بقلم أ. محمد زكريا فضل
لأول مرّة يزور وفدٌ سُعوديٌّ دبلوماسيٌّ رفيع المستوى جمهوريةَ إفريقيا الوسطى في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كان الوفد برئاسة وزير الدولة المكلَّف بالشؤون الإفريقية في وزارة خارجية المملكة العربية السعودية الأستاذ أحمد بن عبد العزيز قطّان، وذلك في تاريخ 14 ديسمبر 2020م، واستقبله في المطار وزير خارجية جمهورية إفريقيا الوسطى السيدة سيلفي بايبو تينون (Sylvie Baïpo Tenon).
وجاءت هذه الزيارة نتيجة للزيارة الرسمية التي قام بها وزير خارجية جمهورية إفريقيا الوسطى للرياض في يناير 2010م([1]).
بعد ذلك استقبل رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى؛ السيد فوستين أركانج تواديرا، الوزيرَ السعودي الذي بحث معه مستجدات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؛ من أجل تعزيز التعاون بين البلدين ومكافحة الإرهاب.
وعلى إثر ذلك أكّد رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى أنّ بلاده تقف مع المملكة تجاه مختلف القضايا الساعية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في كلٍّ من المنطقة العربية والإفريقية والإقليمية.
وانتهز الرئيسُ تواديرا الفرصةَ فقدَّم شُكْره للصندوق السعودي للتنمية على المشاريع التي يقوم بتمويلها في بلاده بتوجيهات من القيادة السعودية الرشيدة.
ومِن المقرَّر أن يشهد اللقاءُ توقيعًا على اتفاقية تعاونٍ بين الوزيرين تشمل بنود عديدة؛ إلا أنها أُجّلتْ بناءً على طلب الملك سلمان الذي يرغب في تعزيز التوقيع على الاتفاقية المذكورة بحضور أعلى سلطتين في البلدين، وهما جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وفخامة رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى البروفيسور فوستين أركانج تواديرا.
وأكد وزير المملكة العربية السعودية حرص بلاده على توطيد علاقتها الثنائية مع جمهورية إفريقيا الوسطى، كما نقل تحيّات جلالة الملك، وأنه يعرب عن رغبته في أن يرى نظيره وشقيقه في الرياض لتوقيع الاتفاقية التي من شأنها تعزيز التعاون بين البلدين.
وأكدّ وزير الدولة -أيضًا- لمضيفه أن المملكة العربية السعودية تراقب عن كثب الأوضاع السياسية والأمنية في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأنه يهنئها على التقدّم الملحوظ والجهود المبذولة في توطيد الأمن والسلام.
لمحة عن تاريخ العلاقات السعودية الأفرو-وسطية:
إنّ العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إفريقيا الوسطى بدأت تتخذ شكلها الرسمي الدبلوماسي خلال العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين. ففي مطلع العام 2016م قدّمت وزارة خارجية جمهورية إفريقيا الوسطى طلبًا رسميًّا لإقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية؛ وذلك بإشراف مستشار الرئيس تواديرا الخاص بالشؤون العربية السيد محمد عثمان وفريق عمله.
وفي تاريخ 21/2/1438هـ الموافق 21/11/2020م قرر مجلس الوزراء السعودي الموافقة على إقامة علاقات دبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إفريقيا الوسطى، على مستوى (سفير غير مقيم)، وتفويض معالي وزير الخارجية -أو مَن يُنيبه- بالتوقيع على بروتوكول بذلك الأمر([2]).
ولم يلبث الأمر طويلاً حتى بدأت العلاقات تتبلور وتأخذ منحًى إيجابيًّا في إطار تعزيز العلاقات وتوسيع آفاق التعاون بين البلدين في شتَّى المجالات، فوُقِّعتْ اتفاقية تعاون وذلك بمقر بعثة المملكة العربية السعودية في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
وَقَّع عن المملكة العربية السعودية المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، بينما وقَّعت عن جمهورية إفريقيا الوسطى المندوبة الدائمة لإفريقيا الوسطى لدى الأمم المتحدة السفيرة أمبرويزين كبونغو.
وأكد السفيران بهذه المناسبة أنَّ توقيع الاتفاقية بين البلدين يأتي حرصًا منهما على تعزيز العلاقات وتوسيع آفاق التعاون بينهما، ودعمًا لقضايا الأمن والسلم الدوليين، ورغبة من البلدين في أن تؤدي هذه الخطوة إلى توطيد أواصر التعاون المثمر في المجالات السياسية والاقتصادية والفنية والتجارية والثقافية وغيرها من مجالات الاهتمام المشترك، وتجسيدًا لتطلعات البلدين والشعبين نحو إقامة أفضل العلاقات والصِّلات الودية بين البلدين في مختلف الميادين([3]).
ثمّ أخذت عجلة العلاقات الثنائية بين البلدين تتقدم بحركة مُتَّزنة حتى تُوِّجَتْ بتعيين سفير غير مقيم لدى جمهورية إفريقيا الوسطى؛ وذلك نتيجة للأوضاع الأمنية التي تمر بها جمهورية إفريقيا الوسطى آنذاك.
وفي شهر نوفمبر 2019م قدم سعادة السفير جميل بن عبد الرحمن ششه سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية تشاد أوراق اعتماده سفيرًا مفوضًا فوق العادة([4]) غير مقيم([5]) لدى جمهورية إفريقيا الوسطى إلى فخامة الرئيس فوستين أركانج تواديرا رئيس الجمهورية، وذلك بالقصر الرئاسي في العاصمة بانجي([6]).
ودون أدنى شكٍّ، فإن التقارب الدبلوماسي بين جمهورية إفريقيا الوسطى والمملكة العربية السعودية أمرٌ في غاية الأهمية، وسوف يخدم مصالح البلدين ويخدم شعوبهما في ميادين شتَّى ومستويات مختلفة. خاصة في الوقت الراهن؛ حيث إنَّ جمهورية إفريقيا الوسطى بحاجة ماسَّة إلى مثل هذه العلاقات مع دولة بحجم المملكة العربية السعودية ودورها الرائد في خدمة الإسلام والمسلمين، ومبادراتها في تعزيز الحوار الحضاري والحوار بين الشعوب، ومكافحة الإرهاب والتطرف أينما كان. فضلاً عن الدعم الثقافي العلمي التي تقدّمه المملكة العربية السُّعودية لأبناء المسلمين والعالم أجمع المتمثل في برنامج المِنَح الدراسية والذي يُتوقَّع أن يُؤْتِي أُكُله ويثمر في تعزيز أواصر الأُخوة الإنسانية والتعاون بين البلدين.
وتكمن الأهمية أيضًا في كون فترة الرئيس فوستين أركانج تواديرا تعتبر من أفضل الفترات التي تشهدها جمهورية إفريقيا الوسطى بعد فترة الرئيس أندريه كولينجبا([7]) في إدارة الملف الدبلوماسي، ووزارة البلاد الخارجية تحاول أن تؤدي مهامها المنوطة بها على الوجه المطلوب؛ وخاصةً أنَّ الملف الأمني وإدارة الصراع وخوض المعركة الانتخابية القادمة بعد أسابيع، كلّ ذلك يمثلّ أكبر تحدٍّ لحكومة بانجي الحالية.
[1] – صفحة DIASPORA على الفيسبوك: https://www.facebook.com/diasporamagazine/photos/pcb.3503673929718242/3503672506385051/
[2]– وكالة الأنباء السعودية، خادم الحرمين الشريفين يرأس جلسة مجلس الوزراء: https://www.spa.gov.sa/1560888
[3]– عكاظ، المملكة وإفريقيا الوسطى توقعان اتفاقية علاقات دبلوماسية: https://www.okaz.com.sa/local/na/1628320
[4] – السفير فوق العادة والمفوض هو أعلى رتبة لرئيس البعثة الدبلوماسية. يتم إرسالها إلى دول أجنبية نيابة عن الدولة بأوراق اعتماد. كما تتمتع المفوضية العليا المرسلة بين دول الكومنولث البريطانية والممثلين الأعلى الموفدين بين دول الاتحاد بالمكانة والواجبات والامتيازات التي تعادل السفراء. ينظر: https://mimirbook.com/ar/88a26e753bd
[5] السفير غير المقيم هو سفير من أعلى رتبة يُختار لتمثيل بلاده، وعلى عكس السفير المقيم (الذي عادة ما تقتصر مهمته على بلد واحد أو سفارة)؛ فإن السفير غير المقيم يعمل عادةً في البلدان المجاورة، والمناطق. وأحيانًا المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى في حالة السفير غير المقيم قد يقتصر دوره على تقديم المعلومات والمشورة في قضايا معينة. انظر: سفير – ويكيبيديا (wikipedia.org)
[6] تويتر، السفارة السعودية لدى جمهورية تشاد:
https://twitter.com/KsaembassyTCD/status/1199278057657266176
[7] أندريه ديودوني كولينجبا (12 أغسطس 1936 – 7 فبراير 2010) هو الرئيس الرابع لجمهورية إفريقيا الوسطى، حكم البلاد من 1 سبتمبر 1981م حتى 1 أكتوبر 1993م. تولى السلطة بعد الرئيس ديفيد داكو إثر انقلاب غير دموي في عام 1981م، وسلّم السلطة للرئيس أنج فيليكس باتاسيه في انتخابات ديمقراطية أجريت في عام 1993م. هي الانتخابات الأولى للبلاد، ويعتبر الرئيس طولينجبا أول رئيس إفريقي يخسر الانتخابات وهو في سُدة الحكم، ومِن ثَمَّ يسلمها للرئيس المنتخب دون أي مشاكل. ينظر: https://pantheon.world/profile/person/Andr%C3%A9_Kolingba/