قام العميد “بريس أوليغوي نغيما” رئيس المرحلة الانتقالية في الجابون بإصدار قانون الانتخابات الجديد يوم 22 يناير 2025م، وذلك بعد أن وافق أعضاء البرلمان الانتقالي بمجلسيه النواب والشيوخ على مشروع قانون الانتخابات، وذلك خلال الجلسة الاستثنائية التي عُقدت لهذا الغرض يوم 20 يناير الجاري، ونظرًا لصدور هذا القانون بشكلٍ سريع بعد مناقشات استمرت لعشرة أيام فقط، بجانب صياغته مِن قِبَل لجنة تترأسها “موريل مينكو مينتسا” التي تم تعيينها في أوائل ديسمبر 2024م مِن قِبَل رئيس المرحلة الانتقالية؛ فقد أعربت قوى المعارضة عن سَخطها وعدم ارتياحها لقانون الانتخابات الجديد متَّهمةً إيَّاه بأنه سوف يؤدي إلى عسكرة الحياة السياسية في الجابون، ويخدم تطلُّعات قادة المرحلة الانتقالية من العسكريين الذين يتولون السلطة في الجابون منذ إطاحتهم بالرئيس المعزول “علي بونجو”، وتتصاعد هذه الانتقادات لقانون الانتخابات مِن قِبَل المجتمع المدني وأحزاب وتيارات المعارضة؛ رغم الدعاية السياسية الإيجابية لهذا القانون مِن قِبَل الحكومة الانتقالية، والتي تُسوّق له على أنه قانون انتخابي عادل، يُسهم في عودة الحكم المدني للبلاد، ويُتيح تنظيم انتخابات حرَّة ونزيهة وشفافة، وهو ما لا تعترف به تيارات المعارضة المختلفة في الجابون.
ومن خلال هذه المقالة سوف نُسلّط الضوء على قانون الانتخابات الجديد في الجابون، والنصوص الخلافية التي تعترض عليها المعارضة، وما تَحْمله من آثار على المشهد السياسي في الجابون، وذلك وفقًا للنقاط التالية:
أولاً: نطاق سريان قانون الانتخابات ومضمونه الشكلي:
لقد افتتحت نصوص هذا القانون بالمادة الأولى، والتي نصَّت على أن هذا القانون الأساسي يأتي استجابةً لأحكام المادتين 3 و94 من دستور الجابون، وذلك لتنظيم أحكام الانتخابات في جمهورية الجابون، وأعقبتها المادة الثانية التي أوضحت نطاق سريان هذا القانون؛ حيث جعلت أحكامه تسري على انتخاب رئيس الجمهورية، وانتخاب أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وأعضاء مجالس المقاطعات والبلديات وأعضاء المجالس المحلية وعمليات الاستفتاء.
وعقب انتهاء هذين النصين، تم تقسيم قانون الانتخابات إلى أربعة أقسام؛ جاء القسم الأول منها تحت عنوان الأحكام المشتركة، وقد تضمَّن هذا القسم عشرة أبواب، وتضم هذه الأبواب 18 فصلًا، ويبدأ هذا القسم بالمادة 3 وينتهي بالمادة 166، ثم جاء القسم الثاني من قانون الانتخابات تحت عنوان أحكام خاصة، وقد تضمَّن خمسة أبواب، وتحت هذه الأبواب 30 فصلاً، وهو يبدأ من المادة 167 وينتهي بالمادة 320، ثم أعقبه القسم الثالث تحت عنوان الأحكام الجزائية والتقاضي، ويضم هذا القسم بابين، تحت كل باب أربعة فصول، ويبدأ هذا القسم بالمادة 321 وينتهي بالمادة 373.
وأخيرًا يأتي القسم الرابع من قانون الانتخابات تحت عنوان الأحكام الانتقالية والمتنوعة والنهائية، وهو ينقسم إلى بابين فقط، ويبدأ بالمادة 374، وينتهي بالمادة 379، والتي هي آخر مادة في قانون الانتخابات، ويُعدّ هذا القانون من حيث الحجم كبيرًا جدًّا، ومن حيث المضمون فقد احتوى على تقسيمات وتفاصيل كانت مكررة أحيانًا، ونظرًا لأن هذا القانون تم وضعه في فترة وجيزة فسوف يكون محلاً للخلاف مستقبلًا، بل يمكن أن يتم تعديله في حالة استمرار المعارضة الجابونية في انتقاده.([1])
ثانيًا: نقد المعارضة لهيمنة وزارة الداخلية على الأجهزة المسؤولة عن إدارة الانتخابات:
لقد حدَّد قانون الانتخابات الجديد في المواد من 12 إلى 29 الأجهزة المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية، وتتمثل هذه الأجهزة فيما يلي:
أ- وزارة الداخلية: حيث نصَّت المادة 12 على أن تتولَّى وزارة الداخلية إعداد وتنظيم وإدارة الانتخابات والاستفتاءات، وأضافت المادة 13 أن وزارة الداخلية مسؤولة عن تسجيل الناخبين، وإعداد القوائم الانتخابية وتوزيع بطاقات الناخبين، وتحديث السجل الانتخابي، ونقل الموادّ الانتخابية اللازمة للتصويت، وتحديد مراكز الاقتراع، كما أضافت المادة 14 أن وزارة الداخلية تتولى خلال عملية إدارة الاقتراع عدة أمور؛ من بينها: ضمان حُسْن سير الحملة الانتخابية، وتعيين أعضاء مراكز الاقتراع، والإشراف على عمليات التصويت، وتنظيم جَمْع ونقل المحاضر من مكاتب الاقتراع إلى أماكن فرز النتائج. بجانب إحصاء الأصوات من خلال اللجان الانتخابية، وإعلان النتائج مِن قِبَل وزير الداخلية، وإحالة نُسَخ من المَحاضِر المركزية ومحاضر مراكز الاقتراع والنتائج التي أعلنها وزير الداخلية إلى المحكمة الدستورية.([2])
ب-اللجنة الوطنية لتنظيم وتنسيق الانتخابات والاستفتاءات:
وقد نصَّت المادة 15 على هذه اللجنة؛ حيث قالت: تُنشَأ في حالة الانتخابات أو الاستفتاءات لجنة وطنية لتنظيم وتنسيق الانتخابات والاستفتاءات بقرار من الوزير المكلف بالانتخابات، وتكون مهمتها -على وجه الخصوص- ضمان التنسيق والإشراف على أنشطة وعمل اللجان الانتخابية المحلية والقنصلية، واستلام وفحص ملفات الترشح، وتوزيع المواد الانتخابية، وحصر النتائج الانتخابية.
وأضافت المادة 16 أن وزير الداخلية هو الذي يتولى رئاسة هذه الهيئة، التي يكون لها مكتب وأعضاء يمثلون الوزارات المسؤولة وعلى وجه الخصوص وزارات الدفاع الوطني والأمن والاتصالات والعدل والشؤون الخارجية، ويتم تعيين أعضاء هذه اللجنة بقرار من وزير الداخلية بناء على اقتراح الوزراء المسؤولين وفقًا للمادة 17، كما يؤدي أعضاء هذه اللجنة القسم أمام المحكمة الدستورية.([3])
ج-اللجان الانتخابية المحلية:
حيث نصَّت المادة 18 من هذا القانون على أنه قبل 30 يومًا على الأكثر من تاريخ أيّ انتخابات وعشرة أيام على الأكثر قبل تاريخ الاستفتاء تُشكّل وزارة الداخلية لجانًا انتخابية محلية، وتتمثل في: اللجان الانتخابية الإقليمية، واللجان الانتخابية على مستوى المقاطعات، واللجان الانتخابية البلدية، واللجان الانتخابية على مستوى المناطق، وعلى مستوى المحليات إن وُجِدَت، واللجان الانتخابية القنصلية في حالة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات، ووفقًا للمادة 19 تتولى تلك اللجان تحت إشراف وزير الداخلية إدارة العمليات الانتخابية في حدود اختصاصها، ويتم تعيين أعضاء اللجان الانتخابية وفقًا للمادة 27 بقرار من وزير الداخلية، كما أن إعداد القوائم الانتخابية من اختصاص وزارة الداخلية كذلك وفقًا للمادة 48.([4])
وكما يتضح من نصوص هذه القوانين فهي تمنح وزارة الداخلية المسؤولية الكاملة عن إدارة العملية الانتخابية، مع هيمنتها على باقي الأجهزة المسؤولة عن إدارة الانتخابات، وهو ما ترفضه بعض تيارات المعارضة، التي ترى أن إدارة وزارة الداخلية للعمليات الانتخابية يمكن أن يكون محل نزاع انتخابي؛ لأنها إحدى الجهات التابعة للحكومة، وبالتالي مسألة حيادها وعدم انحيازها لمرشحي النظام محل نظر، وكانت المعارضة تريد إنشاء لجنة مستقلة تكون هي المسؤولة عن إدارة العمليات الانتخابية في الجابون؛ حيث أعرب “جان ريمي ياما” -وهو زعيم لإحدى النقابات العمالية الرائدة في الجابون- عن سخطه من قانون الانتخابات الجديد؛ لعدم نصّه على إنشاء هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات؛ لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، مُشكِّكًا في استعداد المجلس العسكري الحاكم للجابون بتسليم السلطة للمدنيين.([5])
ثالثًا: النظر إلى هيئة مراقبة الانتخابات والاستفتاءات (ACER) على أنها مجرد هيئة شكلية:
حيث نصَّت على هذه الهيئة المادة 30 من قانون الانتخابات، وهي هيئة إدارية مستقلة غير دائمة تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ويتم إنشاؤها قبل شهر واحد على الأقل من إجراء الانتخابات، وتنتهي بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الانتخابات، ويتم وضع الاعتمادات اللازمة لتأسيس الهيئة في الميزانية العامة للدولة، وأضافت المادة 31 أن الهيئة تُشرف على كافة العمليات الانتخابية والاستفتاءات، وتضمن تنظيمهم بشكل صحيح، وتقترح التدابير اللازمة لتصحيح أيّ خلل تمَّت ملاحظته، وتضمن أيضًا الامتثال لقانون الانتخابات، وضمان الشفافية والمصداقية، وضمان ممارسة الناخبين والمرشحين لحقوقهم بحرية.
وتتكون تلك الهيئة وفقًا للمادة 32 من 9 أعضاء يتم تعينهم بمرسوم، ويتم اختيارهم بعد دعوة لتقديم الطلبات من بين الشخصيات الجابونية المشهود لها بالنزاهة والحياد، وتقوم وزارة الداخلية باستقبال ودراسة الطلبات، ويرأس هذه الهيئة رئيس، ويساعده نائب واثنان من المقريين وأمين عام، ويتم تعيين أعضائها بقرار من رئيس الجمهورية لمدة 4 شهور، بعد أن يؤدوا اليمين أمام المحكمة الدستورية. وتتمثل مهام الهيئة بشكل أساسي في مراقبة فعالية إنشاء اللجان الانتخابية المحلية، ومراقبة نشر قوائم الناخبين، ومراقبة توزيع المواد والوثائق الانتخابية، وتقديم مقترحات لتحسين الانتخابات، وبعد كل انتخابات أو استفتاء ترسل الهيئة تقريرًا عن تنفيذ مهامها لرئيس الجمهورية، ورؤساء غرفتي البرلمان والمحكمة الدستورية ومجلس الدولة وديوان المحاسبة والمحكمة الإدارية ووزير الداخلية.([6])
ونظرًا لأن وزارة الداخلية هي المسؤولة عن استقبال ودراسة ملفات الأعضاء المعينين في هذه الهيئة، وكذلك يتم تعيين أعضائها بقرار مِن قِبَل رئيس الجمهورية فترى المعارضة أنها مجرد هيئة شكلية ولا تتمتع بالاستقلال، فضلاً عن كون دورها مجرد عمل إشرافي.
رابعًا: ارتفاع قيمة مبلغ الضمان الانتخابي الذي يدفعه راغب الترشح كوديعة مالية:
حيث نصت المادة 88 من قانون الانتخابات على أن تُنشَأ ضمانة انتخابية لكل فئة انتخابية، وقد حددت قيمة الوديعة المطلوب من الشخص الراغب في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دفعها بمبلغ 30 مليون فرنك إفريقي، ومليون فرنك إفريقي لانتخابات الجمعية الوطنية، وكذلك مليون فرنك إفريقي لانتخابات مجلس الشيوخ، و350 ألف فرنك إفريقي لكل قائمة لانتخابات المجالس البلدية، ويتم استرداد مبلغ الوديعة الانتخابية بصور كاملة للمرشحين المنتخبين أو قوائم المرشحين الذين حصلوا على 50% على الأقل من المنتخبين في التصويت النسبي، بينما يحصل على نسبة 50% من قيمة الوديعة المالية كل من المرشحين أو القوائم المرشحة التي حصلت على 10% من أصوات الناخبين، بينما المرشحون أو القوائم التي لم تحصل على 10% من الأصوات المُدْلَى بها والذين لم يُطالبوا بها خلال سنة من تاريخ إشعار الدفع فإن الوديعة الخاصة بهم تؤول نهائيًّا إلى الخزانة العامة.([7])
وقد انتقدت أحزاب المعارضة هذا النص؛ وذلك بسبب ارتفاع مبلغ الوديعة المالية بصورة كبيرة؛ لأنها ستمنع العديد من الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين من الترشح للانتخابات؛ لعدم قدرتهم على توفير مبلغ الوديعة الضخم، وبالتالي ستفتح الطريق للمرشحين الأثرياء والأحزاب الثرية للترشح والفوز في الانتخابات بسهولة، وإقصاء ومنع المرشحين غير القادرين ماديًّا على توفير هذا الضمان الانتخابي، وهو ما يُعزّز من بقاء الطبقة السياسية التي كانت موجودة خلال فترة حكم عائلة “بونجو”؛ لأنها هي التي تمتلك الموارد المالية الضخمة حتى الآن، والتي تُمكِّنها من الترشح والمنافسة في العمليات الانتخابية المختلفة في الجابون، كما أن مبلغ الوديعة المطلوب دَفْعه للترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية ضخم جدًّا، ويُعزّز من منع ترشح الشخصيات المعارضة التي تتمتع بشعبية لكنها قد تكون غير ثرية، وبالتالي يستطيع رئيس المرحلة الانتقالية الحالي الترشح لانتخابات الرئاسة بسهولة؛ لأنه يتمتع بالثراء، مع استبعاده للمرشحين الفقراء من خلال هذا القيد المالي الكبير.([8])
خامسًا: رفض المعارضة ترشُّح رئيس المرحلة الانتقالية الحالي لانتخابات الرئاسة:
من الأمور شبه المؤكدة وجود رغبة لدى العميد بريس أوليغوي نغيما رئيس المرحلة الانتقالية الحالي في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة، خاصةً وأن الدستور الجديد لا يوجد فيه ما يمنع ترشُّحه، كما أن المادة 180 من قانون الانتخابات الجديد قد حملت دلالات واضحة على استعداد العميد نغيما للترشح في الانتخابات، وذلك من خلال استثنائها رئيس الجمهورية الحالي الذي هو العميد نغيما من احترام مبدأ المساواة بين المرشحين من خلال السماح له بالاحتفاظ بالامتيازات المرتبطة بوظيفته الآن، خاصةً الأمن ووسائل النقل والاستقبال التابعة للدولة.([9])
وهذا النص يُعدّ دليلًا واضحًا على قيام اللجنة التي وضعت قانون الانتخابات بتفصيله على مقاس الرئيس الانتقالي، وهو ما كان محلاً للنقد مِن قِبَل المعارضة التي ترفض ترشح رئيس المرحلة الانتقالية وتدعوه للوفاء بعهوده المتمثلة في إعادة السلطة إلى المدنيين وعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتخلّيهم عن ممارسة اللعبة السياسية.([10])
سادسًا: السماح لمزدوجي الجنسية بالترشُّح لانتخابات الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ:
أجازت المادة 188 من قانون الانتخابات لأيّ شخص من أصل جابوني ويحمل جنسية أخرى أن يترشح لانتخابات مجلس النواب، مع منعها للأجانب الذين حصلوا على جنسية الجابون من الترشح في الانتخابات، وكذلك فعلت المادة 221 بالنسبة للترشح لانتخابات مجلس الشيوخ. وهذان النَّصّان محل للنقد؛ لأنهما يسمحان للأشخاص مزدوجي الجنسية، والذين قد يكون ولاؤهم للجنسية الأجنبية غير مانع لهم من الاستفادة من عضوية الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ، وبالتالي تبنّي وجهة نظر غير وطنية، والسعي لتحقيق مصالح الدولة التي يحمل جنسيتها الأخرى على حساب بلده الأصلي الجابون.([11])
سابعًا: السماح بترشُّح العسكريين والقضاة في انتخابات الجمعية الوطنية والبلدية ومجلس الشيوخ:
حيث نصت المادة 190 والمادة 223 والمادة 261 من قانون الانتخابات على أنه لا يجوز قبول طلبات ترشح أركان القيادة ومساعدي القيادة، ويُقصَد بهم قادة المناطق والأحياء، والقضاة، وكبار المحاسبين العموميين، والضباط العموميين والضباط وضباط الصف في كافة القوات الأمنية والدفاعية، أثناء ممارسة وظائفهم إلا في حالة الاستقالة المسبقة أو التفرغ.([12])
وقد كان هذا النص محلاً للنقد مِن قِبَل المعارضة؛ حيث أعلنت أن قانون الانتخابات الجديد بمثابة باب مفتوح لعسكرة الحياة السياسية بعد سماحه للضباط والعسكريين بالترشح للانتخابات البرلمانية، واتهمت رئيس المرحلة الانتقالية بأنه يريد من خلال هذا النص تعزيز قبضته وقبضة أنصاره داخل المؤسسة العسكرية على العملية الانتخابية والمشهد السياسي، بجانب أنه يضمن لنفسه قاعدة انتخابية كبيرة داخل القوات المسلحة بسبب الامتيازات السياسية التي يمنحها لها.
كما تم انتقاد هذا النص لكونه يؤدي إلى حدوث انقسام وتوترات داخل المؤسسة العسكرية بين الفصائل القريبة من السلطة والبعيدة عنها، كما أنه سيُشكّك في مسألة حياد المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية في تعاملها مع العملية الانتخابية، خاصةً عندما يكون الضباط المسؤولون عن الأمن وتأمين الانتخابات هم أنفسهم مرشحين، أو حتى في حالة ترشح أصدقائهم من المتفرغين، وهو ما يُشكّك في مصداقية العملية الانتخابية، وبجانب ذلك فهناك خشية من زيادة سيطرة الجيش على الحياة السياسية؛ حيث يشعر المواطنون بالعجز في مواجهة القدرة العسكرية المطلقة، وفضلًا عن ذلك فقد يضطر رئيس المرحلة الانتقالية إلى دَفْع تكاليف مالية ضخمة لشراء ولاء الجنود غير المرشحين للانتخابات؛ حتى يضمن عدم سخطهم وتجنّب سعيهم للترشح للانتخابات للحصول على مزايا سياسية ومكاسب مادية، وبالتالي سيحدث تعزيز للفوارق الاجتماعية بين الطبقات لصالح العسكريين على حساب المدنيين.([13])
وأخيرًا فإن السماح بترشح العسكريين قد يُضيّق الخناق على المرشحين المدنيين، وذلك نظرًا لقدرة العسكريين على حشد الجماهير وشراء الولاءات واستخدام مَن تحتهم مِن الموظفين في التصويت لهم، كما أن السماح بترشح القضاة أيضًا قد يُشكّك في نزاهة العملية الانتخابية؛ حيث إنه في حالة حدوث نزاعات انتخابية يمكن أن تنحاز المحاكم والقضاة إلى بني جلدتهم من القضاة المرشحين على حساب المرشحين المدنيين.([14])
وإتمامًا لهذه المكافأة السياسية الممنوحة للعسكريين والقضاة مِن قِبَل رئيس المرحلة الانتقالية الحالي العميد “نغويما”؛ فقد نصت المادة 375 من قانون الانتخابات الواردة في القسم الأخير المتعلق بالأحكام الانتقالية على أنه لا تَسري المحظورات والقيود المرتبطة بالأوضاع الخاصة بالقضاة وقوات الدفاع والأمن والمحاسبيين العموميين الرئيسيين المنصوص عليها في هذا القانون، على الانتخابات التالية لانتخاب رئيس الجمهورية، وتجديد المجلسين بعد البرلمان الانتقالي، وتجديد المجالس المحلية ومكاتب المجالس المحلية بعد المرحلة الانتقالية، وذلك يعني أنه يمكن للعسكرين والقضاة والمحاسبين الترشح للانتخابات القادمة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية أثناء ممارسة مهام وظائفهم دون استقالتهم أو أخذهم إجازة تفرُّغ، ولكن بشرط جديد وهو التقدم بطلب للحصول على إذن مُسبَق مِن قِبَل رؤسائهم الإداريين قبل الترشُّح، على أن يتم وضعهم تلقائيًّا في إجازة من تاريخ إعلان ترشحهم حتى نهاية ولايتهم في حالة انتخابهم، أما إذا لم يتم انتخابهم فسيتم إعادتهم تلقائيًّا إلى وظائفهم الأصلية.([15])
خاتمة:
في ختام هذه المقالة يمكن القول: إن قانون الانتخابات الجديد للجابون يحمل الكثير من الدلالات على رغبة ونوايا المجلس العسكري الحاكم الآن على بقائه في السلطة، بدءًا من رئيسه العميد “بريس نغويما”، وباقي أعضاء المجلس العسكري وقادة المرحلة الانتقالية، وذلك استنادًا إلى النصوص الواردة في القانون التي تسمح لهم بالترشح لانتخابات الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بل والانتخابات المحلية، وهو ما يضمن هيمنة أتباع العميد “نغويما” على كافة مفاصل المؤسسات التشريعية والمحلية، فضلاً عن توليه هو ورجاله للسلطة التنفيذية الآن بل ومستقبلاً، بجانب محاولة شرائه لولاء السلطة القضائية من خلال السماح للقضاة بالترشح للانتخابات المختلفة، ولهذا فإن مستقبل التحوُّل الديمقراطي في الجابون لا يُوحي بحدوث تغيير ديمقراطي كبير كالذي كان ينتظره شعب الجابون بعد سقوط حكم عائلة “بونجو”، ولهذا فإن سقوط نظام “بونجو” وصعود نظام “نغيما” ليس سوى خطوة نحو عملية التحول الديمقراطي في الجابون، والتي تحتاج نُضجًا سياسيًّا أكثر ووعيًا شعبيًّا أكبر خلال السنوات القادمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
)[1](- JOURNAL OFFICIEL DE LA REPUBLIQUE GABONAISE , ” LOI ORGANIQUE PORTANT CODE ELECTORAL EN REPUBLIQUE GABONAISE ” , 22 JANVIER 2025 , N°51 , p. p 4, 5,26, 41, 46.
)[5](- Moki Edwin Kindzeka ; ” Gabon dispatches government ministers to encourage voter registrations ” , at , https://www.voanews.com/a/gabon-dispatches-government-ministers-to-encourage-voter-registrations-/7945820.html , 22/1/2025.
)[6](- Karl Makemba ; ” Code électoral : les membres de l’Acer désignés après étude de dossiers ” , at , 28/1/2025 .
)[7](- ” Gabon : Le nouveau Code électoral fait bondir le cautionnement électoral jusqu’à 200 % ” , at , https://info241.com/gabon-le-nouveau-code-electoral-fait-grimper-le-cautionnement,9894 , 25/1/2025 .
)[8](- Morel Mondjo Mouega ; ” Nouveau Code électoral : 1 million de caution aux législatives et 350 mille aux sénatoriales ” , at , https://gabonmediatime.com/nouveau-code-electoral-1-million-de-caution-aux-legislatives-et-350-mille-aux-senatoriales/ , 14/1/2025.
)[9](- ” LOI ORGANIQUE PORTANT CODE ELECTORAL EN REPUBLIQUE GABONAISE ” , op.cit., P 28 .
)[10](- ” Au Gabon, le Parlement approuve le nouveau code electoral ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/01/21/au-gabon-le-parlement-approuve-le-nouveau-code-electoral_6508302_3212.html , 21/1/2025 .
)[11](- ” LOI ORGANIQUE PORTANT CODE ELECTORAL EN REPUBLIQUE GABONAISE ” , op.cit., P 29 , 33 .
)[12](- Ibid., P.30 , 33 , 36 .
)[13](- ” Nouveau Code électoral du Gabon : une porte ouverte à la militarisation de la politique ? ” , at , https://gabon2025.com/blogs/news/nouveau-code-electoral-au-gabon-une-porte-ouverte-a-la-militarisation-de-la-politique , 16/1/2025.
)[14](- ” Au Gabon, le Parlement adopte le nouveau code electoral ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1650432/politique/au-gabon-le-parlement-adopte-le-nouveau-code-electoral/ , 21/1/2025.
)[15](- Thomas Ibinga ; ” Militaires et magistrats désormais éligibles aux élections au Gabon : Faut-il s’en inquiéter ? ” , at , https://info241.com/militaires-et-magistrats-desormais-eligibles-aux-elections-au,9876 , 21/1/2025 .