حاوره : رأفت صلاح الدين – محمد العقيد
تتشرف مجلة “قراءات افريقية ” بأن تقدم لقرائها وللمهتمين والعلماء والباحثين وطلبة العلم علماً من أعلام الفكر والدعوة الإسلامية والأكاديميين المتميزين الذي تتسع اهتماماته لكل شئون القارة الإفريقية ،إذ يعد ضيفنا الكريم من رواد التعليم العالي وتطويره في إفريقيا؛ وأستاذ لأجيال من أبناء إفريقيا ومن غير إفريقيا من الذين درسوا في جامعة إفريقيا العالمية، هذا الصرح الشامخ الذي تأكدت مكانته ودوره إفريقيا وعالمياً، وبخاصة في الفترة التي كان مديراً لهذه الجامعة؛ إنه البروفيسور “حسن مكي “.
نرحب به باسم مجلة “قراءات إفريقية”، وباسم قرائها، ونبدأ معه هذا الحوار والذي نأمل أن تكون خلاصاته مثمرة طيبة يستفيد منها الجميع.وفيما يلي نص الحوار:
· نبدأ بالحديث عن العمل الإسلامي والدعوي في واقعنا المعاصر وتقييمكم له في تقديمه لرسالة الإسلام، وخطابه الدعوي، وإنجازاته ومكاسبه، وقدرته على مواجهة التحديات ومدافعتها؟
الخطاب الإسلامي في إفريقيا سواء كان ضمن الإذاعات الإسلامية الموجهة، أم ضمن إذاعات القران الكريم، أم ضمن البرامج العامة؛ فإنه يصل إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي؛ ففي إفريقيا ما كان يسمع الصوت الإسلامي والعربي، وما كان يسمع القران الكريم في مناطق مثل: ناميبيا وبتسوانا والرأس الأخضر، ووسط الماساي في مثلث: كينيا ــ تنزانيا ـــ رواندا، هذه المناطق، ولكن الآن الحمد لله الصوت الإسلامي يصل, لكن هذا الصوت الإسلامي الذي يصل ما يزال في درجة واحدة، وهذا قصور؛ لأن الخطاب الذي يصلح لمن هو على درجات من الوعي ومن الثقافة يختلف عن الخطاب الذي يمكن أن يوجه إلى بسيطي الثقافة؛ المحاور( لكل مقام ) مقال، ونحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، فخطاب الناس على قدر عقولهم الآن غير موجود؛ فنفس الخطاب يوجه لكل الناس، ولكن الآن هناك محاولات لمخاطبة الناس بلسانهم وبثقافتهم وتنزيل الخطاب على قدر مقاسات عقولهم, كذلك المجتمعات المتقدمة والمادية في أوربا وأمريكا تحتاج أيضاً إلى خطاب نوعي خاص، وبدأ هذا الخطاب يصل إلى هذه المناطق، خصوصاً وأن هناك أسماء كبيرة دخلت الإسلام، مثل: المرحوم روجيه جارودي الذي سمى نفسه رجاء جارودي، وموريس بوكاي الذي كتب عن القرآن والتوراة والإنجيل؛ فنحن محتاجون إلى دراسات مقارنة، والحمد لله المراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية التي نشأت في الغرب والجيل الإسلامي الجديد الذي نشأ في الغرب يستطيع أن يكلم الغرب بلسانهم ويدحض ثقافتهم.
· تتأرجح الجماعات والحركات الإسلامية القائمة اليوم مابين التطرف والغلو، ما أبرز مظاهر كل من الطرفين، وما أبرز معالم الوسطية التي يمكن الاجتماع عليها؟
الحقيقة أن التطرف والغلو كلاهما مرفوض، والوسطية هي المطلوبة، ولكن يجب ألا نخلط بين مفهوم الوسطية الذي ننشده والذي هو ما بين التطرف والغلو، وما بين مفهوم الوسطية في المصطلح القرآني ” وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً”؛ لان هناك الوسطية معنيٌّ بها كل الأمة، وليست وسطية جماعة في الأمة، وهي سطية الأمة حتى تكون شهوداً على كل الأمم، وهى وسطية بين اليهودية والنصرانية، وهي وسطية الرسالة الخاتمة، فهذه ليست قاصرة على جماعة من الجماعات. ولكن يأتي الخطاب الإسلامي قائم على التبشير وعلى التيسير وعلى التسديد وعلى المقاربة هذا أمر مطلوب، وأن يراعي هذا الخطاب أيضاً موازين القوة، وموازين القوة الآن ليست في مصلحة المسلمين؛ فالمسلمون اليوم في هذه القرية العالمية أشبه بمن هم في شعب بني طالب، محاصرون، والعملة الإسلامية لا يمكن أن تقارن بعملات الدول الأوربية والأمريكية ولا القدرات الإسلامية بتلك القدرات؛ ولذلك يجب ألا ندخل في مجابهات ومواجهات، فهذه المرحلة أشبه بمرحلة كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، وإقامة الصلاة ليست أمراً سهلاً، إقامة الصلاة في وقتها وفي جماعة وفي المسجد، والتبشير بالإسلام، والتعمق في الثقافة الإسلامية، وفهم تلك المراحل هذا شيء يحتاج إلى اجتهاد عقلي وفكري وروحي وتنظير .
· ذكرتم في لقاءات سابقة: إن الحركات الإسلامية مخترقة، ما طبيعة هذا الاختراق، وكيف حدث ( المحاور ومن من؟ إذا تسمح )، وما تأثيره على الأحداث العربية الجارية في الساحة اليوم؟
طبعاً الاختراق أنواع، هناك الاختراق المباشر، وهناك الاختراق الفكري والروحي الذي يحدث للجماعات من أجل الابتزاز، وهنالك الاختراق العام، وهو اختراق عقل الأمة كما نراه في الفضائيات، وكما نراه في القنوات والصحف والإعلام، وكما نراه في الوظائف في الهيئات الدولية وغيرها، وهنالك الاختراق الممنهج باختيارهم للقيادات والتصدي لهم ومعرفتهم وتجنيدهم, وحجم الاختراق الآن كبير، على أي حال الاختراق الآن لا يحتاج أن تتكلم، عنه خذ الريموت وافتح القنوات العربية وانظر إلى أبنائنا يسهرون معها للساعة الثانية صباحاً وانظر إلى الحفلات التي تقام في الكريسماس، فلا تبحث عنها في الكتب الآن, فمن المؤكد أن الحركة الإسلامية في السودان تم اختراقها اختراقاً كبيراً؛ وإلا فكيف نفسر كون الإسلاميين يحاربون في دارفور ويقتلون إخوانهم، ويوقعون المواثيق مع حركات التمرد، ويتحركون في العواصم الغربية بتسهيلات دبلوماسية كبيرة ــــ والتسهيلات الدبلوماسية الآن الفيزا لا تقدم للشخص بسهولة، الباسبورت والتذكرة والمال ـــ، وللأسف الشديد في السودان أنا أتصور أن الاختراق كبير ؛ لأننا بأيدينا أعطيناهم مطار الخرطوم، ولأنه بأيدينا تم تدويل القضايا السودانية وأصبح هناك وجود عسكري وسياسي لهم في الخرطوم وفي غير الخرطوم وبالقرب من مطار الخرطوم، وهؤلاء يتحركون في المكاتب في بلد فقير والموظفون منهكون وفقراء، فأنا اعتقد أن السودان مخترق .
· هل هناك اختراق للحركات الإسلامية في إفريقيا نفسها ؟ وما مدى هذا الاختراق؟
مؤكد أن الحركات الإسلامية في إفريقيا مخترقة؛ لأن الآن في إفريقيا وهي أصعب وأضل؛ لأن إفريقيا فيها قاديانية وشيعة وبهائية، وأصبحت كل هذه تُبرز بوصفها مكونات للحركة الإسلامية، والشباب يدخل ويصلي مع القاديانية أو البهائية، أو يتأثر بأفكار الباطنية والحركات الهدامة.
· هل يعد من المبالغة وصف البعض الحركة في السودان بأن فيها رموزاً ماسونية؟
والله لا أدري، ولكن لا أستبعد، لا أدري، ليس عندي معلومات، ما عندي ولا معلومة واحدة، وأنا جلست مع الماسونيين في السجن ، ما كان بينهم، ولكن لا استبعد.
· صعود الإسلاميين في ظل الربيع العربي يعده البعض من الفوضى الخلاقة، وبوصفه متغيراً جديداً في الساحة, ما التأثيرات المتوقعة على خارطة التقسيمات للجماعات والحركات الإسلامية والدول العربية؟ وبخاصة ما يسميه الغرب وأمريكا بالأصولية؟
أولاً صحيح أن الغرب ساهم في تقويض النظام القديم في مصر وفي تونس بالترويج لأفكار الديمقراطية والترويج للحريات والترويج لحقوق الإنسان وهكذا, لكن الظلم كان يقع عمودياً على الإسلاميين, والإسلاميون كانوا منبوذين، وكان يقع عليهم أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، وكان السجن أو النفي هو المكان الطبيعي، وأصبح ذلك لا يعني شيئاً؛ أمر روتيني أن تقرأ في الصحف الأخبار بأن الإسلاميين تم اعتقالهم، تم جلدهم، تم قتلهم تم نفيهم، وما كان هذا يستفز أحداً، ولم تكن تلك الممارسات تجاه واحد أو اثنين بل مئات الآلاف، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين, هذا النفي وهذا السجن وهذا التعذيب مكن الإسلاميين من أن يكونوا قوة متينة، ويكون عندهم تنظيم صامد ويمتصوا الأزمات ويمتصوا الضربات؛ ولذلك حينما هز الأمريكان بما يسمونه الفوضى الخلاقة النظام القديم؛ لأنهم كانوا يريدون تجديد النظام من الداخل، وإذا بالنظام يهوى وتبرز القوة الإسلامية التي صعدت بوصفها موجة لا يمكن صدها أصلاً؛ ولذلك هذه من أقدار الله سبحانه وتعالي؛ فكما نشأ موسى في بيت فرعون تنشأ الحركة الإسلامية الآن في وسط الفوضى الخلاقة التي تحدثها أمريكا أو الغرب، يعني فرعون هذا الزمن يسمَّى الديمقراطية ويسمىَّ حقوق الإنسان ويسمىَّ الحريات، هذه الثلاثية التي تمثل فرعون هذا الزمن، طبعاً فرعون الزمن السابق كان يمثل البطش والذهب والقصر الملكي, فإذن في ظل فرعونية القرن الحادي والعشرين نشأت الحركة الإسلامية في بيت فرعون وتقوَّت عليه، والآن تجالد وتحاول أن تقضي على المفاصل؛ لأن مفاصل الدولة القديمة ما زال يملكها البيت الفرعوني، فما تزال البنوك كلها، مدراؤها ورجال الأعمال فيها أو رؤساء مجالس إداراتها من الكادر القديم المربوط بإسرائيل والمربوط بالصهيونية والماسونية، وما تزال أيضاً مفاصل المخابرات والأمن وأجهزة الدولة؛ ولذلك فإن الصراع القائم الآن صراع تاريخي وصراع صعب، وهذه أول مراحله وأول حلقه .
· صراع الثقافات أم صراعات الحضارات، هل تتأكد مصداقية ذلك من خلال ما يسمى بالربيع العربي، وما الذي تتوقعونه من انعكاسات على الاستراتيجيات والمواقف الدولية والإقليمية تجاه دول الربيع العربي؟
صراع الثقافات وصراع الحضارات، نعم صراع الثقافات سيشتد وهو صراع دامٍ، والآن نحن نحتاج إلى تنسيق كبير بين مصر والسودان على الأقل وليبيا لإيجاد كتلة تقاوم المد الغربي، الآن مصر مهددة؛ لأن مثلاً المياه هنالك سد الألفية، وهو على بعد 16 كم من الحدود السودانية، صحيح أن السودان ومصر سيستفيدان منه في تخزين المياه في المناطق الرطبة، ولكن المشكلة أن ضبط النيل يجب أن يكون فيه إدارة ثلاثية وإذا تم ضبط النيل وجعله كالحنفية (صنبور الماء)، وان تكون الحنفية مغاليقها عند بشر فهذا فيه خطر استراتيجي؛ فلذلك ضبط النيل لا بد أن يتم بإرادة سودانية ـــ مصرية ـــ إثيوبية، وإرادة سودانية مصرية مع كل دول المنبع، وألا نترك ضبط مياه النيل يتم بالأموال الإسرائيلية والأموال الغربية؛ لان هؤلاء لا يريدون لنا الخير فهم يريدون أن يحاصروا مصر مثل ما حاصر فرعون موسى، يعني يحاصرونها براً وبحراً في غذائها وفي مائها حتى تستكين لاتفاقية كامب ديفيد والسلام؛ ولذلك قدر مقدور علينا لابد أن نفكر في الوحدة ونفكر في التواصل.
· ما مدى ما يمكن تحديده من تطبيق الأحكام الإسلامية في دول الربيع العربي في ظل الهيمنة العلمانية والعولمة والنظم الإقليمية والعالمية ؟
يعني ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين, ودخول الباب لا يكون هكذا عنوة مرة واحدة، إنما يحتاج إلى التخطيط والتصميم والتدرج، ونحن رأينا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية كيف فعل، ما طالبوه بشروط ما أنزل الله بها من سلطان فقبلها: مسح بسم الله الرحمن الرحيم جعلها بسم الله، ورجع من عامه ذاك، وبدلاً من: محمد رسول الله، محمد ( هذا عهد محمد )، وفي العام التالي حينما جاء طاف بالبيت ولم يهدم ما فيه من أوثان وأصنام وصور، وإنما كانت فيه كل خبائث الجاهلية، ولكنه كان يعلم أن هذه ليست دولته وان هذه ليست لحظته، ولكن الفتح رغم ذلك آت، السورة التي نزلت” إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً “، فهذا الربيع العربي الآن فيه فتح إن شاء الله، ولكن هذا الفتح يجب أن نسير فيه بمرجعيات وبثقة وبهدوء وألا نستفز العدو، ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم؛ فيجب أن ننظر إلى واقع أقدامنا.
· ما رأيكم بالربيع العربي، وما تأثيره على السودان، وكيف ترون مستقبل المنطقة بعده؟
الربيع العربي لطف إلهي، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، والزمخشري وقف عند هذه الآية وقال: اثبت الرمي للإنسان، ولكن التأثير والنفوذ والإصابة لله سبحانه وتعالى؛ فنحن الثلاثة كل واحد يرمي لكن كلها قد تجلي(تخطئ) أو واحد فينا يصيب، فهذه الإصابة يأتي ينزل فيها ذهب، الإنسان يضرب على الأرض فبعضهم ينزل له عرق ذهب، وبعضهم يصاب بالغضروف في ظهره ويعود بلا شيء، فما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. فالربيع العربي هو لطف إلهي سبحانه وتعالى علم ضعفنا وعلم هواننا وحالنا فأرانا من آياته هذا اللطف الإلهي، والذي صعد فيه المستضعفون. أنا والله قابلت راشد الغنوشي في لندن ما كان يحلم وكان معي بنكيران وكنا نحن الثلاثة في لندن مع بعض في مؤتمر لم نتكلم في هذا الموضوع أصلاً، فإذا الآن الغنوشي صاحب تأثير كبير في تونس، وبنكيران رئيس وزراء المغرب، أما عن السودان فاعتقد أن تأثيره سيكون كبيراً على السودان، وانه رغم المؤامرة على السودان ورغم فصل جنوب السودان ورغم حروب السودان في دارفور والنيل الأزرق؛ فالسودان ما يزال صامداً، والسودان ما يزال مدداً للحركات الإسلامية وللجماعات الإسلامية وللثقافة الإسلامية، والآن جنوب السودان يتكلم باللغة العربية، والآن تشاد فيها تحول إسلامي وعروبي كبير مبعثه من السودان، والحكومة التشادية أعلنت الثنائية اللغوية، فقبل 5 سنوات كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الحاكمة فقط، الآن الثنائية اللغوية أصبحت اللغة العربية لغة رسمية، والآن تدخل تشاد إذا تكلمت الفرنسية ما أحد يفهمك، وحينما تتكلم باللغة العربية كل الناس يفهمونك ويسلمون عليك، والبرلمان التشادي أقر دخول تشاد في منظمة الدول العربية، والآن هذا يحدث في ارتريا. و إثيوبيا تشهد الآن تحولات ديمقراطية كبيرة، نائب رئيس الوزراء لأول مرة مسلم، والمسؤول الثالث في الحزب من الأرومو “خضر بشير “، وهو مسلم، تحول كبير رغم الصراعات مع الحركات السلفية هناك، ومحاولة فرض طائفة الأحباش هذه، لكن هذه كلها ظواهر ستزهق ” أما الزبد فيذهب جفاء “، أنا اعتقد أن إثيوبيا مقبلة على تحول كبير، الآن لا يجب أن نصدق كلام الخواجات أن إثيوبيا دولة مسيحية هذه أكذوبة كبيرة، إثيوبيا الآن دولة ذات غالبية إسلامية وفي اتجاهها لتنضم للمنظومة الإسلامية بعمقها الحضاري وبقوتها؛ فلذلك هذا الربيع العربي ليس هو في هذه الدول فهو يمتد إلى إفريقيا، في تشاد، ولكنه يعبر عن لطف إلهي يتجلى بتجليات مختلفة يتجلى في إثيوبيا في إقبال شديد وتوجه نحو الإسلام عميق.
· مؤخراً تم الاعتراف بالثقافة الإسلامية بصفتها مكوناً رئيساً من مكونات التاريخ والحضارة والثقافة في إثيوبيا:
نعم، نعم، الاعتراف بالثقافة الإسلامية والأعياد والإقبال على الصوم، وكذلك الأسر الإسلامية متماسكة، والأسر غير الدينية الآن يضربها الايدز، تضربها الدعارة، يضربها التفكك الأسري، والآن نسب المسلمين تزداد في الجامعات ، كانت منذ زمن في بعض الجامعات لا تتجاوز الـ 12 %، الآن في بعض الجامعات الإقليمية تجاوز الـ 60 %، فهذا كله فتح كبير بالنسبة للمسلمين إن شاء الله.
· ما تقييمكم لتجربة حكومة جبهة الإنقاذ في السودان، إيجابياتها وسلبياتها، والدروس المستفادة منها؟
الإنقاذ لها إيجابيات كبيرة، أولاً لم يكن هناك إسلام جغرافي قبل الإنقاذ؛ لأنك ما كنت تستطيع أن تذهب إلى وادي حلفا مثلاً براً، والآن تركب سيارتك وتذهب إلى وادي حلفا ومنها إلى الأقصر في مصر، وتركب سيارتك وتذهب حتى أقصى أديس أبابا، وإلى الجنوب تصل الرنك، وغرباً تصل إلى النهود… والتجربة لها سلبياتها وايجابياتها ولها إخفاقاتها, أنا أعتقد من الإخفاقات أن المشاريع الكبرى في السودان أهملت، كالخطوط الجوية السودانية، والخطوط البحرية، ومثل مشروع الجزيرة، والريف السوداني. وأيضاً الدولة، مستوى الأداء في الدولة ضعيف، ولم نستطع أن نوجد فرص عمل كافية للشباب، وهنالك عنوسة في مرحلة عالية جداً, لكن هناك أيضاً إيجابيات منها: ضبط النيل هذا سيخلق فرص عمل، وإنشاء خزان مروي، وتعلية خزان الروصيرص، والاستفادة من ثورة التعليم العالي، وثورة الاتصالات، وثورة الطرق، وثورة السكن العشوائي تصفية السكن العشوائي وتنظيمه في سكن حديث، وكهربة جزء كبير من الريف. وهناك إخفاقات لكن اكبر إخفاق أنا اعتقد في المشروع الروحي نفسه, المشروع الروحي مع نمو المساجد بنيت مساجد كثيرة ولكنها كأنها خاوية ، الآن الخرطوم وحدها فيها أكثر من 6000 مسجد ولكن لا تجد فيها 6000 داعية، ولا تجد فيها دروساً منتظمة، ولا تجد فيها محو أمية، ولا تجد فيها دروساً للأمهات وللنساء، ولا تجد فيها توعية دينية, فالمشروع الروحي يحتاج إلى مراجعات للأسف الشديد.
· هل هذا يعبر عن فراغ داخلي بالنسبة للحركة الإسلامية؟
مؤكد يعبر عن فراغ داخلي، ويعبر كذلك أننا اهتممنا بالوظائف والمناصب والصراعات على السلطة، ونسينا واجبنا الأساسي في إعمار المساجد.
· الانقسامات داخل الحركة الإسلامية: كيف ترونها، ولأي شيء تردونها؟
هي انقسامات وصراع على السلطة، مثل الفتنة الكبرى حينما دخل صانعو الفتنة وقتلوا ولياً من أولياء الله سبحانه وتعالي، سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهذا كان ليس للتصحيح أو للإصلاح، وإنما كان فقط لأنهم يريدون المال ويريدون الوظائف، هذا ما حدث في السودان، الصراع الآن أصبح على السلطة وعلى الوظيفة وعلى المال وعلى الثروة، وهذا نتيجة لعدم الشفافية وعدم المراجعة وعدم الشورى.
· هل لهذه الانقسامات بعد آخر؛ فبعض الانقسامات سبقت السلطة تاريخيا؟
أيضاً كانت لأجل السلطة، حينما كان حسن الترابي (أمين عام الحركة سابقاً) سد المنافذ على غيره أيضاً، كان السؤال من هو أمير الحركة الإسلامية، وهذا تغلف: أننا نحن نريد أن يكون هذا الأمير موصول بالحركة العالمية والحركة الإسلامية، وهذا يقول بالتنسيق، ولكن في النهاية هو صراع .
· ألا ترى أن فيه بعداً منهجياً أو فكرياً؟
البعد المنهجي واضح في الرايتين،(المقصود: المؤتمر الوطني الحاكم، والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي)، لكن لا أعتقد أن الخصوصيات تلغي عالمية الحركة الإسلامية، ولا اعتقد أن عالمية الحركة الإسلامية تلغي الخصوصيات؛ ولولا الصراع حول الوظيفة الأولى كان يمكن الوصول إلى خط وسط، ولكن هكذا التاريخ أي حركة تصحيح يكون معها انقسام .
· كيف جاء مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن في السودان في انعقاده ونتائجه، وما الذي تتوقعونه لمسار الحركة الإسلامية من بعده ؟
أعتقد أنه كان مهماً؛ لأنه على الأقل الناس عرفوا بعضهم، ونحن زمان كنا مجلس الشورى كنا50 عضواً، أتذكر ذلك في آخر مجلس شورى 1988م. الآن اجتمع 4000 عضو لا يعرفون بعضهم؛ وهو ما جعل البعض يقول لا، إنه ليس حركة إسلامية، حتى إنه لو لم يكن حركة إسلامية، يقولون نحن حركة إسلامية ويجب أن تقبلهم وتتكلم معهم وتناقشهم. صحيح الآن الحكومة تخشى من التنظيم نفسه وتستحضر تجربة الانشقاق عام 89م، وتخاف، خصوصاً انه كانت هناك محاولة انقلاب عسكري يقودها بعض الإسلاميين، لكن اعتقد أن تجمع الإسلاميين واختيارهم لأمير، والشفافية في محاسبة هذا الأمير، وفي الالتفاف حوله وفي مناصرته، أعتقد أن هذه مسألة مهمة جداً، وبدونها ستنتكس الراية، والناس يجب ألا ينظروا إلى السلبيات الآن , صحيح الآن هناك سلبيات ، وليس هناك إصلاح سريع يبرز، لكن كون الراية ترفع من جديد ويكون هناك الآن الأمير معروف وأمراء المكاتب معروفين، وهناك شفافية وهناك انتقاد وهناك تواصل، هذه بدايات الخط الصحيح.
· العلاقات الجزئية والكلية بين هذه الكيانات في السودان: الحركة الإسلامية، المؤتمر الوطني، حكومة الإنقاذ؟
قلنا في مؤتمر الحركة الإسلامية طبعاً أن المجلس القيادي يكون برئاسة رئيس الجمهورية، وأن أعضاء الحكومة يكونون أعضاء في المكتب القيادي، طبعاً بعض الناس لم يقبلوها؛ لأنهم يعتقدون أن الحكومة ابتلعت وظيفة الحركة الإسلامية. لكن أعتقد أنه في هذه المرحلة لأن الثقة معدومة في الحقيقة، أصبحت تحتاج إلى وقت تنمو فيه الثقة وتأتي قيادات جديدة؛ فإذن علينا أن نعول على الثقة وأن نعول على قيادات جديدة وعلى أن نعطي هذه التجربة حظها، ونرى أن ما يمكن أن نتخوف منه من هيمنة من السلطة على الحركة لا تحدث، وإنما العكس هو الذي يحدث، وأن الحركة برجالها وبأفكارها وبمبادراتها تستطيع أن تغير مسار الحكومة، وتستطيع أن تعمر المساجد، وتستطيع أن تعمر النفوس وتعمر القلوب، وإذا لم يحدث ذلك إن شاء الله الناس يفكرون في طريقة أخرى.
· منهجياً وفكرياً يتحفظ البعض على سلامة الاتجاهات التجديدية المعاصرة في السودان وفي غيره ممن تأثر به من الحركات، فما تعليقكم على ذلك؟
طبعاً التجديد هي كلمة مباشرة، وليس كل جديد يعني المكروه، فالمكروه هو الابتداع المكروه هو ربط الحركة الإسلامية بأفكار واردة من الغرب، لكن اعتقد أنه دائماً الحق في التجديد أن تكون اللغة إسلامية فبدلاً من أن نتكلم عن ديمقراطية نتكلم عن الشورى، وبدلاً من أن نتكلم عن الأحزاب والنخب نتكلم عن الحل والعقد، وبدلاً من أن نتكلم ونأتي بالمصطلحات الإسلامية كالفتن والأحكام السلطانية، ونحاول أن نبني ثقافة إسلامية سياسية، الآن لأنه في الحقيقة الثقافة الإسلامية السياسية ـــ وبفعل الكبت والاستبداد ــــ ضعفت وتهاوت وتلاشت.
· هل تؤيدون ما يراه البعض من أن الحركة الإسلامية فرغت من مضامينها في السودان ونُحِّي الكثير من رموزها وقياداتها ؟
والله سواء أكان نُحوا أم لم ينحوا، الحركة الإسلامية تحتاج إلى تجديد في السودان؛ فالجيل الذي ظهر بعد ثورة أكتوبر سنة 64م، ظل في مفاصل الحركة الإسلامية 50 سنة، وحتى الجيل الذي جاء بعد الإنقاذ 89م، أيضاً يجب أن يفسح المجال للقيادات الجديدة من الإسلاميين، ويكون هو همزة التواصل، ولكن هذا التواصل يجب ألا ينفي دور الجد يعني نحن نعرف أن العائلة الممتدة فيها الجد وفيها الأب وفيها الحفيد، وهؤلاء كلهم يجب أن يكونوا أساس الحركة الإسلامية, فالحركة الإسلامية لا تنفي شخصاً لأن عمره كذا، ولكن تسمح للشباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : “نصرت بالشباب”, فالشيوخ عندهم الخبرة، وعندهم الحكمة، وعندهم بعد النظر، والآباء المؤسسون هم همزة الوصل في هذا الجسر الذي يعبر عليه الأحفاد إلى الجدود ليحصل التواصل الفكري والتلاحم, والأحفاد هم الذين يحملون السلاح وهم الذين يقاتلون، ولا بد أن يقاتلوا على بصيرة وعلى بينة؛ فلذلك هذا التواصل مطلوب.
· ماذا عن تفريغ الحركة الإسلامية من مضامينها؟
يعني هذا طبعاً البلد مواجه بتحديات: العولمة، والبلد مفلس، والدول الإسلامية نفسها تفرض بعضها على بعض الربا، والهجرة إلى الخارج، والفقر الذي يخرب البيوت؛ لأنه أحياناً يؤدي إلى بيع الأعراض والضمائر والنفوس، الحقيقة هناك إشكالات كبيرة. لكن إن شاء الله، النبي صلى الله عليه وسلم يقول : “إنما الناس في ابل مائه لا تكاد تجد فيها راحلة”؛ فإذا كان يوجد مائة في الحركة الإسلامية ليس شرطاً أن يكونوا كلهم رواحل؛ وإلا لقادوا العالم, لو وجدنا راحلة واحدة إذن إن شاء الله
· بعض الناس يعتبر أن ما شهدته دول الربيع العربي ليس ثورة، ويتوقعون مستقبلاً أن تتغير الأمور للأسوأ, وبعض الناس يرون أنها ثورة لم تكتمل بعد، وسوف يحدث فيها تطور للأحسن. فما هى رؤية حضرتك لذلك؟
هذا يأتي من بعض المصطلحات الغربية، فكلمة ثورة التي هي (Revolution)، فثورة هذه ليست كلمة مباركة، وفي الحديث النبوي: “إذا جاء ثائر الرأس …”, هذه ما موجودة في الثقافة الإسلامية ونحن أخذناها وترجمناها واخترعناها وأدخلناها في منظومتنا الثقافية الإسلامية, وما حدث أعتقد أنه لطف إلهي وهذا تغيير مبارك.
· هل تتوقع لها الأحسن؟
أعتقد أنها ستتجه للأحسن؛ لأن هذا لطف إلهي، وحينما نقول لطف إلهي، معناه اتجاه صاعد إن شاء الله.
· هل تعتبر ما حدث ثورة بالمفهوم العلمي والسياسي؟
بمفهوم المصطلح السياسي ليست ثورة؛ لأن الثورة تقلب كل النظام، ولكن ما حدث في مصر وتونس أن الجيش انحاز وبقيت الرموز ممثلة في طنطاوي والرجل الثاني في المخابرات، ولكن التحول شيئاً فشيئاً ويحدث تغير تدريجي.
· ما العوامل الداخلية التي ساعدت في تقديركم على نجاح مخطط جنوب السودان؟
أولاً : التنصير؛ فالناس هنا في السودان يتساهلون مع التنصير وينسون أن الكنائس هذه أقوى قوة موجودة في جنوب السودان، وقبل 30 سنة كانت الخرطوم هذه كأنها محفل كنسي، الآن انظر إلى النيل في الخرطوم لا تجد مسجداً على النيل إلا مسجد النيلين إلا في السنين الأخيرة بُني مسجد الشهيد بالقرب من النيل، ولكن انظر إلى الكنائس: كنائس الأقباط، والكنائس الأرثوذكسية، والكنائس الإنجليكانية والكاثوليكية، وكلها في أحسن المواقع وفي قلب العاصمة، وكنا حينما تخرج من مطار الخرطوم أول ما يُواجه به الناس الكنيسة الكاثوليكية؛ ولذلك في جنوب السودان كان فيه تعبئة وخلق لثقافة جديدة ثقافة كنسية والثقافة الكنسية كانت كلها تقوم على أن هذا البلد بلد كنسي، وان الجنوب شيء مغاير للشمال، وكانوا أيام الميلاد يخرجون بصلبانهم بشكل استفزازي, والآن في جنوب السودان يحاولون السطو على الأوقاف؛ لأن أراضي الأوقاف كلها في قلب المدن، وعيونهم على الأوقاف الإسلامية من: مدارس، ومساجد، ودكاكين(متاجر) وغيرها.
· غير جانب التساهل في قضية التنصير، لو أخذنا المراحل ما بعد الاستقلال الممتدة، قد تكون هناك أخطاء كثيرة في السياسات المتبعة في إدارة الجنوب؟.
نعم، طبعاً، فسياسة المناطق المقفولة، هي لماذا؟ هي للتمكين للكنيسة.
· ولكن ، إلى أي مدى أسهمت الحكومات الوطنية في تعقيد الأمور؛ فبدلاً من أن تكون هنالك حلول ومعالجات، استمرت المشكلة وتفاقمت وتشعبت إلى أن بلغت ما بلغت؟.
دائماً يعتقد الكثيرون أن الأساس السياسي هو الأهم في المعالجة ، ولكني أعتقد أن الأساس العقدي والثقافي هو الأهم, فهؤلاء الذين يسمون أنفسهم جون جرنق وسيلفا ويسمون أنفسهم وليم دينج، ويسمون نفسهم جوزيف أدوهو، ويتسمون بالأسماء الأجنبية والمصطلحات الأجنبية، وأصبحوا يتكلمونها، على الرغم أن لغة الجنوب هي اللغة العربية وهي اللغة السائدة الآن وسط العوام، لكن النخبة لا تتكلم العربية؛ لأن الكنسية لا تريد لها أن تنطق بلغة الضاد، والحرف العربي هو ثقافة؛ فأنت عندما تتكلم بلسان معناه أنك لا بد أن تعبر بالمفاهيم، فتقول السلام عليكم، المفاهيم الإسلامية تتجلى في عقلك؛ فلذلك الانفصال الثقافي هذا هو الذي مهد للانفصال السياسي ومهد للعصيان العسكري والمدني.
· ما المخاطر الناجمة في تقديركم عن تطور علاقات الجنوب السوداني بإسرائيل بعد الانفصال؟
هذه ليست مخاطر هذه كوارث على الأمن؛ لأنك تخنق وتمسك من يدك التي توجعك، من النيل ومن فضائك الروحي وفضائك النفسي والفكري والاقتصادي, يعني مصر سوقها أين؟ سوقها في إفريقيا، مصر لا تستطيع أن تنافس في سنغافورة مع النمور الأسيوية ببضائعها ومنتجاتها، لكنها تنافس ببضائعها ومنتجاتها في إفريقيا؛ فحينما يغلق عليها السوق ويُمكِّن هذا السوق لإسرائيل؛ فإذن الشيكل سيكون أقوى من الجنية المصري وأقوى من الريال السعودي، وحينما الماء يكون في سدود تبنيها إسرائيل إذن هؤلاء سيكون ولاؤهم لإسرائيل, وحينما تمكن الثقافة الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها والثقافة الإسرائيلية وتنعدم فرص الثقافة العربية؛ فماذا تتوقع !!
· قضية دارفور لا زالت تشكل إحدى أهم التحديات التي تواجهها السلطة في السودان، كيف ترون حل هذه القضية بما يدرأ خطر تكرار تجربة فصل الجنوب؟
قضية دارفور قضية محزنة؛ لأن المسلم يقتل أخاه المسلم، وقد نجحوا فيماخططوا له في دارفور، إذا كانوا خططوا للنجاح بنسبة 10%، فالنجاح وصل إلى 300%؛ لأنهم قسموا دارفور عرقياً وثقافياً، وقسموا دارفور وجعلوها مع إسرائيل, لأول مره مجلس الوزراء في تاريخ إسرائيل ينعقد بكامله ليناقش قضية الإغاثة في دارفور باعتبارها قضية إنسانية، لم يناقش أصلاً قضية عربية بهذه الصورة، وعُمل متحف لما سموه حرب الإبادة في دارفور في متحف الهولوكست في واشنطن، وهذا لم يحدث في التاريخ، وأوهموا النخب في دارفور أن هناك حرباً ما بين الزرق (السود) والعرب، ومكنوا لعقلية الانفصال، والآن دارفور فيها 5 ملايين قطعة من السلاح، والشاب المراهق يكون عمره 16 أو 17 سنة يكون حاملاً للسلاح، وهو ما يعرف قيمة هذا السلاح، ويلاقي أخاه في الطريق يختلفون في ماء، أو في هذه البهيمة لي أو لك، أو أن تسقي أنت أولاً أو أنا؛ فيفتح فيه النار، وتأتي القبيلة الأخرى لتناصر؛ فتفتح النار؛ فيموت الناس. والآن للأسف بئر البترول التي حفرت في دارفور تُحاصر، في الفولة حقل البترول الذي بدأ ب 6000برميل، وكان متوقعاً وصوله إلى 30000 أمس، نزل إلى 3700 برميل. والحرب ما بين المسيرية (قبيلة) أنفسهم، ما بين البيوت، وهذه الصراعات القبلية. فقضية دارفور قضية محزنة قضية مبكية؛ لان دارفور كانت هي صمام أمان الإسلام في الغرب وخرجت منها حركة فورلين التي جاءت بالمسلمين في السلطة في تشاد، وخرجت منها حركة التعريب التي عربت تشاد وغرب إفريقيا؛ فالآن يريدون أن يفصلوا غرب إفريقيا عن السودان عن طريق دارفور.
· هل انفصال الجنوب آثر بالإيجاب أو السلب على مشاكل دارفور؟
حروب السودان للأسف الشديد لا زالت مستمرة، ومسألة فصل الجنوب أصبحت مجرد منطقة للقفز على شمال السودان.
· يتخوف البعض من خطر وصول المد الشيعي وتغلغله في إفريقيا وفي السودان خاصة، فما رأيكم في ذلك؟
مؤكد أن كل الحركات الهدامة تتحرك الآن : القاديانية، والبهائية، والإسماعيلية، والشيعة كلها للأسف، ولكن السؤال: أين هم السنة ؟! هذا هو السؤال.
· ما يزال التاريخ الإسلامي الإفريقي مجهولاً، أومشوهاً حتى عند كثير من أبناء القارة؟
هذا صحيح؛ ولذلك نحن نحتاج إلى 100 جامعة مثل جامعة إفريقيا؛ لأن طلاب الخلاوى (جمع خلوة وهي مدارس تحفيظ القرآن التقليدية) الآن ، في إفريقيا قرابة (5) ملايين، هؤلاء حين يحفظون القران يتجهون للتسول، لأنه لا مستقبل لهم؛ ولذلك لا حل إلا أن ننشئ لهم جامعات ومعاهد .
· كيف يمكن الاستفادة من تاريخ الممالك الإسلامية في إفريقيا في تأكيد هوية القارة، ومقاومة التوجهات التي تستهدف طمسها؟
يجب أن نعرف أن إفريقيا قارة مسلمة، وأنه في يوم من الأيام لم تكن هناك غير الكنسية القبطية والإسلام في إفريقيا، لكن الكنائس الآن ، ومختلف المدارس، ومختلف التوجهات ومختلف الحضارات لها تواجد في إفريقيا . وأنا استغرب حين يقام يوم الكاتب الإفريقي ويعدون كل من يكتب بالفرانكفونية أو يكتب بالأنجلوفونية إفريقياً، والذي يكتب بالعربية لا يعدونه إفريقياً؛ ولذلك ابن خلدون ليس داخلاً، وعبد الله بن فودي، وعثمان دانفودي الذين أسسوا ممالك صكتو والخلافة الإسلامية في نيجيريا وممالك برنو وداهومي، كل من كتب فيها لا يعد إفريقياً.
· بحكم اهتمامكم وخبرتكم بالقرن الإفريقي، والصومال خاصة، كيف ترون مستقبل الحركات الإسلامية في الصومال؟
الإسلام قادم للصومال، الإسلام قادم إن شاء الله، سواء كان عن طريق حركة الشباب أم عن طريق الحكومة الموجودة، وأظن أنهم إن شاء الله سيتحاورن وسيصلون إلى حل وسط إن شاء الله .
· مشروع الولايات المتحدة الإفريقية، ما مدى واقعية هذه الفكرة في تقديركم، وماذا عن إمكانية تنفيذها في ظل واقع القارة الحالي؟
يجب ألا نعول عليها إذا وقعت وقعت، وإذا لم تقع فنحن يجب أن نعول على تواصل الجماعات الإسلامية، تواصلها وأن تكون عابرة للحدود الجغرافية وعابرة للحواجز السياسية، وأن ننشئ المراكز، ويكون القلم هو أداتنا؛ لأن أول أية نزلت في القران الكريم هي “اقرأ:, وكذلك نعول على التربية والتعليم، هذه مهام صعبة وليست لعباً، فهى ليست مثل السياسة أو الاقتصاد؛ فلذلك لا بد أن نهتم بإنشاء المدارس والتعليم، وإنشاء الجامعات الإسلامية، ومحاربة الأمية في إفريقيا، وإيجاد ما نستطيع توفيره من وظائف وقدرات.
إننا تحتاج إلى مئات الجامعات مثل جامعة إفريقيا العالمية ؛ وإن شاء الله الشباب الذين يتخرجون من هذه الجامعة هم سيكونون أساس الجامعات الإسلامية والمنظمات الإسلامية والحركات الإسلامية والثقافة الإسلامية، وسيتواصلون مع خريجي الجامعات المصرية وخريجي الجامعات العربية والسعودية الأخرى وسيكونون نواة إن شاء الله لمستقبل حركات التغيير.
· هل التواصل الآن بين الخريجين يتم تلقائياً أو هو يتم وفق دراسة وتخطيط ؟
إذا قارنا تخطيطنا بالتخطيط الكنسي والتخطيط الصهيوني فهو لا شيء، ولكن العمل الإسلامي موجود بفضل من الله موجود، والآن الجمعيات الإسلامية ووكالات الإغاثة الإسلامية تحاول أن تنشئ نواة لهذا العمل.
· من خلال خبرتكم وتجربتكم، كيف ترون واقع البحث العلمي ومراكز البحوث والدراسات في الجامعات الإسلامية في إفريقيا، وكيف يمكن تطويرها؟
الحمد لله هناك الآن أكثر من 20 جامعة إسلامية في إفريقيا ، وكلها بدأت فيها مراكز بحث، والآن أنتم مجلتكم هذه خير رسول وأنا أشيد بمستواها حقيقة بدون مجاملة لكم، فمجلة “قراءات افريقية” ممتازة ونحتاج إلى العشرات من هذه المجلات، لكن يجب أن تصل, يجب أن تصل إلى المسلمين في زيمبابوي، ويجب أن تصل إليهم في إثيوبيا، وفي الصومال وألا تكون قاصرة على مناطق الوعي.
· هناك تطورات سياسية حصلت في الصومال بعد الانتخابات وأيضاً هناك حركة الشباب الإسلامية كيف ترى مستقبل الوضع هناك ؟
الشباب حركة إسلامية والذين استلموا الحكم الآن في الصومال حركة إسلامية، وأبشرك بأن الأمين العام لحركة العدالة هذه التي تمثل الحكومة هو من خريجي جامعة إفريقيا العالمية ودرس هنا ، وعمل الدكتوراه في السودان، وهو الأمين العام للحزب وقد رفض أن يكون رئيساً للوزراء، وقال نحن نريد أن نمكن للجماعة وللحزب وهو العقل وراء كل هذه الحركة.
· هل يمكن للصومال أن ينقسم؟
الصومال الآن في اتجاه الوحدة رغم محاولات التقسيم والحرب، وأكبر جهة كسبت في الصومال هي اللغة العربية , اللغة الإيطالية انتهت في الصومال, واللغة الانجليزية ضعفت, واللغة العربية أصبحت لغة الصوماليين الثانية.
· خلاصة وتوجيه من سعادتكم تختمون به هذا الحوار :
الخلاصة شكراً لكم على تواصلكم، وينطبق علينا جميعاً المثل، فنحن كلنا على درجات مختلفة من المرض، لكن ربنا يسهل علينا ونتكامل مع بعضنا، ونحن ننتظر الخير من الجيل القادم، وإن شاء الله يكونون أفضل منا، وأقدر على حمل الراية