بقلم: مارتن سانت كلير آيني وأرماند موكو بودومبو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أدى وصول الجنرال بريس أوليغي نغويما في 30 أغسطس 2023م إلى رئاسة الجابون بعد الإطاحة بالرئيس علي بونغو إلى ارتفاع الأمل في معيشة أفضل بين الشعب الجابوني. فماذا بعد مرور أول مائة يوم من توليه السلطة؟
السعادة والنشوة التي سادت جميع مناطق الجابون، في صباح يوم 30 أغسطس، عقب إعلان استيلاء الجيش على السلطة في ليبرفيل، ناجمة عن كون “الجابونيين كانوا متعطشين للتغيير”؛ وفقًا لتحليلات بيتي لامبرت أوفونو من الجابون ومحلل السياسة العامة في بي بي سي إفريقيا.
وكانت البلاد قد أمضت للتو 55 عامًا في حكم رئيسين من عائلة واحدة، وهما الرئيس عمر بونغو الذي أمضى 41 عامًا في السلطة، ثم نجله علي بونغو الذي أُطيح به بعد 14 عامًا على رأس السلطة في البلاد.
كان مجرد احتمال حدوث هذا التغيير يُسْعِد السكان، بالنظر إلى الحشود الكبيرة حول القصر المُطِل على البحر، والسخرية التي لُوحظت تجاه أعضاء الحكومة المخلوعة، والتي ظهرت خلال حفل تنصيب الرجل الجديد في الجابون.
وهو الحدث الذي اغتنم فيه أوليغوي نغويما الفرصة ليتعهَّد للجمهور بالتزامه بالعمل مع فريقه “لمنح الجميع أسبابًا للأمل في حياة أفضل”.
رفع عقوبات الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا:
لكن المأزق الأول الذي يواجهه الجنرال أوليغوي يتمثل في العقوبات التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا، وهي مجموعة من 11 دولة في المنطقة الفرعية، والتي اتخذت إجراء احترازيًّا بتعليق عضوية الجابون في سلطاتها؛ رفضًا للإطاحة بنظام علي بونغو بالقوة.
ومنذ توليه السلطة، واصل رجل ليبرفيل القوي الجديد مُضاعَفة العمليات الدبلوماسية من أجل الحصول على القبول الإقليمي والدولي.
وكان آخرها زيارة قام بها إلى الكاميرون؛ حيث أعلن أمام الزعيم الكاميروني أنه جاء “لطلب دعم وتأييد المخضرم الكبير في المنطقة الفرعية؛ حتى تعود الجابون إلى الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا”.
وكانت ياوندي المحطة العاشرة لزياراته لدول المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا بعد أن بدأها في باتا بغينيا الاستوائية المجاورة.
لكن حتى الآن، لم يتفق زعماء المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا على رفع تعليق ليبرفيل لسلطاتها.
البنية التحتية للطرق:
منذ 30 أغسطس 2023م، يراقب الشعب الغابوني خطوات أولئك الذين وضعوا حدًّا لنظام علي بونغو أونديمبا. من أجل تقييم أداء السلطات الانتقالية في سياق يتميز بالجمع بين الأمل والحذر؛ ما يجعل الغابونيين يخشون تكرار نسخة جديدة من الماضي.
وقد رأى المواطنون في “انقلاب التحرير” (كما تسمى أحداث 30 أغسطس في ليبرفيل) بداية لنهاية الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي “استمرت لفترة طويلة جدًّا”.
وفي سياق الضغوطات التي فرضت نفسها على السلطات الجديدة، تعمل السلطات المذكورة على استعادة الثقة في مواطنيها من خلال مواجهة التحديات التي تقف أمامها، والناشئة عن الإرث الذي تركه النظام البائد.
وقام الجنرال أوليغوي بتنظيم جولات في ليبرفيل، قبل كل شيء، لمحاولة إيقاظ بعض المشاريع الخاملة، لا سيما في مجال البنية التحتية للطرق، وإمدادات مياه الشرب، والتي يعتبرها البعض آفات في العاصمة.
ولم يتردد الجنرال، في منصبه، في إعطاء مواعيد نهائية ضيّقة للشركات الموجودة في الموقع، وكان يأمرها في بعض الأحيان بتسليم المشاريع “في غضون أسبوع واحد أو دخول السجن”؛ كما قال في كثير من الأحيان خلال جولاته.
لكن بعض هذه الأحياء شهدت تغيرات في الأوضاع. ففي منطقة سانت مونتاين في الدائرة الثالثة في ليبرفيل، تولت الشركة التي مُنحت لها العقد لتنفيذ مشروع في تقاطع مفرزة الشرطة في حارة سانت مونتاين، المهجور منذ عام 2019م دون أيّ سبب، على الرغم من تمويله من قبل الحكومة.
يقول أبا مينكو، وهو ناشط سياسي يعيش في الحي “كما ترون على اللافتة، الأمر يتعلق بإنهاء هذا الطريق”، ويتابع: “لا نعرف بالضبط ما حدث”، لا نعرف هل اختلسوا أموالًا أم لا؟ ما نعرفه هو أن الشركة الجديدة استجابت للدعوة لتقديم عطاء، وحصلت على هذه الصفقة”.
وبالنسبة لماكس نتوتومي، وهو أحد السكان المحليين أيضًا؛ فإن “إنجاز هذا المشروع سيساعد بلا شك في حل مشكلة الاختناقات المرورية على هذا المستوى؛ لأن هذا الطريق قد تمَّ حَظْره لفترة طويلة جدًّا”؛ على حد تعبيره.
والملاحظ هنا، أن هذا الانتعاش لا يُسْعد سكان هذه المنطقة فحسب، بل أيضًا المستخدمين الآخرين مثل سائقي السيارات؛ حيث “إن استئناف هذا المشروع يأتي في الوقت المناسب. يقول سائق التاكسي إيف نديمبا: “إنها تحل مشكلات الازدحام المروري التي نواجهها يوميًّا على شاطئ البحر”، ومن الواضح أن هذا العمل سيمتد على طول 330 مترًا وعرض 12 مترًا.
ولكن بعد مرور مائة يوم على الانقلاب، نلاحظ في ليبرفيل عزوفًا عن مَنْح السلطات الجديدة شيكًا على بياض، فترة السماح لن تدوم.
إشكالية استصلاح الأراضي:
تُواجه “لجنة تحويل واستعادة المؤسسات” الواقع القاسي على الأرض. كما تواجه المشاريع المعلنة مثل مشروع الإصلاح الزراعي صعوبات هائلة في التطور.
والتدابير المتخذة في هذا القطاع، مثل التعليق المؤقت لإجراءات الأراضي للمواطنين الغابونيين والأجانب الذي قررته السلطات الانتقالية، وأعلنته الوكالة الوطنية لتخطيط المدن والأشغال الطبوغرافية والسجل العقاري (ANUTTC)، وحظر بيع الأراضي، أما بالنسبة لغير المواطنين وفقًا للمادة 28 من الميثاق الانتقالي؛ فلم تحقق بعدُ التأثيرات المتوقعة.
ومع ذلك، كان من المفترض أن تضمن وصولًا أفضل إلى الممتلكات والأراضي حصريًّا للمواطنين الجابونيين. وقد اتخذ بعض المحتالين طرقًا ووسائل للتحايل على هذا الإجراء، ولا سيما عن طريق إنشاء شركات عقارية والترويج للأصول الجابونية.3
كيف يتم استيعاب حقيقة الوضع بشكل أفضل؟
ما هو “الفيلق الأجنبي” الذي يدفع الجنرال أوليغي لإجراء إصلاحات في الغابون؟ لقد رحب الغابونيون بالانقلاب في الداخل وفي الشتات، وفي منطقة أنغوندجي، التي لا تزال تقع في الدائرة الثالثة، أعرب السكان عن سخطهم من الأصول الهائلة من الأراضي التي يُزعم أنها مملوكة لزعيم النظام المخلوع وعائلته.
في هذا السياق ينبغي أن نتذكر أنه قبل تنفيذ هذه التدابير، كانت النزاعات على الأراضي بين المواطنين والأجانب، وكذلك بين الغابونيين المتجنسين والأشخاص الأصليين، متكررة بالفعل.
وتعمل هذه العداوات بانتظام على شغل مساحات من الأخبار في وسائل الإعلام المحلية. وفي خضم الفترة الانتقالية، لا تزال هذه الصراعات مستمرة في العديد من أحياء ليبرفيل الكبرى. أما على الجانب الرسمي؛ فتصر الحكومة على أن الإصلاح الزراعي جارٍ بالفعل.
لغز ملف الخدمة المدنية:
شارك حشد كبير في مراسم أداء اليمين للجنرال أوليغوي. أما النقطة الساخنة الأخرى التي يتعين على مركز CTRI أن يهدئها؛ فهي تتعلق بوضع رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين.
وكان هذا أيضًا الوعد الأول للجنرال بريس أوليغوي نغويما بعد انقلابه: بوضع صناديق التقاعد والصحة تحت إدارة القطاع الخاص من أجل “إنهاء معاناة” المستخدمين؛ على حد قوله، خلال اجتماعه في 1 سبتمبر 2023م مع أصحاب العمل في القصر الساحلي.
ثم أشار إلى أن “المتقاعدين يعيشون حياة سيئة”، ووعد باتخاذ عدة إجراءات منها وضع “صندوقَيْ الضمان الاجتماعي تحت إدارة القطاع الخاص”؛ على حد تعبيره.
والصندوقان المُشار إليهما هما: الصندوق الوطني للتأمين الصحي والضمان الاجتماعي (CNAMGS)، وهو صندوق أنشئ في عام 2007م، وهو الذي يدير التغطية الصحية في البلاد ويضمن خدمة الاستحقاقات العائلية. والآخر هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) وهو مُخصَّص للضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الخاص.
لا يوجد تقدم بالمعنى الدقيق للكلمة؛ وفقًا لريتشارد ندي بيكونج. وقال رئيس نقابة العاملين في الضمان الاجتماعي لبي بي سي: “في الوقت الحالي، نقوم فقط بإصدار إعلانات، ولكن لم يتغير شيء حقًّا”.
وسيكون من الضروري أيضًا حل مشكلة التوظيف في الخدمة المدنية. وتجري الآن عملية توظيف، وحتى 30 أكتوبر، تم تلقّي حوالي 40 ألف طلب إلى وزارة الخدمة المدنية، على الرغم من أن البلاد تواجه مشكلة الموظفين الحكوميين الوهميين.
وعد التعليم المجاني:
ووعد بريس أوليغوي الغابونيين “بمنحهم أسبابًا حقيقية للأمل في حياة أفضل” أثناء تنصيبه في 4 سبتمبر، ووعدهم بتقديم “تعليم مجاني”.
وأعقب هذا الإعلان قرار تم التوقيع عليه بعد أسبوع، بأثر فوري، عند بداية العام الدراسي في 18 سبتمبر 2023م؛ أسعد الآباء، ولكن إجراءات تنفيذ القرار صعبة. كما أثار القرار مخاوف أخرى؛ حيث رفضت بعض المؤسسات التعليمية تطبيقه.
إن عدم تنفيذ هذا الإصلاح في بعض المؤسسات سيكون نتيجة لموقف الدولة “الدافع الميت”.
في بعض المؤسسات التعليمية، يطلب المسؤولون من أولياء الأمور دفع تكاليف تعليم أبنائهم. مع وعدهم بتعويضهم عن المبالغ المحصلة بعد قيام الدولة بدورها. ويرجع ذلك إلى أن خط شراء المواد التعليمية، الذي غالبًا ما تغطيه هذه الرسوم، أصبح الآن مسدودًا.
لقد أصبح مديرو المدارس وأولياء الأمور الذين يريدون فقط مستقبل أفضل لأطفالهم في وضع لا يُطاق. يقول أحد مديري المؤسسات: “يجب على الدولة الغابونية أن تأخذ في الاعتبار مطالب رؤساء ومؤسسي المؤسسات الخاصة هناك، ولكن قبل كل شيء سداد ديونها لهم”.
وأمام هذه المعضلة، كان على الدولة مراجعة نسختها من خلال الالتزام بإيجاد حلّ مناسب، حسبما أشار رئيس الوزراء ريموند ندونغ سيما خلال زيارته لقناة بريميير التلفزيونية، في 3 ديسمبر.
الانفصال عن الحزب الديمقراطي الغابوني:
والسؤال الآخر الذي لم يَحْظ بالإجماع في البلاد هو مسألة وجود نشطاء الحزب الديمقراطي الجابوني، واعتماد الجنرال أوليغي على رجال علي بونغو في مختلف الأعمال والمهام.
ولُوحظ الجدل الأكبر أثناء ترشيح أعضاء البرلمان الانتقالي في 6 أكتوبر، والذي يهيمن عليه أعضاء حزب الرئيس المخلوع علي بونغو. من بين إجمالي 168 برلمانيًّا (98 في الجمعية الوطنية و70 في مجلس الشيوخ)، يأتي ترشيح 85 منهم مِن قِبَل الرئيس التنفيذي، مقابل 60 من المجتمع المدني، و6 من الاتحاد الوطني (المعارض)، و6 من الجيش، و3 من REAGIR (المعارضة).
تلك التعيينات أثارت “احتجاجات واسعة” من المجتمع المدني والمعارضة، على سبيل المثال، حالة الناشط السياسي فيكتور ميساندا، من الاتحاد الديمقراطي والجمهوري (UDERE)، الذي انتقد “أخذ الأحزاب السياسية في الاعتبار، ومنحها أغلبية خاصة، ورغم أن بعضها هو أصل الانحطاط الذي نجد فيه بلادنا”؛ جاء هذا خلال مؤتمر صحفي في ليبرفيل في اليوم التالي لنشر مرسوم الجنرال أوليغوي.
_____________________
رابط المقال:
https://www.bbc.com/afrique/articles/cd1p3k3l2x0o