د. ماهر حامد سعداوي([1])
مقدمة:
يبدو أن خريطة إنتاج الطاقة في إفريقيا سوف تأخذ اتجاهات جديدة في السنوات القادمة؛ حيث يتمتع شرق إفريقيا بصورة عامة، وموزمبيق بصورة خاصة -تلك الدولة التي تقع في جنوبي شرقي إفريقيا-، بموارد طبيعية هائلة من الغاز الطبيعي والبترول واليورانيوم والذهب والفحم، وغيرها من الموارد، ولدى هذا الإقليم الإمكانيات التي تُعطيه دورًا مهمًّا في سوق الطاقة العالمية.
يساعد قطاع الطاقة في موزمبيق على تنوُّع ونمو الاقتصاد، وخلق فرص عمل، والحد من الفقر، وتقليل الاعتماد على الأنشطة التقليدية مثل الزراعة وصيد الأسماك والتعدين. ويُتوقع أن يساعد إنتاج موزمبيق من الغاز الطبيعي على تلبية الطلب الإقليمي المتزايد بتجمع الطاقة بالجنوب الإفريقي (SAPP) من الكهرباء في المنطقة، وتتمتع موزمبيق بإمكانيات كبيرة لتوليد الطاقة المتجددة، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح، إلى جانب أنظمة الأنهار التي تُمثِّل مصدرًا مهمًّا لإنتاج الكهرباء. ويمكن أن تحتل موزمبيق الترتيب العاشر حال إعادة استئناف مشروعات إنتاج الغاز التي تحصل على حقوق الامتياز بها شركات دولية كبرى، سواء كانت شركات أمريكية أو فرنسية أو يابانية.
وسوف تتناول تلك الورقة الاكتشافات الحديثة للغاز الطبيعي في موزمبيق، وذلك من خلال عرض وتحليل النقاط التالية:
- أولًا: التطور التاريخي لاستكشاف الغاز الطبيعي في موزمبيق.
- ثانيًا: التوزيع الجغرافي لإنتاج واحتياطي الغاز الطبيعي في موزمبيق.
- ثالثًا: تصنيع وصادرات موزمبيق للغاز الطبيعي.
- رابعًا: المشكلات الجغرافية لإنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق.
- خامسًا: مستقبل الاستثمار في مشروعات الغاز الطبيعي في موزمبيق.
- خاتمة.
تقع دولة موزمبيق في جنوب شرقي القارة الإفريقية، بين دائرتي عرض °10 ’18 “56حتـــى °27 ’12 “48 جنـــوب خـــط الاســـتواء، أي تمتـــد مـــن الشمال إلى الجنـوب على امتداد ما يقترب من 17 دائرة عرضية، كما تمتد الدولة بين خطـي طـول °39 ’31 “18 و °40 ’24 “48شــرق خـط جــرينتش، أي تمتـد على مسافة تتجاوز 9 خطوط طول مــن الغــرب إلى الشــرق (Chicombo. A.F, Musango. J. K., 2024, P.89)، وتبلغ مساحة موزمبيق -كما هو مبين بجدول (1)- نحو 787.1 ألف كم2(*).
وتُطــل موزمبيق علــى المحــيط الهنــدي من جهة الشرق بســاحل يزيــد عــن ألفــي كيلو متر، ويحدّها من الشمال دولة تنزانيا، وتشـترك في الشمال الغربـي مع حدود زامبيـا ومـالاوي، وفي الغرب مع زيمبـابوي وجمهوريـة جنـوب إفريقيـا، وحدودها الجنوبية مع مملكة إيسواتيني.
المصدر: اعتمادًا على برنامج ArcGIS 10.8
شكل (1) الموقع الجغرافي والتقسيم الإداري لدولة موزمبيق
وتضمّ دولة موزمبيق -كما هو موضَّح بشكل (1)، وجدول (1)- إحدى عشرة محافظة بعدد سكان بلغ نحو 28861863 نسمة، ومتوسط كثافة سكانية وصل إلى 37 نسمة/ كم2، وتأتي محافظة نياسا في المرتبة الأولى من عدد السكان، وذلك بنحو 129406 كم2، وفي المرتبة الأخيرة من حيث كثافة السكان وذلك بنحو 14 نسمة/كم2، وبعدد سكان بلغ 1865976 نسمة، وجاءت محافظة مابوتو سيتي في المرتبة الأخيرة من حيث المساحة، وذلك بنحو 347 كم2، وفي المرتبة الأولى من حيث الكثافة السكانية، وذلك بنحو 7225 نسمة/كم2، ومحافظة نايمولا هي الأكبر من حيث عدد السكان، وذلك بنحو 6102867 نسمة، ومحافظة مابوتو هي الأقل في عدد السكان، وذلك بنحو 1101170 نسمة.
أولًا: التطور التاريخي لاستكشاف الغاز الطبيعي في موزمبيق
كانت هناك محاولات للاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي في موزمبيق في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه بداية من عام 2004م، أصبحت موزمبيق دولة مُنتِجَة للغاز الطبيعي؛ إلا أن الإنتاج كان أقل من حاجة الاستهلاك المحلي التي بلغت نحو 64,697 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا، كما حصلت شركة إيني الإيطالية المتخصّصة في التنقيب عن موارد الطاقة على رخصة استكشاف في عام 2006م، وذلك في المياه الإقليمية لموزمبيق (Ganhane. J. J, Stage. J, 2024, P.141).
وقد أشارت تقارير الشركة حول الاستكشافات إلى امتلاك إقليم شرقي إفريقيا كميات كبيرة من احتياطي الغاز الطبيعي، مما شجَّع شركة أناداركو الأمريكية للنفط والغاز –المُنافِسة لشركة إيني– للعمل في موزمبيق، وفي عام 2011م تم استكشاف حقل للغاز الطبيعي أمام سواحل الشمالية لموزمبيق، ويحتوي هذا الحقل على 425 مليار متر مكعّب (Ministry of Economy and Finance, 2015, P.8)، وبدأ الاستكشاف في منطقة البحر الشمالي، وذلك في نطاقين على النحو التالي:
- الاستكشاف والتنقيب في المناطق الشمالية (حقول حوض روفوما البحرية والبرية)
حصلت شركة أناداركو بتروليوم (USA) وشركة إيني (إيطاليا) على حق التنقيب عن الغاز الطبيعي من شركة ENH(*) (موزمبيق) في المناطق الشمالية الشرقية بالمنطقة 1 والمنطقة 4 على التوالي في حوض روفوما البحري، وتقع الاكتشافات على بُعْد حوالي 15 إلى 30 ميلًا من الشاطئ، وعلى عمق مياه يتراوح بين 3000 إلى 5000 قدم. وقد أثبتت التقارير وجود ستة حقول ضخمة للغاز الطبيعي، وفي الجنوب حصلت شركة ستاتويل (النرويج) على حقوق البحث في المناطق 2 و5، كما أبرمت شركة بتروناس (ماليزيا) عقدًا مع شركة ENH للمنطقة 3 و6 (Ganhane. J. J, Stage. J, 2024, P.142).
وقد تم بيع جزء من الامتيازات الستة في حوض روفوما لشركات أخرى، كما هو مبين بجدول (2). ولا تزال شركات أناداركو بتروليوم، وإيني، وستات أويل، وبتروناس هي الأكثر في الاستحواذ على الامتيازات للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي في حوض روفوما (Arena. M, et al, 2022, P.98).
أما عن المناطق البرية في المنطقة الشمالية الغربية لموزمبيق؛ فقد حصلت شركة أناداركو بتروليوم على حق التنقيب في الجانب الغربي من المنطقة 1 البحرية (كما هو موضح بشكل 2)، إلا أن نتائج البحث آنذاك لم تُعطِ مؤشرات على وجود غاز طبيعي.
شكل (2) التوزيع الجغرافي لمناطق إنتاج الغاز الطبيعي بحوض روفوما بشمال موزمبيق
- الاستكشاف والتنقيب في المناطق الوسطى (حقول منطقة بيرا البحرية والبرية)
تم التنقيب عن الغاز الطبيعي في وسط موزمبيق في منطقة بيرا (كما هو موضح بشكل 3)، وتحديدًا في الحقول البرية في منطقة BTC5؛ وذلك ضمن اتفاقية امتياز للتنقيب والإنتاج بشكل تجاري بين حكومة موزمبيق وشركة ساسول، وذلك في أكتوبر 2018م (Salimo.P, et al, 2023, P1227)، وقد تم اكتشاف مصدر جديد للغاز الطبيعي في موزمبيق في مايو 2023م بين حقلي باندي وتيماني، وذلك على عمق 1934 مترًا (Arena. M, et al, 2022, P.98)، وتم الإنتاج في أبريل 2024م وذلك بواسطة شركة ساسول في منطقة الامتياز BTC5 (Ganhane. J. J, Stage. J, 2024, P.149).
وكانت هناك محاولات لشركة ساسول للبحث عن الغاز الطبيعي في المنطقة الوسطى الداخلية من موزمبيق في تكوينات تيتي شيباتا، إلا أن تلك المناطق كانت مُنتِجَة للفحم بصورة أساسية، ولا يتوفّر بها مكامن لإنتاج الغاز الطبيعي (Namaganda. E, et al, 2023,P518).
المصدر: Ganhane. J. J, Stage. J, 2024, P.148
شكل (3) التوزيع الجغرافي لمناطق إنتاج الغاز الطبيعي بحوض بيرا بوسط موزمبيق
ثانيًا: التوزيع الجغرافي لإنتاج واحتياطي الغاز الطبيعي في موزمبيق
- امتيازات الشركات المنتجة للغاز
استحوذت شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)، على حصة شركة (جالب) البالغة 10% في امتياز المنطقة 4(*) الواقعة ضمن حوض (روفوما) في موزمبيق، وهو أول استثمار للشركة في إفريقيا، وقد أشارت شركة أدنوك إلى أنه مع زيادة مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي سوف تزيد الطاقة الإنتاجية حتى تصل إلى أكثر من 25 مليون طن سنويًّا، وتمتلك شركة ساسول نحو 70% من حقوق الامتياز في منطقة BTC5، بينما تمتلك شركة البترول الوطنية في موزمبيق “إمبريسا ناشيونال دي Empresa Nacional de Hidrocarbonetos (ENH)، نسبة الـ30% المتبقية، وأعلنت ساسول، في أبريل 2022م، التخلي عن تطوير مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط شمال موزمبيق وجمهورية جنوب إفريقيا؛ وذلك للرغبة في التحول إلى التوسع في إمدادات الغاز الطبيعي المسال، والتخلّي عن مشروعات إنتاج الوقود الأحفوري، إلا أنها تراجعت عن هذا القرار. كما تحالفت شركة إكسون موبيل الأمريكية مع شركة إيني الإيطالية بالاستثمار في مشروعات الغاز في موزمبيق بنحو 30 مليار دولار، ودخلت معهم شركة جالب إنرجي البرتغالية بنسبة 10%(Namaganda. E, et al, 2023,P511) .
- اتفاقيات الإنتاج المشترك
قامت حكومة موزمبيق بعقد اتفاقيات بين شركاتها المحلية وشركات أجنبية بموجبها يتم الإنتاج بالشراكة من حقول الغاز الطبيعي كما هو موضح بشكل (4)، وتمثل اتفاقية الغاز جزءًا من اتفاقية المشاركة في الإنتاج التي تعمل بموجبها شركتا “ساسول” و”إمبريسا ناشيونال دي هيدروكربونيتوس” (ENH)، بصفتهما بائعتين للغاز المورد إلى محطة توليد الكهرباء “تيماني” التابعة لشركة كهرباء موزمبيق (EDM)، وبموجب ذلك الاتفاق تم الإنتاج المشترك لنحو 4 آلاف برميل يوميًّا من خامات البترول الخفيف، عن طريق شركة ساسول وشركة ENH، ونحو 30 ألف طن من غاز البترول المسال تم توفيرها 75% منها إلى الأسواق، ويهدف هذا المشروع إلى توفير نحو 21 مليار و800 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي لشركة كهرباء تيماني المركزية (CTT)(Ugembe.M. A, et al, 2023, P.784).
- امتيازات جديدة لاستكشاف الغاز الطبيعي
تقع مناطق الامتيازات الخمس الجديدة قُبالة سواحل موزمبيق، وتبلغ مساحتها نحو 29 ألف كم2، ويتراوح عُمق المياه بها بين 500 و2500 متر، وبمقتضى العقود المُوقَّعة بين شركة سينوك الصينية ووزارة الطاقة في موزمبيق، تستغرق المرحلة الأولى للعمليات الاستكشافية 4 سنوات. وبموجب عقود الامتياز الصادرة في مايو 2024م، سوف تقوم الشركات التابعة لـ”سينوك” الصينية بدور الاستكشاف والتطوير، كما ستمتلك الشركات حصص التشغيل في المناطق الـخمس (A، وB، وD، وE، وG)، بواقع 70% في منطقة (S6-A)، و77.5% في منطقة (S6-B)، و77.5% في منطقة (A6-D)، و80% في منطقة (A6-E)، و79.5% في منطقة (A6-G). وستمتلك الشركة الوطنية للهيدروكربونات ENH، شريكة العملاق الصيني سينوك، الحصص غير التشغيلية المتبقية التي تتوزع بواقع 30% في المنطقة (S6-A)، و22.5% في المنطقة (S6-B)، و22.5% في المنطقة (A6-D)، و20% في المنطقة (A6-E)، و20.5% في المنطقة (A6-G) (Salimo.P, et al, 2023, P86).
المصدر: AICD, Africa Infrastructure Country Diagnostic, 2024. P.89
شكل (4) امتيازات التنقيب عن الغاز الطبيعي القائمة والمخططة في موزمبيق حتى 2023م
- إنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق
بدأت شركة ساسول إنتاج الغاز في حقل تيماني البحري عام 2004م، ومن حقل باندي Pande البري في عام 2009م، وقد بلغت الاحتياطيات الإجمالية المُقدَّرة من حقلي باندي وتيماني معًا نحو 3.5 تريليون قدم مكعب، وبلغت الاحتياطيات في حقل غاز إنهاسورو المرتبط بحقلي باندي وتيماني نحو 5.5 تريليون قدم مكعب (Salimo.P, et al, 2023, P1221).
وقد أصبحت موزمبيق مُنتِجَة للغاز الطبيعي منذ عام 1998م بكميات قليلة بلغت 2119 مليون قدم مكعب كانت لا تكفي حاجة الاستهلاك المحلي، ثم أخذ الإنتاج في التطور عام 2010م عندما أصبح إنتاجًا تجاريًّا بكميات إنتاج بلغت 12625 مليون قدم مكعب، ويتضح من جدول (3)، وشكل (5) تطور حجم إنتاج موزمبيق من الغاز الطبيعي خلال الفترة 1998-2023م بالمليون قدم مكعب.
المصدر: اعتمادًا على جدول (3).
شكل (5) تطور إنتاج الغاز الطبيعي بموزمبيق خلال الفترة 1998-2022م بالمليون قدم مكعب
وظل إنتاج موزمبيق من الغاز الطبيعي منخفضًا خلال الفترة 1998-2004م، بإنتاج يقلّ عن 3000 مليون قدم مكعب، ثم كانت هناك مرحلة زيادة متذبذبة بداية من عام 2005م حتى عام 2009م، ثم حدثت زيادة نسبية في الإنتاج خلال عامي 2010، و2011م، ثم حدثت الطفرة الكبيرة في الإنتاج بداية من عام 2012م، وذلك بأكثر من 45556 مليون قدم مكعب، وقد أنتجت موزمبيق عام 2015م نحو 66922 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما جعل الدولة تحتل المرتبة 55 على مستوى العالم، وانخفض الإنتاج بسبب الاضطرابات الداخلية بداية من عام 2020م حتى عام 2022م عن سابقة من أعوام الإنتاج وبداية من عام 2023م احتلت موزمبيق المرتبة السادسة كأكبر مُنْتِج للغاز الطبيعي في العالم؛ حيث زاد إنتاج الدولة بنسبة 32% عن عام 2022م، وتمثل البلاد 0.21% من الإنتاج العالمي.
أما عن إنتاج الغاز الطبيعي على مستوى الحقول فيتبين من جدول (4) أن حقول باندي ويتمان وكارل ساوث هي الحقول الأكثر في إنتاج الغاز الطبيعي بالدولة، وذلك بنحو 937 مليون قدم مكعب يوميًّا، ويسجل مجمع حقلي باندي وتيماني الإنتاج اليومي الأكبر وذلك بنحو 494 مليون قدم مكعب يوميًّا.
- احتياطيات الغاز الطبيعي في موزمبيق
أصبحت موزمبيق من الدول الحديثة البارزة في سوق الطاقة؛ وذلك لامتلاكها احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي تفوق نحو 180 تريليون قدم مكعب عام 2023م(*) كما هو موضح بجدول (5)، وتمتلك موزمبيق ثالث أكبر احتياطيات غاز مؤكدة في إفريقيا، بعد نيجيريا والجزائر والرابعة عشرة على مستوى العالم، ويكافئ احتياطي موزمبيق من الغاز نحو 24 مليار برميل من البترول، إلا أن النزاعات المحلية مع المتمردين بالقرب من مشروعات الغاز تُهدِّد استمرار الشركات العالمية الكبرى.
شكل (6) احتياطي موزمبيق من الغاز الطبيعي خلال الفترة 1984-2023م بالمليار قدم مكعب
ويشير جدول (5) وشكل (6) إلى احتياطي الغاز الطبيعي بموزمبيق بالمليار قدم مكعب خلال الفترة 1984 – 2023م، ويتبين أن بدايات حجم الاحتياطي المتوقع بدأ بما يقترب من 2.3 ترليون قدم مكعب عام 1984م، ثم تمحورت قِيَم احتياطي الغاز حول 4.5 ترليون قدم مكعب.
أما عن احتياطي الغاز الطبيعي(*) على مستوى مناطق موزمبيق المنتجة للغاز كما هو موضح بجدول (6)، فيتبين أن هناك احتياطيًّا متوقعًا يبلغ نحو 276.5 تريليون قدم مكعب، واحتياطيًّا مؤكدًا يُقدَّر بنحو 180 تريليون قدم مكعب، وهناك أيضًا احتياطيات غير مكتشفة تبلغ نحو 148.6 تريليون قدم مكعب، ترجع حسب الظروف الجيولوجية التي تساعد على الاستكشاف.
وعلى مستوى حقول الغاز الطبيعي بموزمبيق، تُعدّ الحقول البحرية بحوض روفوما شمال موزمبيق هي الأكثر استحواذًا على الاحتياطي؛ ففي عام 2021م قدّرت احتياطيات حقول الشمال بنحو 100 تريليون قدم مكعب، متفوقًا بذلك على احتياطيات أستراليا البالغة 70 تريليون قدم مكعب، مما يجعل موزمبيق من أكثر منتجي الغاز الطبيعي بالعالم، وتمتلك المنطقتان 1، و4 بمفردهما في حوض روفوما احتياطيات مؤكدة قابلة للاستخراج من الغاز غير المصاحب والغاز الطبيعي السائل (NGL) قدرها 75 ترليون قدم مكعب عام 2019م، ثم بلغت نحو 96.2 تريليون قدم مكعب عام 2021م (Vlaanderen, 2023, P.56).
وقدّرت شركة Anadarko Petroleum الاحتياطيات القابلة للاستخراج في مايو 2023م بالمنطقة 1 بما يتراوح بين 56 إلى 97 تريليون قدم مكعب بمتوسط 76.5 تريليون قدم مكعب، ويمثل الغاز القابل للاستخراج 45.5 تريليون قدم مكعب، كما قدرت شركة إيني احتياطي الغاز في المنطقة 4 بحوالي 125 تريليون قدم مكعب، والقابل للاستخراج يمثل 29.1 تريليون قدم مكعب، ونتيجة لذلك، يُقدّر إجمالي الاحتياطيات القابلة للاستخراج في المنطقتين 1 و4 بنحو 93.5 تريليون قدم مكعب، ويحتوي الغاز الطبيعي من المنطقتين 1 و4 على الإيثان والبروبان والبيوتان، ولذلك يمكن إنتاج سوائل الغاز الطبيعي من الغازات الموجودة في المنطقتين 1 و4، مع نِسَب شوائب منخفضة من ثاني أكسيد الكربون (CO2) والنيتروجين (N2)، وطبقًا لتقارير الشركات لا يوجد كبريتيد الهيدروجين (H2S)، كما يحتوي حقل كورال ساوث (امتياز شركة إيني منذ 2012م) على احتياطيات تُقدَّر بـ16 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
- استهلاك الغاز الطبيعي في موزمبيق
بلغ متوسط استهلاك موزمبيق من الغاز الطبيعي بنحو 64,697 مليون قدم مكعب عام 2017م، وقد بلغ نصيب الفرد في نفس العام من استهلاك الغاز بنحو 2,265 قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أو ما يمثل حوالي 6 أقدام مكعبة للفرد يوميًّا.
وتمثل استهلاك الغاز الطبيعي في موزمبيق في إمدادات قطاع الصناعة أو القطاع المنزلي في شكل استخدامات للغاز مِن قِبَل المشاريع واسعة النطاق والشركات الصغيرة والمتوسطة والنقل الحضري، وكذلك في إمدادات محطات التوليد، فيتبين من جدول (7)، وشكل (7) حجم إمدادات الغاز الطبيعي من منطقة خليج بالما وناكالا، وجاءت أنماط الاستهلاك في المشروعات الكبيرة في بالما عام 2023م في محطة طاقة توربينية غازية بدورة بسيطة بقدرة 150 ميجاواط، ومشروع توسع بإضافة دورة غازية مركبة بقدرة 250 ميجاواط، ومصنع تحويل الغاز إلى سوائل. ويبلغ إجمالي الطلب على الغاز في بالما 493 مليون قدم مكعب يوميًّا ومن المتوقع أن يصل إلى 555 مليون قدم مكعب يوميًّا عام 2025م، أما عن الاستهلاك من منطقة ناكالا في عام 2023م محطة طاقة توربينية غازية بدورة بسيطة بقدرة 150 ميجا وات، ومشروع توسع بإضافة 250 ميجا وات من دورة الغاز المركبة، ومزيج من مصانع الأمونيا واليوريا لإنتاج 500000 طن سنويًّا من اليوريا، وبلغ إجمالي الطلب على الغاز في منطقة خليج ناكالا نحو 105 ملايين قدم مكعب، ومن المتوقع أن يصل الطلب على الغاز نحو 125 مليون قدم مكعب يوميًّا في عام 2025م (Ugembe.M. A, et al, 2022, P.52).
المصدر: اعتمادا على جدول (7)
شكل (7) حجم استهلاك الغاز الطبيعي من مناطق خليج بالما وناكالا (حوض روفوما) بالمليون قدم مكعب في اليوم
وكذلك بلغ متوسط إمدادات الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، كما هو موضح بجدول (8)، وشكل (8) خلال الفترة 2000-2023م نحو 1138 جيجا وات/الساعة، وقد كانت البدايات ضعيفة جدًّا عام 2000م، وذلك بمقدار 2 جيجا وات/ساعة فقط، وأخذ إنتاج الكهرباء في الزيادة حتى عام 2014م، إلا أن طفرة الزيادة في الإنتاج بدأت منذ عام 2015م وذلك بنحو 1272 جيجا وات/ساعة، ووصلت إلى 3776 جيجا وات/ساعة عام 2019م، ثم انخفضت في العام التالي بسبب الاضطرابات، وأخذت في الارتفاع مرة أخرى حتى بلغت كميات الإنتاج نحو 3576م عام 2023م.
شكل (8) تطور إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي بموزمبيق خلال الفترة 2000-2023م بالجيجا وات/الساعة
ثالثًا: صناعة وتصدير موزمبيق للغاز الطبيعي
- نقل الغاز الطبيعي
ساهمت شركة أدنوك في مشروع لتشييد ثلاثة خطوط لتسييل الغاز، ووضعت مخططًا لإنشاء الخط الرابع حال التخلص من الاضطرابات الأمنية، كما يُعدّ ذلك المشروع أكبر استثمار لشركة GL Energy الإنجليزية في تشغيل محطة لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي المسال بمثابة حجر الأساس لتطوير خط أنابيب الغاز، وذلك اعتمادًا على مشروع روفوما للغاز الطبيعي المسال، ومن المقترح ربط خطوط أنابيب الغاز الافتراضية مع المستهلكين، وتسمح بتوزيع الغاز عن طريق البر والسكك الحديدية والممرات المائية (Florian. P, Olivier. M, 2020, P.84).
ويتبين من شكل (9) أن نقل الغاز الطبيعي يتم بصورته القائمة عبر خط تيماني/مابوتو، ومنه ينقل إلى جمهورية جنوب إفريقيا، كما يُنقل الغاز من حقول الشمال عبر الطرق البرية، ويتم توزيعه لمناطق الاستهلاك عبر مناطق ومدن الدولة، أو يُصدّر عبر موانئها. كما توجد مجموعة مسارات مقترحة لنقل الغاز الطبيعي من خلال خطوط أنابيب تربط بين ناكالا وبيرا عبر نامبيلا وكويليماني، وخط آخر مقترح يربط بين بالما وناكالا عبر بيمبا.
المصدر:(1) Florian. P, Olivier. M, 2020, P.86(2) AICD, Africa Infrastructure Country Diagnostic, 2024. P.89 (3) Soares. C.A, et al, 2023, P.454
شكل (9) خطوط انابيب نقل الغاز الطبيعي القائمة والمستقبلية في موزمبيق
- تسييل الغاز الطبيعي
تدعم 7 دول(*) بواسطة شركاتها الأجنبية مشروع تسييل الغاز الطبيعي في موزمبيق بتكلفة تبلغ 20 مليار دولار، ويستهدف استخراج وتسييل وتصدير الغاز الطبيعي من موزمبيق، حسبما أوضحت شركة توتال إنيرجي، كما تسعى شركة أدنوك إلى تطوير الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق لتطوير صناعة البتروكيماويات، وهناك العديد من الشركات الأجنبية الأخرى التي تستثمر في مشاريع الغاز الطبيعي المسال في حوض روفوما قبالة سواحل موزمبيق، إحداها شركة إيني الإيطالية، وشركة إكسون موبيل الأمريكية، وشركة النفط الوطنية الصينية، وشركة كوغاز الكورية.
كما وقّعت شركة GL Energy اتفاقية بقيمة 400 مليون دولار مع حكومة موزمبيق لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الغاز المسال بقدرة 250 ميجا وات. وسيُنفَّذ المشروع على 3 مراحل، وستوفر المرحلة الأولى قدرة 50 ميجا وات في غضون 16 شهرًا، بينما ستضيف المرحلتان الثانية والثالثة 200 ميجا وات في غضون 24 شهرًا (Ugembe.M. A, et al, 2023, P.789).
وقد اكتمل 21% من المشروع عام 2020م، وبلغت قدرة المشروع مع نهاية العام نحو 6 ملايين طن متري، ونحو 12.9 مليون طن متري سنويًّا عام 2022م، وقد توقَّف المشروع بسبب التوترات الأمنية في نهاية 2022م، ومن المتوقع وصول الإنتاج التقديري إلى 15 مليون طن متري عام 2028م.
على الرغم من التحديات الأمنية الناجمة عن التوترات شمالي البلاد، أعلنت موزمبيق في ديسمبر 2023م القضاء بصورة نهائية على المتمردين الذين تسبَّبوا في تعطيل مشروع توتال إنرجي للغاز الطبيعي المسال.
كما ساهمت مجموعة شركات ميتسوي اليابانية بحصة بلغت 20% في مشروع الغاز المسال بموزمبيق وذلك بقيمة 18 مليار يورو بالشراكة مع توتال إنيرجي، إلا أن هذا النشاط عُلِّق عام 2021م بعد الهجوم المسلح على بلدة “بالما” الساحلية، وفي عام 2023م بعد انتهاء التمرد، تزوّد اليابان موزمبيق بمعدات ملاحة جوية بقيمة حوالي 22,5 مليون دولار، وسفينة مراقبة بقيمة 830 ألف دولار، ولا سيما مع بدء تصدير أول شحنات الغاز المُسَال الموزمبيقي إلى أوروبا في نوفمبر 2022م.
يدعم المشروع العديد من القطاعات في موزمبيق، مثل زراعة الخضروات التي يستفيد منها سكان بلدات بالما وموسيمبوا دا برايا في جنوبها. وقد منح هذا الإنجاز موزمبيق مكانة مهمة بين مورّدي الغاز حول العالم، ولا سيما في وقتٍ يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن مُورِّدين للغاز الطبيعي المُسَال، بعد التحركات التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، كما تُوفّر المحطة الكهرباء لأكثر من نصف مليون شخص؛ وتُعدّ هذه الإستراتيجية جزءًا من خطة الشركة لتوليد 1000 ميجا وات من الكهرباء بحلول نهاية العام الجاري 2025م، وعملت المحطة على توظيف أكثر من 300 شخص خلال عملية البناء.
وأصبح مشروع محطة كورال سول Coral Sul في نوفمبر 2022م المعتمد على حقل كورال ساوث أول محطة بحرية عائمة للغاز الطبيعي المسال في إفريقيا، مبنية في حوض بناء السفن التابع لشركة سامسونج للصناعات الثقيلة بكوريا الجنوبية، مجهزة بأحدث المعايير العالمية للغاز الطبيعي المسال، خرجت منه أول شحنة تصدير للغاز الطبيعي المُسَال إلى أوروبا، وتنتج المحطة حوالي 3.4 ملايين طن من الغاز المسال سنويًّا، وتُقدَّر احتياطاتها الكلية بحوالي 450 مليار متر مكعب.
- تصدير موزمبيق للغاز الطبيعي
صدَّرت موزمبيق 67% من إنتاجها من الغاز الطبيعي عام 2015م ممثلًا ذلك نحو 134,197 مليون قدم مكعب. ومن المتوقع أن تصبح موزمبيق خامس أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم (بعد أستراليا والولايات المتحدة وقطر وماليزيا) بحلول نهاية العقد.
وتُعتبر شركة ساسول ثاني أكبر مصدّر للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في جنوب إفريقيا، وتستهدف تلك الشركة تقليل انبعاثات الكربون في جمهورية جنوب إفريقيا بنسبة 30% بحلول عام 2030م، وذلك من خلال التوسع في مشروعاتها لإنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق والتصدير إلى جنوب إفريقيا، وذلك تخطيطًا لتخفيض استهلاك الفحم بنسبة 25% (Salimo.P, et al, 2023, P1225).
وقد ساهمت هذه المشاريع في زيادة التصدير خلال عام 2021م إلى 218%، وبلغ إجمالي مبيعات موزمبيق من الغاز الطبيعي 1.726 مليار دولار، في نفس العام، أي أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه في عام 2022م، ويقترب من مستويات مبيعات الفحم، الذي لا يزال يتصدر صادرات البلاد، ووقعت شركة ساسول في مايو 2023م اتفاقية تبادل للبتروكيماويات بين موزمبيق وعدة دول منها جمهورية جنوب إفريقيا تنص على تبادل الغاز الطبيعي من موزمبيق مع غاز البترول المسال ساهمت في تحقيق فائض مادي لموزمبيق قدره 6.43 مليار دولار، كما ساهم في تشغيل مشروع الكهرباء في محطة الطاقة الحرارية في تيماني، وقد تولت شركة ساسول طبقًا لبنود الاتفاقية عمليات الاستكشاف والإنتاج والنقل والتوزيع والتخزين والتكرير والمعالجة في موزمبيق.
وقد استحوذت شركة أدنوك على حصة 11.7% في المرحلة الأولى من تصدير الغاز الطبيعي المسال على فترة قدرها عشرون عامًا بداية من 2021م حتى 2040م من شركة ريو جراندي Rio Grande المملوكة لشركة نيكست ديكيد Next Decided في ولاية تكساس الأمريكية. وهناك أكثر من 600 مليون شخص في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يحصلون على الكهرباء؛ فإن إمدادات الغاز في موزمبيق يمكن أن تكون الحلّ الذي تحتاجه القارة. وتحتاج على وجه الخصوص كلًّا من جمهورية جنوب إفريقيا وزيمبابوي وزامبيا إلى مد الغاز الطبيعي من موزمبيق، إلا أنه لا يوجد خط أنابيب لنقل الغاز من موزمبيق سوى خط رومكو إلى منطقة مجمع الكهرباء بجمهورية جنوب إفريقيا، ومِن ثَم هناك حاجة لتوفير النقل الآمِن للغاز المسال (Giannetti. B.F, et al, 2023, P.95).
رابعًا: مشكلات إنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق
تتعدد المشكلات التي تَحُدّ من التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي في دولة موزمبيق، سواء كانت مشكلات تتعلق بعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات وانعدام الأمن، أو مشكلات بيئية، أو مشكلات تتعلق بنقص كفاءة وكفاية مرافق البنية الأساسية التي تلعب الدور الرئيسي في نقل وتوزيع الطاقة. وتتمثل تلك المشكلات في النقاط الآتية:
- عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن:
تُعدّ مشكلة انعدام الأمن من أكبر الأزمات التي تواجه مشروعات الغاز في موزمبيق؛ مما ترتب عليها توقف عمليات إنتاج الغاز الطبيعي، وتطور صناعة الغاز المسال، وتوقف استثمارات شركات أجنبية عملاقة تتجاوز 50 مليار دولار، وقد تضررت شركات مثل توتال إنرجي، وإكسون موبيل التي كانت ترغب في بناء مصانع برية في الدولة تبدأ الإنتاج مع نهاية عام 2024م(Ugembe.M. A, et al, 2022, P.56).، وواجهت موزمبيق عدم استقرار سياسي وتحديات أمنية في منطقة كابو ديلجادو الشمالية (شكل 10)؛ حيث تنتشر الجماعات الإرهابية في مناطق توزيع أكبر حقول الغاز الطبيعي بالدولة، وانتشر غربًا إلى مقاطع نياسا المجاورة بداية من عام 2017م.
وقد ترتب على ذلك مقتل أكثر من 3500 شخص، وتهجير قسري لأكثر من 800 ألف شخص، منهم نحو 24 ألف شخص تم نزوحهم داخل منطقة “نانجادي”، ونحو 5 آلاف شخص في منطقة “مويدا” النائية المجاورة مع حدود تنزانيا حتى مارس من عام 2021م، وقد ترتَّب على هجمات المتمردين نزوح مئات الآلاف من المواطنين من شمال الدولة إلى جنوبها، مما دفَع بعض شركات الغاز الطبيعي إلى تأخير مشاريع الإنتاج المتفق عليها مع الحكومة، ودفع شركات أخرى ترغب في مواصلة وزيادة الاستثمار إلى زيادة مناطق استخراج الغاز الطبيعي Namaganda.E, et al, 2022 P.92)). مما أثَّر على استثمارات الغاز الطبيعي في موزمبيق؛ حيث كانت شركة جالب إنرجي تعتزم بناء مشروع بري في عام 2024م على أقرب تقدير، بسبب تصاعد الهجمات، عام 2021م، أوقفت شركة توتال إنرجي الفرنسية مشروعها للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار في أبريل 2021م (Giannetti. B.F, et al, 2023, P.98).
وتدخلت مجموعة التنمية للدول الإفريقية الجنوبية (سادك)، وقد تقرر مدّ موزمبيق بقوات من المجموعة مع قبول مساعدة قوات أجنبية من رواندا، للتخلُّص من الإرهاب القائم في مقاطعة كابو ديلجادو بشمال موزمبيق (Ugembe.M. A, et al, 2022, P.51).
المصدر: Namaganda.E, et al, 2022 P.97
شكل (10) الصراعات في مناطق إنتاج الغاز الطبيعي بشمال موزمبيق
- التحديات البيئية ونقص كفاءة البنية التحتية:
تسعى بعض المنظمات الدولية مثل جماعات البيئة ومنظمات حقوق الإنسان إلى عرقلة المشاريع المتعلقة باستخراج الطاقة الأحفورية؛ من خلال الضغط على المستثمرين في مجال الطاقة والمشرعين في الحكومات الأجنبية لوقف تمويل وتنفيذ مشاريع الطاقة في موزمبيق بدعاوى المخاطر البيئية.
وهناك مخاوف مناخية بسبب التوسع في استخراج الغاز الطبيعي، وما يترتب عليه من تلوث للبيئة، وقد نادى خبراء البيئة والمناخ بأن زيادة إنتاج الوقود الأحفوري في موزمبيق تتعارض مع أهداف المناخ الدوليّة (Namaganda. E, et al, 2023,P514).
كما يعاني قطاع الطاقة في موزمبيق من ضعف البنية التحتية، بما في ذلك شبكات نقل وتوزيع الطاقة داخل موزمبيق، فضلًا عن عدم كفاية مرافق الموانئ والنقل. فتقع مرافق معالجة الغاز في “شبه جزيرة أفونجي”، شمالي موكيمبوا دا برايا مباشرة، وهي مدينة ساحلية احتلها المسلحون منذ أغسطس 2020م ويشنون منها هجمات إلى أماكن أبعد، مما أنهَك شبكة الطرق البرية والمرافق البحرية (Giannetti. B.F, et al, 2023, P.92).
خامسًا: مستقبل الاستثمار الغاز الطبيعي في موزمبيق
حققت موزمبيق في السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في جذب الاستثمار الأجنبي، في قطاع الطاقة، وخاصة في صناعة الغاز الطبيعي، مما يوفّر فرصًا للمستثمرين، ويُعزّز التنمية المستدامة بالدولة. وتُوفّر احتياطات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثًا في موزمبيق مصدرًا مهمًّا للدخل القومي في السنوات القادمة.
- التوقعات المستقبلية على مستوى إنتاج الغاز الطبيعي
وضعت الشركات الأجنبية عدة توقعات تتعلق بإنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق خلال الفترة 2024-2029م، كما هو موضح بجدول (9)؛ وذلك طبقًا لرؤية تلك الشركات في عمليات الكشف والتنقيب عن الغاز الطبيعي.
يتبين من جدول (9) أن هناك العديد من المشروعات الساحلية لإنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق تتولى إدارتها شركات توتال وساسول وشركات وطنية أخرى، وهناك بعض المشروعات المعلن عنها فعليًّا والأخرى المخطط لها، ويبدأ العمل في تلك المشروعات بداية من عام 2024م حتى عام 2028م، وسوف تنتج تلك الحقول مجتمعةً أكثر من 612 مليون قدم مكعب يوميًّا من الغاز الطبيعي.
- التوقعات المستقبلية على مستوى مشروعات الغاز المسال
أعلنت شركة توتال، في يناير 2021م، أنها تهدف إلى استئناف المشروع عام 2022م، وقد توقف المشروع بسبب تخوُّف توتال بعد الهجوم المسلح على مشروعاتها في بالما بمقاطعة كابو ديلجادو شمال موزمبيق، والتي تُعدّ موطن العديد من عمّال الغاز، ومِن ثَم تأجيل إنتاج أول شحنة من مشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق التي خُطِّط لها عام 2024م، لمدة عامين حتى 2026م. ومِن ثَم يؤثر على تطوير صناعة الغاز في موزمبيق (Ugembe.M. A, et al, 2023, P.791).
وقد استحوذت شركة توتال على حصّة نسبتها 26.5% من المشروع، في يوليو عام 2022م، من مؤسّسة أناداركو الأمريكية للبترول، والتي اشترتها شركة أوكسي؛ حيث استطاعت توتال تأمين مشروعاتها في شمال موزمبيق بقيمة 15.8 مليار دولار وصلت في نهاية 2022م إلى 20 مليار دولار، وقد أوضحت الشركة أن مشروع الغاز الطبيعي المُسَال مُهِمّ لموزمبيق على المدى الطويل، كما قدَّم بنك التصدير والاستيراد الأمريكي للمشروع قرضًا بقيمة 5 مليارات دولار، وكذلك قدَّم بنك اليابان للتعاون الدولي قرضًا قيمته 3 مليارات دولار، وساهمت وكالة إكسبورت البريطانيّة بـ300 مليون دولار بصورة قروض مباشرة، و850 مليون دولار ضمانات للمقرضين (Ganhane. J. J, Stage. J, 2024, P.156).
سيتم إدارة المشروع مِن قِبَل شركة توتال الفرنسية متعددة الجنسيات. على الرغم من أنه كان من المتوقع في البداية أن يبدأ الإنتاج في عام 2024م، بإنتاج يومي يبلغ ملياري قدم مكعب (BCF) من الغاز الطبيعي، فقد تم تأجيله الآن إلى عام 2025م؛ بسبب الهجمات المسلحة، وقد شكَّلت شركات إكسون موبيل وإيني وشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) وكوجاس والإمبراطورة الوطنية للهيدروكربونات (ENH)، تعاونًا في منطقة 4، والتي ستؤدي إلى إنشاء مصنع روفوما للغاز الطبيعي المسال بقدرة 15.2 مليون طن سنويًّا (Salimo.P, et al, 2023, P122)، وسوف تبدأ توتال إنرجي إنتاج الغاز فقط في عام 2026م بطاقة تبلغ 13.1 مليون طن سنويًّا، ومن المتوقع في عام 2025م أن توفر مشروعات تيماني التابعة لشركة “ساسول” الغاز اللازم للاستخدامات المنزلية لمواطني موزمبيق، ويتم نقلها عبر خط أنابيب CCT الذي يجري إنشاؤه بواسطة الشركات النرويجية، كما يتوقع أن تُسهم مشروعات تيامي في إنتاج الكهرباء بمقدار 450 ميجا وات. وقد وضعت وزارة الطاقة بموزمبيق تصورًا للمكان الذي يجب أن توجد فيه المرافق الصناعية المتعلقة بالغاز (Vlaanderen, 2023, P.65).
من المتوقع أن تصبح البلاد مصدرًا رئيسيًّا للغاز الطبيعي المسال. وهناك منطقتان تم توسيعهما على امتيازين هما المنطقة 1 والمنطقة 4، وتعتبر هاتان المنطقتان من أهم مشاريع الغاز المسال البحرية في القارة. ووفقًا لشركة Energy Capital and Power، ستشهد المنطقة 1 بناء مجمع موزمبيق للغاز الطبيعي المسال بسعة 12.9 مليون طن سنويًّا في أفونجي، والتي سيتم توريدها من قبل مجمع Prosperidade وشركة Golfinho-Atum Development(Vlaanderen, 2023, P.62).
- التوقعات المستقبلية على مستوى مد خطوط أنابيب الغاز
هناك تصوُّر لخط أنابيب مقترح سوف تعتمد المرحلة الأولى منه على وجود محطة كهرباء تعتمد على إنشاء وحدة لتحويل الغاز الطبيعي إلى الغاز المسال في مقاطعتي بالما وناكالا، كما هو موضح بجدول (10)، وتركّز إستراتيجية شركة JCG، التابعة للشركة القابضة G L Energy على تخزين الغاز؛ لخدمة إمدادات محطات إنتاج الكهرباء التابعة لشركة EDM الحكومية لتوفير الكهرباء بسعر أرخص واستقرار شبكة الكهرباء في المناطق الشمالية، والاستفادة من إنتاج الغاز المحلي المخطَّط له في المنطقة.
أما التوقعات المستقبلية على مستوى التصدير، فقد وقَّعت موزمبيق تعاقدات مستقبلية لتصدير الغاز الطبيعي مع شركات توتال، وإيني وإكسون موبيل، ومع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي بتصدير نحو 4.6 مليون طن سنويًّا من الغاز الطبيعي المسال(Ugembe.M. A, et al, 2022, P.55) .
شكل (11) حجم تدفق الغاز حسب تصميم خط الأنابيب من مناطق خليج بالما وناكالا (حوض روفوما)بالمليون قدم مكعب في اليوم
خاتمة:
توصلت الدراسة إلى أن إنتاج دولة موزمبيق للغاز الطبيعي سوف يجعلها في غضون بضع سنوات واحدة من الاقتصادات الإفريقية والدولية الكبرى؛ إذ ستجني أرباحًا طائلة جراء تسويق الغاز من الحقول البحرية؛ الأمر الذي قد يُمكِّنها من بدء نهضة صناعية وحدوث طفرات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وتسريع تطوير البنية التحتية.
وتوصي الدراسة بضرورة الإسراع في مد خط أنابيب غاز طبيعي يبدأ من منطقة حوض روفوما، فمن الضروري إنشاء خط أنابيب غاز من بالما إلى منطقة خليج ناكالا وصولًا إلى بيرا، وكذلك التوسع في محطات تسييل ومعالجة الغاز الطبيعي، مع ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار لتحقيق التنمية المستدامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المراجع
- AICD, Africa Infrastructure Country Diagnostic, 2024, Mozambique’s Infrastructure:
A Continental Perspective, Country Report, A publication of the World Bank. - M, Azzone. G, Agostino. L. D, Scotti. F., 2022, Precision policies and local content targets in resource-rich developing countries: The case of the oil and gas sector in Mozambique, Resources Policy, Vol. 76, ScienceDirect, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/resourpol.
- A.F, Musango. J. K., 2024, Urban households energy transition pathways: A gendered perspective regarding Mozambique, Renewable and Sustainable Energy Reviews, Vol. 190, Science Direct, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/rser.
- J. J, Stage. J, 2024, Estimating resource rents for Mozambique, Resources Policy, Vol. 94, ScienceDirect, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/resourpol.
- B.F, Langa.E.S, Cecília M.V.B, Agostinho.F, Geraldo.C.O.N, Lombardi.G.V., 2023, Overcoming poverty traps in Mozambique: Quantifying inequalities among economic, social and environmental capitals, Journal of Cleaner Production, Vol. 383, ScienceDirect, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/jclepro.
- Ministry of Economy and Finance, The Republic of Mozambique, 2015, the Project for Nacals Corridor, Economic Development Strategies in the Republic of Mozambique, Analysis Report: Strategic Master Plan on Development of Value Chain for Natural Gas related Sectors, Japan International Cooperation Agency (JICA).
- E, Otsuki. K, Steel. G., 2023, Understanding the cumulative socioenvironmental impacts of energy transition-induced extractivism in Mozambique: The role of mixed methods, Journal of Environmental Management, Vol. 338, ScienceDirect, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/jenvman.
- E, Otsuki. K, Steel. G, 2022, Learning from Africana critical theory: A historicized contextualization of the impacts of Mozambique’s natural gas project, The Extractive Industries and Society, ScienceDirect, Elsevier Ltd. www.elsevier.com/locate/exis.
- P, Buur. L, Macuane.J.J, 2023, The politics of domestic gas: The Sasol natural gas deals in Mozambique, The Extractive Industries and Society, Vol.7, Science Direct, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/exis.
- C.A, Shendrikova.D, Crevani.G, Berino Silinto.B,Colombo.E, 2023, Enabling factors for the development of mini-grid solutions in Mozambique: A PESTLE-based analysis, Energy Strategy Reviews, Vol. 45, ScienceDirect, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/esr.
- M. A, Brito.M.C, Lotz. R. I., 2022, Measuring energy poverty in Mozambique: Is energy poverty a purely rural phenomenon?, Energy Nexus, Vol.5, Science Direct, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/nexus.
- M. A, Brito.M.C, Lotz. R. I., 2023, Electricity access and unreliability in the creation of sustainable livelihoods in Mozambique, Energy for Sustainable Development, Vol. 77, Science Direct, Elsevier Ltd, www.elsevier.com/locate/exis.
- https://www.iea.org.
- https://www.iea.org/countries/mozambique/natural-ga.
- eia.gov/cfapps/ipdbproset lepmdx3.cfm.
- AICD, Africa Infrastructure Country Diagnostic, 2024, Mozambique’s Infrastructure:
([1]) أستاذ مساعد الجغرافيا الاقتصادية ونظم المعلومات الجغرافية، قسم الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، maherhs2005@yahoo.com, maher.sedawy@cu.edu.eg.
(*) تم حساب مساحة الدولة وأقسامها الإدارية من خلال برنامج ArcGIS.10.8
(*)ENH: Empresa Nacional de Hidrocarbonetos (بالبرتغالية)، أي: شركة موزمبيق الوطنية للهيدروكربونات Mozambique National Hydrocarbons Company.
*) ) يتضمن امتياز المنطقة 4 محطة كورال ساوث العائمة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال العاملة حاليًّا، بالإضافة إلى محطتي إنتاج الغاز الطبيعي المسال كورال نورث العائمة وروفوما البرية المخطط تطويرهما(Namaganda. E, et al, 2023,P514).
) تمثل احتياطيات الغاز الطبيعي عام 2023م نسبة 1,4٪ من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، والبالغة 6923 تريليون قدم مكعب. وتبلغ احتياطيات الغاز المُثبتَة في موزمبيق قرابة 1545,7 ضعف استهلاكها السنوي، ما يعني أن لدى البلد الواقع في جنوب شرق إفريقيا احتياطات تكفيه للاستهلاك المحلي لقرون قادمة.
*) ) يمثل الاحتياطي المتوقع (المقدر) مجموع الاحتياطي المؤكد، والاحتياطي غير المستكشف (المحتمل).
*) ) شملت قائمة الدول المذكورة كلًّا من الولايات المتّحدة واليابان وبريطانيا وهولندا وإيطاليا جنوب إفريقيا وفيتنام؛ حيث ساهمت تلك الدول بتمويل ضمن حزمة قروض تبلغ 14.9 مليار دولار، بالإضافة إلى البنك الإفريقي للتنمية و19 مؤسّسة مصرفية أخرى.