة الداخلية التي يشهدها الحزب حاليًّا؛ حيث يتصاعد الانقسام داخل الحزب بعدما قام عدد من الأمناء الفيدراليون للحزب بإصدار مذكرة تطالب باستبدال “سيلو دالين” من رئاسة الحزب ومنحه منصب الرئيس الفخري للحزب بدلًا من ذلك مع استمرار توجيهه للحزب دون الدخول في التوترات، وذلك حفاظًا على وحدة واستقرار الحزب على حد وصفهم، مع اقتراحهم إعادة أعضاء الحزب المستبعَدين والعودة للتماسك الداخلي للحزب، وتنظيم مؤتمر مُوحَّد للحزب يجمع كل الهياكل الفيدرالية للحزب لاستعادة شرعية مؤسسات الحزب في إطار قانوني أمام وزارة الإدارة الإقليمية واللامركزية التي يتم استخدامها مِن قِبَل النظام الحاكم للتضييق على الأحزاب السياسية في غينيا، وخاصة أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب “سيلو دالين”.([8])
ونظرا لأن هذه الأزمة الداخلية للحزب لم تنتهِ حتى الآن، في ظل انحياز عدة فصائل وقيادات حزبية للإبقاء على زعامة “سيلو دالين” رئيسًا للحزب، واتهامهم لرفقائهم في الحزب الذين دعوا لاستبدال “سيلو دالين” بالخيانة، وبيع ضمائرهم مقابل عدة ملايين بتواطؤ بعض المسؤولين الفاسدين في الحزب، في إشارة إلى تمويلهم مِن قِبَل النظام العسكري الحاكم لإضعاف الحزب.([9])
ولهذا، فمن المتوقع تصاعد الخلاف داخل الحزب خلال الفترة المقبلة، وعدم قدرة “سيلو دالين” على مقاومة مكائد النظام الحاكم، ولعل ما يحدث لـ”سيلو دالين” الآن هو ما حدث لأغلب قادة المعارضة في دول غرب إفريقيا التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات القليلة الماضية، والمتمثلة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فإذا نظرنا إلى حال زعماء المعارضة في مالي، وعلى رأسهم قادة حركة 5 يونيو التي ساهمت في إسقاط نظام الرئيس إبراهيم بو بكر كيتا، مع دعمهم للنظام العسكري الذي نفَّذ الانقلاب عليه ومنحه شرعية شعبية، إلا أنه سرعان ما تم التنكيل بهم بعدما طالبوا رأس النظام “عاصمي جويتا” بتسليم السلطة للمدنيين، وعلى سبيل المثال نجد مثلًا أن الإمام محمود ديكو زعيم الحراك الثوري في مالي تم التنكيل به وبأنصاره، مما جعله يفر إلى المنفى في الجزائر، ولا يزال موجودًا بها حتى الآن، وعندما قرر العودة في فبراير الماضي إلى وطنه تم حشد قوات عسكرية غير مسبوقة في مالي لترهيبه عن الرجوع للبلاد، بجانب اعتقال العديد من أنصار الإمام واتهامهم بالإرهاب والخيانة، خاصة في ظل تقارب الإمام ديكو مع النظام الحاكم في الجزائر، التي لا يتوافق معها المجلس العسكري الحاكم في مالي، وينظر إليها بعين الريبة لعدم توافقها مع أجنداته الإقليمية.([10])
وفي ذات السياق يقوم النظام العسكري الحاكم في بوركينا فاسو بقيادة إبراهيم تراوري، بقمع معارضي النظام والقبض عليهم وتجنيدهم قسريًّا وإرسالهم إلى صفوف القتال ضد الجماعات الجهادية عقوبةً لمعارضتهم للنظام العسكري، وذلك بغض النظر عن سنّهم أو وضعهم الصحي، أو مدى تدريبهم واستعدادهم القتالي، وهو ما جعل العديد من منظمات حقوق الإنسان تدين عمليات التجنيد القسري للمعارضة في بوركينا فاسو، وذلك لمدى خطورتها على هؤلاء المدنيين غير المدربين على القتال، مما يُعرّضهم للخطر المزدوج مِن قِبَل الجماعات المسلحة التي قد تقتلهم بوصفهم فريسة سهلة ترتدي زيًّا عسكريًّا، معتبرة أنهم موالون للجيش، بجانب إمكانية استخدامهم دروعًا بشرية مِن قِبَل الجنود لحماية أنفسهم والتضحية بهم في ساحات القتال، وهو ما يُعدّ إعدامًا للمعارضين بطريقة غير مباشرة.([11])
ولا يختلف الوضع في النيجر التي يديرها المجلس العسكري بعد انقلابه على الرئيس الشرعي ذي الأصول العربية محمد بازوم، الذي لا يزال مختطفًا حتى الآن، ويتم التنكيل به وبأُسرته، وبكلّ مَن يطالب بتحريره، كما طال قمع المعارضة أيضًا الصحافة والإعلام المستقل الذي يطالب المجلس العسكري الحاكم في النيجر بتسليم السلطة إلى المدنيين وإنهاء الفترة الانتقالية.([12])
وانطلاقًا من هذه التجارب السابقة التي يتشابه الوضع فيها مع الوضع في غينيا، فليس من المستبعَد أن يكون مصير زعيم المعارضة “سيلو دالين” مشابهًا لمصير زعماء المعارضة في مالي وبوركينا والنيجر، ولهذا فقد يظل في منفاه بالسنغال، مع استبعاد سماح المجلس العسكري الحاكم في غينيا له بخوض انتخابات الرئاسة إلا في حالة حدوث تفاعلات سياسية جديدة مستقبلًا، أبرزها حدوث انقلاب تصحيحي جديد يُسفر عن عزل الجنرال دومبويا ورفاقه من السلطة، ويعيد ترتيب أوراق المشهد السياسي في غينيا من جديد.
رابعًا: السيناريوهات المستقبلية للانتخابات الرئاسية في غينيا:
1-عدم تحديد جدول زمني واضح لموعد إجراء الانتخابات:
فمنذ قيام الجنرال مامادي دومبويا بانقلابه العسكري على الرئيس السابق ألفا كوندي في 5 سبتمبر 2021م، ثم أدائه اليمين الدستورية كرئيس مؤقت لغينيا في أكتوبر من نفس العام، ولا يزال متشبثًا بالسلطة حتى الآن، بل ويماطل في إنهاء المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد رغم الضغوط الداخلية والإقليمية التي تعرَّض لها مِن قِبَل الاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، ورغم إعلان رئيس الحكومة الانتقالية الحالي أمادو باه أوري في فبراير الماضي أن عام 2025م سيكون عام العودة إلى النظام الدستوري؛ حيث وعد بإجراء استفتاء دستوري، يعقبه إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنتهي معها المرحلة الانتقالية، إلا أنه أعلن أيضًا أن توقيت إجراء الاستفتاء وإنهاء مسودة الدستور، ومراجعة السجل الانتخابي لا يزال قيد الدراسة، مضيفًا أنه طلب من وزارة الإدارة الإقليمية تشكيل لجنة توجيهية لإشراك جميع الأطراف المعنية، والتشاور من أجل تنظيم الاستفتاء والعمليات الانتخابية الأخرى.([13])
ويأتي تصريح رئيس الحكومة متوافقًا مع تصريحات الجنرال دومبويا التي أعلنها خلال خطابه في بداية العام الجديد 2025م؛ حيث صرح أن هذا العام سيكون عامًا انتخابيًّا حاسمًا يستكمل العودة للنظام الدستوري، كما أوضح بعد ذلك أنه سيتم تنظيم حملة واسعة النطاق لنشر المسودة الأولية للدستور في جميع أنحاء البلاد، مع استعداده لجمع رأي لجنة من الخبراء الغينيين حول المسودة الأولية للدستور من أجل التوصل إلى دستور توافقي. مضيفًا أنه خلال الربع الأول من عام 2025م سيوقّع مرسومًا يُحدّد موعد الاستفتاء على الدستور بعد صياغة قانون الانتخابات، ورغم إعلان الجنرال دومبويا مؤخرًا أن موعد الاستفتاء على الدستور الجديد سيتم في تاريخ 21 سبتمبر 2025م، إلا أن هذه الوعود المتكررة لا تزال موضع شك كبير من الناحية العملية.([14])
وترجع هذه الشكوك إلى وجود تصريحات للمتحدث الرسمي باسم الحكومة عن صعوبة إنهاء المرحلة الانتقالية في هذا العام، واستحالة إجراء جميع العمليات الانتخابية في عام 2025م، وذلك بعد تصريحاته الأولى التي قال فيها: إنه من المرجح إجراء استفتاء على الدستور الجديد في مايو 2025م، يعقبه إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولكنه برَّر تراجعه بعدم وجود مؤسسات لإدارة العمليات الانتخابية وعلى رأسها اللجنة الوطنية للانتخابات، التي يجب إنشاؤها وفقًا لنصوص الدستور، والذي يحتاج وجود إطار قانوني لتنظيم الاستفتاء عليه، كما برر متحدث الحكومة احتمالات تأخُّر مواعيد إجراء الانتخابات بسبب اقتراب موسم الأمطار في غينيا الذي يكون بين شهري يوليو وسبتمبر، وهو ما يحول دون تنظيم الانتخابات بشكل سليم.([15])
ونظرا لأن هذه التصريحات المزدوجة مِن قِبَل النظام الحاكم في غينيا تفتح الباب لتمديد الفترة الانتقالية مجددًا بعد الفشل في وفاء المجلس العسكري الحاكم بوعوده السابقة المتمثلة في إجراء استفتاء دستوري وتنظيم انتخابية رئاسية قبل نهاية عام 2024م، وهو ما لم يحدث، وبالتالي فإن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام أصبح موضع شك؛ خاصةً بعد انقضاء الربع الأول من عام 2025م، ولهذا فقد انتقدت أحزاب وتيارات المعارضة تصريحات المتحدث باسم الحكومة، معلنة أنه في حالة وجود إرادة سياسية حقيقية يمكن إجراء جميع العمليات الانتخابية الرئاسية والتشريعية والبلدية في غضون ثلاثة شهور فقط، بل وفي نفس الوقت في حالة تنظيم انتخابات عامة في يوم واحد توفيرًا للنفقات، وتسليمًا للسلطة، كما يرى بعض أنصار المعارضة أن خطاب الحكومة المزدوج يعكس سوء نية السلطات الحاكمة، ويظهر عدم وجود رغبة لديها لتنظيم الانتخابات من أجل البقاء في السلطة.
ومن أجل وضع حدّ لعملية تسويف موعد إجراء الانتخابات فقد اقترحت بعض أطياف المعارضة إنشاء إطار حواري لمراجعة دستور 2010م، وعرضه على الاستفتاء، مع استخدام السجل الانتخابي لعام 2018م الذي قامت بتدقيقه مجموعة إيكواس ومنظمة الفرنكوفونية، ووافقت عليه المعارضة حينها، مع اقتراح إنشاء هيئة مسؤولة عن تنظيم الانتخابات، وقبل كل ذلك ترى المعارضة ضرورة توافر نية سياسية، مصحوبة بإصدار قرار سياسي مِن قِبَل المجلس العسكري الحاكم للبدء في هذه الإجراءات.([16])
2-مسألة ترشح زعيم الانقلاب العسكري في الانتخابات الرئاسية المستقبلية:
إن مسألة ترشح الجنرال دومبويا قائد الانقلاب العسكري، ورئيس المجلس العسكري الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة من عدمه، من المسائل التي تثير العديد من الجدل داخل المشهد السياسي الغيني، خاصةً أن الميثاق الانتقالي الذي وضعه الجنرال دومبويا بنفسه ينص على أنه لا يجوز للرئيس الانتقالي أو أعضاء حكومته الترشح للانتخابات المقبلة، بجانب رفض أحزاب وتيارات المعارضة فكرة استمرار الجنرال دومبويا ورفاقه في السلطة مستقبلًا، مع توجيه الدعوات المستمرة إليهم بتسليم السلطة إلى المدنيين.
ورغم هذه القيود والتحديات إلا أنه قد انطلقت مجموعة من الدعوات المطالبة للجنرال دومبويا بالترشح للرئاسة، مدعومة من أنصاره وأعضاء الحكومة الانتقالية، وعلى رأسهم المتحدث باسم الحكومة عثمان ديالو الذي أعرب في وقت سابق عن دعمه لترشح زعيم المجلس العسكري المحتمل للرئاسة، كما تم تنظيم مظاهرة حاشدة في مدينة كانكان مسقط رأس الجنرال دومبويا في فبراير الماضي ضمت آلاف الأشخاص الداعمين للجنرال والذين ارتدوا ملابس عليها صورة الجنرال، داعين إياه للترشح للرئاسة، وقد كان من بينهم عدد من الوزراء المؤثرين في الحكومة الانتقالية، وعلى رأسهم فانا سوما، وموسى مويس سيلا، وموري كوندي، وموريساندا كوياتي، كما أن المتحدث باسم الرئاسة الجنرال عمارة كامارا أعلن في تصريح له أن مسألة ترشح الجنرال دومبويا تعد الخيار الوحيد لتوحيد البلاد ومواصلة تنميتها.([17])
ورغم عدم إظهار نوايا الجنرال دومبويا علانية بشأن مسألة الترشح، فمن المتوقع أن يسعى إلى الترشح للانتخابات الرئاسية بنسبة كبيرة على غرار ما فعله زعيم الانقلاب العسكري في الجابون الجنرال بريس أوليغي نغيما، مع استطاعة المجلس العسكري الحاكم من خلال أدواته الإعلامية وقدرته على حشد الجماهير تصوير عملية الترشح على أنها تأتي استجابةً لضغوط شعبية تطالب الجنرال دومبويا بالترشح في الانتخابات، وبالنسبة للقيود التي يفرضها الميثاق الانتقالي فهي لا تمثل أيّ عائق أمام مسألة الترشح؛ حيث يمكن تعديل الميثاق بسهولة مما يسمح للجنرال بالترشح، أو النص في الدستور الجديد على السماح للجنرال بالترشح أو حتى التحايل على أحكام الميثاق والاستقالة من رئاسة المرحلة الانتقالية، وتنصيب عسكري آخر، والترشح كمستقل بدعمٍ من المجلس العسكري.
وختامًا، فمن المستبعد تخلّي الجنرال دومبويا عن البقاء في السلطة مستقبلاً بعد أن ذاق طعمها وارتوى من مائها، ومن المتوقع أن يتم السماح بترشح بعض رؤساء الأحزاب أو المستقلين الضعفاء وغير القادرين على منافسة الجنرال دومبويا، وذلك من أجل إعطاء نكهة للمشهد السياسي والانتخابي البائس، مع منعه للمرشحين الأقوياء وعلى رأسهم بالطبع زعيم المعارضة “سيلو دالين ديالو” من الترشح.
وهذا السيناريو هو الذي يتفق مع العديد من التجارب التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الشكلية التي أُجريت في أكثر من دولة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، التي يتبنَّى قادتها فكرة الهندسة الانتخابية في تنظيم الانتخابات، والتي تقوم على فكرة مفادها أنه لا يمكن أن تنظم السلطات الحاكمة انتخابات تسمح لغيرها بالفوز فيها وتفقد بموجبها السلطة بصورة طوعية.
فمن المعروف واقعًا أن الدكتاتور الإفريقي الذي صعد للسلطة بالقوة المسلحة أو الانقلاب العسكري لن يترك السلطة عن طريق صناديق الانتخابات طواعية، فهي فكرة نادرة الحدوث في الواقع السياسي الإفريقي، ومِن ثَم فهناك حاجة إلى أن تُطهّر النخبة السياسية في غينيا كوناكري، سواء أكانت في صفوف الحكومة أو في صفوف المعارضة، وتعمل على تقديم مصالح الشعب الغيني، الذي يعاني منذ سنوات طوال، وقد كان يتطلع إلى الحرية والانعتاق بعد سقوط نظام ألفا كوندي، لكنّ الواقع والمستقبل يشير إلى أن تحقيق حلمه يحتاج إلى سنوات وسنوات، ما دامت النُّخَب المنتفعة هي التي تتصدّر المشهد السياسي هناك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
([1])-” Qu’est-il reproché à l’homme politique guinéen Cellou Dalein Diallo ?” , at , https://www.bbc.com/afrique/articles/c5y9n8zv71ko , 24/3/2025.
([2])-Serge Ouitona ; ” Guinée : Cellou Dalein Diallo inculpé par la CRIEF dans l’affaire Air Guinée ” , at , https://www.afrik.com/guinee-cellou-dalein-diallo-inculpe-par-la-crief-dans-l-affaire-air-guinee , 21/3/2025 .
([3])-“Guinée: l’opposant Cellou Dalein Diallo convoqué par la CRIEF pour son inculpation ” , at , https://www.rfi.fr/fr/afrique/20250321-guin%C3%A9e-l-opposant-cellou-dalein-diallo-inculp%C3%A9-par-la-crief , 21/3/2025 .
([4])-Damien Glez ; ” La justice guinéenne promet une inculpation à Cellou Dalein Diallo ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1671692/societe/la-justice-guineenne-promet-une-inculpation-a-cellou-dalein-diallo/ , 25/3/2025 .
([5])-Amadou Dioulde Diallo ; ” Affaire Air Guinée : “Cellou n’a reçu aucune inculpation officielle…”, précise l’UFDG ” , at , https://www.guinee360.com/22/03/2025/affaire-air-guinee-cellou-na-recu-aucune-inculpation-officielle-precise-lufdg/ , 22/3/2025.
([6])-Mamadama Sylla;” Affaire »Air Guinée » : un mandat d’arrêt en vue contre Dalein ? Le procureur n’exclut rien ” , at , https://guineenews.org/2025/03/21/affaire-air-guinee-un-mandat-darret-en-vue-contre-dalein-le-procureur-nexclut-rien/ , 22/3/2025.
([7])-“Affaire Air Guinée : le Sénégal livrera-t-il Cellou Dalein Diallo à la Guinée ?” , at , https://ledjely.com/2025/04/08/affaire-air-guinee-le-senegal-livrera-t-il-cellou-dalein-diallo-a-la-guinee , 8/4/2025 .
([8])-Mady Bangoura ; ” Des secrétaires fédéraux de l’UFDG demandent à Cellou Dalein Diallo de devenir le président d’honneur du parti ” , at , https://guineenews.org/2025/04/03/des-secretaires-federaux-de-lufdg-demandent-a-cellou-dalein-diallo-de-devenir-le-president-dhonneur-du-parti/ , 3/4/2025 .
([9])-Amadou Dioulde Diallo ; ” Crise à l’UFDG : Cellou Dalein Diallo réconforté par le soutien des fédéraux du Grand Conakry ” , at , https://www.guinee360.com/07/04/2025/crise-a-lufdg-cellou-dalein-diallo-reconforte-par-le-soutien-des-federaux-du-grand-conakry/ , 7/4/2025.
([10])-” Mali: Imam Mahmoud Dicko’s return postponed amid military deployment ” , at , https://wadr.org/mali-imam-mahmoud-dickos-return-postponed-amid-military-deployment/ , 16/2/2025 .
([11])-” Burkina Faso : trois journalistes critiques du pouvoir enrôlés de force dans l’armée ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/04/04/burkina-faso-trois-journalistes-critiquent-le-pouvoir-ils-sont-enroles-de-force-dans-l-armee_6590986_3212.html , 4/4/2025.
([12])-” Niger, les autorités répriment l’opposition et les médias, rejetant l’examen de leurs dépenses militaires ” , at , https://www.amnesty.be/infos/actualites/article/niger-autorites-repriment-opposition-medias-rejetant-examen , 25/7/2024 .
([13])-” Guinée : le premier ministre promet un référendum et des élections présidentielle et législatives en 2025″ , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/03/06/guinee-le-premier-ministre-promet-un-referendum-et-des-elections-presidentielle-et-legislative-en-2025_6576739_3212.html , 6/3/2025 .
([14])-” Guinée: le référendum constitutionnel fixé au 21 septembre 2025 ” , at , https://www.rfi.fr/fr/afrique/20250402-guin%C3%A9e-le-r%C3%A9f%C3%A9rendum-constitutionnel-fix%C3%A9-au-21-septembre-2025 , 2/4/2025 .
([15])-” En Guinée, le porte-parole du gouvernement émet des doutes sur l’organisation de la présidentielle en 2025 ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/01/30/en-guinee-le-porte-parole-du-gouvernement-emet-des-doutes-sur-l-organisation-de-la-presidentielle-en-2025_6523247_3212.html , 30/1/2025 .
([16])-Chérif Ousman MBARDOUNKA ; ” En Guinée, le Premier ministre annonce un référendum et des élections présidentielle et législatives en 2025 ” , at , https://www.bbc.com/afrique/articles/ce8y4z8rj4no , 5/2/2025.
([17])-Sidoine ; ” Guinée : vers une candidature de Mamadi Doumbouya ?” , at , https://www.afrik.com/guinee-vers-une-candidature-de-mamadi-doumbouya 4/2/2025 .