الأفكار العامة:
- الفوز الكاسح في الانتخابات الرئاسية يُضْفِي الشرعية على الجنرال “أوليغي نغيما”، ويطوي صفحة أسرة “بونغو”.
- نسبة المشاركة العالية (87%)، والنتيجة النهائية (أكثر من 90%) التي حصدها الجنرال تثيران الشكوك في أوساط المعارضة.
- اتهام المعارضة للجنرال بتعبئة موارد مالية غير متناسبة، واستغلال منصبه في السباق الرئاسي.
- وقوع الانقلاب في أغسطس 2023م، ثم بدء الحوار الوطني في أبريل 2024م، والاستفتاء في نوفمبر 2024م، والانتخابات الرئاسية في أبريل 2025م، من الإنجازات التي أسهمت في نجاح الجنرال.
- إعادة بناء عقلية المواطن والحكم الرشيد والحيلولة دون احتكار السلطة في الأسرة؛ من أهم التحديات أمام الجنرال.
- تضاؤل النتائج الإجمالية لمرشحي المعارضة الثمانية في الانتخابات الرئاسية بمثابة ناقوس إنذار.
بقلم: تيديان ديوه*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
من خلال إضفاء الشرعية على الانقلابي “أوليغي نغيما”، يطوي الجابونيون صفحة عهد أسرة “بونغو”. ومن جانبها، تعمل فرنسا على تعزيز معقل نادر لها في إفريقيا الممزقة.
لم يضطر الناخب الجابوني إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الجولة الثانية؛ بسبب حسم المسألة يوم 12 أبريل 2025م من الجولة الأولى.
وهذا “الأداء النادر” لا يُذكّرنا فقط بعهد الأحزاب الفردية في العقد الأول بعد الاستقلال، وإنما تعكس هذه النتيجة (أكثر من 90% من الأصوات) أيضًا الدعم الحقيقي لشخص الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما. فزعيم انقلاب 30 أغسطس 2023م، الذي أنهى حكم سلالة بونغو، الذي خدمه حتى النهاية، يتمتع بقاعدة شعبية لا يمكن إنكارها.
غير أن معارضيه يتّهمونه (ربما عن حق) بتعبئة موارد مالية غير متناسبة، واستغلال وضعه كرئيس للمرحلة الانتقالية على نطاق واسع في حملته الانتخابية. لكن “آلان كلود بيلي باي نزيه”، وهو شخصية بارزة في السياسة الجابونية، وآخر رئيس وزراء للرئيس المخلوع “علي بونجو أونديمبا”، والمنافس الرئيسي للجنرال أوليغي، الذي جاء في المرتبة الثانية بحصوله على ما يزيد على 3% من الأصوات، اعترف بالهزيمة؛ رغم أنه أعرب عن أسفه “للنصر الذي انتُزِعَ في ظروفٍ غامضة ومشكوكٍ فيها”.
وكما هي الحال غالبًا في إفريقيا، فإن العملية الانتخابية لم تكن بلا شك خالية من المثالب، ولكن في الحقيقة كان مصير الانتخابات محسومًا منذ عدة أشهر. ولم يَعُد أحد يشكك في نتيجة الانتخابات بعد الآن. ولكنّ حجم الانتصار والمشاركة العالية (حوالي 87%) التي تحلم بها أكبر الديمقراطيات في العالم، لا تزال تثير التساؤلات.
وهناك على الأقل ثلاثة أسباب لذلك:
أولاً: هذا الجنرال العسكري، وهو نفسه من النظام القديم، استطاع، من خلال تحوُّل استثنائي، أن يُقدِّم نفسه كشخصية جديدة.
ثانيًا: تمكّن من غرس الحلم في المواطنين. فالرجل الذي يُقدّم نفسه الآن على أنه رجل بناء -وكان هذا في الوقت نفسه مشروعه السياسي، واسم تحالفه الانتخابي الواسع جدًّا وغير المتجانس جدًّا- استطاع منذ الأشهر الأولى من المرحلة الانتقالية أن يُحوِّل الغابون إلى ورشة ضخمة في الهواء الطلق.
وعطفًا على ذلك، فعلى الرغم من إعلانه في البداية أنه سيسلم السلطة للمدنيين في نهاية المرحلة الانتقالية التي كان من المقرر أن تنتهي في أغسطس 2025م، إلا أن الجنرال نغيما، الذي فاجأ الطبقة السياسية، أظهر مهارته في الوصول بالمرحلة الانتقالية العسكرية إلى خاتمة ناجحة في أقل من عامين: انقلاب في أغسطس 2023م، وحوار وطني في أبريل 2024م، واستفتاء في نوفمبر 2024م، وانتخابات رئاسية في أبريل 2025م. هذا المرور بالقوة، المشكوك فيه أحيانًا، مكَّنه من إغلاق القوس العسكري في وقت قياسي وإضفاء الشرعية على سلطته في نظر المجتمع الدولي.
صحيح أن السياق دون الإقليمي لعب دورًا كبيرًا لصالحه. ففي 14 مارس 2024م، أي بعد سبعة أشهر بالكاد من تعليق عضوية الجابون، قررت الدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا، آخذة في الاعتبار “التقدم الكبير الذي تم إحرازه في عملية العودة إلى النظام الدستوري الذي تميَّز بدعم الشعب ووضع جدول زمني لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهرًا”، إعادة البلاد إلى عضوية الهيئة الإقليمية. في هذه الأثناء، في أقصى غرب إفريقيا، تتعثر المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا في صراع مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ولا تزال نتيجته هذا الصراع مستمرة.
ما الذي بمقدور الرئيس الجديد أن يفعله بعد انتصاره؟
كان أفق سلطة “علي بونغو” الذي تضاءل بسبب المرض لعدة سنوات يتفكك باطراد. وفي النهاية، انتهى هذا القوس الطويل بانتخابات 12 أبريل 2025م. طُويت أخيرًا صفحة عهد بونغو التي بدأت مع الأب عمر بونغو في عام 1967م، وواصلها ابنه علي بونغو، ومع رحيل الأخير طُويت صفحة نظام سياسي كامل تهيمن عليه حفنة من الإخوة والعائلات والسلالات، واقتصاد مبني على استيلاء أقلية على الثروة، وتوازن عرقي مناطقي مُعقّد للغاية وإدارة متسلطة.
يتفق الجميع الآن: يجب أن نقف دقيقة صمت عن هذه الجابون التي تدفقت فيها الأموال بحرية. ولكننا بحاجة إلى إعادة توجيهها بحكمة. ولكن في الوقت الذي تحتاج فيه كل سلطة إلى سلطة مضادة، ليس فقط للحماية من شياطينها، ولكن أيضًا من أجل حيوية الديمقراطية، فإن المعارضة الغابونية المحطمة تتراجع أكثر فأكثر يومًا بعد يوم. إن النتيجة المشرفة لما تبقى من المعارضة في الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون مفيدة للبلاد.
وينبغي أن تكون النتائج الإجمالية المنخفضة لمرشحي المعارضة الثمانية في الانتخابات الرئاسية بمثابة ناقوس إنذار. كما ينبغي أن يكون الفوز الكاسح للرئيس المنتخب، الذي هو أبعد ما يكون عن كونه شيكًا على بياض، هو آخر نداء من شعب غالبيته من الفقراء في بلد غني، ولكنه مثقل بالديون؛ حيث كل شيء يحتاج إلى “إعادة بناء”. بدءًا من الدولة، ولكن أيضًا مناخ الأعمال والأمن القانوني الذي كان لفترة طويلة نقطة ضعف في هذا البلد. إعادة بناء البنية التحتية أيضًا. وأخيرًا، إعادة بناء العقليات، والرئيس المنتخب حديثًا هو الذي يؤكد ذلك.
محور باريس-ليبرفيل أقوى من أيّ وقت مضى:
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أدرك هذا الرئيس، الذي سافر بشكل مفاجئ على نطاق واسع خلال الفترة الانتقالية (36 مرة، وفقًا لإحصاءات مكتبه)، أن الجابون، التي لم تكن أبدًا دولة مغلقة، يجب أن تستعيد بسرعة كبيرة مكانتها الصحيحة في نطاقها الإقليمي، وفي العالم ككل.
ويبدو أن التغييرات في السياسات التي تمت أو التي سيتم إجراؤها بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا من شأنها أن تعود بالنفع على الجابون. ويبدو أن هذا البلد، الذي اعتُبِر لفترة طويلة، إلى حد الكاريكاتير، بمثابة المختبر الحي لفرانس أفريك، بسبب العلاقة الفريدة التي تربط عمر بونغو بفرنسا، قد اختار الاستمرارية مع باريس، التي في المقابل، تُولي اهتمامًا كبيرًا لمستعمرتها السابقة.
إن الفرصة المتاحة هنا ليس لإغلاق القاعدة العسكرية الفرنسية، بل لتغيير أهدافها. وإن الجنود الفرنسيين البالغ عددهم 200 جندي والموجودين في الجابون مع بداية العام 2025م (مقارنة بنحو 1200 عنصر قبل عقد من الزمان) مخصصون الآن بشكل أساسي لتدريب قوات الدفاع في البلاد.
لقد أصبحنا الآن بعيدين كل البعد عن الأيام التي كانت فيها الحكومات الفرنسية تضع خططها وتوجيهاتها في المكتب الرئاسي بالقصر الساحلي، ولكنّ محور باريس-ليبرفيل، في الواقع، أصبح أقوى من أيّ وقت مضى، وكان كذلك منذ بداية العملية الانتقالية.
وفي تطوُّر غير مسبوق في العلاقات الفرنسية الإفريقية؛ قام الجنرال “برايس كلوتير أوليغي نغيما” بعد بضعة أشهر فقط من انقلابه بزيارة رسمية إلى فرنسا في مايو 2024م، قبل أن تتم دعوته مرة أخرى، بعد بضعة أشهر، في أغسطس 2024م، لحضور احتفالات الذكرى الثمانين لإنزال بروفانس.
استجاب الشعب الجابوني مرتين لدعوة الجنرال أوليغي نغيما:
مرة بالتصويت لصالح انقلابه في 30 أغسطس 2023م، وأخرى في 12 أبريل 2025م. إن النتيجة التي حقَّقها رئيس الدولة، والأهم من ذلك، نسبة المشاركة الاستثنائية، ليست سوى انعكاس للتحديات الهائلة التي تعترض طريقه.
لقد وضع لنفسه طموحًا يتمثل في إعادة بناء البلاد. وسوف نعرف لاحقًا في نهاية فترة ولايته، التي ستستمر سبع سنوات، ما إذا كان مجرد انقلابي واحد في قائمة طويلة من الانقلابات الإفريقية، أم أنه مؤثر كبير في تاريخ الجابون.
هو يعلم أنه ليس من حقه أن يرتكب خطأ. ولهذا السبب، عندما يقسم اليمين الدستورية بعد بضعة أيام، فإن ذكريات عام 2009م سوف تعود إلى ذهن هذا الرجل الذي مارَس مهنة عائلة بونغو بكل جدّ واجتهاد. في ذلك العام، قدم “علي بونغو أونديمبا” لمواطنيه خطة إستراتيجية، رؤية الجابون الناشئة 2025م، استنادًا إلى مشروع مجتمعي جديد “المستقبل في ثقة” وطموح جديد يجعل الجابون دولة متقدمة في أقل من جيل. ونحن نعلم ما حدث لهذا الطموح النبيل.
__________________
الهامش:
(*) تيديان ديوه: مستشارة دولية، وأكاديمية وصحفية سابقًا في مجلة جون أفريك وقناة TV5 موند، وعملت موظفة مدنية دولية في المنظمة الدولية للفرانكوفونية (OIF) لمدة عشرين عامًا تقريبًا. وهي متخصصة في القضايا الجيوسياسية، من بين أمور أخرى، وترأس عددًا من مراكز الفكر ومجموعات المناقشة في جميع أنحاء العالم.
____________
رابط المقال:
https://www.lepoint.fr/afrique/gabon-une-victoire-electorale-et-apres-17-04-2025-2587600_3826.php