تشهد مدينة لاغوس ومدنٌ نيجيرية أخرى منذ أسبوع احتجاجات النيجيريين المطالبين بإصلاحٍ فوريّ لشرطة نيجيريا؛ بدءًا من حلّ وحدة مكافحة السرقة الخاصة المتّهمة بارتكاب عمليات قتل وانتهاكات خارج نطاق القانون.
وإذ استجابت الحكومة النيجيرية لمطلب حلّ الوحدة بإعلان المفتش العام للشرطة مساء الأحد (11 أكتوبر 2020م), إلا أنَّ المحتجين قد أبدوا شكوكهم في الإعلان, خاصةً وأن المسؤولين سبقوا وأن أعلنوا إلغاء الوحدة ومعالجة تجاوزاتها؛ دون نتيجة إيجابية.
وفيما يلي خلفية موجزة عن الوحدة والنقاط الرئيسية عن القضية.
ما هي وحدة “SARS“؟ ومتى أُنشِئَتْ؟
كانت وحدة مكافحة السرقة الخاصة (Special Anti-Robbery Squad = SARS) أو “FSARS” واحدة من 14 وحدة لقوات الشرطة النيجيرية التابعة لإدارة التحقيقات الجنائية والاستخبارات برئاسة نائب المفتش العام للشرطة (يشغل المنصب حاليًا “أنطوني أوبيزي”). وكانت مهمتها الرئيسية: القبض على المتورّطين في جرائم مختلفة؛ مثل: السطو المُسلَّح، والاختطاف، وأشكال الجرائم الأخرى، والتحقيق معهم ومقاضاتهم.
وتأسَّست وحدة “SARS” في عام 1992م بعد حادثة مقتل الكولونيل “ريندام” أثناء مواجهة بين أفراد من الجيش والشرطة عند نقطة تفتيش في لاغوس (جنوب غرب نيجيريا)؛ فسيطر الجيش على شوارع لاغوس لمدة أسبوعين بحثًا عن أفراد الشرطة, لينسحب ضباط الشرطة من نقاط التفتيش والشوارع والمدن؛ خوفًا من الجيش، بينما ارتفعت أعمال الإجرام والشَّغب، وسيطرت الفوضى على أماكن في المدينة بسبب غياب الشرطة.
وهكذا شَكَّل “سيميون دانلادي ميدندا” -مفوّض الشرطة السابق في لاغوس- وحدة خاصَّة مكوّنة وقتذاك من 15 ضابطًا فقط عَمِلوا في الظل والخفاء دون علم الجيش (وبدون زيّ شرطة رسميّ) لمكافحة السرقة والإجرام. وأطلقها بشكل رسميّ بعد نجاح قادة الجيش والشرطة في إنهاء خلافاتهم بعد شهور من الحوار؛ حيث عاد ضباط الشرطة إلى مراكزهم وأماكن التفتيش, بينما سمَّى “ميدندا” وحدته الجديدة بـ (Special Anti-Robbery Squad = SARS)؛ ليُميِّزها عن الوحدات الثلاث الموجودة بالفعل قبل وحدته والمنوط بها أيضًا مكافحة السرقة.
ما النجاحات التي حقّقتها الوحدة؟ وما الشكاوى ضدّها؟
منذ إنشائها في عام 1992م؛ حقّقت وحدة “SARS” عدة نجاحات، وحظيتْ بإشادات الذين لاحظوا انخفاض معدل الإجرام بعد تأسيسها, وخاصةً في مدينة لاغوس نيجيريا؛ ففي عام 2009م نمت أعداد أفراد الوحدة، وعزّزت وكالة الشرطة نفوذها وقدراتها؛ وذلك بعد ارتفاع مفاجئ لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت والأنشطة غير القانونية في حرم الجامعات النيجيرية؛ حيث تسلّلت أفراد الوحدة إلى الجامعات، ونجحت في سلسلة اعتقالات ناجحة.
إلّا أنَّ طبيعة عمليات وحدة “SARS” التي غالبًا ما تكون مع فئات الشباب أدّت إلى مضايقتها للمواطنين والشباب الأبرياء؛ إذ غيّرت الوحدة معايير اعتقالها وعملياتها إلى مطاردة الذين تبدو فيهم علامات الثراء من الشباب، وخاصةً الذين يتّخذون تصفيفة شعر معينة، ويركبون سيارات فارهة، ويستخدمون هواتف باهظة الثمن، وغيرها؛ رغم إثبات العديد منهم براءتهم واقتناء ممتلكاتهم بطريقة شرعية وأساليب قانونية.
وقد كشفت تقارير محلية ودولية فيما بين 2010 و2020م أنَّ العديد من وحدات الشرطة في البلاد بحاجة إلى إعادة توجيه وتدريب مكثّف؛ حيث اكتسبت وحدة “SARS” شهرة العصابة التي كانت تَستغلّ قوّتها للابتزاز وقتل الأبرياء؛ بدلاً من مطاردة المجرمين وَفْق القانون.
وفي مايو 2010م أعلنت منظمة العفو الدولية مقاضاتها لقوة الشرطة النيجيرية؛ بسبب انتهاك حقوق الإنسان, وذلك بعدما أوقف أفراد وحدة “SARS” ثلاثة من راكبي دراجات نارية، واحتجزتهم لأكثر من أسبوع تحت علمية ضربٍ كلّ ليلة بعقب البندقية والحزام الحديدي. وفي 20 مايو 2010م, أمرت المحكمة العليا في ولاية “إينوغن” المفتش العام للشرطة آنذاك بتقديم ضابط من الوحدة للمحاكمة لاتهامه بقتل طالب يبلغ من العمر 15 عامًا بمدرسة ثانوية, وذلك بعدما اعتقد الضابط خطأً أن المراهق شارك في عملية اختطاف.
وصدر تقرير للصحيفة الاستقصائية النيجيرية “صحارى ريبورترز” في 27 يوليو 2010م فصَّل الحديث عن الطرق التي يتبعها ضباط وحدة “SARS” في عملياتها غير القانونية, وكيف حصلتْ (من بين وحدات الشرطة الأخرى) على 9.35 مليار نايرا (60 مليون دولار) من خلال حجز التفتيش العشوائي والابتزاز في غضون 18 شهرًا فقط.
ما المحاولات السابقة لإصلاح الوحدة وحلّها؟
سعت الحكومة النيجيرية فيما بين عامي 2015م حتى 2019م إلى إصلاح وحدة مكافحة السرقة الخاصة (SARS), وذلك بعد شكاوى وتقارير انتهاك ضُبّاط الوحدة لحقوق النيجيريين. غير أن هذه المحاولات لم تَأْتِ بنتائج ملموسة؛ ففي 7 أغسطس 2015م أعلن مكتب المفتش العام السابق للشرطة “سولومون أراسي” تقسيم “SARS” إلى وحدتين مختلفتين؛ وحدة تشغيلية، ووحدة للتحقيق؛ وذلك للحدّ من قضية انتهاك حقوق الإنسان.
وفي ديسمبر 2016م بعد سلسلة الشكاوى والانتهاكات من الشباب وروايات الآباء الذين فقدوا أبناءهم بسبب تجاوزات “SARS“؛ أطلق الناشط النيجيري “سيغون أوَوْسانيا” حملة عبر الإنترنت تدعو لحلّ الوحدة عبر وسم #EndSARS. وقد تفاعل النيجيريون مع الحملة؛ من خلال نشر تجاربهم ومواقفهم السلبية مع الوحدة, وأجبرت صرخة غضب في ديسمبر 2017م المفتش العام السابق للشرطة “إبراهيم إدريس” على إصدار أمر بإعادة تنظيم الوحدة بعدما ظهر شابٌّ مقتولاً في لقطةٍ مصورة على يد ضباط الوحدة.
إلا أنَّ إعادة التنظيم في عام 2017م لم تُنَجِّ “SARS” من الاتهامات؛ إذ اضطرّ البروفيسور القائم بأعمال الرئيس النيجيري “ييمي أوسينباجو” (أثناء غياب الرئيس “محمد بخاري” ومرضه في لندن) إلى إصدار أمرٍ بأثرٍ فوري في 14 أغسطس 2018م للمفتش العام للشرطة “إبراهيم إدريس” بإصلاح الوحدة، وإجراء تحقيق مستقلّ بعد سلسلة “شكاوى وتقارير مستمرة” عن الانتهاكات. وهكذا أُعِيدَ تسمية الوحدة إلى “الوحدة الفيدرالية الخاصة لمكافحة السرقة” (Federal Special Anti-Robbery Squad = FSARS) مع تعيين رئيس جديد لها، وتوفير مسؤولي حقوق الإنسان للتأكّد من تقارير الانتهاكات.
ومع ذلك, استمرّت الشكاوى وتصاعدت الأصوات المطالبة بحل “SARS“. وفي 21 يناير 2019م أمر المفتش العام الحالي للشرطة “محمد أدامو” بتنظيم لامركزيٍّ فوريّ للوحدة, وجَعْل إدارة التحقيقات الجنائية ومفوضي الشرطة في كل ولاية مسؤولين ومحاسبين عن أعمال الوحدة.
ما سبب الاحتجاجات الأخيرة؟
يمكن القول بأن الاحتجاجات التي تشهدها مدن نيجيريا والمجتمعات النيجيرية في الشتات كانت نتيجة الغضب والاستياء المتراكم على مدى السنوات الماضية تجاه وحشية وحدة “SARS“، وعدم حدوث تغيير حقيقيّ من خلال الإصلاحات السابقة التي أعلنتها الحكومة وقوة الشرطة. وقد بدأت الاحتجاجات في بداية أكتوبر 2020م بعد ظهور لقطات مصوّرة على الإنترنت مرافقة مع تجارب الكثيرين مع انتهاكات وحدة “SARS“.
وفي إحدى اللقطات, ظهر ضباط من “SARS” وهم يجرّون رَجُلَيْنِ من فندق في لاغوس، ويطلقون النار على أحدهما في الشارع, وفي لقطة أخرى أطلق ضبّاط من الوحدة النار على سائق سيارة، وألقوه على جانب الطريق, وهو ما أثار غضبًا جماهيريًّا أدَّى إلى دعوات استخدام الحقّ الذي منحه الدستور النيجيري للمواطنين والمتمثّل في حق الاحتجاج والتظاهر السلمي.
وقد استجاب الكثيرون لهذه الدعوات، وشارك الآلاف من كل المدن الرئيسية في جميع أنحاء البلاد -بمن فيهم شخصيات مؤثرة وفنانون شباب- مطالبين بتحرّكٍ فوريٍّ لإصلاح طويل الأمد لقوة الشرطة، ولقيت هذه التحركات أيضًا دعمًا عالميًّا بعدما تصدّر وسم “#EndSARS” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”, وذلك بفضل تفاعل النيجيريين المشهورين ولاعبي كرة القدم من أصول نيجيرية وإفريقية. إضافة إلى تنظيم النيجيريين المقيمين في الشتات -وخاصةً المملكة المتحدة- سلسلة من الاحتجاجات أمام السفارات النيجيرية المختلفة.
لماذا تجاهلت الحكومة شكاوى الاحتجاجات في أيامها الأولى؟
لم تستجب الحكومة النيجيرية لمطالب الاحتجاجات في أيامها الأولى, اللهم إلا ثلاث تغريدات لحساب الرئيس “محمد بخاري” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” يوم السبت الماضي (10 أكتوبر 2020, أي بعد يومين من بدء الاحتجاجات), أشار فيها أنه مصمم على إنهاء وحشية الشرطة وإجراء إصلاحات وتقديم “العناصر المخطئة … إلى العدالة”.
وهناك اعتقاد سائد بأن حكومة الرئيس “محمد بخاري” تجاهلت في البداية مناقشة شكاوى المحتجين ومطالب تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات وحدة “SARS“؛ بسبب التوجّه الملحوظ مؤخرًا، والذي يرى أيّ احتجاج كأداة لإسقاط حكومته, حيث اتسمت قوات الأمن منذ الثلاث سنوات الماضية بقمع المظاهرات، وخاصة تلك التي تطالب باستقالته من الرئاسة، وبالثورة ضده بسبب “فشله” في إدارة البلاد. ولعلّ ما يُعضّد هذا الاعتقاد هو إعلان المفتش العام للشرطة بعد يومين من الاحتجاجات باستحالة حلّ وحدة “SARS” والاستجابة لمطالب المتظاهرين.
ويزعم آخرون أنهم شعروا بأن عدم اهتمام إدارة الرئيس “بخاري” بشكاوى الاحتجاجات في بداياتها كان بسبب موقف بعض المقربين منه وبعض وزرائه من أن القضية تمسّ إقليمَيْ جنوب نيجيريا فقط دون شمالها. واستدلوا في زعمهم بخروج مجموعة صغيرة الحجم في ولاية “كتسينا” الشمالية، وهي تعلن دعمها لوحدة “SARS” وتدعو الحكومة إلى عدم حلّها.
إلا أنّ تفاقم الوضع داخل نيجيريا بانضمام الآلاف من النيجيريين إلى الاحتجاجات، وتضامن شخصيات ومسؤولي حكومات أوروبية معها؛ قد ساهم في إدراك الحكومة النيجيرية لخطورة الوضع؛ حيث أعلنت يوم الأحد الماضي (11 أكتوبر 2020م) حلّ وحدة “SARS” بشكل فوريّ، وتعهَّد المسؤولون بإصلاح قوة الشرطة بشكلٍ عاجلٍ.
لماذا استمرت الاحتجاجات بعد إعلان حلّ الوحدة؟
بعد إعلان حلّ وحدة “SARS“, توقّع مسوولو الحكومة تراجع المحتجين, ولكنَّ الأعداد ارتفعت بعدما أظهرت لقطات على مواقع التواصل الاجتماعي مساء الأحد الماضي وجود أفرادٍ من الوحدة في أوساط المتظاهرين؛ رغم إعلان حلّها. كما اعتقل ضباط شرطة آخرون محتجّين، واستخدموا خراطيم المياه، وأطلقوا الذخائر الحية عليهم, بينما أعلنت الصحف المحلية مقتل شابين وإصابة آخرين في مختلف مدن البلاد.
يُضاف إلى ما سبق أن المحتجين أثناء مسيراتهم صرّحوا بأنهم لا يثقون في إعلان حلّ الوحدة مِن قِبَل الحكومة؛ لأنها قد أعلنت في السنوات السابقة أيضًا عن إصلاح الوحدة، ولكن دون جدوى. ولذلك اشترط المحتجّون خمسة مطالب يجب على الحكومة تنفيذها أو إثبات أنها ستنفذها عبر المنافذ القانونية قبل مغادرتهم لأماكن الاحتجاجات. وهي:
أ- الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين المحتجّين.
ب- تحقيق العدالة لجميع ضحايا وحشية الشرطة المقتولين وتعويضات مناسبة لأسرهم.
ج- إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على التحقيق والمقاضاة في جميع التقارير المتعلقة بسوء سلوك الشرطة (خلال 10 أيام).
د- تماشيًا مع قانون الشرطة، إجراء تقييم نفسي (تؤكده هيئة مستقلة) لجميع ضباط وحدة “SARS” المنحلة قبل إعادة توظيفهم ونشرهم في وحدات أخرى.
ه- زيادة رواتب ضباط الشرطة؛ لتعويضهم بشكل مناسب على جهودهم في حماية أرواح وممتلكات المواطنين.
هل استجابت الحكومة للمطالب الخمسة؟
فشلت الجولات الأولية مِن قِبَل مسؤولي الحكومة الذين حاولوا إقناع المتظاهرين بالتنازل عن المطالب الخمسة، وأن الحكومة ستنفّذ الإصلاحات اللازمة؛ حيث رفضت الشخصيات الشَّابَّة المُشارِكَة في الاحتجاجات مغادرة أماكن الاحتجاج إلا بعد الموافقة على تنفيذ المطالب الخمسة بطريقة قانونية وبمشاركة الجمعية الوطنية وأصحاب المصلحة الآخرين.
وبالفعل وافقت اللجنة الرئاسية المُشَكَّلة لإصلاح الشرطة يوم الثلاثاء (13 أكتوبر 2020م) على كل المطالب الخمسة. وأكَّدت حكومة الرئيس “محمد بخاري” على قرار حلّ وحدة “SARS” والاستجابة الفورية لرغبات المواطنين, كما تم عقد اجتماع بين المفتش العام للشرطة “محمد أدامو” والمفوضية الوطنية لحقوق الإنسان وممثلي منظمات المجتمع المدني والنشطاء في نيجيريا.
يُضَاف إلى ما سبق أن إشراك النشطاء وممثلي المنظمات الحقوقية في عملية إنفاذ القانون ودعوة اللجنة الرئاسية إلى ضرورة تسريع تلبية المطالب الخمسة، ووقف استخدام القوة ضد المتظاهرين، والإفراج غير المشروط عن المعتقلين أثناء الاحتجاجات.. كلها قد تُمَهِّد الطريق أمام تهدئة الأوضاع وعودة الثقة (ولو جزئيًّا) بين المواطنين والحكومة من جهة، وبين المواطنين والشرطة من جهة أخرى.
__________________________
للمزيد:
#SARSMUSTEND: Buhari’s govt to address protesters’ demands — Presidency:
After Osinbajo’s Order, Police Rename SARS ‘Federal Special Anti-Robbery Squad’ (FSARS):
Five demands from #EndSARS protesters:
How I founded SARS in the Police – RTD CP Midenda:
How Police Personnel Raked In 9.35Billion Naira From Roadblocks In The Southeast-Nigeria In 18 Months:
IGP finally disbands SARS:
In Pictures: Protests against police brutality sweep Nigeria:
Nigerians Protest against Police Brutality Despite Government’s Promise to Disband Special Unit:
Outcry in Nigeria over footage of shooting by notorious police unit: https://bit.ly/3lJL3Ap
Police foil attempt to bomb Force Headquarters: https://bit.ly/3jZuTCo
Sars ban: Two dead in Nigeria police brutality protests: https://bbc.in/33VIrcx
The Killing Force: Nigeria Police Turn Their Guns On Defenceless Citizens: https://bit.ly/312ZlEd
Young Nigerians are calling for a brutal special police unit to be scrapped: https://bit.ly/2ImylJn