مايكل روبين[1] – ناشيونال إنترست[2]
ترجمة:قراءات إفريقية
إن فشل السياسة الخارجية الأمريكية في الكونغو الديموقراطية من المحتمل أن تؤدي إلى مزيد من الانزلاق نحو العنف العرقي ضد التوتسي؛ حيث لم يكن الصراع الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين في أوكرانيا أو غزة أو ليبيا أو أفغانستان أو السودان بل في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ فوفقًا لبعض التقديرات، تسببت حرب الكونغو الثانية (1998-2003) في أكثر من 350 ألف حالة وفاة نتيجة للعنف، وأكثر من خمسة ملايين حالة وفاة إضافية بين المدنيين نتيجة لظروف الحرب وأجوائها. وحتى لو كان العدد الحقيقي نصف هذا العدد فقط، كما يقترح البعض، فإن مجموع الوفيات لا يزال أكبر من مذبحة دارفور التي وقعت في الفترة ما بين 2003و2005 بعشرات المرات. واليوم، تعمل سياسات وزارة الخارجية والأمم المتحدة على تأجيج نيران الصراع وتهدد بإعادة إشعال الحرب من جديد.
إن الخطيئة الأولى هي التقاعس، فيمكن للولايات المتحدة أن تنفق عشرات المليارات من الدولارات على الدبلوماسية والاستخبارات، ولكن إذا كان التقاعس هو السائد، فإن المشاكل سوف تنتشر. فقد اتسم التقاعس الأمريكي تجاه صعود روسيا بالإهمال، ففي مناظرة عام 2012 مع منافسه الجمهوري ميت رومني، سخر الرئيس باراك أوباما من وصف رومني لروسيا بأنها عدو جيوسياسي، فرد عليه قائلاً: “إنك تدعو الآن إلى المطالبة بعودة سياسة خارجية أمريكا في الثمانينيات، لأن الحرب الباردة انتهت منذ 20 عاما”. وحتى بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014، ضاعفت ألمانيا، بدعم من الولايات المتحدة، جهودها في مشروع نورد ستريم 2 وتجارة الطاقة الروسية، وهو غض الطرف عن التهديدات المحتملة.
وتتسم سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة البحيرات العظمى في إفريقيا بنفس الإهمال، فبالنسبة لمعظم الناس في الغرب، فقد انتهت الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا في عام 1994 عندما دفعت الجبهة الوطنية الرواندية المتطرفين الهوتو وميليشيات إنتراهاموي المدعومة من فرنسا عبر الحدود إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو زائير كما كانت تُعرف آنذاك. فقد سمح نفس البيروقراطيين في الأمم المتحدة لمرتكبي الإبادة الجماعية الهوتو المسلحين بتحويل معسكرات الأمم المتحدة إلى قواعد إرهابية مسلحة. فقد سمح مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمخيمات اللاجئين في شرق الكونغو بتعليم جيل جديد من الكراهية الإبادة الجماعية للهوتو للتوتسي، ليس فقط في رواندا ولكن في جميع أنحاء المنطقة.
إن ما حدث في شرق الكونغو يشبه إلى حد كبير ما حدث قبيل الإبادة الجماعية قبل ثلاثة عقود، فأساس تلك الإبادة العنصرية كانت علم الأجناس وتحسين النسل الذي قدمه البلجيكيون منذ أكثر من نصف قرن عندما زعم مرتكبو الإبادة الجماعية الهوتو أن التوتسي وبناء على شكل جماجمهم فإنهم مهاجرين من أعالي النيل من الهضبة الإثيوبية، حيث يزعم أنصار هذه الفرضية لتفوق عرق الهوتو الآن أن التوتسي هم في الأساس زرع غير شرعي.
والروانديون – التوتسي والهوتو على حد سواء – لا يقللون من حجم التهديد الذي يخرج من المتعصبين باعتباره مجرد كلام طنان، حيث استخدم جوزيف كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية من 2001 إلى 2019، السنوات الأخيرة من حكمه للمصالحة مع رواندا، وازدهرت الدولتان حيث تبادلتا المعلومات الاستخباراتية لإحباط الجماعات الإجرامية والتعاون في مشاريع الطاقة على طول حدودهما، كما استمرت هذه العلاقة في البداية في عهد فيليكس أنطوان تشيسكيدي، خليفة كابيلا. ولكن مع تعثر إدارة تشيسكيدي على خلفية الفساد وعدم الكفاءة وفي الفترة التي سبقت إعادة انتخابه في عام 2023، تحول تشيسكيدي نحو التحريض العرقي في شرق الكونغو، كأن التوتسي الذين يعيشون في الكونغو مزروعين وليسوا كونغوليين حقيقيين.
في 18 يونيو 2022، اجتاح الكونغوليون في بلدية باندالونغوا داخل العاصمة كينشاسا الشوارع وهم يهتفون “يو رواندي توكو كاتا يو كينغو”، والتي تُرجمت إلى “أنت، أيها الرواندي، سنذبحك”. بعد فترة وجيزة، أعلن حشد من الكونغوليين الحاملين للسواطير في كينشاسا “عملية طرد الروانديين”. أفادت نساء الكونغوليات التوتسي أن المغتصبين أخبروهن أن جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست للتوتسي. في 3فبراير 2023، على سبيل المثال، حث موهيندو نزانجي، وزير التعليم العالي، جمهوره على التصفيق لميليشيا ماي ماي المذنبة بارتكاب فظائع ضد التوتسي.
وفي عام 1991، اقترح الجنرال جون ماكاناكي كاسيمبيرا، الذي نصب نفسه قائداً للجيش الكونغولي، تشكيل ميليشيا “تهدف إلى إبادة كل التوتسي”. وفي كاليمي، وهي مدينة تقع على الشاطئ الكونغولي لبحيرة تنجانيقا، أخبرت المنشورات التوتسي أنه يتعين عليهم المغادرة في غضون ستة أيام أو القتل. وفي حين تتبنى الأمم المتحدة في كثير من الأحيان مبدأ التكافؤ بين البشر، فقد نما التحريض الكونغولي إلى حد كبير لدرجة أن مستشارها الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية حذر من صخب خطاب الكراهية ضد التوتسي.
ومع انحدار شرق الكونغو إلى حالة من الفوضى، ازدهرت الميليشيات، والتي بعضها كان مافيا إجرامية، وبعضها الآخر عصابات عرقية، وبعضها الآخر كان في الأساس ميليشيات حماية محلية. ففي الحادي والثلاثين من مايو، خلص “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني بجمهورية الكونغو الديمقراطية” الصادر عن الأمم المتحدة، (ولكن لم يُنشر على الإنترنت بعد)، إلى أن “الاستخدام الرسمي لجماعات وازاليندو المسلحة من قبل حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لمحاربة حركة 23 مارس (إم 23) أدى إلى قيام الجماعات المسلحة في جميع أنحاء شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بتسمية نفسها وازاليندو لإضفاء الشرعية على وجودها وأنشطتها الإجرامية”. في جوهر الأمر، أشعلت جماعة تشيسكيدي حريقًا هائلاً بين العرقيتين بدأ يخرج الآن عن نطاق السيطرة.
وتحذر الأمم المتحدة الآن من أن التوتر العرقي يهدد بإشعال “أزمة إقليمية أوسع”، ولكن للأسف، أساءت إدارة بايدن قراءة الموقف، فتوجد حركة إم 23 في شرق الكونغو للدفاع عن التوتسي العرقيين من تهديد خطير ومتزايد بالإبادة الجماعية. في حين أن العديد من عصابات الهوتو التي يشجعها تشيسكيدي تتبنى التطهير العرقي علناً، يبدو أن حركة إم 23 تتوسل إلى السكان المحليين للبقاء في مكانهم بغض النظر عن عرقهم. ولكن من خلال انتقاد حركة إم 23 باعتبارها قوة أجنبية تحت قيادة وسيطرة رواندا، يخلط وزير الخارجية أنتوني بلينكين ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور بين الصواب والخطأ، فقد يتعاطف التوتسي الروانديون مع نفس العرق الذي يواجهون مذابح شبيهة بما حدث في السابع من أكتوبر في شرق الكونغو. ومع ذلك، لم تتمكن وزارة الخارجية من إثبات نقل المعدات أو الوحدات العسكرية من رواندا إلى الكونغو. وتستند الحجج التي تشير إلى التفاعل بين القادة الروانديين وحركة إم 23 إلى تحسين جودة العرق كما يزعمون، حيث يدعي الهوتو أن كل التوتسي ليسوا متشابهين فحسب، بل إنهم متطابقون أيضاً.
في الواقع، يؤكد التكافؤ الأخلاقي الذي يتبناه بلينكين وقبول باور للجدالات المناهضة لرواندا على الخطاب المتطرف الذي أشعل فتيل الانفجار الإقليمي وشجع تشيسكيدي وحلفائه على الاستمرار في تشجيع التطهير العرقي. في يونيو 2022، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2641 الذي رفع شرط الإبلاغ عن مشتريات كينشاسا العسكرية. تقول السلطات في كل من كيغالي وكينشاسا إن تغيير السياسة كان تتويجًا لحملة ضغط استمرت لسنوات عديدة من قبل مايكل هامر، سفير الولايات المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، من ديسمبر 2018 حتى يونيو 2022. فقد ذهب تشيسكيدي بعد ذلك في جولة تسوق للطائرات بدون طيار الصينية تزامنت مع إعادة التفاوض من جانب بكين على حقوق تعدين الكوبالت.
في الواقع، دفعت الصين لتشيسكيدي مقابل الموارد الكونغولية، واستدار الزعيم الكونغولي واستخدم تلك الأموال للاستثمار في الأسلحة الصينية. وبالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينج، فإن هذا فوز ثلاثي: فهو يؤمن الكوبالت الذي تحتاجه الصين للبطاريات من الجيل التالي، ويفوز بعقود للصناعة العسكرية الصينية، ويقوض رواندا، التي تتبنى قيادتها الاعتدال ورأسمالية السوق الحرة، وتسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع الغرب. إن السياسة الأميركية في منطقة البحيرات العظمى في إفريقيا الآن هي إرجاء الأزمة وليس حلها، ولايفهم بايدن ولا بلينكن ولا باور أن الوضع يتدهور بسرعة. ولن تمنع الدبلوماسية وحدها اندلاع الحرب، بل يجب على إدارة بايدن وخليفتها اتباع نهج عدم التسامح مطلقا مع الخطاب الإبادي والتحريض العرقي. ومع اقتراب الذكرى الثلاثين لتحرير رواندا من مرتكبي الإبادة الجماعية في الرابع من يوليو، يجب على الولايات المتحدة استخدام مقعدها في مجلس الأمن ليس لتمكين المبيعات العسكرية الصينية بل للمطالبة بطرد الأمم المتحدة للمتشددين من معسكراتها.
لذلك، ينبغي لوزارة الخارجية أن تطالب تشيسكيدي بتخزين الطائرات الصينية بدون طيار وقطع العقود التي منحها للمرتزقة من أوروبا الشرقية الذين غمروا المنطقة الشرقية لدعم جيش الكونغو. إذا اختارت إدارة بايدن الإهمال بدلاً من ذلك، فيجب على العالم الاستعداد لحرب ثالثة في الكونغو، وهي الحرب التي قد تخلف ملايين القتلى وسيخسرها جميع الكونغوليين.
…………………………………………….
[1] دكتور مايكل روبين مايكل روبين هو زميل بارز في معهد أميركان إنتربرايز ومدير تحليل السياسات في منتدى الشرق الأوسط.
[2] نشرت في الثاني من يوليو على الرابط التالي: https://nationalinterest.org/feature/will-botched-state-department-diplomacy-lead-third-congo-war-211713