تتسم حكومة بوتسوانا بالصرامة وهي معروفة بمواقفها, خاصة عندما يتعلق الأمر بسياساتها الخارجية. إذ رئيس البلاد “إيان خاما” من الرؤساء الأفارقة القلائل الذين ينتقدون دائما سياسات الاتحاد الأفريقي وخطوات قادته اللاجدية. الأمر الذي برز خلال تصريحاته الأخيرة عن “روبرت موغابي” الزعيم الزيمبابوي.
تعود العلاقات بين بوتسوانا والصين إلى عام 1975, وتعتمد الدولة الأفريقية بشكل كبير على الاستثمارات الصينية, إلا أنه يبدو وكأن بوتسوانا سئمت من “غطرسة” الصين على الدول التي تؤثر فيها باستثماراتها – أو هي على الأقل تنوي الوقوف على أصابع قدم الصين, وذلك بسبب زيارة منتظرة لـ”دالاي لاما” الشهر القادم إلى البلد الواقع في أفريقيا الجنوبية لعقد مؤتمر لحقوق الانسان.
كانت الصين تعتبر الزائر المنتظر “دالاى لاما”، انفصاليًّا راديكاليا لمطالبته باستقلال التبت عن الصين, ومن ثم دائما ما تكرر بكين طلبها من الدول أو الشخصيات عدم الاجتماع معه أو الاعتراف به.
حذرت الصين دولة بوتسوانا من استضافة الراهب التبتي, لكن مسؤولي الحكومة في بوتسوانا ردوا على بكين بأن الحكومة ليست من تستضيف “دلاي لاما”, وإنما هي زيارة “خاصة بحتة” – وفق قول السكرتير الدائم للبلاد في وزارة الخارجية, جايملوى جويتسيمانج, في الشهر الماضي.
يُذكر أن الصين في الماضي، قد اتخذت مواقف متشددة مع الدول التي تحدّت مطالبها بفرض عقوبات أو قطع علاقات دبلوماسية معها. وفى العام الماضي جمدت الصين علاقاتها مع منغوليا عقب زيارة الراهب إلى “أولانباتار” مما أجبر الحكومة المنغولية في نهاية المطاف على التعهد بعدم السماح للزعيم التبتى بدخول بلادهم مرة أخرى.
بل إن حساسية الصين تجاه التهديدات المتصورة لمطالبها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي تتناقض مع بعض سياساتها التي تطلق عليها “عدم تدخل بكين في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى”, إذ جارة بوتسوانا – جنوب أفريقيا خضعت لضغط من الصين, فرفضت طلب “دالاي لاما” للزيارة ثلاث مرات منذ عام 2009.
بوتسونا و “القرار السيادي”
في هذه الزيارة للعاصمة البوتسوانية, غابورون, سيلقي “دالاى لاما” خطابا في مؤتمر تستضيفه منظمة غير حكومية مقرها فرجينيا – معهد الحياة والعقل. ومن المتوقع أن يجتمع أيضا مع رئيس بوتسوانا “إيان خاما”.
ومع اقتراب موعد الزيارة، تزداد تحذيرات الصين. إذ المتحدث باسم وزارة الخارجية, لو كانغ, قال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي “أن القضايا المتعلقة بالتبت تتعلق بسيادة الصين وسلامة أراضيها.”
وتابع لو، مستخدما عبارات قوية, “إننا نطالب الدولة المعنية باحترام المصالح الجوهرية للصين بشكل جاد واتخاذ القرار السياسي الصحيح بشأن هذه المسألة.”
وأضاف “إن الصين لن تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، ولكنها بالتأكيد لن تتسامح مع دولة أخرى تقوم بأي شيء يضر بالمصالح الجوهرية للصين”.
وردا على هذه “التصريحات العدوانية”، قالت وزيرة الشؤون الدولية والتعاون في بوتسوانا، بيلونومي فينسون – مويتوي، إن بلادها لن تنحني لإرادة أي قوة أجنبية.
“بصفتنا حكومة، اجتمعنا مع الصينيين الذين سجلوا استياءهم، ولكننا لا نفهم ما هي مشكلتهم،” تقول الوزيرة ردا على سؤال من أحد النواب.
“إن وجهة نظرنا هي أن دالاى لاما رجل سلام وقد قمنا بتفتيشنا الأمني من خلال الانتربول. هو لا يشكل أي تهديد.
“تسمح قوانيننا للهجرة، التي يؤيدها مواطنوننا، لكل من لا يشكل تهديدا دخول البلاد. هذا البلد ملك لشعوب بوتسوانا ولن نسمح لحَسَنات من دول أخرى أن تملي علينا من يأتي إلى هنا ومن لا يأتي.”
وأشارت الوزيرة إلى أنه يجب على الصين عدم انتهاك شئون بوتسوانا بالسعي الى إملاء من يجب منحه تأشيرة, واحترام سيادتها بالطريقة نفسها التي هي تحترم مطالب الصين بعدم التدخل في شؤونها.
بل تطرقت فينسون – مويتوى أيضا إلى أن استراتيجية الصين في محاولة التأثير على موقف الحكومة البوتسوانية قد وصلت مؤخرا إلى حد رعاية وسائل الإعلام المحلية في “هجوم سحري” لصالح الصين.
توتر العلاقات
تمكنت الصين كالعادة من ممارسة أكبر قدر من التأثير والضغط على البلدان التي تقيم معها علاقات تجارية وثيقة. وكان رفض بوتسوانا الخضوع لهذا التأثير الصيني يثير اهتماما من المراقبين وثناء من الأفريقيين – رغم أن بين البلدين علاقة تكافلية باستثمار العديد من الشركات الصينية في البنية التحتية الحيوية, بينما الصين استفادت بدورها من إمدادات بوتسوانا الغنية بالموارد الطبيعية.
إن النظر إلى ما يجري بين البلدين, يرجح كافة تعرض بوتسوانا لخطر فقدان الاستثمارات الصينية – لأن بكين هي ثاني أكبر مشتر لماس بوتسوانا الذي يمثل ما يصل إلى 27٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. إضافة إلى التعاقدات مع الشركات الصينية ودخول المهاجرين الصينيين ببضائع رخيصة لبيعها للتجار الصينيين والمحليين.
غير أن الحقيقة تؤكد أن العلاقات بين الصين وبوتسوانا تعثرت منذ فترة ماضية. فقدْ فَقَدَ الرئيس “خاما” الثقة في عقود الأعمال الصينية وأشار علنا إلى أن الصين اجتازت حدودها في ممارستها في بحر الصين الجنوبي.
وأظهر المسؤولون البوتسوانيون استياءَهم من رداءة جودة البنية التحتية الصينية ووجود عدد من المشاريع الاستثمارية المهجورة. ويشكو التجار المحليون أيضا من المنافسة الصينية، والكثير من الصينيين يواجهون صعوبات في الحصول على تأشيرات لدخول بوتسوانا.
وفى العام الماضي، اتخذت بوتسوانا الخطوة النادرة من أي دولة أفريقية بإدانتها للمناورات العسكرية الصينية خلال التوترات المتصاعدة حول المطالبات الإقليمية فى بحر الصين الجنوبى. “يجب على أي بلد مهما كان حجمه الاقتصادي أو العسكري ألا يفرض سلطته على الآخرين لتقديم مطالبات قد تصعد التوترات التي قد تؤدي الى نزاعات,” قالت وزارة الخارجية البوتسوانية.
وبهذا, فإنه من المؤكد أن بوتسوانا إذا تابعت جدول أعمالها الحالي واستضافت “دلاي لاما” في أرضها، فلن تتحسن علاقتها مع الصين في أي وقت قريب.. ولكن, أن تصرّ بوتسوانا على سيادتها واستقلاليتها في اتخاذ القرار وعدم الخضوع لإملاءات من القوى الخارجية بسبب المصالح, من أهمّ العناصر التقدمية والمفقودة في الحوكمة الأفريقية.