لا أعتقد أن جمهورية إفريقيا الوسطى مجهولة بالنسبة لنا, فهي دولة شهيرة وقلما نجد قناة لم تتطرق – ولو مرة – إلى ما يجري فيها, فقد لا نعرفها كدولة المنسوجات والماس، وموطن البن والأخشاب والقطن على الأقل, هي “دولة حرب” – حسب ما قالته إحدى المذيعات.
على الرغم من صيحات الأمم المتحدة والأدوات التي اعتمدتها للحماية, والخطوات التي تبنتها للحدّ أو على الأقل للتخفيف من خطورة الأحداث الجارية في البلاد, فقد أكدت الانتخابات الأخيرة أن التغيير دائما ما يأتي من الداخل ومن إرادة المواطنين أنفسهم للإصلاح وقلب الموازين إلى ما هو أفضل لهم. فالأمم المتحدة لا يمكنها القيام بأي حماية إلا بإرادة أصحاب الأمور, بل والبعض يرون أن تدخل مثل هذه المنظمات وفروعها كقوات خفظ السلام غالبا ما يزيد من حدّة وتفاقم الوضع.
لقد بدت بوادر أمل وملامح نهاية صراع دام لأكثر من ثلاث سنوات في الدولة الحبيسة التي تقع في قلب أفريقيا, وذلك بعد نجاح سير عملية الانتخابات الرئاسية والتي فاز فيها أستاذ الرياضيات “فاوستين تواديرا”, ولعلّ فوزه مناسبا لكون البلاد يحتاج إلى شخص ماهر في إعادة الأمور إلى مجراها والقيام بالإجراءات المحسوبة لصالح كل المواطنين كي يحصل في النهاية على النتائج الإيجابية المتوقعة, حتى وإن كان مراقبون لا يزالون يعربون عن قلقهم حول أساليب تحقيق عملية السلام ومدى صعوبة التحديات التي سيواجها الرئيس الجديد.
كان بعض المحللين يفضّلون أن يصفوا أحداث إفريقيا الوسطى بـ”صراعات دينية” لما قامت به المليشيا المسيحية “أنتي بالاكا” من القتل الهمجي والتطهير العرقي تجاه المسلمين, فالنزاع – في رأيهم – بين المسلمين والمسيحيين, إلا أن هناك آخرون نَحَوْا إلى القول بأن ما يحدث ليس له علاقة بالدين وأنه نزاع سياسي بَحْتٌ, لأن متمردي “سيليكا” – وأغلبهم مسلمون – هم الذين أطاحوا بالرئيس “فرانسوا بوزيزيه” في مارس عام 2013 وذلك بقيادة “ميشيل جوتوديا” الذي صار رئيسا فيما بعد, مما تسبب بانتقام “أنتي بالاكا” من المسلمين المدنيين. وما بين الفريقين من يضيف “المؤامرة من الخارج” لعوامل المصالح والموارد الطبيعية ولاستمرارية النفوذ الاستعماري. وربما الجمع بين كل ما سبق وارد أيضا.
انتخابات ناجحة وتحديات قائمة:
بلغة الأرقام التي تفيد بها التقارير, سيطرت الجماعات المسلحة – والتي تتمثل في “أنتي بالاكا” و “سيليكا” – على مساحات كبيرة من الأراضي التي ليس للحكومة القدرة على التحكم عليها, مما أسفر عن نزوح أكثر من تسعمئة ألف شخص. فحوالي 465 ألف شخص هربوا إلى الدول المجاورة, وحوالي 435 ألف شخص يعانون داخليا من النزوح والتنقل المستمرّ, إضافة إلى حوالي 2.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
بعد اختيار رئيسة انتقالية, ألغت السلطات المحلية نتيجة انتخابات تشريعية في يناير هذا العام, وهي انتخابات أجريت تزاتمنا مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر، وقد لجأوا إلى إلغائها بسبب المخالفات.
وكما أعلنت اللجنة الانتخابية في 26 من الشهر الماضي, فإن الأستاذ ورئيس الوزراء السابق “فاوستين تواديرا” هو الفائز في جولة الإعادة، مما أدى إلى إظهار المواطنين لفرحهم في شوارع العاصمة بـ”بانغي” . غير أن بعض المترشحين أصرّوا على وجود “تزوير واسع النطاق” أثناء الانتخابات، لكنهم قبلوا النتائج. وبعبارة أحدهم – حسب وكالة روتيرز: “من أجل السلام، اخترت أن أحترم النتائج الأولية التي نشرتها السلطة الوطنية للانتخابات ونبذ اللجوء إلى المحكمة الدستورية … والاعتراف بـ “فوستين أرشانج تواديرا” كرئيس لجميع شعوب إفريقيا الوسطى”.
هذا, ودعا المتحدث باسم “تواديرا” المواطنين للهدوء, مطالبا إياهم دعم الرئيس الجديد في سعيه لتحقيق “المصالحة الوطنية والتعافي من سنوات النزاع”. وكانت نسبة المشاركة في التصويت حوالي 61 في المئة.
الرئيس “فاوستين تواديرا” ..ما بعد فوزه:
سياسي من جمهورية إفريقيا الوسطى, وأكاديمي كان نائب مستشار جامعة “بانغي” ، وشغل منصب رئيس وزراء البلا خلال الفترة من يناير 2008 إلى يناير 2013 في حكومة “بوزيز”.
ولد “تواديرا” في 21 أبريل عام 1957 لأسرة من “دامارا” بشمال “بانغي”. وحصل على الدكتوراه في الرياضيات في عام 1986 من جامعة ليل للعلوم والتكنولوجيا في فرنسا, ودكتوراه آخر من جامعة “ياوندي” بالكاميرون في عام 2004 في المادة نفسها. وقد قرر الترشح للانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل، وهي الخطوة التي ربما ساعدته لكسب ثقة الناخبين حيث ينظرون إليه كمرشح محايد غير ملوث بماض مؤسف شهده البلاد.
بعد نجاح سير الانتخابات وفوزه فيها بمنصب الرئاسة, فما عليه سوى بحث طرق لمواجهة تحديات الدولة التي صُنّفت في المرتبة الثالثة كأفقر دولة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد. كما سيتعين على حكومته وضع حد للعنف، ومعاقبة المتورطين في إدخال الدولة في الفوضى ونزع سلاح الميليشيات، إضافة إلى إعادة اللاجئين إلى أرض الوطن.
لكن ما سبق ذكره من المشاكل والتغييرات لا يمكن لـ”تواديرا” حلّها وتنفيذها, إلا بعد حصوله على الدعم الكافي من الأحزاب والأطراف الموجودة في الدولة, بل قد يكون أول صعوبة تنتظره هو التخلّي عن الاستقلالية والحيادية الذي انتخب من أجلها. لكنّ بعض مراقبين ما زالوا يرجحون حفاظه لحياديته حتى وإن كان من الصعب القيام به. وكما يقول “بات ايل أوهايون”، المؤسس المشارك لشركة استشارية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: “إنه سيحتاج إلى دعم … وبالتالي من المرجح أن يضطر للتحالف مع مختلف الأحزاب السياسية، والذي قد يدفعه إلى الميل إما إلى أنتي بالاكا أو سيليكا “.
لمزيد من القراءة:
– إفريقيا الوسطى: حكومة انتقالية في مهبِّ صراعات متجددة – مركز الجزيرة للدراسات
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/10/201510471341838730.html
– مستقبل الصراع في إفريقيا الوسطى
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2014/03/201432594140985333.html
– ملف بي دي إف: Crisis in the Central African Republic رابط التحميل من هنا: https://www.fas.org/sgp/crs/row/R43377.pdf
-: MEET FAUSTIN TOUADERA, THE FORMER MATH TEACHER WHO COULD LEAD CAR
http://europe.newsweek.com/faustin-touadera-former-math-teacher-who-could-lead-car-411342