أثارت الانتقادات الأخيرة لقانون نزع الملكية في جنوب إفريقيا مِن قِبَل “دونالد ترامب” و”إيلون ماسك” جدلاً حادًّا حول حقوق الأراضي وأمن الاستثمار والتوترات الجيوسياسية.
وتحدثت منظمة “فريدريش ناومان للسياسات الليبرالية والحريات/Friedrich-Naumann-Stiftung für die Freiheit” مع “إنجي هيربرت/ Inge Herbert”، رئيسة المكتب الإقليمي لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حول خلفية الإصلاح القانوني والعواقب السياسية لذلك القانون وتأثيراته على العلاقات بين جنوب إفريقيا والغرب. وفيما يلي نص الحوار:
ترجمة: شيرين ماهر
مؤخرًا، انتقد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والملياردير الجنوب إفريقي “إيلون ماسك” جنوب إفريقيا بشدة، وأوقف “ترامب” المساعدات المالية لجنوب إفريقيا. كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” أنه لن يحضر اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرج؛ لأن جنوب إفريقيا تُنفِّذ عمليات مُصادرة للأراضي. تُرى، هل مثل هذا التصوير دقيق؟
بالطبع لا.. هذا بمثابة تحريف للواقع. يوفّر قانون مصادرة الأراضي، الذي وقَّعه الرئيس الجنوب إفريقي “سيريل رامافوزا” في 23 يناير 2025م، للحكومة إطارًا قانونيًّا للحصول على الأراضي لأغراض عامة أو كجزء من إصلاح الأراضي. في حين لا يسمح القانون بمصادرة الأراضي دون مَنْح تعويضات إلا في حالات محددة للغاية، على سبيل المثال في حالة الأراضي البور والمهجورة.
إن العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، لديها قوانين مصادرة. والنقطة الحاسمة في ذلك هي ما إذا كانت تُطبَّق بشكلٍ عادل وشفَّاف ووفقًا لسيادة القانون، فيما لا يزال الدستور الجنوب إفريقي لا يسمح بمصادرة الأراضي دون منح تعويضات.
كما أن الانتقادات التي وجَّهتها الولايات المتحدة لا تستند إلى حجج واقعية بقدر ما هي بمثابة إعلان حرب؛ لأن المناقشة تحمل بُعدًا جيوسياسيًّا. إن جنوب إفريقيا، التي تَستضيف قمة مجموعة العشرين هذا العام، هي عضو مُؤسِّس في مجموعة دول بريكس. كما حافظ الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا “المؤتمر الوطني الإفريقي” على علاقات وثيقة مع روسيا والصين على مدار سنوات. واستمرت جنوب إفريقيا في رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة.
ولطالما أهمل “المؤتمر الوطني الإفريقي” علاقته بالشركاء الغربيين مثل الولايات المتحدة؛ على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة تدعم برامج الصحة والمناخ في جنوب إفريقيا بنحو 500 مليون دولار سنويًّا. وقد أدى مثل هذا التجاهل إلى إحداث ضرر بالغ في الوقت الراهن؛ لأن الحكومة الجديدة في الولايات المتحدة أظهرت حالة من نفاذ الصبر تجاه السياسة الخارجية الصديقة لروسيا التي تنتهجها جنوب إفريقيا.
يزعُم المنتقدون أن إصلاح الأراضي قد يؤدي إلى إحجام المستثمرين الأجانب.. فهل هذا القلق مُبرر؟
من الواضح أن المستثمرين لا يُحبِّذون حالة عدم اليقين. ولكن ما هو الأكثر ضررًا لجنوب إفريقيا: إصلاح الأراضي المُنظّم أم استمرار التفاوت الشديد الذي يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية؟ في جنوب إفريقيا، لا تزال غالبية الأراضي مملوكة لأقلية بيضاء.
ومع ذلك، نجد أن الوضع السياسي المحلي الحالي مهمّ أيضًا في هذا السياق؛ فقد وضع “التحالف الديمقراطي” (DA)، الشريك في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي ظلت في السلطة منذ مايو 2024م، نفسه بوضوح ضد قانون نزع الملكية. حتى أن “التحالف الديمقراطي” رفع دعوى قضائية ضد القانون الذي أقرته حكومة المؤتمر الوطني الإفريقي السابقة؛ لأنه يرى أنه يُشكِّل تهديدًا لحقوق الملكية وأمن مناخ الاستثمار. وفي حال تم تنفيذ القانون، فقد يُعرِّض الائتلاف الحكومي الهشّ للخطر.
إذن يواجه التحالف الديمقراطي معضلة: فهو جزء من الحكومة، لكنه يعارض قانون نزع الملكية. فكيف يمكنه أن يُحقّق هذا التوازن؟
يتعين على التحالف الديمقراطي أن يتبنَّى خطًّا واضحًا؛ فهو لا يستطيع أن يجلس في حكومة تُقوِّض المبادئ الأساسية للحزب. وفي الوقت نفسه، يتعين على الحزب أن ينأى بنفسه عن مجموعات مثل منتدى “أفريفورم” اليميني المتطرف، وهي جماعة ضغط تضم مزارعين ذوي بشرة بيضاء من جنوب إفريقيا ينشرون عمدًا معلومات مضللة عن “ترامب” و”ماسك” لإثارة البلبلة.
ويتعين على التحالف الديمقراطي أن يضع نفسه في موقف الضامن لسيادة القانون والتَّعقُّل الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، يتعين عليه أن يسعى إلى التعاون مع القوى المعتدلة في المؤتمر الوطني الإفريقي من أجل إيجاد حلّ عَمَلي ومتوازن لضمان الاستقرار. وقد أعلن زعيم حزب التحالف الديمقراطي “جون ستينهويزن” بالفعل أن حكومة الوحدة الوطنية ستُجْري اتصالاً مع ترامب لإزالة اللبس حول سوء الفهم المحيط بالقانون.
ويتمثل الخطر الداهم في أن تسود القوى اليسارية والشعبوية في المؤتمر الوطني الإفريقي؛ فإذا انهارت حكومة الوحدة الوطنية، ستواجه جنوب إفريقيا أزمة سياسية، بالتزامن مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها على الاقتصاد والمجتمع. ومِن ثَم فإن المناقشة حول مصادرة الأراضي ليست مجرد نزاع حول حقوق الأراضي، بل إنها تُشكّل اختبارًا حاسمًا لمستقبل جنوب إفريقيا السياسي، وتماسُك وسلامة الحكومة، والعلاقات بين البلاد والغرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الحوار: